بقلم سعيد ارويف
....من هنا نبدأ...... أدرك أني لست وحيدا في هذا الخضم...هناك ملايين الناس في العالم يتعذبون على نحو أكثر ألما .لكن يبقى للمعاناة وقع واحد على الجميع ،فهي تفقد المرء ..الثقة في النفس وتجعله يتساءل بحسرة عن المصير المجهول الذي ينتظره...تخمد فيه جذوة الطائر المغرد ...تسلبه الفرحة وتغتصب أيامه الجميلة ببطء ..لكني مع كل هذا سأبقى أردد مع الشاعر حين يقول:سأعيش رغم الداء والأعداء *** كالنسر فوق القمة الشمـاء
الحكاية الأولى:لم تكن قبلاتي الكثيرة والحارة لابنتي الصغيرة كافية لتقيني صقيع وبرد هذه القرية التي وصلت اليها صباح اليوم.تركت اسرتي وقليلا من اصدقائي وركبت اول سيارة ذاهبة الى القرية التي اشتغل بها حيث ينتظرني هنالك العديد من الاطفال بشوق كبير لاعلمهم قليلا مما علمني اللهاستقبلني تلامذتي بحرارتهم المعتادة،تسارعوا جميعهم ليحملوا عني حقيبتي الصغيرة ومحفظتي فأومات برأسي ارفض ذلك ،لكنني لم استطع مقاومة اصرارهم وفضولهمالبرد الشديد يلف غرفتي التي اجلس بها الان...كل شيئ صامت من حولي الا ما يعتمل في قلبي وذاكرتي .وحيد الا من ذكرياتي الجميلة وامالي الكبيرة واللامتناهية...وحدها صورة اطفالي وزوجتي العزيزة تدفع عني وحشة المكان وصمته المخيف والمريع في اطراف الغابة المجاورة وجدتني اجمع كومة من الحطب لاستدفئ به هذا المساء .فالجلوس قرب الموقد سيجعلني اسافر بعيدا واحلم كثيرا طالما ان هذا السفر لا يحتاج لمقابل ...سارحل الى الاقاصي دون ادني اعتبار للحدود التي رسمها الاستعمار الغاشم ..وسابحث في كل مكان عن زاوية أواري فيها الشقاء واعود اعود اليك طبعا يا قريتي الصغيرة فوحدك تمنحينني فرصة ادراك جوهر الانسان...مع رائحة تربتك الندية اصبح اكثر ممارسة للفطرة التي ولدت عليها...في القرية بعيدا عن زخم المدينة وضوضائها يمكنني ودون عناء ان اتحسس اداميتي واكون انسانا كما يجب ان اكون ما تزال الغيوم تغطي سمائنا .ستنهمر الامطار دون شك .وسيسيل الماء جداولا صغيرة في الازقة الضيقة...ستأوي الفراخ لأعشاشها لاتقاء المطر القادم .وساجلس قرب المدفأة لاكتب مذكراتي كعادتي وارتقب بزوغ فجر اكثر جمالا واكثر اشراقة كتب السياب في انشودة المطر فقال :مطر مطر ..أتعلمين اي حزن يبعث المطر ..وكيف تنشج المزاريب اذا انهمر ..وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ...وكتب جبران قبله ليمنح الناس الامل فقال :ولكن في قلب كل شتاء ربيعا يختلج ووراء كل ليل صبحا يبتسم اتصلت زوجتي قبل قليل وانا اكتب هذه الكلمات.وعوض ان اترك لها المجال لتطمئن عن سفري ،سبقتني جمل استفسر من خلالها عن حال الصغار .الجميع بالف خير .طاب يومكم جميعا اعشق بدر شاكر السياب الى حد لا يوصف .لقد كتب قصيدة لزوجته وهو بالخليج يصارع الموت بعيدا عنها فقال:رحل النهار..ما انه قد انطفأت ذبالته فوق افق توهج دون نار ..وجلست تنتظرين عودة السندباد من السفار ..والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود هو لن يعود..اوما علمت بأنه أسرته آلهة البحار ...في قلعة سوداء في جزر من الدم والمحار..هو لن يعود فلترحلي رحل النهار في هذه القرية حيث تنعدم الكهرباء ،يغب التلفاز والانترنت .وحده الجوال والمذياع وسيلتي ارتباطي بالعالم الخارجي...انها طريقة قديمة ومتجاوزة لكنها لا تزال ذات قيمة وسط هذه
الجبال الشامخة شموخ الشر في قلب القائمين على احوال الرعية في وطني العزيز..فحيث لا امل في محاولة زحزحة الجبال عن اماكنها كذلك الامرمع الفساد الذي يستشري طولا وعرضا في هذا البلد..هنا وطنه وسماؤه،وسيبقى هنا الى الابد وهذه اذن دعوة ضمنية لمن تبقى من الاوفياء هنا ليبحثوا لهم عن اوطان بديلة ...قد يوحي كلامي انني اعيش معاناة هنا ،لكن حتى وان اسلمنا ان الامر كذلك ،فسأبقى افتخر بهذه المعاناة امام السنوات المشرقة والقادمة بإذنه تعالى.فالتجربة لا تولد الا من رحم المعاناة.والصمود والصبر لا يتعلمهما المرء إلا بعد القهر والمشقة والعذاب.تماما كالابطال الذين يصنعون الامجاد لكن بعد عرق ومثابرة واجتهادقبل ان اغلق خط الهاتف مع زوجتي سألتني هل اشتقت الينا؟وكان جوابي أن الدليل ستجدونه في حرارة العناق القادم...لكن بعد أن أعود الحكاية الثانية: كأي انسان مفلس جلست الى المقهى المجاور للمنزل هذا الصباح.ولسبب ما وجدتني احدق في عيني النادل الذي يسعده قدومي كل يوم،لكن حظه سيكون متعثرا من دون شك.ما أقصى أنتكون سعادة النادل مرتبطة بما في جيبك..همست وكلي أمل ألا يسمعني أحد:أريد قهوة لكن ليس معي ثمنها الان ،سأسدد لك في المساء .وانصرف المسكين دون ان يتردد وعاد بعد لحظات ومعه قهوة وسجارة ايضا...هذه أول مرة ألج فيها المقهى وليس معي ثمن قهوتي الصباحة.وليس غريبا ان يلبي النادل طلبي فغالبا ما كنت أناوله درهما او اثنين اكراما لخدمته الجليلة.الحقيقة انني اشفق على هذه الطبقة من العمال.الناس تنظر اليهم بكثر من الحقارة وانا انظر اليهم بالكثير من الاحترام والرضى.. لقد جربت ذلك العمل الصيف الماضي ولازلت أتذكر كيف أعود منه قرابة منتصف الليل.كان التعب يأخذ مني مأخذه وكثيرا ما عجزت قدماي عن حمل جسدي ..الناس لا يقدرون هذا.أحيانا يطلب منك أحدهم أن تأتيه بقهوة ولما تحضرها يعود فيطلب منك في أحسن الأحوال بلطف أن تأتيه بكأس فارغة لأن أسنانه لا تتحمل السوائل الساخنة ثم يأمرك بعده بمشروب آخر أو أيشيئ المهم ان تبقى على اتصال دائم به...كم أكره هذا النوع من الزبناء الذين لا يعرفون حتى ما يريدون شربه..كنت ألعنهم في قرارة نفسي والواقع انني كنت ألعن حظي التعيس الذي رمى بي اليهم احتسيت قهوتي ممزوجة بالمرارة .توقفت سيارة زميلي فاسرعت والقيت بجسدي في المقعد الخلفي ،كنت ارى الاشجار تتوارى الى الخلف الواحدة بعد الاخرى،وفكرت كثيرا في هذه الحكاية التي لا حد لها..كل عام وأنا هكذا ترى إلى أين؟ لكن توقفنا أمام باب المدرسة خلصنيمن هذا الثقل الصباحي.قلت لزميلي انني لا أحمل ولو درهما واحدا وأنني سأسدد لك ثمن الرحلة في اليوم الموالي...لمحت الدموع في عينيه.لقد أوشك ان يبكي.انه يحب أن نسدد له ما علينا مباشرة بعد ان نزولنا.هكذا خلقه الله والطابع يغلب على التطبع كما يحكي التاريخ .لكنني لم
انتظر يوم الغد ابدا .فقد تدبرت له الثمن اربع ساعات من وصولنا وخلصته من كوابيس قد تفوت عنه النوم لليلة كاملة امامي سبورة سوداء وطاولات خشبية تصلح لكل شيئ إلا الجلوس .طاولات بمقاعد خشبية صلبة.مسطرة صفراء بطول متر واحد طباشير وغبار كثير..انني فعلا داخل حجرة الدرس .لا اعرف أي اسم اختار لها هل أسميها حجرة دراسية ام منزلي الفسيح في النهار يحتل الاطفال القاعة وبالليل يحتلها المعلم..لقد سألني ولدي الصغير مرارا اين تنام يا ابي ّ؟فاقول له بالحجرة التي ادرس بها كنت اقضي ليالي عندما يتعين علي المبيت بالقرية في منزل تركه الاستعمار الفرنسي.لا يزال ذلك الجحر يحمل اثار رصاصات المقاومين المغاربة .سبع رصاصات بالتحديد .لم يبق من المسكن غير اسمه وذكريات الغزاة الذين تناوبوا على كؤوس الخمر بين جدرانه...تستغل إحدى زميلاتي هذا الجحر منذ تسع سنوات.وقد سلمتني مفتاحه بعد حصولها على رخصة ولادة لمدة اربعة اشهر تقريبا .لكنها عندما استأنفت عملها طلبت مني ان اجمع أغراضي وأبحث لي عن سكن بديل.لم يكن أمامي بعد تعذر الحصول على سكن بالقرية غير أن قررت ان أنام مع الطباشير جنا الى جنب ،وهكذا خصصت لي زاوية بالحجرة الدراسية وضعت فيها امتعتي وقارورة غاز للانارةو أخرى للطبخ وبضع اوان تثير القشعريرة والاسى...على الأقل انا أسكن بقاعة واسعة ذات أربع نوافذ وليس بها جرذان ولا حشرات ،فأحد زملائي يسكن بدوره في غرفة مخصصة للمؤنة التي تقدمها الدولة لأطفال المدرسة .غرفة كدست بها أكياس من الدقيق والزيت والعدس والفاصوليا الفاسدة...يحكي الزميل أن الجرذان تتجول فوق جسده دون حياء كلما آوى الى فراشه.تتبول وتتبرز طوال الليل لذلك يخرج الأغطية كل يوم ليعرضها لاشعة الشمس أملا في التخلص من رائحتها .والواقع أنه لن ينجح أبدا إذ لا يوجد شيئ مقيت أكثر من رائحة بول الفئران أستطيع أن أقول الآن إن هذا يوم طويل .طويل وشاق جدا.لم أتصل بزوجتي التي تركتها بالمدينة .فقد نفذ اعتماد بطاقتي ورصيدي وليس معي فلس واحد .لا اعرف كيف كان يومها مع الصغار...كل ما أعرف هو أن قلبها معي وأن الحياة قد علمتها كيف تصنع من الشقاء سعادتها ومن الحزن فرحتها...كم اقدر هذه المرأة الصغيرة وأقدر حبها للحياة..تقول لي دائما يجب أن تبحث عن حل حقيقي وجذري .حل ماكر وذكي في آن واحد...ورغم أنها تعرف مسبقا إجابتي إلا أنها لا تزال تردد نفس السؤال الحكاية الثالثة: عندما توصلت باستدعاء لحضور لقاء ثقافي تعقده احدى الجمعيات بالعاصمة الاسبانية مدريد ،تساءلت اي رجل مهم اكون ليصلني هذا الاستدعاء.كانت الورقة بيضاء وهي خطاب شخصي الى القنصل الاسباني المقيم بالرباط يسألونه فيها ان يسلمني تأشرة المغادرة.حددت موعدا مع
القنصلية وسلمتهم ملفي مشفوعا بالعديد من الوثائق الشخصية التي طلبوها.لكن قبل ذلك كان علي ان أبيع دراجتي النارية التي اتنقل بها بين القرية والمدينة كي اتمكن من تسديد تكاليف تنقلاتي بين مختلف الادارات.ومثل اي انسان مستعجل قبلت ببيعها باقل مما تستحقه فعلا. وضعت تلك الاوراق المالية في جيبي وأبقيت يدي في حذر عليها مخافة ان تضيع مني فينهار كل شيئ.وعدت راجلا من السوق من دونها.وفي الطريق كنت أردد بيتا قديما من الشعر يقول: في ليلة قر يصطلي القوس ربها +++وأدرعه اللائي بها يتنبل انه بيت يناسب حالتي الان تماما.ومعناه انه في ليلة باردة قد لا يجد المحارب الذي لا يملك سوى قوسه وادرعه التي يتقي بها نبال اعدائه من وسيلة للتدفئة غير ان يحرق قوسه تلك وادرعه ليبقى اعزلا من دون سلاح .وهذا ما حدث لي الان بالضبطلقد بعت دراجتي وأصبح تنقلي الى المدرسة مرهونا بوسائل نقل في ملكية أصحابها .هذا لا يهم فقد أحصل على التأشرة وأغادر الى قارة اخرى وانسى حكاية المدرسة والطريق لكن هذا الحلم تبخر لتعود تلك الحكاية بإلحاح هذه المرة.لم احصل على التاشرة لسبب لا اعرفه.وبعت دراجتي لسبب أعرفه .اسبانيا ستضيق بي ربما هكذا فكر موظفو السفارة ربما او قرؤوا نواياي بطريقة ما فرفضوا طلبي وانا فعلا لم يكن في حسباني ان اعود ابدا...لا اعرف فيما كنت سأضرهم او أسيئ لبلدهم.؟؟؟ انا لست مجرما ولا لصا ولا متسولا ولا ارهابا ...انا ابحث عن لجوء اقتصادي صغير فحسب مثل جراد الصحراء الذي كان يغزو موريتانيا والمغرب قبل عهد قريب فأبادوه بشكل جماعي رشا بالمبيداتاقترب مني لص بالرباط وادركت انه يتربص بمحفظتي التي بيميني .لم يخجل رغم انني أومات اليه براسي اني فضحته .وقلت له متحديا ان ليس بها سوى اوراق ومسودات حزينة ليومياتدأبت على كتابتها .والأجدر به ان يسرق مبادئي ليأخذ الجميل منها ويترك السيئ ...لكن حتى لو استطاع فعل ذلك فقذ كان سيأخذ منها السيئ فقط ويترك الجميل ...شأنه في ذلك شأن باقي اللصوص الحكاية الرابعة: قال المدير يوما ليس معقولا ان تبيت بالقاعة الدراسية .وكذلك قال المفتش .وأجبت المدير وهل المعقول ان أبيت في العراء .وكذلك أجبت المفتش .صمت المدير وصمت المفتش.وأدركت ان كلاهما يعرف مسبقا انني لن اتنازل عن هذا الحق أبدا ...تستطيعان تسميته مخيما مؤقتا او استراحة إجبارية على ضفاف بحر الحياة الممتد الى ما لا نهاية عندما قررت ان اقبل بفكرة الهجرة وترك هذا الوطن في اقرب فرصة قد تبتسم لي...احسست كمن يتخذ اجمل قرار واقربه الى الحكمة .الذين اخترعوا عبارة المغرب اجمل بلد في العالم .كانوا في حالة سكر طافح.هكذا طالعني عنون عريض في احدى الصحف الوطنية .الذين
يقررون مصير ابناء هذا الوطن في البرلمان هم أميون في الغالب .وهم بالتاكيد أعظم الأاشرار واللصوص...لا يمكنك أبدا ان تحصل هنا على مقعد بالبرلمان قبل أن تعلق على ظهرك أنك أكبر لص في مدينتك ...لتكون برلمانيا يجب أن تدوس كرامة الآلاف من الناس وأن تسرق الآلاف وتغتصب حقوق جيرانك وإخوانك وأهلك وكل من يقع تحت مرمى بصرك وترابك ونفودك ...أنذاك سيصوت لك الجميع وسيدفعونك لبرلمان الأمة لتقرر مصيرهم الأسود سواء قلبك ومصيرك إن شاء اللهلماذا لا يفكرون في بناء منازل للمدرسين بجوار المدارس التي بنوها في كل قمة وسفح؟؟؟منزل بغرفة واحدة كيفما كان حجمها لتحفظ كرامتك على الاقل من بول الجرذان ورائحة الطباشير...وضحت بعدما تذكرت ان الكرامة هي اخر شيئ يعني المسؤولين عندنا ...الكرامة بالنسبة لهم هي ان تبقى ضعيفا ومهزوما كي لا تنافسهم على مقعدهم الوثير في البرلمان...الكرامة التي يريدونها هي ان لا تتحسن احوالك لكي لا تتوفر فرص تعليم جيد لابنائك ....يجب ان يبقى الجميع اميا ليحصلوا على تعويضات من صناديق الامم المتحدة ويحولونها بكل برودة دم الى حساباتهم الخاصةوفكرت ان اهاجر غير آسف إلا على شمس بلادي وليلها الطويل الهادئ..على البحر الممتد منطنجة الى الصحراء...على وجوه البائسين والمحرومين مثلي والذين لفرط حاجتهم يبدو منصبي كبيرا جدا في اعينهم سأسافر اليوم الى المدينة كما طلبت زوجتي قبل قليل عبر رسالة قصيرة ...سأعانق الصغيرينوأقبلهما ومع كل قبلة سأزرع فرحة ونبتة عمر جديدة في انتظار الربيع القادم لتزهر ...وسأنسى كل شيئ كالعادة ..سأنسى هذه التفاهات التي كتبتها قبل قليل وسأحلم بيوم جديد مشرق وضاحك الحكاية الخامسة: على رصيف نفس المقهى احسيت قهوتي الصباحية ..سددت ثمن قهوتي السابقة وابتسم النادل كعادته .نفس الطريق تنتظرني كل يوم.والأماني هي ذاتها التي تتراءى لي في اليقظة والمنام.في الليلة الماضية كنت في حوار مع أحد الاصدقاء في الخليج ،سألني عن أخباري فأجبته قائلا: لا جديد عندي .الأحلام هي نفسها يا عزيزي .وعندما سألته ماذا تفعل الان؟ أجاب انه يشرب الشاي مع احلامي .وكتبت له محذرا أن مذاقه سيصبح مرا .فرد أنه سيضيف إليه المزيد من قطع السكراستطيع الآن أن أرتاح من تعبي لأنه على الاقل يوجد من يقاسمك احلامك ولو من بعيد ...احيانا افكر انه لو غاب الامل لا نعدمت الحياة .لذلك أجر جسدي كل مساء وأفتح بريدي وأشرع في الحديث الى أصدقاء افتراضيين ...الحديث يجرنا الى الكلام في أمور عديدة ننساها جميعا بمجرد من نغلق الاميل ...كل يوم أتوصل الى قناعة مفادها ان الدردشة لن تفيد في شيئ يذكر. يجب أن أبحث عن حقيقي وماكر وواقعي كما قالت زوجتي ...تعرفت الى العديد من الناس من
مختلف بقاع العالم .أغلبهم للاسف يحمل قذارة ما في نفسه .قال لي احدهم يوما :يجب ان تصبحشيعيا وسأفتح عينيك على اوروبا بأكملها .والواقع أنه لو فتح عينيه لقرأ الإهانة التي صفعته بهاعندما قلت :إنني لا أفهم هل تبذل جهدا لتكون حقيرا أم هي موهبة فقط.؟؟؟ لكنه مثل أي مبشرلم ييأس من المحاوله وعاد ليقول :سأفتح عينيك على اوروبا باكملها .وعلقت كما يجب أن أعلق ساعتها وقلت :حتى لو استطعت أن تفتح عيني على عورة زوجتك فإني لن أفعل ...منذ ذلك الحين نسيت هذه الحكاية ونسيت معها ذاك الحقير ليس لدي شيئ لأخسره ولا لأربحه لذلك يجب أن أكون كما أريد أن أكون ...عندما أحس أناحدهم يدور حول فكرة تافهة أخبره ببساطة انني لست الصديق المناسب له .لكن هذا لن يمنعني من القول انني اكتسبت صداقات جيدة من خلال الأنترنت .رجال يقدرون جيدا كل كلمة يكتبونها .. .يحترمون اختفائهم الأبدي في نقطة ما من العالم .. .لذلك أحببت صدقهم وأخلاقهموكثيرا ما استطعت ان أأنس بالحيدث اليهم .فأنسى همومهم اذ يحكون همومهم ،ونرتب للقاء قد يحدث وقد لا يحدث الحكاية السادسة: اليوم قتل الصهاينة مائة وعشرة فلسطينيا بينهم اطفال هكذا ظلما وعدوانا.غارات وانقاض ودموع وصراخ ونحيب واصرار رائع على المقاومة .يقول نائب وزير دفاعهم ان الغارات لن تتوقف .ويعد الفلسطينين بالمحرقة .يبدو ان حساية اليهود للمحرقة تجعلهم دائما يفكرون في تصديرها لابناء غزة في تحد سافر للمجتمع الدولي،هذا ان وجد هذا المجتمع اصلا .. .العرب غاضون في نومهم العميق عملا بتوصية شاعرهم العظيم :ناموا فما فاز الا النوم .وهذا ما هم عليه فعلا .انهم نائمون...لا أدري أي سحر هذا الذي يكمم افواه المسؤولين عندنا من المحيط الى الخليج .وحدها مبادراتمحتشمة من السعودية ومصر .ما الذي تحتاجه حكوماتنا لتتحرك وتقول شيئا.؟ فيماذا ستنفع هذه الجحافل من الجنود الرابضين في ثكناتهم يأكلون لحم الجاموس ويقامرون بمرتباتهم؟؟ الجيوشالعربية لا تتحرك الا لقمع المظاهرات التي ينظمها مواطنوهم نصرة وتضامنا مع اطفال غزة و العراق...وفكرت ان هذا غير صحيح وقررت ان اخرج للشارع وأصرخ باعلى صوتي:فلسطين عربية انقذوها.لكنني تيقنت ان مصير صرختي لن يكون الا في مخفر الشرطة القريبجدا من بيتي فعدلت عن الفكرة...المسؤولون العرب لن يتحركوا حتى ولو وضع احدهم اصبعه وراء مؤخرتهم وقد يقبلوا بهذا الوضع عوض الوقوف والتنديد بهذا الظلم والعدوان ....امير بريطاني معتوه سئم حياة البذخ في لندن وقرر الا نضمام لقوات بلاده في افغانستان لمقاتلة الاعداء ،وإذا خرج سالما منها فإنه ينوي الالتحاق بقوات بلاده في العراق لنفس المهمة ايضا. بعده لا اعرف ماذا سيقدم عليه هذا الشاب المغرور.؟ الغرب يعرف جيدا ان سلوك وزرائه ومسؤوليه المتقدمين في السن لم يعد يستفزنا فقرروا تمرير استفزازهم عن طريق هذا الشاب
الامير.؟ لكنهم لن ينجحوا ابدا في إثارة غيضنا .نحن امة لا يمكن استفزازها .فافعلوا ما شئتم واقتلوا من شئتم واحرقوا انى شئتم .نحن دواجن لا تصلح سوى للطاعة.هذه هي الاجابة التي تقدمها حكوماتنا للغرب مع الاسف....لا أحد استطاع يوما ان يتنازل عن كبريائه ويتقدم برجله نازلا من عرشه ويحمل لافتة منددة ويرتدي قميصا عاديا مثل الاخرين...لا أعرف ماذا سيكلفه هذا؟ثم اهتديت لفكرة وانا اطرح السؤال مفادها انهم لا يملكون الوطنية الحقيقية التي نملكها كأناس عاديين لذلك لا ترق قراراتهم لمستوى تطلعات شعوبهم ولن يحدث هذا ابدا... الهزيمة قدرنا كعرب..تتناقل القنوات التلفزية صور الجثث وهي تتفحم فتتكرس الهزيمة والانكسار .لعنة العروبة تطاردنا اينما كنا حتى في بيوتنا لا اكاد اسمع خبر اعتقال جماعة ارهابية او مخربة أو لصوص أو مجرمين إلا فيهم مغاربة وعرب ..هكذا هي صورتنا جميعا في مدارسهم وفي أذهان ناشئتهم لذلك يحاربوننا دونما يأس أو هوادة... هزيمة أخرى أتجرعها في اليوم الاخير من كل شهر منذ تسع سنوات متتالية ...اليوم تقاضيت مرتبي الهزيل .سددت ايجار المنزل والكهرباء وبعضا من ديوني للبقال والملبنة ولم يبق معي ولو درهم واحد .لكن بقي لي الوقت الكافي لأفكر كيف سنعيش الثلاثين يوما القادمة...نظرت الى زوجتي فوجدتها تضحك ملء صدرها .ضحكت كثيرا كما لو ان الامر عادي جدا فشاركتها الضحك .انه فعلا شيئ يتكرر إثنا عشر مرة في السنة لذلك لا يبدو الامر جديدا...سأمنحك الدفء والدعاء الكافيء طيلة الايام المقبلة فلا تفكر في شيئ علقت زوجتي ...أرعبتني شجاعتها وكادت تخونني دموع بسبب صبرها وتوجهت اليها قائلا :لقد جربت كل الحلول الرجالية وأريد حلا نسويا مجديا .عودي إلى ذاتك العميقة كامرأة وفكري في حل لا يمتلكالرجال الطاقة الكافية للاهتداء اليه...النساء يا عزيزتي غالبا ما قدمن للرجال حلولا ذكية جدا.... فأمسكت بيدي وألقتني على السرير بجانبها وقالت :سأعطيك الآن ساعة تنسيك كل الذي نحن فيه.فأمسكت بيدي وألقتني على السرير بجانبها،لكن طرقا لعينا على الباب أخرجنا مما نحن فيه... الحكاية السابعة: لا شيئ يكسر صمت هذا الليل الطويل بهذه القاعة الواسعة غير نباح كلاب بساحة المدرسة.كلاب جائعة لا تفارق الساحة بحثا عن كسرة خبز قد يكون رنين الجرس دفع بأحد التلاميذ للتخلص منها في زاوية ما قبل ان ينتهي من تناولها ...للخبز علاقة حميمية مع التلاميذ عندنا.؟فكلما أعلن عن الاستراحة رأيتهم مغتبطين إذ يخرجون من محافظهم قطعا كبيرة منالخبز الحافي .يعانقونه بشدة ويجرون للساحة لإزدرائه...كم يمزقني هذا المشهد الذي يكرس لي
يوما بعد آخر أننا ننتمي فعلا لعصر لم يعد يذكر سوى في كتب التاريخ القديمة ...طفل يعانق بحرارة وبحب خبزا يابسا يستجديه أصدقاؤه ليعطيهم كسرة منه فيرفض هذا الاخير ويشعر بنشوة غريبة وعظيمة...هنا تتحدد الصداقات بين الاطفال وتظهر العداوات منذ الصغر لسبب واحد هو الجوع مع احترامي الشديد لهذا الوباء...الكلاب تواصل نباحها.يبدو أنها لم تظفر بشيئ يسد جوعها هي الاخرى .لكنها نجحت في جعلي أتسائل :إلى أي عالم انتمي أنا بالضبط. عندما فكروا في بناء سور لهذه المدرسة تعاملوا مع الوطن ومع أنفسهم بكثير من الغباءوالاهانة...لا أفهم الحكمة في ان يبنى سور ناقص للمدرسة.جزء مبني منذ سنوات والاخر معلق الى ما لا يعلم الا الله .هكذا تفقد فلسفة الحرمة والوقاية والسياج مصداقيتها .وهكذا تختلط الكلاب بالتلاميذ في الساحة كل يوم.كلاب بمختلف الاعمار والألوان والاحجام والعاهات... الحمير ايضا تتجول في الساحة ليلا ونهارا....الحمير وحدها جعلتنا نقتنع أخيرا أنه من الحماقة محاولة التفكير مجددا في غرس الورود والازهار ككل مدارس العالم...ففي كل مرة نقيم حفلة صغيرة بمناسبة إنشائنا لبستان داخل المدرسة يأتي حمار جائع فيقرر ان حاجته لتلك النباتات اكبر من حاجة المدرسة لها،فيأتي على الاخضر واليابس ولا يترك لنا سوى الحسرة ...الحمار لا يحتاج لشيئ في تنفيذ قراراته سوى لأسنانه وهي قوية وصلبة بما فيه الكفاية ...الابقار ايضا تتجول جنبا الى جنب مع غيرها من الحيوانات والأطفال والمعلمين والحارس الذي لا يستطيع مقاومة هذا المد الحيواني المخيف...لا تعني هذه الصور بالنسبة لي غير الهزيمة والضياع وكثيرا من الحيرة والقلق... الحكاية الثامنة: ذات ليلة خميس من شهر مارس الجاري.كتل من الظلام القاتم تجشم على القرية وجبالها الشامخة .وحده مصباح غازي يجود بضوء كاف لأبصر هذه الوراق امامي...الظلام يبعث فيك حزن العالم بأكمله.؟؟؟ وصرصار بالخارج يواصل عزفه وغناءه دون كسل ولا انقطاع.أحيانا أكف عن الحركة لأسمع أنينه جيدا..وفكرت في السبب الذي يدفعه للصفير كل مساء مباشرة بعد غروب الشمس .ربما ليأنس بنفسه ويدفع عنه وحشة المكان .وربما أيضا ليجعلك تعيش وتتجرع انتمائك للعالم الثالث رغما عنك في هذه القرية البعيدة عن الحضارة...الصرصار لا يزال منهمكا في صفيره المخيف ،وكلمات ذاك الوضيع لا تزال تتردد في دواخلي رغم اني جربت نسيانها دون جدوى...كان يحدثني بلغة الرجل العاقل الامر الناهي.إنه يدرك فعلا أن سلطته علي أكبر بكثر من ان احاول ابداء رأيي.لذلك سولت له نفسه ان يقول كلمات لم يكن ليمتلك القدرة على التلفظ بها لولا انني ميدن له...هكذا عنما تقبل أن تكون مدينا لاحدهمبشيئ مهما كانت قيمته فإنك تقبل بأن يمارس سلطة ما عليك...السلطة هنا تختلف من دائن لآخر
،وقد يكون حظك مع دائن مريض مثلي فتكون الاهانة تحية يلاقيك بها كلما التقيته او ارسل في طلبك... جمال هذا صاحب دكان اتعامل معه اكثر من اثنا عشر سنة...انه يعرف سلوكي واخلاقي جيدا اكثر مما اعرف عنه...يصغرني بست سنوات وهو يعرف انه ليس مضطرا ليطالبني بامواله لانني اسددها له عندما يكون ذلك ممكنا .لا انتظر حتى يطلب مني ذلك اعرف واجباتي جيداتجاه الاخرين .لذلك كلما تجمع لدي مبلغ ما أسرع فأقدمه له وأشكره شكرا جزيلا .شكر نابع منقلبي فعلا وليس مجرد كلمات جافة .اعترف انه صبر أكثر مما يجب لكن لا املك حلا في الوقت الحالي .ما يؤلمني انه يعرف اخلاقي جيدا لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة سلطته كدائن فطلب مني بكثير من الاهانة والاحتقار أن أسدد ما علي من ديون... سأسددها لك يأخي عندما أستطيع.أنا املك رغبة في أن اعطيك أكثر من رغبتك في أن تأخذ،فامنحني بعض الوقت فقط...قلت هذه الجملة بنبرة صادقة اقرب الى الشفقة والبكاء.لكن ذلك لم يزده الا اصرارا على توجيه المزيد من الاهانة والاحتقار... عندما حملتني ارجلي لابتعد بضع خطوات عنه،مرت أمام أعيني ملايين الصور وكثر من الاسئلة الجارحة،ودموع حجبها ظلام القرية من يراها الاخرون...كانت الطريق طويلة الى هذا البيت حيث قادتني ارجلي مباشرة بعدما غادرت محله التجاري .لا أذكر إن التقيت بأحد على الطريق ولا إن كنت ارد التحايا على اصحابها...؟.شعرت برغبة جارفة لاكتب شيئ ما.الكتابة وسيلتي الوحيدة التي ارتاح بها من تعبي...الكتابة بالنسبة لي انتصار لذاتي الضعيفة عن ذاتي الاضعف...أحضرت شايا ومنفضة سجائر وجلست الى مكتبي اكتب تارة وارهف السمع تارة اخرى لنشيد صرصار بجانب القاعة...نشيد يمزقني فعلا الى قطع صغيرة اتمنى لو ان رياح رحمة هبت فحملتها الى ارض غير هذه الارض وزمن اخر غير هذا الزمن ...لا يوجد شيئ مقيت اشد من العجز انا فعلا اتمنى ان اسدد ديوني لجمال وغير جمال على الاقل لاتحرر من هذا الكابوس الجاثم على صدري.لكن مشكلتي انني عاجز عن ذلك في الوقت الحالي لانني لا اتقاضى سوى ثلث مرتبي وهو غير كاف مهما اقتصدت في المعيشة...هذه امور يعرفها جمال جيدا مثلما اعرف انه ليس في أمس الحاجة لامواله على الاقل في هذا الوقت لكي يطالبني بها على هذا النحو المتسرع.... افهم من نشيد الصرصار أن هذه التفاهات لن تفيدني في شيئ...لن تنفع السطور الطويلة ولاالسهر ولا الاسف...الرجل يريد رزقه وعلي ان اتدبره له بأي وجه كان.البنك لن يعطيني قرضا لانه مطالب بالتقيد بقانون يمنعه من اقراض الموظف الذي نزل مرتبه الى سقف الالف درهم...لو كنت املك شيئا لبعته العام الماضي وليس اليوم...لكنني في المقابل أملك ايمانا عميقا بأن اليسر لتا يأتي الا بعد العسر....أمتلك تجربة جديرة بالاحترام في الصبر والتجلد...املك دعاء زوجتي الغالية ونظرتا طفلايا البريئتين... اتصلت بزوجتي هذا المساء ،الصغيرة لا تزال مصابة بنزلة بارد لعينة حادة .اوصيتها ان
تعطيها الدواء بانتظام .يبدو ان حالتها تتحسن من يوم لاخر ...عندما اكون بعيدا عنهم استرجع اللحظات الاخيرة التي جمعتنا...ورغم اني بعيد عنهم الان الا اني استطيع ان ارى الصغير ةوهي في حضن والدتها تبتسم بكرم طفولي فتمنحك الرغبة في الحياة .رغبة يحاول الزمن اللعين اغتيالها فيمنحك الصغار اياها في تحد سافر للزمن...ما أجمل هذا العطاء المتبادل...عطاء ليس سوى مجرد نظرات وابتسامات لكنها تساوي الشيئ الكثـــيـــــــــــــــــــــر.... اعترف انني اتحمل المسؤولية التامة في كل ما آلت اليه اوضاعي .مرت الاحداث بسرعةخاطفة لم اقو معها على تقدير ما كنت أقدم عليه فعلا...وأنا الان اسدد ثمن تلك الحماقات ويجب ان اصبر الى حين هدوء العاصفة.لكن للحياة اكراهات أكبر من تطاق. قبل اثنا عشر سنة تقريبا قبلت بوضع نهاية حزينة لمستقبلي الذي كان سيكون لامعا...فكنت اقترض من البنك وأخسر ذلك ارضاء لنزواتي.وعندما ينفذ مني المال أعود للبنك بكل سذاجة فأقتني دينا آخر وهكذا الى أن وصلت إلى ما وصلت إليه...لا أعرف أين كنت اخسر كل ذلك في زمن وجيز.؟؟؟ كأنما يد تسرقه مني ،والواقع أن تلك اليد لم تكن سوى طريقا اخترت ان اسير عليها فكنت اعاشر النساء في كل مكان .كل مرة اجدني مع امرأة جديدة...كنت عازبا وصغير السن ومعجبا بنفسي .الان كبرت وعلي أن تحمل نتائج اخطائي..أخطاء قاتلة فعلا تزوجت بعدها وأرغمت زوجتي وصغيراي على مقاسمتي كل النتائج والعذابات... الان اصبحت ناضجا اكثر وكل يوم اتعلم درسا جديدا...أقلعت عن مثل تلك الحماقات منذ زمنبعيد ..ما احتاجه فعلا اليوم هو الصبر والصبر سلاح ذكي وغال جدا...من رزقه الله الصبر فقد اعطاه اغلى زاد وأذكى سلاح...سأنتظر خمس سنوات لانتهي من تسديد آخر ديوني للبنك، وسأتقاضى أجرتي كاملة ،ما أبعد ذلك اليوم يا إلهي ...سأخطط لحياة مستقبلية رائعة وسأخد اسرتي الصغيرة الى مكان بعيد لنغتسل من ماض لم نربح منه سوى التجربة ،وهي وإن كانت قاسية جدا في تفاصيلها إلا انها تعتبر تاجا سنعلقه بكل فخر واعتزار على رؤوسنا ...المعاناة علمتنا وأجبرتنا على التلاحم وعلى المزيد من الحب المتبادل وهذا هو الأهم... الحكاية التاسعة: ليلة الرابع عشر من مارس ...نفس البلدة ونفس المكان.أجلس الان الى مكتبي بالقاعة الدراسية...الحرارة مفرطة لا تطاق في الايام الاولى لربيع هذا العام...تفتحت كل وردة وكل زهرة معلنة بداية فصل الحبالجميل.الإعتدال الربيعي يمنح فرصة تساوي ساعات النهار والليل...إنها ايام جميلة فعلا،فقد بدأ كاهلنا يستريح من ثقل ملابسنا الشتوية وبدأ السهر يأخذنا إالى ساعات متأخرة من الليل... مكثت بالقرية يومين كاملين.اصطحبت معي ولدي ذي الست أعوام منذ صباح يوم أمس ولن نسافر إلا في ظهيرة يوم الغد ان شاء الله...الصغير كان يملأ المكان قبل قليل بمرحه الطفولي...كسر كل الطباشير وبعثر كل شيئ هنا بالقاعة.منذ أن وصل وهو يحاول الإكتشاف .كان أول
شيئ سألني عنه هو السرير حيث سننام.أشرت إلى ست طاولات جمعتها في زاوية من القاعة على شكل منصة وقلت هذا هو السرير .نظر إلي ولم يعلق لكنه رسم ابتسامة رضى على شفتيه....هذه امور تسعد الصغار.لم يترك شيئا إلا وزحزحه عن مكانه....هكذا هم كل اطفالالعالم.حتى الاشياء التي قد لا تثير انتباهنا تعتبر بالنسبة لهم جديرة بالملاحظة واللمس والدراسة وكم هائل من الاسئلة...أسعدني تواجده معي كثيرا.لكن النوم حمله قبل قليل الى عالمه الخاص...عالم وردي لا يعرف الحدود ولا المستحيل...كان يمرح هنا قبل قليل ،والآن انظر اليه ممدا فوق الطاولات بقميصه الاحمر..إنها لحظات لن انساها ابدا.كنا نتناول عشاءنا عندما سألني :لماذا يصفر الصرصار هكذا يا أبي ؟قلت :لكي يخيف الناس فلا يقتربوا من بيته وأطفاله .وهل له بيت وأطفال؟ نعم مثلي انا وانت واختك وأمك...وهل تصفر انت ايضا يا أبي؟ أنا لست صرصارا يا حبيبي ،تناول عشائك لتغتسل وتستعد للنوم... قبل أسابيع توددت لها أن تبيع خاتمها الذهبي الوحيد الذي تضعه في أصبعها لكي نتمكن من تجاوز محنة مرض الصغيرة.لم تبد أي اعتراض كعادتها.الصغار أغلى من كل شيئ .لكنني شعرت بالمرارة والعجز وحاولت ألا أظهر ذلك .عندما تسلمنا ثمنه التفتت إلي زوجتي وقالت مازحة:الزوج عندما يشتري ذهبا لزوجته يطلب منها تلك الليلة كل شيئ .؟؟ قلت نعم ولا يمكن ان ترد له طلبا .وأردفت:لكن الزوجة ايضا عندما تبيع شيئا خاصا بها وتعطيه لزوجها تطلب هي الاخرى منه أي شيئ .قلت :وما طلبك الليلة يا عزيزتي؟؟ قالت مازحة :ألا أراك ثانية... ضحكنا كثيرا .اشترينا دواء وفواكها وشربنا قهوة قبل أن نعود لعشنا الدافئ والوديع...الان اعترف أنني أغترف قوتي منها ولا شيئ دونها .حتى في اللحظات القاسية تتمالك اعصابها وتظهر قوة صبرها وتحملها.وقد آن الأوان لأعترف بهذا...لم أكن لأواصل حياتي لولا وقوفها بجانبي بكل الوفاء والحب والاخلاص لي ولبيتها...هذا يمنحني عزاء كبيرا وأفضلية ساحقة أمام زملائي ومعارفي .الكثير يحسدني على هذه النعمة لذلك اتمنى ان تتغير الأحوال لأحقق لها نصف ما تستحقه امرأة من حجمها وبمثل صبرها وسعة صدرها... ...نم يا صغيري قرير العين فوق الطاولات...غدا ستجد ذراع والدتك دافئا كعادته...سآتي بعد قليل لأتممد بجوارك ...سأتحسس جسدك ليلا لأعيد الغطاء فوق جسدك...فلا تخش البرد ولاالأشباح...يجب أن تتعلم الصلابة والتأقلم...فإذا استطعت أن امنحك الصلابة والصبر فسأكون قد قدمت لك أغلى هدية...ستكبر بعدها وستعرف فعلا أنها أغلى هدية **************************************************
الحكاية العاشرة:عندما رأيتها غارقة في صمتها الأبدي حاولت أن أخمن فيماذا يفكر شخص شارد؟؟..ولم أتوصل لإجابة شافية... كانت تنظر إلي بفم نصف مفتوح،عيناها شاخصتان في وجهي كأنما تطرحان سؤالا خفيا أي قدر هذا الذي نعيشه يا عزيزي؟دنوت منها قبلتها وودعتها وكان هذا كل شيء... إن استسلام زوجتي المؤلم للواقع هو الفعل الوحيد الذي يقف وراء ألمي المستمر.لا شيء ينسيني هذا غير الظلام الليلي الذي يساعدني في إمكانية خلق سراب ما...الضياع يملي علي أن أفتش عن وهم ينجينا جميعا.لكن كل محاولة كانت تفضي بي الى المزيد من المرارة والضحك أحيانا... عندما لا تجد حلا آنيا لمشكل ما قد تأخذك نوبة ضحك مزور.الضحك هنا ليس أداة للتعبير عن الغبطة والفرح.إنه شيئ أعمق وأبلغ من كل هذا...هو سخرية ،هو عصيان ،هو ثورة ،وهو انتصار أيضا...إنتصار لأسرة سعيدة تصر على العيش رغم الموت القادم قبل أوانه... عندما أعيد قراءة هذه الثرثرة أدرك أني أتجنى على المزاج الهادئ للقارئ.وقلت إن هذا غير لائق دائما .يجب أن أكتب شيئا يبعث الإنشراح في الصدر أكثر من الشقاء والبؤس.الناس لا تحب المعاناة هكذا ناقشت هذه الحقيقة بيني وبيني...لكن كل هروب من هذا كان يفضي بي إلى شيء أشد قتامة من هذا...لو كنت أعيش فرحا لكتبته،أكتب ما أمارسه يوميا فقط.لا أستطيع أن أمنح شيئا ليس بيدي ،ففاقد الشيء لا يعطيه... قبل ثلاثة أيام كنا قد أفقنا على الصفر في جيوبنا،جلسنا نفكر في أي شيئ نستطيع بيعه في السوق دون أن يؤثر ذلك على الهندسة الجميلة لبيتنا.يجب أن نبيع شيئا لا محالة لكن يجب ألا تكون حاجتنا اليومية إليه أكثر من قيمته المادية.قالت فاطمة:إبتعد عن التلفاز وبع ما شئت.لا تزال تردد على مسامعي كل يوم حكاية خاتمها الذي افتقدته .غفرت لك كل شيئ إلا هذا...لا أعرف أي علاقة تربط النساء بالذهب .ماذا يمثل لهن وما الذي يضفيه عليهن.؟؟ لكني وعدتها أن أشتري لها أكبر خاتم ذهبي لكن في زمن غير هذا اليوم... أخيرا إهتديت إلى أن نبيع صنارة زرقاء جميلة.صنارة إستقدمها لي أخي بعد إلحاح شديد ذات صيف قريب...نحن لا نحتاج صنارة في الوقت الراهن على الأقل .ثم إنه لا يوجد سمك هذهالأيام في بحيرة \"ضاية الرومي\" القريبة من المدينة.خرجت إليها الشهر الماضي ورجعت بخفيحنين.لكن الصيد يعلم الإنسان الصبر والتجلد والإنتظار .ما أجمل هذه الكلمة .هناك بعض الناسلا يمارسون أية هواية غير الإنتظار .إذا بعت صنارتي سأفتقدها كثيرا دون شك لكن هناك أشياء يجب أن نشتريها اليوم أهم منها....وهكذا أخرجتها من الدولاب ولمعتها جيدا مثل أي بائع ماكر وخرجت بها إلى وسط المدينة وأنا أقرأ الدعاء... الكثير من الناس سألتني عن ثمنها...كنت أطلب ثمنا لا بأس به ولهذا لم يشترها أحد لحد الآن.أحمد الله أنه لا يزال بإمكاني ممارسة هوايتي .في المساء دلفت إلى بيتنا.كان دافئا وآمنا
كعادته..كانت الصغيرة تملؤه بفرح طفولي عارم لا أجد نظيره إلا لما أكون هنا أمام عيونها...لم تسألني فاطمة رحمة بأعصابي التي أحرقها الناس وهم يسألونني عن الثمن دون أن يتشجع أحدهم على الأقل فيقترح مبلغا قابلا للتفاوض .شربنا قهوة وخرجت لنادي النت القريب من منزلي... \"الخميسات\" مدينة مقتولة إقتصاديا.أحب استعمال هذه الصيغة دون غيرها...رأيت باعة يعرضون سلعا مستعملة رخيصة ولا أحد يرغب في شرائها وإن كان كل من رآها تمنى لو تمكن من أخذها الى منزله.لذلك يعمد هؤولاء الباعة إلى طريقة يائسة لنسيان كسادهم التجاري.فصاحب الأحذية المستعملة يشتري من البائع المجاور سلعته برأس مالها ويبادله في ذلك بحذاء برأس ماله .إختفت الضريبة والربح إذن.وهكذا يبيعون لبعضهم البعض بينما يمثل المارون دور زوار المعرض .ينظرون ويتأملون ويتحسرون ويستفسرون ويدققون ولا يدخلون أبدا أيديهم في جيوبهم لشراء شيئ ما .كل شيئ هنا تافه من الإنسان إلى سلعته .هذا لا يهم. كنت أراقب هذا المشهد الدرامي من وراء سلعتي.تمنيت كثيرا ألا يمر أحد يعرفني .أنا معلم متنكر في زي بائع ظرفي .لو بعت صنارتي لأطلقت ساقاي للريح ولاختفيت في أزقة المدينة ومعها ستختفي قصتي لكن لن تختفي أبدا قضيتي...تدخل أخي الأكبر بعد حديث معه على المسنجر.حكيت له المشهد بأسلوب ساخر.أرسل لي مبلغا كان كافيا لنعيش به الخمسة عشر يوما القادمة.كانت إلتفاتة جميلة وطيبة وواجبا يؤديه الإخوة عادة تجاه إخوانهم.هذا يجعلني أفتخر بأواصر العلاقة التي تجمعنا كإخوة وأخوات.كل شيئ متماسك ومتين وليبحث الشيطان له عن ثنايا أخرى بعيدا عن أضلعنا... أحيانا وعندما أحتاج للمال أقترضه من أصدقائي.أغلب أصدقائي عاطلين عن العمل.لا أحب صداقة الموظفين.يتعاملون بالرسميات لكأنما هم من يمسك السماء علينا ويمنعونها من الوقوع على رؤوسنا.أحب صداقة الفقراء والمعطلين فمعهما تصل الأخلاق إلى ذروة روعتها ونقائها وسموها .هنالك دائما عطاء متبادل بيننا .عطاء لا يحتاج لشيء ملموس بقدر ما يحتاج لنقاء سريرة النفس والرغبة في السماح للابتسامة والكلمة الطيبة كي تسيل على الشفاه .هذا هو الأهم.... في المغرب لن تستطيع أبدا خلق أية علاقات إلا مع الطبقة التي تنتمي لها.هذا قانون وضعيسنه مجتمع أمي جاهل.مجتمع يؤمن بكفة الميزان الإجتماعي والرصيد أكثر من إيمانه بموازين الخلق والأخلاق...إذا كنت فقيرا إذن فلن تكون صديقا سوى للفقراء،وإذا كنت غنيا تستطيع أن تكون صديقا للملك...الواقع أني لا أملك صديقا بالمعنى النبيل للكلمة.أعرف مسبقا أني لن أنجح لذلك لن أخوض حربا أعرف مسبقا أني سأكون الخاسر فيها.أو تحديدا لأني أعرف سلفا نتائجها.الصديق ليس هو الذي تعطيه لتأخذ منه أو تأخذ منه لأنك تعطيه.الصديق يسبق هذا بكثير..أشددكثيرا على كلمة \"السبق\"...الصديق في اعتقادي هو ذاك الذي لا تجد في نفسك حرجا لتفضي له بمكنونات صدرك.بل هناك شيء مهم يسبق هذا أيضا الصديق هو ذاك الذي تحس في أعماقك
بنداء ورغبة مطلقة لتحكي له لواعجك وهمومك....فالرغبة هنا تسبق الحرج.وهكذا يغيب فعلالأخذ أو العطاء.هذا الفعل التافة أو الثانوي على الأصح يذوب ويتبخر أمام نبل وشرف وطهارة النية الكبرى...صحيح أنه يمكن أن يكون هناك أخذ وعطاء لكن لا يجب بأية حال من الأحوال أن يكون هو الغاية الأولى والأخيرة... لأجل هذا لازلت متمسكا بعزوفي وغربتي.لكني مرتاح جدا في هذا.الإنعزال عبادة كما قال ليأحدهم ذات زمن بعيد.وكبرت فتيقنت أن هذه الحكمة -التي صدرت على لسان رجل مسن لم يلج المدرسة يوما – لا تزال سارية المفعول وقابلة للإعتنــــــــــــــــــــــاق.... الحكاية 11 إمتداد بشري لا متناهي يذرع الشارع هذا الصباح .كل يحمل في دواخله عالما خاصا وأمنيات لا يتحقق منها سوى أن أصحابها يتعلمون يوما بعد يوم كيف يغذون الأمل بالأمل...فتيات بعمر الزهور وشباب يبتسم بسخاء وهم يدفعون بأجسادهم إلى مدرستهم الثانوية القريبة من منزلي. اقف على الرصيف منتظرا سيارة ستقلني إلى عملي.أرمق خطوات هذه الأعداد الغفيرة التي تسرع لتلج المؤسسة في الوقت المحدد،.وتساءلت بيني وبين نفسي :أي مستقبل ينتظركم يا أحبتي.؟ ..لم يسمع أحد سؤالي سوى نفسي التي أعتبرها شاهدا لما حدث وسيحدث..مئاتالفتيات والفتيان سيلجون الثانوية بعد قليل وسيغادرونها في انتظار العودة إليها مجددا .كل منهميحمل صورة لما سيكون عليه في المستقبل .لكن لا أحد منهم يتمنى أن يجد نفسه يوما مرميا إلى الشارع دونما عمل ولا أسرة ولا مستقبل...عندما كنت أدرس في الثانوية ،كان همي الوحيد هو أن أنجح في نهاية السنة الدراسية .فالرسوب معناه أن أحرم من حق المبيت والفطور والعشاء في دور الداخلية التي كنت أحد نزلائها. الرسوب لا يخول لي سوى الحق في وجبة الغذاء .ستفقد سريرك بالداخلية تقول والدتي وستأتي للقرية لترعى الغنم عند الآخرين.كان ذكر الرعي على لسان والدتي كافيا لتشحن همتي .لا أتمنى أن أجد نفسي يوما راعيا للغنم أو الماعز.لذلك كنت أعود للدراسة وأحصد نقطا جيدة ولم أرسب أبدا طوال السبع سنوات التي قضيتها بالداخلية إلى أن ربحت شهادة الباكالوريا ...كنت أحظى باحترام أساتذتي وتقديرهم وعلى عطفهم أيضا.لم يسبق أن حدث ما ينغص هذه العلاقةالجميلة.شخصيتي التي لا تميل للشغب ولا لإثارة الفوضى هي التي منحتني هذا الامتياز .العديد من أصدقائي غادروا الدراسة عن سن مبكرة لأنهم كانوا ميالين لإثارة المشاكل مع أساتذتهم فاختاروا أن يكونوا هم الضحايا .ما أصعب القررات التي يمكنك أن تتخذها في حقك خصوصا عندما تكون صغيرا .ليس بمقدورك تصور النتائج .ما يهم الطفل في تلك المرحلة هو أن يعيش اللحظة كما أراد أن يعيشها... تمر هذه السنوات الأن أمامي فأكاد أتذكر كل ألوان الحرمان الذي كنا نعانيه ونحن نزلاء بدور الداخلية في ضيافة الوطن .أو على الأرجح في ضيافة أناس أؤتمنوا من طرف الوطن على
حياتنا .وقد أدوا أمانتهم كما يجب أن يكون.فكانوا يسرقون منا الزيت والخضر والخبز والنصف الأكبر من الإعتمادات المالية المخصصة لنا .ويقدمون لنا مربى أسودا فاسدا وأرخص زبدة في العالم وكثيرا من الإهانة ...ما أقسى ما عانيناه في تلك السنوات .كنا قرابة ثلاث مائة شاب وشابة ولم يكن يفرق بيننا سوى المبيت.إذ خصص جناحان أحدهما للذكور والآخر للإناث،وما عدا ذلك فقد كنا مختلطين في كل شيئ ...تحدث من حين لآخر حادثة اغتصاب لفتاة فيكونمصير الفاعل السجن والطرد النهائي ويكون مصير الشهود الضرب المبرح بالعصي دون تمييز أي قطعة من جسده.كنت قد بلغت السن الحادية عشر أنذاك ولا تزال العديد من الأحداث المروعة ماثلة أمام عيني وكأن ذلك يحدث الأن... أخيرا تمكنت من الحصول على رقم هاتفي لإحدى صديقاتي التي كانت نزيلة معنا في ذلك المعسكر المدني.أسميه معسكرا لأنه لا شيئ فيه يختلف عن حياة المعسكرات سوى أننا لمنتدرب فيه على حمل السلاح...كنانستيقظ فجرا لنراجع دروسنا ولا ننام إلا قرابة الساعة الحادية عشر ليلا مع العلم أننا كنا صغارا جدا.كل من تأخر دقيقة في الاستيقاظ والإنضباط يكون مصيره الضرب الذي يفوق طاقة التحمل أضعافا وأضعافا...كانت هنالك اشجار بجانب الجناح المخصص للمبيت.أشجار هشة تتدلى أغصانها إلى الأرض،وقبل أن يصعد الحارس العام إلى جناحنا كان يمر ليقطع خمسة عصي على الأقل منها..رأيته مرارا يرفع الغطاء عن جسد أحد الأطفال النائمين فيضربه بتلك العصى إلى أن تتكسر جميعها...يا لها من صور مرعبة لن انساها أبدا ..لن أنساها ابدا. في أول اتصال لي ب \"خديجة\" لم تصدق اني أتحدث اليها.عرفت أني تزوجت ولي طفلين وعرفت أنها لم تتزوج وقد بلغت الخامسة والثلاثين من عمرها.أنهت دراستها الجامعية وعادت بشهادة وضعتها في ركن ما من بيت والدتها وبقيت بجانبها في قرية \"تيداس \" البعيدة ستين كيلومترا عن مدينة الخميسات.لا تزال المسكينة تبكي بحرقة حظها العاثر .حظ لم يسعفها على الأقل في الحصول على وظيفة تحفظ كرامتها أو أطفال تأنس إليهم وتداعبهم مثل الآخرين.ذكرتني بأناشيد ثورية كنا نرددها كلما شجعنا أحد الأساتذة لنقوم بإضراب عن الطعام احتجاجا على أوضاعنا المزرية في الداخلية.تذكرنا هذا بكثير من الحزن والاسى ...تذكرنا الحارس العام الأسود الذي لم نكن نراه في الظلام إلى أن ينهال علينا بالعصي التي لا تفارق يديه...إلتقيته الصيف قبل الماضي ،لا يزال يحمل نفس الملامح القاسية .سحنته تنذر أن الرجل غير مستعد سوى للجدية والقمع .هكذا تستطيع أنت بدورك أن تأخذ عنه نفس الإنطباع لو قدرلك أن رأيته ...أسنانه بيضاء لماعة ،عندما يفتح فمه أعتقد أنه يضحك.لكنه لم يضحك في وجهي أبدا لحد اليوم.ورغم كل ذلك فإني لست حاقدا عليه ولا ناقم منه شيئا...أكن له كل الإحتراموالتقدير ولولاه ما كنت لأتعلم أي شيئ في حياتي .كان الوحيد المكلف بفرض النظام أمام ثلاث مائة نزيل ولم يكن أمامه من خيار أمام الشغب الذي يتنامى يوما بعد يوم بيننا سوى أن يكون قاسيا مع الجميع.لذلك أقدر الآن حجم المسؤولية المنوطة به وأغفر له كل ما اقترفه في حق الأجساد الصغيرة والطفولة البريئة من جرائم...
الجريمة التي لن أغفرها أبدا هي تلك التي ارتكبها المسؤل عن الإدارة الإقتصادية .ذلك الهرم النحيف أكل ميزانية اليتامى ولم يستطع أن يغير من شكله الذي يثير الشفقة...كانت سبع سنوات طويلة عشناها محرومين من النوم والطعام إلا ما كان يقدم لنا لنبقى على قيد الحياة .سنوات اختصرتها في جمل بسيطة رغم ان الحديث عنها يحتاج لسبع سنوات مماثلة وربما قد لا تف بذكر كل التفاصيل المريرة والمعاناة الشديدة...خديجة كانت تعطف علي لسبب لا اعرفه.لا توجد قرابة بيننا سوى انها كانت شقراء مثلي ..كل يوم ترسل لها والدتها البعيدة عشرة كيلومترات طعاما مع احد ما .وكل يوم تترك لي المسكينة شيئا من حصتها.هكذا نشأت هذه العلاقة الجميلة أنذاك .الخبز وحده في ذاك العمر كان كافيا ليحل كل الخلافات .كل المشاكل كانت بسبب الخبز وكل الحلول ايضا جاءت بوحي من الخبز. لكني أشهد لها أيضا أنها غرست في لبي حب الحياة ومعناها .غرست في حب القراءة والشعر.كانت خديجة تعشق الشعر كثيرا ولازلت لحد الان وبعد مرور واحد وعشرين سنة أحفظ أبيات قرأتها على مسامعي يوما ما ...فكان لزاما أن أبقى وفيا لإمرأة علمتني وأطعمتني.إذ عندما يكون أحد ما ساعدك في طفولتك بالطعام لتنمو نموا سليما فإنك تبقى أبد الدهر مدينا له بهذا الجميل وفعلا أتمنى أن أقدم لها نصف ما أسبغته علي من عطف وحب ومواساة... طلبت مني أن أعرفها على زوجتي وأطفالي .قالت إنها لا تريد أن تصدق أن لي أطفال.فاقترحت عليها أن تأتي لزيارتنا و المكوث معنا أسبوعا بالمدينة لكني طلبت منها أنتؤجل الزيارة إلى الصيف القادم لعل ظروفي تتحسن قليلا.فحاليا لا يمكن لي أن أستقبل أحدا.فقدتركت أسرتي هذا الصباح وغادرت للعمل دون أن أترك لهم أي شيئ .لكني تركت لهم الله وهو على كل شيئ قدير...تركت وجه الصغيرة الغالية يؤثث المكان بعيون سوداء أخاذة .يكفي أن تبتسم الصغيرة لتزرع الفرحة في جنبات البيت المظلم .سافرت إلى القرية وكلي أمل أن أتدبر لهم شيئا .لكن حتى لو لم يحدث هذا فهناك شيئ إسمه الرجاء... سأجمع أوراقي الآن .انتصف الليل بقرية \"تيليوين\" وسكنت حركة كل نسمة حية .حتى ذاك الصرصار النديم كف الآن عن الصفير .الصراصير أيضا تعلن الحداد عندما لا تجد من يفهم لغتها .سآوي إلى فراشي الآن كالعادة وسأحاول نسيان هذه المعاناة .معاناة لا يبدو في الأفق ماقد يحد منها .الطريق لا تزال طويلة وشاقة.قالت زوجتي يوما :عندما ستتغير أحوالنا سنكون قد ودعنا عالم الشباب ولا يمكن لهذه العواصف أن تمر دون أن تخلف فينا آثارها السيئة .كل يوم اعرف أن كلامها صحيح لكن ما العمل... الناس تعيش الأزمة مرة واحدة والكاتب يعيشها مرتين لأنه يؤرخ لهذه الفترة القاتمة وسيعود يوما لقراءة ذاك التاريخ .تاريخ لحسن حظ البشرية أنه غير قار على فرح ولا شقاء.قال الحسن الثاني يوما \":أنا أؤمن بحركية التاريخ\" وهذا ما أتمناه أنا أيضا... سأوي إلى فراشي الآن .يفترض أن أستيقظ قبل أن يأتي التلاميذ ...سأفترش الماضي وأتلحف بالغد المجهول ...وبينهما جسد منهك يعانق شديدا إلى صدره أجمل كلمة وأروعها وهي : الأمل...
الحكاية 12 اخيرا لبس وزير داخلية بلدي ثوب الشجاعة فأمكنه ذلك من الخروج عن صمته المحرج ليعن صراحة أمام مجلس النواب أن الجزائر هي التي تقف سدا منيعا في وجه طي ملف صحرائنا المغربية.لا أدري ما الذي كان يمنعه طوال هذه السنوات من الإدلاء بتصريح مشرف كهذا.؟ الحكومة محاطة بثلاثين مليون نسمة ورغم ذلك لا تستطيع أن تقوم بمناوشة تحفظ ماء وجهالوطن أمام أعدائه فبالأحرى أن تقوم بشيء ملموس لتمارس سيادتها على كافة ترابنا الوطني... ان حل قضية الصحراء يجب أن يأتي من خلال حوار شخصي مع الجزائر وليس مع جبهة البوليساريو.هكذا أنطق الله وزيرنا بعد صمت طويل وهو محق في ذلك.فالجزائر تبحث لها عن منفذ على المحيط الأطلسي،وكان لا بد لها أن تزرع بين أضلع جنوبنا العزيز جرثوما .جرثوم يكون حليفا لها لأن طيور الهم والنكد لا تبني أعشاشها إلا في الخراب...هذا ما حدث فعلالجارتنا الشرقية.الكلاب الضالة لا تقتات إلا في المزابل القريبة...فلينعموا بطعامهم الشهي إذن... لكن المخزي في الأمر هو أن يبق المغرب صامتا ومعاقا وخائفا على هذا النحو المهين.ربما لم يقرؤوا قصيدة يصف فيها الشاعر إصراره على الثورة رغم الإعاقة فيقول :أنا لي غد وغداسأزحف ثائرا متمردا...الإنفصاليون هددوا قبل أشهر بالعودة إلى العمل المسلح ولم أسمع قرارا مغربيا يرد الاعتبار على الأقل لمواطنيه المسكونين بحبه .إنهم لا يجيدون غير ترديد عبارات التنديد والإستنكار والشجب .لا يعرفون أن العالم لم يعد ينفع معه الإستنكار أو التنديد .يجب أن تفعلوا شيئا ملموسا أيها السادة الأفاضل جزاكم الله ألف خير. إسبانيا تستفزنا جهارا بزيارة ملكها الهرم لسبتة ومليلية السليبتين وقبلها بطردها لقوات مغربية من جزيرة ليلى وأشياء أخرى ربما لن أكون على علم بها...ماذا تعني هذه الأحداث لي؟؟؟ إنها تعني أمرا واحدا فقط .هو أن أبقي ذاكرة هزائمنا مفتوحة لأكدس بها المزيد من الهزائم القادمة...النجاح هو آخر ما نفكر فيه ليس لأننا نعجز عن ذلك ،ولكن لأننا لم نتعلم أبدا كيف نعمل ونشتغل بشكل جماعي.فكان أن دبت الأنانية بيننا ولم يعد الفرد منا يفكر إلا في مستقبله وأسرته .وليذهب الوطن إلى الجحيم... أخيرا أيضا قبلت بفكرة أن أصبح رئيس جمعية تهتم برعاية الأشخاص المسنين وتنمية المرأة القروية.الجمعية ستشتغل بتراب القرية التي أعمل بها.سنعقد جمعا عاما تأسيسيا يوم الخميس القادم،تم اختياري رئيسا مسبقا لها كعادة كل الإجتماعات التي تعقد في هذاالبلد.حيث تكون القرارات الختامية والتوصيات قد اتخذت قبل الإنطلاق الفعلي لتلك الإجتماعات.أي منطق هذا؟ لا أعرف.... لكن أنا لم أختر نفسي لهذا المنصب ولم أسع إليه أبدا.بل وحاولت التملص والمرواغة شهورا عديدة .لكني خجلت أن ألبي طلبا بسيطا كهذا لأصدقائي هنا .المعطلين طبعا.صحيح أني أقدس العمل الجمعوي وأعتبره وسام شرف لكل من أراد أن يضحي بجهده ووقته وأعصابه لخدمة
المجتمع وبدون مقابل سوى أنه يؤمن بمبادئ تدفع للتضحية من أجلها.لكني أيضا أخجل عوضاعن بعض الأشخاص الذين امتطوا ظهر هذا العمل الشريف كي يسرقوا أموال المحسنين والدولة ويضعونها في جيوبهم قبل أن ينصرفوا إلى بيوتهم مغتبطين بهذه الغنيمة القذرة....الجمعيات والمقاولات والتعاونيات عندنا هي التي أفقرت المغرب.لقد وزعوا ثروات هذا البلد بكل وحشية وتركوه عاريا كشجرة الصبار.مجردا إلا من أشواك حادة تمتلك رغبة جامحة في إصابة من اقترب منها...اعرف هذا جيدا وكل يوم أسمع وأقرأ حكاية من هذا القبيل.فمؤسسوا جمعية ما مثلا يصبح من حقهم اقتراح مشروع ما على الدولة.الأمر لا يحتاج سوى لفكرة ذكية وجديدة وكثيرا من المداد ورسومات توضيحية فقط.وبتواطؤ مع موظفي الولايات والعمالات يتم قبول المشروع وتتم المصادقة على مبلغ خيالي في الغالب ومبالغ فيه إلى حد الجنون.وهكذا يتوصل موظفوا الولاية بحصتهم المتفق عليها سلفا ويقتسم الرئيس والكاتب والأمين ما تبقى من الكعكة الكبيرة .بينما تبقى المبادئ راقدة في الكتب.... أمور عديدة من هذا القبيل تحدث كل يوم هنا .كل يوم تسمع حكاية لا ترو للأسف غير التواطؤات .؟؟؟حتى وإن كانت نيتك شريفة ،فكونك تشتغل في إطار جمعية سيفتح باب الشك الواسع عليك.وقد تهدم دون علم كل ما بنيته طيلة حياتك فتشوه صورتك وتاريخك ،فتكون بالتالي خائنا لإسمك ويوم ميلادك...لكن هذا لن يحدث أبدا إن شاء الله.لم أربح من الحلال فكيف أربح من الحرام.؟؟؟إذا استطعت أن أقدم شيئا لهؤولاء الفقراء الذين تخلى عنهم الحظ والفرح فسأكون سعيدا بذلك.وإن لم أجد ما سأفعله لأجلهم سأقدم استقالتي وأنصرف...الإنصراف أحيانا لا يكون بالضرورة انهزاما...فمثلما يوجد في الحياة خوف مشروع يوجد أيضا تسلل وانصراف مشروع.وهذا في اعتقادي ما سأصل إليه يوما... عندما أضع أحزاني على الورق أرتاح لأني تخلصت منها...أكون كمن انتقم من عدو ما لكن بسذاجة...أكتب أحزاني لأغدو مطمئنا\"...الإطمئنان\" يا لسحر هذه الكلمة وروعتها.منذ زمن بعيد لم أعانق الإطمئنان.اشتقت كثيرا للسعادة...هذا اعتراف صريح...لا أعيش سوى الخوفوما أقسى هذا الشعور...أمامي خياران لا ثالث لهما.إما أن أتجلد وأصبر وأكابر وأداري وأتحمل وإما أن أستسلم لليأس والحياة وينتهي كل شيء...لا أريد الخيار الأخير،لكني أيضا تعبت من الخيار الأول..كل ما أخشاه هو أن أجد نفسي يوما غير قادر على الوقوف والسير إلى الأمام...كيف ستكون النتائج حينها؟؟؟ لا أريد مجرد التفكير في هكذا احتمال .... الحكاية13 لم أأكل وجبة ساخنة منذ ثلاثة أيام .الليلة قررت الإنتقام لنفسي ثلاثة أيام متتالية بوجبات باردة عبارة عن معلبات سمك رخيص وخبز يابس أمر فضيع حقا .أنا الآن بعيد عن أسرتي وقد
تركتهم ورائي بعد انقضاء أيام الإجازة ورجعت للقرية .رجعت لأعرف أيضا أن فئران صغيرة حفرت بشكل غريب ثقبا في الباب وتسللت إلى داخل القاعة .الآن أصبحنا ثلاثة مالكين لهذه القطعة الصغيرة .الطلبة بالنهار وأنا أحتلها قبل أن يحتلني النوم المتقطع،والفئران تخرج من جحر لا أعرفه وتظل تقضم أشياء صلبة لحكمة لا أعرفها ..اليوم بحثت عن هذه المخلوقات المقيتة في كل مكان دون أن أعثر عليها.هل تتبخر مع طلوع الشمس؟ ربما يكون هذا هو الأقرب إلى العقل… وقررت الإنتقام من الوجبات الباردة فكسرت ثلاث بيضات في مقلاة بها قليل من الزيت،وهكذا استمتعت بعشاء ساخن.لكنني في الحقيقة لم أستمتع بأي شيء .فأنا عادة عندما أكون بعيدا عنأطفالي لا أأكل أي شيء أبدا سوى لأعيش…آكل القدر الذي يبقيني على قيد الحياة وكفى…حتى وإن كنت أغنى رجل في العالم فإنني لن أستمتع بوجبة باردة إلا وأنا مع زوجتي وأطفالي..يحدث كثيرا أن أسافر ويكون وضعي المادي جيد ا ورغم ذلك فالإستمتاع بالطعام الجيد فكرة لا تتبادر إلى ذهني بالمرة…ما أجمل أن تكون شهيتك مرتبطة بتحلق أطفالك حولكوعلى نفس المائدة.كيف تؤثر هذه الأخيرة في شهيتك؟؟؟ لا أعرف.ربما للأمر علاقة بالإبتسامة والضجيج،بالنظرة ودفء المكان…بكل شيء من هذا القبيل إذن… عندما قرأ أحد أصدقائي بعضا من مذكراتي قال لي:إنني أصلح لأكون سياسيا محنكا..؟؟ وأن أعتلي المنصات وأشحن الناس كما يفعل المناضلون الفاشلون طبعا.لأن المناضل الحقيقي في اعتقادي لا يعتلي المنصات أبدا ولا يخرج لتلفح الشمس بشرته الناعمة…النضال الحقيقي في هذا العصر هو أن تخطط جيدا لحياتك وأن تقرر بشكل جيد مصير حياتك قبل أن تقرر الحياة مصيرك… وقلت إنني يا صديقي حاليا مشغول بمعركة ونضال من نوع آخر.أنا أناضل من أجل الخبز والحياة الكريمة.أنا هو أبعد رجل عن السياسة في العالم.لدي أولويات وملفات عالقة تبحث عن حل لها في عقلي بعدما عجز عقلي عن حلها..نعم أحيانا أنتقد الوطن والحكومة لأنني مواطن أحب أن أرى وطني مرفوع الرأس كباقي العالم.لكنني بعيد جدا من أن أستطيع التأثير في العالم...أنا كائن صغير مهمل على الأرض ولا أكاد أرى ولو من قريب...نضالي الوحيد يا عزيزي أخوضه منذ سنوات طويلة مع كلمة إسمها \"الوقوف\"...أنا وقعت على الأرض منذ سنوات ومن ساعتها وأنا أجرب الوقوف والنهوض من جديد فلم أستطع.... الحكاية 14 أسسنا جمعية واخترنا لها إسم \" جمعية النهضة للتنمية المحلية ورعاية الأشخاص المسنين\" لا زلنا بعيدين بضع خطوات على تسجيل الجمعية بوزارة الخارجية.للأمر علاقة بوضعنا المادي طبعا.جلسنا ذات مساء وكنا سبعة أشخاص هم أعضاء المكتب هنا بالقرية ودار بيننا حوار
صريح.كلنا نعيش وضعا صعبا بدورنا مثل هؤولاء الفقراء الذين لن ندخر جهدا في محاولةإخراجهم ولو قليلا من الظلام \".الظلام\" بالنسبة لي كلمة بليغة ومعبرة جدا .عندما أريد أن أعبر عن أقصى درجات القتامة وأبعد حدود البؤس أستعمل كلمة الظلام.فالظلام هو العمى التام.هو التعثر والوقوع.هو الخوف هو الأشباح وهو المجهول.هو كل شيء تقريبا.ففي الظلام لا تعرف ماذا يمكنك أن تصادف أمامك.وإذا أردت أن تكون في الصورة أكثر فالأمر بسيط للغاية.يكفي أن تغمض عينيك وتحاول الخروج من غرفتك بعدما تطفئ النور.أنذاك ستعرف إلى أي مدى يبعث الظلام الخوف في النفس. جلست إلى أعضاء المكتب نتبادل اطراف الحديث.وفي الصباح قررنا زيارة بعض المسنين المتخلى عنهم هنا بالقرية.بمجرد ما عرفت السيدة \"رحمة\" أننا نمثل جمعية حتى انفجرت باكية أمامنا.توسلت إلينا أن نفعل أي شيء لأجلها وزوجها المسن والطريح الفراش منذ سنوات عديدة...مشاهد قاتمة بكل ما للكلمة من معنى.توقفت طويلا وأنا أكتب هذه الجملة عن كلمة تستطيع أن تصف المشهد فعرفت أنه لا توجد لحد الآن كلمة عربية تستطيع أن تنوب في التحدث عن هذه الصورة التي عشتها اليوم..وقفت على الفقر والبؤس في أبشع صوره.أوان وأغطية لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .تمنيت لو كنت أحمل أي شيء ذا قيمة لأعطيه لهما للأسف الشديد دخلت هذا المنزل لأشعر بالعجز للمرة الألف .الفقراء يطعنونني في جرحي الكبير .أتخيل لو كانت والدتي أو والدي رحمه الله في مكانهم هل كنت لأتصور هذا .ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. نسيت أن أقول أن هذه القرية التي أشتغل بها هي نفسها القرية التي ولدت بها.هنا رأيت النور أول مرة وهنا كانت طفولتي ودراستي الإبتدائية .القاعة التي أدرس بها الآن هي القاعة التي درست بها عندما كان عمري عشر سنوات .هنا كنت أسكن رفقة إخواني وأخواتي ووالدي قبل أن يرحل إلى مثواه الأخير .بعدما أنهيت دراستي الإبتدائية رحلت إلى دور الداخلية بالمدينة حيث تابعت دراستي إلى أن تخرجت لأزاول مهمتي كمدرس بمدينة تارودانت جنوب المغرب.إشتغلت هنالك أربع سنوات قبل أن أطلب الإنتقال إلى قريتي وهذا ما حدث فعلا.فرجعت إلى مسقط رأسي ولازلت هنا منذ تسع سنوات...تزوجت أخواتي الثلاث ورحلت والدتي إلى المدينة وبقي منزلنا الصفيحي هنا بالقرية خاويا إلا مني .تزوجت من ابنت عمتي وسكنت معي هنا بالقرية ست سنوات قبل أن ننزل لنستأجر لنا منزلا بالمدينة. أخي الأكبر يرى أنه من غير المعقول أن يبقى منزلنا الريفي صفيحيا وغير لائق.فهو رمز الأسرة وإرثها الوحيد.لذلك قررنا هدمه لإعادة بنائه من جديد.لكننا لم نستطع للأسف سوى بناء بعض الجدران والأعمدة التي لاتزال عارية لحد الآن تلفحها الشمس وينهشها المطر .فعملية البناء مكلفة جدا وهو ما ليس بطاقتنا حاليا.لذلك توقفت الأشغال منذ العام الماضي ولهذا السبب بقيت من دون مسكن فالتجأت للإحتماء بقاعة الدرس.. لوحدي قمت بالنصف الأكبر من الأشغال التي جرت على منزلنا منذ هدمه إلى بناء الحيطان الخارجية والأعمدة .أبي أيضا كان بناء لذلك ورثت عنه هذا العشق الشاق.لو لم أكن مدرسا
لكنت بناء من دون شك..كان الفضوليون هنا بالقرية يتساءلون بغباء لماذا يحمل ذلك المعلم أكياس الإسمنت والحجر والآجور على ظهره ويتسلق السلاليم ليقوم بعملية البناء بنفسه.؟؟؟لا أحد منهم يعرف أنه حتى لو كنت ملكا فلن أخسر درهما في استأجار رجل ليقوم بأعمال نيابة عني في الوقت الذي أستطيع فيه القيام بذلك العمل...هذا أمر أسميه تبذيرا حقيقيا والمبذرونكانوا إخوان الشياطين كما يقول الله تعالى .ثم إنني أحس بنشوة عارمة وأنا أقوم بإعادة بناء رمز الأسرة.أحس أنني أتمم عمل والدي الذي أجبره الموت المبكر على الرحيل قبل أن يحقق حلمهالكبير.لكني للأسف لم أستطع إتمام بنائه .فأخي الذي يمدني بالمال لأجل هذا الغرض توقف عن هذا لأسباب مادية أيضا.وفي كل مرة أتحدث إليه أصر على أن يبذل قصارى جهده من أجل أن نشتري الأبواب والسقف على الأقل..في كل يوم أقضيه هنا بالقرية أذهب عندما أنهي عملي في المدرسة إلى منزلنا وأجلس في زاويةمنه واحلم كثيرا.لو استطعت فعلا إتمامه لجلبت أسرتي للعيش هنا وسأوفر عني تكاليف الإيجار والتنقل إلى المدينة كل يوم تقريبا.سأخسر الكثير من الأشياء الجميلة طبعا لكنني سأربح أيضا .أنا حاليا لا تهمني الخسارة بل يهمني أن أوفر عني كل تكليف إضافي...الأمر الذي يحزنني كثيرا هو أن شباب القرية يتغوطون ويتبولون فيه دون أدنى احترام لسكانه الغائبين .الإنسانالناقص في تربيته لا يعترف إلا بشيئ اسمه السياج والأبواب الحديدية...قالت صديقتي الفرنسية إنها تترك سيارتها بالضاحية الباريزية من دون أن تغلق أبوابها،نفس الشيء يفعلونه في فرنسا مع منازلهم .لا يوجد أمر اسمه الباب أو المفتاح .كل يدخل منزله ولا يفكر في دخول منازل الآخرين.لكن هذا يحدث في فرنسا وليس بالمغرب...عندما كانت نجاة تحكي لي هذا المستحيل الصيف الماضي كنت أستحضر صورة منزلنا بالقرية .لا أدخل إليه مرة إلا وأجد أن أحدهم ترك فضلاته هنا أو هناك .. المشهد مؤلم فعلا لكن ما العمل؟؟ لا أستطيع أن أربي شخصا تجاوز مرحلة التربية بكثير...هذا أمر له علاقة بالتحضر والتحضر للأسف لا علاقة له بالعديد من المغاربة .يبقى الصبر إذن وسيلتي الوحيدة لتجاوز كل المحن وسأصبر كالعادة....أتذكر السيدة رحمة وزوجها \"العربي\"يا لها من مشاهد مؤثرة.وياليتني أستطيع فعل شيء لهماولغيرهما من الحالات الأخرى .سأراسل جمعيات خيرية وأمدها بالأفلام والصور .سأبحث عن دعم من الدولة لأجلهم.سأكتب تقريرا مطولا أدعمه بالأفلام والروبورتاجات وسأنتظر فانتظروا معي..من جهتي لو كان بإمكاني أن أفرش لهم ذراعي وقلبي لفعلت ذلك دون تردد.لكني لن أصمت عن هذا الواقع أبدا وسأناشد أيا كان الحكاية15هذا يدعو للغرابة والدهشة حقا .اليوم أصبح لدي توقيع وخاتم أستطيع أن أختم به كل مراسلاتي باسم الجمعية.أليس مضحكا أن تكون مفلسا ويكون لك خاتم وتوقيع مثلك مثل كل السادةوالوزراء وأصحاب المناصب العليا.أمضيت ساعات النهار وأنا أحاول التعايش مع هذه المشاهد
الجديدة.أكتب في أوراق بيضاء وآخذ توقيعي وأذيل به الورقة فيبدو اسمي بلون المداد الأزرقرائعا ومثيرا للهيبة.ناديت زوجتي :تعالي عزيزتي .اليوم أصبحت رجلا مهما وبإمكاني إرسالكلفرنسا فقط بهذا التوقيع .تذكري جيدا فقط بهذا التوقيع .قالت نعم.لكن هذا لن يجعلك شخصا آخر أبدا .ستبقى دائما فقيرا وستبقى وحدك المسؤول عن ضياعنا وأوضاعنا.لا أعرف ما إذا كنتسكرانا عندما كنت تقترض من البنك .هل كنت مجنونا؟ مختلا؟ نائما؟ منوما؟ مخدرا؟ هل تعتقد أنك ستبقى بريئا للأبد؟ الحياة تقسو يوما بعد آخر ورغم هذا لا تزال مصرا على تأبط محفظتك الماكرة وتتوجه إلى المدرسة كل صباح. إستمعت لهذه المحاضرة الجميلة بقلب واسع واستمتعت بها أيضا.إنها محقة وكلامها لا يدعو للغضب أبدا بقدر ما يدعو للتأمل .نعم هذا هو الواقع ويجب أن أهضمه رغما عني .نعم أنا أتواجد دائما أينما يتواجد الفقر.أي جاذبية هذه التي تشدنا لبعضنا البعض.؟أي وفاء هذا؟أحيانا أخالك أيها الفقر ردائي وأخالني عنوانك العريض .ألأجل هذا تلازمني وألازمك؟؟؟ لكن للفقر أيضا فضله الذي لا يجب أن أنكره.لأنه يجعلك تعيش بالأمل.تعيش لأجل يوم لا تعرف مسبقا هل سيولد أم لا...لذلك يقال إن الفقراء هم أسعد الناس على وجه الأرض لأنهم يعيشون بهدف وغاية.في الليل يحلمون كثيرا .يحلمون بكل شيء تقريبا.بالفاكهة بالكرامة بالمنزل بالملابس بالخبز في نهاية وبداية المطاف .بكل ما له طعم لذيذ وألوان زاهية .لذلك ربما أكون قد اتخذت قراراتي في السابق على هذا الأساس لأبقى فقيرا للأبد.لأحلم وأنتظر وأفرح وأغتبط كلما تيسر لي أمر في الحياة ...لا أريد أن أصل للقمة...يجب أن أكون دوما في حاجة لشيء ما .وعندما أظفر بهذا الشيء تتحقق سعادتي... أوراق كثيرة أمضيتهاغ اليوم وأنا أجرب هذا الخاتم والتوقيع.كلما لوثت واحدة مزقتها وتناولتأخرى.حاولت أيضا تقمص شخصية مسؤول سام،لكن مكتبي ليس على نفس الدرجة من الفخامةالتي تضاهي مكاتبهم.لكنني أيضا لي إسم ويوم ميلاد.أسرة وأطفال .رقم وطني ووطن عزيز.إله أعبده ويوم حساب ينتظرني.أخطاء وصواب أحلام وأمنيات.لي حياة بكل اختصار فلماذا أحزن؟؟ لأن إبنتك مريضة منذ ثلاثة أيام ولم تستطع أخذها للطبيب أو على الأقل أن تشتري لها الدواء.ثم ماذا؟ .أهذا كل شيء قاطعتها .هل تعتقدين أن هذا لن يمنحها فرصة اكتساب المناعة اللازمة؟ هل تعتقدين أن استعمال الدواء كلما جاءتها نزلت برد أمر جدير لأن نتباهى به؟بالعكس ياعزيزتي.عندما ستخرج الصغيرة من محنتها ستكون قد عودت جسدها على معالجة نفسه بنفسه. المقاومة من دون طبيب ولا دواء .نعم هكذا يكتسب الصغار المناعة وهي ضرورية كما تعلمين.أنا مثلا يزورني المرض ويستوطنني أسبوعا أو أكثر ثم يغادرني من دون أن أعرف اسمه حتى...أقسم بالله العظيم أن هذا يحدث لي منذ ولادتي.أمرض وأتعافى من دون طبيب ولا هم يحزنون .لازلت على هذه الحالة لحد اليوم وسأبقى.المرض ييأس مني ويغادرني في اتجاه جسد آخر .نعم. إسمع قالت زوجتي بنبرتها المعتادة:لا أريد أن ترث عنك الصغيرة هذا الصبر وهذا الشقاء.لا
يجب أن يعاني أطفالك فقط لأنك عانيت قبلهم.كان ذلك في زمن واليوم زمن آخر .يجب أن تتعامل مع الواقع بأفكار وفلسفة أخرى؟ الأفكار الأخرى يا عزيزتي ستأتي بوحي من الواقع الذي يجب أن نتأقلم معه عندما سننهي ديوننا للبنك. ديونك أنت فقط أخرستني زوجتي. طيب.لدي اقتراح أرجو أن يعجبك؟-منذ متى إقترحت شيئا جميلا.؟؟؟أنا صراحة تخيفني أفكارك.أستغرب كونك تملك جمجمة كبيرةومخا صغيرا .شيئان متناقضان.كل المتناقضات اجتمعت فيك.فقير وسعيد.مريض وفي غنى عن الطبيب.فقير ورئيس جمعية تعنى بالفقراء.لم أعد أفهم شيئا ولم أعد أقو على التعايش مع ضبابيتك. *--طيب اسمعي اقتراحي فحسب.أحضري لي قهوة سوداء.ودعيني أستشير الصغيرة فيما إذا كانت ترغب في زيارة الطبيب.أخذت الصغيرة بين ذراعي،كانت ذابلة مثل وردة عطشى.بقيت أهدهدها وأقرأ لها ترانيم ميلادية وأناشيد عذبة ورقيقة إلى أن غالبها الكرى.أخذتها إلى مهدها الوديع .قبلتها ووضعتها برفق وتمنيت لها الشفاء العاجل. في الليل وقبل أن أنام كنت أقرب إلى الإختناق.لا يوجد شيء أمقت من العجز خصوصا لما يتعلق الأمر بحاجيات الأطفال.حاجيات بسيطة ورخيصة ومع ذلك يبدو الأمر أشبه بجبل شاهق أمامي.لكني ورغم كل ذلك أؤمن أن الفرج قادم لا محالة .لا يمكن لهذه العواصف أن تهب دونأن تحمل معها الفرح .علمتني الحياة ان الله تعالى لا يغلق بابا إلا بعدما يفتح عشرة أبواب.كل ما علينا هو الإنحناء للعاصفة إلى أن تمر .وهذا ما سنفعله بالتأكيد بغض النظر عن الطريقة والتفاصيل القاسية.يجب أن ننتظر النتائج لأنها الأهم. أيها المشتكي وما بك داء ***كيف تغدو إذا غدوت عليلا إن شر النفوس نفس يؤوس ***يتمنى قبل الرحيل الرحيلا كم أحبك يا زوجتي الغالية...ستقرئين هذه المذكرات يوما ما وستعلمين أي قصر أرسم لك في أعماقي.قصر ليس ككل القصور،لا يشبههم ولا يختلف عنهم .هو قصر لكن بألوان غير مرئية. وحده قلبي يستطيع قراءة ألوانه.أنت أيضا تعيشين ملكة في رحابه ورغم هذا لا تستطيعين إدراك حجمه وفخامته...سأعود ذات يوم إلى البيت وسآتيك بأخبار سارة.من يدري ما ذا تخبئ الأيام القادمة لنا...إن كانت شقاء حملناه على قدر ما يقو كل منا على تحمله.وإن كانت سعادة عشناها بضمير مطمئن لأننا لم نسرقها من أحد .المهم أننا سنكون معا .نفس العناق ونفس حرارته .سنتذكر بداياتنا الأولى .سنشعل شمعة ونحتفل بيوم اللقاء فلا تيأسي ولا تتخلفي عن الموعد.لازلت أراك عروسا وسأبقى...سأعود إليك بوردة ،بعطر،بدمعة،بابتسامة،بجملة بسيطة تزرع فوانيس الضوء في شعاب حياتنا المظلمة...ثقي بي حبيبتي .سأفعل هذا يوما.أعرف أنني أستطيع مثلما أعلم أنك تستحقين أن أبني لك تمثالا قبل رحيلك .وأن قدر لترحلي قبلي أعدك أن
أبني لك مئات التماثيل ولن تستطيع أبدا إمرأة أن تقتلعك من دواخلي...نامي هادئة مطمئنة إن الغد لناظره قريب... الحكاية16 اليوم تلقيت العديد من الإتصالات الهاتفية،هذا يحدث ناذرا.إذ قد يمر علي أسبوع دون أن يرنفيه جرس الهاتف.لا أحدث يكترث بالسؤال عني وهم محقون في قرارهم،إذ لم أعد مفيدا في أيشيء.لا أملك غير النصيحة والكلمات والناس لم تعد في حاجة لكلماتي.الجميع يريد شيئا ملموسا وكلماتي غير ملموسة طبعا لذلك لا أحد يسأل عني.وحدها زوجتي تتصل من يوم لآخر.نتحدث لربع دقيقة فقط نطمئن عن بعضنا وكفى.الجمل التي تصدر عن زوجتي تبتدئ جميعها بأدوات استفهام.هل؟متى؟ كيف ؟ أين؟ لماذا؟لماذا؟ لماذا؟.أغلب جملها تبتدئ بلماذا .لماذا أوصلتنا إلىهذا؟ متى ستنتهي ديوننا؟ هل تدبرت شيئا؟ متى ستعود للمدينة لاننا اشتقنا لمعاتبتك؟ هذه الجملة تنسيني كل شيء .تنسيتي حتى أسماء أولئك الذين لم يتصلوا...ليذهب الجميع إلى الجحيم. منذ أسبوعين لم أكتب أي شيء.الكتابة تفر مني أحيانا.لكي تكتب لابد من توفر الكثير من الشروط والحوافز والمؤثرات.الفكرة والموضوع.وهذا ما افتقدته هذه الأيام.الكتابة تحتاج للأنصهار والإستلاء التام على العواطف والزمن والمكان...أن لا تدع حاسة من حواسك تنشغل بأي أمر آخر.يجب أن تعبئ طاقاتك كلها وتجندها في خدمة فعل الكتابة القاتل.الكتابة أيضا تصيب باليأس خصوصا لما تجد نفسك متخصصا في كتابة الصفحات الغير الملونة فقط.لكنها ضرورية الكتابة أقصد.على الأقل تنمي فينا القدرة على الإستلاء على الجسد... لكي تكتب شيء رائعا يجب بالضرورة أن تحيا حياة رائعة.لو كنت مثلا رجل أعمال لاستطعت أن أعبر عن تنقلاتي عبر مطارات العالم بشكل رائع.وأن أصف تجربتي مع مختلف المقاولاتوالشركات .أن أعبر عن شوقي لأطفالي وأسرتي وأنا أتركهم كل مرة بسبب سفرياتي الكثيرة.أن أتحدث في النهاية عن تجربة حياة بكثير من الفلسفة والحكمة ليستفيد منها الآخرون.لكنني للأسف لست كذلك وبالتالي لن أستطيع الحديث عن أمور من هذا القبيل إلا مما يوحي لي به خيالي فقط. في القرية أمضي فترة ما بعد الظهيرة في تأمل الطائرات التي تعبر بشكل منتظم سماء القرية.هنالك مسارات جوية تتبعها الطائرات بانتظام.أحفظ جيدا هذه المسارات إلى الحد الذي يجعلني أجزم أن طائرة ما تواجه مشاكلا لو انحرفت عن مسارها.لكن لم يحدث لحد الآن أن انحرفت احداهن عن مسارها...وحدي من انحرف عن المسار الصحيح لذلك أحاول رصد كل الإنحرافات لأقارن بيننا.أفكر كثيرا في الفرق بيني وبين ركاب تلك الطائرات.وعندما استعصى علي الإهتداء الى الإختلافات حاولت من جديد البحث عن أوجه الشبه بيننا...ملايين المسافرينيعبرون سماء القرية كل يوم خصوصا أيام الآحاد دون أن ينتبه أحدهم إلى أن هناك أسفل شجرةما كائن ما يتساءل بحسرة لماذا يكون قدره الإلتصاق بالأرض بينما يكون قدر الآخرين التحليقفي الأجواء ...لازلت أبحث عن الفرق أو الشبه وسأعلن ذلك لاحقا.لا يهم.المهم أن تجد تفسيرا لهذا القدر.كل مستعملي تلك الطائرات يملكون حواسبا محمولة وإميلات ومفكرة هاتف.هاتف
يرن كل لحظة طبعا على غير عادة هاتفي الكسول.لهم جوازات سفر تحمل تأشرة السفر.ملابس أنيقة ولغات ولهجات متباينة...لهم أحلام لهم أحزان.أهل وماض وحاضر ومستقبل.لهم أرقام وطنية لهم وقت محدد لاستعمال المرحاض.للأكل للنوم للبكاء للإسترخاء للترجل للرقص للصلاة.لكل شيء إذن مثلي تماما .أين الفرق إذن؟؟؟ أمضي ساعات المساء أراقب تلك الطائرات ،وكعادتي أحمل كمرتي الصغيرة وأصور.كلما قدمت طائرة في اتجاهي أصوب كمرتي وأصور.وعندما تختفي الطائرة وراء السحب أعود فأمسح ما قمت بتصويره.أعتقد أنه بسلوكي هذا ربما قد أظفر بحظ رائع في تصوير حادثةجوية .كم أتمنى أن أكون الشخص الوحيد الذي يحمل تسجيلا مصورا لحادث جوي قد يحدث في سماء قريتي...رغم أني لا أحمل سوى الحب للآخر فإنني لا أقاوم رغبتي في حدوث حادث كهذا .لكنني أتمنى أن يحدث لطائرة شخصية تقل رجلا مهما مثل بلير أو بوش أو أولمرت .كم سأكون سعيدا لو تشرفت بتصوير حادث جوي قد يحدث لطائرة أشرار من حجم هؤولاء .لو كنت محظوظا فعلا ليحدث هذا لسددت ديوني للبنك وتوقفت عن كتابة هذه المذكرات الحزينة. سأعلن في القنوات الرسمية والتلفزية والأنترنت أنني أحمل تسجيلا للحادثة .وستفتح قنواتالإتصال والتفاوض معي.سأوعز لمحام مرموق مهمة التفاوض ولن أقبل ببيع الشريط إلا بالثمن الذي أريد.سأحدد شروطي مسبقا كما يفعل خاطفوا الرهائن وسأهدد بإحراق الشريط إذا لم يستجب لشروطي كاملة .سأقطع خط الهاتف معهم وسأتحدث بلغة قاسية ولن أتنازل عن موقفي قيد أنملة كما يفعلون هم أيضا .وعندما سأبيع الشريط سأهرول لأعانق زوجتي العزيزة وصغيراي... يؤذن المؤذن لصلاة المغرب.أستفيق ألف مرة من أحلامي العريضة.ألتفت يمنة ويسرة فأجدني أتكئ ؟إلى نفس الشجرة الضخمة في قلب نفس الغابة الموحشة فوق قمة نفس الجبل الشاهق. أعقاب السجائر متناثرة في كل مكان.أجمع أغراضي وأسلك نفس المنحدر في اتجاه المدرسة حيث أشتغل وأنام.أغسل وجهي وأعد نفسي بأحلام جديدة.أشغل مصباحا غازيا بئيسا .يبدأ الصرصار في عزف سمفونيته السابعة والعشرين.أحضر الشاي.أجلس إلى مكتبي أكتب وألطخ وأمزق.أنام وأستيقظ على نفس الصور والمشاهد لكن بحيوية زائدة .كل يوم ازداد حيوية وشجاعة وصلابة .وهنا سري الكبير... ********************************************** الحكاية17 رغم أني وعدت نفسي بالصمود والتجلد إلى آخر رمق لكني بت اليوم أقرب إلى خيانة وعد قطعته على نفسي مذ بدأت معاناتي...وعدتها يوما أن أكون كشجرة الصفصاف تنحني أمام العاصفة على نحو نخالها أنها ستنكسر،لكنها لا تنكسر أبدا..لكني اليوم بت أسير بخطى ثابتةنحو الإنهيار.زوجتي أيضا تسير إلى هذا المصير بسرعة تضاعف سرعتي..كل يوم أخاف على
عقلي من الجنون..لايمكن أن أتحمل هذا الضغط إلى ما لا نهاية.كثرة الضغط تولد الإنفجار هذا ما تيقنت منه للأسف العميق... انفجرت زوجتي باكية بين ذراعي الأسبوع الماضي.حاولت أن أعلمها كيف تمتص غضبها ،لم أستطع لسوء حظنا..حياتنا تسير نحو الهاوية..فرحة الأسرة بأكملها على أن وشك أن يغتالها الزمن البغيض..يا لهذا القدر العجيب..ماذا فعلنا كي نستحق كل هذا العذاب؟؟؟ لم نقتل أحدا ولا اعتدينا على أحد.نحترم أنفسنا أكثر من اللازم فلماذا يكون قدرنا هو العذاب على هذا النحو المهين... أسئلة كثيرة طرحناها مرارا وتكرارا..لا توجد أجوبة مقنعة..ارتكبت أخطاء لكن العقاب لم يكن منصفا على الإطلاق.أعرف أناسا إرتكبوا جرائما بشعة وهم الآن ينعمون بحياة كريمة .أي منطق هذا؟ لا أفهم أي شيء... والدتي تخاف علي من لدغات محتملة لثعابين موجودة فعلا.تنصحني دائما بالتأكد من خلو فراشي من الحشرات والمخلوقات المسمومة قبل أن أسلمه جسدي،وهكذا وقبل أن أنام بالحجرة الدراسية أقوم بتفتيش كل أغطيتي قطعة قطعة حتى أزيل الشك في إمكانية أن يكون ثعبان ما قد تسلل واختبأ في فراشي...أعمل هذا بانتظام،أنا أيضا أخاف من الثعابين وسوى ذلك من الحشرات القاتلة التي يجود بها شهر \"مـــاي\" بسخاء منقطع النظير. هناك ثعابين من نوع آخر يا أمي .ثعابين لا تمتلكين النصيحة العملية لكي تقدمينها لي بكل مجانية كما تفعلين دوما منذ ولادتي..لكني لست ساذجا إلى حد الخوف الذي تحملينه لي في صدرك دائما وأبدا. هذا الأسبوع زارتنا لجنة حقيرة من وزارتنا التافهة من وطننا العزيز..لجنة من ثلاثة مفتشينيستحقون العمل مع البوليس لأنهم ببساطة لا يمتون للتربية بأية قرابة ولا صلة ولا علاقة.عندما سألني أحدهم بكل سخافة عن أمور أكثر سخافة،كنت أقرب إلى أن أقطع عنه المهمة التي جاء من أجلها،كنت أريد أن أقول له :إسمع يا أستاذ ،إنه لو طلب مني أن أصفك في جملة واحدة – حتى لو كان الأمر تحت التعذيب -فإن أفضل ما يمكن أن أصفك به هو أنك إنسان غير محترم. هذا طبعا هو الأفضل .أما الأسوأ فعليك أن تبحث عنه في ذاكرتك.في بيتك...للأسف لم أقل هذا.كنت أقرب إليه لولا أن أحدهم طلب مني أن أغادر القاعة برفقته للتحدث على انفراد وبلطافة.قال :تعال يا بني،وهنا استطاع أن يخرسني لأنه فعلا بعمر والدي رحمه الله.لهذااحترمت سنوات عمره وكان هذا هو الخطأ الأكبر الذي ارتكبته .كنت محتاجا لأن ألعنهم جميعا وأنصرف إلى حياة أخرى قد تكون أهم وأفضل من حياتي كمدرس... كان علي أن أشبعهم سبا وإهانة لأنهم في الواقع لم يأتوا إلا لهذا الغرض.لا أفهم أين اختبأوالتسع سنوات خلتـ واليوم يأتون ليتهموننا ببساطة أننا مقصرون في واجبنا.أي واجب وأي وطن؟ هذا بلد يمسك عشرات الأنذال بناصيته وليذهب الشعب للقمامة.القمامة هي ما ستؤول إليه أوضاعهم إن شاء الله. كل شيء سخيف في هذا البلد.التعليم سخيف ،المفتش ،أنا أيضا ،الوثائق ،التاريخ،المعتقلات،
المطر ،الأحلام ،الضمير.. ،كل شيء سخيف وتافه.حتى تلك الحدائق الجرداء التي يقيمونهاوالزيادة في الأجور التي يقرونها.مشاريعهم ،زوجاتهم ،مقابلاتهم التلفزيونية ـ ،كل شيء مغلف بالأصفر كالخريف .لهذا يجب أن أهاجر... كلما طوى اليأس صفحة أحد أيامي ،أفتح صفحة جديدة حين أتذكر قصيدة الشاعر الهندي \"طاغور\" تلك التي يمهد لها واسمها \" لا تطو جناحيك\" فيقول: \"مع أن المساء يزحف وئيدا ومتراخيا ،ويكاد بإيماءة منه يسكت أغنيتك،ومع أنك وحيد فيالسماء اللامتناهية وجسدك منهكك ،أراك ترتفع متمتما صلاة صامتة نحو الآفاق المستترة وراء الحجب...مع أن الظلام مخيم على العالم ،أيها الطائر يا طائري لا تطو جناحيك\" الحكاية18 في المغرب تستطيع أن تظفر بلقب \" الأستاذ\" فقط لكونك تحمل محفظة أو تمتلك سيارة...سينافقك الباعة المتجولون بلقب الأستاذ حتى لو لم تلج المدرسة يوما لتتمزق سراويلك فوق مقاعد خشبية باردة وصلبة .ستحظى بهذا التكريم لكونك فقط تتمتع بهذه الأشياء التي ذكرتها...لكنك تفقد هذا اللقب المؤقت بمجرد ما تترجل ككل الناس أو تضع محفظتك.؟ هنا لايعتبر الفكر شيئا لافتا للنظر .لا أحد يهتم بأفكارك أو يبد أدنى حماسة ليعترف بذكاءاتك المختلفة ومواهبك المتعددة...أعتقد أننا في إفريقيا لا نزال مفتونين بالجسد.ننظر للمرأة ونحبها على أساس جسدي ،ونحترم الرجال أيضا على نفس الأساس...أجلس الآن إلى مقهى بوسط المدينة ،ورغم أني انزويت إلى أقصى كرسي لتفادي الضجيج ،إلا أن صوت وصراخ أحد الزبائن الذي يجلس على بعد عشرة أمتار مني يفسد عني الهدوء الذي أنا شده في هذا الركن البعيد...لا أعرف لماذا يصرخ هكذا وهو يجلس إلى أصدقائه .لا يبدو عليهم أي سبب يدعوه للصراخ فهم يتحدثون فقط.أتساءل كيف سيتصرف هذا المخلوق عندما يدخل في شجار ما .أكيد أن السقف سيتطاير ...الحقيقة أنني ومع تكرار هذه المشاهد أتمنى لو أني استطعت امتلاك قاعة فسيحة وسط حديقة لأوفر لنفسي الأجواء المناسبة للقراءة ومحاولة الكتابة.كم سيكون الأمر ممتعا لو تمكنت من امتلاك مكتبة شخصية ،على الأقل لأملأ ملايين الصفحات الفارغة من عقلي ليصبح كبيرا كما تتمنى زوجتي...بالأمس جعلتني إحدى القنواتالتلفزيونية أتساءل بحسرة عن الفرق بيني وبين السنجاب.كان البرنامج يستعرض العناية الفائقة التي يحظى بها سنجاب صغير ضـــال عثرت عليه فرنسية بينما كانت مارة بطريق جبليةبإحدى القرى بفرنسا.نقل السنجاب لمصحة لتشخيص حالته ،بعدها تناسلت الإمتيازات المغرية التي سيحظى بها هذا السنجاب ،فكان هناك نظام غذائي متوازن وطبيب وإعلام وبيت لائق واحترام كبير ...لم يسبق لي أن تمنيت أن أولد سنجابا.لكنني صراحة أغار من العناية التي يحظى بها...في المغرب لا يهم كيف يفكر الناس...كل ما يهم هو كم تملك .لو احتكمنا لقانون من يراعي منا
الحدائق العامة ويحترم الأزهار والحيوانات ويحس بأنين الضعاف لتغيرت الأمور كليا.على الأقل سيصبح للبستاني والحرفي وزن ما... تدخل صديق من السعودية قبل أيام ليحمل عني ثقلا كبيرا كان يرهقني .كان يستمع لهمومي بصدر واسع أكثر مما توقعته.إستلفت منه مبلغا محترما وسددت جزء من ديون عاجلة كانيطالبني بها أصحابها.أشعر بعد تجاوزي هذه المحنة بسعادة بالغة.زوجتي لاحظت هذا،في إحدى الصباحات استيقظت وأنا أغني مجهدا رئتي إلى أقصى مداهما.قالت زوجتي :ها أنت تغني منجديد على غير عادتك ككل الصباحات .قلت :اليوم مختلف عن السنوات الماضية ،لقد استيقظت وكلي حيوية ونشاط.فقد سددت بعض الديون التي كانت تشغلني وكنت عاجزا عن فعل هذا منذ أشهر...أنظري عزيزتي كم أنا سعيد جدا هذا الصباح ،لو تمكنا من إنهاء أزمتنا لجعلت كل صباحاتك ضاحكة ومشرقة ومليئة بالأناشيد... الآن بدأت أكتشف السر الذي يقف وراء إنجاب الفقراء لعدد كبير من الأطفال..في المغرب تجد أسرة ميسورة تنجب طفلا أو اثنين في أفضل الحالات بينما تجد الفقراء ينجبون ستة أطفال أوأكثر.هذا حقائق لا أعرفها كمغربي فقط بل توقفت عليها عندما شاركت في الإحصاء العام الذي نظمه المغرب في العام .2004وسأقف عليها للمرة الثالثة لأنني التحقت رسميا بشعب الفقراء الذي يتعاظم يوما بعد آخر... عندما تكون فقيرا فإنك مجبر على ملازمة البيت لفترة أطول .إذ ليس من حقك التجول ولاارتياد المقاهي والأسواق.هذه الأفعال تتطلب مصاريفا أقلها أن تمتلك ثمن القهوة فيما لو شعرت بالتعب وسط المدينة وارتأيت الجلوس إلى المقهى لترتاح.لا يمكن إذن أن تتجول وسط المدينةوأنت لا تحمل معك بضعة دراهم .لذلك ألازم البيت لفترة أطول من المستحب ...يبقى الفقير فيبيته ،يلاعب أطفاله،يداعب زوجته،يتشاجران،يتصالحان ،ينتقدان بعضهما البعض ،يلوم أحدهما الآخر ،يقفان يجلسان ،يفتشان عن فاكهة ما وعندما يتعذر الحصول عليها يتبادلان القبل ويواسيان بعضها ،يدخلان الغرفة ،يخرجان .لا يمتلكان غير الجسد لذلك يهديانه لبعضهما البعض .يستحمان ،يصليان .وكل يوم يفعلان نفس الأمر .بعد كل تسعة أشهر ينجبان طفلا جديدا .يعتقدان أن المولود القادم سيحمل لهما الرزق والبركة .وهكذا...يسكنني الآن شوق الإنطلاق بشكل صحيح .أريد أن أستيقظ فأجدني في عالم آخر غير هذا العالم المظلم الذي يأسرني ويشدني إليه بإحكام...أريد أن أجدني وسط مكتبة فسيحة ممتلئة الرفوفبالكتب والمجلدات ..أريد أن أضع عني هذا الحزن الذي يرفض لسفالته أن يغادرني منذ سنوات طويلة...أن أجد في نفسي الحيوية اللازمة لمزاولة مهنتي على أحسن وجه..أن أتخلص من ديوني ببساطة ..أن أشتري ثلاجة ككل الناس وأغير تلفازي العتـيق..أن أجدد ملابس أطفالي ..أن أحلق شعري دون أن أفكر في حاجتي لتلك العشرين درهما التي يتوجب علي أن أدفعها للحلاق لذلك أؤجل الحلاقة إلى أن يبدو شعري مثيرا للخوف...أن أشتري نظارات طبية لزوجتي التي لم تعد تستطيع القراءة أبدا بسبب ضعف البصر...أن أرد ديوني لأصحابها وأقبل رأسهم وأعتذر منهم...أن أشتري دراجة فقط لأتمكن من التنقل بين بيتي وعملي دونما حاجة
لنظرات زميلي القاسية...أن أجد في جيبي ثمنا قليلا أقدمه للمحتاجين الذين يطرقون بابي بين الفينة والأخرى فأتـألم لأنني لا أستطيع مد يد العون لمن هو أحوج مني...أن أتمكن من توزيع الفرحة على الآخرين مثلما أتوسمها في الآخرين ...أن أدفع للبقال عندما أكون مضطرا لشراء الزيت والسكر وأعفـيه من الحرج اليومي الذي تسببه لي الجملة التي رددتها للمرة الألف :من فضلك سجل ثمن البضاعة إلى أن أسددها لك لاحقا..كلمة \" لاحقا\" هذه رددتها أكثر ممايجب.كل شيء مرتبط عندي بالمستقبل لأنني لا أقوى على فعل أي شيء آخر في الحاضر غيرأن أوزع الوعود على الناس وأقسم يمينا أنني سأفي بها...قال لي أحد الأصدقاء ساخرا :منذ أن عرفتك وأنت تتحدث عن الديون فقط.أما آن لها أن تنتهي؟--إنها تتناسل يا عزيزي .هي جرثومة يستحيل التخلص منها بالمرة...وباء ،عدوى تنخر الجسد دونما استعداد للتوقف... عندما أعود لقصيدة \":الشابي\" أدرك أني لست وحيدا في هذا الخضم...هناك ملايين الناس في العالم يتعذبون على نحو أكثر ألما .لكن يبق للمعاناة وقع واحد على الجميع ،فهي تفقد المرء.. الثقة في النفس وتجعله يتساءل بحسرة عن المصير المجهول الذي ينتظره...تخمد فيه جذوةالطائر المغرد ...تسلبه الفرحة وتغتصب أيامه الجميلة ببطء ..لكني مع كل هذا سأبقى أردد مع الشاعر حين يقول: سأعيش رغم الداء والأعداء *** كالنسر فـــوق القمة الشمـــــاء أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا *** بالسحب والأمطار والانواء لا أرمق الظل الكئيب ولا أرى *** ما في قرار الهوة الســــوداء إلى أن يقول: وأقول لهذا القدر الذي لا ينثني *** عن حرب آمالي بكـــل بـــــــــــلاء لا يطفئ اللهب المؤجج في دمي *** موج الأسى وعــــواصف الأرزاء فاهدم فؤادي ما استطعت فإنه ***سيكــون مثل الصخرة الصــــمـــــاء لا يعرف الشكوى الذليــــــــــلة***والبكاء وضراعة الأطفال والضعفاء ويعيش \"جبارا\" يحدق دائمــــا ***بالفجر ..بالفجــر الجميــــــــل النائي
يوميات أستاذ مغربي بقلم :سعيد ارويف تاريخ النشر 23-10-2008 : يوميات أستاذ مغربي .بقلم :سعيد ارويف. البريد الإلكتروني: [email protected] [email protected] هاتف رقم 0021267735829 :أدرك أني لست وحيدا في هذا الخضم...هناك ملايين الناس في العالم يتعذبون على نحوأكثر ألما .لكن يبقى للمعاناة وقع واحد على الجميع ،فهي تفقد المرء ..الثقة في النفس وتجعله يتساءل بحسرة عن المصير المجهول الذي ينتظره...تخمد فيه جذوة الطائر المغرد ...تسلبه الفرحة وتغتصب أيامه الجميلة ببطء ..لكني مع كل هذا سأبقى أردد مع الشاعر حين يقول: سأعيش رغم الداء والأعداء *** كالنسر فوق القمة الشمـــــاء
Search
Read the Text Version
- 1 - 32
Pages: