Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الخامس - ابو يعرب المرزوقي

ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الخامس - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-05-06 11:14:52

Description: وهكذا نصل إلى نهاية هذه السلسلة، فصلها الخامس حول كاريكاتور التحديث عند النخب المناظرة لكاريكاتور التأصيل: وجودهما متضايف رد فعل متبادل بينهما.
فلتحريف الاجتهاد داعشاه، يدعيان التأسيس الفكري التأصيلي، أو التحديث كتحريف الجهاد: لدينا أمراء حرب الأقوال، وحرب أمراء الأفعال، وكلاهما للتهديم، كلاهما يشوه الماضي، وكلاهما يسد آفاق المستقبل، إما بكاريكاتور ماضينا، أو بكاريكاتور ماضي الغرب، دون فهم للماضيين ولشروط الاستئناف الحقيقي.
وقبل التقدم في العلاج، فلنحسم قضية تتكرر دائما مع القراء: فالكثير منهم يعتبر مثل هذه المحاولات من نوع "ويني وذنك"، لعادة التلقين بدل التحليل.

Search

Read the Text Version

‫ثورة الإسلام‬‫وادعياء الحداثة الكاريكاتورية‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪-‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫وأدعياء الحداثة الكاريكاتورية‬



‫وهكذا نصل إلى نهاية هذه السلسلة‪ ،‬فصلها الخامس حول كاريكاتور التحديث عند النخب‬ ‫المناظرة لكاريكاتور التأصيل‪ :‬وجودهما متضايف رد فعل متبادل بينهما‪.‬‬‫فلتحريف الاجتهاد داعشاه‪ ،‬يدعيان التأسيس الفكري التأصيلي‪ ،‬أو التحديث كتحريف‬‫الجهاد‪ :‬لدينا أمراء حرب الأقوال‪ ،‬وحرب أمراء الأفعال‪ ،‬وكلاهما للتهديم‪ ،‬كلاهما يشوه‬‫الماضي‪ ،‬وكلاهما يسد آفاق المستقبل‪ ،‬إما بكاريكاتور ماضينا‪ ،‬أو بكاريكاتور ماضي الغرب‪،‬‬ ‫دون فهم للماضيين ولشروط الاستئناف الحقيقي‪.‬‬‫وقبل التقدم في العلاج‪ ،‬فلنحسم قضية تتكرر دائما مع القراء‪ :‬فالكثير منهم يعتبر مثل‬ ‫هذه المحاولات من نوع \"ويني وذنك\"‪ ،‬لعادة التلقين بدل التحليل‪.‬‬‫لكن الفكر هو بالذات إدراك العلاقات الخفية‪ ،‬التي تمثل العلل العميقة للظاهرات‪ ،‬وخاصة‬ ‫إذا كان الأمر متعلقا بالكشف عن العقبات والأدواء المعيقة‪.‬‬‫فليس أسهل على طالبي النجومية من أخذ موقف الآمر الناهي بالكلام‪ ،‬على ما ينبغي وما‬ ‫لا ينبغي فعله‪ ،‬بنفس موقف التلقين بدل العلاج بالطريقة السقراطية‪.‬‬ ‫ما فائدة عرض النتائج التي توصلت إليها من دون قابلية الاختبار؟‪:‬‬ ‫‪-1‬بعرض الطريق الموصلة إليها معها‪،‬‬ ‫‪ -2‬أن يتمكن القارئ من التثبت منها بنفسه‪.‬‬‫وهذه الطريقة لا تعسر‪ ،‬بل تيسر‪ ،‬لأنها تحترم القارئ وتريده ألا يسلم بما لا يقبل‬ ‫المراجعة التي يمكنه القيام بها‪ ،‬بمناقشة الفرضيات وما بني عليها‪.‬‬‫ولا ننسى أن المطلوب هو اعتماد ما نحاول اثباته‪ ،‬فلا نستعمل طريقة الأوصياء التلقينية‬ ‫خلال كلامنا على الحريتين وإلغاء الوساطتين روحيا وسياسيا‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫ولا معنى لمعرفة لا تخضع لامتحان متلقيها‪ ،‬بعقد يجعلهم امتحانهم الذاتي لها‪ ،‬مبدعين‬ ‫وليس مجرد متلقين من سلط‪ ،‬تدعي المعرفة اللدنية أو العبقرية‪.‬‬‫وما لا أقبله من أي كان‪ ،‬أن يلقنني ما يمكن أن أصل إليه بعقلي معه‪ ،‬أو من دونه‪ ،‬لا يمكن‬ ‫أن أقبل فرضه على غيري‪ ،‬لذلك فلا أقدم شيئا إلا بمنطق اكتشافه‪.‬‬‫أقول هذا لأني لاحظت أن كاريكاتور التحديث أكثر تلقينية حتى من كاريكاتور التأصيل‪:‬‬ ‫فأسلوبهم يجعلهم دعاة أكثر مما هم باحثون يطلبون المعرفة‪.‬‬‫نحن في هذه المحاولات نعتمد طريقة الفرض والاستنتاج‪ ،‬ثم التطبيق على الموضع‬ ‫المدروس‪.‬‬ ‫وقد سميت هذه الطريقة بالحيل العقلية أو النظرية العلمية‪.‬‬‫فمنذ اليونان كانت النظرية تسمى \"ما ينقذ المظاهر\"‪ ،‬يعني ما يمكن من جعل مظاهر‬‫الموضوع‪ ،‬أو ما ندركه منه‪ ،‬قابلا للرد إلى بنية رياضية نظرية تفسرها‪ ،‬وموضوعنا الذي‬‫نريد انقاذ مظاهره‪ ،‬بمعنى اكتشاف البنية التي تفسرها‪ ،‬هو تعريف القرآن للإسلام‪،‬‬ ‫وتعريف الحداثيين للحداثة‪ ،‬وفهم الكاريكاتورين لهما‪.‬‬‫لا نطلب ذلك مجانا أو تطفلا على ما لا يعنينا في علاج إشكاليتنا الكبرى‪ ،‬أعنى شروط‬ ‫الاستئناف وعوائقه في المواقف من التراثين الإسلامي والغربي‪.‬‬‫وبهذا المعنى‪ ،‬فالأمر يمكن أن يزداد تعقيدا‪ ،‬لأن أي محاولة بفصولها ليست مفصولة عن‬‫المحاولات الأخرى‪ ،‬بل مدارها كلها شروط استئناف الأمة دورها‪ ،‬ولا يعني ذلك أن الأمر‬‫مقصور على الأمة الإسلامية‪ ،‬فيكون قائلا بالخصوصيات‪ ،‬بل هو يشمل كل استئناف‪ ،‬لأن‬‫شروطه كونية شرط استئناف الدور في كل حضارة وذلك عملا بمنطق ابن خلدون‪ :‬فهو‬‫يدرس \"العمران البشري والاجتماع الإنساني\" عامة‪ ،‬حتى وإن كان مجال التطبيق هو‬ ‫العمران والاجتماع الإسلاميين‪.‬‬‫النظرية عامة‪ ،‬والعينة بالضرورة خاصة‪ ،‬لكن ما يدرس فيها ليس خصوصيتها‪ ،‬بل الكلي‬ ‫فيها من حيث هي عينة من البشري والإنساني عامة‪ :‬السنن كونية حتما‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫وعدت بتقديم مثالين من نوعي الكاريكاتور‪ ،‬لكني تجنبت التشخيص فاكتفيت بوصف مجالي‬ ‫التمثيل وتركت للقارئ تطبيق الوصف على نجوم النوعين المعروفين‪.‬‬‫ما المشترك بين كاريكاتور الحداثة من النخب العربية‪ ،‬التي ازدادت جرأتها على التراث‬ ‫الإسلامي بمقدار اقتراب الانظمة التي يخدمونها من الإفلاس؟‬‫ولعل التهاب حناجرهم في الفضائيات قد بلغ الذروة بعد ثورة الشباب‪ ،‬وخاصة في مصر‬ ‫وتونس وبلاد ممثلي ميلشيات القلم‪ ،‬ضد الثورة والإسلام السياسي‪.‬‬‫المشترك هو حصر الفكر الحديث فيما تلا نكوص الفلسفي في الفلسفة‪ ،‬وتحوله إلى‬ ‫إيديولوجيا الحداثة التي لا تميز بين قيم الحداثة وقيم الاستعمار‪.‬‬‫وأيديولوجيا الحداثة التي تبرر الاستعمار ومركزية الغرب هي ما تلا هيجل وماركس من‬‫تخل عن نقدية كنط‪ ،‬ورد التاريخ الحضاري إلى التاريخ الطبيعي‪ ،‬فسواء قلنا مثل هيجل‬‫بأرواح الشعوب والمثالية‪ ،‬أو مثل ماركس بالطبقات والمادية‪ ،‬فإن جدل الصراع بين البشر‬ ‫والحضارات يخضع لقانون التاريخ الطبيعي‪.‬‬‫وبهذا المنطق‪ ،‬فالحضارة الإسلامية تعتبر حضارة تجاوزها التاريخ‪ ،‬وهذا هو المشترك بين‬ ‫النخب التي تبنت وتتبنى كاريكاتور الحداثة حلا لمستقبل البشرية‪.‬‬‫والحداثة المبدعة ذوقيا (الجمالي والجلالي)‪ ،‬وعلميا (النظر والعمل)‪ ،‬بمراحل الثورة‬ ‫الأدبية والعملية بداية‪ ،‬والثورة الدينية والفلسفية مغفول عنها‪.‬‬‫والمغفول عنه منها خاصة‪ ،‬هو كونية قيمها‪ ،‬التي هي عين ما بينا في كلامنا على ثورة الإسلام‪:‬‬ ‫ثورة أكسيولوجية روحية دينية‪ ،‬وثورة وابستيمولوجية عقلية‪.‬‬‫وبفضل هذين الثورتين‪ ،‬أصبحت الأخلاق‪ ،‬والقانون‪ ،‬والنظر‪ ،‬والعمل‪ ،‬كلها ظاهرات‬‫إنسانية كونية تشمل كل الحضارات بما يقرب من منطق النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ ،13‬فالحداثة‬‫قبل تحولها إلى إيديولوجيا تقول بقانون التاريخ الطبيعي (هيجل وماركس في التاريخ‬ ‫الحضاري كداروين في التاريخ الطبيعي)‪ ،‬آمنت بالثورتين‪.‬‬‫ثارت على وساطة الكنسية روحيا‪ ،‬وثارت على الحق الإلهي في الحكم سياسيا‪ ،‬وأصبحت أقرب‬ ‫ما يكون من الديني في الأديان‪ ،‬والفلسفي في الفلسفة كونيا‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫بدأت تدرك‪ ،‬كالفارابي مثلا في نظرية الجماعات‪ ،‬عندما أضاف إلى الثالوث الأرسطي‬ ‫(الأسرة والقرية والمدينة بمعنى الدولة) المعمورة بتأثير الإسلام‪.‬‬‫وبدأت قبل النكوص‪ ،‬تعرف كتابات من جنس مقدمة ابن خلدون في التاريخ الحضاري‪،‬‬ ‫ببعديه استعمارا في الأرض واستخلافا‪ ،‬دون حصرهما في جماعة دون أخرى‪.‬‬‫ما يؤثر في كاريكاتور التحديث العربي هو ما جاء بعد النكوص‪ ،‬مصحوبا بما جاء في مواقف‬ ‫الكنيسة قبل الحداثة من الإسلام ومن الرسول ومن المسلمين‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فهم ينقسمون إلى نوعين‪:‬‬ ‫‪ -‬من يغلب عليهم تأثير الكنسية قبل نشأة الحداثة‬ ‫‪ -‬ومن يغلب عليهم الإيديولوجيا الهيجلية أو الماركسية بعد نكوصها‬‫ويطابق الصنفان تماما‪ ،‬مذهبي الاستشراق غير العلمي‪ ،‬أعني الموظف دينيا وسياسيا في‬ ‫الصراع بين الحضارتين العربية الإسلامية واليهودية المسيحية‪.‬‬‫ورغم أن اصحاب الكاريكاتور الحداثي يكثرون من الكلام على التنوير‪ ،‬فإنهم أبعد الناس‬ ‫عنه‪ ،‬فهم ضده مرتين‪ :‬تبعية للأنظمة الفاشية التابعة للاستعمار‪.‬‬‫فالتنوير رشّد الروحي والعقلي‪ ،‬أي مطابقان للديني في كل دين‪ ،‬والفلسفي في كل فلسفة‪،‬‬ ‫وهو ضد الوصاية‪ :‬يتصرفون كأوصياء على الشعب‪ ،‬رغم تبعيهم المضاعفة‪.‬‬‫وتوجد علامة أكيدة على أنهم كاريكاتور الحداثة‪ ،‬وليس لهم منها شيء‪ ،‬أنهم من أدعياء‬‫الإبداع الأدبي والعلمي والديني والفلسفي من دون إبداع يذكر‪ ،‬فلم نسمع عن أحد منهم‬‫أنه حاز فعلا رتبة محترمة في الإبداع الأدبي او العلمي‪ ،‬فضلا عن الإبداع الديني‬ ‫والفلسفي‪ :‬فمجرد التقليد فيها ليس إبداعا‪.‬‬‫وطبيعي أن يكون الامر كذلك‪ :‬فكل الذين يكتبون في فلسفة الدين وفلسفة الحضارة‪ ،‬لا‬ ‫علاقة لهم بالفلسفة‪ ،‬ولا بالدين‪ ،‬ولا بالحضارة‪ ،‬وكتاباتهم صحافية‪.‬‬‫أعلامهم خريجو الآداب‪ ،‬وليس بينهم فلاسفة في أي مجال من مجالات الفلسفة‪ ،‬ولا علماء‬ ‫في أي مجال من العلوم الطبيعية أو الإنسانية‪ ،‬أو علوم أدواتهما‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫وعلوم الأدوات‪ ،‬كما سبق أن بينت‪ ،‬هي المنطق والرياضيات والتاريخ واللسانيات‪ ،‬ويجمعها‬ ‫كلها علم الوسميات أو ما بين السيميوتكس والفينومينولوجيا‪.‬‬‫وهم يجهلون أو يتجاهلون أن نقد الكتب المقدسة‪-‬التوراة والإنجيل‪ -‬في الفكر الغربي‪،‬‬ ‫منهجية بذراتها استعملها علماء القرآن والحديث قبل ذلك بكثير‪.‬‬‫والفكر الغربي النقدي لا يهدف إلى التشكيك في \"الدينية\"‪ ،‬لأن بحثه يتعلق بأصول‬‫مدوناتها‪ ،‬لا غير‪ ،‬فالعلماء يعلمون أن حقيقة الدين إيمانية‪ ،‬لا علمية‪ .‬وهذا الخلط‬‫بمجرده‪ ،‬كاف للدلالة على أن نقاد الدين من كاريكاتور التحديث‪ ،‬لا يميزون بين غرض‬ ‫المعرفة العلمية‪ ،‬وقضية الإيمان بالمعتقد الديني عامة‪.‬‬‫ومن أسخف ما أسمع بعضهم يتفوه به‪ ،‬هو ما يتهم به القرآن من أخذ عن المدونات الدينية‬ ‫المتقدمة عليه‪ .‬وقد شرحت هذه الغباوة بمثال مسجد القيروان‪.‬‬‫ذلك أن القرآن لا ينفي أنه ينتسب إلى الاسرة الكتابية‪ ،‬وأنه يتعامل مع الكتابين المتقدمين‬ ‫عليه بمنطق التصديق والهيمنة‪ ،‬أي إنه لا ينفي المشترك‪.‬‬‫ولا أخفي حقا أني أحيانا استحي مكان أصحاب هذه المحاولات الساذجة‪ ،‬المبنية على فرضية‬‫أن الأديان متماثلة وأن الإسلام مجرد دين كغيره من الأديان‪ ،‬فمن قرأ القرآن مهما غفل‪،‬‬‫يدرك أنه عرض نقدي للتجربة الروحية الدينية المنزلة (اليهودية والمسيحية) والطبيعية‬‫(الصابئية والمجوسية) وحتى الشرك‪ ،‬ويدرك أنه لا يعتبر التعدد الديني ظاهرة غير‬‫طبيعية‪ ،‬بل هو يعتبرها مثل كل أنواع التعدد‪ ،‬من الآيات الدالة على الحكمة‪ :‬شرط‬ ‫التسابق في الخيرات‪.‬‬‫ومجرد قوله بمعيار \"التصديق والهيمنة\"‪ ،‬يفيد بأنه يؤمن بأن الحقيقة كونية‪ ،‬وأنه لا‬‫يوجد دين خال من بعضها‪ ،‬وأن الديني في الأديان واحد‪ ،‬وهو ما يطلبه‪ ،‬واعتبار القرآن‬‫سلسلة الرسالات التي يقصها معبرة عن الإنسانية أمة واحدة‪ ،‬دليل قاطع على أن الإسلام‬ ‫ليس دينا من بين الأديان‪ ،‬بل فلسفة دين كونية‪.‬‬‫كل ذلك يتجاهله هؤلاء السذج ولا يتجرؤون إلا عليه‪ ،‬ويجبنون أمام أكبر تحريف للدين‪،‬‬ ‫أعني اليهودية والمسيحية‪ ،‬لأنهم توابع مرتين‪ :‬يتبعون أنظمة تابعة‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫اعتقد أنه يجب أن أقف عند هذا الحد‪.‬‬‫فقد تبين أن كاريكاتور الحداثة لا يقل تخلفا عن كاريكاتور الأصالة‪ ،‬وأنهما غير راشدين‬ ‫فكريا وروحيا‪.‬‬ ‫انتهى‪.‬‬ ‫‪66‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬