أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
سيعجب الكثير من القراء من هذه الصورة التي آل إليها استراتيجيو الغرب في حربهم على الاستئناف الإسلامي :اللجوء في الأخير إلى العقلية السحرية.كلنا يعلم أن القبائل البدائية كانت تعمل بها كلما خافت من أمر متوقع أو عجزت أمام أمر حاصل .سلوك استراتيجيي الغرب آل إلى ذلك خوفا وعجزا. كيف كانت القبائل البدائية تتصرف إزاء عدو متوقع أو حاصل؟تصنع منه دمية وتتعامل معها بما تريده أن يحصل لعدوها ،لعل ذلك يؤثر ،فيلغي علة الخوف.فمنذ نزول القرآن وحمل العرب رايته ،لم يتوقف الصراع بين الحضارتين .هزم العرب بسبب المغوليات والصليبيات والاسترداديات ،فأخذ الأتراك المشعل.واليوم ،رغم رواسب التخلف والفتن الداخلية ،استأنف الإسلام عودته إلى التاريخ بعنفوان أعاد إلى أذهان محاربيه نفس الخوف ،فحاولوا تركيعه وفشلوا.لذلك لم يبق إ ّلا العلاج السحري بلعبة الدمى التي كانت تلجئ العاجزين إلى سحرتهم: والسحرة اليوم هم استراتيجيو الحرب الرمزية بالسلاح اللطيف.صنعوا دمية من شرط الاستئناف الممكن سموها الخلاف ،وفعلوا بتوسطها كل ما يشبه غرز المسامير والابر فيها ،كما يفعل السحرة في القبائل البدائية.وسموا هذه العملية الحرب على الإرهاب .وطبعا فالمشاركون في هذه الحرب ليس الغرب وحده ،بل وكل دماه في الشرق :أي الأنظمة العميلة ونخبها المنحطة.لكن غرز الإبر والسكاكين في دمية سحرتهم-داعش-أو الحرب على الإرهاب ،هم مضطرون لإدامته حتى يتأكدوا من مفعول سحر الحرب الرمزية بالسلاح اللطيف. 41
الخطة لتمكين سلاحهم اللطيف من تحقيق المطلوب ،قدروا مدة توجهها العنيف بـثلاثين سنة حتى تنجح الحرب اللطيفة ،فتيأس الأمة من الاستئناف الذي يخيفهم.ذلك أن الجميع يعلم أن ما يسمونه داعش ما كان ليصمد أكثر من شهر أمام حلف دولي بهذا الحجم ،لو لم تكن القضية كلها من جنس ما وصفت بتواطؤهم كلهم.لو كانت داعش كيانا مستقلا وليست دمية بالصورة التي وصفت ،لما أمكن لها أن تتبادلوتتواصل مع قوى الخصم الذي يدعي محاربتها بزعيق ونعيق عجيبين .فهي تتواصل معالذارعين (إيران وإسرائيل) ومع الحاميين (روسيا وأمريكا) ومع الأنظمة العربية العميلة ومليشيات القلم والسيف التي يستعملها الجميع. دمية السحرة دمية مماذا؟ اسمها وفكرها يحدد القصد. إنها دمية من دولة الإسلام ،ودمية من فكر الإسلام. والدميتان لتشويه حقيقة ما يخيف الأعداء.من يعرف تاريخ العلاقة الوسيطة بين الحضارتين ،يدرك أن هذا التعريف هو نفسه ماعليه استندت إليه حملة الشيطنة التي جيشت أوروبا ضد الإسلام .فليست هذهالاستراتيجيا مستمدة من سلوك السحرة في القبائل البداية فحسب ،إنها نكوص إلى حل الكنيسة في القرون الوسطى :لم يتغير إلا الاكليروس.ويكفي لفهم ذلك ،سماع نسختهم المبتذلة لدى علمانيي العرب وليبرالييهم وقومييهم: فمجرد التفكير في الاستئناف يرعبهم ،فيتحالفوا حتى مع الشيطان.وقد بينت رفضي للرد بالمثل ،فنلجأ إلى حل سحرة القبائل البدائية و اكليروس القرون الوسطى الذي صار لنا منه نسخ باهتة :الحل رو ح الإسلام وإيجابيته.أنا واثق بأن الاستئناف الإسلامي لن توقفه هذه الحلول السحرية ،وإن بطأته بعض الوقت :فما تحقق في أٍربعة عشر قرنا من تاريخنا ،يجعلنا قوة القطب الصاعد. ونحن ذلك القطب لعلتين :طبيعية وثقافية. -فطبيعيا قوتنا مضاعفة :دار الإسلام وديموغرافيته. 42
-وثقافيا قوتنا مضاعفة :سلامة الفطرة والعنفوان الوجودي.وسر هذه القوى وأصلها ،هو القوة التي لا تفوقها قوة :روح الإسلام العميقة التي لم تخب رغم أن الانحطاطين أفسدا معاني الإنسانية لدى جل نخبنا.ولأشرح القوتين الطبيعيتين :جغرافية الإسلام بموقعها وثرواتها هي قلب المعمورة، وديموغرافيتها هي الأكثر عنفوان ،لم تصب بالإعياء الوجودي الغربي.والقوتان الثقافيتان بينتان :إذا ما استثنينا القلة الفاسدة بالترف ،فإن شعوبنا ما تزال سليمة الفطرة لقربها من الطبيعة التي هي سر عنفوانها الوجودي.والعنفوان الوجودي مفهوم أضعه لأعبر به عن ثورتي الإسلام الأساسيتين ،وهما ما تعيبه الكنسية على الإسلام :منزلة الدنيا والجنس وأخلاق الأسياد.وحتى يتأكد القارئ مما أقول ،فليقرأ شهادة شاعرين وفيلسوفين غربيين صادقين لأنهما حاربا الكنسية طيلة حياتهما :شهادة نيتشه ،وقبله شهادة هاينه.فالأولى تخص أخلاق السادة (العرب والإسلام) وأخلاق العبيد (الغرب والمسيحية) في القرون الوسطى وحتى في العصر الحديث :وهذا موقف نيتشه الواضح.والثانية تقابل بين موقفين من الدنيا ،موقف القائلين بواجب الاستعمار في الارض والنصيب منها ،ممثلا بأدب جوته ومعارضيه ممن لهم رؤية نافية للدنيا.صحيح ان النهم الدنيوي يمكن أن يكون دليل فساد وانحطاط ،لكنه عندما يكون في إطار تصور يجعلها مطية الآخرة ،فإنه جزء من المتعاليات لا من الدنايا.لذلك فمسلم الغاية الذي سيحقق الاستئناف ،ينبغي أن يكون بأخلاق مسلم البداية الذي حقق النشأة الأولى والتي حررت الإنسان وحده من العبوديتين: -العبودية الروحية أو وساطة الكنسية بين المؤمن وربه -والعبودية السياسية أو الحق الإلهي في الحكم بدل سيادة الجماعة على أمرها تديره بالشورى.لذلك ،فخطابنا للإنسانية ينبغي أن يكون عين خطاب القرآن كما حددته النساء 1 والحجرات 13حتى نتحرر من انحطاط كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث. 43
فالكاريكاتوران جزء من حرب السحرة .والصورة المشوهة من الإسلام والحداثة ،أداة الحرب الرمزية لمنع ما يخيفهم بالحرب على الدمية التي صنعوها منه. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages:
