Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي

تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-08-30 17:29:13

Description: قبل الكلام في تأصيل الدولة ووظائفها كما يعرفهما الإسلام لا بد من تحرير فكر المسلمين من قراءة ما يجري بمقولات لا يعتمد عليها الغزو.
فمقولة الحرب الصليبية لا تصح وصفا لما يجري بين الإسلام والغرب حتى لو سلمنا بانها كانت صحيحة حتى حين حدوثها: محرك الحرب ليس دينيا وصليبيا.
فما كان يختفي حول المحرك الديني في الصليبيات صار غنيا عن هذا المحرك واستعاض عنه بما وصفت من استراتيجية غازية لعلل اقتصادية وأمنية معلنة.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫قبل الكلام في تأصيل الدولة ووظائفها كما يعرفهما الإسلام لا بد من تحرير فكر المسلمين‬ ‫من قراءة ما يجري بمقولات لا يعتمد عليها الغزو‪.‬‬‫فمقولة الحرب الصليبية لا تصح وصفا لما يجري بين الإسلام والغرب حتى لو سلمنا بانها‬ ‫كانت صحيحة حتى حين حدوثها‪ :‬محرك الحرب ليس دينيا وصليبيا‪.‬‬‫فما كان يختفي حول المحرك الديني في الصليبيات صار غنيا عن هذا المحرك واستعاض‬ ‫عنه بما وصفت من استراتيجية غازية لعلل اقتصادية وأمنية معلنة‪.‬‬‫الغازي لا يحارب الإسلام بدوافع دينية (قد يستعمله بعض ساستها) بل بدوافع اقتصادية‬ ‫وجيواستراتيجية صريحة وبغطاء قيمي غير ديني‪ :‬حقوق الإنسان‪.‬‬‫التمييز بين الدوافع لو لم يكن هذا الخلط بين دوافع الصليبيات وغطائها الأيديولوجي‬ ‫ودوافع الغزو الحدث وغطائه الإيديولوجي‪ ،‬ضروري للعلاج الشافي‪.‬‬‫فالرد على ما لا يحركه الدين بالتحريك الديني من الأخطاء الاستراتيجية التي تجعل‬ ‫المسلمين يعيشون مأزقا استراتيجيا أخطر حتى من غزو الاعداء للأمة‪.‬‬‫ذلك أن مثل هذا الفكر سيجعل القضية رهن أحوال النفس العقدية وليس رهن شروط‬ ‫الفعل السياسي والاستراتيجية المؤثر في التاريخ بشروط الفعل الحديثة‪.‬‬‫والإسلام يحدد شروط الفعل السياسي الكونية وهي لا تختلف عن شروطه الحديثة إلا‬ ‫بسبب اعتبار المسلمين التصدي للغزو يكون فهما للدين بأحوال النفس‪.‬‬‫لكن علوم الملة الزائفة التي قلبت فصلت ‪ 53‬وتجرأت على آل عمران ‪ 7‬صارت حائلة دون‬ ‫قراءة الأنفال ‪ 60‬فأصبحت الأمة منزوعة السلاحين المادي والرمزي‪.‬‬‫الحروب بين الأمم وحتى بين الأفراد يمكن أن يكون الدين أحد مبرراتها الأيديولوجية‬ ‫لكنه مبرر يغطي الدوافع المؤثرة بالفعل بالدوافع المنشطة لها‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫والتنشط قد يفيد وقد يضر‪ .‬فهو يفيد بالتنشط المناسب للدوافع الفاعلة ويضر‬ ‫بالدوافع غير المناسبة لها‪ .‬ويكون ذلك عندما نتجاهل تطور أدوات الدوافع‪.‬‬‫فمن يتكلم على ما يجري باعتباره صليبيا يتصور الدوافع دينية ولا يولي أهمية‬ ‫للمنشطات البديلة في استراتيجية العدو فضلا عن تطور أدوات الفاعلية‪.‬‬‫وحتى أكون شديد الوضوح‪ :‬الحرب الحديثة لا تعتمد على العاطفة الدينية‪ .‬فالمنشط‬ ‫الإيديولوجي مختلف والأدوات مختلفة‪ .‬فالتصدي بطالبان يزيدك تخلفا‪.‬‬‫لن يحررك من الغازي بل سيجعلك تهدم نفسك بنفسك إذ لا تقاومه بما تفوق عليك به‬ ‫بل ستجمد لأن مقاومتك ستبقيك حيث أنت في صراع مع صليبية وهمية‪.‬‬‫وتتوهم أن تهديم بلادك كما حدث في العراق أو في فيتنام انتصارا وهو في الحقيقة‬ ‫انتصار الغازي إذ تصبح تابعا له بنيويا كحال المغرب العربي‪.‬‬‫فقد تصور أجدادنا أنهم انتصروا على الاستعمار فإذا من قادوا العملية صاروا ممثليه‬ ‫وحققوا ما عجز دونه طيلة بقائه‪ :‬كان استعمارا ماديا فجعلوه روحيا‪.‬‬‫استعمال التحريك الديني وتصوره الدافع الفعلي لما يجري يحول دون فهمه فلا يمكن من‬ ‫معرفة علة هزيمتك للجهل بطبيعة المعركة والاستراتيجيا المناسبة‪.‬‬‫ولهذه العلة فكل الدعاة الذين يقرأون الاحداث قراءة دينية تجعلها مواصلة للحروب‬ ‫الصليبية هم أكثر الناس فائدة للغازي وضررا للإسلام والمسلمين‪.‬‬‫قد يستطيعون تجنيد دراويش لمقاومة تبدو جهادا وهي أبعد شيء عن حقيقته‪.‬‬ ‫فبفقدان الحيلة وشروط النجاح تنفي قيم الإسلام وتحفز شعوب العدو فتقويه‪.‬‬‫عنتريات هؤلاء الأميين المخترقين تكفي إحداها في إحدى مدن الغرب حتى يصبح النظام‬ ‫فاقد الشرعية مستمدا لها مما صار أقوى مثبت لطواغيت العرب‪.‬‬‫وكل من آل أمره إلى مثل هذا السلوك لم يكونوا إلا أدوات في صراع الأقوياء كل منهم‬ ‫يلهي عدوه فيحاربه بهم‪ :‬فيتنام والجزائر وكوريا الشمالية‪.‬‬‫على المسلمون ألا يكونوا ملهاة القوى فيبنى نظام العالم الجديد على جثثهم في حروبهم‬ ‫الاهلية وفي دعواهم التصدي لمعارك يسيؤون تحديد طبيعتها‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫فهذه الامثلة الثلاثة التي ضربتها من القرن الماضي هم اليوم أكثر تبعية وتخلفا مما‬ ‫كانوا‪ .‬ولا اعني أنه كان عليهم أن يبقوا كما كانوا بل شيء آخر‪.‬‬‫واليوم عندما ترى كوريا الشمالية وإيران يتعنتران على القوى العظمى فليس لأنهم‬ ‫يقاومونهم بل هم أدوات في معارك تتجاوزهم يستعملها كبار العالم‪.‬‬‫وما أطلبه ليس الخضوع بل البحث في شروط جعل المسلمين أنفسهم كبارا كما كانوا لئلا‬ ‫يبقوا كويرة بين أرجل اللاعبين في ملعب عالم الأقوياء الحديث‪.‬‬‫وعلاج إشكالية تفتيت مكان الإسلام وتشتيت زمانه ليس مما يمكن أن يحققه طالبان أو‬ ‫شباب الصومال أو داعش لأن هؤلاء جميعا يعملون العكس تماما‪.‬‬‫ويكفيني مثال واحد على أن من يفهمون طبيعة المعارك واستراتيجيتها في عصر العماليق‬ ‫عالجوا شروط تحقيق الانتساب إلى العماليق وليس تحديهم المباشر‪.‬‬‫وهذا المثال فهمته أوروبا بعد أن خسرت الحرب العالمية الثانية وفقدت مستعمراتها‬ ‫وعادت إلى حجم لا يمكنها من القيام بدور فعلي في عالم العماليق‪.‬‬‫ورغم حجم دولهم وقوتها العلمية والاقتصادية شعروا بأن ذلك ليس كافيا للقيام بدور‬ ‫في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ :‬أمريكا والسوفيات‪.‬‬‫لم ينشأ عندهم زعماء متعنترون ليكونوا أدوات في يد أحد القطبين ضد الثاني كما‬ ‫حصل عندنا حصولا أدخل العرب في حرب أهلية بين نوعي الانظمة فيها‪.‬‬‫فبدت انظمة العسكر أبطال القومية والحداثة وبدت انظمة القبائل ابطال الإسلام‬ ‫والأصالة لكنهم في الحقيقة كانوا أداتي صراع بين القوتين العظميين‪.‬‬‫وقادة أوروبا اختاروا استراتيجية تجاوز العداوة بين الألمان والفرنسيين لاسترداد دور‬ ‫يناسب شروط العصر واختار قادة العرب عداوة لم تكن موجودة‪.‬‬‫وحينئذ تفهم أن فهم طبيعة المعركة هو المحدد لطبيعة التصدي وهو استراتيجيا سياسية‬ ‫بالجوهر أساسها فهم منطق العصر وعلاج قضاياه بما يناسبها‪.‬‬‫فعندما تنظر في العلاقات بين التجمعات العربية الخمسة وبين الانظمة في كل منها ‪-‬مثال‬ ‫ما يحدث في الخليج حاليا‪-‬تفهم أن العرب \"أبهم\" خلق الله‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫فما يفعلونه هو المزيد من الحاجة للحماية والرعاية الأجنبية من بعضهم البعض ومن ثم‬ ‫فسياستهم هي مساعدة الأعداء في احتلال بلادهم وفقدان سيادتهم‪.‬‬‫المشهد السياسي العربي بين المجموعات وفي كل واحدة منها فاق كل المسرحيات الهزلية‬ ‫في الإبداع الأدبي‪ :‬إذ تسمع \"تسردكهم\" المتبادل وتسمعه‪.‬‬‫ونفس ما يجري بين الانظمة يجري بين معارضاتها‪ .‬يتنافسون على ترضية الحامي لعله‬ ‫ينال نصيبا منه بتكليفه بمهمة في محميات متسولة للحماية والرعاية‪.‬‬‫وليس أسخف ممن يتصورون الإيرانيين أذكياء ودهاة‪ :‬فما فعلته أمريكا بالشاه لا أستبعد‬ ‫أن تفعله روسيا بالخامنئي بمجرد أن يصبح غير قابل للتوظيف‪.‬‬‫وقد برهن من يتصورونه ممثلا لقوتها على ضعفها لأن استدعاء بوتين لم يأت من فراغ‬ ‫بل لأن المقاومة الشعبية السورية هزمتهم مع النظام وأذرعهما‪.‬‬‫والأمريكان وإسرائيل يعلمون ذلك ويدركون الحاجة إلى توظيف إيران في حربهم على‬ ‫قلب الإسلام(السنة) ولذلك يغضون الطرف عليها وعلى أذرعها العربية‪.‬‬‫وحينئذ تفهم لماذا جعلوا كل بلدين عربيين متجاورين في حرب دائمة على الحدود وعلى‬ ‫\"القوادة\" للحامي الذي يعاملهم كضرائر يقسم وقته عليهم‪.‬‬‫فيطؤهم جميعا وكلهم يدفع له اجر وطئه له حتى يختاره مؤقتا حليفا ضد أخيه‪ :‬تماما‬ ‫كما يحدث بين الضرائر في بيت الزوج المستبد والفاسد‪ :‬حال العرب‪.‬‬‫وما يحدث بين الانظمة له مثيل بين المعارضات والنخب السياسة والمعرفية والاقتصادية‬ ‫والفنية وأصحاب الرؤى من دجالي الدعاة للأصالة والحداثة في آن‪.‬‬‫ذلك هو المرض المتفشي في جسد الأمة وروحها تفشي الإيدز في أبدان المنحرفين من‬ ‫الحشاشين وأدعياء الفن المخلد إلى الأرض ليفسد الجمال والجلال‪.‬‬‫فنصل إلى طبيعة المعركة الجارية والاستراتيجيا السياسية التي ينبغي استعمالها‬ ‫لاستعادة دور الامة بما يناسب العصر ويقاوم استراتيجية العدو‪.‬‬‫والبدء يكون بما فعله الانحطاط والاستعمار بالأحياز‪ :‬الجغرافيا والتاريخ وأثر الأولى‬ ‫في الثانية (التراث) والثاني في الأولى (الثروة) وأصلها جميعا‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫والأصل هو الإسلام منزلة السياسي فيه بوصفه حماية ورعاية بشروطهما كما حددتها‬ ‫الأنفال ‪ :60‬شروط القوة عامة (للرعاية) والقوة العسكرية (للحماية)‪.‬‬‫وسياسة المكان وسياسة الزمان وسياسة التراث وسياسة الثروة فروع عن نظرية الدولة في‬ ‫الإسلام الجامعة بالحريتين بين الوحدة والتعدد فيها جميعا‪.‬‬‫وذلك ما فقدته الامة بمجرد أن صارت الوحدة نافية للتهدد في الجغرافيا والتاريخ‬ ‫والتراث والثروة بجرثومة الدولة الوطنية على أساس اثني أو طائفي‪.‬‬‫وبذلك ألغي مفهوم الرابطة المتعالية على الإثنية والطائفية وبين السيادتين المتراتبتين‬ ‫بين القطرة والمتجاوزة لها مثلما تحاول أوروبا تحقيقه‪.‬‬‫صراع السيادات القطرية ألغى السيادة لدى الجميع لأن الأقطار بحجمها الحالي كلها‬ ‫عاجزة عن شروط السيادة التي هي القدرة على الحماية والرعاية‪.‬‬‫ومن هنا صارت السيادات القطرية مجرد وهم حال دون شروطها فأصبحت الدويلات ما‬ ‫فرضه الانحطاط والاستعمار على الأحياز محميات بضرورة الحجم والشروط‪.‬‬‫وعندما قالت الأنفال ‪ 60‬وأعدوا لهم من قوة عامة ومن قوة عسكرية رمزت إليها برباط‬ ‫الخيل فهي تشير إلى الشروط المادية والرمزية للحماية والرعاية‪.‬‬‫فنحن نعلم الآن ان القوة عامة هي العلوم وتطبيقاتها وأن القوة العسكرية مناسبة للقوة‬ ‫عامة فالعصر يحول دون الصغار والسيادة في عالم العماليق‪.‬‬‫شرط السيادة الرمزية والمادية البحث العلمي وهو إذن إبداع تراث وثروة بالعلوم‬ ‫وتطبيقاتها وهذه كلفتها تتجاوز إمكانات الأقزام في عصر غزو الفضاء‪.‬‬‫ومن دون البحث العلمي يكون الصغار دائما تابعين في الرعاية لسد الحاجات المعيشية‬ ‫والانتاجية وفي الحماية لسد حاجات الدفاع عن الأرض والذات‪.‬‬‫ومن ثم فشروط السيادة في عصر العماليق هي أن تكون عملاقا وذلك بتكوين مجموعة‬ ‫متجانسة قادرة على تحقيق الشروط بوحدة المتعدد مستويين للمواطنة‪.‬‬‫أوروبا رغم حجم دولها وقوتها العلمية والاقتصادية والعسكرية فهمت ذلك‪ .‬لكن أقزام‬ ‫العرب يفضلون أن يكونوا أقل من ولاة في محميات تحقيق الشروط‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫ثم تراهم يتعنترون بعضهم على البعض ديكة مضحكة يلاعبها سيدها فيأخذ من هذا‬ ‫ضد ذاك ومن ذاك ضد هذا ولعل ترومب فضله أن أعلن ذلك سياسة صريحة‪.‬‬‫وما يدفعني للكلام في الأمر هو خوفي من أن تصبح الثورة هي بدورها ‪-‬بسبب من استحوذ‬ ‫عليها‪ -‬تفكر مثل هؤلاء طلبا لتكريس الذل والتبعية في المحميات‪.‬‬ ‫‪66‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook