جريمة خان شيخون - النخب العربية والتهديم الذاتي - خاتمة - أبو يعرب المرزوقي

‫النخب العربية وتهديم الذات‬ ‫خاتمة‬‫الأسماء والبيان‬







‫ولأختم الكلام على خان شيخون بدراسة ظاهرة عجيبة تكررت ثلاث مرات في راهن‬ ‫التاريخ ولعلها ظاهرة كونية بمنطق تجاوز الحد ينقلب إلى الضد دائما‪.‬‬‫فعلّة فشل السوفيات والاشتراكية هو أن تجاوزها للحد قلبها إلى الضد‪ .‬فتشويهها لعدوها‬ ‫أصبح أبلغ دعاية له حتى صار حلم القطب الشرقي حياة الغرب‪.‬‬‫وفشل الأنظمة العسكرية العربية ومحاولة تعليله بنظرية المؤامرة ومقاومة العدو‬‫الغربي والإسرائيلي كان أفضل طريقة لتفضيلهما عليها في كل شيء‪ :‬أصبحت الانظمة‬ ‫العربية أكبر مسوقي النظام الغربي‪.‬‬‫ولعبة إيران ‪-‬حيلة الألم الظاهر لإخفاء الإيلام الخفي‪ -‬انتهى إلى فضح خطة التركيز‬‫على الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وإرهابه فجعلهما ألطف من احتلالها للهلال كله‬ ‫وإرهابها لشعوبه وحتى لشعبها‪.‬‬‫خان شيخون وتهديم الهلال من قبل مليشيات الأنظمة العسكرية وتمويلات الأنظمة‬‫القبلية للثورة المضادة تعد أفضل طريقة للتطبيع الشعبي مع إسرائيل‪ .‬أصحبت حروب‬‫الجيش الإسرائيلي مثال الحرب النظيفة‪ :‬ربما بسبب التقدم التقني والاستراتيجيا بعيدة‬ ‫النظر‪.‬‬‫حركة الرأي العام الغربي والشبابي منه على وجه الخصوص أصبح أقرب إلى قلوب‬‫الشعوب العربية التي اهدرت حقوقها وكرامتها من حكام العرب ومعارضاتهم‪ :‬العنف‬‫الأعمى حتى في فض الاعتصامات يقتل في اليوم الواحد أكثر مما تقتل اسرائيل في حرب‬ ‫غزة التي دامت شهرين‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫فالأنظمة العربية بصنفيها العسكري والقبلي جعلت شعوبها تعيش حربا أهلية تبرد لعجز‬‫الشعب أمام أجهزة الاضطهاد وتسخن بين الفينة والأخرى كما في الهلال وكما بدأت في‬ ‫الربيع في بعض بلاد العرب والبقية ستلحق حتما‪.‬‬‫وفي النهاية يكتشف الشعب أن الاستعمار المباشر الذي كان بحضور المستعمر أقل عنفا‬‫وعدوانا من الاستعمار غير المباشر الذي يمثله نوابه الحمقى حتى بات الاستعمار يرسل‬‫إليهم من يريد أن يحصل على اعترافات بما لم يستطع الوصول إليه من الوحشية التي‬ ‫يعلم أنها ممكنة في بلاد حكامها مجرمون وسفاحون‪.‬‬‫ما يمكن للمرء أن يخشاه هو أن تصبح الشعوب حتى من أجل مجرد العيش النباتي‬ ‫مضطرة لطلب الحماية من الاستعمار ضد الحرب الأهلية بين حكامها ومعارضتها‪.‬‬‫فما يجري في كل بلاد العرب وذروته ما يجري في الهلال لم يعد ثورة شعب ضد حكام‬ ‫مستبدين بل هو صار حربا أهلية بين نوعين من المليشيات قضت عليها‪.‬‬‫فمليشيات بشار وإيران سعت للقضاء على الثورة (مع بوتين بأفعاله والغرب بأقواله)‬ ‫لكن العامل الأهم كان التنافس بين الحكام والمعارضة على جثة سوريا‪.‬‬‫فأمراء الحرب في المعارضة والتعدد شبه اللامتناهي للحركات هو العامل الحاسم في فشل‬ ‫الثورة فما قتلته داعش من الجيش الحر ليس دون ما قتله النظام‪.‬‬‫وتشويه الثورة والإسلام كان من أهم الوسائل التي استعملها النظام وإيران وميلشياتهما‬ ‫لكي يؤجلوا الحسم ويحولوا وجهة الثورة بحجة مقاومة الإرهاب‪.‬‬‫ولست بغافل أن ذلك تعلة جعلت النظام وإيران وحتى الغرب والأنظمة العميلة التي‬ ‫تمول الثورة المضادة يضخمون مسألة الإرهاب لوأد الثورة في المهد‪.‬‬‫فهذه الخطة وضعها وزير داخلية فرنسا ‪-‬باسكوا الكرسيكي من مقاطعة المافية فيها لكي‬ ‫يفشل بداية الربيع في الجزائر لمنع وصول الإسلاميين للحكم‪ :‬وتلك خطة كل الأنظمة‪.‬‬‫لكن داعش مسألة أخرى ولا يمكن أن ترد إلى مجرد أداة مصطنعة‪ :‬فبعض المجرمين‬ ‫تصوروا إمكانية تكرار تجربة الخميني (الإمامة) في السنة (الخلافة)‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫داعش محاكاة للخمينية مع فارق كون الخمينية مؤمنة بنظرية الإمامة وبما تفعل منذ‬‫عصر الحشاشين وهم يكتفون بتوظيف الإسلام السني في لحظة يحتاج فيها الجميع لهذه‬ ‫الاستراتيجية‪.‬‬‫والخمينية نفسها ما كانت لتنجح من دون اندراجها في خطة غربية لمنع وصول السوفيات‬‫للمياه الدافئة بعد عجز الشاه عن التصدي لمعارضته اليسارية‪ :‬وما كان جيسكار يرسله‬‫بصورة رسمية لولا الخطة الغربية الهادفة لبديل عن المعارضة اليسارية خوفا مما حدث في‬ ‫افغانستان بعد ذلك‪.‬‬‫ولداعش نفس الدور‪ :‬فالعودة إلى الهلال ومنع تركيا والعرب من الاستئناف كان يقتضي‬‫إيجاد مبرر لحلفين مباشر وهو إقليمي (إيران واسرائيل) وسند غير مباشر وقد يصبح‬‫مباشرا عند الضرورة كما حصل فعلا (روسيا وأمريكا) لحرب تدوم على الأقل عقد للقضاء‬ ‫على كل شروط النهوض لغالبية الإقليم‪.‬‬ ‫وإذا استمر الأمر بمجراه الحالي ولم ينتبه من بقي من الثوار فيلملموا صفوفهم فإن‬ ‫الشعوب في النهاية كشعوب أوروبا الشرقية سيفضل الاحتلال الصريح‪.‬‬‫فخان شيخون وما سبقها مما هو من جنسها مع ما يحدث في العراق وسوريا واليمن ومصر‬‫وهلم جرا قد يؤول إلى هذا المآل‪ :‬فحذار وليع شباب الثورة الرهان فلا يواصل هذا الحمق‬ ‫الذي آل بالثورة إلى تفتيت فاق حتى ما كان يحلم به أعداء الأمة‪.‬‬ ‫‪33‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬