Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مكانة الفهم الذاتي في علم الاجتماع - السوسيولوجيا بوصفها مؤسسة رمزية حرّة للتوجيه - محمد عبد النور

مكانة الفهم الذاتي في علم الاجتماع - السوسيولوجيا بوصفها مؤسسة رمزية حرّة للتوجيه - محمد عبد النور

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-02-11 11:57:37

Description: مهمة العلوم الاجتماعية صارت الآن اكتشاف الحقائق الغامضة في المجتمع والوعي الاجتماعي عن طريق الفهم التأويلي الذي هو ممارسة عقلية طبيعية قائمة على مبدأ "الحياد النسقي"، وليست مجرد تقنيات تصاغ خارجا عن الذات الباحثة

Search

Read the Text Version

‫الأسماء والبيان‬

‫مكانة الفهم الذاتي في علم الاجتماع‬ ‫السوسيولوجيا‬ ‫بوصفها مؤسسة رمزية ح ّرة للتوجيه‬ ‫‪2017.02.10 1438.05.13‬‬



‫والتنبؤ‪( ،‬خلافا للمعنى الفلسفي للفهم الذي‬ ‫يقرّر ماكس فيبر أن المقاربة السببية‬ ‫يحيل إلى العاطفة والوجدان)‪ ،‬ومن ثم فالفهم‬ ‫لوحدها لن تقرّبنا من الهدف الأساسي الذي‬ ‫عند فيبر خاصة إيجابية مميزة للعلوم‬ ‫تسعى إليه العلوم الاجتماعية والمتمثل في تحقيق‬‫الاجتماعية لما يُتيحه من فهم عميق لموضوعاته ‪25‬‬ ‫\"فهم تأويلي\" للفعل الإنساني‪.‬‬ ‫تميزه عن علوم الطبيعة ‪.1‬‬ ‫فالمقاربة السببية قاصرة عن أن توصلنا إلى ‪5‬‬ ‫والنتيجة المستفادة مما تق ّدم أنه إذا كانت‬ ‫استكشاف السبب الأولي الذي يُنشئ الأفعال‬ ‫العلوم الطبيعية أفقية الطابع من حيث نجاحها‬ ‫وردود الأفعال‪ ،‬كما أنها قاصرة أيضا عن أن‬ ‫في التعميم بفضل القوانين السببية فإن العلوم‬ ‫تكشف أسباب استمرار الأفعال على نحو قار‬‫الاجتماعية عمودية الطابع من حيث إمكان ‪30‬‬ ‫ومتكرر‪.‬‬ ‫نجاحها في التعميق بفضل \"الإمكانية‬ ‫الموضوعية\"‪ 2‬بوصفها مفهوما أداتيا طوّره فيبر‬ ‫كما يؤكّد فيبر أنه مهما كان الاختبار ‪10‬‬ ‫والذي أضحى أحد أدوات منهج \"التجريب‬ ‫التجريبي والإحصائي منجزا بإتقان فإنه‬ ‫الصوري\" باعتباره التعبير الجزل والواضح عن‬ ‫سيبقى مفتقرا إلى كشف الخاصية الجوهرية‬‫التفاصل الابستيمولوجي بين العلوم الاجتماعية ‪35‬‬ ‫المسؤولة عن مصدر نشأة الفعل وتكرره‪،‬‬ ‫فاكتشاف مصدر الأفعال الاجتماعية هو‬ ‫ونظيرتها الطبيعية‪.‬‬ ‫الهدف المركزي الذي تسعى إليه المعرفة ‪15‬‬ ‫فمهمة العلوم الاجتماعية صارت الآن‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬ومن ثم كانت الممارسة التأويلية في‬ ‫اكتشاف الحقائق الغامضة في المجتمع والوعي‬ ‫نظره الوسيلة الضرورية لبلوغ الموضوعية الحقة‬ ‫الاجتماعي عن طريق الفهم التأويلي الذي هو‬ ‫في العلوم الاجتماعية‪.‬‬‫ممارسة عقلية طبيعية قائمة على مبدأ \"الحياد ‪40‬‬ ‫النسقي\"‪ ،‬وليست مجرد تقنيات تصاغ خارجا‬ ‫ذلك ما يجعل من المقاربة الفهمية في حد‬ ‫عن الذات الباحثة‪ ،3‬وهو سعي لتحقيق أقصى‬ ‫ذاتها سعيا إلى تحقيق معرفة موضوعية منبنية ‪20‬‬ ‫على التفسير العقلي القائم على التحليل‬‫ينتهي الأمر إلى إثبات تأثير العنصر الذي يكون أكثر ارتباطا‬ ‫‪ 1‬العياش ي عنصر‪ ،‬مقال‪ :‬علم اجتماع الفهم عند ماكس فيبر‪،‬‬‫بالفعل الاجتماعي فتكون حينها علاقته بالموضوع علاقة‬‫\"سببية مناسبة\" بينما تكون علاقة العناصر التي يثبت أنها‬ ‫مجلة دراسات عربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬عدد ‪ ،3‬جانفي ‪ ،1986‬ص‬‫ليست ذات أثر فعال ‪-‬رغم ارتباطها الظاهر بالموضوع‪ -‬علاقة‬ ‫‪121-111‬‬‫\"سببية مصادفة\"‪( .‬العياش ي عنصر‪ :‬المقال المحال إليه في‬ ‫‪ 2‬الإمكانية الموضوعية أداة منهجية تقوم على بناء الباحث لـ‬ ‫الهامش رقم واحد)‪.‬‬ ‫(صورة ذهنية) مو َّجهة نحو فهم المواقف عن طريق عزل‬‫‪ 3‬فأول مطب تقع فيه التقنيات هو أنها تقوم بتقنين صارم‬‫للأدوات البحثية متغاضية تماما عن الاختلافات الشديدة‬ ‫عنصر أو عدة عناصر من الموضوع المركزي المدروس من أجل‬ ‫المرتبطة به‪،‬‬ ‫العناصر‬ ‫بقية‬ ‫بمعزل عن‬ ‫إوعهاذداةيبمن ّاكءنالاملوباضحوعث‬ ‫المعزولة‪ ،‬إذ‬ ‫العناصر‬ ‫قيمة‬ ‫من معرفة‬

‫بنفسه بتحديد احتمالي لجملة النتائج التي‬ ‫قدر من التناسب بين حقيقة الموضوع وكيفية‬ ‫يمكن أن تحصل‪ ،‬ثم في النهاية يستعين‬ ‫إدراك الباحث لها‪ ،‬ذلك أنها تقتضي حوارا‬ ‫بالأدوات التقنية فتحا لإمكان حضور تفسير لم‬ ‫ذاتيا للباحث مع نفسه أولا من أجل تفهّم‬‫يسبق أن خطر له على البال‪ ،‬إذ بالقدر الذي ‪30‬‬ ‫طبيعة الموضوع ومع الموضوع ثانيا من أجل‬ ‫يوظف فيه الجانبين الذاتي والتقني إلا أنّ‬ ‫تحقيق الوصول إلى المضامين الفعلية للموضوع ‪5‬‬ ‫الذاتي يكون أشمل للتقني ومو ِظّف له لا غير‪،‬‬ ‫والتي تكشف عن حقيقته بفضل التأقلم‬ ‫بهذا يتحقق المعنى الفعلي والحقيقي لمفهوم‬ ‫والتكيف الذي تتيحه مباشرة الذات للموضوع‬ ‫الإمكانية الموضوعية ويتدامج أيضا السببي‬ ‫من خلال التجريب الصوري‪ ،‬وذلك هو المعنى‬‫باللاسببي في المنهج الفيبري‪ ،‬أعني بشمولية ‪35‬‬ ‫الفعلي والدقيق لمفهوم الفهم عند فيبر‪ ،‬أعني‬ ‫توجيه العقل لنفسه من أجل فهم الموضوع ‪10‬‬ ‫اللاسببي الاحتمالي على السببي الدقيق‪.‬‬ ‫والاستغناء اللحظي عن أية أدوات خارجية‬ ‫مساعدة‪ ،‬فيغدو الفهم أسبق من التفسير –‬ ‫وإذ ذاك يفك مفهوم \"المعرفة الموضوعية\"‬ ‫المستعمل للتقنيات‪ -‬وشامل له‪ ،‬فلا تستعمل‬ ‫ارتباطه بنزعة التعميم والحرص على صياغة‬ ‫التقنية إلا عند الحاجة إليها كداعم إضافي‬ ‫قوانين علمية ثابتة ويتحول إلى معنى الفحص‬ ‫لعملية الفهم نفسها‪15 .‬‬‫المستمر للمعارف المنتجة عن المجال الاجتماعي ‪40‬‬ ‫من حيث مصدرها ومنطقيتها ومسار إنتاجها‬ ‫هكذا تغدو علاقة منهج الفهم التأويلي‬ ‫العقلي‪ ،‬أعني فحص المنهج‪ ،‬وكذا إمكان‬ ‫بمنهج التجريب الصوري علاقة كل بجزء‪ ،‬إذ‬ ‫بلوغها دقة الفهم من حيث توغّلها السليم –‬ ‫لا يمكن تحقيق معرفة بالكلي إلا بعد المرور‬ ‫المتحرر من التشويش‪ -‬في موضوع الدراسة‪،‬‬ ‫بالجزئيات‪ ،‬والجزئيات هنا ليست معايير‬‫أعني فحص المجتمع‪45 .‬‬ ‫ومقاييس محددة مسبقا بقدر ما هي جملة ‪20‬‬ ‫خبرات حياتية ومعرفية يكتسبها الباحث يقوم‬ ‫فتستحيل المهمة التنويرية للعلوم الاجتماعية‬ ‫باستعراضها بشكل ذاتي أولا ثم يقوم بصياغة‬ ‫إلى \"صناعة الوعي\" بالحقيقة المخفية‪ ،‬يكون‬ ‫عمل احتمالي في ترجيح ممكن واحد من بين‬ ‫فيها الباحث مُراقِبا لنفسه في كيفية إنتاج‬ ‫ممكنات كثيرة واردة على الوعي‪ ،‬فهو –أي‬ ‫المعرفة السوسيولوجية‪ ،‬وكذا المجتمع يراقب‬ ‫الباحث‪ -‬لا ينتظر أن تُحدّد له النتائج بشكل ‪25‬‬‫نفسه بنفسه بفضل الوعي الذي تبثه المعرفة ‪50‬‬ ‫آلي عن طريق تقنيات وقياسات بقدر ما يبادر‬ ‫السوسيولوجية‪ ،‬إذ يغدو علم الاجتماع حينها‬ ‫المؤسسة الرمزية الأعلى في توجيه الفعل‬‫لموضوع الدراسة أم لا‪ ،‬ولا تهدف هذه الملاحظات إلى نفي‬ ‫الحاصلة على مستوى الواقع الاجتماعي‪ ،‬فضلا عن أنها تمنح‬‫الشرعية عن التقنيات بقدر ما هو تنبيه إلى مكمن قصورها‬ ‫للباحث الأداة جاهزة بغض النظر عن كفاءته في فهم دواعي‬ ‫استعمالها كتقنيات‪ ،‬فضلا عن غض الطرف عن مناسبتها‬ ‫والإحالة إلى ما يمكن أن يستدرك ذلك القصور‪.‬‬

‫دخولها على الطبيعة وتحريفها لطبيعتها ‪30‬‬ ‫الاجتماعي انطلاقا من الرقابة الذاتية التي‬ ‫الأولى‪ ،‬فكذلك هي ميزة الوعي الحديث‬ ‫يحوزها بفضل فحص المنهج الذي يتيح له‬ ‫عندما دخل على الفطرة الأولى فأفسد فيها‬ ‫شرعية فحص المجتمع انطلاقا من الحياد‬ ‫فطرتها الأولى‪ ،‬ذلك أنه وعي انبنى على‬ ‫النسقي المحرِّر له من الارتهان لأية مسبقات‬ ‫تمارين \"الانعكاس الشرطي\" التي تقتل جوهر‬ ‫ثقافية أو معرفية‪5 .‬‬‫النفس وحريتها الوجودية عندما ن ّمطها وجعل ‪35‬‬ ‫ولعل تحقيق الانصهار التام بين الباحث‬ ‫البشر نسخا من بعضهم البعض‪ ،‬لذلك فإن‬ ‫والمجتمع باعتباره الجهد الذي يتطلّبه الفهم‬ ‫المفتاح الأفضل لاستكناه مكنونات النفس‬ ‫التأويلي هو في النهاية ثمرة للحرية الوجودية‬ ‫الفطرية هو التعامل معها انطلاقا من لا‬ ‫التي تتكرس كل مرة بفضل المنهج الفهمي‬ ‫نهائيتها كممكنات في الوعي نفسيا ومعرفيا‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬فالفهم هو جملة الوعي متجسدا في ‪10‬‬ ‫اللغة صوتا ورسما‪ ،‬لذلك كانت فاعلية العلم‬ ‫الاجتماعي تتراوح بين تحصيل الوعي بالعالم‬ ‫(حديث النفس) واللغة المختارة للتعبير عن‬ ‫ذلك الوعي (الحديث إلى العالم)‪ ،‬وأن معادلة‬ ‫الفاعلية تتحقق استنادا إلى مدى القدرة على ‪15‬‬ ‫التعبير التام عن الذات وامتلاك الحرية‬ ‫الداخلية للتفكير في كل الممكنات‪...‬‬ ‫والأهم في كل ذلك أن \"صناعة الوعي\" تتم‬ ‫بوسائل وطريقة ممكنة الفحص والتدقيق‪،‬‬ ‫سواء كان فحصا ذاتيا عند منتج المعرفة ‪20‬‬ ‫السوسيولوجية أو من ِقبل الأغيار‬ ‫المتخصصين‪ ،‬فكما أن الطبيعة تمنحنا‬ ‫المصنوعات التقنية (المادية) من صميمها عن‬ ‫طريق إعادة تشكيل الإنسان لها‪ ،‬فإن المجتمع‬ ‫أيضا يمنحنا من صميمه المصنوعات الفنية ‪25‬‬ ‫(الروحية) من صميمه‪.‬‬ ‫ذلك ما أسس له هايدغر عندما أحال‬ ‫الوجود التقني‪-‬الصناعي إلى الوعي أولا‪ ،‬فإذا‬ ‫كان التمييز الهيدغري للتقنية الحديثة تمثل في‬



hg