Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الفضاء العام الفصل الثاني - أبو يعرب المرزوقي

الفضاء العام الفصل الثاني - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-04-03 05:06:16

Description: لكن لمفهوم الفضاء العام بالمقابل مع الخاص معنيين آخرين أهم بكثير من هذا المعنى الذي يدور حوله الكلام المعتاد:
فأول المعنيين للفضاء العام في هذه الحالة لا يتعلق بالمشترك المكاني أو السياسي بين البشر بالمقابل مع الخاص منهما بل هو يتعلق باللامشترك المادي والرمزي بين البشر.
وله مستويات خمسة كذلك.
والمعنى الثاني هو المفهوم الذي يشمل هذه المعاني الأربعة والذي هو أصلها هو علاقة العام والخاص أو الكلي والعيني التي هي لغز الألغاز في كل الأديان والفلسفات.
فللمفهوم أبعاد أعمق وهي الأهم فلسفيا رغم أنها ليست من المعاني المتداولة في الكلام على الفضاء العام. ولذلك فهي التي تعنينا في هذه المحاولة.
ولها مستويان كذلك:
* أحدهما يمكن اعتباره فيزيائيا ماديا.
* والثاني يمكن اعتباره روحيا رمزيا.

Search

Read the Text Version

‫الفصل الثاني‪:‬‬ ‫الدلالتان العميقتان‪ :‬الزمانية والوجودية‬‫الأسماء والبيان‬







‫لكن لمفهوم الفضاء العام بالمقابل مع الخاص معنيين آخرين أهم بكثير من هذا المعنى‬ ‫الذي يدور حوله الكلام المعتاد‪:‬‬‫فأول المعنيين للفضاء العام في هذه الحالة لا يتعلق بالمشترك المكاني أو السياسي بين‬ ‫البشر بالمقابل مع الخاص منهما بل هو يتعلق باللامشترك المادي والرمزي بين البشر‪.‬‬ ‫وله مستويات خمسة كذلك‪.‬‬‫والمعنى الثاني هو المفهوم الذي يشمل هذه المعاني الأربعة والذي هو أصلها هو علاقة‬ ‫العام والخاص أو الكلي والعيني التي هي لغز الألغاز في كل الأديان والفلسفات‪.‬‬‫فللمفهوم أبعاد أعمق وهي الأهم فلسفيا رغم أنها ليست من المعاني المتداولة في الكلام‬ ‫على الفضاء العام‪ .‬ولذلك فهي التي تعنينا في هذه المحاولة‪.‬‬ ‫ولها مستويان كذلك‪:‬‬ ‫أحدهما يمكن اعتباره فيزيائيا ماديا‪.‬‬ ‫والثاني يمكن اعتباره روحيا رمزيا‪.‬‬‫وكلاهما ليس إضافيا إلى علاقة الإنسان بالمكان (المساكنة في المدينة) ولا إلى علاقته‬ ‫بالجماعة (المشاركة في إدارة الشأن العام)‪.‬‬‫إنهما معنيان يتعلقان بالإنسان عينه من حيث هو ذو كيان له مكان ذاتي هو جسده‬‫(مساكنة الذات لذاتها) الذي له وعي ذاتي بوجوده هو وعيه بكيانه بوصفه صاحب تعينه‬ ‫المكاني الذي يمثله جسده‪.‬‬‫وفي هذين المعنيين العميقين كليهما تتجوهر قضية العلاقة بين العام والخاص عامة في‬ ‫تحديد المفهومين وبين الكلي والفردي في تحديد الوجود الذي يعبر عنه المفهومان‪.‬‬‫وقلما ينتبه المتكلمون في الفضاء العام عليهما رغم كونهما أساس المعنيين الأولين بل هما‬‫الجسر الواصل بالمفهوم الأصل فيها جميعا أعني مفهوم الكلية والعينية في الوجود المفهومين‬ ‫‪41‬‬

‫اللذين هما جوهر الماوراء الفلسفي والديني في كل إبداعات الإنسان لكنه كيانه المتحيز في‬‫المكان والزمان والمتعالي عليهما بوصفهما فضاء عاما يتجاوزه بتفرده الذي لا يشاركه فيه‬ ‫أحد‪.‬‬‫وفي هذه الحالة يكون الفضاء العام كذلك مؤلفا من جنسين كلاهما متعدد بتعدد الفضاء‬ ‫الخاص بجنسيه أي‪:‬‬ ‫ما لا يمكن تجاوزه حتى لو أردنا الخروج منه سجنا نختنق به وفيه‪.‬‬ ‫وما لا ينبغي تجاوزه حتى لو أراد غيرنا تجاوزه عدونا على الذات‪.‬‬ ‫والأول الحائل دون تجاوزه طبيعي‪.‬‬ ‫والثاني الحائل دون تجاوزه تشريعي أو قانوني‪.‬‬‫فيكون المفهوم الجامع لهذين المعنيين الأعمق من علاقة الفضاءين العام والخاص هو ما‬‫يحدده النظام التواصلي إما بمقتضى الطبيعة (الجسد محلا للذات) أو بمقتضى الشريعة‬ ‫وضعية كانت أو دينية (الروح وعيا بالحلول في الجسد المتجاوز له)‪.‬‬‫وهذا المعنى المضاعف يجمع بين الخِلقي والخُلقي المحددين للعلاقة بين العموم والخصوص‬ ‫الحرة والمضطرة‪.‬‬‫والمعلوم أن الفضاء العام بالمعنى المتداول فضاء اختياري ومتضايف مع الفضاء الخاص‬‫الذي ينبغي إيجاده وحمايته بالمعنى العمراني (قسمة المكان إلى عام وخاص) والسياسي‬ ‫(قسمة حق الكلام في الشأن العام)‪.‬‬‫والتضايف يحصل بقسمة معينة بين الفضاءين وهي نسبة تزيد وتنقص وتحددها قوانين‬‫طبيعية أو إنسانية تمنع التعدي عن الحدود التي وضعتها بينهما ويتألف الفضاء العام بهذا‬ ‫المعنى المكاني من المستويات الخمسة التالية خمسة‪:‬‬ ‫‪-1‬الأُنسي (أماكن الترفيه والألعاب والحدائق والمقاهي إلخ‪.)...‬‬ ‫‪-2‬والروحي والفكري (المعابد والمسارح والجامعات إلخ)‪.‬‬ ‫‪-3‬والسياسي (أماكن التداول في الشأن العام)‪.‬‬ ‫‪-4‬والاجتماعي (الأسواق والمناسبات الكبرى كالموت والأعراس)‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪-5‬والجامع بينها كلها أعني حياة المدينة أو الحياة الجماعية عندما يضيق بها المكان‬ ‫فتصبح القسمة بين العام والخاص ضرورة يومية أي المدينة‪.‬‬‫أما الفضاء العام بالمعنى الأعمق فهو ليس اختياريا بل هو محدد بصورة طبيعية وخلقية‬ ‫وهو مثل الأول في تضايف مع فضاء خاص هو أحد أبعاد كيان الإنسان‪.‬‬‫وينبغي حمايته بالمعنى العضوي والنفسي ومنع تجاوزه لأنه عين حماية كيان الفرد‬ ‫ويتألف من المستويات الخمسة التالية‪:‬‬ ‫المستوى الأول‪:‬‬‫هو العلاقة بين ظاهر الذات وباطنها‪ :‬فما ينتسب إلى الفضاء العام هو الجسد لأنه مرئي‬ ‫من الجميع‪.‬‬‫وهذه العلاقة هي التي تتحكم اللباس وفي مخرجات البدن بحسب الحضارات والعصور‪.‬‬‫والبدن متضايف مع فضاء خاص هو باطن الإنسان أو روحه التي لا يطلع عليها إلا الله‪.‬‬ ‫وحتى صاحبها فهو لا يطلع إلا على القليل منها‪.‬‬ ‫المستوى الثاني‪:‬‬‫هو العلاقة بين \"ما بين الذوات‪ \"Intersubjectif‬من مدركات أو ما يسمى بالواقع وبين ما‬‫لدى الذات من تصورات لهذا الواقع فضلا عن الخيال الذي هو أكثر خصوصية حتى من‬‫الرؤى الخاصة لما يوصف بكونه المشترك بين الذوات من مدارك‪ .‬وقد أشار ابن خلدون‬‫إلى مدارك غير قابلة للعبارة ومن ثم فهي غير قابلة للتواصل بين الذوات ويسميها‬ ‫الوجدانيات‪.‬‬ ‫وهي جميعا من جنس المدارك الباطنة التي لا يمكن أن يشترك فيها أحد مع أحد‪.‬‬ ‫المستوى الثالث‪:‬‬ ‫والأكثر دلالة على المفهوم بمعانيه الخمسة هو العلاقة الظاهرة بين ذاتين وباطنها‪.‬‬ ‫إنه جوهر مفهوم الأسرة التي هي ذات ظاهر وباطن وكثرة ووحدة‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫فوجود الزوجين في الأسرة له وجهان ظاهرها فضاء عام يشترك فيه جميع أفرادها‬‫وباطنها فضاء خاص هو العلاقة الحميمة بين الزوجين إذ ينفردان وجها لوجه في غياب بقية‬ ‫أعضاء الأسرة‪ .‬والوجه الأول هو بداية الفضاء العام المطلق‪.‬‬ ‫والثاني هو بداية الفضاء الخاص المطلق‪.‬‬‫وفي هذه العلاقة سر تجاوز روحين جسديهما ليتجانسا بفضل العلاقة الحميمة التي هي‬ ‫تواصل جسدين وروحين في آن‪.‬‬ ‫المستوى الرابع‪:‬‬ ‫هو العلاقة التواصلية بين ثقافة وأخرى‪.‬‬‫فالفضاء الإنساني العام متضايف مع الفضاء الثقافي الخاص بكل جماعة والمرور بين‬‫ثقافتين متباعدتين وحتى بين حقبتين في نفس الثقافة يضعنا أمام علاقة بين عام وخاص‬ ‫هو سر كل ما يحصل من سوء تفاهم بين الحضارات وعلة صدامها‪.‬‬ ‫المستوى الخامس‪:‬‬‫والأخير هو العلاقة بين الإنسانية إن تصورناها ذات وحدة فضائية ما هي خصوصيتها‬ ‫كبشر وكل من سواها من الموجودات حية كانت أو جامدة‪.‬‬‫فهناك فاصل بين الإنسان وغيره من الكائنات‪ :‬الفضاء العام المتجاوز للمشترك‬ ‫الإنساني‪.‬‬‫فيكون الخاص الإنساني هو الوسيط الدائم الذي يعسر التحرر منه لتصور ما يتجاوزه من‬‫الوجود وهو ما يضعنا أمام نظرية المعرفة والوجود والعلاقة بين الكلي والجزئي واضطرار‬‫البشر للتعبير عما يتجاوز هذا الأفق بالقيس الإيجابي او السلبي على الإنسان وخاصة في‬‫الكلام على الرب مثلا أو على الطبيعة أي على من أو ما تنسب إليها الأفعال التي نعتبرها‬ ‫عللا لما يوجد دون أن يكون من فعل الإنسان‪.‬‬ ‫‪44‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook