Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore البراديغم التونسي

البراديغم التونسي

Published by AmineMurad, 2020-10-25 15:09:08

Description: مقومات النظر ومآلات العمل

Keywords: tunis politics

Search

Read the Text Version

‫علة قرطاج‪ ،‬من حلم الدولة إلى دولة الحلم‬ ‫انقضت من عمر الانتقال الديمقراطي في تونس ثماني سنوات قد توصف بالعجاف‪ ،‬فالبلاد تعيش على وقع أزمات سياسية‬ ‫واقتصادية واجتماعية‪ ،‬مما أدى إلى النكوص على أهداف الثورة التي اتخذت من دولة الحلم (دولة ديمقراطية تكون السيادة‬ ‫فيه للقانون ويكون الحكم فيه ملكا للشعب) شعارا يوتوبيا اتخذها الثائر الشاب أمام واقع منتهى الأحلام فيه تكون حلم الدولة‬ ‫(أو لنقل سيدة نفسها لا محمية لدول أجنبية)‪ .‬والغريب في الأمر‪ ،‬أن تونس لا يحق لها أن تكون فقيرة بأي شكل من‬ ‫الأشكال‪ .‬فقرطاج التي كانت من قبل مطمورا لروما تتميز بمخزون غذائي وثقافي وحضاري وسياحي في مختلف ولاياتها‬ ‫من الشمال إلى الجنوب‪ ،‬إضافة لموقعها الاستراتيجي فهي تطل على أوروبا وآسيا من خلال البحر وهي نقطة الوصل بين‬ ‫أوروبا والعمق الإفريقي الغني بالثروات مما جعل دولا آسيوية مثل الصين تفكر جديا في استعمار إفريقيا اقتصاديا‪89.‬‬ ‫كل هذه العوامل تجعل من قرطاج منطقة جذب للمال في العالم العربي بأسره‪ .‬لكن علتها في حكامها الذين لم يستثمروا البعد‬ ‫الرمزي (التاريخ) والبعد المادي (الجغرافيا) في تطوير الدولة اقتصاديا واجتماعيا على الأقل‪ .‬سوء حظ هذه الدولة‬ ‫الصغيرة في إقليمها الكبيرة في تراثها يكمن في الرؤساء الذين تعاقبوا عليها من زمن الاستقلال إلى اليوم‪ ،‬والذينمازلنا‬ ‫نصارعهم ليكون المستقبل أفضل من الحاضر‪ .‬ولتبيان علل قرطاج اليوم سياسيا واقتصاديا نشيرإلى أنه‪:‬‬ ‫‪ -1‬من الناحية السياسية‪:‬‬ ‫توجد هوة أجيال يعسر سدها بين المسنين \"المكبشين تكبيش\" العجائز والشباب الذي لم ينتظم بعد ليكون قوة سياسية بديلة‪.‬‬ ‫ومن نراهم من الكهول المشاركين في الماراتون أغلبهم يتنافسون على المنازل (المناصب والسلط) ولا يتسابقون في‬ ‫الخيرات (البرامج التي تصلح حال الدولة)‪ .‬والدليل على ذلك أنه وإلى اليوم ومع كثرة الأحزاب لم يستطع أي حزب أن يقدم‬ ‫مشروعا متناسقا لعلاج الأوضىاع يتجاوز تخريف العجائز‪ .‬خبر انسحاب عديد القيادات المؤسسة لحزب الحراك كان أمرا‬ ‫متوقعا؛ ذلك أن الإبقاء على صنم الزعامة وعدم إعطاء الفرصة للشباب (كالحرب القائمة بين جناحي النداء) بالإضافة إلى‬ ‫تسارع نمو التيار الديمقراطي الحامل لنفس الفكر الوسطي على الأقل من حيث الأصل (ورثة المؤتمر من أجل الجمهورية)‬ ‫خاصة لدى فئة الشباب بسبب خطابه الراديكالي الثوري‪ .‬ولا يمكن أن يكون في المشهد السياسي أكثر من حزب يحمل نفس‬ ‫الخلفية الفكرية وخاصة في النظام البرلماني‪ .‬وك ّل الأحزاب التي تتمحور حول شخص لا حول برنامج ورؤية وعمل‬ ‫جماعي مآلها التش ّقق والاضمحلال‪ ،‬لم يعد من المقبول من حيث الجدوى السياس ّية أن ترتهن الأحزاب لأشخاص ملهمين‬ ‫مهما كانت مواهبهم وشرعيّتهم‪ ،‬هذا عصر التّسيير الجماعي والمؤ ّسسات الدّيمقراط ّية‪ .‬ينطبق هذا على ك ّل الأحزاب حتّى‬ ‫تلك التي تبدو متماسكة وقويّة وعصيّة عن التف ّكك‪ .‬فالوسط اليوم كغيره من القوى السياسية يحاول إعادة التنظيم من أجل‬ ‫تكوين الجبهة الوسطية التي تمثل بديلا عمليا في اللعبة السياسية‪.‬‬ ‫إن فرصة من بقي نظيفا من الدستوريين‪ ،‬حتى لو اضطر بالواقعية السياسية إلى العمل مع نظام ابن علي‪ ،‬ومن لم‬ ‫يجرم في حق الشعب ومستعد لمراجعة ما في سياسة بورقيبة من \"أبوية\" مبالغ فيها‪ ،‬لعلها كانت مناسبة للظرف ليحافظ‬ ‫على النير من تراثه‪ ،‬أن يشرعوا في الاتحاد للصلح بين فرعي الحركة الوطنية ولذلك ش ّرعت العدالة الانتقالية‪ .‬ولعل‬ ‫مواصلة الفرع التأصيلي استوجبت الكثير من المراجعات‪ .‬ولا بأس من أن يقدم الفرع التحديثي على مراجعات أخلاقية‬ ‫‪ .89‬نمت التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا من ‪ 10.6‬مليار دولار عام ‪ 2000‬إلى ‪ 160‬مليار دولار في عام ‪ 2011‬وبحسب تقرير للبنك الدولي‬ ‫أصبحت الصين منذ عام ‪ 2009‬الشريك الاقتصادي الأكبر والأهم لقارة أفريقيا؛ حيث ارتفع التبادل التجاري بينهما من ‪ 12‬مليون دولار عام ‪1955‬‬ ‫إلى ‪ 166‬مليار دولار في عام ‪ 2005‬وإلى ‪ 210‬مليار دولار في عام ‪ ،2013‬وحسب خبراء يتوقعون أن يتجاوز حجم التجارة الثنائية حاجز‬ ‫الثلاثمائة مليار دولار نهاية العام ‪ 2015‬وهو ما يزيد عن حجم التجارة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫وفكرية‪ .‬حينها سيتم الصلح بين المؤسس الاول (الثعالبي) والمؤسس الثاني (بورقيبة) للحركة الوطنية‪ ،‬ويصبح لتونس‬ ‫قوتان سياسيتان تعملان اليد في اليد لعلاج شروط استقلال تونس التام بتحرير الإنسان والوطن وخلاف ذلك فهو وهم وحتى‬ ‫كلمة \"التوافق\" لا تصح لكونها غير نابعة من منظومة كاملة بقدر أنها نابعة من شخصين 'توافق الشيخين\"‪.‬‬ ‫حين يأتيك من يدعي أنه يمثل ثورة الشعب ثم يقف موقف القيم الكونية المطلقة فأنت أمام عقلية العجل الذهبي وهي الحرب‬ ‫على قيم الشعب‪ .‬وليس المشكل مع هذا الموقف ‪-‬لأن تعدد المواقف من جوهر الديموقراطية‪ -‬بل من يعارض قيم شعبه‬ ‫يمكنه أن يحكمه بالاستبداد والفساد‪ ،‬ولا يمكنه أن يحكمه بالديموقراطية والأنكى من ذلك أن هؤلاء هم النخبة الفكرية‬ ‫والسياسية التي كشفت الثورة عجزهم وخروجهم عن التاريخ‪.‬فهم مازالوايبحثون في قضايا التأصيل والتحديث بينما نجد‬ ‫شباب اليوم يتحدثون عن قضايا معاصرة أعمق وأنفع من صراعات النخبة التافهة‪.‬‬ ‫‪ -2‬من الناحية الاقتصادية‪:‬‬ ‫لا يمكن أن تحل معضلة الاقتصاد في تونس إلا إذا توفّرت في شخص المنقذ شرط الوطنية وعدم الاكتراث لأي شق سياسي‬ ‫في الحكم بالأصل ( أحزاب ) أو الحكم بالشكل ( المنظمات الشغيلة ) أو المعارضة والالتفات إلى الملفات الحارقة ومن‬ ‫أهمها محاربة الفساد ولوبيات التجارة الموازية ودعم المقدرة التنافسية بين الشركات والمقدرة الشرائية لدى المستهلك‬ ‫وتعديل السياسة الجبائية لتتلاءم مع جميع الأصناف المهنية للحد من خطر التهرب الضريبي‪ .‬وخلاف هذا فهي وعود زائفة‬ ‫لا ترقى لمستوى الإصلاحات الضرورية والجذرية التي تنتظر من النخب السياسية والاقتصادية‪.‬‬ ‫عجز الميزان التجاري طيلة الأشهر الثمانية الأولى لـ‪ 2018‬بلغت بالتمام والكمال ‪ 14362.2‬مليون دينار‪ ،‬متجاوزة بذلك‬ ‫مخزون العملة الصعبة‪ ،‬وذلك قبل نهاية السنة بأربعة أشهر كاملة‪ .. )3(90.‬لست واثقا من أن ‪ 2019‬ستكون سنة التعافي‬ ‫الإقتصادي لا لشيء إلا لكون حكومة الشاهد ستكون إما حكومة تصريف أعمال أو أنه سيستقيل صارفا كل جهده من أجل‬ ‫الحملة الانتخابية لرئاسيات ‪ 2019‬تاركا وضعية اقتصادية صعبة لمن بعده‪ .‬أما دوليا‪ ،‬فمعلوم أن سعر البترول (البرنت)‬ ‫تجاوز الـ‪ 80‬دولار وتوقعات بمزيد الارتفاع في الأيام والأسابيع القادمة خاصة بدخول العقوبات الأمريكية على إيران ح ّيز‬ ‫التنفيذ بداية نوفمبر‪ ،‬تبعات ذلك ستكون صعبة على ميزانية الدولة والميزان التجاري الذي تشهد فيه الطاقة عجزا كبيرا‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫تونس في حاجة إلى استراتيجية وطنية وتخطيط على المدى المتوسط والبعيد في قطاع الطاقة لتركيز حلول بديلة ودائمة‬ ‫(كالاعتماد على الطاقات المتجددة والحيوية مثل الشمس والرياح) حتى لا يبقى اقتصاد البلد في مهب رياح الصراعات‬ ‫الجيوسياسية التي لا دخل لنا فيها من قريب أو من بعيد‪.‬عموما‪ ،‬يمكن القول أن تونس‪ ،‬على عكس الدول العربية الأخرى‪،‬‬ ‫تمتلك حظوظا وافرة لنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي‪ ،‬ولع ّل دستور الجمهورية الثانية أحدث ثورة قانونية حين ك ّرس‬ ‫اللامركزية وأسند لها بابا أطلق عليه \"السلطة المحلية\"‪ .‬كما ك ّرس عديد الحقوق والحريات والتي تغبطنا عليها شعوب‬ ‫أخرى ولكنها تحتاج لتطبيق فعلي حتى نصل إلى دولة الحلم‪.‬‬ ‫‪ .90‬موزاييك أف أم وعديد الوسائل الإعلامية في تونس وخارج تونس‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫معضلة الفساد‪ ،‬أصل الكساد ومعطل الإعمار‬ ‫أعجب كل العجب من التجربة السنغافورية التي فهمت شروط النهضة الاقتصادية فهما عميقا مما أفضت في الأخير إلى ما‬ ‫أفضت إليه من تحقيق شرط القوة المادية‪ ،‬فدولة مثل سنغافورة لا تملك ثروات باطنية لتحقيق أموال طائلة تدر عليها‬ ‫أرباحا كبيرة‪ ،‬أصبح فيها الناتج الداخلي الخام للفرد يقدّر بحوالي ‪ 30000‬دولار سنويا‪ ،‬وهو ما يعكس إزدهارا منقطع‬ ‫النظير على المستوى الاقتصادي‪ .‬استقلت سنغافورة عن ماليزيا سنة ‪( 1965‬أو لنقل تم طردها) مما جعل رئيس الوزراء‬ ‫لي كوان يو يخرج أمام الشعب بخطاب تراجيدي مؤثر بكى فيه وأبكى شعبه بأكمله لعظم المصيبة التي حلت بالدولة‪ ،‬حيث‬ ‫أن الأوضاع في ذلك الوقت لا يحسد عليها بالنظر إلى الحالة المزرية التي كانت عليها سنغافورة {حروب شوارع‪ ،‬أطفال‬ ‫مشردون‪ ،‬نفايات تملأ الأركان‪ ،‬عصابات سطو وسرقة‪.}... ،‬ولو لم يفهم لي كوان يو أن مهمته تتمثل في بناء دولة صغيرة‬ ‫الحجم أولا‪ ،‬وفي فهم كيفية البناء ثانيا لما أصبحت سنغافورة من بين أقوى الدول اقتصاديا‪ .‬إذ أن تجربته الإصلاحية قامت‬ ‫على ثلاث مرتكزات أساسية {العمل من أجل الدولة‪ ،‬ثم القضاء على الفساد الذي ينخر دواليب الدولة‪ ،‬وأيضا التسهيلات‬ ‫التجارية التي تشجع على الإستثمار الأجنبي}‬ ‫أما بالنسبة إلى العمل من أجل الدولة فهي قائمة على تعزيز روح المواطنة في الفرد وهو ما يجعله مضح في سبيل إعلاء‬ ‫راية الوطن والذود عن حياضه والسهر على تطويره‪ ،‬فالكل يعلم أن سنغافورة دولة فيها عديد العرقيات‪ ،‬صحيح أن الأغلبية‬ ‫صينية إلا أنه هنالك فئة من الشعب ذات عرقية مالايوية وهندية وآسيوية وقوقازية وغيرها من ثقافات مختلفة آسيوية الأمر‬ ‫الذي دعا إلى توحيد الشعب واختيار اللغة الإنجليزية كاللغة الرسمية للدولة‪ .‬لذلك فإن توحيد الثقافة بالرغم من اختلاف‬ ‫العرقيات هو من الأساسيات التي لا غنى عنها داخل الدولة‪ ،‬وهو ما حتّم عليها أن تكرس هذا التوحيد الثقافي في منظومتها‬ ‫التربوية والتعليمية حتى ينشأ الجيل الذي يخدم دولته بعيدا عن العرقيات وعن الطوائف المتشاحنة‪.‬‬ ‫كانت الأجواء السياسية مل ّوثة وخانقة‪ ،‬وذلك بسبب انتشار المحسوبية والرشوة المنتجة للفساد المالي والإداري داخل أجهزة‬ ‫الدولة ودواليبها‪ ،‬الأمر الذي يفقد العدل ويفقد معه أي إمكانية للإصلاح المفضي للتقدم‪ .‬وهو أيضا ما ألزم السلطة السياسية‬ ‫السنغافورية بمحاربة كل أشكال الفساد المالي التي تنتج الكساد الاقتصادي والإداري‪ .‬ولنا في البيروقراطية المقيتة خير دليل‬ ‫على تأثيرها السلبي في العجلة الاقتصادية‪.‬‬ ‫يتمثل الفساد المالي في مجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل المالي في الدولة‬ ‫ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية المختصة بفحص ومراقبة الحسابات والاموال‪ .‬ويمكن‬ ‫ملاحظة مظاهره في الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي بطريقة فيها الكثير من المحاباة وتفشي‬ ‫المحسوبية‪ 91.‬جملة هذه المظاهر قادرة على نسف الاقتصاد الوطني برمته‪ ،‬لما قد يخ ّلفه من نتائج كارثية على الصعيد‬ ‫المجتمعي‪،‬حيث يحتد التفاوت الطبقي وتتسع اله ّوة بين الأغنياء المتنفذين داخل أجهزة الدولة وبين الفقراء الذين لا حول لهم‬ ‫ولا قوة وهو ما ينتج في نهاية المطاف الأوليغارشيا في أسمى تج ّلياتها‪.‬‬ ‫أما الفساد الاداري فيتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن‬ ‫الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية‪ .‬وهنا تتمثل‬ ‫مظاهره في الامتناع عن أداء العمل أو التراخي‪ ،‬والمحسوبية في التعيينات الوظيفية ‪ ...‬إلخ‪ 92‬إن هذه المظاهر مجتمعة تد ّمر‬ ‫الاقتصاد بصفة كلية‪ ،‬لأن العولمة اليوم تقتضي أن ينجذب المستثمر الأجنبي نحو الدولة التي فيها تسهيلات تجارية لأهميتها‬ ‫‪ .91‬راجع آراء فقهاء القانون الإداري للوقوف على معنى الفساد المالي والإداري‪.‬‬ ‫‪ .92‬الملاحظة نفسها‪.‬‬ ‫‪57‬‬

‫فيتسريع العمليات الإدارية التي تسبق إنشاء الشركات‪ .‬غير أنه يمكن للفساد أن يمنع إنشاء مواطن شغل ويفتح السوق‬ ‫التجارية وذلك بالبيروقراطية الإدارية التي تنفر المستثمر الأجنبي من الدولة لا لشيء إلا لأن التعطيلات الإدارية قد تصل‬ ‫إلى مدة طويلة (أكثر من سنة)‪.‬‬ ‫وكما أردفنا آنفا‪ ،‬كانت السياسة الاقتصادية السنغافورية قائمة على التسهيلات التجارية حيث أن إنشاء الشركة لا يستغرق‬ ‫سوى ربع ساعة دون التحرك من المكان‪ ،‬وذلك بواسطة الإنترنت المس ّهلة للحياة في القرن الواحد والعشرين‪ .‬لذلك كان‬ ‫الانخراط في العولمة الرقمية ضرورة خاصة إذا أرادت الدولة أن يكون لها اقتصاد قوي‪.‬وبعد هذه الاستراتيجيا الاقتصادية‬ ‫المهمة أضحت سنغافورة تحتل مراكز عالمية‪ ،‬إذ أنها تعتبر رابع أهم مركز مالي في العالم‪ 93.‬كما تلعب دورا في الإقتصاد‬ ‫العالمي من خلال نشاط المرفأ إذ أنه يحتل المرتبة الخامسة في المرافئ الأكثر نشاطا في العالم‪ 94.‬وهي ثورة اقتصادية‬ ‫أصبحت تدرس في كليات الاقتصاد في العالم‪.‬‬ ‫إن ما يحد من نمو الإعمار بالتعبير الخلدوني هو تدخل عدة عوامل‪ .‬ولكن يبقى أهمها الفساد المالي والإداري الذي يخسر‬ ‫الدولة موارد مالية وبشرية لا تستطيع تداركها إلا بعد جهد جهيد وعمر مديد‪ .‬لذلك وجبت محاربة الفساد حتى تبنى الدولة‬ ‫على ركائز صحيحة‪ .‬فلا أحد يستطيع تقبل أن تكون الدولة ديمقراطية وفاسدة في نفس الوقت‪.‬فالديمقراطية لا يمكن أن تكون‬ ‫وسيلة لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك‪ .‬والحاجة التي نقصدها ليست ما تفرضه‬ ‫متطلبات الظروف السياسية الآنية التي تستدعي اتباع النهج الديمقراطي كخيار إلزامي‪ ،‬بل نعني بها الوعي الجمعي بهذه‬ ‫الحاجة طوعيا‪.‬واذا كانت الديمقراطية تفترض العدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين الفئات بحسب انتماءاتها العرقية أو‬ ‫القومية او غير ذلك‪ ،‬فان تقسيم الشعب إلى فئات مميزة (أقلية) على أخرى (أغلبية) لا يعني سوى تشريع القوانين بما‬ ‫يتوافق مع الأقلية الغالبة بما لا ينسجم مع الوحدة القانونية ويتعارض مع الديمقراطية التي عندها تصبح أوليغارشيا أو‬ ‫ديمقراطية مزيفة تتخذ من الفساد عنوانا لسياستها‪.‬‬ ‫بعد كل ما ذكر‪ ،‬يمكن الإقرار بصفة مؤكدة أن تونس في اتجاه ديمقراطية فاسدة للأسف‪ ،‬وذلك في صورة ما لم يتم محاربة‬ ‫الفساد المتفشي في جميع أجهزة الدولة بصفة فعلية ودون فساد في محاربة الفساد‪ ،‬أي دون معاقبة طرف مفسد والسكوت‬ ‫عن إفساد الطرف المقابل وهو ما يعد انتصارا للأخير على حساب الأول‪ .‬وهذا لا يستقيم مع مبدأ محاربة الفساد بل هو عين‬ ‫التطبيع مع منظومة الفساد‪.‬فمن يصدق أن الاحتفاظ برجال أعمال في السجن هو الطريقة المثلى لمقاومة الفساد ولا يدرك‬ ‫أنها مسرحية سخيفة‪ ،‬سيئة الإخراج؟ذلك أن لوبيات الفساد المتن ّفذة داخل الإدارة التونسية أقوى من رجل أعمال وحيد‪ .‬ولا‬ ‫يمكن لتلك اللوبيات أن تعمل إلا إذا كانت هناك أطراف من داخل الإدارة سواء في الوظيفة العمومية أو القطاع العام‬ ‫تساعدهم على مدّهم بالوثائق اللازمة للتفريط في الملك العمومي بثمن بخس دنانير معدودة وكانوا في بيع وطنهم من‬ ‫الزاهدين‪.‬‬ ‫لا ريب في أنتنظيف الإدارة من شوائب الفساد يمكن الإدارة من تطبيق مبدأ قانوني مهم يتمثل في حياد الإدارة أولا‪ .‬كما‬ ‫يساهم في إضعاف سلطة الأقلية المتنفذة داخل الإدارة ثانيا‪ .‬ويقلل من الموارد البشرية التي تملكها الإدارة خصوصا وأن‬ ‫كتلة الأجور أضحت تمثل أكثر من ‪ %70‬من ميزانية الدولة الأمر الذي يؤدي إلى التخفيض فيالميزانيات المخصصة‬ ‫للإستثمار وهوما يثقل كاهل الدولة بأعباء إضافية تؤدي بالضرورة إلى مشاكل اقتصادية كبرى‪.‬‬ ‫‪ )3( .93‬مراكز المال العالمية‪ ،‬تقرير مدينة لندن‪ ،‬مارس ‪.2010‬‬ ‫‪ )4( .94‬ما يزال مرفأ سنغافورة يحمل لقب أنشط المرافئ في العالم ‪.‬نسخة محفوظة ‪ 03‬مارس ‪ 2013‬على موقع واي باك مشين‬ ‫‪58‬‬














































Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook