Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore المنقذ

المنقذ

Published by TADBEEER, 2020-10-25 15:35:53

Description: قصة بوليسية قصيرة خيالية تتحدث عن الثورة التونسية

Keywords: Revolution Tunisien

Search

Read the Text Version

‫المنقذ‬ ‫تأليف‪ :‬محمد أمين الهبيري‬

‫الفصل الأول‬ ‫في ذلك اليوم الممطر أراد و كغيره أن يأخذ قسطا من الراحة تنسيه تعب الأسبوع الفارط ! أحضر قهوة‬ ‫ساخنة و ذهب إلي مكتبته و أخذ كتابه السياسي و ذهب إلي شرفة المنزل ليستلقي على ذلك الكرسي‬ ‫الوثير و بدأ بقراءة كتابه الذي يتحدث عن الأمة الإسلامية في زمن الخلافة و ما بعدها ! بينما هو يحتسي‬ ‫القهوة و يدقق في سطور الكتاب إذ به يلاحظ حركة غريبة في أرجاء المنزل ! ذهب إلى حاسوبه‬ ‫المحمول ليكتشف ما يجري في بيته بواسطة كاميرات المراقبة المثبتة في الأرجاء ! إذ به يكتشف أن‬ ‫مجموعة كبيرة من الرجال الملثمين الحاملين لأسلحة الكلاشنكوف يطوقون أرجاء البيت مانعين النملة‬ ‫إرتعدت فرائصه فهو لم ير قط مثل هؤلاء في حياته ! من هؤلاء يا ترى الصغيرة من الخروج أو الدخول‬ ‫! ؟! فهو لم يرتكب ذنبا في حياته يؤدي إلى إقتحام منزله بهذه الطريقة‬ ‫\" مهلا لحظة ‪ ..‬أيعقل هذا ؟ \"‬ ‫نطق بهذه الجملة بعدما تفكر أنه و في مقاله الأخير الذي نشره على الإنترنت قد وجه خطابا لاذعا‬ ‫للصهاينة المعتدين ! أيعقل أن هؤلاء قد أتو خصيصا للقبض عليه ‪.‬‬ ‫جالت في خاطره عديد الأسئلة و مع كل سؤال يدرك أن حياته قد شارفت على الإنتهاء ‪ .‬أسرع إلى مكتبه‬ ‫و بدأ في كتابة وصيته الأخيرة !! سمع صوت الجرس يرن ‪ ،‬و لكنه لم يعره إهتماما كبيرا و أكمل كتابة‬ ‫‪ .‬تلك الوصية‬ ‫و فجأة خلع الباب و دخل الرجال ليعيثوا في المنزل فسادا و خرابا ! ثم دخل رجل حسن المظهر ‪ ،‬متوسط‬ ‫القامة ‪ ،‬أسمر البشرة ‪ ،‬ذو شعر و لحية بيضاء كبياض الثلج ! إتجه مباشرة لغرفة المكتب ليجده قد أتم‬ ‫! كتابة الوصية و وضعها أمامه و حاسوبه على يمينه و المسدس على شماله‬ ‫إبتسم ذو الشعر الأبيض و قال ‪ :‬ماذا كتبت في رسالتك الأخيرة ؟‬ ‫‪-‬ولم هذا السؤال ؟‬ ‫! حتى نحققها لك ‪-‬‬ ‫! لا تشغل بالك بوصيتي فهي أصعب من أن ينفذها شخص مثلك ‪-‬‬ ‫أتدرك مع من تتكلم يا مصطفى ؟! ( حين سمع إسمه إضطرب فجميع المقالات التي كتبها تحتوي على ‪-‬‬ ‫أسماء مزيفة و مواقع مختلفة يستحيل على جهاز المخابرات كشف حقيقته ككاتب نظرا لنبوغه في مجال‬ ‫الحواسيب ) فقال متلعثما ‪ :‬و من تكون ؟‬ ‫‪ .‬من أكون ! سؤال يصعب الإجابة عنه الآن و لكني الآن هنا لأخبرك من تكون أنت ‪-‬‬ ‫‪ ...‬أنا ‪-‬‬ ‫! اصمت ‪ ،‬اصمت ‪ ،‬أنا سأخبرك ‪-‬‬ ‫\" ضحك مصطفى واتكأ على كرسي المكتب و قال \" فليكن ‪ ..‬إذا أخبرني من أكون‬ ‫أخرج ذو الشعر الأبيض ورقة من جيبه وبدأ بقراءتها ‪ :‬مصطفى صلاح متخرج من جامعة أكسفورد‬ ‫للعلوم السياسية بشهادة دوكتراه لم تستطع أن تواصل العيش في إنجلترا لحبك الشديد لمسقط رأسك و‬ ‫لاشتياقك إلى عائلتك و أقربائك كما أردت نفع بلدك و أمتك و محاولة التطوير للإرتقاء في سلم الحضارة ‪.‬‬ ‫فرجعت إلى تونس و كغيرك من الشباب التونسي لم تجد شغلا يليق بمستواك العلمي فبادرت إلى العمل مع‬ ‫‪ .‬أبيك \"حكيم\" في مجال التجارة‬ ‫\" إستغرب مصطفى و قال في نفسه \" هذا الرجل يعرف عني الشيء الكثير و لكني لا أعلم من يكون‬ ‫أراك مندهشا ‪ ..‬ستزداد اندهاشا حين تعرف المزيد ! لنكمل كنت تزاول تعليم الشرع عند شيخ جامع _‬ ‫حيك بالإضافة لذلك كان حبك لطلب العلم كبير فقد اكتسبت بعض المعلومات في مجال الإقتصاد و‬ ‫البرمجة و الأمن المعلوماتي فاستغللت كل هذا و أنشأت موقعا على الإنترنت و وظفت مهارتك في كتابة‬ ‫مقالات تكشف عن المؤامرات ‪ .‬فهذه المقالات تكفي لاعتقالك بتهمة معاداة السامية و دفنك‪.‬‬

‫احتار امين و ظهرت عليه بعض علامات القلق و التوتر ! استجمع كامل شجاعته و قال ‪ \" :‬كيف وصلتكم‬ ‫كل هذه المعلومات ؟ و من أنتم ؟ \"‬ ‫لم يعر ذو الشعر الأبيض إهتماما كبيرا لأسئلته و واصل حديثه ‪ \":‬حلمك منذ الصغر أن تكون صاحب‬ ‫شركة بعبارة أخرى أردت أن تكون رجل أعمال ناجح ! و هاهي فرصة حياتك بين يديك \"!‬ ‫إستغرب مصطفى من كلامه و قال ‪ :‬و كيف ذلك ؟‬ ‫جلس الرجل و أخرج ورقة من محفظته ‪ ،‬وضعها فوق مكتبه و قال \" إن قبلت بشروطنا فلك مقابل ذلك‬ ‫شركة من أقوى الشركات التونسية \"‪.‬‬ ‫‪-‬و إن لم أقبل ؟‬ ‫‪-‬حينها ودع عائلتك و أقرباءك و كل من تحب و خاصة هويدة\"‬ ‫إستشاط أمين غضبا و قام من فوق الكرسي و قال ‪ :‬ما هذه الجرأة ؟ أتتجسس على حياتي الخاصة يا هذا‬ ‫؟! و الله لو لمستم شعرة واحدة منها أو من عائلتي و أقربائي ‪ ،‬سأهدم الدنيا فوق رؤوسكم !‬ ‫أسرع أحد الجنود إلى المكتب و وضع فوهة السلاح على رأس مصطفى و قال بصوت غليظ ‪ \" :‬لا‬ ‫تتحدث بهذه الطريقة ! و احترم نفسك ! \"‬ ‫أشار ذو الشعر الأبيض بيده بأن يبتعد عن مصطفى و قال له ‪ \" :‬لو أردنا إذاءك لما أتينا لك و جلسنا في‬ ‫مكتبك هذا و لكن هدفنا أسمى من تحطيم حياتك !‬ ‫‪ -‬يا ربي ألهمني الصبر \" نطق بهذا الدعاء بعدما تنفس بعمق و قال ‪ :‬ماذا تريدون مني ؟ \"‬ ‫‪ -‬آه ‪ ..‬أخيرا قد أتينا إلى جوهر الموضوع ! إن العالم العربي اليوم يعيش مرحلة إعادة تقسيم خدمة‬ ‫لمصالح الصهيونية العالمية ! و ستكون تونس ضمن المخطط ‪..‬ستساهم بشكل أو بآخر كي تجعل من‬ ‫تونس مثالا لجميع دول العالم العربي في ديموقراطيتنا و حريتنا نحن ‪\" ..‬‬ ‫قال مصطفى ‪ :‬بلغة أوضح تريدون مني أن أشترك معكم في أن أقلب نظام الحكم ؟ كن متأكدا أنني من‬ ‫المستحيل أن أدمر بلدي و أخون قيمي من أجلكم أو من أجل مصالحكم !‬ ‫‪ -‬إذا قبلت فسنحقق لك حلمك و سنجعل لك حياتك جنة ‪ ..‬أما إن رفضت فتأكد أن لك معيشة ضنكا و‬ ‫ستكون سببا في تعاسة من تحب ‪.‬‬ ‫وضع أمين مرفقيه على المكتب و ضغط على رأسه بأصابعه محاولا تقليص حدة التوتر ‪ ،‬فهو يعلم بأن‬ ‫مصيبة عظيمة قد وقعت فوق رأسه فبقراره سيتغير كل شيء في حياته إما القبول و ضمان حياة بقية أفراد‬ ‫عائلته و إما الرفض و العيش في التعاسة للأبد‬ ‫‪ -‬موافق‬ ‫إبتسم ذو الشعر الأبيض إبتسامة ماكرة و قال ‪\" :‬خفت على عائلتك و عليها صحيج؟ \"‬ ‫‪ -‬و ما دخلك ؟ قد قبلت عرضك و انتهى !‬ ‫‪ -‬فليكن إذا !! \" أخرج ملفا من محفظته و قال ‪ :‬ستجد في هذا الملف كل شيء عن حياتك التي عشتها و‬ ‫التي ستعيشها !‬ ‫قال آخر جملة له ثم أمر الجنود بالخروج من المنزل و التوجه للسيارات ! ثم إلتفت ذو الشعر الأبيض و‬ ‫قال ‪ \":‬لك مهلة ب ‪ 48‬ساعة فقط ! إن أردت أن تعيش بسلام فأت للمكان المذكور في آخر الملف ‪ .‬و لا‬ ‫\" تنس أن توصل سلامي للسيد حكيم و قل له أن السيد الصادق قد جاء لزيارتي أخيرا‬ ‫! لم يفهم مصطفى معنى كلمة \" أخيرا\" التي قالها للتو ! لم يفهم علاقة السيد الصادق هذا بأبيه حكيم‬ ‫!! و من اين لهم بالمعلومات المتعلقة بهويدة‬ ‫!! إضطرب كثيرا و ظهرت عليه علامات القلق و الحيرة‬ ‫\" يجب أن أتحدث مع أبي \"‬ ‫قام فورا من مكتبه و توجه نحو الهاتف ‪ ..‬إتصل بأبيه و قال ‪ \":‬أبي لقد حدث أمر مريع في منزلي و يجب‬ ‫\" أن تعرف كل شيء ‪ ..‬إنتظرني في متجرك سآتي فورا‬ ‫أغلق سماعة الهاتف و لبس معطفه و خرج على عجلة من أمره ‪.‬‬

‫عند وصوله وجد أباه أمام عتبة متجره يترقب قدومه ‪ ..‬نزل من السيارة فذهب إليه الأب مسرعا و قال ‪:‬‬ ‫ما الموضوع الطارئ الذي أردت مني معرفته بهذه الصفة المستعجلة يا ولدي ؟ أحدث لك مكروه لا قدر‬ ‫الله ؟!‬ ‫‪ -‬فلندخل المتجر أولا ‪ ،‬الجو ممطر هنا ! \"‬ ‫دخلا المتجر و جلسا في المكان المخصص للضيوف ‪ .‬طلب الأب من خادمه إحضار كوبين من القهوة‬ ‫الساخنة و قال لابنه ‪ :‬و الآن ‪ ،‬ما خطبك يا بني ؟‬ ‫‪ -‬حصلت مصيبة يا أبي ‪..‬‬ ‫‪ -‬و كيف ذلك؟ \" بدت علامات الخوف و الحيرة في وجه السيد حكيم واضحة‬ ‫‪ -‬لقد أقتحم رجال ملثمون منزلي و طلب مني رجل ذو شعر أبيض إسمه صادق القيام بمهمة يجب علي‬ ‫تنفيذها و هددني إن لم أقبل بشرطه فإن حياتي ستنقلب إلى جحيم كما أوصاني بأن أرسل إليك سلاما و قد‬ ‫قال لقد أتيت أخيرا \"‬ ‫‪ -‬و ماذا قلت له ؟‬ ‫‪ -‬قلت أني موافق شرط أن لا يؤذي أحدا من عائلتي و أقربائي و ‪ \" ...‬صمت مصطفى و شرد قليلا كأنه‬ ‫يفكر في شخص عزيز جدا عليه ‪..‬‬ ‫‪ -‬منذ أن كنا صغار كنا لا نفترق عن بعضنا البعض فهو صديق الطفولة و لكن و بحكم عمله خارج البلاد‬ ‫لم أره لفترة طويلة ‪ ..‬أكثر من ‪ 25‬سنة !‬ ‫‪ -‬و ما شأنه بالسياسة ؟‬ ‫‪ -‬أية سياسة ؟! هو يعمل في مجال التجارة ‪ ..‬إنتظر لحظة ماهي مهمتك ؟‬ ‫‪ -‬قلب نظام الحكم !!‬ ‫‪ -‬يا لها من مصيبة !‬ ‫خيم الصمت في المتجر لبضع ثوان و كأن الواقعة حلت على كامل العائلة ‪ .‬قطع خادم السيد حكيم الصمت‬ ‫بقدومه و على فمه تلك الإبتسامة المعهودة التي لا تفارق وجهه و قدم القهوة للضيف أولا و قال له ‪:‬‬ ‫تفضل يا أخي بالشفاء و الهناء ‪ \".‬رفع مصطفى راسه بعدما فرك عينيه بيديه دليلا على التعب الشديد من‬ ‫كثرة التفكير ! و قال له ‪ :‬شفاك الله و عافاك ‪ ..‬كيف حالك يا أخي ؟‬ ‫قال له و هو يقدم القهوة للسيد حكيم ‪ :‬الحمد لله على كل حال ‪ \".‬ثم انصرف !‬ ‫سأل حكيم \" بم تفكر يا بني ؟\"‬ ‫‪-‬قد أتيت إليك ألتمس حكمتك و أستفيد بنصيحتك يا أبي العزيز‪.‬‬ ‫‪-‬إعلم يا بني أني لا أستطيع أن أجبرك على إتخاذ قرار كهذا فقد يتسبب بقلب حياتك رأسا على عقب !‬ ‫أنت الآن قد وافقت على طلبه لتحمي عائلتك و هذا يحسب لك ‪ ..‬و اعلم أن قلب نظام الحكم أمر واجب‬ ‫نظرا لما وصلت إليه الأمور السياسية من قمع و استبداد و تعذيب و أنت أعلم بهذا ! و اعلم كذلك أن‬ ‫هنالك قلب قد تعلق بك و تعلقت به\"‪..‬‬ ‫قطع مصطفى كلام أبيه قائلا ‪ \" :‬أعلم يا أبي ‪ ..‬أعلم \" و ظهرت على مقلتيه دمعة حارقة إنما تدل على‬ ‫لوعة و حرقة في قلبه‪.‬‬ ‫‪-‬يجب عليك أن تستشيرها في هذا الموضوع الخطير إن وافقت فلا بأس و إن لم توافق فأنصحك بأن لا‬ ‫ترفض طلبها ‪.‬‬ ‫‪-‬حاضر يا أبي ‪ .‬أين أمي الآن ؟‬ ‫‪-‬هي الآن في المنزل مع هويدة يحتسيان القهوة و يتبادلان الحوار !‬ ‫‪-‬سأذهب فورا يا أبي العزيز!‬ ‫‪-‬و فقك الله يا بني و أرشدك لصالح الأمر‬ ‫‪-‬أنا بحاجة ماسة لدعائك لي يا أبي ‪.‬‬ ‫قام أمين من مكانه و قبل يد أبيه و قبل رأسه إحتراما و حبا له ثم انصرف ‪.‬‬ ‫لم يستطع الأب حبس دموعه لتنهمر على خديه حزنا و أسفا على ولده و كأن هنالك أمرا ما لا يعلمه‬

‫مصطفى في هذا الموضوع !‬ ‫و ضعت الأم فنجان القهوة بجانب كرسي الآنسة هويدا و قالت لها مبسمة ‪ \" :‬ما أروع مذاق القهوة‬ ‫الساخنة في طقس شديد البرودة كحالة طقس يومنا هذا \" !‬ ‫\" ‪-‬أشكرك على إهتمامك الشديد بي يا خالة ! \" ترشفت القهوة الساخنة ثم أردفت ‪ \" :‬سلمت يداك ! ما ألذ‬ ‫طعمها !!‬ ‫نظرت الأم لها ثم التفتت ناحية الجدار المقابل حيث علقت فيه صورة ولدها مصطفى ثم وضعت يديها‬ ‫على رجليها و أطلقت العنان لزفير طويل ‪..‬‬ ‫‪-‬خيرا يا خالة ! ما بالك شردت للحظة ؟ هل اشتقت لمصطفى ؟‬ ‫‪-‬إشتقت له كثيرا ‪ ..‬لو أنه يأتي ! ‪..‬‬ ‫رن جرس المنزل فقالت هويدا ‪\" :‬هل كنت تنتظرين أحدا ؟ \"‬ ‫أجابت الأم و علامات الدهشة ترتسم على وجهها ‪\" :‬لا لا لم أكن أنتظر أحدا يا ابنتي\" ‪..‬‬ ‫قالت هويدة في نفسها ‪ \" :‬أيمكن أن يكون ‪ \" ..‬ثم قامت على عجلة من أمرها و قالت ‪ \" :‬أنا سأفتح الباب يا‬ ‫خالة ‪ ،‬لا ترهقي نفسك ! أنا سأفتح \"‬ ‫ذهبت مباشرة للباب و فتحته و كانت المفاجأة‪...‬‬ ‫وضع أمام الباب وردة حمراء و بجانبها ورقة لفت بطريقة جميلة تدل على ذوق المرسل ! رسمت البسمة‬ ‫على وجهها و أمسكت بالزهرة و قالت بصوت منخض لا يكاد يسمع ‪ \" :‬ما أحلى هذه الوردة يا مصطفى‬ ‫‪ ،،‬ما أحلاها ! و ككل مرة تفاجئني بأحلى الهدايا \" ‪..‬‬ ‫فتحت الورقة و بدأت بقراءتها بصوت ناعم ‪ ،‬رقيق ‪ ،‬بإحساسها المرهف ‪..‬‬ ‫\"أيا زهرة زرعت في قلبي‬ ‫و سقيت من ينابيع شرياني‬ ‫أيا وردة نشرت عطرها في جسدي‬ ‫و عطر فؤادي بأزكى الروائح‬ ‫أيا من زينت حياتي بوجودك‬ ‫و نشرت السعادة في أرجائها‬ ‫اعذريني على تقصيري في حقك‬ ‫فكلمة أحبك لا توفي حقك\"‬ ‫تأثرت هويدة بهذا الشعر الجميل أشد تأثر فدمعت عيناها حبا واشتياقا و قالت ‪ \" :‬آه لو كنت هنا يا سلطاني‬ ‫\"‬ ‫سمعت هويدة الأم تنادي \" من بالباب يا بنيتي \" مسحت دموعها المنهمرة على وجهها و هي تجيب ‪:‬‬ ‫غريب يا أمي ليس هنالك أحد ! سآتي الآن \" !!‬ ‫بينما همت بإغلاق الباب إذ بها تسمع صوتا مألوفا يقول ‪ \":‬أنا هنا يا سلطانتي\"‬ ‫اشرأب عنقها تحاول البحث عن مصدر الصوت وهي تقول ‪\":‬من هنا ؟\" أجابها مصطفى و قد أتى مسرعا‬ ‫ليتجنب المطر الغزير ‪ \":‬من تودين لقاءه \" !!‬ ‫رسمت على وجهها ابتسامة جميلة تدل على سعادة غمرتها بقدوم ضيف عزيز عليها ‪ ..‬و قالت ‪ \" :‬أهلا و‬ ‫سهلا بك ‪ \".‬و بعد مصافحة و عناق حار قالت ‪ :‬هنالك من يشتاق لك كثيرا ‪..‬هيا تعال معي \"‪.‬‬ ‫أخذت بيده و رافقته إلى غرفة الاستقبال و قالت ‪ \" :‬انظري يا خاله من أتى برفقتي ‪ \".‬نظرت الأم إلى‬ ‫الباب تستكشف هوية الزائر و بمجرد دخول مصطفى للقاعة إذ بالأم تنتفض من مكانها قائلة ‪ \" :‬مرحبا‬ ‫بولدي ‪ ..‬مرحبا بقرة عيني !! لقد اشتقت إليك كثيرا يا بني ‪ \" .‬قال ‪ \" :‬ها أنا ذا بجانبك يا أمي و سامحيني‬ ‫على تقصيري في حقك \" أجابت ‪ :‬لا عليك يا ولدي لا عليك !!‬ ‫ذهب ناحيتها و قبل يديها و رأسها و قال \" ‪ :\" .....‬أمي ‪ ..‬حفظك الله و حماك \" !‬ ‫\"كم اشتقنا إليك يا مصطفى ‪ ..‬لا تطل الغياب من جديد\"‬ ‫قال بصوت حزين و بنبرات متقطعة ‪\" :‬إجلسا لي خبر يجب أن تكونا على علم به \"‬

‫جلست الأم و الآنسة أمام و قالتا بصوت واحد ‪ \" :‬خيرا إن شاء الله \"‬ ‫\"لا أعلم إن كان خيرا لي أم شرا فقد وقع من أمري كذا و كذا \" بعد انتهائه من سرد الواقعة صمت قليلا‬ ‫يترقب ردة فعلهما ثم أردف ‪ :‬من الممكن أن أدخل في غمار هذه الحرب و لا أعلم متى أو حتى كيف‬ ‫سأتمكن من الخروج منها ‪..‬‬ ‫لم تتمالك الأم أعصابها فوقعت على الأرض من جراء الصدمة التي ألحقها بها مصطفى الذي أسرع‬ ‫بدوره ليحضر عطرا تشمه الأم لتستفيق من غيبوبتها ‪ ..‬و ما إن استفاقت حتى قالت بصوت حزين متقطع‬ ‫‪ :‬جاء الوقت يا بني ‪ ..‬جاء الوقت‬ ‫‪ -‬أرجوك لا تتكلمي يا أماه ‪ ،‬هيا استلقي فوق الأريكة و خذي قسطا من الراحة ‪..‬‬ ‫بعدما انتهى من مساعدة أمه تفرغ كليا للتفكير فقد جالت في خاطره عاصفة من الأسلة المحيرة ‪ :‬ماذا‬ ‫كانت تقصد أمي بـ \" قد جاء الوقت يا بني \" هل هنالك سر وراء ذلك ؟ هل يعلم أبي بالسر ؟ طيب‬ ‫لماذا لم يخبرني أبي عن هذا السر ؟ و ما هو سر السيد ذي الشعر الأبيض ؟ لماذا كل هذا الغموض‬ ‫وراءه ؟ و ما علاقة الأم بهذا الأمر ؟‬ ‫وضع مصطفى يده على رأسه فقد أصابه صداع قوي من شدة التفكير ‪ ..‬لم تشأ الآنسة أن ترى حبيبها‬ ‫يتخبط في عاصفة من الأسئلة فأسرعت إليه و مسكت يده و قالت ‪\" :‬لا تفكر كثيرا في أسئلة يصعب‬ ‫الإجابة عنها الآن فقط فكر في هدفك الآن ؟ و تيقن أني سأكون لك سندا و خير معين على تخطي‬ ‫محنتك ‪\"..‬‬ ‫ابتسم و قال ‪ \" :‬أشكرك يا هوادتي ‪ ..‬يا ‪ ..‬هوادتي ‪ \" ..‬قبّل رأسها و قال ‪ \" :‬ربما عليك السفر خارج‬ ‫البلاد حتى تكوني بمنأى عن الخطر ‪\" ..‬‬ ‫مستحيل ‪ ..‬هذا محال أن أتركك في هكذا وضع و لا أكون معك ‪..‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ستكون لي مع هؤلاء مواجهات عديدة و أخشى أن تكون لهم خطط لإلحاق الضرر بعائلتي لا قدّر‬ ‫‪-‬‬ ‫الله ‪..‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫\" هيه ‪ ..‬هيه ‪ ..‬مصطفى ‪ ..‬مصطفى ‪\" ..‬‬ ‫هذا صوت أمي ‪..‬‬ ‫قفز أمين من كرسيه و ذهب نحو أمه و قال ‪ :‬أأنت بخير ؟؟‬ ‫نعم و الحمد لله ‪ ..‬أريد أن أتحدث معك في ما أصابك‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ليس الآن ‪ ..‬فقط خذي قسطا من الراحة ‪..‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فقط أريد أن أقول لك شيئا خطيرا جدا و سأكمل لك ما بقي حينما تذهب لأبيك و تخبره أنك‬ ‫علمت سر السيد عادل‪.‬‬ ‫جلس مصطفى و بدأ ينصت لكلام أمه و مع كل كلمة تسردها الأم تزداد دهشة ابنها فهو و كما قالت مجبر‬ ‫على خدمة منظمة سرية تهدف للقضاء على الصهيونية العالمية فمنذ الولادة كفلته و اهتمت به ماديا و‬ ‫معنويا و حتى نفسيا و د ّربوا أمبن للقيادة و لتسيير شؤونه بمفرده في الأوقات الصعبة ‪ .‬إتسعت عينا‬ ‫مصطفى معربا عن دهشة كبيرة لهذا الخبر و كذلك الحال بالنسبة للآنسة هويدة التي ما استطاعت أن‬ ‫تحبس دموعها فانهمرت على وجنتيها الورديتين دموع كح ّبات اللؤلؤ الجميلة ‪ ..‬حين رأى أمين الدموع‬ ‫تنهمر من عيني معشوقته و قال بصوت هادئ ‪\" :‬إسترخي الآن يا أماه ‪ ..‬إسترخي ‪ \"..‬ثم ذهب و احتضن‬ ‫هويدة ماسحا دموعها المنهمرة ثم قال ‪ :‬إهدئي ‪ ..‬إهدئي ‪ ..‬ها أنا بجانبك ‪.‬‬ ‫اليوم ستكون بجانبي و لكن غدا ‪...‬‬ ‫‪-‬‬ ‫سأكون في قلبك طوال الوقت ‪...‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ماذا ستفعل الآن ؟‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لا أعلم ‪ ..‬إن رفضت ذلك العرض فماذا سيحل بكم ؟ و إن قبلته ماذا سيكون وضعي و وضعكم ‪..‬‬





‫الجميع ؛ الفقير كما الغني‪ ،‬إبن الوزير كما ابن العامل البسيط‪ ،‬العاطلين عن العمل من أصحاب‬ ‫الشهائد العليا كما من له نفوذ في إحدى المؤسسات‪ .‬لقد قدّم هذا الوطن مئات الشهداء في سبيل‬ ‫الاستقلال عن المستعمر الفرنسي الذي أقبل لنهب الثروات الباطنية والخيرات التونسية لما يزيد‬ ‫عن نصف قرن من الحصار والحروب والمعارك الأمر الذي جعل من الأطفال أشبال ومن‬ ‫الجنود أسود ومن الشباب مقاتلين يدفعون دماءهم وروحهم فداء لتونس ولأرضها ولشعبها‪ .‬كل‬ ‫هذا كان يجول في خاطر السيد صادق إثر نهاية الإجتماع أما السيد عادل فقد طلب الإجتماع‬ ‫الثنائي مع السيد صادق لاستشارته في مواضيع سياسية عديدة منها خطة الهيئة لإسقاط النظام‪.‬‬ ‫دخل السيد عادل مكتبه الجميل ذا الطابع التونسي التقليدي بزركشته الهادئة‪ ،‬تتو ّسطه أريكة‬ ‫متوسطة الحجم مع طاولة متمركزة أمام الأريكة تكشف عن الذوق الراقي للسيد عادل حتى‬ ‫بإمكانياته البسيطة والمتواضعة ثم لحق به السيد صادق ‪ ،‬جلسا على الأريكة وأخذ الجريدة وقرأ‬ ‫على السيد صادق الخبر الرئيسي في الصحيفة الناطقة باسم الدولة والذي كان موضوعه إنجازات‬ ‫الزعيم المفدى للدولة التونسية خلال العقد الأخير من فترة حكمه الطويلة قاطعه السيد صادق‬ ‫متهكما ‪ \" :‬آه ‪ ..‬كالعادة ينشدون الأشعار السخيفة والإنجازات التافهة ويصدّعون رؤوسنا‬ ‫بالطرقات ومجانية التعليم كأنهم لا يدركون أنه حتى في هذه المجالات مازلنا متخلفين عن الركب‬ ‫الحضاري فانظر لشوارع اليابان وأزقّتها‪ ،‬وانظر لتلاميذ باريس وطلابها كيف أن لهم وعيا ثقافي‬ ‫وأخلاقي بعيد كل البعد عن تعليم تلاميذنا الذين هم في السواحل من عائلات نسبيا ميسورة الحال‬ ‫حتى لا نتحدث عن أولئك الذين يعيشون في الجبال وينقطعون عن الدراسة خوفا من ظلمة الغابة‬ ‫فجرا عند الذهاب للمدارس ومن الذئاب ليلا عند العودة للبيوت‪\" .‬‬ ‫أحضر السيد عادل جهاز الحاسوب المحمول الموضوع في رف المكتبة ثم فتحه وقال ‪\" :‬انظر‬ ‫للمدونات الإلكترونية والتي تعمل تحت إشراف شباب متحمسين للتغيير‪ ،‬تواقين للتقدم‪ ،‬متعطشين‬ ‫للمستقبل‪ ،‬رغم حاضرهم التعيس‪ .‬في هذه المدونات تجد شبابا قد تجنّدوا لنشر الأخبار الصحيحة‬ ‫والتي تعكس واقعهم لا تلك الأخبار التي يحسب قارئها أنه يعيش في يوتوبيا لا نظير لها في بلدان‬ ‫العالم بأسره‪\".‬‬ ‫وضع السيد صادق رجلا على رجل ثم تبسم ضاحكا جعلت السيد عادل يستغرب من سبب‬ ‫إبتسامته فقال له ‪ \":‬هذا الحديث يج ّرنا بالضرورة إلى موضوعنا الرئيسي المتعلّق بمصطفى‬ ‫ووظيفته في هذه الهيئة في الأيام القادمة‪ .‬فمن مواهبه المتعددة أنه صاحب قلم مبدع في كتابة‬ ‫المقالات السياسية‪ ،‬خاصة تلك التي يهاجم فيها الأنظمة الكليانية والأنظمة المستعمرة للشعوب‬ ‫ومنها الصهيونية ولقد كانت آخر مقال كتبه فيه معاداة للصهاينة ووجوب تجريم جميع الدول‬ ‫العربية التطبيع مع الكيان الغاشم ‪\".‬‬ ‫‪ -‬إنه فتى موهوب ويمكننا الاعتماد عليه في وظائفه ‪ ..‬ع ّلق السيد عادل بصوت هادئ بنبرة‬ ‫الواثق من نفسه‪.‬‬ ‫‪ -‬نعم هو كذلك‪ ،‬فلنصرف حديثنا وجهدنا الآن لمعرفة طبيعة المهام التي ستوكل إليه‪ .‬فلقائي الثاني‬ ‫به سيكون حول هذا الموضوع بالذات كي نكسب الوقت ونس ّخر كل جهودنا في ما ينفع بلدنا‪ .‬رد‬ ‫السيد صادق بنبرة حازمة وكأنه خرج من مرحلة المزاح إلى مرحلة الجد والعمل‬ ‫‪ -‬هيا بنا ‪ ..‬أضاف السيد عادل بصرامة وعزم غير مسبوق من قبل‪.‬‬

‫****‬ ‫الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء‪ ،‬إنه وقت التمشي اليومي الذي اعتاد مصطفى للترفيه‬ ‫عن نفسه بمحادثتها والتصالح مع أخطائها والتفكير في كل المشاكل التي تعترضه في صفحات‬ ‫حياته ومع هذا الكم الهائل من المشاكل التي اعترضته خيّر عدم التقاعس عن هوايته في المشيء‬ ‫بين الأزقة‪ ،‬كانت علامات الحزن والضيق والكرب تملأ وجهه‪ .‬كان من عادة مصطفى أن يمشي‬ ‫بين هذه الأزقة التي لم تن ّظف من طرف أعوان البلدية تقربيا منذ آخر زيارة أداها إحدى الوزراء‬ ‫لتف ّقد أحوال الرعية الأمر الذي أدى إلى تنظيف كل الشوارع والأزقة حتى صارت كالجدائق التي‬ ‫تعبق منها رائحة عطر فواح‪ .‬وهو متب ّسم تارة يس ّلم على حلاق الحي وطورا يشارك الأطفال‬ ‫لعبهم بالكرة إلا أنه اليوم كان مهموما‪ ،‬شاردا‪ ،‬محاولا إيجاد حل للتساؤلات التي عصفت بذهنه؛‬ ‫فقد كان يف ّكر فيما إذا كان يسعه تحقيق الهدف المنشود وإظهار الحنكة السياسية التي تجعله مؤهلا‬ ‫لخوض تجربة عسيرة لا تخلو من عراقيل متعبة كتلك التي سيعيشها وهل سينجح في التوفيق بين‬ ‫عمله هذا وبين حماية عائلته وحبيبته التي وعدها بأن تكمل عملها رغم علمه بخطورة الوضع‬ ‫وأنه غير قادر على حماية نفسه فأنى له حماية الغير‪ \" .‬إني في ورطة لم أشهد في حياتي نظيرا‬ ‫لها قط \" قال هذه الجملة بعدما تن ّهد بعمق كأنما أصبح حاملا له ّم كل سكان الأرض على كتفه ثم‬ ‫قذف حصى صغيرة كانت تعترض طريق مشيه ثم عاد للتفكير من جديد في مهمته الأولى التي‬ ‫سيكلفه بها السيد صادق وكيف سيتم التواصل مع هذه الهيئة في ظل القمع البوليسي وعينهم التي‬ ‫لا تنام عن الجميع فالمرة الأولى إعتقد أنهم من رجال الشرطة أو قوات خاصة صهيونية وقد هلع‬ ‫من شدة الخوف الذي أصابه حين تم الإقتحام فكيف سيكون الأمر في المرة القادمة ؟ بقي شارد‬ ‫الذهن طويلا متأملا في أزقة الحي ثم قال بصوت ملؤه الحماس والثقة ‪ \" :‬لك الله ‪ ..‬لك الله يا‬ ‫تونس الخضراء \" بينما هو كذلك إذ به شعر بشخص يراقبه في الأرجاء‪ .‬لم يلتفت ولكن بحكم‬ ‫التدريب الذي تلقاه في صغره في فنون القتال جعلته يكتسب جملة من المهارات القتالية والدفاع‬ ‫عن نفسه‪ .‬ثم قال بصوت جوهري يملؤه الغضب ‪ \" :‬ماذا تريد مني يا هذا ؟؟ أم هو اللقاء المنتظر‬ ‫؟؟ \" صدر صوت هادئ مألوف قائلا باستهزاء ‪ \" :‬نعم هو ذلك ‪ ،‬هو اللقاء \" إستدار مصطفى‬ ‫ليجد نفسه أمام صديق م ّر على آخر لقاء دار بينهما قبل ست سنوات‪ ،‬إتسعت عيناه من الدهشة ثم‬ ‫برقت عيناه فرحا لرؤية صديقه العزيز‪ ،‬عانقه مبتسما ناسيا مشاكله وهمومه ثم قال ‪ \" :‬آه يا حسن‬ ‫‪ ..‬آه ‪ ..‬أين كنت طوال هذه الأعوام ؟ أم أنك لم تكمل دراستك يا فتى \"‬ ‫‪-‬سامحك الله يا مصطفى ‪ ..‬أيعقل ؟ أنا الآن مهندس في البرامج المعلوماتية وأسعى لإنشاء شركة‬ ‫تد ّر علي برزق يكفي حاجتي‪.‬‬ ‫‪ -‬ما شاء الله‪ ،‬لكني أراك متلهفا للرزق ‪ ..‬أم أنك عشقت وستتزوج ؟‬ ‫‪ -‬أنا على عادتي لا أحبذ كثيرا النساء ومشاكلهن‪ ،‬أتر ّك مني ‪ ..‬ماذا عنك ؟ ما جديدك ؟ وما اللقاء‬ ‫المنتظر الذي كنت تردده ؟‬ ‫عادت ملامح الحيرة على وجه مصطفى الأمر الذي جعل من حسن أن يلّح عليه في أسئلته‬ ‫العديدة‪ .‬تنهد مصطفى مرة أخرى واتكأ على جذع شجرة من الأشجار المزينة للطريق ثم قال‬

‫والحزن يملأ وجهه ‪ \" :‬أنا الآن بين المطرقة والسنداد‪ ،‬بين الفأس والخشب‪ ،‬أنا في مصيبة حقيقية‬ ‫يا أخي \" إستغرب حسن من كلامه فقد ألف منه التفاؤل والأمل ثم قال ‪ \" :‬ما خطبك ؟ شاركني‬ ‫ه ّمك \" وحين ق ّص عليه قصته انتفض من مكانه وقال والحزم باد على وجهه على غير عادته ‪:‬‬ ‫أنا معك يا أخي ‪ ..‬أنا معك حيث ما كنت ‪ ..‬أنا معك في السراء والضراء ‪ ..‬سنكون فريقا جميلا \"‬ ‫ثم عاد لمرحه وصرخ بفرح ‪ \" :‬نعم ‪ ..‬إنها وقت المغامرة \" تب ّسم مصطفى ضاحكا وقال ‪ :‬مجنون‬ ‫كعادتك يا حسن\"‬ ‫*****‬ ‫حين تدرك الأم أن ابنها قد وقع في محنة‪ ،‬تسارع لحل مشاكله حتى لا تكدّر عيشه ولا تنغص‬ ‫فرحته بشبابه‪ .‬فتراها لا تنام الليل هائمة حزينة على ولدها الصغير‪ .‬فمهما بلغ الولد من الكبر عتيا‬ ‫تنظر الأم له على أنه مازال رضيعا يحتاج حنانها ورعايتها‪ .‬إلا أن وضعية أمين مختلفة جدا فهي‬ ‫لا تملك القدرة على إعانته ولو بالنزر اليسير لتخطي العقبات التي ستعترضه مستقبلا‪ .‬أما وقد‬ ‫ظهر الحزن على محيّاها وضاقت عليها الأرض بما رحبت وانهمرت عيناها حزنا وكمدا على‬ ‫المستقبل المجهول الذي ينتظر ابنها وحتى لا تظهر تلك الدموع للسيد حكيم فتشعره بالأسى فهي‬ ‫خيّرت الذهاب لخزانتها لتأخذ قليلا من المناديل المع ّطرة ثم مسحت خدّها الذي ارتسمت فيه‬ ‫تجاعيد الكبر‪ .‬بينما هي كذلك على تلك الحال إذ بالسيد حكيم يدخل الغرفة مناديا ‪ \":‬يا امرأة ‪،‬‬ ‫مالي لا أجد جهاز التحكم‪ ،‬أردت أن أشاهد أخبار اليوم \" همست الأم في غضب ‪\" :‬كرهت‬ ‫السياسة التي ستلقي بشبلي في عاصفة هوجاء ولا أدري ما مصيره فيها‪ ..‬أمقتها\"‬ ‫استغرب السيد حكيم صمت زوجته فمن عادتها أن تجيب حتى وهي منشغلة مما دفعه للإسراع‬ ‫إليها فوجدها تمسح وجهها وفي عينيها آثار البكاء‪ .‬قال بصوت هادئ بعدما وضع يديه على‬ ‫وجنتيها لتهدئتها ‪ \":‬ما بال حليمة تبكي ؟ \" احتضنها فوضعت رأسها على صدره وقالت‬ ‫وعلامات الحزن بادية على مح ّياها ‪ \" :‬وكيف لا أبكي ومصير ولدي مجهول ؟\"‬ ‫‪ -‬مصير أمين بيد الله وحده فالتقدير تقديره والأمر أمره وهو القائل في كتابه الكريم قُ ْل َل ْن يُ ِصي َب َنا‬ ‫ِإ الا َما َكتَ َب َّل الاُ لَ َنا ُه َو َم ْو َلا َنا ۚ َو َعلَى َّل الاِ فَ ْل َيتَ َو اك ِل ا ْل ُم ْؤ ِمنُو َن ‪..‬‬ ‫‪ -‬آمنا بالله وتوكلنا عليه ‪ ..‬لكني عاجزة عن مساعدته حتى بكلمة فقد كان سابقا يلجأ إلي طلبا‬ ‫للمساعدة أما الآن فهو ‪..‬‬ ‫‪ -‬فهو رجل‪ ،‬ولدك كبر وأصبح بحمد الله رجل يعتمد عليه‪ ،‬وقد جاء الوقت ليساهم في بناء دولته‬ ‫والله وحده المعين‪ ،‬أنظري إليه الآن وستوقنين بأنه قادر على فعل كل شيء من أجل وطنه‪ ،‬ولنا‬ ‫أن نساعده بتقويته بالكلمة الطيبة كلما رأيناه في حالة ضعف كما أننا وجب علينا الدعاء له لتثبيته‬ ‫ولرفع البلاء عن ابننا‪.‬‬ ‫‪ -‬ونعم بالله‬ ‫‪-‬إنها ليلة ممطرة ولله الحمد وكما تعلمين ساعة المطر ساعة يستجاب فيها الدعاء‪ .‬فقومي‬ ‫وتوضئي ثم صلي ركعتين لله وادعي الله أن يكشف عنا الغم‪.‬‬











‫سيطرح‪ ،‬ما مصير هذا الحدث العابر ؟ أسيتم طيه في أرشيف النسيان كما فعل في أحداث‬ ‫‪ .. )*(2008‬أم أنها ستعصف بالنظام ؟ وماهو موقع أمين في كل هذا ؟ سنرى ونتابع مجريات‬ ‫الأمور وسنتد ّخل إن لزم الأمر‪\" .‬‬ ‫بعد أن عقد حاجبيه وشبّك يديه معلنا عن صرامة وحزم شديدين قال السيد صادق‪ \" :‬نعم ‪..‬‬ ‫سنتدخل إن لزم الأمر ‪ ..‬وسنكون سندا لمصطفى في قلب معادلة الأحداث ‪\" ..‬‬ ‫أضاف السيد عادل بعدما إسترخى على مكتبه بهدوء بنبرة الواثق في نفسه‬ ‫‪ -‬وعلى أمين أن يكون على إتصال حثيث مع جواسيسنا في المخابرات الذين نثق فيهم للتفاعل‬ ‫معهم وإيجاد الحلول الممكنة لتنفيذ المهمة‪..‬‬ ‫أردف السيد صادق وصوته يدل على قلقه واضطرابه ‪:‬‬ ‫‪ -‬في كل هذه الأمور علينا حماية عائلة أمين التي تتهددها خطر محدق في أي وقت‪..‬‬ ‫قال السيد عادل بعدما عادت الحيوية إلى جسده الضعيف في ثقة واضحة ‪:‬‬ ‫‪ \" -‬إنها من مهام أمين‪ ،‬وإني أظنه قد بادر إلى هذه الخطوة فور قراءة الرسالة \"‬ ‫لم تزل علامات الحيرة والشك والقلق على محيّا السيد صادق إلا أنه سريعا ما أضاف ‪:‬‬ ‫‪ -‬نرجو ذلك‪ ،‬والآن سنتابع كل المستجدات لحظة بلحظة‪ ،‬فلنبق على تواصل‪ ،‬والآن سأقوم ببعض‬ ‫اتصالاتي لعلي أتمكن من إستباق الأحداث حتى نتمكن من النجاح‪.‬‬ ‫ردّ السيد عادل بسرعة بصوت واثق مستمر كالعادة‬ ‫‪ -‬إن شاء الله‪ ،‬لعلنا نقبل على أيام صعبة سيد صادق فلنتوخ الحذر ولنكن على إتصال مستمر ‪..‬‬ ‫حفظك الله وفي أمانه ‪..‬‬ ‫غادر السيد صادق وكأن جبالا من الأوهام والقلق تعتصر قلبه وعقله وكيانه قائلا ‪:‬‬ ‫‪ -‬أستودعك الله ‪ ..‬السلام عليكم‬ ‫لم ير السيد عادل وجه السيد صادق على تلك الحال في حياته قط وهو ما جعل الشك يدخل قلبه ثم‬ ‫وضع يديه على وجهه وقال بعدما أصدر نفسا عميقا يد ّل على حيرته الفجئية ‪ \" :‬لعله خير ‪ ..‬يا‬ ‫رب ساعدنا على ما نحن عليه \"‬ ‫*******‬ ‫بدت علامات الغضب والسخط على مدير المخابرات التونسية واضحة عليه إثر إتصال من رئيس‬ ‫الجمهورية يلومه فيها عن حالة الانفلات التي حدثت في البلاد مؤخرا ومحاولة قمع كل إحتجاج‬ ‫يندد بالفضيحة‪ ،‬التي ه ّزت الشارع التونسي بأكمله فالمعلومات الإستخباراتية تؤكد بالفعل أن‬ ‫مد ّوني الشبكة المعلوماتية قد أشعلوا لهيب الإحتجاجات في النفوس المتعطشة للحرية‪ ،‬بكل الطرق‬ ‫الممكنة سلمية كانت أو حتى بالعنف المسلح‪ ،‬فاستقرار الدولة وأمنها أضحى الآن على كف‬

‫عفريت‪ ،‬والإحتجاجات التي ستلحق هذه الحادثة قد تؤدي إلى نتائج كارثية لا يحمد عقباها‪ .‬صرخ‬ ‫المدير مناديا على أعوانه الذين أقبلوا إليه بأقصى سرعة‪ ،‬وقفوا أمامه مطأطئين رؤوسهم‪ ،‬تبدوا‬ ‫عليهم علامات الخوف من المدير الغاضب‪ .‬تقدم العون المكلف بمهمة التحري على قصة الحركة‬ ‫الغريبة في الأرجاء طالبا الإذن بالتكلم لكنه لم يؤذن له ثم بادر المدير بالكلام قائلا بغضب شديد‬ ‫وصراخ مدو زلزل القاعة من شدته ‪:‬‬ ‫‪ -‬أريد كل التقارير حول تلك الحادثة اللعينة‪ ،‬واعزلوا ذلك العون الذي ساهم في إحراق الشاب‪،‬‬ ‫كما أن الأمر واضح من الرئيس‪ ،‬كل من له علاقة بتأجيج المظاهرات فإنه يسجن بتهمة التآمر‬ ‫على الدولة سواء كان ذلك في الساحات أو حتى على مواقع الإنترنت‪ ،‬سنتتبع الجميع‪ .‬وسنف ّرق‬ ‫هذه الإحتجاجات اللعينة بكل الوسائل المتاحة وإن لزم الأمر ‪ ...‬شرد قليلا ثم أردف بصوت قوي‬ ‫يص ّم الآذان ‪ \" :‬قتلهم ‪ ..‬الواحد تلو الآخر \"‬ ‫إتسعت أعين الأعوان صدمة من هول ما سمعوا ثم تقدّم أحد الأعوان وقال بصوت متذبذب ‪\" :‬‬ ‫سيدي‪ ،‬لم نصل إلى شيء يذكر بخصوص الحادثة المريبة التي شهدها أحد أحياء العاصمة‪ ،‬لكني‬ ‫سمعت من أحد مخبري أن ذلك المنزل يملكه شاب يدعى أمين صلاح‪ ،‬لم نعثر على أي معطيات‬ ‫خاصة أو مريبة لدى هذا الشخص \"‬ ‫صاح المدير في وجهه غضبا وقال ‪ \" :‬أريد أن أعرف سبب هذه الحادثة ولن أقبل أعذارا‪ ،‬اللعنة‬ ‫عليكم جميعا‪ ،‬اللعنة ‪\" ..‬‬ ‫ارتمى المدير على مقعده من شدة الإعياء الذي أصابه ثم أضاف قائلا ‪ \" :‬أغربوا عن وجهي‬ ‫الآن ولا تعودوا إلا وجميع المسائل حلت‪ ،‬واهمها مسألة الأمن القومي‪ ،‬أريد من الجميع أن يطفئوا‬ ‫هذه النار المشتعلة سواء في الشوارع أو حتى على الإنترنت \"‬ ‫ثم استسلم للتعب واسترخى على مقعده الوفير وما كان على الأعوان إلا أن تو ّجهوا صوب عملهم‬ ‫لتشديد الخناق أكثر على حرية الشعب‪ ،‬فقد أخذوا أمرا قطعيا بأن يقبضوا على جميع المتو ّرطين‬ ‫في الإحتجاجات والبداية ستكون من خلال الإنترنت وإطفاء شرر المحتجين باعتقالهم وتوريطهم‬ ‫بجرائم تصل إلى التآمر على أمن الدولة وهي من أخطر الجرائم الي يعاقب عليها القانون‪ .‬كل‬ ‫هذه المعطيات الجديدة تمت كتابتها من طرف العون مخلص وإرسالها إلى السيد صادق على وجه‬ ‫السرعة لإطلاعه على كل المستجدات‪.‬‬










Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook