أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
هل يكفي وصف ما يجري في بلادنا العربية ،بنكوص الأنظمة القبلية من الإسلام إلى الجاهلية ونكوص الأنظمة العسكرية من الحداثة إلى الاستعمار؟ذلك ما كنت اعتبره وصفا أمينا لأحداث تاريخنا الحديث منذ ما بعد الاستقلالات الشكلية .لكني بدأت أشك في أمانة الوصف بعد الأحداث التي تلت الربيع.الوصف الملائم هو ما يقوله ابن خلدون تأسيا بالقرآن الكريم ،هو أن أنظمتنا بصنفيهانكصت إلى ما دون الجاهلية والاستعمار مع شعوبها وفيما بينها .والقرآن الكريم خصالأعراب بالذم ،لكن ابن خلدون وضع مفهوما انثروبولوجيا سمى به المرحلة البدائية القصوى في تاريخ البشرية ،فأطلق عليه اسم العرب.ففي مصطلحه هم المرحلة المتوحشة من رعاة الإبل في الصحاري ،وذكر منهم كل سكان الصحاري المعلومين في عصره ،وليس العرب كجنس ،وينطبق على أعرابهم.وإذن ،فالعرب بهذا المعنى ،ليس خاصا بالعرب كجنس ،بل هو مفهوم عام يشمل أعراب العرب الذين قصدهم القرآن الكريم :حالة النكوص الى التاريخ الطبيعي.وما يحيرني ،هو أن حالة التاريخ الطبيعي يكون فيها الإنسان ،بسبب الضرورات الطبيعية وانعدام شروط العيش الدنيا ،يتصرف كالحيوان بلا أفق خلقي.لكن العرب اليوم من أغني شعوب المعمورة-بافتراض حسن التصرف فيها-ومع ذلك فسلوكهم الناكص دون سلوك أجدادهم في الجاهلية :كيف ذلك؟ ولماذا هم كذلك؟ أولا كيف ذلك؟لن أتكلم على الشعب عامة ،بل على نخبه .فالسياسي والعالم والاقتصادي والفنانوصاحب الرؤية (خمسة أصناف) ينطبق عليهم مفهوم ابن خلدون .فهم فاقدون لمعاني 21
الإنسانية (ابن خلدون) وناكصون إلى القانون الطبيعي في مرحلته المطابقة لوصفه الإنسان في حالة صراع البداوة على أدنى العيش.وأقصد بالصراع على أدنى العيش ،بأنهم دون الجاهلية :فقبائل العرب كانت تتقاتلعلى شروط العيش (الماء والكلأ) وعلى المرأة .لكنها تؤمن بالفروسية ،فلهم قيم وفرسانصعاليك ،هم حنفاء عصرهم ومبدعون ،وأشهر حرم ومقدسات يؤمنون بها ،بخلاف العرب اليوم بنوعي الأنظمة والنخب الكاريكاتورية الميليشياوية.فما الذي جعل شعوب العرب اليوم من المحيط إلى الخليج ،تخضع لهذا النوع من النخب الحاكمة والمليشيات التي تؤيدها بالسيف والقلم ،حكم المافيات؟فالسياسي مافياوي ،والمثقف النافذ مافياوي ،والاقتصادي ذو الجاه مافياوي ،والفنان الممول مافياوي ،وصاحب الرؤية مافياوي ،متواطئون لاستعباد الشعب.وبقدر ما هم شداد غلاظ في التعامل مع الشعوب ،بقدر ما هم نعاج وأذلاء في التعامل مع سادتهم وحماتهم ،أعني ذراعي الغرب في الإقليم :إيران وإسرائيل. هل العلة أنهم جميعا يتصفون باسم بلا مسمى؟فلا السياسي ذو إرادة ،ولا المثقف ذو علم ،ولا الاقتصادي ذو قدرة ،ولا الفنان ذو ذوق، ولا الرائي ذو رؤية.هل الصبيان ،الذين يخربون الأوطان للتنافس على الكراسي عديمة السيادة ،هم الذين ينصبون مثقفين واقتصاديين وفنانين وأصحاب رؤى أميين من جنسهم؟لكن الشعوب رغم الأمية الغالبة عليها ،مدركة لفساد ما يجري ،وهي تئن منذ قرون تحتوطأة المافيات الحاكمة والمليشيات التي تخدمها بالقلم والسيف .وما يسمونه دولة ،هومحمية وظيفة أجهزتها ليست حماية الجماعة ولا رعايتها ،بل السيطرة عليها روحيا وماديا حتى يحققوا أجندة أعدائها نهبا وسلبا.لكن هذه الحالة لن تدوم :فها هم بدأوا يتآكلون .وفي ذلك بداية نهاية الثورة المضادة، وسيستأنف الشباب ثورته ولكن متحدين من الماء إلى الماء. 22
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 8
Pages: