Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-05-05 12:33:04

Description: بقيت ثلاثة فصول:
- الثالث لتعريف الحداثة.
- والرابع والخامس للكاريكاتورين.
والكلام على كاريكاتور التأصيل نورده لتضايفه مع كاريكاتور التحديث.
ذلك أن هدف البحث ليس الكلام على الكاريكاتور التأصيلي، بل على الإسلام ورؤاه التي صدرت عن كاريكاتور التحديث، والكاريكاتور الثاني فهو رد فعل عليه.
وسآخذ مثالين من كلا الكاريكاتورين.

Search

Read the Text Version

‫ثورة الإسلام‬‫وادعياء الحداثة الكاريكاتورية‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪-‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫وأدعياء الحداثة الكاريكاتورية‬



‫بقيت ثلاثة فصول‪:‬‬ ‫‪-‬الثالث لتعريف الحداثة‪.‬‬ ‫‪-‬والرابع والخامس للكاريكاتورين‪.‬‬ ‫والكلام على كاريكاتور التأصيل نورده لتضايفه مع كاريكاتور التحديث‪.‬‬‫ذلك أن هدف البحث ليس الكلام على الكاريكاتور التأصيلي‪ ،‬بل على الإسلام ورؤاه التي‬ ‫صدرت عن كاريكاتور التحديث‪ ،‬والكاريكاتور الثاني فهو رد فعل عليه‪.‬‬ ‫وسآخذ مثالين من كلا الكاريكاتورين‪.‬‬ ‫‪-‬فمن التأصيلي‪ ،‬سآخذ مثالي تشويه رؤية الدين للاجتهاد والجهاد‪.‬‬ ‫‪-‬ومن التحديثي‪ ،‬تشويه رؤية الفلسفة للنظر والعمل‪.‬‬‫وبذلك أكون قد مثلت للابتعاد عن حقيقة الإسلام‪ ،‬كما حاولت تحليل مقوماتها والابتعاد‬ ‫عن حقيقة الحداثة‪ ،‬كما سأحاول تحليلها‪ ،‬وبذلك أختم المحاولة‪.‬‬‫وضعت مفهوم الديني في كل الأديان لتعريف الإسلام‪ ،‬وأجدني مضطرا لوضع مفهوم‬ ‫الفلسفي في كل الفلسفات لتعريف الحداثة‪ :‬حيلتان أو نظريتان للحل‪.‬‬‫وبينت أن الديني في كل الأديان يعود إلى الخلقي والقانوني‪ ،‬سر بعدي الإنسان‪ ،‬وسأبين‬ ‫أن الفلسفي في كل الفلسفات يعود إلى النظري والعملي‪ ،‬لنفس السر‪.‬‬‫والقرآن صريح في تعريف ذاته‪ ،‬بكونه خطاب الديني في كل الأديان‪ ،‬الذي هو موضوع‬ ‫الرسالة الخاتمة وأسسه على عهد بين الله وأبناء آدم‪ ،‬وعيا بالفطرة‪.‬‬‫ففي الآيتين ‪ 172‬و‪ 173‬من الأعراف‪ ،‬صاغ القرآن ذلك رمزيا‪ ،‬فاعتبر الفطرة موضوع‬ ‫عهد يحرر من عقبتين‪ ،‬قد يتحولان إلى حجتي اعتذار وتفص‪ :‬الغفلة والتربية‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫لكن القرآن لا يقف عند هذا الحد‪ ،‬بل صاغ‪ ،‬وإن بأقل صراحة‪ ،‬في تحديد الفلسفي في كل‬ ‫الفلسفات‪ ،‬ما يناظر الأخلاق والقانون في الديني في الأديان‪.‬‬‫وبذلك أبدأ‪ ،‬فكلامي على الفلسفي في كل الفلسفات‪ ،‬لتحديد الحداثة التي سأورد‪ ،‬مفارقة‬‫ما كنت لأقولها لو كنت ممن يتبعون الموضة ويطلبون النجومية‪ ،‬فمتتبع الموضة وطالب‬‫النجومية يعرّف الحداثة إيجابا‪ ،‬بكونها عصر العقل المطلق‪ ،‬وسلبا بكونها عصر اللادين‬ ‫المطلق‪.‬‬ ‫لكني أراها العكس تماما كما أبين‪.‬‬‫فالحداثة بدأت مع الفلسفي في كل الفلسفات‪ ،‬كما بما بدأ به الديني في كل الأديان‪ :‬أي‬ ‫وعي العقل بحدوده في النظر والعمل‪ ،‬أو الاعتراف بالغيب‪.‬‬‫فالفلسفي في كل الفلسفات‪ ،‬هو وعي العقل بحدود النظر والعمل‪ ،‬المبنيين على العقل‬ ‫المدرك لحدوده‪ ،‬نظير الأخلاق والقانون في الديني في كل الأديان‪.‬‬‫لذا اعتبرت حداثة النظر والعمل‪ ،‬أو الفلسفي في الفلسفات قد بدأت بتجاوز مدرستنا‬ ‫الفلسفة اليونانية قبل الغرب بقرنين‪ :‬الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪.‬‬‫لن أكتفي بأدلة تاريخ الفكر التي تقبل عدة تأويلات‪ ،‬بل سأعتمد على نظرية التعبير عن‬ ‫الذوق الوجداني والوجودي‪ ،‬ونظرية العلم‪ ،‬وقد عالجتهما سابقا‪.‬‬‫رأينا أن التعبير عن الوجدان يحاول تجاوز استحالة قول ما لا يقال من ذوق الوجدان‬ ‫والوجود‪ ،‬فيكون مصدر الإبداع الجمالي والجلالي في كل الحضارات‪.‬‬‫كما رأينا أن علم النظر في الوجود‪ ،‬والعمل في التاريخ‪ ،‬كلاهما يعترضه ما فيهما مما لا‬ ‫يقبل العلم‪ ،‬وهو دينيا غيب الوجود‪ ،‬وفلسفيا الموجود اللامعلوم‪.‬‬‫فيكون الإبداع الذوقي‪ ،‬المعبر عن الوجدان والوجود‪ ،‬هو موضوع الأكسيولوجيا‪ ،‬والابداع‬ ‫العلمي‪ ،‬المعبر عن النظري والعملي‪ ،‬هو موضوع الأبستمولوجيا‪.‬‬ ‫والاكسيولوجيا‪ ،‬هي أصل كل دين‪ ،‬والأبستمولوجيا‪ ،‬هي أصل كل فلسفة‪.‬‬ ‫إنهما أصل ثورة الدين والفلسفة في آن‪ .‬والإسلام بهذا المعنى‪ ،‬ثورة دينية وفلسفية‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫فتكون الحداثة الدينية قطيعة الإسلام مع الأديان القديمة‪ ،‬بتحديد الديني في الأديان‪:‬‬ ‫فالقرآن نقد ديني‪ ،‬لدينين منزلين‪ ،‬ولدينين طبيعيين‪.‬‬‫وتكون الحداثة الفلسفية قطيعة الفلسفة النقدية العربية مع الفلسفات القديمة‪ ،‬بتحديد‬ ‫الفلسفي في الفلسفات‪ ،‬بتأثير قطيعة القرآن مع الأديان القديمة‪.‬‬ ‫تلك هي النظرية التي تبدو مفارقة لما اعتدنا عليه من فهم للحداثة‪.‬‬ ‫فأنا لن أهتم بالدليل التاريخي‪ ،‬بل ببنية الثورات الإبداعية في تطور الحضارة‪.‬‬ ‫فلابد في كل قفزة نوعية حضارية من ثورة في أصناف الإبداع الأربعة‪:‬‬ ‫المتعلقة بذوق الوجدان والوجود الأكسيولوجيين‪ ،‬وعلم النظر والعمل الابستمولوجيين‪.‬‬‫ولست بحاجة بعد هذا المعيار‪ ،‬بأن أقوم بمقارنة علاقة التحول الحضاري‪ ،‬الذي حدث عندنا‬‫بفضل الإسلام‪ ،‬والتحول الذي حدث في الغرب ويسمى حداثة‪ ،‬ففيهما كليهما حدثت ثورة‬‫إبداعية أكسيولوجية بالتعبير الوجداني والوجودي (الآداب والتصوف)‪ ،‬وابستمولوجية‬ ‫بالتعبير النظري والعملي (النظر والعمل)‪.‬‬‫وطبعا‪ ،‬فكالعادة‪ ،‬سيحتج من يريد الزبدة دون مخاض‪ ،‬أو من يريد النتيجة دون المقدمة‪،‬‬ ‫فيعتبر كل هذا التأسيس النظري لفا ودورانا يمكن الاستغناء عنه‪.‬‬ ‫ومرة أخرى‪ ،‬آن لنا أن نعتبر المعرفة من جنس العمران‪.‬‬‫يمكن أن تبقى حياتك كلها في الخيام‪ ،‬فلا تحتاج إلى أوتاد تغور في الأعماق‪ ،‬فلا تحتاج‬ ‫للفكر‪.‬‬‫والأبداع الأكسيولوجي والأبستمولوجي في كل ثورة روحية‪ ،‬يتضمن ثورة في الآداب‬ ‫والأديان والعلوم والفلسفات‪ .‬ما بين الاولين من جنس ما بين الثانيين‪.‬‬‫وإذن فحضارتنا مثل الحضارة الغربية‪-‬والقانون عام‪ ،‬يشمل مما أدى دورا مثيلا‪-‬استوعبت‬ ‫ما تقدم عليها وتجاوزته بثورة ادبية ودينية وعلمية وفلسفية‪.‬‬‫وانطلاقا من هذه النظرية‪ ،‬التي هي ككل نظرية‪ ،‬حيلة عقلية لصوغ المضمون المعرفي لما‬ ‫نريد البحث فيه‪ ،‬بمفهومات قابلة للتحديد الدقيق‪ ،‬نعرف الحداثة‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫ما أظن أحدا يجادل في صحة القول بأن كل تحول حضاري كيفي في تاريخ الإنسانية لا بد‬ ‫له من أفق ومناخ روحي‪ ،‬يتفرع إلى ما ذكرنا من الإبداعات الأربعة‪.‬‬‫ونحن نعلم أن أوروبا مرت بثورة أدبية وفنية في القرن الرابع عشر المعاصر لابن تيمية‬‫وابن خلدون‪ ،‬وأنها مرت في نفس الحين بثورة علمية (لاحظها ابن خلدون)‪ ،‬وأنها مباشرة‪،‬‬‫وخاصة بالتصاحب مع تحول المسلمين إلى الموقف الدفاعي في المغرب الإسلامي‪ ،‬وشرعت في‬‫موقف هجومي عسكري في البلقان وأوروبا الوسطى‪ ،‬وأن رجحان كفة الخلافة العثمانية لم‬‫يكن مبنيا على سر القوة التي بدأ المسلمون يفقدونها والغرب يتمكن منها‪ :‬العمل على علم‬ ‫مع الطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫وما إن أطل القرن السادس عشر‪ ،‬حتى بلغت الثورة ذروتها‪ :‬الثورة الدينية والفلسفية‪،‬‬ ‫فبلغ اللقاء التخاصبي بين الحضارتين ذروته الدينية والفلسفية‪.‬‬‫ذلك أن الثورة الأدبية غيرت نمط العيش‪ ،‬كما رمز إليه جوته‪ ،‬في إيلاء أهمية للدنيا‪،‬‬ ‫منافية للفكر المسيحي وقريبة من الإسلام بتأويل الفيلسوف هاينه‪.‬‬‫ونفس الأمر يقوله مؤرخو العلم‪ ،‬وخاصة الرؤية الابستمولوجية المختلفة عن الرؤية‬‫اليونانية‪ ،‬التي تنسب إلى تأثير الحضارة الإسلامية ودور التجربة‪ ،‬فكان لبلوغ الوعي‬‫الذوقي والعلمي‪ ،‬مرحلة تقتضي ثورة في الوعي الديني والفلسفي‪ ،‬وهو ما حدث في بدايات‬ ‫القرنين السادس عشر والسابع عشر‪ .‬فحصل التعريف الصريح للحداثة‪.‬‬‫والتعريف‪ ،‬هو ما يطابق المفارقة التي أقدمت عليها‪ ،‬والتي تناقض تمام المناقضة لرؤية‬ ‫الكاريكاتور الحداثي‪ :‬تم تجاوز إطلاق العقل والاعتراف بحدوده‪.‬‬‫فلا ديكارت‪ ،‬ولا لايبنتس‪ ،‬ولا لوك‪ ،‬ولا أحد ممن يعتد به من مفكري القرن السابع عشر‬ ‫وما بعده‪ ،‬لم يعد يؤمن بأن العقل يستمد فاعليته من وعيه بحدوده‪.‬‬‫توقفت سخافات رد المنقول للمعقول‪ ،‬والعقلانية الساذجة التي ينسبها الجابري لابن رشد‬‫ويتوهم أنها هي التي أخرجت الغرب من التخلف العلمي والفلسفي‪ ،‬وبلغت هذه‬‫الأبستمولوجيا النافية للمطابقة بين العلم والوجود (ثورة ابن تيمية وابن خلدون)‪ ،‬عند‬ ‫كنط‪ :‬النقد هو بالأساس علم حدود قدرات العقل‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫عندئذ تحدد الفلسفي في كل الفلسفات‪ :‬النظر والعمل في حدود العقل‪ ،‬الذي يدرك‬ ‫حدوده‪ ،‬بمعنى أنه لا يتوهم حصر الوجود في الإدراك بلغة ابن خلدون‪.‬‬‫فالثورة في التعبير الوجداني والوجودي(الأكسيولوجيا)‪ ،‬اكتملت في الإصلاح الديني‪،‬‬ ‫والثورة في النظر والعمل (الابستمولوجيا)‪ ،‬اكتملت في الإصلاح الفلسفي‪.‬‬‫وعن الإصلاح الديني (الحرية الروحية أو انهاء دور الوساطة الكنسية) نتج الإصلاح‬ ‫السياسي (الحرية السياسية أو انهاء دور الحق الإلهي في الحكم)‪.‬‬‫وعن الإصلاح الفلسفي (حرية العقل وإنهاء وهم المطابقة) نتج الإصلاح الاجتماعي‬ ‫(الحرية المدنية أو مبدأ المساواة والأخوة البشرية الكونية)‪.‬‬‫فالديني في كل دين يساوي الحرية الروحية (الأخلاق)‪ ،‬والحرية السياسية (القانون)‬ ‫والفلسفي في كل فلسفة يساوي الحرية العقلية (النظر)والحرية المدنية (العمل)‪.‬‬‫وما أظنني بعد هذا الاستنتاج المنطقي‪ ،‬بحاجة للمزيد بخصوص علاقة الحضارتين‬ ‫المتنافستين منذ بداية تاريخ المسلمين‪ ،‬رغم خسراننا التسابق مؤقتا‪.‬‬‫ومن السخف قراءة التاريخ بمنطق اصحاب التأصيل وأصحاب التحديث الكاريكاتورين‪،‬‬ ‫اللذين يتحدان في فلسفة للتاريخ‪ ،‬تخضعه لمنطق التنافي بين الحضارتين‪.‬‬‫فأولئك يشترطون للاستئناف‪ ،‬الحرب على الحضارة الغربية وقيمها‪ ،‬وهؤلاء‪ ،‬الحرب على‬ ‫الحضارة الإسلامية وقيمها‪ .‬وكلاهما مجرد كاريكاتور مما يدعي تمثيله‪.‬‬‫ذلك ما أنوي بيانه في الفصلين الموالين بعد أن قدمت تعريف ثورة الحضارتين المتنافستين‬ ‫واشتراكهما في الديني في كل دين وفي الفلسفي في كل فلسفة‪.‬‬ ‫‪55‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬