أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
أواصل الكلام في \"الدولة :منزلتها ودورها في الإسلام\" فأحد ما ترعاه الدولة وتحميه في الإسلام جمعا بين السياسي والمدني مجالي تحقق قيم الرسالة.فالإسلام عند كل من يتدبر القرآن بنسقية ولا يكتفي بنتف المتكلمين والفقهاء التي فتتته فحطته إلى ذخيرة حكم شعبية تافهة :تبرير قيم الجاهلية.جعلوا القرآن ومعه الحديث ذخيرة تستمد منها مبررات النكوص إلى الجاهلية وحيل الفقهاء خدم المستبدين والفاسدين من الحكام المسيطرين على الأرزاق.وإذا ما وجد في الحديث انتحال فعلته دون أدنى شك هو جعله رصيدا لا محدودا لهذه الحكم الشعبية التي أفسدوا بها اخلاق المسلمين بالكذب على الرسول.والمعيار كما حدده ابن القيم هو الاحتكام إلى القرآن في فهم الحديث يقلب ما كان سائدا في عهد الرسول حيث كان هو الملجأ لفهم القرآن :المشكل هين.ذلك أن المسلمين الأول لم يكونوا بحاجة لعلم كثير والمعلم الأكبر بينهم .ثم إنهم كانوا أميين بكل معاني الكلمة لم يعهدوا الكتابة ولم يتعلموا.لكن الأمة بفضل القرآن وتعليم الرسول أصبحت ذات علوم أدوات تمكن من تدبر القرآن بأفضل المناهج التي لم يسبقوا إليها :تحقيق النصوص وتحريرها.وإذا كانت الصحاح قريبة من الصحة لأنها مهما قبلنا صحتها تبقى دون القرآن الذي التزم الله نفسه بحفظه فإن قلب المعيار دليل حكمة تلميذ ابن تيمية.وبهذا المعنى ودون أن أخوض في منزلة الحديث الذي اعتبر صحيحه تعليم الرسول لقيم القرآن وتربية المسلمين عليها فإني اكتفي بتدبر القرآن الكريم.لكني لا أقول بما يقول به القرآنيون :ذلك أن هذه النزعة أصحابها كذابون .فهم يدعون تحرير الإسلام مما يعتبرونه في الحديث منافيا لقيم العصر. 61
فإذا قبلنا هذه الحجة السخيفة فينبغي أن نرفض القرآن المدني لأن فيه تشريعات لا تقبل بها الحداثة :والموقف واحد تحكيم قيمها في الإسلام.وقد بينت سخافة هذا الموقف .فقيم الحداثة إذا أطلقت صارت مؤسسة على نظرية في المعرفة ونظرية في العمل تقولان بالمطابقة وتنفيان الغيب في الوجود.وهذا ليس منافيا للدين فحسب بل هو مناف للفلسفة الحديثة التي نضجت فتجاوزت سذاجة القول بالمطابقة في النظر والعمل وأصبحت حذرة تتجنب إطلاقهما.ونهجي قراءة القرآن بعين متمرسة بما بلغت إليه الفلسفة من نضج حررها من القول بالمطابقة التي بين ابن تيمية أنها قول بالإنسان مقياس كل شيء.فإني سأكتفي بالآية 177من البقرة محددة لوظيفتي الدولة حماية ورعاية بمعنيي كل منهما أو بمستويي الحماية والرعاية لكونها جامعة مانعة لحدودها.وأكثر من ذلك فهي تشير في البداية بالتعريف السلبي لأساس الإيماني الصادق أو البر بنفي رده إلى شكليات العبادة من دون روحها وتعريفها الإيجابي.وجوابي على اعتراض من قد يلومني عن توظيف القرآن والسنة للإبقاء على الحال: اضفاء الشرعية على استبداد الحكام وفسادهم بحجة تجنب الفتنة والفوضى.ولو كان الله يريد من البشر أن يقبلوا بالفساد والاستبداد تجنبا للفوضى لما أرسل الرسل وكلفهم بالجهاد من أجل تحرير البشر منهما روحيا وسياسيا.فما من رسول إلا وهو قائد ثورة بأقدار مختلفة من النجاح والفشل .وكل القصص القرآني حكاية هذه التجارب الساعة لتحرير البشر من الاستبداد والفساد.ولهذه العلة اخترت الآية 177لأنها تبدأ باقتلاع أكبر تحريف يبرر به فقهاء السلطان السكوت عن الاستبداد والفساد :حصر الدين في شكليات الشعائر.ثم تردف الآية هذا التعريف السلبي للإيمان بتعريفه الإيجابي الذي يجعله تحديدا دقيقا جامعا ومانعا لوظيفتي دولة الإسلام بجعلهما مقومات عقدية.وهي صنفان متعددا العناصر :عقائد إيمانية في النظر وعقائد إيمانية في العمل .وكلاهما من شروط الرعاية والحماية الروحيتين والسياسيتين في الدولة. 62
والصنف المتعلق بالعقائد النظرية ينقسم إلى عقائد الإسلام وإلى ما ينبغي تجنب الخوض فيه من عقائد الأديان الأخرى وقبوله بمقتضى المائدة .48والقسم الأول معلوم .لكن القسم الثاني بعضه ذو صلة بإصلاح التحريف وبعضه الآخر وهو الأهم سياسة الإسلام في التعامل مع تعدد الأديان (المائدة .)48وأبرز مثال هو الموقف من المعجزات .فالقرآن يرويها ولا يشكك فيها لكنه يعتبرها للتخويف ولا يعتمد إلا على انتظام القوانين الطبيعية والسنن الخلقية.فانتظام القوانين الطبيعية هو الاصل الأول في كل حجاجه للإقناع بالرسالة والسنن الخلقية دليله اعتماد الرسول الاجتهاد والجهاد بدل المعجزات.ولذلك فعندي أن كل خرافات المعجزات التي تنسب إلى الرسول ليست من الإسلام بل هي من الاسرائيليات وعدم تخلص العرب من عقدهم إزاء يهود الجزيرة.فكل الرسالات التي يقص القرآن أحداثها كانت اجتهادا وجهادا مداره التربية والحكم أي الرعاية والحماية روحيا وسياسيا فالإسلام يصل بين الدارين.ولذلك فحصر الدين الإسلامي في العبادات وترك السياسة ببعديها أي التربية والحكم للمستبدين والفاسدين تخل مطلق عن قيم الإسلام بل كفر بها ثابت.وفي هذا المضمار العلماني أقرب إلى قيم القرآن من عالم الدين الذي يقدم على هذا التخلي .ذلك أن العلماني يعوض الفطرة بحقوق الإنسان الطبيعية.وحقوق الإنسان الطبيعية حتى وإن حرفت فظنت رأي الجماعة بمنطق الديموقراطية الليبرالية المتأخرة فإنها تبقى ذات أساس لا يبعد كثيرا عن الفطرة.أما رجل الدين الذي يقصر قيم الإسلام على الأقوال دون الأفعال لخوفه من حاكم الأرض فهو دون العلماني المقاوم للاستبداد والفساد باسم الحقوق.وحتى نفهم هذا التمييز فلنعلم أن القرآن فيه ما هو رواية لرأي من يحاورهم بدليل مبدئه المنهجي :مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه .بتصحيح التحريف.وعدم التمييز بين رواية القرآن للآراء وراي القرآن المعبر عن حقيقة الرسالة الإسلامية هو علة جعل القرآن نصا فوضويا يثبتون به المتناقضات. 63
وليكن مثالنا مقولة ملكة سبأ في الملك .هل يعقل أن يكون رأي الإسلام في سليمان مطابقا لحكم ملكة سبا في الملوك عامة؟ لا يحتاج أي مسلم للجواب.فسليمان نبي ووصف بكونه ملكا=ملك رسول .وعندئذ لا فرق بينه وبين محمد الذي بنحو ما ملكا رسولا جمعا بين الديني والسياسي ممتنع على غير الرسل.لذلك سمى المسلمون من يليه خليفة رسول الله .ولما جاء الفاروق وكان عليما بالدلالة فضل أمير المؤمنين ليس لئلا يقول خليفة خليفة رسول الله.بل لأن الرسول نفسه خليفة خلفاء الله إذا كانون مستجيبين لربهم (الشورى )38بمعنى أن من يخلف الله في تحقيق شرعه في التاريخ هو الأمة دون غيرها.ومن تكلفه الأمة باختيارها الحر لرعايتها وحمايتها بشرع الله هو خليفتها بمعنى نائبها في تحقيق قيم رسالتها فيكون بلغة الشورى 38أمير المؤمنين.وإذا كان امير المؤمنين نائبهم في إدارة الشأن العام برضاهم وانتخابهم الحر فلا يمكن أن يكون مستبدا بالأمر بل يحكم بشروط الشورى الدائمة.ودوامها مقوم عقدي :فآل عمران 104تعرف المؤمن إنشائيا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و 110عرفه خبريا إذا حققه بالانتساب إلى خير أمة.والخبر المتمم للإنشاء جواب شرط دائما :لا ينتسب الإنسان إلى خير أمة إلا إذا كان آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر .والاستبداد والفساد قمة المنكر.حان أوان الكلام في القسم العملي من 177من البقرة .إنه جوهر ثورة الإسلام الجامعة بين الدارين والمحققة للحريتين الروحية والسياسية في التاريخ.لنورد عناصر الصنف الثاني كما جاءت في الآية ولنتأمل مضمونها وترتيبه بعد ذلك:إيتاء المال وإقامة الصلاة والزكاة والوفاء بالعهود والصبر في البأساء والضراء وحينالبأس ،وتختم القائمة بتعريف الإيمان الصادق والتقوى :أولئك الذين صدقوا وأولئك المتقون .وهذا مقابل التعريف السالب. 64
وإذا كان الشافعي يعتبر سورة العصر جامعة مانعة لكل معاني القرآن فإن هذه الآية اجمع وأمنع منها .ففيها نفس المعاني وتحدد الخسر بالتعريف السلبي.ومن ثم فالعصر والآية 177من البقية كافيتان لمعرفة شروط الاستثناء من الخسر في الديني الواحد في كل الأديان فلا تختلف الأديان إلا بتحريفه.وأهم تحريف هو التعريف السلبي الوارد في الآية :177شكليات العبادات وإهمال ما يلي في التعريف الإيجابي .فانحطاط المسلمين علته هذا الإهمال.وهو يرد إلى فساد الدولة بسبب الاستبداد والفساد الذي يلغي شروط الرعاية والحماية بقيم الاستخلاف في تحقيق الاستعمار في الدنيا مطية للأخرى.فإذا كان المربي والحاكم المكلفين بالتربية والحكم غير خاضعين لشرع متعال عليهما وأصبح الأول مشرعا روحيا والثاني سياسيا حل الاستبداد والفساد.وحيلة الحيل في هذا التحول المخرج من الإسلام تبينه بوضوح آل عمران كما حدث في المسيحية :تأليه عيسى ويناظره تفخيم صورة محمد رغم نهيه عن ذلك.وهو تضخيم يؤسس كذبة وراثة الأنبياء وادعاء التصوف حب الرسول المشوه لحقيقته إذ أسسوا على صورته الكاذبة عكس حقيقته :الاستعباد الروحي والسياسي.فالتصوف تحريف جوهري للتربية الإسلامية-المريد ميت يغسله الشيخ-والتغلب تحريف جوهري للحكم الإسلامي-طاعة ولي الأمر قبل طاعة الله :تنكر للقرآن.وهذا التحريفان المفسدان للتربية والحكم هما ما يعتبره ابن خلدون علة \"فساد معاني الإنسانية\" في حضارتنا ومن ثم فهما علة الانحطاط والتبعية.وبمجرد أن نتخلص من كذبة وراثة الأنبياء-النبي لا يورث لأنه لا يملك شيئا :وراثة الأنبياء كذبة باطنية تبناها علماء السنة بعض كنسية متنكرة.والعلم لا يورث لأنه يستمد قيمته من ثمرته لا من أصله .فالعلم لا يؤثر بسلطان مصدره بل بنفع ثمرته .حقيقة القرآن توجد في آيات الآفاق والأنفس.ويمكن تلخيص مضمون الصنف الثاني من البقرة 177في معنيين قرآنين أحدث ما يكون: -1سياسة اقتصادية اجتماعية للرعاية 65
-2وتربية مدنية خلقية للحمايةومن لم يفهم ذلك وخاصة الوصل بالعبادات (الصلاة والزكاة) والوصف الروحي الخلقي الصدق والتقوى فهم مطلب الجهل بالإسلام كما يعرفه القرآن الكريم.فاعتبار التعدد الديني اساس التسابق في الخيرات (المائدة )48والقبول بكل الرسالات والكتب جزاء من عقيدة المسلم يؤسس لكونية الرسالة الخاتمة.وطبيعي أن يكون الدين الذي لا يعتبر نفسها دينا من بين الأديان بل الديني في كل الأديان أن يجعل الفطرة المشتركة فضاء مفتوحا لمن يسعى للحقيقة.وهو ما سماه التسابق في الخيرات .لكن حصر الإسلام في شكله التاريخي الظرفي الذي فرض على السلمين حالة الطوارئ لقرون حد من كونية الرسالة.-وحان الآن أوان المراجعة لتحقيق شروط الاستئناف بنفس الروحية التي كانت أساس النشأة الأولى :الإسلام رسالة كونية تصل تعمير الأرض بقيم الاستخلاف.تلك هي العولمة التي يريدها القرآن ووضع لها استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأ النساء 1وقيم الحجرات 13للتحرر من العبودية الروحية والسياسية. 66
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 12
Pages: