Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore حقيقة السلطة او معضلة العلاقة بين الطبائع و الشرائع - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

حقيقة السلطة او معضلة العلاقة بين الطبائع و الشرائع - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-05-26 06:26:32

Description: بينا في الفصل الثاني شروط نسبة أي سلطة للإنسان، مختلفة عما فيه من سلطة تنسب إلى ما فيه من طبيعي، ليس له عليه سلطان مباشر: وظائف كيانه العضوي، ويمكن أن نعتبر ما يتعلق بكيان الجماعة متضمنا كذلك ما ليس للإنسان عليه سلطان، بمعنى أن للطبيعة سلطان على الإنسان في كيانه الفردي والجمعي. فيكون ما نعنيه بسلطان الإنسان في كيانه الفردي والجمعي، هو ما به يتميز الإنسان عن الحيوان عامة، من سلطان للوعي بأحكام الطبائع المؤثرة في الشرائع.
والوعي بأحكام الطبائع ليس طبيعة، وإلا لعمّ كل البشر ولما أحتاج إلى الجهد الحضاري الذي يتمثل في العلم بقوانين الطبائع واستعمالها للسلطان عليها.

Search

Read the Text Version

‫أو معضلة العلاقة بين الشرائع والطبائع‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫أو معضلة العلاقة بين الشرائع والطبائع‬



‫بينا في الفصل الثاني شروط نسبة أي سلطة للإنسان‪ ،‬مختلفة عما فيه من سلطة تنسب‬‫إلى ما فيه من طبيعي‪ ،‬ليس له عليه سلطان مباشر‪ :‬وظائف كيانه العضوي‪ ،‬ويمكن أن نعتبر‬‫ما يتعلق بكيان الجماعة متضمنا كذلك ما ليس للإنسان عليه سلطان‪ ،‬بمعنى أن للطبيعة‬‫سلطان على الإنسان في كيانه الفردي والجمعي‪ .‬فيكون ما نعنيه بسلطان الإنسان في كيانه‬‫الفردي والجمعي‪ ،‬هو ما به يتميز الإنسان عن الحيوان عامة‪ ،‬من سلطان للوعي بأحكام‬ ‫الطبائع المؤثرة في الشرائع‪.‬‬‫والوعي بأحكام الطبائع ليس طبيعة‪ ،‬وإلا لعمّ كل البشر ولما أحتاج إلى الجهد الحضاري‬ ‫الذي يتمثل في العلم بقوانين الطبائع واستعمالها للسلطان عليها‪.‬‬‫وقد رمز القرآن لذلك كله‪ ،‬بخاصية هي التي جعلت الله يعتبر الإنسان جديرا‬ ‫بالاستخلاف‪ ،‬رغم كونه قابلا لأن يفسد في الأرض ويسفك الدماء بشهادة الملائكة‪.‬‬‫وهذه الخاصية هي القدرة على التسمية‪ .‬ولما كان القرآن يعتبر التسمية تقبل الكذب‬‫(أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم)‪ ،‬والصدق‪ ،‬فالمقصود هو الثاني والسلطان‪ ،‬سلطان‬‫الإنسان هو ما له من فهم وعلم بأحكام الطبائع‪ ،‬محررين من سلطانها بقدر معين‪ ،‬لا يتجاوز‬ ‫العمل بها على علم‪ ،‬وليس نفيها‪ ،‬فلا سلطان عليها إلا بها‪.‬‬‫وبهذا يتبين أن الإنسان من حيث هو إنسان‪ ،‬وبمقتضى صفاته الخمس‪ ،‬ذو سلطان هو أثر‬ ‫حريته التي تتعين في وعيه بها‪ :‬إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده‪.‬‬‫فيكون سلطانه على ما عداه‪ ،‬مشروطا بسلطانه على مقومات ذاته‪ ،‬التي هي الإرادة‬ ‫والعلم والقدرة والحياة والوجود‪ .‬فليس للإنسان سلطان مباشر على غيره‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫سلطانه على غيره‪ ،‬بشرا كان أو حجرا‪ ،‬أساسه سلطانه على ذاته في تعينات مقوماتها‪،‬‬ ‫إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا‪ ،‬وشرطها وعيه بها وبشروط فاعليتها‪.‬‬‫لكن هذه المقومات لا تفعل في خلاء‪ ،‬بل إن بعدها الفردي يسبح في مجال شبه مغناطيسي‪،‬‬ ‫هو الجماعة وثقافتها‪ ،‬والتفاعل الفردي والجمعي في مناخها الروحي‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود‪ ،‬رغم كونها صفات ذاتية للفرد‬ ‫يختلف فعلها وانفعالها في المناخ الجمعي عنهما في وعي صاحبها‪.‬‬‫فالسلطان في وجوده الفعلي يتحدد في المقام الأول بهذا المستوى الثاني‪ ،‬أكثر مما يتحدد‬ ‫في المستوى الأول‪ :‬الوجود في الجماعة هو المحدد الأول بحق‪.‬‬‫فلا علم النفس ولا علم الاجتماع بكافيين‪ .‬بل لابد من علم النفس الجمعي‪ ،‬الذي هو‬ ‫أساس الانثروبولوجيا التاريخية والثقافية مع تاريخ الإنسان الطبيعي‪.‬‬‫والانثروبولوجيا (نظرية الإنسان)‪ ،‬ببعديها الطبيعي والتاريخي اللذين يمتزجان في‬ ‫الثقافي‪ ،‬بوصفه الترجمة الرمزية للحصيلة‪ ،‬هي مدخلنا لمفهوم السلطة‪.‬‬‫ولن أعجب من تعجب الكثير عندما أقول إن أفضل من فهم الظاهرة هو ابن خلدون‬ ‫بمفهوم \"الإنسان رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف\"‪ :‬الإنسان حر بالطبع‪.‬‬‫و\"الإنسان رئيس بالطبع\" بتعليل استخلافي‪ ،‬يجمع بين الطبيعي والثقافي‪ .‬فـ\"التعليل\" لما‬ ‫هو بالطبع‪ ،‬لم يكن ضروريا لو كان في حضارة تكفي بالطبائع‪.‬‬‫ابن خلدون يعلل ظاهرة موجودة بالطبع‪ ،‬بأساس ديني الاستخلاف‪ ،‬وذلك لأن مرجعيته‬ ‫الدينية تعتبر ما يوجد بالطبع هو ما يسميه الدين الخاتم فطرة الله‪.‬‬‫إذا عوضنا الطبيعة بالخلقة أو الفطرة‪ ،‬كانت الطبائع تالية عن الشرائع‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فسلطان الإنسان على مقومات ذاته‪ ،‬هو كيانه وأداته للسلطان على ما عداها‪.‬‬‫وسلطانه على مقوماته هو‪ ،‬وعيه بذاتيه وبعلاقته بما عداها‪ ،‬ويرد ذلك كله إلى المعادلة‬ ‫الوجودية‪ :‬القطبان الله والإنسان‪ ،‬والوسيطان الطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫والوصل بين القطبين بتوسط الوعي بالوسيطين وقوانينهما‪ ،‬للعمل على علم‪ ،‬يجعل‬ ‫الإنسان مشدودا دائما إلى الكونين الدنيوي(الطبيعة والتاريخ)وما وراءه‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫وما وراء الدنيوي محايث ومفارق للدنيوي‪ ،‬وهو تجلي الله والإنسان فيهما‪ ،‬بأفعالهما‬ ‫المطلقة والنسبية‪ :‬وإذن فاللقاء بين القطبين هو لقاء حريتين‪:‬‬ ‫‪ -‬حرية متقدمة‬ ‫‪ -‬وحرية تالية‬‫والأولى قبل الطبيعة والتاريخ‪ ،‬والثانية بعدهما وهما دلالتا \"ما وراء\" بعبارة ابن سينا‬ ‫عندما اقترح ما قبل بدل ما بعد‪.‬‬‫في الحقيقة لا ينبغي استبدال ما بعد بما قبل‪ ،‬استجابة لمقترح ابن سينا‪ ،‬بل لا بد من الما‬ ‫قبل والما بعد‪ .‬فتصور الإنسان حرا ما بعد‪ ،‬يشترط ما قبل‪.‬‬‫إذا نفينا وجود الله‪ ،‬امتنع أن نثبت وجود الإنسان‪ ،‬أي حريته‪ ،‬لأن وجوده من دون‬ ‫حريته يعني أنه مجرد ظاهرة طبيعية مثلها مثل الحجر ودون الشجر‪.‬‬‫وإذن فمن دون القطبين (الله والإنسان) لا يمكن فهم الوسيطين (الطبيعة والتاريخ)‬ ‫وما لا يمكن فهمه‪ ،‬هو ما يمسك بمقوماتهما ويوحد بينها في فعلها‪.‬‬‫وكل ذلك هو عين كيان الإنسان وعين المعادلة الوجودية‪ ،‬وهي اساس الدين والفلسفة‬ ‫مرسومين في بينة الوعي الإنساني‪ ،‬فكان الدين الخاتم تذكيرا بحاصل‪.‬‬‫القرآن نص ديني وفلسفي في آن‪ :‬والدليل القاطع أنه ينفي حاجة الرسول الخاتم لغيره‪،‬‬ ‫دلالة بنظام العالم‪ ،‬حتى وإن كان يحكي معجزات غيره بخرق النظام‪.‬‬‫والعلاقة بين نظام العالم وقابليته للخرق الإعجازي‪ ،‬دليل على أن النظام هو المعجز‪،‬‬ ‫لأنه انتخاب المعين من اللامعين الذي هو مضمون الإمكان المطلق‪.‬‬‫وانتخاب المعين من اللامعين للإمكان المطلق‪ ،‬يفيد بأن الباري يعمل بمطلق الحرية التي‬ ‫تختار من بين ما لا يتناهى من الإمكانات‪ ،‬أفضلها ليبدعه عن عدم‪.‬‬‫فاللامتناهي الإمكاني هو العدم‪ .‬والوجود ينشأ عليه نتوء الصورة على خلفيتها وبروزه‪،‬‬ ‫هو مفهوم الآية في الآفاق والأنفس دليلا على أن القرآن حق‪.‬‬ ‫وهذا هو الماقبل المطلق‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫والمابعد هو الإبداع الحضاري‪ ،‬ابداعا مشروطا بالإرادة والعلم والقدرة والحياة‬ ‫والوجود‪ ،‬أي بتجليات رئاسته أو استخلافه‪.‬‬‫والوصل الصاعد من القطب الإنساني إلى القطب الإلهي‪ ،‬هو أفعال الإنسان أو الإبداع‬ ‫الحضاري‪ ،‬وهو مستحيل التصور من دون تلق مضاعف للآفاق والأنفس‪.‬‬‫فالإنسان لا يبدع إلا بما يقدر ما يتلقى آيات الآفاق والأنفس‪ ،‬بنص القرآن الذي لا‬ ‫يعتبر نفسه هو مصدر المعرفة‪ ،‬بل هو المذكر بمصدرها والمنبه لطرقها‪.‬‬‫الوحي الخاتم بمقتضى فصلت ‪ 53‬لا يثبت حقيقته بالمعجزات الخارقة للنظام‪ ،‬بل بالدعوة‬ ‫إلى ما يتجلى من آيات في الآفاق والانفس‪ ،‬فيثبت أنه هو الحق‪.‬‬‫ولما كنت ألجأ دائما إلى شواهد من فكرنا‪ ،‬فسأورد مرة أخرى شاهدا من ابن خلدون \"وأما‬‫الأفعال الحيوانية لغير البشر فليس فيها انتظام لعدم الفكر الذي يعثر به الفاعل على‬‫الترتيب فيما يفعل إذ الحيوانات إنما تدرك بالحواس ومدركاتها متفرقة خلية من الربط‬‫لأنه لا يكون إلا بالفكر ولما كانت الحواس المعتبرة في عالم الكائنات هي المنتظمة وغير‬‫المنتظمة إنما هي تبع لها اندرجت حينئذ أفعال الحيوانات فيها فكانت مسخرة للبشر‬‫واستولت أفعال البشر على عالم الحوادث بما فيه فكان كله في طاعته وتسخره‪ .‬وهذا معنى‬‫الاستخلاف المشار إليه في قوله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة} فهذا الفكر هو الخاصة‬‫البشرية التي تميز بها البشر عن غيره من الحيوان‪ .‬وعلى قدر حصول الأسباب والمسببات‬ ‫في الفكر مرتبة تكون إنسانيته\"‬ ‫(المقدمة الباب ‪ 6‬الفصل ‪11‬في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر)‪.‬‬‫يمكن القول إن هذا الشاهد يتضمن أغلب ما سبق أن حاولنا بيانه في البحث‪ ،‬فنحن نجد‬‫العلاقة البينة بين مفهومي سلطان الإنسان الفلسفي والديني مجموعين في مفهوم الفكر‬ ‫الإنساني والتعليل السببي‪ ،‬رابطة الانتظام في العالم‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن التسخير مشروط بخاصية إدراك الروابط‪ ،‬بين المدركات بالنظام السببي‬ ‫وهو شارط لمفهوم الاستخلاف الذي يجعل الإنسان رئيسا بالطبع‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫سلطان الإنسان في أي مستوى من مستويات السلطة‪ ،‬يعود إلى هذه القدرة الفكرية التي‬ ‫تمكن من إدراك الترابط النظري والعملي الملازمين لوجود الإنسان‪.‬‬‫فإدراك العلاقة بين المقدمة والنتيجة‪ ،‬في النظر وبين الغاية والوسيلة في العمل‪ ،‬هما‬ ‫أساس كل سلطان إنساني‪ ،‬وشرطا رئاسته حتى لو كان عبدا لغيره‪.‬‬‫فالعبودية بالفعل لا تنفي السيادة بالقوة‪ ،‬وبينهما تطبيق هذا الفكر الذي يدرك العلاقة‬ ‫بين الحالين‪ ،‬فيعود من التالي مشروطا إلى المقدم شرطا ليتحرر‪.‬‬‫فيكتشف أن سلطان غيره عليه علته عدم سلطانه على ذاته‪ .‬فيكتشف أن استعادة‬ ‫سلطانه على ذاته‪ ،‬هو المنطلق للتحرر من سلطان غيره عليه بترابط الانتظام‪.‬‬‫فتصبح السيادة بالطبع هي هذه القدرة بالقوة على استعادة السلطان على الذات‪ ،‬لنقلها‬‫من منزلة الإنسان الشيء إلى منزلة الإنسان الواعي بمنزلته‪ ،‬وهذا هو الانتقال من مجرد‬‫ملكة الإدراك إلى إدراك الإدراك‪ ،‬أو من المعرفي الغفل بإدراك منزلة الذات الملازمة‬ ‫لكرامتها‪ ،‬فيكون المعرفي خلقيا‪.‬‬‫وهذا هو الوازع الذاتي الخلقي الذي يعتبره ابن خلدون مقدما على الوازع الأجنبي‪،‬‬ ‫أو السياسي‪ ،‬وشارطا لأدائه وظائفه بلطف‪ ،‬بدلا من أدائها بعنف‪.‬‬ ‫‪55‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬