المنقذ تأليف :محمد أمين الهبيري
الفصل الأول في ذلك اليوم الممطر أراد و كغيره أن يأخذ قسطا من الراحة تنسيه تعب الأسبوع الفارط ! أحضر قهوة ساخنة و ذهب إلي مكتبته و أخذ كتابه السياسي و ذهب إلي شرفة المنزل ليستلقي على ذلك الكرسي الوثير و بدأ بقراءة كتابه الذي يتحدث عن الأمة الإسلامية في زمن الخلافة و ما بعدها ! بينما هو يحتسي القهوة و يدقق في سطور الكتاب إذ به يلاحظ حركة غريبة في أرجاء المنزل ! ذهب إلى حاسوبه المحمول ليكتشف ما يجري في بيته بواسطة كاميرات المراقبة المثبتة في الأرجاء ! إذ به يكتشف أن مجموعة كبيرة من الرجال الملثمين الحاملين لأسلحة الكلاشنكوف يطوقون أرجاء البيت مانعين النملة إرتعدت فرائصه فهو لم ير قط مثل هؤلاء في حياته ! من هؤلاء يا ترى الصغيرة من الخروج أو الدخول ! ؟! فهو لم يرتكب ذنبا في حياته يؤدي إلى إقتحام منزله بهذه الطريقة \" مهلا لحظة ..أيعقل هذا ؟ \" نطق بهذه الجملة بعدما تفكر أنه و في مقاله الأخير الذي نشره على الإنترنت قد وجه خطابا لاذعا للصهاينة المعتدين ! أيعقل أن هؤلاء قد أتو خصيصا للقبض عليه . جالت في خاطره عديد الأسئلة و مع كل سؤال يدرك أن حياته قد شارفت على الإنتهاء .أسرع إلى مكتبه و بدأ في كتابة وصيته الأخيرة !! سمع صوت الجرس يرن ،و لكنه لم يعره إهتماما كبيرا و أكمل كتابة .تلك الوصية و فجأة خلع الباب و دخل الرجال ليعيثوا في المنزل فسادا و خرابا ! ثم دخل رجل حسن المظهر ،متوسط القامة ،أسمر البشرة ،ذو شعر و لحية بيضاء كبياض الثلج ! إتجه مباشرة لغرفة المكتب ليجده قد أتم ! كتابة الوصية و وضعها أمامه و حاسوبه على يمينه و المسدس على شماله إبتسم ذو الشعر الأبيض و قال :ماذا كتبت في رسالتك الأخيرة ؟ -ولم هذا السؤال ؟ ! حتى نحققها لك - ! لا تشغل بالك بوصيتي فهي أصعب من أن ينفذها شخص مثلك - أتدرك مع من تتكلم يا مصطفى ؟! ( حين سمع إسمه إضطرب فجميع المقالات التي كتبها تحتوي على - أسماء مزيفة و مواقع مختلفة يستحيل على جهاز المخابرات كشف حقيقته ككاتب نظرا لنبوغه في مجال الحواسيب ) فقال متلعثما :و من تكون ؟ .من أكون ! سؤال يصعب الإجابة عنه الآن و لكني الآن هنا لأخبرك من تكون أنت - ...أنا - ! اصمت ،اصمت ،أنا سأخبرك - \" ضحك مصطفى واتكأ على كرسي المكتب و قال \" فليكن ..إذا أخبرني من أكون أخرج ذو الشعر الأبيض ورقة من جيبه وبدأ بقراءتها :مصطفى صلاح متخرج من جامعة أكسفورد للعلوم السياسية بشهادة دوكتراه لم تستطع أن تواصل العيش في إنجلترا لحبك الشديد لمسقط رأسك و لاشتياقك إلى عائلتك و أقربائك كما أردت نفع بلدك و أمتك و محاولة التطوير للإرتقاء في سلم الحضارة . فرجعت إلى تونس و كغيرك من الشباب التونسي لم تجد شغلا يليق بمستواك العلمي فبادرت إلى العمل مع .أبيك \"حكيم\" في مجال التجارة \" إستغرب مصطفى و قال في نفسه \" هذا الرجل يعرف عني الشيء الكثير و لكني لا أعلم من يكون أراك مندهشا ..ستزداد اندهاشا حين تعرف المزيد ! لنكمل كنت تزاول تعليم الشرع عند شيخ جامع _ حيك بالإضافة لذلك كان حبك لطلب العلم كبير فقد اكتسبت بعض المعلومات في مجال الإقتصاد و البرمجة و الأمن المعلوماتي فاستغللت كل هذا و أنشأت موقعا على الإنترنت و وظفت مهارتك في كتابة مقالات تكشف عن المؤامرات .فهذه المقالات تكفي لاعتقالك بتهمة معاداة السامية و دفنك.
احتار امين و ظهرت عليه بعض علامات القلق و التوتر ! استجمع كامل شجاعته و قال \" :كيف وصلتكم كل هذه المعلومات ؟ و من أنتم ؟ \" لم يعر ذو الشعر الأبيض إهتماما كبيرا لأسئلته و واصل حديثه \":حلمك منذ الصغر أن تكون صاحب شركة بعبارة أخرى أردت أن تكون رجل أعمال ناجح ! و هاهي فرصة حياتك بين يديك \"! إستغرب مصطفى من كلامه و قال :و كيف ذلك ؟ جلس الرجل و أخرج ورقة من محفظته ،وضعها فوق مكتبه و قال \" إن قبلت بشروطنا فلك مقابل ذلك شركة من أقوى الشركات التونسية \". -و إن لم أقبل ؟ -حينها ودع عائلتك و أقرباءك و كل من تحب و خاصة هويدة\" إستشاط أمين غضبا و قام من فوق الكرسي و قال :ما هذه الجرأة ؟ أتتجسس على حياتي الخاصة يا هذا ؟! و الله لو لمستم شعرة واحدة منها أو من عائلتي و أقربائي ،سأهدم الدنيا فوق رؤوسكم ! أسرع أحد الجنود إلى المكتب و وضع فوهة السلاح على رأس مصطفى و قال بصوت غليظ \" :لا تتحدث بهذه الطريقة ! و احترم نفسك ! \" أشار ذو الشعر الأبيض بيده بأن يبتعد عن مصطفى و قال له \" :لو أردنا إذاءك لما أتينا لك و جلسنا في مكتبك هذا و لكن هدفنا أسمى من تحطيم حياتك ! -يا ربي ألهمني الصبر \" نطق بهذا الدعاء بعدما تنفس بعمق و قال :ماذا تريدون مني ؟ \" -آه ..أخيرا قد أتينا إلى جوهر الموضوع ! إن العالم العربي اليوم يعيش مرحلة إعادة تقسيم خدمة لمصالح الصهيونية العالمية ! و ستكون تونس ضمن المخطط ..ستساهم بشكل أو بآخر كي تجعل من تونس مثالا لجميع دول العالم العربي في ديموقراطيتنا و حريتنا نحن \" .. قال مصطفى :بلغة أوضح تريدون مني أن أشترك معكم في أن أقلب نظام الحكم ؟ كن متأكدا أنني من المستحيل أن أدمر بلدي و أخون قيمي من أجلكم أو من أجل مصالحكم ! -إذا قبلت فسنحقق لك حلمك و سنجعل لك حياتك جنة ..أما إن رفضت فتأكد أن لك معيشة ضنكا و ستكون سببا في تعاسة من تحب . وضع أمين مرفقيه على المكتب و ضغط على رأسه بأصابعه محاولا تقليص حدة التوتر ،فهو يعلم بأن مصيبة عظيمة قد وقعت فوق رأسه فبقراره سيتغير كل شيء في حياته إما القبول و ضمان حياة بقية أفراد عائلته و إما الرفض و العيش في التعاسة للأبد -موافق إبتسم ذو الشعر الأبيض إبتسامة ماكرة و قال \" :خفت على عائلتك و عليها صحيج؟ \" -و ما دخلك ؟ قد قبلت عرضك و انتهى ! -فليكن إذا !! \" أخرج ملفا من محفظته و قال :ستجد في هذا الملف كل شيء عن حياتك التي عشتها و التي ستعيشها ! قال آخر جملة له ثم أمر الجنود بالخروج من المنزل و التوجه للسيارات ! ثم إلتفت ذو الشعر الأبيض و قال \":لك مهلة ب 48ساعة فقط ! إن أردت أن تعيش بسلام فأت للمكان المذكور في آخر الملف .و لا \" تنس أن توصل سلامي للسيد حكيم و قل له أن السيد الصادق قد جاء لزيارتي أخيرا ! لم يفهم مصطفى معنى كلمة \" أخيرا\" التي قالها للتو ! لم يفهم علاقة السيد الصادق هذا بأبيه حكيم !! و من اين لهم بالمعلومات المتعلقة بهويدة !! إضطرب كثيرا و ظهرت عليه علامات القلق و الحيرة \" يجب أن أتحدث مع أبي \" قام فورا من مكتبه و توجه نحو الهاتف ..إتصل بأبيه و قال \":أبي لقد حدث أمر مريع في منزلي و يجب \" أن تعرف كل شيء ..إنتظرني في متجرك سآتي فورا أغلق سماعة الهاتف و لبس معطفه و خرج على عجلة من أمره .
عند وصوله وجد أباه أمام عتبة متجره يترقب قدومه ..نزل من السيارة فذهب إليه الأب مسرعا و قال : ما الموضوع الطارئ الذي أردت مني معرفته بهذه الصفة المستعجلة يا ولدي ؟ أحدث لك مكروه لا قدر الله ؟! -فلندخل المتجر أولا ،الجو ممطر هنا ! \" دخلا المتجر و جلسا في المكان المخصص للضيوف .طلب الأب من خادمه إحضار كوبين من القهوة الساخنة و قال لابنه :و الآن ،ما خطبك يا بني ؟ -حصلت مصيبة يا أبي .. -و كيف ذلك؟ \" بدت علامات الخوف و الحيرة في وجه السيد حكيم واضحة -لقد أقتحم رجال ملثمون منزلي و طلب مني رجل ذو شعر أبيض إسمه صادق القيام بمهمة يجب علي تنفيذها و هددني إن لم أقبل بشرطه فإن حياتي ستنقلب إلى جحيم كما أوصاني بأن أرسل إليك سلاما و قد قال لقد أتيت أخيرا \" -و ماذا قلت له ؟ -قلت أني موافق شرط أن لا يؤذي أحدا من عائلتي و أقربائي و \" ...صمت مصطفى و شرد قليلا كأنه يفكر في شخص عزيز جدا عليه .. -منذ أن كنا صغار كنا لا نفترق عن بعضنا البعض فهو صديق الطفولة و لكن و بحكم عمله خارج البلاد لم أره لفترة طويلة ..أكثر من 25سنة ! -و ما شأنه بالسياسة ؟ -أية سياسة ؟! هو يعمل في مجال التجارة ..إنتظر لحظة ماهي مهمتك ؟ -قلب نظام الحكم !! -يا لها من مصيبة ! خيم الصمت في المتجر لبضع ثوان و كأن الواقعة حلت على كامل العائلة .قطع خادم السيد حكيم الصمت بقدومه و على فمه تلك الإبتسامة المعهودة التي لا تفارق وجهه و قدم القهوة للضيف أولا و قال له : تفضل يا أخي بالشفاء و الهناء \".رفع مصطفى راسه بعدما فرك عينيه بيديه دليلا على التعب الشديد من كثرة التفكير ! و قال له :شفاك الله و عافاك ..كيف حالك يا أخي ؟ قال له و هو يقدم القهوة للسيد حكيم :الحمد لله على كل حال \".ثم انصرف ! سأل حكيم \" بم تفكر يا بني ؟\" -قد أتيت إليك ألتمس حكمتك و أستفيد بنصيحتك يا أبي العزيز. -إعلم يا بني أني لا أستطيع أن أجبرك على إتخاذ قرار كهذا فقد يتسبب بقلب حياتك رأسا على عقب ! أنت الآن قد وافقت على طلبه لتحمي عائلتك و هذا يحسب لك ..و اعلم أن قلب نظام الحكم أمر واجب نظرا لما وصلت إليه الأمور السياسية من قمع و استبداد و تعذيب و أنت أعلم بهذا ! و اعلم كذلك أن هنالك قلب قد تعلق بك و تعلقت به\".. قطع مصطفى كلام أبيه قائلا \" :أعلم يا أبي ..أعلم \" و ظهرت على مقلتيه دمعة حارقة إنما تدل على لوعة و حرقة في قلبه. -يجب عليك أن تستشيرها في هذا الموضوع الخطير إن وافقت فلا بأس و إن لم توافق فأنصحك بأن لا ترفض طلبها . -حاضر يا أبي .أين أمي الآن ؟ -هي الآن في المنزل مع هويدة يحتسيان القهوة و يتبادلان الحوار ! -سأذهب فورا يا أبي العزيز! -و فقك الله يا بني و أرشدك لصالح الأمر -أنا بحاجة ماسة لدعائك لي يا أبي . قام أمين من مكانه و قبل يد أبيه و قبل رأسه إحتراما و حبا له ثم انصرف . لم يستطع الأب حبس دموعه لتنهمر على خديه حزنا و أسفا على ولده و كأن هنالك أمرا ما لا يعلمه
مصطفى في هذا الموضوع ! و ضعت الأم فنجان القهوة بجانب كرسي الآنسة هويدا و قالت لها مبسمة \" :ما أروع مذاق القهوة الساخنة في طقس شديد البرودة كحالة طقس يومنا هذا \" ! \" -أشكرك على إهتمامك الشديد بي يا خالة ! \" ترشفت القهوة الساخنة ثم أردفت \" :سلمت يداك ! ما ألذ طعمها !! نظرت الأم لها ثم التفتت ناحية الجدار المقابل حيث علقت فيه صورة ولدها مصطفى ثم وضعت يديها على رجليها و أطلقت العنان لزفير طويل .. -خيرا يا خالة ! ما بالك شردت للحظة ؟ هل اشتقت لمصطفى ؟ -إشتقت له كثيرا ..لو أنه يأتي ! .. رن جرس المنزل فقالت هويدا \" :هل كنت تنتظرين أحدا ؟ \" أجابت الأم و علامات الدهشة ترتسم على وجهها \" :لا لا لم أكن أنتظر أحدا يا ابنتي\" .. قالت هويدة في نفسها \" :أيمكن أن يكون \" ..ثم قامت على عجلة من أمرها و قالت \" :أنا سأفتح الباب يا خالة ،لا ترهقي نفسك ! أنا سأفتح \" ذهبت مباشرة للباب و فتحته و كانت المفاجأة... وضع أمام الباب وردة حمراء و بجانبها ورقة لفت بطريقة جميلة تدل على ذوق المرسل ! رسمت البسمة على وجهها و أمسكت بالزهرة و قالت بصوت منخض لا يكاد يسمع \" :ما أحلى هذه الوردة يا مصطفى ،،ما أحلاها ! و ككل مرة تفاجئني بأحلى الهدايا \" .. فتحت الورقة و بدأت بقراءتها بصوت ناعم ،رقيق ،بإحساسها المرهف .. \"أيا زهرة زرعت في قلبي و سقيت من ينابيع شرياني أيا وردة نشرت عطرها في جسدي و عطر فؤادي بأزكى الروائح أيا من زينت حياتي بوجودك و نشرت السعادة في أرجائها اعذريني على تقصيري في حقك فكلمة أحبك لا توفي حقك\" تأثرت هويدة بهذا الشعر الجميل أشد تأثر فدمعت عيناها حبا واشتياقا و قالت \" :آه لو كنت هنا يا سلطاني \" سمعت هويدة الأم تنادي \" من بالباب يا بنيتي \" مسحت دموعها المنهمرة على وجهها و هي تجيب : غريب يا أمي ليس هنالك أحد ! سآتي الآن \" !! بينما همت بإغلاق الباب إذ بها تسمع صوتا مألوفا يقول \":أنا هنا يا سلطانتي\" اشرأب عنقها تحاول البحث عن مصدر الصوت وهي تقول \":من هنا ؟\" أجابها مصطفى و قد أتى مسرعا ليتجنب المطر الغزير \":من تودين لقاءه \" !! رسمت على وجهها ابتسامة جميلة تدل على سعادة غمرتها بقدوم ضيف عزيز عليها ..و قالت \" :أهلا و سهلا بك \".و بعد مصافحة و عناق حار قالت :هنالك من يشتاق لك كثيرا ..هيا تعال معي \". أخذت بيده و رافقته إلى غرفة الاستقبال و قالت \" :انظري يا خاله من أتى برفقتي \".نظرت الأم إلى الباب تستكشف هوية الزائر و بمجرد دخول مصطفى للقاعة إذ بالأم تنتفض من مكانها قائلة \" :مرحبا بولدي ..مرحبا بقرة عيني !! لقد اشتقت إليك كثيرا يا بني \" .قال \" :ها أنا ذا بجانبك يا أمي و سامحيني على تقصيري في حقك \" أجابت :لا عليك يا ولدي لا عليك !! ذهب ناحيتها و قبل يديها و رأسها و قال \" :\" .....أمي ..حفظك الله و حماك \" ! \"كم اشتقنا إليك يا مصطفى ..لا تطل الغياب من جديد\" قال بصوت حزين و بنبرات متقطعة \" :إجلسا لي خبر يجب أن تكونا على علم به \"
جلست الأم و الآنسة أمام و قالتا بصوت واحد \" :خيرا إن شاء الله \" \"لا أعلم إن كان خيرا لي أم شرا فقد وقع من أمري كذا و كذا \" بعد انتهائه من سرد الواقعة صمت قليلا يترقب ردة فعلهما ثم أردف :من الممكن أن أدخل في غمار هذه الحرب و لا أعلم متى أو حتى كيف سأتمكن من الخروج منها .. لم تتمالك الأم أعصابها فوقعت على الأرض من جراء الصدمة التي ألحقها بها مصطفى الذي أسرع بدوره ليحضر عطرا تشمه الأم لتستفيق من غيبوبتها ..و ما إن استفاقت حتى قالت بصوت حزين متقطع :جاء الوقت يا بني ..جاء الوقت -أرجوك لا تتكلمي يا أماه ،هيا استلقي فوق الأريكة و خذي قسطا من الراحة .. بعدما انتهى من مساعدة أمه تفرغ كليا للتفكير فقد جالت في خاطره عاصفة من الأسلة المحيرة :ماذا كانت تقصد أمي بـ \" قد جاء الوقت يا بني \" هل هنالك سر وراء ذلك ؟ هل يعلم أبي بالسر ؟ طيب لماذا لم يخبرني أبي عن هذا السر ؟ و ما هو سر السيد ذي الشعر الأبيض ؟ لماذا كل هذا الغموض وراءه ؟ و ما علاقة الأم بهذا الأمر ؟ وضع مصطفى يده على رأسه فقد أصابه صداع قوي من شدة التفكير ..لم تشأ الآنسة أن ترى حبيبها يتخبط في عاصفة من الأسئلة فأسرعت إليه و مسكت يده و قالت \" :لا تفكر كثيرا في أسئلة يصعب الإجابة عنها الآن فقط فكر في هدفك الآن ؟ و تيقن أني سأكون لك سندا و خير معين على تخطي محنتك \".. ابتسم و قال \" :أشكرك يا هوادتي ..يا ..هوادتي \" ..قبّل رأسها و قال \" :ربما عليك السفر خارج البلاد حتى تكوني بمنأى عن الخطر \" .. مستحيل ..هذا محال أن أتركك في هكذا وضع و لا أكون معك .. - ستكون لي مع هؤلاء مواجهات عديدة و أخشى أن تكون لهم خطط لإلحاق الضرر بعائلتي لا قدّر - الله .. - - \" هيه ..هيه ..مصطفى ..مصطفى \" .. هذا صوت أمي .. قفز أمين من كرسيه و ذهب نحو أمه و قال :أأنت بخير ؟؟ نعم و الحمد لله ..أريد أن أتحدث معك في ما أصابك - - ليس الآن ..فقط خذي قسطا من الراحة .. - فقط أريد أن أقول لك شيئا خطيرا جدا و سأكمل لك ما بقي حينما تذهب لأبيك و تخبره أنك علمت سر السيد عادل. جلس مصطفى و بدأ ينصت لكلام أمه و مع كل كلمة تسردها الأم تزداد دهشة ابنها فهو و كما قالت مجبر على خدمة منظمة سرية تهدف للقضاء على الصهيونية العالمية فمنذ الولادة كفلته و اهتمت به ماديا و معنويا و حتى نفسيا و د ّربوا أمبن للقيادة و لتسيير شؤونه بمفرده في الأوقات الصعبة .إتسعت عينا مصطفى معربا عن دهشة كبيرة لهذا الخبر و كذلك الحال بالنسبة للآنسة هويدة التي ما استطاعت أن تحبس دموعها فانهمرت على وجنتيها الورديتين دموع كح ّبات اللؤلؤ الجميلة ..حين رأى أمين الدموع تنهمر من عيني معشوقته و قال بصوت هادئ \" :إسترخي الآن يا أماه ..إسترخي \"..ثم ذهب و احتضن هويدة ماسحا دموعها المنهمرة ثم قال :إهدئي ..إهدئي ..ها أنا بجانبك . اليوم ستكون بجانبي و لكن غدا ... - سأكون في قلبك طوال الوقت ... - ماذا ستفعل الآن ؟ - - لا أعلم ..إن رفضت ذلك العرض فماذا سيحل بكم ؟ و إن قبلته ماذا سيكون وضعي و وضعكم ..
الجميع ؛ الفقير كما الغني ،إبن الوزير كما ابن العامل البسيط ،العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا كما من له نفوذ في إحدى المؤسسات .لقد قدّم هذا الوطن مئات الشهداء في سبيل الاستقلال عن المستعمر الفرنسي الذي أقبل لنهب الثروات الباطنية والخيرات التونسية لما يزيد عن نصف قرن من الحصار والحروب والمعارك الأمر الذي جعل من الأطفال أشبال ومن الجنود أسود ومن الشباب مقاتلين يدفعون دماءهم وروحهم فداء لتونس ولأرضها ولشعبها .كل هذا كان يجول في خاطر السيد صادق إثر نهاية الإجتماع أما السيد عادل فقد طلب الإجتماع الثنائي مع السيد صادق لاستشارته في مواضيع سياسية عديدة منها خطة الهيئة لإسقاط النظام. دخل السيد عادل مكتبه الجميل ذا الطابع التونسي التقليدي بزركشته الهادئة ،تتو ّسطه أريكة متوسطة الحجم مع طاولة متمركزة أمام الأريكة تكشف عن الذوق الراقي للسيد عادل حتى بإمكانياته البسيطة والمتواضعة ثم لحق به السيد صادق ،جلسا على الأريكة وأخذ الجريدة وقرأ على السيد صادق الخبر الرئيسي في الصحيفة الناطقة باسم الدولة والذي كان موضوعه إنجازات الزعيم المفدى للدولة التونسية خلال العقد الأخير من فترة حكمه الطويلة قاطعه السيد صادق متهكما \" :آه ..كالعادة ينشدون الأشعار السخيفة والإنجازات التافهة ويصدّعون رؤوسنا بالطرقات ومجانية التعليم كأنهم لا يدركون أنه حتى في هذه المجالات مازلنا متخلفين عن الركب الحضاري فانظر لشوارع اليابان وأزقّتها ،وانظر لتلاميذ باريس وطلابها كيف أن لهم وعيا ثقافي وأخلاقي بعيد كل البعد عن تعليم تلاميذنا الذين هم في السواحل من عائلات نسبيا ميسورة الحال حتى لا نتحدث عن أولئك الذين يعيشون في الجبال وينقطعون عن الدراسة خوفا من ظلمة الغابة فجرا عند الذهاب للمدارس ومن الذئاب ليلا عند العودة للبيوت\" . أحضر السيد عادل جهاز الحاسوب المحمول الموضوع في رف المكتبة ثم فتحه وقال \" :انظر للمدونات الإلكترونية والتي تعمل تحت إشراف شباب متحمسين للتغيير ،تواقين للتقدم ،متعطشين للمستقبل ،رغم حاضرهم التعيس .في هذه المدونات تجد شبابا قد تجنّدوا لنشر الأخبار الصحيحة والتي تعكس واقعهم لا تلك الأخبار التي يحسب قارئها أنه يعيش في يوتوبيا لا نظير لها في بلدان العالم بأسره\". وضع السيد صادق رجلا على رجل ثم تبسم ضاحكا جعلت السيد عادل يستغرب من سبب إبتسامته فقال له \":هذا الحديث يج ّرنا بالضرورة إلى موضوعنا الرئيسي المتعلّق بمصطفى ووظيفته في هذه الهيئة في الأيام القادمة .فمن مواهبه المتعددة أنه صاحب قلم مبدع في كتابة المقالات السياسية ،خاصة تلك التي يهاجم فيها الأنظمة الكليانية والأنظمة المستعمرة للشعوب ومنها الصهيونية ولقد كانت آخر مقال كتبه فيه معاداة للصهاينة ووجوب تجريم جميع الدول العربية التطبيع مع الكيان الغاشم \". -إنه فتى موهوب ويمكننا الاعتماد عليه في وظائفه ..ع ّلق السيد عادل بصوت هادئ بنبرة الواثق من نفسه. -نعم هو كذلك ،فلنصرف حديثنا وجهدنا الآن لمعرفة طبيعة المهام التي ستوكل إليه .فلقائي الثاني به سيكون حول هذا الموضوع بالذات كي نكسب الوقت ونس ّخر كل جهودنا في ما ينفع بلدنا .رد السيد صادق بنبرة حازمة وكأنه خرج من مرحلة المزاح إلى مرحلة الجد والعمل -هيا بنا ..أضاف السيد عادل بصرامة وعزم غير مسبوق من قبل.
**** الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء ،إنه وقت التمشي اليومي الذي اعتاد مصطفى للترفيه عن نفسه بمحادثتها والتصالح مع أخطائها والتفكير في كل المشاكل التي تعترضه في صفحات حياته ومع هذا الكم الهائل من المشاكل التي اعترضته خيّر عدم التقاعس عن هوايته في المشيء بين الأزقة ،كانت علامات الحزن والضيق والكرب تملأ وجهه .كان من عادة مصطفى أن يمشي بين هذه الأزقة التي لم تن ّظف من طرف أعوان البلدية تقربيا منذ آخر زيارة أداها إحدى الوزراء لتف ّقد أحوال الرعية الأمر الذي أدى إلى تنظيف كل الشوارع والأزقة حتى صارت كالجدائق التي تعبق منها رائحة عطر فواح .وهو متب ّسم تارة يس ّلم على حلاق الحي وطورا يشارك الأطفال لعبهم بالكرة إلا أنه اليوم كان مهموما ،شاردا ،محاولا إيجاد حل للتساؤلات التي عصفت بذهنه؛ فقد كان يف ّكر فيما إذا كان يسعه تحقيق الهدف المنشود وإظهار الحنكة السياسية التي تجعله مؤهلا لخوض تجربة عسيرة لا تخلو من عراقيل متعبة كتلك التي سيعيشها وهل سينجح في التوفيق بين عمله هذا وبين حماية عائلته وحبيبته التي وعدها بأن تكمل عملها رغم علمه بخطورة الوضع وأنه غير قادر على حماية نفسه فأنى له حماية الغير \" .إني في ورطة لم أشهد في حياتي نظيرا لها قط \" قال هذه الجملة بعدما تن ّهد بعمق كأنما أصبح حاملا له ّم كل سكان الأرض على كتفه ثم قذف حصى صغيرة كانت تعترض طريق مشيه ثم عاد للتفكير من جديد في مهمته الأولى التي سيكلفه بها السيد صادق وكيف سيتم التواصل مع هذه الهيئة في ظل القمع البوليسي وعينهم التي لا تنام عن الجميع فالمرة الأولى إعتقد أنهم من رجال الشرطة أو قوات خاصة صهيونية وقد هلع من شدة الخوف الذي أصابه حين تم الإقتحام فكيف سيكون الأمر في المرة القادمة ؟ بقي شارد الذهن طويلا متأملا في أزقة الحي ثم قال بصوت ملؤه الحماس والثقة \" :لك الله ..لك الله يا تونس الخضراء \" بينما هو كذلك إذ به شعر بشخص يراقبه في الأرجاء .لم يلتفت ولكن بحكم التدريب الذي تلقاه في صغره في فنون القتال جعلته يكتسب جملة من المهارات القتالية والدفاع عن نفسه .ثم قال بصوت جوهري يملؤه الغضب \" :ماذا تريد مني يا هذا ؟؟ أم هو اللقاء المنتظر ؟؟ \" صدر صوت هادئ مألوف قائلا باستهزاء \" :نعم هو ذلك ،هو اللقاء \" إستدار مصطفى ليجد نفسه أمام صديق م ّر على آخر لقاء دار بينهما قبل ست سنوات ،إتسعت عيناه من الدهشة ثم برقت عيناه فرحا لرؤية صديقه العزيز ،عانقه مبتسما ناسيا مشاكله وهمومه ثم قال \" :آه يا حسن ..آه ..أين كنت طوال هذه الأعوام ؟ أم أنك لم تكمل دراستك يا فتى \" -سامحك الله يا مصطفى ..أيعقل ؟ أنا الآن مهندس في البرامج المعلوماتية وأسعى لإنشاء شركة تد ّر علي برزق يكفي حاجتي. -ما شاء الله ،لكني أراك متلهفا للرزق ..أم أنك عشقت وستتزوج ؟ -أنا على عادتي لا أحبذ كثيرا النساء ومشاكلهن ،أتر ّك مني ..ماذا عنك ؟ ما جديدك ؟ وما اللقاء المنتظر الذي كنت تردده ؟ عادت ملامح الحيرة على وجه مصطفى الأمر الذي جعل من حسن أن يلّح عليه في أسئلته العديدة .تنهد مصطفى مرة أخرى واتكأ على جذع شجرة من الأشجار المزينة للطريق ثم قال
والحزن يملأ وجهه \" :أنا الآن بين المطرقة والسنداد ،بين الفأس والخشب ،أنا في مصيبة حقيقية يا أخي \" إستغرب حسن من كلامه فقد ألف منه التفاؤل والأمل ثم قال \" :ما خطبك ؟ شاركني ه ّمك \" وحين ق ّص عليه قصته انتفض من مكانه وقال والحزم باد على وجهه على غير عادته : أنا معك يا أخي ..أنا معك حيث ما كنت ..أنا معك في السراء والضراء ..سنكون فريقا جميلا \" ثم عاد لمرحه وصرخ بفرح \" :نعم ..إنها وقت المغامرة \" تب ّسم مصطفى ضاحكا وقال :مجنون كعادتك يا حسن\" ***** حين تدرك الأم أن ابنها قد وقع في محنة ،تسارع لحل مشاكله حتى لا تكدّر عيشه ولا تنغص فرحته بشبابه .فتراها لا تنام الليل هائمة حزينة على ولدها الصغير .فمهما بلغ الولد من الكبر عتيا تنظر الأم له على أنه مازال رضيعا يحتاج حنانها ورعايتها .إلا أن وضعية أمين مختلفة جدا فهي لا تملك القدرة على إعانته ولو بالنزر اليسير لتخطي العقبات التي ستعترضه مستقبلا .أما وقد ظهر الحزن على محيّاها وضاقت عليها الأرض بما رحبت وانهمرت عيناها حزنا وكمدا على المستقبل المجهول الذي ينتظر ابنها وحتى لا تظهر تلك الدموع للسيد حكيم فتشعره بالأسى فهي خيّرت الذهاب لخزانتها لتأخذ قليلا من المناديل المع ّطرة ثم مسحت خدّها الذي ارتسمت فيه تجاعيد الكبر .بينما هي كذلك على تلك الحال إذ بالسيد حكيم يدخل الغرفة مناديا \":يا امرأة ، مالي لا أجد جهاز التحكم ،أردت أن أشاهد أخبار اليوم \" همست الأم في غضب \" :كرهت السياسة التي ستلقي بشبلي في عاصفة هوجاء ولا أدري ما مصيره فيها ..أمقتها\" استغرب السيد حكيم صمت زوجته فمن عادتها أن تجيب حتى وهي منشغلة مما دفعه للإسراع إليها فوجدها تمسح وجهها وفي عينيها آثار البكاء .قال بصوت هادئ بعدما وضع يديه على وجنتيها لتهدئتها \":ما بال حليمة تبكي ؟ \" احتضنها فوضعت رأسها على صدره وقالت وعلامات الحزن بادية على مح ّياها \" :وكيف لا أبكي ومصير ولدي مجهول ؟\" -مصير أمين بيد الله وحده فالتقدير تقديره والأمر أمره وهو القائل في كتابه الكريم قُ ْل َل ْن يُ ِصي َب َنا ِإ الا َما َكتَ َب َّل الاُ لَ َنا ُه َو َم ْو َلا َنا ۚ َو َعلَى َّل الاِ فَ ْل َيتَ َو اك ِل ا ْل ُم ْؤ ِمنُو َن .. -آمنا بالله وتوكلنا عليه ..لكني عاجزة عن مساعدته حتى بكلمة فقد كان سابقا يلجأ إلي طلبا للمساعدة أما الآن فهو .. -فهو رجل ،ولدك كبر وأصبح بحمد الله رجل يعتمد عليه ،وقد جاء الوقت ليساهم في بناء دولته والله وحده المعين ،أنظري إليه الآن وستوقنين بأنه قادر على فعل كل شيء من أجل وطنه ،ولنا أن نساعده بتقويته بالكلمة الطيبة كلما رأيناه في حالة ضعف كما أننا وجب علينا الدعاء له لتثبيته ولرفع البلاء عن ابننا. -ونعم بالله -إنها ليلة ممطرة ولله الحمد وكما تعلمين ساعة المطر ساعة يستجاب فيها الدعاء .فقومي وتوضئي ثم صلي ركعتين لله وادعي الله أن يكشف عنا الغم.
سيطرح ،ما مصير هذا الحدث العابر ؟ أسيتم طيه في أرشيف النسيان كما فعل في أحداث .. )*(2008أم أنها ستعصف بالنظام ؟ وماهو موقع أمين في كل هذا ؟ سنرى ونتابع مجريات الأمور وسنتد ّخل إن لزم الأمر\" . بعد أن عقد حاجبيه وشبّك يديه معلنا عن صرامة وحزم شديدين قال السيد صادق \" :نعم .. سنتدخل إن لزم الأمر ..وسنكون سندا لمصطفى في قلب معادلة الأحداث \" .. أضاف السيد عادل بعدما إسترخى على مكتبه بهدوء بنبرة الواثق في نفسه -وعلى أمين أن يكون على إتصال حثيث مع جواسيسنا في المخابرات الذين نثق فيهم للتفاعل معهم وإيجاد الحلول الممكنة لتنفيذ المهمة.. أردف السيد صادق وصوته يدل على قلقه واضطرابه : -في كل هذه الأمور علينا حماية عائلة أمين التي تتهددها خطر محدق في أي وقت.. قال السيد عادل بعدما عادت الحيوية إلى جسده الضعيف في ثقة واضحة : \" -إنها من مهام أمين ،وإني أظنه قد بادر إلى هذه الخطوة فور قراءة الرسالة \" لم تزل علامات الحيرة والشك والقلق على محيّا السيد صادق إلا أنه سريعا ما أضاف : -نرجو ذلك ،والآن سنتابع كل المستجدات لحظة بلحظة ،فلنبق على تواصل ،والآن سأقوم ببعض اتصالاتي لعلي أتمكن من إستباق الأحداث حتى نتمكن من النجاح. ردّ السيد عادل بسرعة بصوت واثق مستمر كالعادة -إن شاء الله ،لعلنا نقبل على أيام صعبة سيد صادق فلنتوخ الحذر ولنكن على إتصال مستمر .. حفظك الله وفي أمانه .. غادر السيد صادق وكأن جبالا من الأوهام والقلق تعتصر قلبه وعقله وكيانه قائلا : -أستودعك الله ..السلام عليكم لم ير السيد عادل وجه السيد صادق على تلك الحال في حياته قط وهو ما جعل الشك يدخل قلبه ثم وضع يديه على وجهه وقال بعدما أصدر نفسا عميقا يد ّل على حيرته الفجئية \" :لعله خير ..يا رب ساعدنا على ما نحن عليه \" ******* بدت علامات الغضب والسخط على مدير المخابرات التونسية واضحة عليه إثر إتصال من رئيس الجمهورية يلومه فيها عن حالة الانفلات التي حدثت في البلاد مؤخرا ومحاولة قمع كل إحتجاج يندد بالفضيحة ،التي ه ّزت الشارع التونسي بأكمله فالمعلومات الإستخباراتية تؤكد بالفعل أن مد ّوني الشبكة المعلوماتية قد أشعلوا لهيب الإحتجاجات في النفوس المتعطشة للحرية ،بكل الطرق الممكنة سلمية كانت أو حتى بالعنف المسلح ،فاستقرار الدولة وأمنها أضحى الآن على كف
عفريت ،والإحتجاجات التي ستلحق هذه الحادثة قد تؤدي إلى نتائج كارثية لا يحمد عقباها .صرخ المدير مناديا على أعوانه الذين أقبلوا إليه بأقصى سرعة ،وقفوا أمامه مطأطئين رؤوسهم ،تبدوا عليهم علامات الخوف من المدير الغاضب .تقدم العون المكلف بمهمة التحري على قصة الحركة الغريبة في الأرجاء طالبا الإذن بالتكلم لكنه لم يؤذن له ثم بادر المدير بالكلام قائلا بغضب شديد وصراخ مدو زلزل القاعة من شدته : -أريد كل التقارير حول تلك الحادثة اللعينة ،واعزلوا ذلك العون الذي ساهم في إحراق الشاب، كما أن الأمر واضح من الرئيس ،كل من له علاقة بتأجيج المظاهرات فإنه يسجن بتهمة التآمر على الدولة سواء كان ذلك في الساحات أو حتى على مواقع الإنترنت ،سنتتبع الجميع .وسنف ّرق هذه الإحتجاجات اللعينة بكل الوسائل المتاحة وإن لزم الأمر ...شرد قليلا ثم أردف بصوت قوي يص ّم الآذان \" :قتلهم ..الواحد تلو الآخر \" إتسعت أعين الأعوان صدمة من هول ما سمعوا ثم تقدّم أحد الأعوان وقال بصوت متذبذب \" : سيدي ،لم نصل إلى شيء يذكر بخصوص الحادثة المريبة التي شهدها أحد أحياء العاصمة ،لكني سمعت من أحد مخبري أن ذلك المنزل يملكه شاب يدعى أمين صلاح ،لم نعثر على أي معطيات خاصة أو مريبة لدى هذا الشخص \" صاح المدير في وجهه غضبا وقال \" :أريد أن أعرف سبب هذه الحادثة ولن أقبل أعذارا ،اللعنة عليكم جميعا ،اللعنة \" .. ارتمى المدير على مقعده من شدة الإعياء الذي أصابه ثم أضاف قائلا \" :أغربوا عن وجهي الآن ولا تعودوا إلا وجميع المسائل حلت ،واهمها مسألة الأمن القومي ،أريد من الجميع أن يطفئوا هذه النار المشتعلة سواء في الشوارع أو حتى على الإنترنت \" ثم استسلم للتعب واسترخى على مقعده الوفير وما كان على الأعوان إلا أن تو ّجهوا صوب عملهم لتشديد الخناق أكثر على حرية الشعب ،فقد أخذوا أمرا قطعيا بأن يقبضوا على جميع المتو ّرطين في الإحتجاجات والبداية ستكون من خلال الإنترنت وإطفاء شرر المحتجين باعتقالهم وتوريطهم بجرائم تصل إلى التآمر على أمن الدولة وهي من أخطر الجرائم الي يعاقب عليها القانون .كل هذه المعطيات الجديدة تمت كتابتها من طرف العون مخلص وإرسالها إلى السيد صادق على وجه السرعة لإطلاعه على كل المستجدات.
Search
Read the Text Version
- 1 - 23
Pages: