أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 101 وإ ّياهم أو أن تصرف عليهم من أموالهم المو َدعة في المصرف أو غير ذلك، فإ َّن القانون يمنعها من ذلك ،فلكي لا يحدث الخلاف حول هذه المسائل بعد الطلاق ينبغي للمرأة أن تشترط على زوجها عند عقد الزواج أو بعده أن يعطيها وكال ًة بالتص ّرف فيما يعود بالمصلحة على الأولاد ،وعلى هذا ،فولاية الأب وإن كانت من الثوابت ،فهي تصبح من المتح ّركات أيض ًا عندما يعطي الأب شيئ ًا من الولاية للأم التي تعادله في الحرص على حياة الأولاد وهنائهم وسعادتهم .وهنا يكون الدور الكبير للأهل والمجتمع والمؤ ّسسات في التوجيه والإرشاد لهذه المسائل الحساسة .فل ُترسم الحدود ولتوضع البنود ،والشرع دائم ًا في خدمة الإنسان لأ ّنه يختزن الثابت والمتح ّرك .وعلى هذا فالشاب والفتاة ومن دون هذه التوعية والانفتاح على تجارب من سبقهم لن يستطيعا تكوين الأسس التي ينبغي أن ينطلقا منها. نعود ونقول :إن تم ّسكنا بكلمة «العقد» ناب ٌع من قناع ٍة راسخة ،هي أ ّننا نريد أن نفتح الأفق واسع ًا أمام عيون الذين يقدمون على الزواج ،حتى يقتنعوا بأ ّن العقد يتض ّمن إيحا ًء واقعي ًا وتص ّور ًا علم ّي ًا للخطوة التي يأملون أن تكون سبب ًا في سعادة حياتهم واستقرار مشاعرهم ،والسؤال كبير نطرحه عليهم :أنتم ُتجرون عقد الزواج ،فهل أنتم تعرفون شروط العقد؟ هذا أول ًا .وثاني ًا :هل وضعتم في اعتباركم احتمال وقوع المشاكل ،وما هي المخارج الشرعية للخروج منها؟ وثالث ًا ،هل اشترطتم على أنفسكم شروط ًا توافقتم عليها. إلى شرع الله سبحانه نعود في ك ّل اختلافاتنا ومشاكلنا ،ولكن لنو ّفر على القاضي والمحاكم إصدار الأحكام ولنضع شروط ًا لا تتناقض مع الشرع. وأشير في إجابتي إلى أ ّن نظامنا بتد ّرج مراحله من الفيقة إلى الميقة ،مع ملاحظة الزمن الكافي والوقت الملائم لك ّل مرحلة يو ّفر للطرفين فرصة الاتفاق على الشروط بعد أن يجدا أ ّنهما قد ينسجمان مع بعضهما في بناء حياة زوجية
الفصل الخامس 102 دائمة ..ومن هنا ،فإ ّن دخولهما مباشرة في الزواج الدائم لن يعطيهما الشعور بالأمان في حياة َح َدث التعارف فيها سريع ًا ومن دون مق ّدمات تأهيل ّية نراها ضرور ّية قبل الإقدام على أمر مستقبل ّي تتو ّقف عليه سعادتنا أو شقاؤنا». قام أحد الطلاب بدا من ملامحه ولهجته أ ّنه من شمال أفريقيا ،فو ّجه سؤال ًا إلى الدكتور عمر أبو زكريا فقال: فلسفة التوقيت والتد ّرج * د .عمر أنت ال ُّس ّني قبلت بتوقيت العقد الذي يقول به الشيعة انطلاق ًا من قناعة شرع ّية ،ومن خلال دراستك وجدت أ َّن ال ُّس ّنة قبلوا بنصف التوقيت وهو الزواج بن ّية الطلاق ،السؤال :إذا كان المسلم الشيع ّي يتح ّلل من العقد بعد انتهاء الم ّدة ويصبح الطرفان ح ّرين ،ألا ترى أ َّن في الزواج بن ّية الطلاق يمكن للرجل أن يتح ّلل كذلك من أية ارتباطات بعد أن يط ّلق من دون علم زوجته بن ّيته؟ فهم الدكتور عمر مقصد الطالب ومرامه ،فقال: ـ «مسؤوليات ما بعد الطلاق في العقد الدائم والانفصال في المؤ ّقت نفسها لا تتغ ّير ،ففي الدائم إذا ُط ّلقت المرأة لا ترث من زوجها وليس لها نفقه ،إ ّنما النفقة للأولاد ،وهكذا في المؤ ّقت أيض ًا ،فما يحر ُم في الدائم يحرم في المؤقت. بعد طلاق المرأة «دائم ًا» أو انتهاء م ّدة العقد «مؤ ّقت ًا» وخروجها من ع ّدتها تصبح المرأة مح ّرمة على الرجل ولو تز ّوجها سابق ًا م ّدة خمسين سنة إ َّل إذا عقد عليها من جديد ،وفي ما يخت ُّص بالأولاد ،فالولد ولدهما في العقدين. والفرق بين العقد المؤ ّقت والزواج بن ّية الطلاق ،هو فرق جوهر ٌّي .ففي المؤقت هي علاقة مح ّددة بإطار شرع ّي ورؤية واضحة ،تعرف فيها المرأة
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 103 الطريق الذي تسير عليه ،وإلى أين تؤدي بها خطواتها في مسارها ..أ ّما الزواج بن ّية الطلاق فإ ّنه يفتقر إلى الشفافية ،والشفافية تعني العدالة والوضوح ،فكيف إذا افتقدنا الشفافية في الأمور الإنسانية وخصوص ًا في الزواج .ونحن نجد أ ّن مؤسسات تنهار ودول ًا تسقط بسبب عدم وجود الشفاف ّية ،ولذا كيف نبني أسرة مع عدم وجود الشفافية. ولتبيان هذا الفرق نقول :إ ّننا عندما استبدلنا كلمة زواج مؤ َّقت بكلمة عقد مؤ ّقت وحرصنا على وضع الشروط والاتفاقات ،وسم ّينا مراحل العقد بالفيقة والميقة ،فلأ ّن الكلمة كما قال الأخ ناصر ،تؤ ّدي إلى إيحاء يأخذ بنا صوب عمل مع ّين ،وعلاقة مع ّينة وهد ٍف مع ّين». * وأين الإيحاء في ما تقوله حضرة الدكتور؟ ع ّقب الطالب المغاربي.. ـ «شكر ًا لسؤالك ،وأرجو الانتباه لما سأشرحه لكم.. لو طرق رج ٌل غريب باب منزلي ،أفتح الباب وأقول تف ّضل :كلمة «تف ّضل»، تعني عندما يدخل البيت ،يعرف مسبق ًا بأ َّن مكان استضافته غرفة استقبال الضيوف ،فهو يدخل باحترام ،ملتزم ًا آداب دخول بيوت الآخرين ،فلا يدخل الح ّمام إلا بعد استئذان ،ولا يتو ّجه إلى المطبخ لتناول الطعام أو الماء إلا بعد أن يجد قبول ًا من أهل البيت حتى وإن كان جائع ًا أو عطشا َن ،وأكثر من ذلك فإ ّنه يعرف أ ّنه ليس من ح ّقه دخول غرف النوم أو استعمال الهاتف أو العبث بالأغراض ،أو ما ينافي الأصول والآداب الاجتماعية .وهنا من الطبيعي أن يشعر بأ ّنه غريب عن المنزل ،وبأن لا ب ّد من الاطمئنان إلى رضى أصحاب المنزل قبل أن يخطو خطوة واحدة داخله.. أ ّما لو تخ ّطى ما هو متعار ٌف عليه شرع ّي ًا واجتماعي ًا ،فا ّطلع على خصوص ّياتي المنزل ّية ،أو لم يرا ِع حدوده كضيف .فدخل غرف النوم ،فإ ّنني لا ُأدخله منزلي
الفصل الخامس 104 مرة ثانية ،لأ ّنني عرفت من أخلاقياته أ ّنه ليس أهل ًا للضيافة.. أ ّما لو جاءني صدي ٌق حميم ،فعندما أقول له« :تف ّضل البيت بيتك» فيدخل إلى غرفة الاستقبال ت ّو ًا ،وإذا لم يكن هناك أ ّية إرباكات شرع ّية لزوجتي ،فإ ّنه ومن دون استئذان يستعمل الحمام ويتناول من الثلاجة ما يريد طعام ًا أو شراب ًا، ويستعمل هاتفي ،حتى أ ّنه إذا أراد أن يأخذ قسط ًا من الراحة ،فله ذلك ،ولكن من غير دخول غرفة نومي ،ويجري هذا الأمر على قاعدة «البيت بيتك». في ضوء مساحة الحرية وحدودها التي أعطيها الضيف ،وإدراكي التزامه بالح ِّق ال ُمعطى له من دون أ ِّي تجاوز لما ح ّددته له ،ا ّطلع بشكل مباشر على أخلاق ّياته ونفس ّيته ،وهنا أكون بالخيار في أن أتد ّرج معه بح ّق استعمال المنزل. فالمنزل نفسه ،وكلمة «تف ّضل» هي ذاتها ،والح ُّق باستخدامه محصو ٌر بالكلمة التي أطلقتها وأعطيته فيها حدود الصلاحية... وهكذا ،في العقد المؤقت في تد ّرج مراحله من الفيقة إلى الميقة إلى الصيغة. إذا أردنا الآن أن ُنسقط إيحاء كلمة «تف ّضل» على نظامنا في الفيقة والميقة والصيغة ،فماذا نرى؟ ـ كلمة «تف ّضل» واحدة ،وهي العقد ،ودخول البيت دخو ٌل واحد ،وهو يعني ما تسمح به المرأة من حدو ٍد في العلاقة مع الرجل ..فالفيقة في ما تعنيه ،وكما قلنا في جلسة سابقة ،إ ّن تعامل الشاب مع الفتاة يكون في حدود تعامله مع أخته، مع ح ّقه بأن يلمس يدها ويق ّبلها على جبينها ويرى شعرها ...وهذه هي حدود السماح له بدخول المنزل ،حيث ينحصر في غرفة الاستقبال.. أ ّما في الميقة فتتط ّور العلاقة أكثر ،فيرى جسدها ولكن من دون أن تحدث عمليات جنسية كاملة ،وهذا هو معنى «البيت بيتك» ولكن غرفة نومي من شؤوني التي لا أرغب أن يشاركني أح ٌد فيها.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 105 والصيغة هي السماح بالعملية الجنسية الكاملة إذا رغب الطرفان في ذلك، وهنا يكون السماح غير مشروط بعدم استعمال ك ّل غرف وأغراض المنزل ،لأ ّن رغبة صاحب المنزل انفتحت على الطرف الآخر الذي لا يشعر بأ ّي إحراج وهو داخل المنزل حيث تكون الضوابط الشرعية قائمة.. ونحن عندما نتب ّنى هذا المشروع ،فلأ َّن هناك هدف ًا نسعى إلى الوصول إليه، ويتل ّخص في َس ْعينا إلى اكتشاف الطرف الآخر ،في مزاجه وأخلاق ّياته وطباعه وسلوكه ومجمل واقعه ،وهذا لن يت ّم إلا بعد دراسة وافي ٍة لهذا الطرف». طالبة تسأل: * ما نفهمه أ ّن العقد المؤ ّقت الفيقي والميق ّي هو التع ّرف بدقة إلى الشخص الذي يمكن أن أرتبط به وأنسجم معه أليس كذلك؟ ـ يجيب الدكتور عمر :تمام ًا ،هذا هو المعنى الصحيح بالضبط ،وأنا عندما طرح ُت مثال البيت ،فليس ذلك عن َع َبث ،فهنا أتساءل ،هل هذا الذي أدخلته البيت يستح ّق الضيافة ويلتزم بآدابها أم لا؟ وهكذا الفتاة عندما تقبل بمرحلة الفيقة ،فإ ّنها تدرس الرجل وترصد حركة سلوكه ومدى انسجامها مع هذا السلوك ،وعندها تكون بالخيار ،إ ّما أن تنتقل إلى مرحلة الميقة ،وإ ّما أن تخرج من العلاقة بعد انتهاء الم ّدة إذا ما رأت أ ّنها لا تستطيع أن تتعايش مع شخص لا يتق ّيد مثل ًا بحدود ما أعطته وح ّددته من علاقتهما ،أو أ َّن طباعها تتنافر مع طباعه ،ولا ترى فيه رجل حياتها ،وإ َّن ما ينطبق على المرأة في هذا المجال ينطبق على الرجل». من هذه الإجابة تعود به إحدى الطالبات إلى ما كان قد ُطرح قبل قليل ،فتقول: * وكأ ّن ما شرحته الآن حضرة الدكتور يعيدنا إلى موضوع الشروط في علاقتهما قبل دخولهما في هذا العقد؟
الفصل الخامس 106 ـ الدكتور أبو زكريا« :هذا ما كنت سأقوله ،نعود إلى ضرورة الحديث عن الشروط ،فهي الأساس في أ ّية علاقة تربط طرفين ،وسأصارحكم أكثر ،هدفنا من الشروط ،هو حماية الفتاة قبل حماية الشاب .فلها أن تشرط عليه ما تريد بما لا يخالف الشرع ،ففي مرحلة الفيقة كما قلنا قبل قليل تح ّدد الإطار الذي يجب على الرجل أن يحترمه ،وإذا ما التزم به ،فإ ّنها س ُتدرك أ ّنه يحترم تع ّهداته وقبوله بالشروط ،وأيض ًا في مرحلة الميقة ،حتى إذا اطمأ ّنت الفتاة إلى أخلاقياته وإنسان ّيته ودينه ،فلها أن تنتقل بعد أن تأخذ وقتها الكافي في هذه المرحلة إلى الزواج الدائم ،ولذا نحن لا نجد ضرورة للبكر أن تم ّر في مرحلة الصيغة. وعلى هذا ،أعود للإجابة عن السؤال الأول ،فعندما أعقد على امرأة زواج ًا دائم ًا وأنا نا ٍو الطلاق ،فإ َّن الزوجة تتعامل معي على أ َّن زواجنا دائم ،وتبني آمالها وطموحاتها ومستقبلها على هذا الأساس .وغد ًا عندما أط ّلقها فإ ّنها ُتجرح في كرامتها وتتح ّسر و ُتحبط ،خصوص ًا إذا ما أنجبت وح ّددت لنفسها مسؤولية خدمة عيالها ،ولكن عندما تدخل في عق ٍد مؤ ّقت في مراحل الفيقة والميقة ،فإ ّنها ستكون على علم بك ّل النتائج وعلى معرفة بسقف علاقتها بالرجل ،فهي عندما تقبل بالفيقة ولم ّدة مع ّينة ،ليست مجبرة على أن تستسلم لرغبات الرجل وتضع قلبها وروحها بين يديه. فإذا مشى الرجل خطو ًة واحدة ،ليس المطلوب منها أن تمشي عشر خطوات، يمكن لها أن تمشي خطوتين كرم ًا من أخلاقها ،ولكن إذا مشت عشر خطوات واستغ ّل عاطفتها وإنسان ّيتها وأوقعها في َش َر ِكه وحملت منه ،فإ ّنها لا تلوم إلا نفسها». أحد الأساتذة بين جمهور الحاضرين في القاعة ساوره الش ّك فأراد الوقوف على حقيقة تب ّني الدكتور عمر فكرة الزواج المؤقت وإيمانه به وكأ ّنه ش ّكك بهذه القناعة فرفع يده قائل ًا:
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 107 * د .عمر ،ألم تشعر أ َّن بقية الأعضاء المحاضرين الشيعة الكرام ،ومن خلال مناقشاتكم الطويلة وجلساتكم المتع ّددة وعلى مدى سنوات ،قد استطاعوا التأثير في تفكيرك وقناعاتك ،فجذبوك إلى أفكارهم وطروحاتهم؟ الدكتور عمر أبو زكريا مبتسم ًا« :أشكر الزميل الكريم الذي أتاح لي فرصة تبيان أمر ها ّم ،وهو يتم ّثل في ضرورة نبذ التع ّصب والانفتاح على أفكار الآخرين عندما تكون مبن ّية على الشرع والعقل والمنطق ،وهذا منهجي العلم ّي الذي صرفت له سنوات عمري وجهدي ،حيث كنت ألاحق الأفكار وأشبعها درس ًا وبحث ًا وتمحيص ًا ،وفي اللحظة التي تتو ّلد عندي القناعة بفكر ٍة ما كنت أؤمن بها وأقتنع بنهجها بعيد ًا عن أ ِّي موروثات مذهب ّية أو فكر ّية. هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى ،فأنا أؤمن بفلسف ٍة عميق ٍة في حياتي ،وهي أ ّن الله ح ٌّق ،وأ َّن ك َّل ما يوصلني إلى الله أجعله معبر ًا للوصول إليه سبحانه خصوص ًا إذا لم يكن هناك أي تش ّبث بالهوى والتع ّصب والتح ّزب ،وهذا ما ينبغي للباحث العلم ّي ولمن يريد أن يعبد الله عن وعي وب ّينة ودراية أن يكون عليه. ولأ ّنني ،كما ذكرت ،لا أخاف المناقشة في أمور الدين وقضاياه ،شدد ُت العزيمة ودخلت ميدان التجربة ،وما زاد قناعاتي أ ّن الفكرة المطروحة ليست مسألة ُس ّنة وشيعة ،أو أ ّن هناك معارضين وآخرين مؤ ّيدين ،المسألة نابع ٌة من عمق الإسلام في نظامه الاجتماعي والأسر ّي ،وما يميزها هو الأسلوب الجديد والشرعي الذي يأخذ شكل نظام (الفيقة) و(الميقة) والذي يخدم الجميع إذا ما اقتنعوا بأه ّميته وو ّظفوه في خدمة مشروعهم المستقبل ّي في الزواج والأمل بأسرة تكتنفها السعادة وتظ ّللها الرحمة والمو ّدة. ك ُّل ما فيه هو «التوقيت» المأخوذ من الإسلام ،وقد ط ّبقها المذهب الشيعي، ورفضها بعض المذهب ال ُّسني .وما أو ّد قوله إ َّن قبولي بمسألة التوقيت ،ليس
الفصل الخامس 108 انتصار مذهب على مذهب ،بل هو انتصار للإسلام ك ّله ،لأ ّننا ننهل جميع ًا من معين نهره الد ّفاق. فالإسلام هو المبدأ ،هو النهر الجاري إلى يوم القيامة ،وهذه الروافد هي هذه الاجتهادات بين الفقهاء ،فبأ ّيها أخذت تكون قد أخذت من الإسلام نفسه، فأنت عندما تلتزم بآراء مع ّينة من المذهب الشافعي مثل ًا ،فإ ّنك لا تنتصر إلى هذا المذهب كمذهب بل تنتصر للإسلام كمبدأ ،وهكذا عندما تأخذ من الشيعي أو الحنفي أو غيرهما بما لا يتناقض مع الإسلام كدين وعقيدة ونظام ،فإ ّنك تنتصر لهذا الدين نفسه .ومن هنا ،أخذ ُت من الشيعي مسألة التوقيت في عقد المتعة، وهذا منطق جرى عليه مجتهدونا من أهل الس ّنة حيث أثبتوا ذلك في قواعدهم الفقهية وتركوا للمسلم حر ّية تقليد أ ّي مجتهد(((. التوقيت ،مرحلة تعارف وتد ّرج ودراسة إمكان ّية الوصول إلى الزواج الدائم. يذهبان إلى الدائم على وضوح وب ّينة من أمرهما .فالغاية من التوقيت هي تحديد المسؤوليات التزام ًا بهذا العقد الذي نؤمن أ ّنه ليس بداية ونهاية عاطفة، فالعواطف لا ُتفتح ولا ُتقفل في يوم وليلة أو تح ّدد بوقت تنتهي مع انتهاء الوقت، فالعواطف ليست مرتبطة بالزواج ،الزواج مسؤولية ،سي ٌر في خطوات ثابتة ،التزا ٌم بمسؤوليات. وعلينا أل ّا نفهم المسألة خط ًأ بمعنى أن يعقد شا ٌب على فتاة شهر ًا أ ّن عليه أن يح ّبها شهر ًا أو تح ّبه شهر ًا ،ولكن عليهما أن يلتزما مسؤوليات هذا العقد ويعرفا متى تبدأ المسؤولية وكيف تسير وإلى أين تنتهي». ((( انظر المستند رقم ( ،)١٤ص .٢١٨
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 109 هل من حاجة إلى الشهود الطالبة التي كانت قد اهت ّمت بالأولويات عادت للتد ّخل في الحوار من جديد ،فسألت الس ّيد مح ّمد: * ألا نحتاج في الفيقة والميقة إلى شهود؟! ـ السيد محمدَ « :ع َل َم الشهادة؟ َمن منكم سمع أ ّن الزوجين عندما ذهبا إلى القاضي في المحكمة لح ِّل خلاف ما ،قال لهما :أين الشهود على زواجكما؟ الخلافات التي تحدث بين الأزواج تحدث داخل الجدران ،لا شهود ولا أب ولا أم يسمعونها أو يشاهدونها ...فإذا بدأ الخلاف بين الزوج والزوجة على إحضار كوب ماَ ،ف َمن الذي شهد أ َّن المرأة بادرت فور ًا إلى تلبية طلب الزوج أو تباطأت في إحضار الكوب؟ ونحن في جلساتنا السابقة ،أثبتنا عدم وجوب حضور الشهود أثناء العقد وأثبتنا ذلك من مصادر الفقه نفسها ،في المصادر الشيعية والسنية ..ولنا أن نتساءل عن جدوى وجود الشهود في نظامنا في مرحلة الفيقة والميقة وما النتيجة التي نحصل عليها. دعونا نتك ّلم على المرأة في العقد المؤقت ..فلو أساء الرجل إليها في تعامله معها ،وتو ّصلت إلى قناعة محسومة بأ ّنه غير جدير بهذا العقد ،فهي ليست بحاجة إلى حشد الواقع بالشهود ليشهدوا على تص ّرفاته ..ولا تكون ملزمة بالمثول أمام القاضي لتشكو إليه إساءة الرجل وسلب ّية تص ّرفاته ،فهي دخلت في عق ٍد مؤ ّقت، في مرحلة فيقة ،فمع انتهاء الم ّدة ،يخرج هذا الرجل فور ًا من حياتها».. * طالبة واقفة في إحدى المم ّرات تسأل: ماذا لو كانت م ّدة العقد طويلة ولا تستطيع الفتاة أن تخرج منها بسرعة؟
الفصل الخامس 110 ـ ير ّد الس ّيد محمد« :في الأساس ،ينبغي للمرأة في العقد المؤقت أن تلحظ قدرتها على مدى الانسجام مع هذا الرجل ..وأين تكمن حقوقها وواجباتها ،وأن تضع في الاعتبار وقبل أ ّي شيء آخر ،أ َّن العلاقة مؤقتة ،فترة اختبار للرجل ،ومن هنا ،فليس لها أن تستسلم بك ِّل وجدانها وقلبها للرجل ،وتعطيه ما يتم ّنى ويرغب فيه ..ولذلك فهي عندما تدخل في مرحلة الفيقة ،فتح ّدد م ّدة معقولة وقصيرة فإذا ما وجدت أ َّن هذا الرجل يفتقد جدارة العلاقة بها ،تكون بحماية وأمان الم ّدة التي دخلت العلاقة بها على أساسها ،فتخرج مع انتهاء الوقت المح ّدد ..ومن هنا نح ّذر الدخول في عقود طويلة الآجال قد لا تكون في مصلحة أ ّي من الطرفين وخصوص ًا في بداية التعارف »..بعد هذا الشرح يجد الطالب المغاربي سبب ًا للتد ّخل. * ماذا لو حدث الحمل وأنكر الرجل؟ أليست بحاجة إلى شهود؟! ـ السيد محمد« :أول ًا ،ليس ك ّل الرجال ينكرون فالكثيرون اندفعوا لتسجيل عقود زواجهم ،فنحن نسمع برفض التسجيل ،ولكن لا نسمع بقبول التسجيل.. ولكن نرجع ونقول إ ّن في نظامنا وفي مرحلتي الفيقة والميقة ليس هناك من اتصال جنسي كامل ،وعندها لن يحدث الحمل ،وهو إن حدث ،فإ ّن اختبار ًا علمي ًا مع ّين ًا ـ وكما قلنا سابق ًا ـ قاد ٌر على أن يثبت نسبة الولد إلى أبيه.. من منطلق مسؤول أقول :السبب لوجود الشهود تنتفي الحاجة إليه بعد أن يعي الطرفان أدوراهما ،ولسنا مضطرين للالتزام به وخصوص ًا في أطروحة الفيقة والميقة ومع ذلك نحن لسنا ض ّد وجود الشهود إذا رأى أحد الطرفين ضرورة منطقية لذلك». ولأ ّن الطالب المغاربي لم يقتنع بالكامل ،سأله في الحال.. * لماذا؟! ـ السيد محمد« :لنفرض أ ّن فتا ًة صحبت شاب ًا إلى مكا ٍن عام بهدف التعارف،
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 111 وأجريا العقد المؤقت (فيقة) ،فما حاجتها إلى الشهود؟ حاجتها فقط إلى العقد الشرعي لأن تضع نفسها في إطار شرع ّي يحميها ،كي لا يقع واحد منهما في الحرام ،ولا يتع ّدى أح ٌد على حقوق الآخر ..وإذا وصلت خطواتهما إلى مرحلة الميقة ،أو إلى مرحلة الصيغة ،ولنفرض أ َّن حمل ًا قد حصل للفتاة ،فيكون قد م ّر سنة أو سنتان أو ثلاث على علاقتهما ،فالمجتمع ك ُّله سيدرك حينها أ ّنهما في علاقة شرع ّية ،وهكذا أهاليهما ومعارفهما والناس من حولهما ،فالشهود لماذا؟ ومع ذلك ،نرى أ ّن البنت إذا رأت أ َّن الشهود يحمونها ،فلتأتي بالشهود، ولكن من دون تعقيد نوع ّية الشهود ،فحارس البناية وصاحب البقالة يمكن أن يكونا شاهدين ،فالله لم يفرض جنس ّية خاصة ،أو طبقة اجتماع ّية مع ّينة ،فليكن الشهود من زملائها من طلبة الجامعة ،على مرحلة الفيقة لم ّدة أسبوع بين زميل وزميلته في الجامعة ،وليدعو زملاؤهما لهما بالبركة والخير على أن تتط ّور العلاقة الشرع ّية وتذهب صوب الزواج الدائم وبالبنين والسعادة». يقوم طالب ويسأل: * لماذا تحرص أغلب ّية العوائل على إقامة العرس ،أليس ذلك لغاية الإشهار؟ ـ ير ّد ناصر« :نعم هو للإشهار ولكن بأ ِّي معنى؟ ـ ُيط ِلق ناصر استفساره وينتظر الر ّد من الطالب الذي يجيب :بمعنى أن يعرف الناس ويشتهر بينهم أ َّن فلان ًا تز ّوج فلانة .-وهنا يع ّلق ناصر :ليعذرني الطالب الكريم إذا ما قلت بأ َّن المعنى الذي ذهب إليه هو معنى سطح ّي ،لأ َّن الغاية من العرس ،هي فرحة المجتمع والناس باثنين أقاما علاقة زواج شرع ّية ابتنت على اتفاقات وشروط مع ّينة ،وعلى إثرها قام العرس ليسكن الفرح القلوب بسبب نتيجة تو ّصل إليها الفتاة والشاب ليكملا مسيرة الحياة مع ًا .هذه هي فلسفة العرس الحقيق ّية ،وليست من فلسفته د ّق الدفوف وإطلاق صوت المزامير لتعرف الناس أ َّن فلان ًا سيتز ّوج فلانة.
الفصل الخامس 112 ومن الخطأ اعتبار وجود الشهود أو إشهار الزواج يح ّلل حرام ًا ،فالعقد بصياغة الكلام والإيجاب والقبول والمهر هو الذي يفتح طريق الحلال لإثنين يريدان بناء حياة زوجية». إحدى الطالبات تسأل: * سؤال لا يتع ّلق في مسألة الحلال والحرام ،ولكن في ما له دخ ٌل في الاعتبارات الاجتماعيةَ ،ف ِهمنا في الجلسة السابقة أ ّنكم لستم مع ولاية الأب على الابنة البالغة الرشيدة ،ورأينا أ َّن الأحناف يوافقونكم الرأي، ولكن ألا ترون أ َّن الواقع الاجتماعي ح ّسا ٌس من عدم ولاية الأب على ابنته كونه ر َّب الأسرة ،ولذا فإ ّنه يأخذ في الاعتبار ضرورة أن تأخذ إذنه في العقد حتى لا ُيش ّهر برجولته؟ ـ د .عفافَ « :ف َمن له الح ُّق با ّتهام هذا الأب برجولته ،وعلى أ ّية قاعدة شرع ّية ُيطلق هذا الحكم؟ الشرع لا يبيح ذلك ..وهنا انتهزها فرصة لأضيف على كلام سماحة الس ّيد محمد في ر ّده على مسألة الشهود ..إذا كان رج ٌل وامرأة يسيران في الشارع ،لماذا عليهما أن يثبتا أ ّنهما متز ّوجان ،فهل لإطفاء نيران فضول المجتمع؟ فضول المجتمع في هذه الحالة حرام ..ولذا ،ليس من الواقعية أن نش ّرع الظ ّن والش ّك ونجعلهما قانون ًا ،وإذا كان ذلك فلنش ّرع الحسد والنميمة والبهتان ،وشتى الأمراض النفسية القاتلةَ ،من يرضى م ّنا بذلك؟ لماذا نجعل ش َّكنا قانون ّي ًا ونعطيه صفة الحل ّية؟ ونحن إذا ما ك ّرسنا ذلك، فإ ّننا نجعل الحرام حلال ًا ..وهذا ما ينطبق يا ابنتي على هذا الرجل الذي ُي ّتهم ليس برجولته ،بل بإنسان ّيته وشرفهَ .من أعطى لنفسه الح ّق بضربه في رجولته؟ و َمن س ّلطه على أن يتد ّخل في ما تفعله ابنة هذا الرجل؟ المجتمع بك ِّل َمن فيه، والناس بأعدادهم الكثيرة لا يملكون الح ّق في التد ّخل إذا لم تخطىء هذه الفتاة
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 113 ولم يصدر منها ما يشين كرامتها ،أو ينعكس ضرر ًا على المجتمع. تأكدوا تمام ًا أ ُّيها ال ّسادة الحضور أ َّن تقنين مجتمعنا للخطأ هو الذي يؤ ّخر حركة الوعي فيه ،ويجعله على تما ٍس مباشر مع التخ ّلف. وما يعني المجتمع في علاقة اثنين ببعضهما سوى أن تعود هذه العلاقة عليه بالضرر النفسي والأخلاقي والمعنوي ،وعندها يكون المجتمع مسؤول ًا عن مواجهة الأخطاء ،لأ ّن انتشار هذه الأخطاء يجعل النظام الاجتماعي ُيصاب بالخلل والتف ّكك ،أ ّما علاقة الشباب بالفتيات ضمن نظام الفيقة والميقة فإ ّنه يختزن فائدة كبرى ،لأ ّن انتشار ما نطمح إليه من خلال هذا النظام أن ُيقدم هؤلاء الشبان والفتيات على الزواج الدائم بعد فترة كافية من الدراسة لبعضهما. وفي ختام ر ّدي على هذه المسألة أقول :هناك مفارقة غريبة وهي موجودة عند ال ُّس ّنة كما عند الشيعة ومفا ُدها أ َّن المرأة الث ّيب إذا ما أرادت الزواج فإ ّنها ليست بحاجة لأخذ رأي ول ِّي أمرها ولو كان عمرها خمس عشرة سنة ،على عكس الفتاة البكر ،فلو كان عمرها أكثر من ثلاثين سنة فإ ّنها بحاجة للحصول على إذن ول ّيها في الزواج ،وهنا ي ّتضح وجه الغرابة في هذا الأمر ،وخصوص ًا أ ّننا نربط دائم ًا مسألة إذن الأب بالحماية التي يو ّفرها لابنته وأ ّنه أدرى منها أحيان ًا بمصلحتها في أمر الزواج ،وأ َّن هذه الفتاة لم َت ُخض بع ُد تجار َب الحياة ومن َث َّم فهي غير جديرة بأن تواجه مصاعب الحياة من دون ول ِّي أمرها ،وأمام هذا الأمر لنا أن نتساءل، كيف ُيسمح لفتاة تز ّوجت في الخامسة عشرة من عمرها كما قلنا و ُط ّلقت بعد زواجها بشهرين أن تتز ّوج مباشر ًة بعد انتهاء ع ّدتها دون أن تعود إلى الأب في اختيارها ،أين معرفتها في هذا العمر بأمور الحياة ،بل أين قدرتها على اكتشاف مصلحتها في هذا الزواج الجديد ،وهل أصبحت راشدة بعد أن صارت ث ّيب ًا؟ ولا ُيسمح للفتاة البكر التي وصلت فعل ًا إلى مرحلة الرشد والوعي والنضج نتيجة تق ّدمها في العمر أن تختار الرجل الذي يناسبها؟
الفصل الخامس 114 إ ّن عرضنا لهذه المفارقة يثبت أ َّن الإصرار على إذن ول ّي الأمر في الزواج أم ٌر اجتماعي أكثر م ّما هو شرع ّي ،وهذا الأمر في الحقيقة يعطي للأب «ح َّق» الإذن لزوج ابنته بف ّض البكارة ،وبهذا لا تكون المسألة مسألة رشد أو وعي أو نضوج أو حماية». العاطفة والجنس * أحد الطلاب يقول :أين دور العاطفة بين الشاب والفتاة في نظام الفيقة والميقة عندكم؟ ـ ومع طرح هذا السؤال يسارع ناصر إلى تو ّلي الإجابة فيقول« :العاطفة أم ٌر يتح ّرك في داخل الإنسان بمشاعر صادقة وأحاسيس ط ّيبة تتم ّنى الخير والسعادة لمن حولها ،وكما تكره الش ّر لذاتها تكرهه للآخرين. وفي هذا المجال يقول أحد علماء المسلمين وهو الس ّيد محمد حسين فضل الله« :إ ّن الإسلام لا يمنع الشاب من أن ينجذب إلى الفتاة ،كما لا يمانع من أن تنجذب الفتاة إلى الشاب ،ما دام ذلك الانجذاب ينطلق من دوافع إنسان ّية م ّتزنة لا تطوف في الأجواء الأخلاقية السلبية ،بمعنى أ ّن عملية هذا الانجذاب قد تعيش في أجواء العلاقات الشرعية»(((. فالعاطفة شيء أسا ٌس في الحياة ،ولذا ،فإ َّن على الإنسان أن يعرف كيف يزرع عاطفته عند الآخر .ومن هنا ،فإ ّنه إذا ما وضع عاطفته في صدر إنسان آخر لا يبادله معاني الخير نفسها؛ فإ ّنه يض ّيع وقته بلا طائل ..ولذا كانت ضرورة الفيقة والميقة التي هي التعارف أ ّول ًا ،والبحث ثاني ًا عن شخص آخر يحمل مشاعرك وأحاسيسك ذاتها على أمل أن يؤ ّسس معك لحياة مشتركة». (( ( تأ ّملات إسلامية حول المرأة ،السيد محمد حسين فضل الله ،ص ،61-60دار الملاك ،بيروت.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 115 المراهنة على الشباب * الطالب :إلى أ ِّي مدى تراهنون على الش ّبان والفتيات في تب ّني أفكاركم وتق ّبل مشروعكم؟ وهل تأملون منهم أن يج ّسدوا ذلك على أمل بناء أسرة سعيدة ..هل تراهنون على الزمن؟ ـ ناصر« :نحن متأكدون وأنتم معنا في هذا التأكيد أ َّن الشباب مقتن ٌع بمبدأ التعارف قبل الزواج ،وهو الآن يتع ّرف ،ولكن للأسف عن طريق الخطأ ..ويت ّم عبر قنوا ٍت تفتقر إلى الشرع ّية من جه ٍة أو إلى الآليات السليمة من جه ٍة ثانية.. فالمراهنة على الشباب قائم ٌة ،لأ ّننا مؤمنون بوعيه ،ومن وعيه أ ّنه وصل إلى نتيجة ها ّمة ،هي ضرورة التعارف قبل الزواج ،ولكن نريد لهذا التعارف أن يأخذ الجانب الشرع ّي الذي يح ّصن الطرفين ويبعدهما عن الشبهات والحرام.. وواقع الحال اليوم أ َّن تعارف الش ّبان والفتيات يت ُّم في الساحات والحدائق ودور السينما والحفلات ،وبعضهم لم تتف ّتح آفاق تفكيره على أ ّن هناك حل ًا شرعي ًا يعطي الصفة الشرعية للتعارف ،لذلك تبرز السلبيات وما قد يخالف الشريعة في مفاهيمها وقوانينها.. في شبابنا تكمن معالم الخير ،وهم الأمل ببناء المستقبل الواعد ،ونرى فيهم الإمكانيات الكبيرة والطاقات المنتجة ،وليس الزمن ببعيد حتى نرى ش ّباننا وفتياتنا يدرسون ك َّل خطوة في حياتهم على قواعد شرعية أصيلة تح ّقق لهم آمالهم وطموحاتهم ..وهنا أو ُّد أن أصارحكم ،فنحن كلجنة نراهن على أ َّن نظامنا س ُيط ّبق بأسرع م ّما تتو ّقعون في البلاد الغربية ،حيث إ َّن هناك أكثر من عشرين مليون مسلم يعيشون هناك ،وهم مه ّيئون لتطبيق هذا النظام أكثر من مسلمي الشرق ،وذلك بسبب الأوضاع الاجتماعية القائمة هناك والتي تبقى ح ّرية الفرد فيها شيئ ًا أساس ّي ًا يتح ّرك خلالها الإنسان بما يتلاءم مع أوضاعه وقناعاته .ونحن نراهن أيض ًا على
الفصل الخامس 116 أ ّن الغربيين المسيح ّيين أنفسهم عندما يرون أبناء المسلمين يط ّبقون هذا النظام بنجاح وجدارة سيبدأون العمل به وإن كان من خلال معتقداتهم الدين ّية ،حتى وإن لم يأخذوا به فسيجدون أ ّنه نظام يعالج الغرائز الإنسان ّية بقواعد محكمة تحترم الإنسان وإنسان ّيته». سمعة الفتاة يقوم طالب قائل ًا: * في الميقة تتط ّور العلاقة بين الشاب والفتاة أكثر ،فهو يستطيع أن يراها بلا حجاب أو أن يق ّبلها على فمها ،أي إ ّن المرحلة الجنسية في الميقة غيرها في الفيقة ،ولو لم تأخذ في الميقة الفعل الجنسي الكامل ،مع حرصكم على ضرورة المحافظة على البكارة ..ولكن ماذا لو حصل الخطأ في لحظة ضعف مع ّينة فقدت الفتاة عذر ّيتها .كيف تواجه المجتمع الذي ينظر إليها وكأ ّنها «عود الكبريت» إذا اشتعل م ّرة ُيصبح بلا فائدة ،ما هو ر ّدكم على ذلك؟ السؤال أو ّجهه للدكتور عمر أبو زكريا لو سمح وتف ّضل بالرد؟ ـ د .عمر أبو زكريا« :هذا المثل الوارد في السؤال ُيعتبر بمنزلة إهان ٍة للمرأة وتع ٍّد على كرامتها ..فالنب ُّي الأكرم Pتز ّوج المط ّلقات والأرامل وه َّن لس َن أبكار ًا ..هذه عقلية جاهلية حين نواجه الفتاة بمثل هذه الأقاويل.. ولو عدنا إلى البكارة ،فنحن اللجنة وفي بحثنا في هذا الموضوع ،لم نتو ّصل إلى تبيان فلسفة خاصة بها ،وسألنا أطباء وعلماء نفس ،سألنا الأبكار من النساء والمتز ّوجات منه َّن عن إحساسه ّن المادي بالبكارة لديه ّن وهل يماثل عنده ّن إحساس المرأة بجنينها وهي تحمله في بطنها؟ فكان الجواب سلب ًا في هذه القضية ..فالبنت البكر ومن ناحية فسيولوجية لا تح ُّس بأم ٍر غير عادي يحمله
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 117 جسدها ،فهي كطبلة الأذن التي لا نشعر بوجودها جميع ًا ..ومع ذلك فنحن نقول إ ّن الله تعالى لم يخلق في الإنسان شيئ ًا عبث ًا ،فك ُّل شي ٍء قد خلقه سبحانه بقدر، وقد تكون فائدتها منحصرة في حقوق المرأة ،فحقوقها وهي بكر غير حقوقها وهي ث ّيب»(((. كانت هناك طالبة في آخر القاعة في الركن الأيمن لم تشارك في أ ٍّي من أيام الحوار ،بل كانت مستمعة فحسب ،فقامت بعد هذا الكلام معترضة عليه وكأ ّنه انتقص من قيمة المرأة فقالت :وهل حقوق البكر غير حقوق الث ّيب؟ ـ ناصر« :في مسائل مع ّينة ،نعم ،فحقوق الفتاة من ناحية المهر مثل ًا إذا ُط ّلقت وبقيت عذر ّيتها ،فإ ّنها تأخذ نصف مهرها ،بعكس المرأة الث ّيب التي تأخذ كامل مهرها .ومن ناحية النفقة لا تستحق البكر النفقة في فترة عقد الزواج الدائم وهي ما زالت في بيت أهلها إلا بعد أن تنتقل إلى بيت الزوج ّية ،أو إذا اشترط الزوج أن تكون الفتاة بكر ًا فبانت ث ّيب ًا ،وعندها له ح ّق الفسخ.. وأعود لأؤكد كلام الدكتور أبو زكريا ،وهو أ َّن للبكارة دور ًا من ناحية سيكولوج ّية وحسب. والرأي الذي يذهب إلى ضرورة وجود البكارة عند البنت يدعم أطروحتنا في الفيقة والميقة ،ونعتبر أ ّن ذلك يم ّثل النظام الإسلام ّي في مسألة التعارف ومن ث َّم الزواج ،فوجود البكارة مطلوب في مرحلة الفيقة ،إذ إ َّن معاملة الشاب للفتاة تكون في حدود معاملة الأخت تمام ًا ،فما يبيح له الشرع من رؤية جسد أخته بحدود خاصة يستطيع أن يراه في َم ْن عقد عليها مؤ ّقت ًا في مرحلة الفيقة، وهكذا في الميقة وهي برأينا مرحلة متق ّدمة أكثر خضعت لمرور زمن مع ّين سمح للطرفين بالتعارف ببعضهما أكثر نفسي ًا وجسدي ًا ،وأدركا مدى التلاؤم والتوافق ((( ال ّثيب :من فقدت عذر ّيتها.
الفصل الخامس 118 في ما بينهما وهما يدرسان بجد ّية احتمال أن يكونا زوج ّي مستقبل ،ولكن مع المحافظة على البكارة. وبما أ َّن للمجتمع في أعرافه وتقاليده نظرته السلب ّية في فقدان غشاء البكارة، ننصح البنت في مرحلة الميقة أن تأخذ احتياطاتها وتتج َّنب مع الشاب ما من شأنه أن يؤ ّدي إلى فقدان عذر ّيتها ،ولكن لو حدث وفقدت الفتاة عذر ّيتها نتيجة ضعف حسبما ورد في السؤال ،فما دام العقد شرع ّي ًا وحصل ا ّتفا ٌق بين الطرفين يقضي بالتح ّول من مرحلة الميقة إلى الصيغة فهذا شأنهما ،وليس للمجتمع أن ينال من قدس ّية علاقتهما ،وخصوص ًا إذا ما احترما عهودهما وشروطهما وتع ّهداتهما وما يتر ّتب من نتائج على فعلهما ،وإذا كانا على قدر من المسؤولية الشرعية التي تحفظ كرامة الفتاة وإنسان ّية الرجل وكان احتمال مجيء وليد إلى الحياة وارد ًا؛ فإ ّنهما يعطيانه كامل حقوقه في الأب ّوة والأمومة ..وعلى هذا ،إذا كان الاتفاق بينهما شرعي ًا وكان الله ورسوله شاهدين عليهما ،ليس للمجتمع والناس والأهل الاعتراض والتشهير والنيل منهما». وتستمر أسئلة الطلاب م ّتسمة بالوعي ،ولذا ،قامت إحدى الطالبات وطرحت السؤال التالي: * رغم عدم الأهمية البالغة لغشاء البكارة حسب شرحكم إلا أ ّنكم دائم ًا تر ّكزون في مرحلة الميقة على ضرورة المحافظة عليها ،فلماذا؟ ـ ناصر« :أشكرك على هذا السؤال .قلت إذا كانا يحفظان عهودهما ومواثيقهما وكان عملهما تحت عين الله ،فهما بالخيار في هذه المسألة ..ولكن نحن عندما وضعنا المراحل ،فلسبب فلسف ّي ونفس ّي ..فالمراحل كما نعلم هي ثلاث (فيقة ،ميقة ،فصيغة) ولك ٍّل منها حدودها واعتباراتها ونظامها .فالفتاة إذا ا ّتفقت مع شاب على مرحلة الفيقة ،ولك ّنه حاول التم ّلص من الاتفاق وتعداه إلى
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 119 مرحلة الميقة أو إلى مرحلة الصيغة بالعنف أو بالإغراء الما ّدي أو بأ ّي أمر يحمل الإكراه ،فالفتاة هنا يجب أن تعرف أ ّن هذا الشاب ليس جدير ًا بالمسؤولية ،فلا يحترم وعوده ولا يؤتمن على شيء ،فكيف يمكن أن يكون زوج ًا لها ،فإذا كانت واعية ،وقد أخذت احتياطاتها ووعت دوره السلب ّي وألاعيبه ،فواجهته وص ّدته، فإ ّنها تخرج سالمة وتنسحب قبل أن تندم على علاق ٍة من هذا النوع». * الطالبة :وماذا لو لم تكن واعية؟ ـ ناصر :أنصح الفتيات بدراسة نظامنا دراسة واعية دقيقة ،حتى إذا ما أقدم َن على السير في طريقه ،تكون الرؤى واضحة أمامه ّن ،وأن ينتبهن للإغراءات المادية والمعنوية التي تصدر عاد ًة من بعض الرجال ،ويأخذن حذره ّن من الوعود المعسولة ،والآمال الخواء ،ولا يستسلمن لأوهام مشبوك ٍة في الفراغ من دون حقيقة ،أو من دون حرص على مستقبله ّن وحياته ّن ..وظ ّني أ ّن الكثيرات من فتياتنا ،يمتلكن الوعي والإدراك وفهم الواقع ومعالم المسؤولية ..ولكن إذا ما أغمضت الفتاة عينيها عن حقيقة هذا الرجل الذي كما قلنا لا يراعي ما أخذه عهد ًا على نفسه ،وخالف ما اعتبره شرط ًا لازم ًا له في العلاقة ،وغ ّيبت وعيها ودورها في العلاقة ،وأقدمت في المستقبل على الزواج به ولم يكن يحمل صفات الصلاح ،فهي وحدها تلوم نفسها ،لأ ّن مواقفه ب ّينت حقيقته في مراحل كثيرة ،ولك ّنها تغاضت عن ذلك ،ورضيت بهذا الواقع ،وعلى هذا فالمسؤولية تقع عليها أول ًا وأخير ًا ،ولا يخت ُّص الأمر بالفتاة ،بل بالرجل أيض ًا ،فهو عندما يدخل في العلاقة بالتد ّرج فلكي يكتشف صدق الفتاة ويعرف نواياها. فنحن لنا ملء الثقة بالكثير الكثير من فتياتنا وشبابنا الذي تر ّبوا على الأخلاق والفضيلة ويحترمون عهودهم ومواثيقهم والاتفاقات التي يعقدونها بينهم وبين الآخرين».
الفصل الخامس 120 العمر المناسب لإجراء العقد يرفع أحد الطل ّاب يده طالب ًا الإذن من مصطفى الذي يعطيه ح ّق المداخلة، فيقول: * برأيكم ما هو العمر المناسب للشاب والفتاة للدخول في مرحلة الفيقة؟ ـ السيد محمد« :هناك من اعتبر ح ّد البلوغ بخمس عشرة سنة ،وآخرون رأوا في السابعة عشرة س ّن ًا للبلوغ وفريق ثالث ارتأى الثامنة عشرة ،وفريق رابع ح ّدد س ّن البلوغ بالنضج الجنسي ،وهكذا. والملاحظ في هذه التحديدات اختلا ُفها أ ّول ًا ،ومن َث ّم تناولها لعقد الزواج الدائم وإمكان ّية تسجيله وتوثيقه في المحكمة الشرعية ..ولكن هذا لا يعنينا في أطروحتنا لأ ّنها لا تستلزم تسجيل ًا في المحكمة ،كونها عقد ًا مؤ ّقت ًا يصبح دائم ًا إذا ما توافق الطرفان على ذلك بعد مرور فترة زمنية طويلة .فعندها يستطيعان التق ّدم إلى الدائرة الرسم ّية الشرعية لتوثيق الزواج ،والعقد في الأصل دائم ًا كان أو مؤ ّقت ًا هو شرع ّي إذا استوفى شروطه ولو لم يو ّثق أو يس ّجل في المحكمة. ولا ُأخفي عليكم أ ّننا في مناقشاتنا الطويلة ،كان بعضنا يميل في تحديد الس ّن الأفضل لمرحلة الفيقة إلى ثماني عشرة سنة ،وآخرون م ّنا كانوا يرون في الحادية والعشرين عمر ًا مناسب ًا لهذه المرحلة .ونحن إذا عدنا إلى آراء الفقهاء؛ فإ ّن بعضهم يجيز للفتاة البالغة الرشيدة أن تعقد لنفسها من دون الرجوع إلى إذن ول ّيها (الأب أو الجد لأبيها) وليس لأحد غيرهما ولاي ٌة عليها .ولك َّن فقهاء آخرين َي َر ْو َن رغم بلوغها ورشدها ضرورة أن تأخذ إذن أبيها في التزويج .ولن ندخل هنا في مناقشة هذه الآراء من ناحية فقه ّية ،لأ ّننا ك ّنا ناقشناها في جلسات سابقة. فإذا ارتبطت المسألة بالعمر ،أظ ّن أ ّن تبيان ًا في الآراء سيقع ،والمجتمع الحضار ّي المتم ّسك بمفهوم العدالة الذي لا يتعارض مع شرع الله هو الذي
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 121 يح ّدد ،فهو عندما يعطي الفتاة والفتى إجازة قيادة السيارة في الثامنة عشرة من عمرهما ،ويسمح لهما بهذه الإجازة بالتو ّجه إلى أرض الله الواسعة ،ويتعاملان مع آلاف الناس في الشوارع ،فهو يق ُّر بأهل ّيتهما ورشدهما ،وهذا ما ذهب إليه بعضنا وتب ّناه ،أ ّما بعضنا الآخر ،ومع قناعته بصواب ّية هذا الرأي ،فيرى ورغم أ َّن المجتمع يعطيهما الح ّق في الثامنة عشرة من العمر في بعض الأمور ،لك ّنهما لم يتو ّصلا بع ُد إلى معرفة شؤون الحياة كافة وأين تكمن مصلحتهما ،والمفاسد والمنافع التي تنشأ من تص ّرفاتهما ،ويستد ُّل على ذلك بأ َّن بعض الدول لا تعطيهما ح َّق الانتخاب الديموقراطي إل ّا في الحادية والعشرين ،ولذلك يميل إلى هذا العمر».. ترفع إحدى الطالبات يدها قائلة: * وأبناء الخامسة عشرة أو السادسة عشرة في ظ ِّل تف ّتح العواطف والمشاعر والأحاسيس ألا يستطيعون الدخول في مرحلة الفيقة؟ ـ السيد محمد« :طبع ًا لا مانع من ذلك ،بل هو جائز أن تدخل الفتاة في مرحلة الفيقة ،وخصوص ًا إذا ما برز النضج الجنس ّي في هذا العمر ،وحتى الفتى ولكن تحت رعاية وتوجيه واهتمام الوالدين الراشدين اللذين يتف ّهمان واقع أولادهما.. وفي هذا العمر ،عمر المراهقة أحوج ما يكون المراهق إلى انتباه والديه وتوجيهه الوجهة السليمة حتى ينشأ إنسان ًا خالي ًا من التعقيدات».. وهنا تقوم إحدى الطالبات من الصف الأمامي في القاعة فتو ّجه السؤال للدكتورة عفاف: * لا ترون في الثامنة عشرة من العمر ولاي ًة للأب على ابنته ،ولكن قبل ذلك ترونها ضرورية ،فكيف تح ّددون دور الأب والأم في مسألة تأهيل الفتاة للرشد ،حتى إذا ما بلغت الثامنة عشرة من عمرها تكون راشدة؟
الفصل الخامس 122 ـ د .عفاف« :دور الأب والأم في تأهيل الفتاة من أعظم الواجبات ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقهما ،لأ ّنهما لن يحصلا على ابن ٍة ت ّتصف بالرزانة والرصانة ،وتتج ّمل بالع ّفة والأخلاق ،وتتح ّصن بالدين والآداب إذا لم يتع ّهداها بالتربية والتثقيف. وهذا ينسحب على مجمل تص ّرفاتها ومواقفها وبخا ّصة في موضوع الفيقة والميقة ..فالأهل عندما يوضحون الأهداف السامية لهذا الموضوع ،وتستوعب الفتاة حقيقته ومشروع ّيته وواقع ّيته ،وتعرف بالضبط كيف تح ّدد علاقتها بالطرف الآخر ،عندها لن تكون بحاج ٍة إلى أن تسمع بذلك من صديقتها أو من صديقها الذي يأتيها فيصحبها بقصد التعارف ،أو بقصد أن يتذاكرا دروسهما مع ًا. إذ ًا ،فكما أ َّن من مسؤوليات الأهل تعليم الفتاة و ُكسوتها ،عليهم تربيتها على الفضائل والأخلاق وأمور دينها ،حتى إذا ما وصلت إلى الثامنة عشرة من العمر أصبح بمقدورها أن تأخذ قرارها بنفسها. دور الأهل التوجيه ّي مسؤولياتنا ـ أ ّيها الأحبة ـ ُتجاه أولادنا فلذات أكبادنا مسؤولية كبيرة من مشاركتهم في آمالهم ،إلى الأخذ بأيديهم نحو المواقع التي يتف ّتح فيها وعيهم، إلى إضاءة الطريق أمام عيونهم ،وهذا ليس في نظام الفيقة والميقة وحسب ،بل حتى في تحديد مواصفات أصدقائهم وصديقاتهم ،فلا نرفض أو نقبل لهم مثل ًا بناء علاق ٍة بأحد من دون أن نكون قد أوضحنا لهم كيفية بناء العلاقات ،علينا أن نع ّلمهم اللجوء إلينا في مشاكلهم لتحصل الثقة المتبادلة ،لا أن نته ّرب من مشاكلهم في زحمة همومنا ومشاكلنا نحن ،ونترك للشارع والمجتمع والأصدقاء أن ير ّبوهم. علينا أن نو ّجه الشاب الذي يبني علاقة بفتاة أن يحترم خصوص ّياتها ويحفظ
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 123 أسرارها ويحمي كرامتها ،وأن يعاملها كأخت له ..وهكذا الفتاة ينبغي لها أن تحرص على التش ّبث بالمفاهيم الشرعية المتع ّلقة بمشروع الفيقة والميقة في علاقتها بالشاب ،لأ ّننا نرفض رفض ًا قاطع ًا أن تصل الفتاة عندنا إلى ما وصلت إليه الفتيات في المجتمعات الغربية ،حيث كانت الفتاة قبل مائة عام لا تخرج من بيتها إل ّا بإذن أ ِّمها ،أ ّما اليو َم ،فإ َّن أ َّمها لا تمانع من خروجها ،ولكن توصيها وتذ ّكرها أل ّا تنسى تناول حبوب منع الحمل ،لأ ّنها تعرف تمام ًا أ ّنها ستنام مع صديقها ..نحن نرفض بش ّدة هذا المفهوم ..وما نأمل تح ّققه هو أن تتو ّلد لدينا القناعة بص ّحة فلسفتنا في العلاقات والتعارف ،وأن نصل في يوم من الأيام إلى ح ٍّد تسأل الأم فتاتها أو يسألها أبوها :هل عقد ِت مع فتا ِك عقد ًا شرع ّي ًا؟ هل خرجتما في إطا ٍر يرضى الله عنه؟ هذه هي واجبات الأهل الشرعية ،لأ ّن إهمال ذلك سيجعلنا نفتح عيوننا يوم ًا لنرى جيل ًا ضائع ًا يصرف طاقاته وإمكاناته َع َبث ًا بلا هدف ،و ُيغمض عينيه عن حقائق شرع ّية وإنسان ّية ينعكس غيابها سلب ًا عليه في مرحلة الأب ّوة والأمومة». المراد من التسميات أحد الطلاب وكأ ّنه يعترض على تسمية الأطروحة بالفيقة والميقة ،فيقول: * طرحتم أ َّن على الأهل مسؤولية إيضاح الفيقة والميقة للفتاة وللشاب، فلماذا هذه التسميات التي تحمل بعض غرابة؟ ألا ترون أن ي ّتفقا على حدود العلاقة بينهما من دون ذكر هذه الاصطلاحات في مشروعكم.. ـ ناصر« :سؤال ج ّيد ،وللإجابة عنه ،أرجو الانتباه لما سيرد في جوابي .عندما يطلب شا ٌب إلى فتاة أن تصحبه للعشاء مثل ًا ،فإذا بادرت بالموافقة ،يعني ذلك واحد ًا من احتمالات ثلاثة :إ ّما أن يم َّر هو على منزلها ،أو تأتي هي إليه ،أو أن يتواعدا على اللقاء في المطعم في ساعة مح ّددة ي ّتفقان عليها من دون أن يم َّر واحد
الفصل الخامس 124 على الآخر .فكلم ٌة واحد ٌة (تخرجين معي) أغنت عن إيراد ك ِّل هذه التفاصيل.. وهنا نأتي إلى الاصطلاح في العقد المؤ ّقت ،فعندما ي ّتفق الشاب والفتاة على مرحلة (الفيقة) ،فليست الفتاة مضط ّرة إلى أن تقول للشاب أخرج معك، ولكن لا أقبل أن تنام معي ،أو أن ينطلق من لسانك كلمة تخدش الحياء ،أو تضع يدك على صدري ،من ح ّقك فقط أن تس ّلم عل َّي باليد ،أو تق ّبلني على جبيني، أو ما إلى ذلك م ّما ينسجم مع المرحلة الأولى ،فهنا قد ينتهي الموعد وهما لم ينتهيا من الكلام ـ وهنا تعالت بعض ضحكات الحضور لما يحمل كلام ناصر في الفقرة الأخيرة من بعض طرفة ـ ولذا ينبغي لنا نشر نظام الفيقة والميقة وما تتض ّمنانه من شروط ،ويكون الش ّبان والفتيات على ا ّطلاع كامل على ما فيهما من حقوق وواجبات ،وعلى ما تختزنانه من تع ّهدات والتزامات ،وما هي حدودهما وطبيعتهما ،ومن أين ينطلقان وأين ينتهيان ،وإلى ما هنالك من آليات واعتبارات وغير ذلك .وهذه مسؤولية المجتمع في توضيح المفهوم حتى تنتفي الغرابة عنه ويكون جل ّي ًا واضح ًا.. وبنا ًء على ذلك ،فنحن عندما نس ّميها فيقة وميقة ،ونعني العلاقة المؤ ّقتة الأولى بعد علاقة الاختلاط الشرعي ،أو العلاقة المؤقتة الثانية ،أو الصيغة التي هي العلاقة المؤقتة الثالثة فلترسخ مفاهيمها في المجتمع ،ولتكون منهج ًا واضح ًا لدى أ ِّي طرفين يرغبان الدخول في الزواج وبناء أسرة .وهذا ما ا ّتخذته كلمة (زواج المسيار) فعندما ُتلفظ هذه الكلمة ،ندرك فور ًا أ َّن الزوجة تنازلت عن ح ّقها في مبيت الزوج عندها ،وتنازلت أيض ًا عن مطالبته بالاستمتاع إلا حسب أحواله ،وتنازلت كذلك عن مطالبته بالنفقة اليوم ّية ،وتركت له حرية تحويل المال إليها إذا كان مسافر ًا عند أهله أو تنتظر حتى يعود إليها بعد سنة أو أق ّل أو أكثر ،ويمكن أن تكون قد تنازلت عن اعتبارات اجتماعية كالعرس والحفلة وما يتع ّلق بأعراف هذا الزواج ،وهذا ما ينطبق على العرف ّي مع اختلاف
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 125 في بعض التفاصيل ،فهذه زيجات دائمة ،وك ّلما سحبنا عنصر ًا من عناصر الزواج المتح ّركة وغير الثابتة من غير الإيجاب والقبول والمهر يصبح للزواج الدائم الذي هو الأساس اس ٌم خا ُّص به .فاليوم عندما نقول «زواج دائم» ولكن نسحب كلمة «الدائم» لحساب التوقيت يصبح «صيغة» ،وعندما أح ّدد العلاقة بكلمة صيغة ،ولكن أغ ّيب عنصر ًا واحد ًا وهو عدم النوم (أي العلاقة الجنسية الكاملة) فتصبح ميقة ،ول ّما ُألغي العمل الجنس ّي وأستبدله بالعاطفة فقط فتصبح العلاقة فيقة .طبع ًا مع مراعاة الانسجام والتد ّرج من مرحلة إلى مرحلة وقناعة الطرفين بهذا الانتقال ،حيث لهما الح ّرية بعد أن تتوافق طباعهما في أن يح ّددا العلاقة بينهما حسب اتفاقهما على الشروط ،فمثل ًا لا نستطيع أن نمنع الشاب في مرحلة الفيقة من أن يق ّبلها بفمها وليس على جبينها إذ تراضيا على ذلك ،لأ ّننا لا نريد أن نصنع لباس ًا واحد ًا لك ِّل الناس ونجبرهم على ارتدائه ،مه ّمتنا فقط أن نح ّدد معالم اللباس الشرعي وك ّل واحد يح ّدد القياس الذي يريحه». الحذر من الوقوع في المشاكل طالب ٌة من وسط القاعة تتدخل قائلة: * مشروعكم في الفيقة والميقة مق ّدم ٌة للزواج الدائم وهذا ما يناسب عادة الفتاة البكر ،ولكن تعرفون أ َّن الصيغة هي ح ٌّل شرع ّي لشريحة اجتماعية واسعة (الأرامل ،المط ّلقات ،العوانس) هل ترون مصلحة لهذه الشريحة في تطبيق نظام الفيقة والميقة علم ًا أ َّن بعض نساء هذه الشريحة لس َن أبكار ًا؟ ـ السيد محمد« :لا ش ّك أ ّننا ننصح الفتاة البكر بإطالة فترة الفيقة والميقة، لأ ّن الهدف من ذلك هو تكوين صورة واضحة عن شخصية من تو ُّد الارتباط به، ولتكوين الصورة لا ب َّد من تهيئة الفرص الكافية التي تتط ّلب أوقات ًا ومساحة زمنية
الفصل الخامس 126 كافية لتحقيق ذلك ،وهذا ما نرغب فيه أيض ًا للشاب نفسه.. وبالنسبة إلى ال ّث ِّيب قد لا نرى موجب ًا ضروري ًا لها وللرجل الأعزب أو المتز ّوج قبل الدخول في مرحلة الصيغة الدخول في المرحلتين الأول ّيين (الفيقة والميقة) ولك ّن رأينا هذا لا يلغي ح ّريتهما في هذا المجال ،بل على العكس ،ولأ ّننا نؤمن بأه ّمية التعارف ،وانطلاق ًا من إيماننا بضرورة التد ّرج في العلاقات فنحن نح ّبذ لهما ذلك. فالصيغة كما نعرف ،هي عقد شرع ّي مؤ ّقت يمارس فيها الطرفان علاقات جنسية كاملة إذا رغبا ،وهذه العلاقات قد ينتج عنها طفل من ح ّقه الرعاية والاهتمام وتوفير المستلزمات الأساسية لحياته ومستقبله ،وعلى هذا تنشأ أسئلة كثيرة من الطرفين كليهما». الطالبة نفسها تقول: * ما هي طبيعة الأسئلة؟ ـ السيد محمد« :إذا حدث وأبصر هذا الولد النور ،فلا ش َّك أ َّن علاقة ولو من بعيد ستبقى قائمة بين الطرفين ،محورها الولد نفسه ،فهل إذا تنازل الأب عن ح ِّق حضانة الولد لأ ّمه يأمن على هذا الولد ويرى فيها الجدارة بتربيته؟ هل ستطمئن الأم إلى أ ّن هذا الأب سيقوم بواجباته الشرع ّية والأبو ّية والقانون ّية تجاه هذا الولد ،فينسبه إليه ويق ّدم له نفقة كاملة بما ُيبعد عنه شبح العوز والحاجة؟ وهل الأب مستع ّد لتح ّمل مسؤولية الولد شخص ّي ًا بحيث تكون الأحوال والأوضاع الخاصة به ملائم ًة لأن يرعى ولده بنفسه؟ ومن الضروري للرجل أن يتأ ّكد أ َّن هذه المرأة مؤ ّهلة لتربية الولد. وأخاطب المرأة أيض ًا وأن ّبهها ،بأ ّن هذا العقد وكما أ ّكدنا في ك ِّل المرات هو
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 127 مسؤولية ،ومسؤولية خطيرة ،وقبولها بذلك ،يعني أن ت ّتخذ رجل ًا ح ّدد الحديث النبو ّي الشريف مواصفاته« :إذا جاءكم من ترضون دينه و ُخ ُلقه فز ّوجوه» أن تختار من تجد أ ّنه يشاركها المسؤولية مح ّصن ًا بالفضيلة والإنسانية والدين.. ومن هنا ،نحن نح ّبذ للمرأة الث ّيب الدخول في مرحلتي الفيقة والميقة قبل الصيغة ،وهذا خاض ٌع لثقتها بالرجل وثقة الرجل بها.. ونرى أ ّن الأمر الطبيع ّي في نظامنا وفي أ ِّي حال من حالات الارتباط بالآخر، إن كان زواج ًا دائم ًا أو صيغة أو ميقة الدخول في مرحلة الفيقة ،لأ ّن خيارات المراحل تعطي للمرأة الصورة الواضحة في أن تختار َمن تشاء أو ترفض َمن تشاء ،فعلى رفضها وقبولها تتح ّدد طبيعة مسؤولياتها ،فإذا رفضت وكان رفضها غير واقع ّي ،أو إذا قبلت وكانت تقديراتها خاطئة ،فالمسؤولية تقع عليها وحدها دون غيرها».. طالب يسأل: * وهل المرحلة الأولى (الفيقة) ضرورية للفتاة إذا كانت قد خبرت سابق ًا شيئ ًا من نفسية وعقلية الطرف الآخر ،ويبادلها مشاعر وعواطف خاصة وخصوص ًا إذا ما كان قريب ًا لها أو كانت عائلته صديقة لعائلتها؟ ـ السيد محمد« :كما قلنا سابق ًا لسنا نف ّصل ثوب ًا واحد ًا على مجمل القياسات، فلك ِّل إنسان أن يختار القياس الذي يريحه ،ومع ذلك ،نحن نؤ ّيد الدخول في الفيقة كمرحلة أولى من جملة المراحل حتى وإن كان قريبها أو ابن صديق العائلة ،وصحيح أ ّن الواحد من أقاربها معرو ٌف من طرفها بأخلاقياته وطباعه، وهي معجب ٌة به ،ولكن تريد من خلال مرحلة الفيقة كدراسة أعمق أن تدخل إلى عمقه أكثر وترى إمكان ّية العيش معه كزوجة ،ولا ننسى أ َّن الأقارب أحيان ًا والذين يو ّدون الارتباط قد يحتاجون وقت ًا لتق ّبل بعضهم جنسي ًا ،لأ ّننا كثير ًا ما
الفصل الخامس 128 ننظر إلى بنت عائلتنا كأخت لنا ،وهي أيض ًا تنظر إلى الواحد م ّنا كأخ لها ،ومن هنا نرى في نظامنا ضرورة دخول الأقارب أو الأصدقاء المعروفين من بعضهم ج ّيد ًا في الفيقة أول ًا ومن ث ّم إلى الميقة ،وإن كان لهم أن يتجاوزوا بعض الحدود المرسومة في الفيقة ،وكما قلنا نحن نعطي قطع القماش ،ولكن لكم ح ّريتكم بتحديد المقاسات التي تريحكم و ُتبعد عنكم الضيق والتأ ّفف والإزعاج م ّما لا ينسجم مع طباعكم وقناعاتكم .ويبقى أ ّن الفتاة محتاج ٌة أن تعرف في الشاب الطباع المخف ّية». وينطلق صوت إحدى الطالبات: * وما الطباع المخفية؟ ـ الس ّيد محمد« :ما تتو ّهمه الفتاة ح ّب ًا من الشاب ،تعكسه مكنوناته التي تنبىء بغير ذلك ،فقد ُيعلن غيرته عليها ،ولك ّنه يستبطن الش ّك في سلوكها وتص ّرفاتها العاد ّية ،أو ُيبدي حرص ًا عليها ،ولك ّنه في الحقيقة يطمع بمالها أو بأ ّي عنوان ما ّدي أو معنوي آخر ..وهنا كيف تم ّيز الحب من الشك ،والحرص من الطمع، وكيف لها أن تكتشف ذلك؟ بال ِع ْش َرة والمتابعة والدراسة تم ّيز وتكتشف ك ّل ذلك في مرحلة ما قبل الزواج الدائم .وهذه المرحلة من الأهمية بمكان لأنها تضعها وجه ًا لوجه أمام خوا ّصه وطباعه ،من أد ّق التفصيلات إلى أوسعها ،من رائحة عرق جسمه وفمه إلى نمط تفكيره وآفاق عقله». مفاهيم الشرع وتقاليد المجتمع وهنا يتو ّجه أحد الطلاب بسؤا ٍل يتع ّلق بالأثر النفسي لمشروع الفيقة والميقة قائل ًا: * كيف لكم إقناع المجتمع بح ِّق الفتاة أن تخوض مراحل الفيقة والميقة في غير م ّرة مع غير شاب من دون أن ُتع َّير بشرفها؟
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 129 ـ الدكتور عمر« :قبل الحديث عن الأثر النفسي ،هناك ـ أبنائي الطلاب وحضرات السادة ـ الأثر الشرعي الذي تتر ّتب عليه مسؤولية كبرى أمام الله تعالى ،وإذا ك ّنا نعتقد أ َّن الشرع لا يبيح ذلك ،فإ ّننا لا يمكن أن نقارب المشروع من الأساس .فالفيقة والميقة هما علاق ٌة شرع ّي ٌة ،ومن هنا المنطلق في ذلك ،حيث ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار أ َّن الفتاة والشاب كليهما ،عندما يدخلان في علاقة من هذا النوع ،فإ ّنهما محم ّيان في إطار شرع ّي ،ليس لأحد أن ُينكر عليهما ذلك، أو أن ينال من سمعتهما وكرامتهما.. هذا أ ّول ًا ،وثاني ًا نأتي إلى الفتاة ،فهي عندما تعرف شبان ًا خمسة مثل ًا في المدرسة أو الجامعة أو الح ّي ،فهي لن تستطيع أن تعقد عقد ًا شرع ّي ًا مؤ ّقت ًا فيقة أو ميقة إل ّا مع واحد وحسب ،فهي تتع ّرف إليه وليس قصدها اللعب أو تمضية الوقت ،و َمن تعرفهم من الآخرين تتح ّدث معهم كلام ًا عادي ًا في الدرس أو في الأمور الاجتماع ّية أو العا ّمة ،أ ّما هذا الشاب ،فتخوض معه في تفاصيل الكلام الخاص الذي على أساسه ابتنى العقد الشرع ّي ،وينص ُّب تركيزها وتفكيرها فيه دون غيره ،ولا يمكن لها في وقت واحد أن تجمع بين اثنين ،فلذا عندما تعقد مع شاب لمدة مع ّينة فلا يجوز لها أن تعقد على آخر في الوقت نفسه ،فالعقد عندها يكون باطل ًا. نعم عندما تخرج من م ّدة العقد أو من ع ّدتها في حين وجب عليها ذلك إذا لم تكن بكر ًا يح ُّق لها الدخول في علاق ٍة شرع ّية أخرى ،وهذا أم ٌر طبيعي جد ًا ،فمن له الح ّق أن يمنعها من ذلك إذا لم تجد المناسب الأول لها أو الثاني أو الثالث، فوقع اختيارها على الرابع ،وتخ ّطت ك ّل ذلك بعقد شرعي له مستلزماته وشروطه وأحكامه ..وإذا كانت ُتع َّير اجتماعي ًا في هذا الأمر ،فلنسأل أنفسنا :أ ُّيما الأولى؟ أن ُيتبع ضيق الأفق الاجتماعي أم ما ش ّرعه الله وأباحه؟ ومع ذلك لا نرى أ ّن المجتمع تستف ّزه علاقات الشاب المتع ّددة ،وليس في
الفصل الخامس 130 ذلك عيب .العيب العقلائي ـ أ ّيها الحضور الكرام ـ هو عي ٌب إذا كان يخالف الشرع ،ويطال ك َّل فر ٍد م ّنا شاب ًا أو فتاة ،وهذا أم ٌر ينبغي له أن يعيش في أعماقنا، ونبعد عن الفتاة فكرة الدونية وبأ َّن عيبها أكثر سلب ّية من عيب الشاب .وهنا يبرز دور وعي الشاب في ذلك. وينبغي له عندما يختار للزواج فتاة تع ّرفت سابق ًا إلى أربعة ش ّبان أو خمسة في علاقة الفيقة والميقة ،أن يفلسف الأمر على طريقة النظرة الصحيحة للكوب المليء نصفه بالماء ونصفه الآخر الفارغ ،لا على طريقة النظرة الخاطئة التي ترى الكوب فارغ ًا حتى وإن كان نصفه مليئ ًا بالماء ،هذه نظرة ض ّيقة لا ترى أمور الحياة إلا بهوامشها الض ّيقة .فالنظرة الواقعية تقول للشاب :لا تنظر إلى أ ّنها تع ّرفت قبلك على أربعة أو خمسة ،بل انظر إلى أ ّنها اختارتك أنت وحدك من بين ك ِّل هؤلاء ،وهذا للأسف ما يراه البعض بأ ّنه نصف الكوب الفارغ ـ رأت فيك زوج المستقبل ،والرجل الذي يحميها ،والإنسان الذي تتوافر فيه مواصفا ٌت على مستوى الكفاءة والإنسان ّية ،يفتقر إليها غيره ـ وهذا في الحقيقة نصف الكوب المليء بالماء ،فالفتاة خبرت وج ّربت وتع ّرفت سابق ًا ،ولك َّن عقلها أرشدها، وعواطفها هتفت في داخلها بأ ّنها اختارت المناسب .فالشاب عندما يغ ّلب أحكام الشرع وحقائق العقل على هوى النفس وأنان ّية الذات؛ فإ ّنه يرضى للآخر ما يرضاه لنفسه». أحد الجالسين من غير الطلاب والأساتذة يقول: * ولك ّن الرجل الفضولي أو الحشر ّي يص ُّر على أن يعرف تاريخ الفتاة؟ ـ د .عمر أبو زكريا« :هذه مشكلته وليست مشكلة الآخرين ،ومرضه النفسي هذا الذي يختزن الش ّك ،عليه أن يعالجه بنفسه .فيا أ ّيها السائل الكريم إذا أقررنا بح ِّقه في «الحشرية» فنحن بذلك نش ّرع سلب ّيات الأمراض النفسية ،وكأ ّننا بذلك
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 131 نؤ ّكد راحتنا النفسية بأن نر ّسخ في داخلنا أ ّن المرض ص ّحة وليس دا ًء ..وللرجل الذي يص ُّر على معرفة تاريخ الفتاة ،نقول :إ َّن الإصرار على معرفة الأوضاع الماضية ليست من ح ِّق الرجل كما ليست من ح ِّق المرأة ،إل ّا معرفة بعض الأمور عن الرجل إن كان متز ّوج ًا حالي ًا أو سابق ًا ولديه أولاد ،أو عن المرأة إذا كانت بكر ًا أو ث ّيب ًا ..من ح َّقهما أن يعرفا ذلك قبل البدء بحياة جديدة ..أ ّما الأمور الأخرى وخصوص ًا لدى المرأة ،فإ ّنه ليس من ح ّق الرجل أن يتو ّقف عند علاقات المرأة الشرع ّية السابقة أو غيرها ،إلا إذا ا ّتفقا على معرفة ذلك وكان بموافقتهما ورضاهما». أحد الطلاب يتد ّخل بالحوار ويسأل: * قد ُيقال :إ ّنه مثلما في سلوك ّيات الغرب ،أ َّن ك َّل شاب له فتاته ،وك ّل فتاة لها شا ّبها ،ويستطيعان أن ينتقلا إلى علاقة جديدة ك َّل شهر أو شهرين ،كذلك نظامكم ،وكأ ّنه محاكاة لأسلوب ونمط ش ّبان الغرب ،فماذا تقولون؟ فيسرع ناصر مستبق ًا المحاضرين ويتو ّلى الإجابة عن هذا السؤال: ـ «وهذه مقارن ٌة خاطئة ولا سبيل إلى الإقرار والقبول بها ،لسبب جوهر ّي وأساس ّي ،وهو أ ّن الفتاة في الغرب تبني علاقة مع اثنين وفي وقت واحد من دون إطار شرع ّي ،ومع ذلك ليس لنا أن نع ّمم هذا الحكم على ك ِّل الفتيات في الغرب، فأكثره َّن كما فتياتنا وبما يتخز َّن من مشاعر وأحاسيس وعواطف لا يرضين الارتباط في وقت واحد بأكثر من شخص. أ ّما الفتاة في نظامنا ،أبكر ًا كانت أم ث ّيب ًا فليس لها في أ ِّي وج ٍه شرع ٍّي من الوجوه أن ترتبط بالطرف الآخر ،إل ّا بعد انتهاء ع ّدتها أو الم ّدة المرتبطة بها من خلال عقد شرع ّي. نظامنا يعطي المرأة الخيار في أن تستبدل شاب ًا بآخر ،ولكن من داخل النظام
الفصل الخامس 132 نفسه لا من خارجه .فالبكر إذا خرجت من علاقة وانتهت الم ّدة في المؤ ّقت أو جرى الطلاق في الدائم وكانت بكر ًا ،فلها أن تتز ّوج بمن تشاء مباشرة ،وهذا قول الله تعالى﴿ :إِ َذا َن َك ْح ُت ُم ا ْل ُم ْؤ ِم َنا ِت ُث َّم َط َّل ْق ُت ُمو ُه َّن ِمن َق ْب ِل َأن َت َم ُّسو ُه َّن َف َما َل ُك ْم َع َل ْي ِه َّن ِم ْن ِع َّد ٍة َت ْع َت ُّدو َن َها﴾ [الأحزاب ]49 :وهذه تع ِّزز مفهوم الفيقة والميقة. وأ ّما الث ّيب فإ َّنها في المؤ ّقت تعت ّد بحيضتين ،وفي الدائم تعت ُّد ثلاث حيضات، وهذا قول الله تعالىَ ﴿ :وا ْل ُم َط َّل َقا ُت َي َت َر َّب ْص َن بِ َأن ُف ِس ِه َّن َثل َا َث َة ُق ُر َو ٍء﴾ [البقرة: .»]228 الطالب نفسه من جديد: * كيف نفهم أ َّن الآية الأولى التي ذكرتموها تع ّزز فكرة الفيقة والميقة؟ ـ ناصر« :ج ّو الآية المباركة واضح ،فالله تبارك وتعالى يقول﴿ :إِ َذا َن َك ْح ُت ُم ا ْل ُم ْؤ ِم َنا ِت ُث َّم َط َّل ْق ُت ُمو ُه َّن ِمن َق ْب ِل َأن َت َم ُّسو ُه َّن َف َما َل ُك ْم َع َل ْي ِه َّن ِم ْن ِع َّد ٍة َت ْع َت ُّدو َن َها﴾ [الأحزاب ،]49 :ومدلولها يفيد بأ ّن المرأة إذا عقد عليها الرجل ولم يدخل بها، فهي ح ّر ٌة بعد خروجها من العلاقة الأولى في أن تدخل مباشرة في علاقة ثانية إذا أرادت وليس عليها شيء ،ونشير بأ ّن كلمة (نكحتم) تعني عقدتم. وتبقى ملاحظة أخيرة في جوابنا الموجز هذا ،هو أ َّن فتاتنا التي نتح ّدث عنها، هي الفتاة الشريفة المصون التي تر ّبت على الع ّفة والكرامة ،وفهمت بعمق أحكام دينها». هل القفزة الأخلاقية كافية؟ قامت طالب ٌة وتو ّجهت بسؤالها إلى الدكتور أبو زكريا قائلة: * ذكرتم حضرة الدكتور في معرض حديثكم عن النظام أ ّنه يحتاج إلى قفزتين ،واحدة أساس ّية وهي الأخلاق والأخرى ثانوية وهي مراحل
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 133 التدرج في الدخول إلى النظام ،حتى نح ّقق كما ت ّدعون زواج ًا يحمل عناصر النجاح ،ألا ترون أ َّن القفزة الأولى كافية لتحقيق ذلك؟ ـ الدكتور أبو زكريا« :لا ،لا نعتقد ذلك ـ عزيزتي الطالبة ـ فالقفزة الأولى ـ وهي الأخلاق ـ وحدها لا تأخذنا إلى زواج ناجح ،والثانية وحدها أيض ًا لا تل ّبي الرغبة في ذلك ،فالقفزتان متلازمتان ،وفقدان أ ّي واحدة منهما يعني الخلل وضياع المعالم الأساسية للنظام. إذ ًا ،إ َّن تو ّفر عنصر الأخلاق وحده من دون حر ّية الاختيار والتد ّرج في المراحل بهدف التعارف الحقيقي لن يجني الثمار المرج ّوة ،وبالعكس أيض ًا، فإ َّن وجود المراحل والتد ّرج ومن دون عنصر الأخلاق لا يوصلنا إلى ما نبتغيه. باختصار ،نحن محتاجون للعنصرين مع ًا ،الأخلاق بما تم ّثل من روحية الوئام والرحمة ،والمراحل بما تعني من اكتشاف حقيقي لذاتية ك ّل إنسان م ّنا». تساوي الح ّق بين الشاب والفتاة أحد الحضور يقول: * هل نفهم من أحاديثكم السابقة والمتن ّوعة أ ّنكم كما تعطون الشاب الح َّق في أن يتق ّدم إلى الفتاة بهدف التعارف أمل ًا بالزواج ،ويطرق باب بيتها، تعطون الفتاة الح َّق نفسه؟ ـ فتجيب الدكتورة عفاف قائلة: «سلام الله عليك يا خديجة زوجة رسول الله ..سلام الله على هذه الإنسانة العفيفة التي أدركت بسعة وعيها ومن خلال تجاربها العملية أ ّن رسول الله أهل لأن يكون الزوج والأب ،فلم تتر ّدد بأن تعلن مشاعرها الصادقة رغم الفارق المادي والعمري بينهما ،وتبدي رغبتها في تح ُّقق أمل عزيز على قلبها .فهي التي
الفصل الخامس 134 بادرت إلى طرق باب قلبه الشريف ،وكان لها ما أرادت.. أبنائي وبناتي الطلاب :لماذا تبقى الأعراف مسيطرة حتى على بعض المث ّقفين والواعين م ّنا؟ ولماذا نحن مض ّطرون إلى أن نجاري أوضاع ًا اجتماع ّية قد لا يكون لها أ ُّي أث ٍر شرع ّي ،ولم يرد فيها ن ٌّص قرآني أو حديث نبو ٌّي صحيح فنرضخ لأمزج ٍة صنعتها عادا ٌت قد لا يكون لها أ ُّي تشجيع في منطق الإسلام ،الدين الإنساني والحضار ّي؟ فلماذا الرجل يطرق الباب ،وكأ ّنه ح ٌّق حصر ٌّي له ،ولا يح ُّق ذلك للفتاة؟» ينفعل أحد الطلاب معتبر ًا أ َّن في الأمر خلل ًا لا ب ّد أن يصيب المجتمع الإسلامي فيقول: * إ ّن إعطاءكم الح ّق للفتاة أو للشاب بح ّرية تع ّدد العقود وبناء علاقات تعارف ّية عديدة وبسهولة متناهية ير ّوج للتح ّلل الأخلاقي في المجتمع الإسلامي؟ ـ ناصر« :لا ش َّك أ َّن هذا الحكم متس ّرع ،ويفتقد أدنى درجات الد ّقة والموضوع ّية ،لسب ٍب بسيط ج ّد ًا ،وهو أ ّننا عندما نش ّجع على إقامة العلاقات التعارف ّية ،فهي وإن تع ّددت ،فليس من إشكا ٍل شرع ّي ،لأ ّنها تحت عين الله ورقابته ،وبكلمة أخرى ،فإ ّنها تنطلق من عقد شرع ّي له أصوله وضوابطه وما يتر ّتب عليه من مسؤوليات .وعلى هذا ،فهذه العلاقات التعارف ّية هي علاقا ٌت شرع ّية ،ونحن نظلم الحقيقة ونتج ّنى عليها عندما نصفها بأ ّنها علاقات ت ّتسم بالتح ّلل ،عندما نؤ ّكد على كلمة الشرع ّي ،فإ ّننا بذلك نضع العلاقة في إطارها الأخلاقي والإنساني ،وأعتقد أ ّننا وفي الجلسات السابقة وفي الر ّد على الأسئلة كاف ًة أظهرنا شرع ّية النظام الذي ندعو إليه ،وإن كن َت لم تصل إلى القناعة بشرع ّية هذا النظام مع ك ِّل الأد ّلة التي ذكرناها ،فهذا من ح ّقك ،ولكن ما هو ليس من
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 135 ح ّقك أن تمنع الآخرين من أن يقتنعوا بذلك. الانحلال والتف ّلت يكون بالتع ّدي على الأعراض والكرامات ،وهذا أ ّنما يحدث عندما لا يكون هناك راب ٌط شرع ّي وراد ٌع دين ّي .فعندما تتعارف الفتاة مع الشاب وبالعكس ،ويكون التعارف بعقد شرع ّي ،لم ّدة شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين لهد ٍف نبيل هو بنا ُء أسرة في المستقبل ،فذلك يندرج في خانة الأخلاق ّية العالية التي تنظر إلى هذه العلاقات بانضباط واستقامة وسلوك قويم. اعذروني جميع ًا ،إ َّن الأمر المنطق ّي العقلان ّي نخالفه بل ونحاربه ،والخطأ نقبله ونن ّظر له ،وهذا لا يتناسب مع حكم العقل والمنطق الذي يتم ّيز به نظامنا؛ ولذا نقول :قبل الزواج أدخلوا أولادكم أنتم كآباء وأ ّمهات وادخلوا أنتم كشباب في عقود شرع ّية تص ُّد عن الحرام وتح ّصنكم من الانحدار في المهاوي السحيقة التي تم ّس الأخلاق والشرف والفضيلة». أحد الأساتذة يقول: * هل تقبلون لبناتكم أن يطرق َن الأبواب؟ ـ د .عفاف« :ليست مسألة أن نقبل أو لا نقبل ،بل هي مسألة أن نش ّجع على ذلك بناتنا وبنات الآخرين ،والفتاة التي نش ّجعها على الدخول في هذا النظام هي التي نحرص على أن تكون الفتاة التي تدرس خطواتها بد ّقة ،متس ّلحة بالحياء الذي لا يكون انطوا ًء أو عزلة أو انكفاء. نحن وأنتم ـ أ ّيها الحضور الكريم ـ نسمح للفتاة بأ ّن تطرق باب الثقافة أو الوظيفة أو الاختصاص الذي ترغب فيه ،ولها الح ّق في أن تختار ما يناسبها في شؤون حياتها ،فتد ُّق أبواب ًا ش ّتى في ك ّل مجال ،ولا نجيز لها أن تطرق باب التعارف الذي يكون منطلقه منطلق ًا شريف ًا كريم ًا ،يهدف إلى تكوين أسرة ،عمادها أ ٌب صالح وأ ٌّم صالح ٌة شاءت أن تساهم في رفد المجتمع بطاقات إنسان ّية ف ّذة ،تضع
الفصل الخامس 136 إمكاناتها وقدراتها في سبيل تق ّدمه ورق ّيه.. فالفتاة عندما ترى شاب ًا ُتع َجب بدينه وأخلاقه وسيرته وعلمه وجملة من المواصفات المم ّيزة ،فلماذا لا تطرق باب قلبه وهي متج ّمله بالتهذيب والأخلاق ومحاسن الأفعال؟ ولنا في تاريخنا الإسلامي المشرق نماذج كثيرة في هذا المجال ،فهذه خديجة Oكما قلنا قبل قليل تفتح الباب في ذلك ،وهذا القرآن الكريم يح ّدثنا عن ابن َت ّي النب ّي شعيب اللتين سقى لهما الماء النب ُّي موسى رغم الزحام الشديد على نبع الماء ،ثم أخبرتا والدهما بما فعل معهما من إحسان ..وهنا يحضرني تعليق الس ّيد ع ِّز الدين بحر العلوم في كتابه (الزواج في القرآن وال ُّس ّنة) على هذه الحادثة ،فيقول ..« :فهو إذ ًا الرجل الذي تهفو إليه المرأة ،فمـا المانـع من أن تتق ّدم إلى خطبته إحدى البنتين؟ وفعل ًا فقد تو ّجهت إلى الأب (شعيب) لتقـولَ ﴿ :قا َل ْت إِ ْح َدا ُه َما َيا َأ َب ِت ا ْس َت ْأ ِج ْر ُه إِ َّن َخ ْي َر َم ِن ا ْس َت ْأ َج ْر َت ا ْل َق ِو ُّي ا ْ َل ِمي ُن﴾ [القصص ]26 :ولماذا يمتنع الأب ،وقد وجدت ابنته في الضيف (موسى) فتى أحلامها هدي ًا وأمان ًة وكمال ًا جسمان ّي ًا ،فكلاهما نب ّي ،وكلاهما يسيران على الطريق الذي يوصل إلى الله ،ويرشد الناس إلى تعاليم السماء الخ ّيرة ،ومنها قانون ال ُألفة والزواج وهو أح ُّب الحلال إلى الله. ويستجيب الشيخ (النب ّي) لنداء ابنته الخاطبة فيتق ّدم إلى الضيف ليكرمه قائل ًاَ ﴿ :قا َل إِ ِّني ُأ ِري ُد َأ ْن ُأن ِك َح َك إِ ْح َدى ا ْب َن َت َّي َها َت ْي ِن َع َلى َأن َت ْأ ُج َرنِي َث َمانِ َي ِح َج ٍج َفإِ ْن َأ ْت َم ْم َت َع ْشر ًا َف ِم ْن ِعن ِد َك َو َما ُأ ِري ُد َأ ْن َأ ُش َّق َع َل ْي َك َس َت ِج ُدنِي إِن َشاء ال َّل ُه ِم َن ال َّصالِ ِحي َن﴾ [القصص .]27 : وفي عهد النب ِّي الأكرم وفي ظ ِّل الإسلام نرى المرأة تلقي عن وجهها قناع الخوف لتختار شريك الحياة.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 137 يقول الخبر :لقد جاءت امرأ ٌة من الأنصار إلى رسول الله فدخلت عليه وهو في منزل حفصة (إحدى زوجاته) والمرأة متل ّبسة مم ّشطة ،فقالت :يا رسول الله، إ َّن المرأة لا تخطب الزوج ،وأنا أ ِّي ٌم لا زوج لي منذ دهر ،ولا لي ولد ،فهل لك من حاجة؟ فإن ت ُك ،فقد وهب ُت نفسي لك إن قبلتني .فقال لها رسول الله خير ًا، ودعا لها ثم قال :يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خير ًا ،فقد نصرني رجالكم ،ورغب ُت في نسائكم .ثم قال للمرأة :انصرفي رحمك الله ،فقد أوجب الله لك الج ّنة لرغبتك ف َّي ،وتعريضك لمحبتي وسروري ،وسيأتيك أمري إن شاء الله .فأنزل الله ع ّز وج ّلَ ﴿ :وا ْم َر َأ ًة ُّم ْؤ ِم َن ًة إِن َو َه َب ْت َن ْف َس َها لِل َّنبِ ِّي إِ ْن َأ َرا َد ال َّنبِ ُّي َأن َي ْس َتن ِك َح َها َخالِ َص ًة َّل َك ِمن ُدو ِن ا ْل ُم ْؤ ِمنِي َن﴾ [الأحزاب.]50 : وفي خبر آخر عن الإمام محمد بن الباقر يقول« :جاءت امرأة إلى النب ّي فقالت: ز ّوجني؟ فقالَ :من لهذه؟ فقام رج ٌل فقال :أنا يا رسول الله ،قال ما تعطيها؟ قال: ما لي شيء ،فقال :أ ُتحسن شيئ ًا من القرآن؟ فقال :نعم ،قال :قد ز ّوجتكها على ما ُتحسن من القرآن فع ّلمها إ ّياه»(((. إ َّن النب ّي لم ير ّد هذه المرأة ولم يغضب في وجهها ،ولم يقل لها ما ينبغي للمرأة أن َت ْخ ِط َب ،بل ُتخ َطب ،وعلى الأخ ّص على مرأى ومسمع من ال ّناس ،بل على العكس تو ّجه إلى َمن كان جالس ًا ليعرض عليهم طلب المرأة ،فكان للمرأة ما للرجل من الصلاحية في انتخاب َمن تشاء»(((. هذه مواقف من تاريخنا الإسلام ّي أمضاها الشرع ووافق عليها ،وليس لنا مع ُحكم الله ح ْك ٌم ،فهو َخ َلق العباد وش ّرع النظام لحياتهم بما يكفل لهم سعادتهم وطمأنينة نفوسهم ،فهو سبحانه الأعلم بما يصلح الناس ويما ُيفسدهم.. يقوم أحد الطلبة وبح ّدة يطرح سؤال ًا فيما ُيشبه الصراخ ،قائل ًا: (( ( الكافي ،ج ،٥ص .568 (( ( الزواج في القرآن والس ّنة ،عز الدين بحر العلوم ،ص143وما يليها.
الفصل الخامس 138 * كيف ترضون لبناتكم أن يخرجن مع الش ّبان بهذه الطريقة ،أين شهامتكم كآباء وأ ّمهات ،وكيف تبيعوه ّن بهذا الثمن البخس؟ ـ ير ُّد عليه الس ّيد محمد بالقول« :ليس السؤال كيف نرضى؟ بل كيف ترضى أنت أن تتز ّوج من دون أن تسلك سبيل هذا النظام؟ هل نحن نبيع بناتنا بسعر بخس كما ت ّدعي ،أم ذلك الشخص الذي يز ّوج ابنته أ ّول طار ٍق على باب البيت ح ّتى أ ّنها لا تراه ولا يراها إلا ليلة «الدخلة» وكأ َّن الأب بذلك يريد أن يتخ ّلص من ابنته بأ ّية طريقة ،وهذا الشخص يخدع نفسه عندما يكتفي بالسؤال عن الخاطب، وما هذا إل ّا «ديكور» لإتمام عملية الزواج ،فكم من بنات تز ّوجن بهذه الطريقة أو ُأجبرن على ذلك وتح ّولت حياته ّن بعدئذ إلى جحيم لا ُيطاق؟ فنحن لا نبيع بناتنا بثمن بخس ،بل نعطيه ّن أغلى ثمن وقيمة في الحياة ،نعطيه ّن الح ّرية المظ ّللة بغطاء الشرع». تساؤلات الطالب نفسه يقوم مج ّدد ًا وما زالت علامات عدم الارتياح بادي ًة على وجهه، ويقول: * لو كان هذا النظام الذي تطرحونه اليوم يختزن فائد ًة للناس لكان علماؤنا السابقون والسلف الصالح أخذوا به وح ّثوا الناس على العمل به.. بعد أن يجلس الطالب ،يبادر ناصر على الفور وبإشارة من يده لمصطفى توحي إليه أن يعطي الدكتور أبو زكريا الر ّد ،وهكذا كان .فيقول الدكتور أبو زكريا: ـ «نحن نعتقد أ ّن نظامنا الذي نطرحه ومجمل المشاكل التي تعتري فترة ما قبل وما بعد الزواج لم يكن ك ُّل ذلك خافي ًا على علمائنا السابقين ،وأ ّما سبب عدم طرحه بالآليات التي نتناولها نحن ،فلأ ّن الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك كانت تمنعهم من ذلك ،هذا وإن لم نقل إ َّن الواقع آنذاك لم يكن
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 139 بحاجة لهذه الآليات حتى مع شرع ّية وواقعية الفكرة ،وذلك لأسباب عديدة ،منها أ َّن الفتاة كانت تقبل برغبة الأب بالزواج كيفما كانت مواصفات الزوج ،مناسبة أو غير مناسبة ،لأ َّن رفضها لرغبة الأب كان يش ّكل عيب ًا اجتماعي ًا إن لم يكن عار ًا عائلي ًا ُيلصق بها وبأبيها إن لم تقبل بأ ِّي زوج يرضى به أبوها ،ومنها أيض ًا أ َّن فكرة الزواج الثاني والثالث والرابع كانت شائعة ولم يكن الرجل بحاجة للتعارف ،وكان المجتمع يتق ّبل الأمر بشك ٍل عاد ّي إضافة إلى مسائل أخرى لا مجال لذكرها ،وقد ح ّتم ذلك ك ّله ألا يطرح العلماء آليات نظامنا لأ ّن المجتمع لم يكن بحاجة إليها مع ملاحظة أ َّن إدراك الناس قبل ألف سنة يتغاير مع إدراكات الناس اليوم.. ورغم هذا ،فإ ّن علماءنا الذين يستم ّدون فتاواهم من الإسلام الذي يل ّبي حاجات الناس في ك ِّل زمن ،وضعوا اللبنات الأساسية لبناء قواعد النظام الذي نقترحه عليكم ،لأ ّن هؤلاء العلماء كانوا يعيشون هموم ومشاكل الناس ،وكانوا يدركون بعمق أ َّن من ح ّق الإنسان ـ ذكر ًا أو أنثى ـ إذا ما أراد الزواج ،أن يعرف واقع الإنسان الآخر ولو من الناحية الجمالية على الأقل ـ وهنا يتو ّقف الدكتور أبو زكريا هنيهة عن الكلام ليفتح كتاب ًا((( ث ّم يكمل ـ وللدلالة على ما أذهب إليه ُأحيلكم إلى كتاب (فقه ال ُّس ّنة) وإلى باب ال ِخطبة ،حيث جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة تح ُّث الخاطب على أن ينظر إلى خطيبته ومنها ما جاء عن الرسول الأعظم « :Pعن المغيرة بن شعبة :أ ّنه خطب امرأة من الأنصار ،فقال له رسول الله :Pأنظر َت إليها ،قال :لا ،قال :أنظر إليها ،أحرى أن ُيؤدم بينكما» أي أجدر أن يدوم الوفاق بينكما. إذ ًا هذا ما ورد بالضبط عن علماء المسلمين ال ُّسنة ،وحتى أ ّن علماء المسلمين الشيعة أباحوا للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة وهي في لباس شفاف ليكتشف خل ّو جسدها من العيوب .هذا وإن كان في الماضي ،فاليوم وبعد الإعلان عن ((( فقه الس ّنة ،ج ،2ص .19
الفصل الخامس 140 نظامنا ،لم يعد الشاب بحاجة أن يرى مخطوبته بهذا الشكل الاضطراري على قاعدة أ َّن «الضرورات تبيح المحظورات». علينا ـ أ ّيها السادة الحضور ـ أن نحترم عقولنا ،الواقع يتط ّور يوم ًا بعد يوم، وسنبقى نؤمن بأ ّن الحرام حرام ،والحلال حلال ،وسنبقى نؤمن أيض ًا أ ّن التشريع جاء لخدمة الإنسان ،لسعادته لا لتقييده وتكبيله بل لانطلاقه في الحياة على قواعد صحيحة وأسس متينة». هذا الكلام لم يعجب السائل ،فقام هو ومجموع ٌة صغيرة وغادروا القاعة. ولك ّن بعض الحاضرين انزعجوا من هذا التص ّرف وصاروا ينظرون إليهم باستهجان علم ًا بأ ّن المحاضرين لم يو ّجهوا لهم أ ّية ملاحظة أو انزعاج م ّما بدر منهم. يقوم أحد الطلبة ويقول: * إ ّنكمطلبتمم ّناأننقفزقفزتين،واحدةأخلاقيةوالثانيةهيقفزة«التوقيت»، اسمحوا لي بالقول إ ّني لا أميل إلى ذلك ،لأ ّنني أرى أ ّنكم تتجاوزون أمر ًا مه ّم ًا وأساسي ًا ولا تعيرونه اهتمام ًا كبير ًا ،وهو إلغاء وجود الشهود وولاية الأب ،وهذه هي القفزة التي ينبغي أن تطلبوها وتق ّروا بوجود الشهود وولاية الأب في هذا العقد لأ ّن هذا الأمر متأ ّصل في فكرنا ولا نستطيع تجاوزه ،وما خروج إخواني من الطلاب من القاعة قبل قليل إلا بسبب تجاوزكم لهذا الأمر. ـ يقول الدكتور أبو زكريا مخاطب ًا: «ابني الكريم ،في الجلسات السابقة أثبتنا أ ّن ولاية الأب على البنت في موضوع العقد ووجود الشهود ليس عليه إجماع المسلمين ،فالشيعة يجيزون العقد من دون الولاية ومن دون الشهود ،وأ ّما ال ُّسنة ،فإ َّن المالكية ترى أ ّن الشهادة
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 141 ليست شرط ًا في ص ّحة إنشاء العقد ،وأ ّما الحنفية فتذهب إلى أ َّن البالغة العاقلة سواء كانت بكر ًا أو ث ّيب ًا ليس لأحد ولاية عليها في إجراء العقد ولها أن تباشر عقد زواجها بمن تح ّب شرط أن يكون كفؤ ًا.. وعلى ص ّحة ما تقول ـ أيها الطالب الكريم ـ بو ّدي أن أسأل الحاضرينَ :م ْن منكم يرى أ َّن التعارف قبل الزواج ليس ضروري ًا؟» يجيل الدكتور أبو زكريا بنظره في أرجاء القاعة فلا يجد َمن يعترض على ذلك ،ثم يعود ليقول: «إذ ًا ،ك ّلنا يق ّر بأ َّن التعارف قبل الزواج مسألة ضرورية ،واسمحوا لي أن أتح ّدث عن نفسي وعن إحدى بناتي الجامعيات التي لو جاءتني وأخبرتني أ ّنها تع ّرفت على شخص ما وا ّتفقت معه ولم ّدة مع ّينة على أن يتعارفا ،وهي تحتمل بعد أن وجدت فيه مواصفات إيجابية أن يكون الزوج المنتظر والمرغوب فيه، وقد طلبت مني كأب السماح لها أن تعقد معه (فيقة) ..والآن أمام طلبها وهي البنت الواعية الجامع ّية التي وبحمد الله أحسن ُت تربيتها ،ما هو عذري أن أجيبها بكلمة (لا) وكلمة (لا) أمام هذا الموقف تعني بأ ّنني وقفت أمام شرع ّية العقد، وع ّطلت أيض ًا المبدأ الذي ا ّتفقنا عليه وهو ضرورة التعارف قبل الزواج ..فلماذا لا أقول (نعم) حتى أجعل العقد شرع ّي ًا ،لأ ّنني لو قلت (لا) ،فكأ ّنني أقول (لا) لسعادة ابنتي و(لا) للثقة التي أعطيتها إ ّياها وهي التي ر ّبيتها تربية صالحة ،وفي الأساس ما هو السبب للرفض؟ فكيف لي أن أقف أمام نفسي وأمام المجتمع، ما هو عذري يوم القيامة عندما ُأسأل عن الرفض ،إذا كانت الموافقة على العقد تجعله شرعي ًا؟ فعندما أقول (نعم) أصبحت أنا أحد الشاهدين ،وأما الشاهد الثاني فتحصيل حاصل ،فقد يكون أب الشاب ،أو أحد أبنائي البالغين أو واحد ًا من الجيران.. فبقولي (نعم) تكتمل عناصر الزواج الشرعي باتفاق جميع المسلمين ،فلماذا لا أقول هذه (النعم)»؟.
الفصل الخامس 142 نضج الفتاة طالبة في المقاعد الوسطى تسأل: * لو س ّلمنا جدل ًا بص ّحة ما تذهبون إليه ،ولكن ألا ترون ضرورة أن تتح َّلى الفتاة بالنضج حتى ُتقدم على مشروع كهذا؟ ـ د .عفاف« :لا ش َّك أ ّن النضج أم ٌر مطلوب بذاته ،والناضج إنسا ٌن يضع الأمور في مواضعها الطبيعية ،ولكن ليصل إلى هذه المرحلة لا ب ّد لعقله من أن يم ّر في مراحل وتجارب متع ّددة ومتن ّوعة ،يم ّيز فيها الغ َّث من السمين والخير من الش ّر ،ليعرف مكان مصلحته فيتو ّجه إليه ،ولذلك ،فإ ّن الدخول المتس ّرع في الزواج من دون نضوج ظاهر عند الفتاة وعند الشاب أيض ًا ،قد لا ُتحصد نتائجه المرج ّوة ،ولأ ّن مشروعنا في الأساس يقوم على المراحل ،فإ َّن من أهدافه إلى جانب التعارف ،تدريب الإنسان على النضج والوعي ليعرف مدى ص ّحة أو عدم صوابية اختياراته ،فينتقل من حال ٍة إلى حالة حتى تكتمل عنده الصورة وبعدها يأخذ القرار.. وهناك مسألة وهي أ ّن الكثيرات من الفتيات يقبلن بالزواج المبكر أو بزوج كيفما ا ّتفق حتى لو لم تتوافر فيه عناصر الرجل الزوج ،إ ّما للهروب من ضغط الأهل ،وإ ّما لافتقاد العاطفة ،وإ ّما لق ّلة ذات اليد. عوامل كثيرة إذ ًا تساهم في عدم ا ّتخاذ القرار الصائب ،فإلى جانب ما ذكرنا، هناك عدم النضوج العقل ّي والنفس ّي الذي لا يح ّقق الهدف من مشروع الزواج.. وللوصول إلى هذا النضوج علينا أن نحترم ح ّرية الإنسان في قبوله بالعقد المؤ َّقت (الفيقة والميقة) وأن ُنلغي تأثير العادات والتقاليد والأعراف علينا ..فص ّدقوني إ َّن الفتاة ستستم ّر في مرحلة الفيقة والميقة لع ّدة سنوات إكمال ًا لتعليمها أو تد ّرج ًا في وظيفتها أو غير ذلك ..ص ّدقوني إ َّن بلوغها حالة الرشد والنضوج ستأخذ
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 143 مسارها الطبيع ّي ،فهي إذا ما انتقلت إلى مرحلة الميقة ،تنتقل ،وعناصر النضوج عقل ًا وخبرة ودراس ًة ومعرف ًة قد استق ّرت في عمق وجدانها ومشاعرها ،وصار ا ّتخاذ أ ِّي قرار أو الانتقال إلى أ ِّي خطوة في حياتها مبني ًا على الوعي الذي تش ّكل عبر الزمن والتجارب ،وهكذا إذا ذهبت با ّتجاه الزواج الدائم». النظام وح ّل المسألة الجنسية أحد الطلاب يلتفت إلى ناصر ويقول: * هل تعتقدون أ َّن مشروعكم يبني نظام ًا لفتياتنا وش ّباننا يس ُّد لهم النقص الجنس ّي ،كي لا يذهبوا إلى الجنس عبر الطرق الملتوية وغير الشرع ّية، سؤالي هذا أو ّجهه للأستاذ ناصر. ـ ناصر« :ب ُك ّل سرور أجيب الأخ السائل فأقول: لا ،ليس هو الهدف الك ّلي لمشروعنا ،وإن كان الجنس في إطاره الشرع ّي واحد ًا من أهداف المشروع .ونحن نسعى إلى إيجاد العاطفة والانسجام والتفاهم مق ِّدمة أساس ّية لارتباط الطرفين بقصد الزواج ،أكثر ما نسعى إلى تمكينهما من الإشباع الجنسي الكامل بطريقة شرع ّية قبل الزواج الدائم ..فمرحلة الفيقة يغيب فيها الجنس ،ولذا ،نح ُّث الطرفين على إطالة فترة الفيقة ليختبر ك ُّل طر ٍف عن قرب .وفي الميقة أيض ًا نحرص على تمتين العلاقة العاطفية أكثر من الجنس ،لأ َّن الجنس في هذه المرحلة لا يأخذ الشكل المتعارف عليه ،سوى في الاحتضان والقبلات واللمس والمشاعر وفي شروط ينبغي للطرفين مراعاتها وبهذا لا نكون قد دخلنا في مرحلة الجنس الكامل ،وكما تذكرون ،فإ َّن نصيحتنا التي أطلقناها للفتاة البكر التي َب َنت علاقة بشاب بهدف الزواج الدائم تقتضي التد ّرج فقط في الفيقة والميقة دون الصيغة ،ومن هنا قلنا :تبدأ الفتاة من الفيقة ،فالميقة ثم إلى الزواج الدائم ،بعد أن تأخذ ك ُّل مرحلة دورها وح ّقها وزمانها ،والجنس بعمل ّيته
الفصل الخامس 144 الكاملة ُيؤ ّجل إلى زمن الزواج الدائم». إحدى الطالبات: * أستاذ ناصر لماذا تعارضون العملية الجنسية الكاملة ما دام العقد شرع ّي ًا، وما قيمة أن َن ْحذر إشكالات المجتمع وانتقاداته ،كون العلاقة شرع ّية؟ ـ ناصر« :نظامنا ينصح باجتناب الدخول في الجنس في صوره الكاملة إلا بعد الزواج الدائم .لماذا؟ على الفتاة أن تضع في اعتبارها إذا ما أعطت الشاب الجنس الكامل أن تلحظ الفرص المتاحة لها للزواج م ّرة ثانية إذا تركها الشاب ،وخاصة إذا ما كانت قد أنجبت طفل ًا ،إضاف ًة إلى تأثير ذلك على مدى طموحاتها في العمل والدراسة، هذا من ناحية ،ومن ناحية ثانية ،هل أدركت فيه الكفاءة للزواج ومسؤولياته ومتر ّتباته من مهر ومسكن ومصد ٍر معيش ّي مقبول يقيها العوز والحاجة ،هذا عدا الأخلاقيات والمسلكيات التي ترغبها الفتاة عادة في زوجها أ ِب أطفالها؟ هكذا يرسم نظامنا الخطوط العملية المبنية على الواقعية وبالمنطق لتكون مسألة توقيت العلاقة ومراحلها ص ّمام أما ٍن يضبط هذه العلاقة .فعندما تستوعب الفتاة ج ّيد ًا المنطلقات والأهداف في التوقيت والمراحل ،فإ ّنها لن تل ّبي رغبات الشاب الجنسية بالكامل ،لأ ّنها ستعرف النتائج قبل حدوثها .أنا أعتقد أ َّن احتمال الدخول في العملية الجنس ّية الكاملة فيه بعض المبالغة بالنسبة للش ّبان الذي هم في مقتبل العمر ،وخصوص ًا في الأعمار التي نحن نتح ّدث عنها في مرحلة الفيقة والميقة ،وهي أعمار صغيرة نسبي ًا ( 21-18سنة) مقارنة مع الرجال العاديين.. نحن في مرحلة (الفيقة) نتح ّدث عن سنوات شباب ّية ،وارجعوا إلى ما كنتم عليه أ ّيام الشباب ،حيث كانت كلمة (أحب َك) التي تنطلق من فم الفتاة تجعل الشاب يعيش على واقع جميل تطرب له أعماق مشاعره وأحاسيسه أكثر ما يميل
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 145 إلى الجنس. ولذا ،فإ َّن نظامنا هو في الأساس لهؤلاء الش ّبان الذين يتط ّلعون بأمل نحو المستقبل ،بهدف الاختيار المناسب لزواج آمن وثابت يكون منطلقه التعارف الشرعي». نداء الحرية من وسط القاعة ينطلق صوت إحدى الفتيات: * من أين تنطلقون في ضرورة التعارف ،وما هو الأساس الذي ترونه في ذلك؟ ـ الدكتور أبو زكريا« :ما المنطلق إلى التعارف؟ هذا السؤال يأخذنا للحديث عن الحرية .فالحر ّية في معناها الإنساني هي أن ُيطلق الإنسان رأيه المدروس والمع ّمق في أ ِّي شأن من شؤون الحياة من دون أن يكون لأية سلطة أو ق ّوة امتياز مصادرة هذا الرأي. من هنا ـ أ ّيها السادة الحضور ـ انطلاق ًا من الحرية ،من هذا المبدأ الإنساني السامي والنبيل نقول :حتى نتعارف ،ينبغي أن نمتلك حرية الاختيار .فكما من ح ِّقنا الاقتناع بما نريد من أفكار سليمة ،من ح ّقنا أن نختار شريك حياتنا ،وهنا تظهر بوضوح ضرورة حرص الأهل بتهيئة ج ِّو الحرية للفتاة وللشاب مع ًا منذ الولادة ،من ح ِّقهما على الأهل كونهما بلغا س َّن الرشد أن يع ّبرا عن تط ّلعاتهما وأمانيهما واختياراتهما ،وما على الأهل إلا التوجيه والإرشاد لما فيه مصلحتهما حتى يختارا الاختيار الصحيح الذي يخ ّصهما وحدهما دون غيرهما ،وعندها إذا حدث الخطأ أو الانحراف أو سوء الاختيار ،فإ ّنهما وحدهما يتح ّملان المسؤولية. وينبغي أن نزيل من أذهان بعض الأهل ،أ َّن الحرية هي للشاب فقط في أن
الفصل الخامس 146 يختار ويخ ّطط ويرفض ويقبل ،وأ ّما الفتاة فعليها أن تقبل وترضخ وتن ّفذ ما يخ ّطط غيرها لمستقبلها .فالحرية عندما نعطيها للشاب ،فليس من مب ّرر أن نمنعها عن الفتاة أيض ًا. وأعود إليكم من جديد :أ ُّيها الشباب ،أ ّيتها الفتيات :تح ّرروا ،ولا أقول تم ّردوا، تح ّرروا متس ّلحين بوعيكم وإنسان ّيتكم وق ّوة الأخلاق فيكم ،تح ّرروا لتعرفوا كيف تختارون الص ّح من الخطأ ،فحياتكم هي مل ٌك لكم وليست للآخرين ،أنتم الذين ستدخلون عالم الزواج ،ووحدكم من سيفرح أو يحزنَ ،من ينجح أو يسقط ،من يساهم في بناء الأسرة ،ومن يعمل على تدمير الأسرة ..إ ّنكم وحدكم بح ّريتكم َمن يح ّدد ذلك ويتخ ّطى السلب ّية في ما س ُيقدم عليه في حياته ،ويعرف ما تخ ّبىء له الطريق في نهاياتها. إذ ًا ،المنطلق إلى التعارف يكون بالحر ّية في ح ّق اختيار الشريك». ثم يكمل الدكتور أبو زكريا« :وقبل أن أختم أقول :نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى آراء وأفكار ًا لعلماء مسلمين أفاضل تتناول ح ّل مشكلة الزواج ،وآخر هذه الآراء فكرة زواج «الفريند» التي دعا إليها الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح اليمني ،ومل ّخص هذا الزواج أ ّنه يت ّم بعقد شرعي وبحضور الولي والشهود ،لكن يبقى العريس في بيت أهله والعروس في بيت أهلها ،ويكفي أن يكون اللقاء لوقت محدود في أ ّي مكان ويعود ك ٌّل منهما إلى منزل أبويه بعد اللقاء الحميم .وهذا الزواج ـ كما يرى الشيخ الزنداني ـ «يتيح الصداقة وتبادل الحرية الجنسية ـ بعق ٍد شرع ّي ـ بين الش ّبان والفتيات ومن شأن هذا الزواج إذا ما ت َّم تطبيقه بين أبناء المسلمين في الغرب أن يؤ ّدي إلى ا ّتقاء شرور الفتن الأخلاق ّية ،وإلى الإسهام في إيجاد حلول شرع ّية لأزمة العنوسة وصعوبة توافر منزل الزوجين»(((. ((( رحلة الشيخ الزنداني من الرأي إلى الفتوى .www.islamonline.net
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 147 إخواني وأخواتي الحضور أ ّول ًا يجب أن نح ّيي هؤلاء العلماء الذين يحاولون رسم حلول لمشاكل المجتمع من خلال تغيير المتح ّركات في الشرع وعدم المساس بالثوابت ،ولكن نحن نتساءل هنا :لماذا نحاول دائم ًا البحث عن حلول لمشاكلنا الاجتماعية بعد تف ّشي هذه المشاكل وتر ّسخها في واقعنا ،وسقوط الكثيرين في المكروهات فضل ًا عن المح ّرمات؟ لماذا لا نستشرف حاجة الإنسان واحتمال حدوث المشاكل بوضع ُن ُظم جديدة تستبق هذه المشاكل في ظ ّل عالم سريع التط ّور؟ ولماذا نكون دائم ًا خلف الآخرين ولدينا ما يستح ّق في أن يكون الآخرون خلفنا ،أو يسيرون بجنبنا ،وهذا هو الأفضل. هذه نقطة ،وأ ّما النقطة الأخرى ،فإ ّن الشيخ الزنداني الفاضل ح َّلل هذا النوع من الزواج لشبابنا في الغرب وح ّرمه لشبابنا في الشرق ،فماذا لو أ َّن شاب ًا وفتاة في الشرق أعلنا أ َّن لديهما نفس ظروف الش ّباب في الغرب ،فهل يح ّل لهما زواج الفريند ،أم يح ُرم عليهما ذلك ما داما في الشرق ،وعليهما الهجرة إلى الغرب ليح ّققا رغبتهما في ذلك؟ نحن لا نؤمن بفصل حاجات الشرق عن الغرب ،فالإسلام هو للبشرية ،وهو دين وقاية من المشاكل كما هو نظام علاج للمشاكل. أعزائي الحضور مشكلتنا الأساسية ليست بالزواج ،ولك َّن مشكلتنا هي في معرفة الشخص المناسب للزواج الذي يم ُّر عبر نظام التعارف الشرعي بين الطرفين قبل الزواج إضاف ًة إلى التد ّرج في العلاقة الهادفة إلى الاختيار الصائب الذي هو أسا ٌس وضرور ّي لبناء زواج ناجح.
الفصل الخامس 148 أمام هذا ،نقول :هل ُيعقل ل ُن ُظم وديانات سماوية تستم ُّد عظمتها من عظمة خالقها ،أن تعجز عن تبيان النظام الاجتماع ّي الذي يأخذ بيد شبابنا إلى زواج ناجح؟ إ َّن نظامنا الذي نطرحه في هذه الندوات هو النظام الذي سوف يملأ هذا الفراغ ويكمل حلقة الحياة ..بك ّل اعتزاز وفخر نقول :هو النظام الصالح للشرق وللغرب وللبشرية ،لأ ّنه نظام خالق البشرية». الزيجات الماضية وتب ّدل الظروف الطالبة نف ُسها من جديد: * أنا مقتنعة بالتعارف وهو أساس للإقدام على الزواج ،لأ ّن التعارف يجعلني أعرف أين أضع خطواتي ،ولكن ألا توافقونني في أ ّن الزيجات الماضية التي لم تسلك طريق التعارف كانت مستق ّرة أكثر من اليوم؟ ـ د .عفاف« :دعيني ُأ ِجب عن سؤالك يا عزيزتي ...أول ًا لا ب َّد من الإشارة إلى أمر أساس ،وهو افتقارنا إلى مصدر معلومات موثوق يفيد أ َّن الزيجات الماضية كانت زيجات سعيدة ،فما بين أيدينا من تاريخ الماضين في موضوع الزواج ،جيل أو جيلان ،ج ّدي وج ّدتي ،وقد نك ّون من خلال ما أخبر به الآباء فكرة مجملة عن حياة الجيل الماضي ،ولكن من الذي يخبرنا عن عشرات ومئات الأجيال السابقة إن كانت سعيد ًة في حياتها أم لا؟ ما أذهب إليه أ َّن حياة الماضين من أجدادنا وج ّداتنا كانت مستق ّرة إن لم أقل سعيدة ،وذلك لأ َّن هناك عنصر ًا كان يفرض نفسه في الحياة الزوجية الماضية ،وهو أ َّن الفتاة لم يكن لها طموحا ٌت تماثل طموحات فتاة اليوم ،هذا من جهة ،ومن جه ٍة أخرى ،فإ َّن العرف في ذلك الزمن كان يفرض على البنت أن تتز ّوج وهي أحيان ًا لم تبلغ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمرها ،ولم ُيسمح
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 149 لها بالذهاب إلى المدرسة لتلغي عن نفسها صفة الأ ّمية ،فهي وإن لم تستطع حينها أن تف ّك الحروف وتقرأها ،فكيف لها أن تبني شخص ّيتها الثقافية والتربو ّية والاجتماعية ،هذا عدا القيود التي ُفرضت عليها ولم تفسح لها مجال ًا رحب ًا بأن تعيش اهتمامات مجتمعها العامة لتشارك في صياغة شكله التربو ّي أو الثقافي أو الاجتماعي ،فأين الطموح الذي يراودها ،فلا من فرص أو خيارات لها.. كانت ُت َر ّبى في البيت على أ ّنها وكيلة أعمال الكنس والطبخ والغسيل ،وبهذه العقلية انتقلت إلى بيت زوجها ،ف ُمنعت من الخروج من المنزل ،و ُألزمت بحراسة الأولاد والاهتمام بشؤونهم لناحية متط ّلباتهم المادية ،وكانت عندما يضربها زوجها وتذهب إلى بيت أبيها ،فإ َّن أباها نفسه هو الذي يعيدها إلى البيت إقرار ًا و«احترام ًا» لظلم الرجل الذي يجب عليها أن تقبل به ،لأ َّن زوجها هو الذي ُيطعمها ويسكنها ،فليس لها رأ ٌي مع رأيه .انحصر دورها أ ّم ًا ليس بمعنى المربية بل بمعنى الحنونة ،وانحصر دورها زوجة لا بهدف المشاركة في الآمال والتط ّلعات لزوجها ،بل بقبول ما ُيملى عليها من قرارات؛ فافتقاد الطموحات والخيارات جعلها تستكين وتقبل وترضخ. اليوم تغ ّير الزمن ،وصارت المرأة ن ّد ًا للرجل في ك ِّل شؤون الحياة ،فما كان مقبول ًا من تص ّورات وأفكار في الماضي ،انتهى مع انتهاء زمانه ،فما عادت المرأة ذاك الإنسان الذي يف ّكر الآخرون عنه ويرسمون له مستقبله ويح ّددون طموحاته». بعد أن أبدت الدكتورة عفاف وجهة نظرها ،أعطى مصطفى الكلام للس ّيد مح ّمد الذي قال« :أرى أ ّن الأخت الدكتورة عفاف كانت قاسية بعض الشيء على المجتمع القديم ،ولا أقول إ ّن بعض ما ذكر ْت ليس صحيح ًا ،بل قد يكون صحيح ًا لكن نحن لا ينبغي أن ننتقص من دور المرأة قديم ًا وخصوص ًا في مجال التربية حيث أعطت إبداعات عظيمة ،ومن هنا يجب أن ننظر إلى ذلك الواقع القديم نظرة موضوعية ،وهي أ َّن المرأة قبل 400سنة مثل ًا أو أكثر أو أق ّل ماذا
الفصل الخامس 150 كانت ستستفيد من أن تكون ر ّسامة أو قائدة لأ ِّي موقع اجتماعي أو سياس ّي؟ بالطبع لن تستفيد شيئ ًا لأ ّن الظرف الموضوعي الذي يستوعب طاقاتها وقدراتها كان بحكم ال ُملغى وقد يكون الرجل أو الأوضاع السائدة هي السبب في ذلك.. وأشير هنا إلى فلسفة «الكهف» الذي كان يعيش فيه الإنسان الأول ،حيث كانت أمنية زوجته عندما يخرج إلى الصيد أن يعود سالم ًا في ظ ّل مخاطر كبيرة كان يتع ّرض لها ولم يكن عندها متط ّلبات أخرى ..ومن هنا ،فإ َّن ما كانت تقبله المرأة سابق ًا بعودة زوجها سالم ًا فقط ،ما عادت ترضى به اليوم ،وهي لا ترضى إل ّا أن يعود مح ّمل ًا بما تختاره هي لا بما يختاره هو .فإذ ًا ما كان مقبول ًا في الماضي ليس مقبول ًا في زماننا ،وما هو مقبو ٌل في زماننا لن يكون مقبول ًا في الأزمنة القادمة، وهذا يخضع للتب ّدلات الاجتماعية والاقتصاد ّية والواقعية. أظ ُّن أ ّن الدكتورة عفاف توافقني الرأي؟» ـ قال هذا بعد أن نظر إلى الدكتورة عفاف ،فأومأت بإشارة مه ّذبة دليل ًا على الموافقة ـ ثم أكمل قائل ًا« :وأعتقد أ َّن الكثيرات من النساء في الماضي ك َّن سعيدات لأ ّنه َّن ارتضين وقبل َن وضعهن بما فيه ،ولك َّن السؤال ،هل سي ُك َّن أسعد لو كانت سنحت له َّن فرصة تطبيق نظامنا، أو لو كان نظامنا موجود ًا لاختيار شريك حياته ّن؟ أعتقد ذلك». «التمثيل» ثم يقوم طال ٌب متح ّمس للفكرة ولكن لديه هواجس أراد أن يستجلي أمرها فيقف مخاطب ًا الدكتور عمر أبو زكريا: * د .عمر :أنا معكم وأؤ ّيد فكرة التعارف بق ّوة حتى نخ ّفف من السلب ّيات مستقبل ًا ،ولك َّن العادة جرت عند البعض أ ّنه يم ّثل على الطرف الآخر (الشاب أو الفتاة) في فترة التعارف ،ف ُيظهر محاسنه ويخفي س ّيئاته ،أو قد لا يكون الهدف هو الارتباط الدائم ،ولكن تمضية للوقت وتسلية من دون
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238