Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الارهاب وجها حرب أهلية يغذيهما الاستعمار - الفصل الثاني - ابو يعرب المرزوقي

الارهاب وجها حرب أهلية يغذيهما الاستعمار - الفصل الثاني - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-06-01 09:49:23

Description: بينت في الفصل الأول أن ما يجري حاليا ليس حربا على الإرهاب، بل هو حرب أهلية بين إرهابين: ارهاب الحكام وإرهاب معارضة، في غياب التنافس السلمي.
وبينت كذلك أن الأعداء يستفيدون من الإرهابين لأنهم يغذونهما حتى لا يضطروا للتدخل المباشر من أجل الاستحواذ على ما يحتاجون إليه من دار الإسلام.
صحيح أن هذه الاستراتيجية تبدو قولا بنظرية المؤامرة، لذلك سأطمئن المتذاكين من نفاتها بأن العرب مستغنون عمن يدفعهم لذلك بعد نكوصهم للجاهلية. فما يجري بينهم اليوم لا يختلف عما كانوا عليه في الجاهلية: قبائل تتناحر لعجزها عن تجاوز الحياة النباتية (الأكل والجنس) والتفاخر بداحس والغبراء.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬‫وجها حرب أهلية يغذيهما الاستعمار‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫وجها حرب أهلية يغذيهما الاستعمار‬



‫بينت في الفصل الأول أن ما يجري حاليا ليس حربا على الإرهاب‪ ،‬بل هو حرب أهلية بين‬ ‫إرهابين‪ :‬ارهاب الحكام وإرهاب معارضة‪ ،‬في غياب التنافس السلمي‪.‬‬‫وبينت كذلك أن الأعداء يستفيدون من الإرهابين لأنهم يغذونهما حتى لا يضطروا‬ ‫للتدخل المباشر من أجل الاستحواذ على ما يحتاجون إليه من دار الإسلام‪.‬‬‫صحيح أن هذه الاستراتيجية تبدو قولا بنظرية المؤامرة‪ ،‬لذلك سأطمئن المتذاكين من‬‫نفاتها بأن العرب مستغنون عمن يدفعهم لذلك بعد نكوصهم للجاهلية‪ .‬فما يجري بينهم‬‫اليوم لا يختلف عما كانوا عليه في الجاهلية‪ :‬قبائل تتناحر لعجزها عن تجاوز الحياة النباتية‬ ‫(الأكل والجنس) والتفاخر بداحس والغبراء‪.‬‬‫لذلك فأعداء العرب لا يحتاجون للتآمر عليهم‪ ،‬وذلك هو قولي إن الأعداء يستغلون هذه‬ ‫الحرب الأهلية ويغذونها‪ ،‬لكن سببها الأول هو نكوص العرب للجاهلية‪.‬‬‫وإذن فأعداء مجد الإسلام وقيمهم الأُول هم العرب‪ :‬فما من زعيم في الأنظمة العربية‬ ‫بصنفيها القبلي والعسكري‪ ،‬لم يعد لما تقدم عليه ليؤسس سلطانه‪.‬‬‫فلكأنهم جميعا مقتنعون بأن ما تقدم على مجد الإسلام أو ما تأخر عنه‪ ،‬أولى بأن‬ ‫يستمدوا منه شرعية \"دولهم\"‪ .‬وهم دون قصد‪ ،‬حفظوا بذلك كرامة الإسلام‪.‬‬‫فدولة تستمد شرعيتها من الإسلام‪ ،‬لا يليق بها أن تكون من محميات أعدائه التاريخيين‪.‬‬ ‫لكن كل \"دول\" العرب محميات تعيش خزي التبعية وعار الهمجية‪.‬‬ ‫وإذن‪ ،‬فالظاهرة بنت الانحطاطين‪:‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪ -‬الأول موروث عن خمول حضارتنا‪ ،‬بعد الضربات التي تلقتها من المغول والصليبيين‬ ‫وحرب الاسترداد والنكوص إلى الجاهلية‪.‬‬‫‪ -‬والثاني نتج عن المحاكاة القردية لأفسد ما في الحداثة‪ ،‬كما ترجمتها سياسة الاستعمار‬ ‫النافي لقيمها‪ ،‬فصارت النخب التي والاها مثله تعتبرنا انديجانها‪.‬‬‫وأكبر الأدلة أنها تصورت التحديث حرب تحضير عنيف‪ ،‬أدى إلى أن صدام الحضارات‬ ‫أصبح ظاهرة داخلية‪ :‬فرض ما حاكوه من قشور حضارة الغرب على الشعوب‪.‬‬‫لكن قيم الحداثة وشروطها هي آخر همومهم‪ :‬وذلك في سلوك النخب بأصنافها الخمسة‪.‬‬ ‫فلبنين ذلك حتى نفهم علل الإرهابين‪ ،‬ثمرة حرب أهلية بين كاريكاتورين‪:‬‬‫‪ -‬كاريكاتور تأصيل لا يحاكي مجد الإسلام وقيمه‪ ،‬بل صورة فرضها عليه نكوصهم إلى‬ ‫الجاهلية‪.‬‬ ‫‪ -‬وكاريكاتور التحديث لا يحاكي الحداثة وقيمها‪ ،‬بل الاستعمار‪.‬‬ ‫فلأجب عن خمسة أسئلة‪:‬‬ ‫هل لنخبة الإرادة إرادة؟‬ ‫وهل لنخبة المعرفة معرفة؟‬ ‫وهل لنخبة القدرة قدرة؟‬ ‫وهل لنخبة الحياة ذوق؟‬ ‫وهل لنخبة الوجود رؤيا؟‬‫إذا تبين أن كل واحدة من هذه النخب الخمسة ليس لها من الصفة التي تسمى بها إلا‬ ‫مجرد الاسم‪ ،‬عندها نكون قد حددنا محل المرض‪ ،‬نصل إلى مطلب العلة‪.‬‬ ‫وأقصد مطلب العلة‪ ،‬الجواب عن سؤال أعمق‪:‬‬‫ما الذي يجعل هذه النخب ليس لها من صفتها إلا الاسم‪ ،‬فتكون منتحلة لصفة وليس‬ ‫متصفة بها؟‬ ‫هل ذلك بفعل فاعل؟‬ ‫ما دمنا نعتمد البحث العقلي‪ ،‬فلا يمكن أن يكون ذلك بغير علة‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫والجواب لا يكون إلا فرضيا ككل تفسير علمي‪ .‬والفرضية لا تقتضي حصر العلة في‬ ‫واحدة‪.‬‬‫والافتراض العلمي ليس تحكميا‪ ،‬بل هو ثمرة سبر وتقسيم ضمني‪ ،‬يختار من العلل الممكنة‬ ‫ما يرجح بكونه العلة الفاعلة بحق‪ ،‬دون نفي علل ثانوية مساعدة‪.‬‬‫وسأبدأ بالقول إن \"المؤامرة\" أو خطط الأعداء للاستفادة من الأوضاع‪ ،‬ليست هي العلة‬ ‫الرئيسية‪ .‬بل هي من العلل المساعدة لعلة رئيسية سأحددها لاحقا‪.‬‬ ‫أبدأ بنخبة الإرادة‪.‬‬‫وليكن معيار التصنيف الأرسطي السداسي للنخبة السياسية (لا يختلف كثيرا عن‬‫الأفلاطوني) منطلقا لتحديد خصائص نخبتنا السياسية‪ .‬فهو يقسم أنظمة الحكم بعدد من‬ ‫بيده السلطة السياسية وأخلاقه‪:‬‬ ‫‪-1‬واحد‪.‬‬ ‫أو‬ ‫‪ -2‬قلة‪.‬‬ ‫أو‬ ‫‪-3‬كثرة‪.‬‬ ‫وكل واحد منهم يكون صاحب فضيلة أو صاحب رذيلة‪ .‬فتكون ستة‪.‬‬‫وبين أن لا أحد يمكن أن يدعي أن الكثرة هي التي تحكم‪ ،‬ويصعب ان يحكم الواحد‬ ‫حتى وإن بدا أن للعرب ملوكا وزعماء‪ ،‬يبدون وكأنهم أصحاب الامر والنهي‪.‬‬ ‫لم يبق إلا صنف واحد هو حكم القلة‪.‬‬ ‫هذا من حيث الكم‪.‬‬‫من حيث الخلق‪ :‬يصعب أن نقول إنهم من ذوي الفضيلة‪ ،‬على الاقل بالنسبة لغالبيتهم‬ ‫الساحقة‪.‬‬‫فتكون الحصيلة نخبة الإرادة أو النخبة السياسية العربية قلة بمعيار العدد‪ ،‬واصحاب‬ ‫رذيلة بمعيارالأخلاق‪ .‬إنه ما يسمى \"اوليغارشية\"‪ .‬وهو عندنا مافيا‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫لماذا سميت الأوليغارشية العربية مافية؟‬‫لأن الأوليغارشية هي حكم الأغنياء إذا كانوا سادة أنفسهم‪ ،‬أما العربية فيه تابعة‬ ‫لأوليغارشية تحميهم‪.‬‬ ‫والحصيلة‪:‬‬‫لا يمكن لنخبة تدعي أنها ممثلة لإرادتها ولإرادة الأمة‪ ،‬أن تكون محمية‪ ،‬ومن ثم فهي‬ ‫عديمة الإرادة ومنتحلة صفة تخالف حقيقتها الفعلية‪.‬‬‫كلهم طراطير‪ ،‬ولا سلطان لهم إلا ما يسمح له به أو يؤمرون بعمله بالاستبداد والفساد‪،‬‬ ‫لاضطهاد شعوبهم ورهن بلدانهم لخطط قد لا يعون أهدافها البعيدة‪.‬‬ ‫دليلان‪:‬‬‫‪ -‬فكلهم ‪-‬بلا استثناء إذا تجاوزنا الخطاب الموجه للاستهلاك المحلي‪ -‬لهم حماة يأتمرون‬ ‫بأوامرهم ودليله دور السفارات وبنوك التغريق الدولي‪.‬‬‫‪ -‬والدليل الثاني دور القواعد والمستشارين الأجانب أو من يمثلهم في لوبيات ما يسمى‬ ‫بالدولة العميقة وفي الإعلام والسياسة في المؤسسات الدولية‪.‬‬‫ولعل الرمز الجامع‪ ،‬التصويت في المؤسسات الأممية‪ ،‬حيث تبرز التبعية بوضوح‪ ،‬ويقابلها‬ ‫مستويات التغطية على جرائمهم إزاء شعوبهم في المحافل الدولية‪.‬‬‫ولأنظر في نخبة القدرة متجاوزا نخبة المعرفة التي سأعود إليها لدرسها مع الأخيرة‪ ،‬أي‬ ‫نخبة الوجود أصحاب الرؤى‪ ،‬لصلة أصحاب القدرة بأصحاب الإرادة‪.‬‬‫قلنا إن النخب الحاكمة اوليغارشيا مافيوزية لعلاقتها بالمال والاقتصاد‪ .‬وهم مافية المال‬ ‫والاقتصاد مباشرة‪ ،‬أو موظفون لديها داخليا أو‪/‬وخارجيا‪.‬‬‫ولست بحاجة لكثير كلام أو استدلال‪ :‬فالدليل هو بنوك الغرب‪ ،‬وحتى بعض البنوك‬ ‫العربية التي تمثل جناب تبييض المال والسرقات من خبز الشعوب الفقيرة‪.‬‬ ‫ومثال العراق والجزائر كاف‪.‬‬‫وهو يصح حتى على أفقر بلاد العرب‪ ،‬ناهيك عن أغنيائها‪ :‬فطالح اليمن سرق أربع مرات‬ ‫ميزانية تونس‪ ،‬ومثله طوالحنا الكثر‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫وفي الحقيقة‪ ،‬فالسياسة في بلاد العرب هي الطريق السيارة والأسرع للإثراء‪ ،‬ومن دون‬ ‫ذلك يعسر أن تفهم التكالب‪ ،‬بدليل عدد الأحزاب لما فتح المجال‪.‬‬ ‫لا أصدق أن تونس فيها ما يملأ مائتان واربعين حزبا من المخلصين للشأن العام‪.‬‬‫الحقيقة هي أن الأحزاب صارت حوانيت تجارة ودعارة‪ ،‬والتردد من سفارة إلى سفارة‪.‬‬‫لذلك فأصحاب القدرة لا قدرة لديهم عدا السمسرة وتمثيل مافيات محلية أو دولية‪-‬‬ ‫ودون تعميم مخل‪ -‬فأكثر من تسع وتسعين في المائة لا يكبرون إلا بهذه الطريقة‪.‬‬‫لذلك‪ ،‬فهم لا ينتجون ثروة‪ ،‬بل يبددون ثروات البلاد الطبيعية بما فيها المناخ والطبيعة‬ ‫بخدمات سياحية‪ ،‬وهي في الحقيقة خضوع لشركاتها المافياوية‪.‬‬‫في العالم كله‪ ،‬رجال الأعمال هم رمز الطموح والغزو الاقتصادي للعالم‪ ،‬إلا عندنا‪ ،‬فهم‬ ‫بلا طموح ولا يغزون العالم‪ ،‬بل هم وسطاء يساعدون العالم لغزونا‪.‬‬ ‫أوروبا الحديثة صنعها الطموح البرجوازي لرجال الأعمال‪.‬‬‫بلاد العرب خربها عدم الطموح \"الخواجي\" الذي يقتصر على رهن البلاد للعيش مثل‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫بورجوازية الغرب طورت الاقتصاد والعلوم ثم أخذت السلطة‪.‬‬‫من أخذ السلطة أهماج العسكر والقبائل فاستبدوا بالثروة وأعاقوا الثورة العلمية‬ ‫والصناعية‪.‬‬‫فقد جمع هذان الصنفان فقدان الإرادة سياسيا والقدرة اقتصاديا‪ ،‬فأصبحوا طفيليات‬ ‫تمتص دم الشعوب وتحول دونها والتقدم السياسي والعلمي والاقتصادي‪.‬‬‫وحتى نفهم حقيقة هذه الظاهرة‪ ،‬فلنقارن تركيا قبل وصول نخبة إرادة وقدرة صالحتين‪،‬‬ ‫ثم بعدها‪ .‬فقد تعافت تركيا بعد وضع مفلس مثل جل بلاد العرب‪.‬‬‫وتلك هي علة حرب الأنظمة العربية والغربية عليها‪ :‬لا يريدون أن يحكم بلادنا أصحاب‬ ‫الإرادة وممثليها والقدرة وممثليها‪ ،‬بل طراطير وسماسرة مافياوية‪.‬‬‫وعندما يكون السياسيون والاقتصاديون كما وصفنا‪ ،‬هل تظنهم سيهتمون بشرط كل تقدم‬ ‫وقوة؟‬ ‫‪65‬‬

‫ستكون التربية والبحث العلمي آخر همومهم‪ :‬تكفيهم الإيديولوجيا‪.‬‬‫لذلك فهم حريصون على نظام تربية لمحو الأمية وبث كاريكاتور الحداثة والأصالة في آن‬ ‫وتخريج نخب غبية تخلط بين التحديث المبدع والتقليد المدقع‪.‬‬‫لذلك فلا يعجبن أحد من الحالة المزرية التي عليها جامعاتنا التي هي محاضن‬ ‫الإيديولوجيا لتخريج العاطلين الذين همهم الأوحد الحرب على الذات‪.‬‬‫ذلك أن الحرب على الذات في النخب التي تدعي المعرفة‪ ،‬من جنس الحرب عليها لدى‬ ‫الساسة والاقتصادين‪ :‬هي ما يجعلهم نجوما لدى الحامي سيدهم ومعبودهم‪.‬‬‫فكما أن أسرع طرق للإثراء هو السياسة والسمسرة الاقتصادية‪ ،‬فكذلك أسرع طريق‬ ‫للنجومية بين النخب دعوى الليبرالية والخواجية والحرب على الإسلام‪.‬‬‫والنخبتان الأخيرتان علاقتهما مناظرة لعلاقة نخبة الإرادة والقدرة‪ :‬نخبة الوجود‬ ‫(للرؤى) ونخبة الحياة (للذوق)‪ .‬تخدمان الأوليين إلا من رحم ربي‪.‬‬‫فنخبة الرؤى تبرر فلسفيا أو دينيا‪ ،‬ونخبة الذوق تفسده ليكون من جنس ما تحتاجه‬ ‫أخلاق المستبدين والفاسدين‪ ،‬أعني أخلاق الخواجة مستعمرنا كأنديجان‪.‬‬‫تلك هي حال النخب الخمسة التي توجد في كل الجماعات‪ ،‬والتي هي ما به يقاس طموح‬ ‫الجماعة عندما تعبر عنها‪ .‬لكنها في حالتنا في حرب دائمة عليها‪.‬‬‫أطلت البحث‪ ،‬لذلك فلن اضيف إلا جملتين قصيرتين حول العلة التي وعدت بتحديدها‬ ‫في غاية الكلام‪ :‬فرضيتي هي التعليل بالانحطاطين الموروثين‪.‬‬ ‫الانحطاطان‪:‬‬ ‫‪-1‬نكبة حضارتنا في التربية والحكم (ابن خلدون‪ :‬فساد معاني الإنسانية)‪.‬‬ ‫‪ -2‬نكبة الحداثة عندما تحولت إلى إيديولوجيا استعمارية‪.‬‬‫والنكبتان ولدتا الانحطاطين اللذين أنتجا الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي‪ .‬وهما‬ ‫سر أخلاق النخب التي انتحلت الصفات الخمس‪ :‬فسدت كل وظائف الدولة‪.‬‬‫فنحن عالة على الحامي في كل شيء‪ ،‬لأن منتحلي الصفة في الإرادة والمعرفة والقدرة‬ ‫والحياة والوجود‪ ،‬فتقضي بذلك على من بقي له شيء من معاني الإنسانية‪.‬‬ ‫‪66‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬