Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore سلسلة الاستحالة الممتنعة او الدولة والاخلاق - ابو يعرب المرزوقي

سلسلة الاستحالة الممتنعة او الدولة والاخلاق - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-04-28 09:55:19

Description: سلسلة الاستحالة الممتنعة او الدولة والاخلاق - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أو الدولة والاخلاق‬‫الأسماء والبيان‬



‫‪1‬‬ ‫المحتويات‬ ‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪1‬‬ ‫مفهوم الاخلاق في بنيتها المجردة وولاء الحكم والمعارضة لما يضمنه الدستور‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫مفهوم الدولة‬ ‫الخصائص الذاتية للدولة الحديثة‬ ‫‪6‬‬ ‫نظرية الشوكة والشرعية‬‫‪11‬‬ ‫الخلقي والسياسي في الحكم من منظور المدرسة النقدية العربية‬ ‫‪12‬‬ ‫‪15‬‬‫‪21‬‬



‫سأتوقف قليلا في مسالة الابداعين للكلام في مسألة اسالت الكثير من الحبر‪ :‬الدولة‬ ‫المستحيلة‪ .‬وليس من عادتي ولا أنوي الرد على أحد حتى لو ذكرني‪.‬‬‫كما أني لما تكلمت على الدولة المستحيلة لم يكن قصدي الرد على حلاق ولم أقصر كلامي‬ ‫عليه بل تكلمت كذلك على عبد الرازق في صلة بالدولة الإسلامية‪.‬‬‫مشكلي مع مفهومين أعجب كثيرا أن فهمهما لدى من يدعي التفلسف في السياسيات (حلاق)‬ ‫والتفلسف في الأخلاقيات (عبد الرحمن)‪ :‬الوصل والفصل بينهما‪.‬‬‫لم أفهم وصلهما بين المفهومين في دولة الإسلام وفصلهما في الدولة الحديثة وبمعنى أوضح‬ ‫كيف يسبغان الخلقية على الأولى وينفيانها عن الثانية‪.‬‬‫ولم يكن بد من الخوض فيما يمكن أن يطرأ على فهم المفهومين حتى يصبح ذلك ممكنا‪:‬‬ ‫تصور دولة ذات أخلاق ودولة عديمة الأخلاق أمر محير لكل عاقل‪.‬‬‫لذلك فينبغي أن نطلب محل الأخلاق في الدولة عامة قبل التمييز بين الدولة الإسلامية‬ ‫والدولة الحديثة‪ .‬فحضور الاخلاق في الدولة عامة ذو مستويين‪.‬‬‫‪-1‬فهو يحضر أولا في بنيتها المجردة لتحقيق وظائفها قبل أن تملأ بمن تتعين فيه سلطتها ممن‬ ‫اختارهم الشعب أو فرضهم العرف ليكونوا الفاعلين باسمها‪.‬‬‫‪-2‬وهو يحضر ثانيا فيمن تتعين فيهم سلطتها لتحقيق وظائفها وبه يقدر مدى ولائهم عملهم‬ ‫بشرائعها التي تحدد دور مؤسسات بنيتها المجردة غاية ووسائل‪.‬‬‫ولنذهب الآن إلى مفهوم الأخلاق بنوع حضورها الاول (ما يسعى إلى ضمانه دستور‬ ‫الدولة) وبنوع حضورها الثاني (مدى ولاء الحكم والمعارضة لما يضمنه)‪.‬‬ ‫‪30 1‬‬

‫فلنعتبر الدولة الحديثة دستورها غايته الوحيدة ترضية الحيوان في الناخب بوسائل منافية‬ ‫للأخلاق الحميدة وأن حكمها ومعارضتها مافيات موالية له‪.‬‬ ‫هل هذا يعني أنها بلا أخلاق؟‬ ‫أم هو حكم خلقي على المفهوم الذي تتبناه الدولة الحديثة؟‬ ‫هل مفهوم الأخلاق حكر على الحميد منها؟‬ ‫سوء فهم للمفهوم‪.‬‬‫أليس وصل الدولة الإسلامية بالأخلاق وفصل الدولة الحديثة عن الأخلاق مجرد حكم‬ ‫مسبق يجعل صاحب الميل للأولى حكما في قيمة الثانية من منطلق عقدي‪.‬‬‫هل تفضيل طه عبد الرحمن لعقيدته الإسلامية في الأخلاق كاف للزعم بأن الدولة‬ ‫الإسلامية مستحيلة الوجود الحديث لأن الدولة الحديثة بلا أخلاق؟‬ ‫ذلك ما لا أفهمه‪.‬‬‫لكن ما لا أفهمه حقا هو أن الفلسفة لم تعد فنا ذا قواعد أولها التمحيص المفهومي بل صارت‬ ‫ساحة مباحة للعجلى من طالبي النجومية‪.‬‬‫أعود الان إلى مفهوم الدولة الذي يباهي أدعياء ما بعد الحداثة بأنه مفهوم حديث لا‬ ‫يعقل إلا من منطلق فكر الحداثة الغربية‪.‬‬ ‫إنه تياسر مفهومي مجاني‪.‬‬ ‫الحداثة السياسية في الغرب إضافية إلى الوسيط والقديم‪.‬‬ ‫‪-1‬بطبيعة شرعية الحكم في الدولة (شعبية أم إلهية)‪.‬‬ ‫‪ -2‬لا تصح على الدولة القديمة في اليونان‪.‬‬ ‫ولهذا العلة كان لفلسفة الدولة والحكم اليونانية دور كبير في بناء الدولة الحديثة‪.‬‬ ‫لكن تحرر الغرب المسيحي من عوائقها اقتضى ثورتين حررتاه منها‪.‬‬‫الثورة الأولى يمكن اعتبارها روحية وهي التحرر من الوساطة بين المؤمن وربه‪ :‬وهذا‬ ‫تأسيس للمسؤولية الشخصية التي هي جوهر الأخلاق سالبها وموجبها‪.‬‬ ‫‪30 2‬‬

‫والثورة الثانية سياسية تحرر المواطن من دولة يدعي حكامها أنهم يستمدون شرعيتهم من‬ ‫حق إلهي تؤيده المؤسسة الكنسية التي تجاوزتها الثورة الروحية‪.‬‬‫الدولة التي يتكلم عليها حلاق ويؤسسها على فهم عبد الرحمن الذي يقصرها على الموجب‬ ‫منه في منظوره والتي يريانها مستحيلة تخلت عن ثورتي الإسلام‪.‬‬‫فالثورة الروحية (علاقة مباشرة بين المؤمن وربه دون كنسية) والثورة السياسية (علاقة‬ ‫مباشرة بين المواطن والشرعية) هما أساس علاقة الدين بالسياسة‪.‬‬‫وهما مفهوم الدولة في الإسلام‪ :‬الشورى ‪( :38‬فأمرهم= راسبوبليكا) و (شورى بينهم =‬ ‫ديموقراطية) وإذن فنظام الدولة هو جمهورية ديموقراطية أو شورية‪.‬‬‫وهذه النظرية القرآنية ليست ما نجده في دولة الفقهاء التي يمدحها حلاق وينسب إليها‬ ‫الأخلاق ويدعي أنها لم تعد ممكنة بدعوى نقد الدولة الحديثة‪.‬‬‫ثم إن نقد الدولة الحديثة في واقعها لو فعلنا مثله في نقد الدولة الإسلامية القديمة لكانت‬ ‫هذه دون تلك خلقية‪.‬‬ ‫كلامه لا يعني إلا بوكو حرام‪.‬‬ ‫أما المتطفلين على الفلسفة فلا داعي للكلام معهم أو عليهم‪.‬‬ ‫فيلسوفهم يخلط بين الأخلاق وأحكامه المسبقة دفاعا عن عقيدته‪.‬‬ ‫الدولة شرط الأخلاق دائما‪.‬‬‫ادعاء أن الدولة الحديثة غير خلقية ونصح المسلمين بتجنبها بدل تجويد ما في كيانها‬ ‫البنيوي وفي تعينها الفعلي من أخلاق لا يقول به إلا بوكو حرام‪.‬‬‫ما بعد حداثة أخلاق عبد الرحمن وحلاق من الموضة‪ .‬لكنها أبعد ما يكون عن طلب المعرفة‬ ‫الرصينة إذا حافظ الفكر على قواعد المنهج بأمانة طلب الحقيقة‪.‬‬‫ليس في كلامي رد على أحد بل هو تصحيح لمفهوم الأخلاق (موضوعها هو الفضائل‬ ‫والرذائل) ومفهوم الدولة الذي لا يتغير (تربية للرعاية وحكم للحماية)‪.‬‬‫والدولة شرط واسع الأخلاق أو السياسة التي هي فعل تربية الإنسان (وهو البعد الخلقي)‬ ‫وحكمه (وهو البعد القانوني) بإطلاق مبدئيا وبنسبية فعليا‪.‬‬ ‫‪30 3‬‬

‫من مفارقات ما بعد حداثة عبد الرحمن وحلاق أنها تنتهي في الغاية إلى عبارة خاوية أو‬ ‫تحصيل حاصل‪ :‬الماضي لا يعود والحاضر غير الماضي‪.‬‬ ‫لكن فيم؟‬‫ما يقوله عبد الرحمن عن الأخلاق التي يقصرها على ما يعتقده فهما للإسلام موقف مذهبي‬ ‫وليس بحثا فلسفيا وما يقوله حلاق بناء عليه فوكلدية مبتورة‪.‬‬‫نقد الاستشراق ليس لعبة‪ .‬والذهاب إلى تسفيه كل المستشرقين سخافة‪ .‬فوكو يتكلم على‬ ‫الابستيميا التي تبدع الرؤى والتأويلات ولا تنفي الحقائق‪.‬‬‫قد يصح النقد الفوكلدي على الرؤى لكنه لا ينفي أن وراء الرؤى علوما هي التي بمقتضاها‬ ‫تعتبر الرؤى مجرد رؤى‪ .‬وحتى مناظرية نيتشة لا تغير الأمر‪.‬‬‫وما يعنيني هو التناقض الصارخ لدى عبد الرحمن‪ :‬لا يمكن للمرء أن يدعي أنه مؤمن‬ ‫بالقرآن ثم يزعم أنه ما بعد حداثي‪ .‬فإما الأول نفاق أو الثاني كذبة‪.‬‬ ‫الحكم على الدولة الحديثة بأنها غير خلقية يناقض تاريخ الفكر السياسي والخلقي‪.‬‬ ‫فلا دولة بلا أخلاق ولا إمكان للأخلاق بدون دولة في كل الجماعات‪.‬‬‫وحتى لو سلمنا بأن الدولة الحديثة بنت الحداثة الغربية حصرا فهل يقتضي ذلك أنها‬ ‫خالية من خصائص ذاتية للدولة التي لا تخلو منها كل الحضارات؟‬ ‫فالدولة لها خصائص ذاتية لها من حيث هي دولة‪:‬‬‫نظام مؤسسات وظيفته الحماية الداخلية والخارجية ونظام مؤسسات وظيفته الرعاية‬ ‫التكوينية والتموينية‪.‬‬‫وذلك منذ بداية التاريخ الإنساني إلى الآن‪ :‬فهي تحمي أفرادها بعضهم من البعض داخليا‬ ‫وتحمي الجماعة من الجماعات الأخرى خارجيا وذلك بخمس وظائف‪.‬‬‫ففي الداخل لا بد من القضاء والأمن وفي الخارج لا بد من الدبلوماسية والدفاع وحتى‬ ‫تعمل هذه المؤسسات الأربع لا بد من جهاز استعلامات وإعلام‪.‬‬ ‫‪30 4‬‬

‫ولا يمكن تصور الأخلاق موجودة من دون هذه الوظائف الخمس لأن العدوان والخوف من‬ ‫مقومات الحيوانية ولا بد له من وازع ذاتي وأجنبي (ابن خلدون)‪.‬‬‫ولا يمكن تصور بقاء الإنسان من دون رعاية جماعية تكوينا (التربية والمجتمع الأهلي)‬ ‫وتموينا (الإنتاج الرمزي والمادي) ونظام بحث علمي حول شروط القيام‪.‬‬‫وهذه الوظائف العشر لم تتحقق فعلا إلا في الدولة الحديثة فكيف يزعم البعض أنها‬ ‫عديمة الأخلاق؟‬ ‫ألأنها مؤ ِسسة الأخلاق صارت فاقدة لها؟‬ ‫ما هذا؟‬ ‫فليحاور أصحاب هذه الرؤى بوكو حرام وداعش وأدعياء ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫دولة فقه الانحطاط ليست أخلاقية أصلا والدولة الحديثة أقرب إلى أخلاق القرآن‪.‬‬ ‫‪30 5‬‬

‫أعود مرة أخرى لمسألة الدولة المستحيلة بحجج اخلاقوية المسألة التي أحاول فهمها علني‬ ‫أجد عذرا لما يدعي في فلسفة السياسة والأخلاق علما لدنيا‪.‬‬‫بينت في المحاولة السابقة أن الأخلاق لا تطلق على الحميد منها فحسب بل حتى الذميم يعد‬ ‫منها فضلا عن كون حمد الحمية و ذم الذميم موقفان ذاتيان منهما‪.‬‬‫صحيح أن الاستعمال العامي لمفهوم الأخلاق يقصرها على ما يعتبره حميدا منها بمقتضى‬ ‫عاداته وأعرافه‪ .‬لكن ذلك ليس من علم الأخلاق فضلا عن فلسفتها‪.‬‬ ‫وصحيح أن التعيير العامي للدول يعتمد على هذا الفهم العامي للحميد من الأخلاق‪.‬‬ ‫لكن علم الأخلاق يبدأ باعتبار هذا الحكم نفسه حائلا دون علمية فهمها‪.‬‬‫ولهذه العلة فلا يوجد عاقل له دراية بمعنى \"دولة\" وبمعنى \"أخلاق\" يفهم الفصل بينهما‬ ‫إذا أخذا بمعنييهما اللذين يحددان فضيلتيهما أي وظيفتيهما‪.‬‬‫فالأخلاق الحميدة على فرض أن الإنسان خير بالطبع لا تعرف إلا بكونها حقيقة علائقية‬ ‫أي إنها صفة للتفاعل بين البشر المشتركين في حياة جماعية ما‪.‬‬‫وهي بهذا المعنى تمثل ما يسميه ابن خلدون بالوازع الذاتي في مقابل الوازع الأجنبي الذي‬ ‫يمثله القانون الرادع أي فعل دولة ذات نظام وسلطة رادعة‪.‬‬‫ولما كانت السلطة الرادعة مهما عمت لا يمكن أن تراقب كل علاقات البشر فإن فعلها مقصور‬ ‫على مخالفة شرائعها فتكون مكملة لعرف خلقي أو اخلاق موضوعية‪.‬‬‫ووصف هذه الأخلاق الموضوعية (أو المعروف) بالحميدة أو الذميمة حكم ذاتي إما من أحد‬ ‫صفوف الجماعة أو من جماعات اخرى وهو حكم خلقي في عادات خلقية‪.‬‬‫فالقول إن الدولة الحديثة بحكم عدم خلقيتها مستحيلة ليس بإطلاق بل بالنسبة إلى‬ ‫المسلمين لخلقية دولتهم الماضية يجعلهم مخيرين بين أمرين أبسورد‪.‬‬ ‫‪30 6‬‬

‫لهم أن يختاروا بين حداثة بلا أخلاق أو أخلاق بلا حداثة فتكون أخلاقهم جامدة لا يمكن‬ ‫أن تتطور وتكون الحداثة ذات جوهر لا أخلاق فلا تتغير‪.‬‬‫وبذلك نفهم اعتماد حلاق على عبد الرحمن‪ :‬فالأخلاق عنده ليست علاجا قيميا لشروط‬ ‫مقام الإنسان في العالم بل هي اختيار لحل يمكن من الهروب منه‪.‬‬‫فتكون ترجمة الاستحالة الحلاقية هي تصويف الاخلاق بدل اعتبارها الالتزام التاريخي‬ ‫بعمل صورة العمران (الدولة) سياسة له تضفي عليه قيمة خلقية‪.‬‬ ‫فتعريف السياسة منذ نشأ التفكير السياسي بوصفه جوهر التفكير الخلقي ولبه‪.‬‬ ‫فالدولة هي في كل العصور الجهاز الذي يهدف لتحقيق شروط الخلقية عامة‪.‬‬‫وبصورة أدق الدولة هي التعين المؤسسي لأخلاق الجماعة التي تنتج عن استكمال الوازع‬ ‫الذاتي(الضمير) بالوازع الأجنبي (القانون)‪ .‬ولهما صلة بالدين‪.‬‬‫وصلتهما بالدين لا يعني أنهما دينيان بل أن لهما من الدين ما يمكن وصفه بالأسس المقدسة‬ ‫التي تعرف الحقوق والواجبات ونقائضها‪ :‬المعروف والمنكر‪.‬‬‫فإذا عدت لمعنى الاستحالة التي بينت أنها تفيد تخيير المسلمين بين دولة حديثة بلا أخلاق‬ ‫أو أخلاق قديمة بلا دولة أستنتج‪ :‬خروجنا من التاريخ‪.‬‬‫الأخلاق القديمة بلا دولة هي الطرقية الصوفية التي تعيد الأمة إلى رقص الهنود الحمر‬ ‫وهو ما يسعى إليه الكثير بدليل ملتقى الشيشان ورقاصي الذهان‪.‬‬‫وإذن فاختيار الأساس الخلقي النظري لم يكن بالصدفة منتسبا إلى القائل بالحل الصوفي‬ ‫علاج أدواء الامة والمحقر من الفعل السياسي أي جوهر الأخلاق‪.‬‬ ‫ولا أتهم الرؤية المسيحية‪.‬‬‫فالمسيح نفسه كان مصلحا سياسيا ولم يقتصر عمله على الإصلاح الديني ضد فقهاء‬ ‫الانحطاط اليهودي تحت الاستعمار الروماني‪.‬‬‫والإصلاح الديني في اوروبا لم يكن فاصلا بين الخلقي والسياسي لأن تحرير الإنسان من‬ ‫سلطان الكنسية بداية غايتها تحريره من الحكم بالحق الإلهي‪.‬‬ ‫‪30 7‬‬

‫فالإسلام قبل ذلك بكثير حقق هذين الحريتين مبدئيا‪-‬الممارسة ألغتهما‪-‬باعتبارهما شرطي‬ ‫علاقة الخلقي من الديني بالسياسي فلم يقتصر على العبادات‪.‬‬‫وبهذا المعنى فالسياسة‪-‬التربية (لترشيد الوازع الذاتي) والحكم (لترشيد الوازع‬ ‫الأجنبي) ‪-‬هي الأخلاق وقد تعينت في مؤسسات الدولة شرائع وأعراف‪.‬‬‫فإذا حاولنا الآن وصف الدولة الحديثة فإننا سنجد على الأقل من حيث المبدأ تعينا مؤسسا‬ ‫للأخلاق يحقق الحريتين الروحية والسياسية للفرد والجماعة‪.‬‬‫هذا من حيث البنية المجردة للدولة بوصفها منظومة مؤسسات تعتمد حرية الضمير (الحرية‬ ‫الروحية) وحرية الإرادة (الحرية السياسية)‪ .‬وهذا هو دستورها‪.‬‬‫ثم هي جمعت بين الوظيفتين‪ :‬كان دور الدولة ما قبل الحديثة مقصورا على الحماية‬ ‫ببعديها وكانت الرعاية ببعديها مسؤولية المجتمع الأهلي والدين‪.‬‬‫وكانت الرعاية لا تعتبر حقا بل تطوعا من الأوقاف فلا تسد الحاجة للجميع بالتساوي‬ ‫بل هي مقصورة على عمل الخير التطوعي‪.‬‬ ‫ذلك مهم لكنه غير كاف‪.‬‬‫وبإضافة ذلك إلى دور الدولة صارت الدولة أكثر خلقية مما كانت في القرون الوسطى‬ ‫وقبلها‪ .‬وقد يتضاعف سلطانها‪ :‬وظيفة المجتمع المدني الحديث يحد منه‪.‬‬ ‫أما دولة الفقهاء بخلاف راي حلاق فهي ليست دولة فضلا عن ان تكون دولة خلقية‪.‬‬ ‫هي ليست دولة لتخليلها عن نظام المؤسس‪ :‬سلطانها بلا قانون ولا أخلاق‪.‬‬‫فعندما يكون الحكم للقوة ويكون صاحبه فوق القانون فإن عمله ليس عمل دولة وبالذات‬ ‫ليست عمل دولة يؤمن شعبها وحكامها بنظرية الدولة القرآنية‪.‬‬‫فإذا ما استثنينا عصر الراشدين وربما بعض فترات في كل تاريخ الإسلام كانت السياسة‬ ‫حربا على الدولة بمعناها الذي وصفنا أي لا دولة تربية وحكما‪.‬‬ ‫ويكذب من يدعي أن الفقهاء كان لهم سلطان حقيقي‪.‬‬‫فهم جماعتان‪ :‬إما مع نظرية الدولة فمبعدون عن حقيقة اللادولة أو مبررون للادولة‬ ‫واللاأخلاق‪.‬‬ ‫‪30 8‬‬

‫وفي الحقيقة مقدمة ابن خلدون وصف دقيق للادولة واللاأخلاق في التاريخ الإسلامي‪:‬‬ ‫المقابلة مع الدولة الحديثة قد تقبل بالقياس إلى العصر الراشدي‪.‬‬‫وعندئذ لن يبقى الكلام على الاستحالة مقبولا‪ :‬ذلك أن محاولة تحقيق الحريتين في الصدر‬ ‫وإن لم تتجذر مؤسسيا تفتح للاستئناف إمكانات لا متناهية‪.‬‬ ‫لذلك عنونت فصل الأمس بالاستحالة الممتنعة‪.‬‬‫المسلمون يستأنفون دورهم في التاريخ العالمي كنشأتهم الأولى بأدوات الفعل السياسي تربية‬ ‫وحكما‪.‬‬‫وتلك هي الاخلاق أما أخلاق الدراويش التي قضت على حضارة الهنود الحمر فرجاء لا‬ ‫تستغفلوا الشباب لأنه لن يسمع لكم وسيستأنف دور الامة بأسبابه‪.‬‬‫وليس لأن بعض الدجالين يتكلمون في الأخلاق بسبب الموضة تصبح الأخلاق دروشة وإنما‬ ‫هي المعنى الذي يجعل فعل الإنسان يتحرر من القانون الطبيعي‪.‬‬‫والتحرر من القانون الطبيعي ممتنع من دون النظام المؤسسي الذي يربي الإنسان (أخلاق)‬ ‫ويحكمه (قانون) ليرتفع من قانون الانتخاب إلى قانون التقوى‬‫وقانون الانتخاب يحكمه صراع القوى ‪-‬قانون الصدام‪-‬وقانون التفاضل بالتقوى يحرره من‬ ‫التفاضل العنصري والطبقي والطبعي (القوة)‪ :‬تلك هي الاخلاق‪.‬‬‫فجوهر السياسة المتعينة في دولة ببنيتها الصورية (كما يحددها دستورها وضعيا كان أو‬ ‫دينيا) وبالقيمين عليها نيابة عن الجماعة هي أخلاق الجماعة‬‫ولست بهذا الحكم أفاضل بين الفهم الهيجلي والفهم الكنطي للأخلاق فهما وجها الخلقي‪:‬‬ ‫فهيجل لا ينفي الذاتي من الاخلاق وكنط لا ينفي الموضوعي‪.‬‬‫بل كلاهما يعتبرهما متلازمين‪ .‬أما من يعتبر الاخلاق خروجا من العالم ونضالاته باسم‬ ‫الانزواء الصوفي فلا هو هيجلي ولا هو كنطي بل مستقيل لا يجاهد‬ ‫أخلاق القرآن‪:‬‬ ‫‪-1‬اجتهاد‪.‬‬ ‫‪-2‬جهاد‪.‬‬ ‫‪30 9‬‬

‫الاول معرفي خاصة والثاني خلقي خاصة‪.‬‬ ‫وخلقية الثاني مشروطة بعلمية الأول‪.‬‬ ‫وعلمية الاول مشروط بخلقية الثاني‪ :‬وذلك مجال تكليف الإنسان‪.‬‬‫فلا يمكن للإنسان أن يكون خليفة إذا لم يعمر الأرض‪ .‬ولا يعمرها من يهجرها فلا يناضل‬ ‫سياسيا بمعنى تحقيق القيم الخلقية في تاريخ الإنسانية الفعلي‪.‬‬ ‫‪30 10‬‬

‫قبل ثورة الشباب‪-‬الربيع العربي‪-‬كنا نعتقد أننا نعلم من يحكم‪:‬‬ ‫‪-1‬ابن على وإدارته السياسة والأمنية مباشرة‬ ‫‪-2‬ومن ورائهم من أوصلوه إلى خلافة بورقيبة‬‫ولم يكن خفيا أن هؤلاء هم فرنسا وأمريكا بما لهم من عملاء في البلاد عامة‪ ،‬وفي الاجهزة‬ ‫التي يحكم بها ابن علي خاصة‪.‬‬ ‫وهذا أيضا شبه معلوم للكثير‪.‬‬‫كنا نتصور أن العالم ينقسم إلى توابع‪ ،‬مثل تونس‪ ،‬ومتبوعين‪ ،‬مثل أمريكا‪ .‬ونتصور هذه‬ ‫الآلية مقصورة على التوابع‪ ،‬وحكم المتبوعين يمثل إرادة الشعب‪.‬‬‫لكن ما حدث أخيرا في انتخاب ترومب واتهام روسيا بالتدخل في الحملة وتغليبه على كلنتون‬ ‫وتخوف أوروبا مما يشبه ذلك‪ ،‬يجعلنا نعيد النظر‪ :‬من يحكم؟‬‫فرغم أن السؤال يتضاعف الى مستويين في الأقطار التابعة والأقطار المتبوعة‪ ،‬فيصبح‬ ‫مسألة عالمية بعد أن كنا نتصوره محلية‪ ،‬فإنه بذلك يكون أيسر علاجا‪.‬‬‫فهو يصبح مسألة مجردة تتعلق بالحكم‪ ،‬من حيث هو حكم عامة‪ ،‬ولا تمييز بين نوعيه لدى‬ ‫التابعين ولدى المتبوعين‪ ،‬إذ يصير الجميع تابعا ومتبوعا بدرجات‪.‬‬ ‫وحينئذ يمكن ان يطرح السؤال‪:‬‬‫هل علاقة التبعية ‪ -‬فعلا وانفعالا ‪ -‬هي جوهر الحكم من حيث هي حكم من أدنى درجاته‬ ‫إلى أسماها؟‬ ‫‪30 11‬‬

‫وهل تعود إلى صراع القوى؟‬ ‫بعبارة أوضح‪:‬‬‫هل الحكم يخضع للقانون الطبيعي مثل صراع القوى أو قانون الصدام بين القوى‪ ،‬فترد‬ ‫الفاعلية في عالم الحيوان إلى الانتخاب الطبيعي؟‬‫هل السياسي ينتسب إلى قانون الانتخاب الطبيعي في صراع القوى السياسية من أجل ما‬ ‫تطلبه السياسة فرديا وجماعيا‪ ،‬محليا ودوليا؟‬ ‫وما هذا الذي تطلبه؟‬ ‫نظرية الشوكة والشرعية‬‫وقبل أن أواصل‪ ،‬فلأشر إلى أن نظرية الدولة لدى كبار مفكري السنة في السياسة أميل‬ ‫لهذا الفهم بنظرية الشوكة‪ :‬الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪.‬‬‫لكنهم يعتبرون ذلك لا يقتصر على القوة المادية بل هم يضيفون نوعا آخر من القوة يمكن‬ ‫أن نعتبره شرط قبولها الطوعي في حين أن الأولى هي شرط فرضها‪.‬‬‫والقوة الثانية خلقية كالفرق بين قتال الفرسان وقتال الأوغاد‪ :‬أي إن الإنسان يخضع‬ ‫للانتخاب الطبيعي المعدل الى حد ما بصراع الفضائل والرذائل الخلقي‪.‬‬‫ويمكن القول إن علة ذلك هي حقيقة الإنسان الذي هو أولا حيوان لكنه يستطيع رؤية‬ ‫ذاته من خارجها بعين يقيس بها تعيير غيره له على تعييره لغيره‪.‬‬‫فكل إنسان يطلب النصر على عدوه‪ ،‬لكنه يحتقر نفسه لو شاب نصره ما يحط من قدره‪،‬‬ ‫كفارس بغلبة مغشوشة كالغدر‪ .‬بلغة الغزالي هي المهابة‪.‬‬‫وهو بذلك يعلل دور الفاروق في حسم الخلاف في قضية الخلافة‪ :‬مهابته جعلت مبادرته‬ ‫تحقق شرطي الحكم اتباع الغالبية لمبادرته أي حصول شرط الشوكة‪.‬‬ ‫‪30 12‬‬

‫وهذا التفسير على أهميته لا يكفي‪.‬‬‫فالمثال مقصور على حالة خاصة اعتبرها ابن خلدون من الشاذ الذي لا يقاس عليه‪ :‬لحظة‬ ‫النبوة استثنائية في التاريخ‪.‬‬ ‫لذلك عكس ابن خلدون العلاقة بين عاملي الحكم‪ :‬الشرعية والشوكة‪.‬‬ ‫الغزالي اعتبر المهابة تحقق الشوكة‪ ،‬وابن خلدون يرى العكس الشوكة تحقق المهابة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة تضمنت مقدمته مبدئين‪:‬‬ ‫‪-1‬في أن الدعوة الدينية لا تفلح من دون عصبية‪.‬‬ ‫‪-2‬في أن الدعوة الدينية تزيد العصبية قوة‪ .‬الشوكة قبل الشرعية‪.‬‬‫ومن دونها تصبح مفضية للهرج لأنها كما يرى تكون حكما طبيعيا وبلغتنا الحديثة صراعا‬ ‫أبديا بمنطق الانتخاب الطبيعي بين العصبيات محليا ودوليا‪.‬‬‫فلنترجم العلاقة مؤقتا فنعتبرها بين القوة والشرعية أو بين التأثير المادي والتأثير الرمزي‬‫في الإنسان الحاكم والمحكوم وفي مطالب الصراع بينهما‪ ،‬ولنشر قبل التقدم في البحث إلى‬‫أن ما كان يجري بالتوالي خاصة من الوجه العالمي للظاهرة (في لحظة ابن خلدون) صار‬ ‫الآن يجري بالتساوق عامة‪.‬‬‫فالعالم بالتكاثر والتواصل والتبادل‪ ،‬أصبح يخضع لمنطق الجماعة الواحدة‪ ،‬تشابكت خيوط‬ ‫الحكم عالميا في مجال شبه مغناطيسي موحد بين القوى المتفاعلة‪.‬‬‫ومن ثم فاتحاد ظاهرة الحكم بين التابعين والمتبوعين تجعل الجميع تابعا ومتبوعا بحدود‬ ‫متفاضلة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فيمكن دراسة الظاهرة بما هي بسياق كوني‪.‬‬‫وكونية السياق تغني عن اعتبار فروقه التفصيلية والجزئية والاقتصار على درس آليات‬ ‫الحكم ومحدداته من حيث هو حكم عامة دون اقتصار على السياسي منه‪.‬‬ ‫‪30 13‬‬

‫أو بصورة أدق‪ ،‬باعتبار ما يجعل السياسي شاملا‪ ،‬ما عداه فيتعلق بسياسة الحكم ثم بسياسة‬ ‫كل ما عداه من مجالات انتظام الشأن العام محليا وعالميا‪.‬‬‫وحتى أُ َيسر العملية‪ ،‬سأكتفي بالمجالات الخمسة التي صنفت بمعيارها النخب التي بيدها‬ ‫الحل والربط في الشأن العام في كل جماعة محلية كانت أو دولية‪.‬‬‫فلعل ذلك يمكننا من وضع سلم لدور كل مجال في درجات التحديد الذي بمقتضاه يمكن فهم‬ ‫آليات الحكم في الجماعات البشرية بمستوييها الطبيعي والخلقي‪.‬‬‫فلنسلم فرضيا أن التنافس في الجماعة له خمسة مجالات يتنافس فيها من تغلب عليهم صفة‬ ‫الإرادة وصفة المعرفة وصفة القدرة وصفة الحياة وصفة الوجود‪.‬‬‫بمعنى أن‪ ،‬من تغلب عليهم صفة الإرادة من البشر هم المتحضرون للسياسة‪ ،‬يتنافسون على‬ ‫تمثيل إرادة الجماعة ولهم طرق في الفوز في هذا التنافس‪.‬‬‫ولنقس عليهم المتنافسين في المعرفة (العلوم)‪ ،‬وفي القدرة (الاقتصاديات)‪ ،‬وفي الحياة‬ ‫(الفنون ومنها الرياضة)‪ ،‬وفي الوجود (رؤى العالم فلسفيا ودينيا)‪.‬‬‫نلحظ علاقة بين تنافس أصحاب الإرادة (الساسة) وتنافس أصحاب الوجود (أصحاب الرؤى‬ ‫الفلسفية والدينية)‪ :‬تنافس بين عمومين في الحكم فعليا أو رمزيا‪.‬‬ ‫وغالبا ما يكون خلافهما مصدر عدم استقرار‪ ،‬وتوافقهما مصدر استقرار‪.‬‬ ‫لكن في اصحاب الرؤى كذلك تنافس بين الفلسفي والديني‪ ،‬ومثله بين أصحاب الإرادة‪.‬‬ ‫ونلحظ نفس العلاقة بين تنافس المعرفة وتنافس الحياة‪ ،‬أو بين العلم والفن‪.‬‬ ‫الأول متصل مباشرة بالنزاع بين الإرادة والرؤى مع ميل للإرادة‪.‬‬ ‫والثاني العكس‪.‬‬ ‫‪30 14‬‬

‫فيصبح أصحاب الإرادة والعلم من صف‪ ،‬وأصحاب الرؤى والفن من صف ثان‪ :‬الأول أقرب‬ ‫لما يمكن أن نسميه منطق \"الواقع\"‪ ،‬والثاني منطق \"المثال\"‪.‬‬‫ولما كان منطق الواقع أمرا واقعا ليس له من ذاته شرعية غير ما له من قوة مادية تفرضه‪،‬‬ ‫فإنه بحاجة إلى ما يمدد من مفعول الامر الواقع بما يتجاوزه‪.‬‬‫لذلك فسلطان الأمر الواقع لا يبقى بما يجعله واقعا فحسب‪ ،‬بل بما يجعله واقعا مقبولا ممن‬ ‫يقع عليه‪ ،‬فيكون المثال دائما شرطا في بقاء الواقع واقعا‪.‬‬‫وعند التطبيق السياسي لهذه القاعدة يكون كالتالي‪ :‬الشوكة غلبة مؤقتة تدوم بشرطين‪:‬‬ ‫‪-1‬ألا تنمو شوكة فتصبح أقوى منها‪.‬‬ ‫‪-2‬بقاؤها حرب على الممكن منها‪.‬‬‫وهذا يقتضي المثال لإضفاء الشرعية على بقاء الأمر الواقع ونفي الشرعية على ما‬ ‫يعارضه بمقتضى قانون الطبائع أي صراع القوى‪ .‬صراع القيم ملازم‪.‬‬‫من هنا فقانون الحكم‪ ،‬من حيث هو حكم‪ ،‬ليس قانون الانتخاب الطبيعي وحده في واقع‬ ‫الأمر العام‪ ،‬بل معه قانون الخيار الخلقي في الرمزي أو مثال الأمر‪.‬‬‫لذلك فالسياسية ظاهرة طبيعية وخلقية في آن‪ :‬ويمكن للخلقي فيها أن يكون حضوره فعليا‬ ‫لكونه صادقا‪ ،‬ويمكن أن يكون شكليا لكونه نفاقا وغطاء للطبيعي‪.‬‬‫وهذان هما وجها الخلقي في السياسي من حيث هو ظاهرة مزيجة بين القانون الطبيعي‬ ‫المضطر والخلقي الحر‪ :‬طبيعة الإرادة وتمثيلها طبيعيان وخلقيان في آن‪.‬‬ ‫الخلقي والسياسي في الحكم من منظور المدرسة النقدية العربية‬‫من يرفض هذا التجريد يصفق لمن يخادعه فيدغدغ فيه الميل لليوتوبيا‪ ،‬إذ يحكم باستحالة‬ ‫دولة الإسلام بقيم الحداثة لخلقيتها ولعدم خلقية دولة الحداثة‪.‬‬ ‫‪30 15‬‬

‫لما تكلمت على التلازم بين الخلقي والسياسي في كل دولة‪ ،‬بدا كلامي وكأنه مجرد مصادرة‬ ‫على المطلوب‪.‬‬ ‫وها أنا أعود إلى المسألة بما تقتضيه من تعليل‪.‬‬‫ولا بد كعهدي في مثل هذه الحالات أن أحيل على فحول مدرستنا النقدية وابن خلدون‬ ‫خاصة‪ ،‬بل حتى على الفكر السياسي الإسلامي عامة‪ ،‬رغم انحطاط جله‪.‬‬‫فهذا الفكر علة انحطاطه أنه استنتج من أن عدم الدولة نفي مطلق للأخلاق‪ ،‬وأن الدولة‬ ‫مهما ظلمت أفضل من عدمها‪ ،‬فاعتبر بيات ليلة من دون أمري كفرا‪.‬‬‫ورغم أن هذا القول لم يكتف بذلك‪ ،‬بل شرط العجز عن درء التغلب بإطلاق‪ ،‬وشرط عدم‬ ‫غلبة المفسدة على المصلحة في الدرء‪ ،‬فلكأنه اكتفى بالشوكة دون شرعية‪.‬‬‫ولنورد الآن نص ابن خلدون القائل بالوازعين الذاتي (الضمير الخلقي والديني)‬ ‫والأجنبي (أحكام السلاطين) وقوله في علاقة الخلقي بالسياسي في الحكم‪:‬‬‫{اعلم أن الملك غاية طبيعية للعصبية ليس وقوعه عنها باختيار‪ .‬إنما هو بضرورة الوجود‬‫وترتيبه كما قلناه من قبل‪ .‬وأن الشرائع والديانات وكل أمر يحمل عليه الجمهور فلابد‬‫فيه من العصبية إذ المطالبة لا تتم إلا بما كما قدمناه‪ .‬فالعصبية ضرورية للملة وبوجودها‬ ‫يتم أمر الله منها‪ .‬وفي الصحيح ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه‪.‬‬‫‪- 1‬وجدنا الشارع قد ذم العصبية وندب إلى اطراحها وتركها فقال‪ :‬إن الله أذهب‬‫عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء أنتم بنو آدم وآدم من تراب وقال تعالى \"إن‬ ‫أكرمكم عند الله اتقاكم\"‪.‬‬‫‪- 2‬ووجدناه أيضا قد ذم الملك وأهله ونعى على أهليه أحوالهم من الاستمتاع بالخلاق‬‫والإسراف في غير القصب والتنكب عن صراط الله‪ .‬وإنما حض على الألفة في الدين‬‫وحذر من الخلاف والفرقة‪ .‬واعلم أن الدنيا كلها وأحوالها عند الشارع مطية‬ ‫‪30 16‬‬

‫للآخرة‪ .‬ومن فقد المطية فقد الوصول‪ .‬وليس مراده فيما ينهى عنه أو يذمه من‬‫أفعال البشر أو يندب إلى تركه اهماله بالكلية أو اقتلاعه من أصله وتعطيل القوى‬‫التي ينشأ عليها بالكلية إنما قصده تصريفها في أغراض الحق جهد الاستطاعة حتى‬‫تصير المقاصد كلها حقا وتتحد الوجهة كما قال (صلى الله عليه وسلم) \"من كانت‬‫هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبه‬‫أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه\"‪ .‬فلم يذم الغضب وهو يقصد نزعه‬‫من الإنسان فإنه لو زالت منه قوة الغضب لفقد منه الانتصار للحق وبطل الجهاد‬‫وإعلاء كلمة الله وإنما يذم الغضب للشيطان وللأغراض الذميمة فإذا كان الغضب‬‫لذلك كان مذموما وإذا كان في الله ولله كان ممدوحا وهو من شمائله (صلى الله‬‫عليه وسلم) وكذا ذم الشهوات ايضا ليس المراد ابطالها بالكلية فإن من بطلت شهوته‬‫كان نقصا في حقه وإنما المراد تصريفها فيما أبيح له باشتماله على المصالح ليكون‬‫الإنسان عبدا متصرفا طوع الأوامر الإلهية وكذا العصبية حيث ذمها الشارع وقال‬‫\"لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم\" فإنما مراده حيث تكون العصبية على الباطل‬‫وأحواله كما كانت في الجاهلية وأن يكون لأحد فخر بها أو حق على أحد لأن ذلك‬‫مجال من أفعال العقلاء وغير نافع في الآخرة دار القرار‪ .‬فأما إذا كانت العصبية‬‫في الحق وإقامة أمر الله فأمر مطلوب‪ .‬ولو بطل لبطلت الشرائع إذ لا يتم قوامها إلا‬‫بالعصبية كما قلناه من قبل‪ .‬وكذا الملك لما ذمه الشارع لم يذم منه الغلب بالحق‬‫وقهر الكافة على الدين ومراعاة المصالح‪ :‬وإنما ذمه لما فيه من التغلب بالباطل‬‫وتصريف الآدميين طوع الأغراض والشهوات كما قلناه‪ .‬فلو كان الملك مخلصا في‬‫غلبه للناس أنه لله ولحملهم على عبادة الله وجهاد عدوه لم يكن ذلك مذموما‪ .‬وقد‬‫قال سليمان صلوات الله عليه \"رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي\" لما علم من‬‫نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبوة والملك‪ .‬ولما لقي معاوية عمر بن الخطاب‬‫رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشام في أبهة الملك وزيه من العديد والعدة‬ ‫‪30 17‬‬

‫استنكر ذلك وقال‪\" :‬أكسروية يا معاوية؟ فقال \"يا أمير المؤمنين أنا في ثغر تجاه‬‫العدو وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة\"‪ .‬فسكت ولم يخطئه لما احتج‬‫عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين‪ .‬فلو كان القصد رفض الملك من أصله لم‬‫يقنعه هذا الجواب في تلك الكسروية وانتحالها بل كان يحرض على خروجه عنها‬‫بالجملة‪ .‬وإنما أراد عمر بالكسروية ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب‬‫الباطل والظلم والبغي وسلوك شبله والغفلة عن الله وأجابه معاوية بأن القصد‬‫بذلك ليس كسروية فارس وباطلهم وإنما قصده بها وجه الله فسكت‪ .‬وهكذا كان‬‫شأن الصحابة في رفض الملك وأحواله ونسيان عوائده حذرا من التباسها بالباطل‪.‬‬‫فلما استحضر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استخلف أبا بكر على الصلاة إذ هي‬‫أهم أمور الدين وارتضاه الناس للخلافة وهي حمل الكافة على أحكام لا شرعية‬‫ولم يجر للملك ذكر لما أنه مظنة للباطل ونخلة يومئذ لأهل الكفر وأعداء الدين‪.‬‬‫فقام بذلك أبو بكر ما شاء الله متبعا سنن صاحبه وقاتل أهل الردة حتى اجتمع‬‫العرب على الإسلام‪ .‬ثم عهد إلى عمر فاقتفى أثره وقاتل الأمم فغلبهم في انتزاع‬‫ما بأيديهم من الدنيا والملك فغلبوهم عليه وانتزعوه منهم‪ .‬ثم صارت إلى عثمان‬‫بن عفان ثم إلى علي رضي الله عنهما والكل متبرئون من الملك متنكبون على طرقه‪.‬‬‫وأكد ذلك لديهم ما كانوا عليه من غضاضة الإسلام وبداوة العرب فقد كانوا ابعد‬‫الأمم عن أحوال الدنيا وترفها لا من حيث دينهم الذي يدعوهم إلى الزهد في‬‫النعيم ولا من حيث بداوتهم ومواطنهم وما كانوا عليه من خشونة العيش وشظفه‬ ‫الذي ألفوه}‪.1‬‬ ‫هذا النص بالغ الدلالة‪:‬‬ ‫‪ -‬فهو فلسفي (نظرية الحكم)‬ ‫‪ 1‬المقدمة الباب الثالث الفصل ‪28‬‬‫‪30 18‬‬

‫‪ -‬وتاريخي (تطوره في الصدر)‬ ‫‪ -‬وانثروبولوجي (تعليل الاستثناء في الصدر)‬ ‫وهو جدير بأن يكون مرجعية‪.‬‬‫وأولى الملاحظات هي أن ابن خلدون يعتبر السياسة وأدواتها (الدولة بنية والحكم تعيينا‬ ‫لها) شرط العيش الجمعي‪ ،‬وهي الخلقي‪ ،‬ويغلب فيها موجبه على سالبه‪.‬‬‫ذلك أنها شرط الجمع بين ضرورتين حصيلتهما تحقيق شروط الوجود الخلقي في الجماعة‪:‬‬ ‫الأولى الحاجة إلى التعاون‪.‬‬ ‫والثانية الحاجة إلى منع العدوان‪.‬‬‫من دون التعاون يمتنع قيام الإنسان وبقاؤه‪ ،‬ومن دون حماية الناس بعضهم من البعض‬ ‫يمتنع التعاون‪ :‬فتكون الحماية مانعة للشر ومؤسسة للخير غاية‪.‬‬‫لكنها قد تفسد مجرد وصفها بالفساد وعيا بغايتها الذاتية‪ ،‬أعني أن صلاح الدولة والحكم‬ ‫هو عين شرط النقلة من القانون الطبيعي إلى القانون الخلقي‪.‬‬ ‫والملاحظة الثانية هي دور الدولة بالتربية والحكم‪.‬‬‫هي التي تهذب الغرائز التي هي مادة الأخلاق الخام‪ ،‬وتهذيبها توجيه نحو غايات خلقية‬ ‫وليس قتلا‪.‬‬‫الملاحظة الثالثة‪ ،‬وكنتيجة للثانية‪ ،‬فالأخلاق هي غاية الدولة وحصيلة فعلها التربوي‬‫والحكمي‪ ،‬فالأول ينمي الوازع الذاتي‪ ،‬والثاني يحضر الوازع الأجنبي‪ :‬سلطة القانون‬ ‫عنف شرعي‪.‬‬‫الملاحظة الرابعة‪ ،‬حتى وإن لم يتكلم ابن خلدون في هذا النص عن طبيعة القانون واكتفى‬ ‫بالكلام على الشريعة‪ ،‬فإنه يميز في غيره بين خمسة أصناف منه‪.‬‬ ‫‪30 19‬‬

‫ويعتبر أربعة منها مراحل لتحرير الإنسان من القانون الطبيعي‪:‬‬ ‫‪ -‬اثنان عقليان‪،‬‬ ‫‪ -‬واثنان دينيان‪،‬‬ ‫‪ -‬والأخير جامع بينها كلها وهو الأصل فيها جميعا كاللمس في الحواس‪.‬‬‫فأما العقليان‪ ،‬فهما متقابلان تقابل نظام عقلي للحكم لكنه أعد لصالح الحاكم وحده‪،‬‬ ‫ويقابله تعديله الذي يجعله لصالح الحاكم والمحكوم منعا لانهياره‪.‬‬‫أما في الديني‪ ،‬فإن ابن خلدون في الحقيقة لم يذكر إلا واحدا‪ ،‬ومنطق تصنيفه يقتضي‬ ‫أن يكون هذا أيضا له مرحلتان‪ :‬ديني لصالح الكاهن‪ ،‬وديني للجماعة‪.‬‬‫ذلك أن الحكم باسم العقل يمر بالمرحلتين‪ ،‬ومثله الحكم باسم الدين‪ :‬فالحاكم في الأول‬ ‫يناظر الكاهن في الثاني‪.‬‬ ‫الحكم للجماعة يناظره الدين للجماعة‪.‬‬‫وأصل هذه الأنظمة بمرحلتيها العقليتين والدينيتين فهو عند ابن خلدون عقد فيه اعتبار‬ ‫المصلحة الدنيوية وما بعدها بمعنى تجاوز الطبيعي إلى الخلقي‪.‬‬‫فتكون الملاحظة الأخيرة هي أن غاية السياسي خلقية إيجابا‪ ،‬حتى لوكان مساره أحيانا‬ ‫يفسد فيصبح سلب الغاية ويبقى مع ذلك خلقيا بمجرد الوعي بالفساد‪.‬‬‫أما التفسير الانثروبولوجي لأساليب الحكم‪ ،‬فيشرح الاستثناء الذي مثله الصدر والذي‬ ‫غلبت عليه البساطة‪ :‬فسره بحضور أحوال النبوة وبعادات البداوة‪.‬‬ ‫‪30 20‬‬

‫في خاتمة الكلام على الدولة المستحيلة اقتصرت على نظرية الدولة عامة والمنظور‬ ‫الإسلامي‪ .‬فلم نف الدولة الحديثة حقها‪.‬‬ ‫وبالكلام على رمزها نختم‪.‬‬‫ورمز الدولة الحديثة التي قد يشكك البعض في خلقيتها‪ ،‬هي دولة الولايات المتحدة بحجم‬ ‫مكبر‪ ،‬ودولة إسرائيل بحجم مصغر‪ :‬كلتاهما تمثل ذروة الحداثة‪.‬‬‫ومن عدم الأمانة التنكر لحقائق الأشياء بدعوى عدم ذكر ما يتميز به العدو‪ ،‬أو من صار‬ ‫بحكم التاريخ يعتبر رمز العداء للإسلام وحضارته وللمسلمين‪.‬‬‫فجل الفرحين بنظرية حلاق‪ ،‬بوعي أو بدونه‪ ،‬دافعهم حكم مسبق بغياب الأخلاق في‬ ‫علامات ظهورها الأساسية‪ :‬سياسة القوة واقتصاد الاستغلال وثقافة الترف‪.‬‬‫وهم مثلهم مثل حلاق وطه عبد الرحمن‪ ،‬يقعون في خطأ المقارنة غير العادلة‪ :‬يقارنون‬ ‫واقع الدولة الحديثة بواجب الدولة الإسلامية بدل عدل المقارنة‪.‬‬‫فالمقارنة العادلة هي مقارنة المثالين في الحالتين‪ ،‬أو مقارنة الواقعين في الحالتين‪ ،‬لا مقارنة‬ ‫واقع الدولة الحديثة بمثال الدولة الإسلامية‪.‬‬‫وبمقارنة المثالين لا أكاد أجد فرقا‪ :‬فكلا المثالين يؤمن بقيم كونية كلاهما له أساس ديني‪،‬‬ ‫ويؤمن بان الأرض موعودة للعباد الصالحين دون سواهم‪.‬‬‫وقد يكون لحركة الإصلاح المسيحية في بداية القرن السادس عشر بتبنيها الثورتين‬ ‫الإسلاميتين ‪-‬الحرية الروحية والحرية السياسية‪-‬تأثير في التماثل المثالي‪.‬‬ ‫‪30 21‬‬

‫وعندما نقارن الواقعين نجد تماثلا كذلك‪ :‬فكلتا الامبراطوريتين ذات نزعة لا حد لتوسعها‪،‬‬ ‫وهي على الاقل في الخطاب تدعي حقوق الإنسان بتأسيس ديني‪.‬‬‫أعلم يقينا أن كلامي هذا لن يرضي لا الإسلامي ولا العلماني‪ :‬فهذا يحقر من رؤية الإسلام‪،‬‬ ‫وذاك يحقر من رؤية الحداثة‪ ،‬وكلاهما يرفض الفهم الموضوعي‪.‬‬‫وهنا لابد من الاستناد مرة أخرى على ابن خلدون‪ :‬فهو لا يطابق بين مثال الدولة الإسلامية‬ ‫وواقعها إلا في الفترة التي يعتبرها شذوذا لا يقاس عليه‪.‬‬‫فلحظة الصدر‪-‬ثلاث عقود ونيف‪-‬لا تخضع لمنطق السياسي من حيث هو سياسي وما يتميز‬ ‫به من فصل بين المثال والواقع والتمييز بين الوازعين الذاتي والأجنبي‪.‬‬‫لذلك فالدولة الإسلامية بعد الصدر أصبح واقعها غير مثالها‪ ،‬وصارت ذات سياسة‬ ‫استعمارية واقتصاد استغلالي وثقافة ترف‪ ،‬مثل كل دولة امبراطورية‪.‬‬‫المقارنة السليمة ليست بين مبادئ القرآن والسنة وواقع الدولة الحديثة‪ ،‬بل بين واقع‬ ‫الدولتين الإسلامية والدولة الحديثة في عنفوانهما التاريخي‪.‬‬‫والمطلوب تحديد دور الأخلاق فيهما إذا قورن واقعاهما‪ ،‬أو إذا قورن مثالهما‪ ،‬وليس بالغش‬ ‫الذي يقارن مثال تلك بواقع هذه‪ ،‬أو مثال هذه بواقع تلك‪.‬‬‫ولا يمكن لمسلم يؤمن بشروط الشهادة العادلة ويطلب المعرفة الموضوعية أن يقبل تخريف‬ ‫ممجدي الأصيل أو الحديث على حساب الحقيقة لذاتها وللاستئناف‪.‬‬‫وعلينا أن ندرك علة التباعد بين المثال والواقع عقليا ودينيا‪ .‬والمعرفة الدينية موجودة‬ ‫في القرآن‪ :‬بنو اسرائيل رفضوا حرية الإيمان وعبدوا العجل‪.‬‬‫في الخاتمة الاولى تكلمت على الإرادة والعلم والحياة والوجود ودور كل واحد منها‬ ‫بالمزاوجة بين الأولى والأخير وبين الثاني والرابعة‪ ،‬ولم أذكر القدرة‪.‬‬ ‫‪30 22‬‬

‫ونحن نعلم أن الإرادة تمثل السياسة‪ ،‬والمعرفة تمثل العلم‪ ،‬وأن الحياة تمثل الفن‪ ،‬وأن‬ ‫الوجود يمثل الرؤى‪.‬‬ ‫القدرة تمثل الاقتصاد وتأليهه عبادة للعجل‪.‬‬‫الاقتصاد هو الذي يجعل واقع الدولة غير مثالها في كل جماعة اسلامية كانت أو حديثة‪:‬‬ ‫فالاستعمار والاستغلال والترف علته دور الاقتصاد في الدول‪.‬‬‫هو الذي يغلب القانون الطبيعي على القانون الخلقي في السياسة (الحكم) والاقتصاد‬ ‫(الثروة) والثقافة (الترف)‪ ،‬وهذا من سنن التاريخ الإنساني عامة‪.‬‬‫وهو في تناسب عكسي مع الفضائل الخلقية‪ ،‬بل هو أصل الرذائل الخلقية عندما يصل‬ ‫التقابل بين الواقع والمثال إلى حد التناقض‪ ،‬فيزول كل أثر للمثال‪.‬‬‫وهو لا يزول بإطلاق لأن قدرا منه يبقى على الأقل لأداء وظيفة تبريرية تخفي بالأقوال‬ ‫ما يحصل بالأفعال‪ ،‬وذلك في كل الدول‪ ،‬إسلامية كانت أو غربية‪.‬‬‫دولة الرسل والخلفاء الراشدين ظاهرة شاذة في تاريخ الإنسانية‪ ،‬وهي عينة تقرب من‬ ‫المثال الذي يحقق الأخوة البشرية بعبادة الله بدل العجل الذهبي‪.‬‬‫وهذا الميل للتحرر من العجل الذي يستعبد به العبادُ العبادَ وعبادة رب العباد‪ ،‬هو القدر‬ ‫الذي لا يزول من السياسة لضرورة الجمع بين الشوكة والشرعية‪.‬‬‫وهذه هي النزعة الواقعية لمفهوم السياسة السني الذي تحرر من اليوتوبيا المثالية التي‬ ‫تجعل وسائل تحقيقها بالذات تأسيسا للاستبداد والفساد‪.‬‬‫والقول إن دولة الإسلام خلقية وأن الدولة الحديثة غير خلقية يعني تعليق المسلمين‬ ‫بيوتوبيا مستحيلة التحقيق دائما‪ ،‬وليس في المستقبل فحسب‪.‬‬ ‫‪30 23‬‬

‫والأخلاق ليست حالا حاصلة‪ ،‬بل هي جهد تحصيل هدفه تحرير الإنسان ما استطاع الى‬ ‫ذلك سبيلا من القانون الطبيعي في صراع سلطانه الفعلي العجل الذهبي‪.‬‬‫وهذا يصح على كل دولة من حيث الموجود‪ .‬والجهاد للتحرر منه يصح عليها من حيث‬ ‫المنشود‪ .‬والفرق بين الموجود والمنشود يحرك التحرر من الطبيعي بالخلقي‪.‬‬‫وهذه هي التربية المكملة للحكم في كل دولة‪ :‬تكميل الأخلاق للقانون‪ ،‬أو بلغة ابن خلدون‪،‬‬ ‫الوازع الذاتي(الضمير) للوازع الأجنبي (الأحكام السلطانية)‪.‬‬‫لو احتكمنا إلى المثال في تقييم الواقع التاريخي‪ ،‬والتزمنا بالموضوعية فقارنا الدولتين‬ ‫الإسلامية والحديثة‪ ،‬لوجدنا هذه أقرب إلى مثالها من تلك‪.‬‬‫وإذا كانت الأخلاق هي هذه العلاقة بين المثال والواقع التاريخي‪ ،‬كانت الدولة الحديثة‬ ‫ممثلة بأمريكا وحتى بإسرائيل‪ ،‬ورغم العداوة‪ ،‬أقرب إلى الأخلاق‪.‬‬‫فواقع الدولة في الإسلام بعد الفترة الاستثنائية لا يختلف كثيرا عما نراه اليوم عند من‬ ‫يدعون الحكم بالإسلام‪ :‬إنها في شبه تناقض تام مع القرآن‪.‬‬‫ومن يريد أن يواصل الكذب عن نفسه‪ ،‬فليقارن أي نظام عربي يدعي الإسلام مع أمريكا‬ ‫أو حتى مع إسرائيل‪ :‬حتى صار ما يجري هناك مصدر لما يجري هنا‪.‬‬‫ولست أدعو لمفاضلة بين المثالين‪ ،‬بل بين علاقة النوعين بمثالهما‪ .‬ولما كان القرب من المثال‬ ‫الذاتي هو المعيار‪ ،‬فالمقارنة لصالح الدولة الحديثة‪.‬‬‫والمسافة الفاصلة بين الدولة الحديثة ومثالها‪ ،‬هي تبنيها سلوكا يبرر سياسة القوة واقتصاد‬ ‫الاستغلال وثقافة الترف‪ .‬وهو ملازم لكل دولة امبراطورية‪.‬‬‫فهذا ابن خلدون يقول حتى على دولة الصدر‪{ :‬ثم عهد إلى عمر فاقتفى أثره وقاتل الأمم‬‫فغلبهم وأذن للعرب في انتزاع ما بأيديهم من الدنيا والملك فغلبوهم عليه وانتزعوه منهم}‪.‬‬ ‫‪30 24‬‬

‫وهذا السلوك الامبراطوري لم يخل منه حتى العهد الراشدي ومن ثم فهو من طبائع الأمور‬‫السياسية في العلاقات الدولية‪ ،‬وعلته الكونية هي ما في السلوك الإنسان من دور للقانون‬‫الطبيعي‪ :‬فالجماعات البشرية مثلها مثل الجماعات الحية‪ ،‬كلها هدف اجتماعها هو تحصيل‬ ‫رزقها‪.‬‬‫وتحصيل الرزق يعتمد التنافس والصراع داخل المجموعة أولا‪ ،‬ثم بينها وبين المحيطين بها‬ ‫المنافسين على شروط القيام الحيوي للجماعة‪ :‬وهذا يحد من ذاك‪.‬‬‫ولما كان ذلك كونيا‪ ،‬فهو لا يكفي للمقارنة بين الدول‪ ،‬والمفاضلة بينها لا تكون به بل بما‬ ‫لدور محاولات التحرر منه قدر الامكان بالاشرئباب للمثال‪.‬‬‫وتقدير اشرئباب الجماعات لمثالها يكون بتقدير دنوها منها‪ .‬وبهذا المعيار فإن الدولة‬ ‫الحديثة أقرب بكثير من الدول الوسيطة بما فيها الإسلامية‪.‬‬‫ولنبدأ الآن المقارنة بين المثالين ثم بين الواقعين لنقدر المسافة بين المثال والواقع التاريخي‬ ‫في الحالتين فنتجنب الحيف ونتحرر من اليوتوبيا‪.‬‬ ‫ومقارنة المثال تتعلق بما يلي‪:‬‬ ‫‪-1‬الأساس كونية القيم‬ ‫‪-2‬الموقف من التعدد الديني‬ ‫‪-3‬منزلة الإنسان الوجودية‬ ‫‪-4‬الحرية الروحية‬ ‫‪-5‬الحرية السياسية‪.‬‬ ‫ومقارنة الواقع‪:‬‬ ‫‪-1‬مدى الكونية‬ ‫‪30 25‬‬

‫‪-2‬مدى احترام التعدد الديني‬ ‫‪-3‬مدى احترام كرامة الإنسان‬ ‫‪-4‬مدى احترام حريته الروحية‬ ‫‪-5‬مدى احترام حريته السياسية‬‫عشرة مؤشرات‪ :‬خمس للمثال‪ ،‬وخمس للواقع‪ ،‬تمكن من مقارنة موضوعية تحررنا من‬ ‫الأحكام المسبقة للمعرفة النظرية ومن الطرق المسدودة لجدوى الاستئناف العملية‪.‬‬ ‫ونبدأ بالتأسيس‪:‬‬‫أساس رسالة الإسلام ودولته حددته النساء ‪ 21‬والحجرات ‪ 3 13‬في عمومه‪ ،‬لكن تحييزه في‬ ‫التاريخ خضع لآل عمران ‪ :4110‬خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬‫لذلك فسوء تأويل مبدأ الخيرية حد من الأساس الكوني للرسالة والدولة لأنه فصل‬ ‫الخيرية عن شرطها فأصبح الاسم بديلا من المسمى ومن حقيقة الإسلام‪.‬‬‫فخيرية الآية ‪ 110‬من آل عمران لم يبق جواب شرط ‪ 5104‬منها بل فصل عنه‪ :‬ذلك أن‬ ‫الانتساب إلى الخيرية الإسلامية مشروطة بتنفيذ امر ‪ 104‬حدا للمسلم‪.‬‬‫فإذا نفذ المسلم أمر ‪ 104‬انتسب إلى خيرية ‪ 110‬وعلامة ذلك تطبيق النساء ‪( 1‬الاخوة‬ ‫البشرية) والحجرات ‪( 13‬حصر المفاضلة بين البشر في التقوى)‪.‬‬‫‪َ 2‬يا أَ ُّيهَا ال َنّا ُس ا َّتقُوا رَ َّب ُك ُم اَلّ ِذي خَلَ َق ُكمْ ِم ْن نَ ْف ٍس َوا ِح َد ٍة وَ َخلَ َق مِنْ َها زَ ْو َج َها َوبَ َّث مِنْ ُهمَا ِر َجالًا َكثِي ًرا َوِن َسا ًء ۚ وَا َّت ُقوا الَلّ َه اَّلذِي‬ ‫َت َسا َءُلو َن بِ ِه وَا ْلأَ ْرحَا َم ۚ إِ َّن الَّل َه َكا َن َعَل ْيكُ ْم رَ ِقي ًبا‬‫‪ 3‬يَا َأ ُّي َها ال َّنا ُس ِإَّنا َخَل ْقنَاكُم ِمّن َذ َكرٍ َوُأن َثىٰ َو َج َعلْ َنا ُكمْ ُش ُعو ًبا وَ َقبَائِ َل لِ َت َعارَ ُفوا ۚ ِإ َّن أَكْ َر َمكُ ْم ِعن َد الَّل ِه َأ ْت َقا ُك ْم ۚ ِإ َّن الَّل َه عَِليم‬ ‫خَبِير‬‫‪ 4‬كُن ُتمْ َخ ْيرَ ُأ َمّةٍ أُخْ ِر َج ْت لِل َنّا ِس تَأْ ُم ُرونَ بِالْمَعْ ُروفِ َوتَنْ َه ْو َن َعنِ ا ْلمُنكَ ِر وَ ُت ْؤمِ ُنونَ بِالَّل ِه ۚ وََل ْو آ َمنَ أَهْ ُل ا ْل ِك َتا ِب َلكَا َن َخ ْي ًرا َّلهُم‬ ‫ۚ ِمّ ْن ُهمُ ا ْلمُؤْ ِمنُونَ َوأَ ْك َثرُ ُه ُم الْ َفاسِقُو َن‬ ‫‪ 5‬وَلْ َتكُن ِمّن ُكمْ أُ َمّة يَدْعُو َن ِإلَى ا ْل َخيْ ِر وَ َيأْ ُمرُو َن بِالْمَ ْعرُو ِف وَيَنْهَ ْو َن َع ِن ا ْلمُن َك ِر ۚ َوأُو َٰل ِئ َك ُه ُم الْمُفِْل ُحو َن‬ ‫‪30 26‬‬

‫فلننظر في أساس الدولة الحديثة‪.‬‬‫كان أساس الدولة التي تحررت منها الحداثة مبنيا على أساسين تحررت منهما الحداثة مبدئيا‬ ‫وهما مبدآن قرآنيان‪.‬‬ ‫وقد سميتهما‪:‬‬ ‫مبدأ الحرية الروحية (التحرر من الوساطة الكنسية)‬ ‫والحرية السياسية (التحرر من الحكم بالحق الإلهي)‪.‬‬ ‫ثورة الحداثة تبنت حريتي الإسلام‪.‬‬‫لكنها مثل واقع دولة الإسلام‪ ،‬نكصت عنهما في واقعها فانتقلت من كونية القيم الحداثية‬ ‫إلى ثقافة الاستعمار‪ :‬الواقع في الحالتين نكوص عن المثال‪.‬‬ ‫وأصبح المثال والواقع متناقضين في الحالتين الإسلامية والحداثية‪.‬‬ ‫ومن ينفي ذلك فليشرح لنا الفرق بين الصدر وما تلى الفتنة الكبرى إلى اليوم‪.‬‬ ‫المبدأ الثاني‪:‬‬ ‫الاعتراف بالتعدد الديني في المثال ومدى احترامه في الواقع‪.‬‬‫فالقرآن يقول بالتعدد الديني بل ويعتبره شرط التسابق في الخيرات‪ ،‬لكن مفهوم الذمة‪،‬‬‫الذي يعني قرآنيا حماية أهل الأديان الأخرى‪ ،‬صار نقيض ذاته‪ :‬أصبح تمييزا تحقيريا‪،‬‬ ‫وما كان فضيلة مبدئية أصبح رذيلة ممارسية‪.‬‬‫في الدولة الحديثة‪-‬حتى في مبادئ الثورة الفرنسية‪-‬ما كان يعد احتراما للتعدد الديني‬ ‫والمساواة بين البشر‪ ،‬تحول إلى مفاضلة بين الشعوب والحضارات‪.‬‬‫وإذن ففي الحالتين ابتعد الواقع عن المثال‪ ،‬وأصبح المثال مجرد غطاء إيديولوجي لممارسة‬ ‫تناقضه‪ :‬الممارسة تنفي الولاء للمثال في الحالتين‪.‬‬ ‫‪30 27‬‬

‫وفي الجملة‪ ،‬فإن الإسلام ضد العنصرية والطبقية والجنسية‪ ،‬لكن المسلمين بعد الصدر‬ ‫صاروا عنصريين وطبقيين ومميزين بين الجنسين‪ ،‬ومثلهم الغرب‪ .‬لا فرق‪.‬‬‫لكن المسافة بين المسلمين وأساس حضارتهم‪ ،‬أبعد شقة من المسافة بين الغرب وأسس‬ ‫حضارته‪ .‬وتلك هي علة تخلف المسلمين بالقياس إلى الغرب خلقيا‪.‬‬‫وإذا ظل المسلمون يتوهمون أنهم أفضل خلقيا لمجرد كونهم يسمون أنفسهم مسلمين‪ ،‬في حين‬‫أن حقيقتهم الفعلية هي النكوص إلى ما دون أخلاق الجاهلية‪ ،‬فلا أحد له ذرة من عقل‬‫بمقارنة الواقعين‪ ،‬يعتبر طالبان أو شباب الصومال أو داعش أو بوكو حرام ممثلين للإسلام‬ ‫أو أكثر خلقية من مجرمي الاستعمار‪.‬‬‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬لا أحد له ذرة من عقل يمكن أن يعتبر أي نظام عربي‪ ،‬حتى لو ادعى‬ ‫تطبيق الشريعة‪ ،‬أقرب إلى قيم القرآن من أي دولة حديثة مواطنها حر‪.‬‬‫وحقيقة الإسلام ليس مجرد معتقدات وعبادات‪ ،‬بل هو قيم تتحقق في التاريخ الفعلي‬ ‫للإنسانية في مستويي وجودها‪ ،‬مستعمرة في الأرض ومستخلفة فيها بقيمه‪.‬‬‫لم أر إلى حد الآن مسلمين يطبقون شروط الاستثناء من الخسر بشروط سورة العصر‬ ‫الخمسة‪ :‬الوعي به‪ ،‬والإيمان‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬والتواصيان بالحق وبالصبر‪.‬‬‫فإيمان يتعلق بالمثال‪ ،‬والعمل الصالح يتعلق بالواقع‪ ،‬والتواصي بالحق يتعلق بطلب الحقيقة‬ ‫والعلم بقوانين الآفاق والأنفس‪ ،‬والتواصي بالصبر العمل بها‪.‬‬‫كل ذلك عكسه من يسمون علماء الإسلام‪ :‬تركوا الآفاق والأنفس التي يقول القرآن إن‬‫حقيقته تعلم من آياتها‪ ،‬أي إن قوانين الشاهد تعلم من ظاهراتها‪ ،‬فأصبحوا أميين عاجزين‬‫عن اكتشاف قوانين الطبيعة والتاريخ (الآفاق) وأخلاق التعامل معهما (الأنفس) ومن ثم‬ ‫فاقدين لشروط القيام المستقل‪ :‬عالة‪.‬‬ ‫‪30 28‬‬

‫نسوا أن الإسلام عزة وحرية وكرامة وسيادة‪ ،‬فجعلوا بلدانهم عالة على الغرب يستجدون‬ ‫الحماية والرعاية ثم يدعون أنهم متخلقون والغرب لا خلاق له‪.‬‬ ‫تلك هي الظاهرة التي يصفها ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية‪.‬‬‫المتكلم‪ ،‬والفيلسوف‪ ،‬والفقيه‪ ،‬والمتصوف‪ ،‬أربعتهم يرجمون بالغيب ويتركون ما يقبل العلم‪.‬‬‫ثم يأتي من يدعي بتاريخانية مقيتة وبما بعد حداثة لقيطة‪ ،‬فيزعم أن دولة المسلمين‬ ‫المتخلقة لا مستقبل لها لضرورة تجنب الحداثة عديمة الأخلاق‪.‬‬‫فيتوهم الناكصون للجاهلية أن نكوصهم هو أخلاق الإسلام‪ ،‬وأنهم هم بهذا الموقف يمكن أن‬ ‫يمثلوا فرصة لإرجاع الاخلاق إلى العالم بنكوصهم عن المثال‪.‬‬‫لذلك اعتبرت هذا الكلام يمكن أن يكون مسموعا من بوكو حرام‪ ،‬فهم يعتقدون أن الدولة‬ ‫الحديثة منافية للأخلاق لأن بعض عادات أهلها تختلف عن عاداتهم‪.‬‬ ‫فالحضارات لا تقيم بالعادات فحسب‪ ،‬بل بما بين مثالها وواقعها من مسافة‪.‬‬ ‫وفي هذا المضمار فإن المسافة لدينا أبعد شقة وأقرب إلى التناقض المرضي‪.‬‬‫فالتشدد في الحكم على الحضارات يكون بهذا المعيار‪ ،‬لذلك فأنا أكثر صرامة في حكمي علينا‬ ‫مني في حكمي على الغرب‪.‬‬ ‫نحن دون القرآن بسنوات ضوئية‪.‬‬‫وليس المشكل في هذه الدونية‪ ،‬بل في الطريق المسدودة التي ينصح بها بعض أدعياء‬‫التفلسف‪ :‬فليس بالهروب الصوفي يمكن أن تتحقق القيم في التاريخ‪ ،‬وليس بتمجيد صورة‬‫وهمية من الماضي يمكن أن تترقى الأمم أو أن تسترد شروط كرامتها‪ .‬فمن لم يستطع‬ ‫الاستعمار في الأرض‪ ،‬ليس أهلا للخلافة اصلا‪.‬‬ ‫‪30 29‬‬

‫ودون أهلية للخلافة لا معنى للأخلاق‪ :‬فالأهلية هنا تتحدد بقدر جهد اوصل الواقع بالمثال‪،‬‬ ‫وتحرير الإرادة العلم‪ ،‬والقدرة والحياة والوجود من الضرورة‪.‬‬‫والتابع هو من فسدت لديه معاني الإنسانية‪ ،‬فصار عالة في الإرادة والعلم والقدرة والحياة‬ ‫والوجود‪ .‬ويكفي دليلا سلطان الاستبداد والفساد الفاحشين‬ ‫‪30 30‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook