Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore العدد الحادي عشر

العدد الحادي عشر

Published by h_nooh, 2020-09-11 19:44:55

Description: العدد الحادي عشر

Search

Read the Text Version

‫مجلة‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫جمادى الثاني ‪ 1440‬هـ‬ ‫فبراير ‪ 2019‬م‬ ‫| د‪ .‬راشد العبدالكريم‪ :‬من لديه تضاد بين هذه الأشياء فليراجع (أكاديميته)‬ ‫ال ُغموض ِضمن فن ّية ال َّنص الإبداع ّي‬ ‫المقام والبسط‪ ..‬رياضيات القراءة‬ ‫مشاركة مشروع أصدقاء القراءة بسوق عكاظ التاريخي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــ ُفتحت الأبواب ــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ديباجة التحرير‬ ‫‪2‬‬

‫فـــريـــق‬ ‫ديباجة التحرير‬ ‫التحر ير‬ ‫فاطمة أبو سعدة _‪@_0f9‬‬ ‫‪@noonmeem‬‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫ناديه موسى‬ ‫‪@Shams_ij‬‬ ‫مدير التحرير‪:‬‬ ‫تأثرت بكلماتها جــ ًدا‪ ،‬وفرحت‬ ‫يـــقـــول الـــكـــاتـــب الـقـصـصـي‬ ‫شمس الجطيلي‬ ‫لأن قوارئ كانت سب ًبا في يوم‬ ‫يـــوســـف إدريــــــس الـمـلـقـب بـ‬ ‫من الأيــام في سعادة أحدهم‬ ‫«تشيخوف العرب»‪« :‬أن تؤلف‬ ‫‪@hwrk119‬‬ ‫مشرف المبادرة‪:‬‬ ‫وتخفيف آلامـه‪ .‬أطمئنكم بأن‬ ‫كـتـابًـا‪ ،‬أن يقتنيه غـريـب‪ ،‬في‬ ‫هالة البكري‬ ‫هذه الفتاة شفيت والحمدلله‪،‬‬ ‫مـديـنـة غـريـبـة‪ ،‬أن يـقـرأه لـيـاً‪،‬‬ ‫وتبقى قصتها ترن في ذاكرتي‬ ‫أن يختلج قلبه لسط ٍر يشبه‬ ‫فريق الإعداد‪:‬‬ ‫دو ًمــــا‪ ،‬تهمس لـي أن قــوارئ‬ ‫حياته‪ ،‬ذلك هو مجد الكتابة»‪.‬‬ ‫تفعل الكثير مما لا نعلمه‪،‬‬ ‫أحمد العسيلان ‪@ahmedalosilan‬‬ ‫وتصل لأبعد مما نتخيله! وأن‬ ‫عــبــر حـــســـاب مــجــلــة قــــوارئ‬ ‫المتاعب الـتـي نمر بها لأجل‬ ‫الإلـــكـــتـــرونـــيـــة عـــلـــى تـويـتـر‬ ‫‪@asyeh_M‬‬ ‫آسية المطوع‬ ‫إخراج عدد مكتم ٍل جديد ُتنسى‬ ‫وبـريـدهـا الإلـكـتـرونـي تصلنا‬ ‫منذ اللحظة التي يشاركنا فيها‬ ‫مــئــات الـــرســـائـــل‪ ،‬والأســئــلــة‪،‬‬ ‫خولة القريشي ‪@KloudyMind‬‬ ‫القّراء لحظاتهم الخاصة برفقة‬ ‫والـمـشـاركـات‪ ،‬أكثرها تأثي ًرا‬ ‫المجلة‪ ،‬وأن كل مشاركة من‬ ‫كــانــت قـصـة لــفــتــا ٍة شـجـاعـة‬ ‫‪@meeladfajr‬‬ ‫زهرة الصالح‬ ‫العدد الأول وحتى العدد الحالي‬ ‫وجـــدتـــهـــا تــحــكــي لــــي قـصـة‬ ‫لا بـّد أنها لامست عقلاً مـا‪ ،‬وأن‬ ‫كفاحها مـع مـرض السرطان‬ ‫‪@AljeaidTafe‬‬ ‫طيف الجعيد‬ ‫صـــوت قــــوارئ بـــات مسمو ًعا‬ ‫ورحــلــة عـاجـهـا بـيـن أمـريـكـا‬ ‫ومـعـرو ًفـا‪ ،‬وهــذا يعني مزي ًدا‬ ‫والــــريــــاض‪ ،‬لـــم تـحـدثـنـي عن‬ ‫_‪@_0f9‬‬ ‫فاطمة أبو سعدة‬ ‫من العمل‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والإبــداع؛‬ ‫التفاصيل؛ لكنها أخبرتني أنها‬ ‫لأنه في مكا ٍن ما‪ ،‬وفي ظروف‬ ‫عرفت مجلة قوارئ الإلكترونية‬ ‫‪@mythmS‬‬ ‫ميثم السلطان‬ ‫لا نعلمها‪ ،‬هناك قـّراء يقرؤون؛‬ ‫بينما كانت تكابد آلامها في‬ ‫ولأن ذلك ‪-‬كما يقول تشيخوف‬ ‫المستشفى‪ ،‬فأخذت تقرأ الأعداد‬ ‫‪@hind_alsbbar‬‬ ‫هند الصبار‬ ‫الـــعـــرب‪ -‬هـــو مـجـد الـكـتـابـة‪.‬‬ ‫تـبـا ًعـا‪ ،‬وســط سـعـادة عميقة‬ ‫أنستها ما كانت فيه من ألم!‬ ‫فريق التدقيق والمراجعة‪:‬‬ ‫‪@4alanai‬‬ ‫آلاء عبدالله‬ ‫أسماء الخالدي _‪@lawyerAsma‬‬ ‫‪@_ohoud31‬‬ ‫عهود هلابي‬ ‫فريق العلاقات العامة‪:‬‬ ‫‪@Ashraf_noori‬‬ ‫أشرف نور‬ ‫‪@Reeeeem_m‬‬ ‫ريم الموسى‬ ‫‪@N__aj96‬‬ ‫نجلاء الشهراني‬ ‫‪@Nwary3r‬‬ ‫نورة السبيعي‬ ‫‪@habbebaa‬‬ ‫فريق التصميم‪:‬‬ ‫حبيبة جمال‬ ‫العدد الحادي عشر ‪3‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫العدد الحادي عشر‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪4‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الفهرس‬ ‫غرناطة‪ ،‬ومريمة‪ ،‬الرحيل «ثلاثية غرناطة» ‪40‬‬ ‫شواهد ‪ -‬زاوية أخبار مشروع أصدقاء القراءة‪7‬‬ ‫سحر استثنائي ‪42 1‬‬ ‫سوق عكاظ بين الأزمنة الثلاثة‪9‬‬ ‫سله عن كتابه ‪44‬‬ ‫المقام والبسط‪ ..‬رياضيات القراءة‪11‬‬ ‫علبة السردين ‪45‬‬ ‫فرانكشتاين‪ ،‬تجربة في ف ّك أسرار الروح ‪47‬‬ ‫الروايات العربية‪ ..‬تصنيفات جديدة‪12‬‬ ‫قراءة في كتاب «الطريق إلى مكة» ‪50‬‬ ‫الإنسان الذي لا يقرأ‪ ،‬كيف يعيش؟‪13‬‬ ‫فصول القارئ الأربعة ‪52‬‬ ‫ال ُغموض ِضمن فن ّية ال َّنص الإبداع ّي‪16‬‬ ‫تأملات في ديوان الليالي الأربع ‪54‬‬ ‫زاوية الأدب الإنجليزي ‪56 The Great Gatsby‬‬ ‫زمن كتابين‪18‬‬ ‫فنان الجوع ‪58‬‬ ‫ضيف العدد‪ :‬الدكتور راشد العبدالكريم‪19‬‬ ‫كيف نعلم أطفالنا القراءة؟ ‪59‬‬ ‫المغامرون الخمسة (من مذكرات قارئ)‪28‬‬ ‫القراءة‪ ،‬من أي أبوابها أدخل؟ ‪60‬‬ ‫مشروع أصدقاء القراءة بسوق عكاظ التاريخي ‪63‬‬ ‫المفتاح السحري‪26‬‬ ‫هل تقرأ الأرقام؟ لا؟ إذا اقرأ! ‪66‬‬ ‫زاوية قراءة في قصيدة‪31‬‬ ‫الحفر بعمق‪34‬‬ ‫تعويذة‪35‬‬ ‫رحلة في مكتبتي‪37‬‬ ‫العدد الحادي عشر ‪5‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫كتابة الرواية عملية شاقة إلى أقصى‬ ‫حد‪ ،‬إذ نفترض أنك تتصور ك ًّما كبي ًرا‬ ‫من الأشـكـال والتصرفات والـدوافـع‬ ‫والاحتمالات‪ ،‬وأن تخطط لها مجار ًيا‬ ‫وقـنـوات لكي تتواصل مـن أجـل أن‬ ‫تتكامل في النهاية‪ ،‬وبالتالي فأنت‬ ‫تبذل جه ًدا في أن تنوب عن الآخرين‪،‬‬ ‫بما تفترضه أفكارهم وأحاسيسهم‬ ‫وطريقتهم في التصرف‬ ‫عبد الرحمن منيف‪ ،‬في أدب الصداقة‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪6‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫شواهد‬ ‫زاويــــــــة أخــــبــــار مــــشــــروع أصـــــدقـــــاء الــــقــــراءة‬ ‫آلاء عبدالإله القويري ‪@alaaqo‬‬ ‫الــــ‪ - BDS‬والـــذي عّرف بـــدوره عن‬ ‫انتقـــالًا إلـــى حديقـــة الشـــهيد‬ ‫كمـــا أن فـــي الصيـــف متســـ ٌع‬ ‫الحركـــة وتاريخهـــا وتأثيرها‪.‬ثـــم‬ ‫حيـــث أقيمـــت جلســـات نـــادي‬ ‫من المـــرح والرفاهيـــة والتجوال‪،‬‬ ‫اّتجـــه الفريـــق بعيـــ ًدا إلى روســـيا‬ ‫أصدقـــاء القـــراءة للكتـــاب فـــي‬ ‫وحيـــث تزدهـــر معـــه لحظـــات‬ ‫في جلســـته الرابعة‪ ،‬حيـــث عدنا‬ ‫غرفـــة القـــراءة ‪THE READING‬‬ ‫الترحـــال حـــول العالـــم‪ .‬مبـــادرة‬ ‫‪ ،ROOM‬والتـــي أتّم فيهـــا النادي‬ ‫(شـــاركنا مـــا تكتـــب) عبـــر‬ ‫إلـــى أول روايـــة كتبهـــا فيـــودور‬ ‫موســـمه الأول الـــذي بـــدأ فـــي ‪6‬‬ ‫حســـابها فـــي تويتـــر‪ ،‬اتخـــذت‬ ‫يناير ‪2018‬م حتـــى ‪ 12‬مايو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫تذاكـــر خاصـــة لتحـــ ٍّد جديـــد‪،‬‬ ‫دوستويفســـكي «الفقـــراء»‪،‬‬ ‫تقدمهـــا كســـياح ٍة ثقافيـــة‬ ‫وقـــد تخلـــل هـــذا الموســـم‬ ‫لكافـــة المتابعين خـــال الصيف‪.‬‬ ‫والتـــي طرحـــت المعانـــاة مـــن‬ ‫خمـــس جلســـات نقاشـــّية‪،‬‬ ‫بـــدأت مـــن العـــراق‪ ،‬حيـــث ُطـــرح‬ ‫أطلقـــت المبـــادرة مســـابقة‬ ‫خـــال ســـبر أغـــوار النفـــس‬ ‫موضـــوع المجتمـــع وصراعـــه‬ ‫بعنـــوان (أدب الرحـــات) لتحفيـــز‬ ‫مـــع علـــي الـــوردي فـــي كتابـــه‬ ‫الســـّياح العـــرب علـــى نقـــل‬ ‫البشـــرية عـــن طريـــق الرســـائل‬ ‫مهزلـــة العقـــل البشـــري‪.‬‬ ‫تجربـــة الســـفر إلـــى لوحـــ ٍة أدبية‬ ‫متكاملـــة فـــي قصـــة قصيـــرة‪.‬‬ ‫التـــي تبادلهـــا شـــخوص الرواية‪.‬‬ ‫ثـــم أخـــذ محّبـــي القـــراءة فـــي‬ ‫جولـــة عبـــر أوراق الإعلامّيـــة‬ ‫ومـــن هنـــا يســـر مجلة قـــوارئ‬ ‫وانتهـــت الجلســـة الأخيـــرة فـــي‬ ‫فاطمـــة حســـين مـــن الكويـــت‪،‬‬ ‫أن تعلـــن عن المشـــاركة الفائزة‬ ‫فرنســـا‪ ،‬حيـــث ألقيـــت نظـــرة‬ ‫والتـــي شـــكلت ورفيقاتهـــا‬ ‫والتـــي جـــاءت بعنـــوان «مدينـــة‬ ‫علـــى حيـــاة ســـمون دو بوڤـــوار‬ ‫مســـتقبل فتيـــات الكويـــت‪.‬‬ ‫الرؤى والنبـــوءات» للكاتبة نورة‬ ‫ومذكراتهـــا‪ ،‬وتأثيرهـــا علـــى‬ ‫المحســـن‪ ،‬مـــع تقديـــم خالـــص‬ ‫الحركـــة النســـوية‪ .‬كمـــا حلـــت‬ ‫بينمـــا كانـــت الجلســـة الثالثـــة‬ ‫تهانينـــا وتبريكاتنـــا للفائـــز‪.‬‬ ‫فـــي الجلســـة الأســـتاذة شـــيخة‬ ‫مـــن نصيـــب دولـــة فلســـطين‪،‬‬ ‫ُيذكـــر أن عـــدد المشـــاركات في‬ ‫البهاويد ضيف ًة لتشـــارك النقاش‬ ‫وروايـــة رجـــال فـــي الشـــمس‬ ‫المسابقة كان نحو ‪ 16‬مشاركة‪.‬‬ ‫وتتحـــدث عـــن الحركة النســـوية‬ ‫لغســـان كنفانـــي‪ ،‬حيـــث تـــم‬ ‫الحاليـــة فـــي الوطـــن العربـــي‪.‬‬ ‫خلالها اســـتضافة الأستاذ مشاري‬ ‫خمس جلسات قرائية في الكويت‬ ‫رافـــع الإبراهيـــم ‪-‬عضـــو حركـــة‬ ‫مقاطعة إســـرائيل فـــي الكويت‬ ‫إلـــى مطـــار الكويـــت‪ ،‬ثـــم‬ ‫العدد الحادي عشر ‪7‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫أربعـــة أيـــام ثقافية فـــي الرياض‬ ‫من خلال زيـــارة فعليـــة للفعالية‪.‬‬ ‫أصدقاء القراءة في سوق عكاظ‬ ‫شـــارك مشـــروع أصدقـــاء القراءة‬ ‫فاز في المســـابقة مقال الكاتب‬ ‫أمـــا فـــي مدينـــة الطائـــف‪ ،‬فقـــد‬ ‫فـــي اليـــوم العالمـــي للكتـــاب‬ ‫فهـــد العتيبـــي (‪ ،)@FL_F9‬والذي‬ ‫استطاع مشـــروع أصدقاء القراءة‬ ‫‪2018‬م فـــي منطقـــة الريـــاض‪،‬‬ ‫كان بعنوان «ســـوق عـــكاظ بين‬ ‫أن يحقـــق حضـــو ًرا لاف ًتـــا فـــي‬ ‫وذلك ضمـــن الفعاليـــات الثقافية‬ ‫الأزمنـــة الثلاثة»؛ حيث جـــاء مقاله‬ ‫مشـــاركته بالفعاليـــة الثقافيـــة‬ ‫التـــي أقامتهـــا هيئـــة الثقافـــة‬ ‫مواف ًيا للشـــروط‪ ،‬وحاصـــ ًلا على‬ ‫الكبـــرى (ســـوق عـــكاظ)‪ ،‬حيـــث‬ ‫والإعـــام‪ ،‬حيـــث تمـــت دعـــوة‬ ‫أعلـــى نقـــاط الاســـتحقاق باتفـــاق‬ ‫حظي المشـــروع بكســـب تقدير‬ ‫عد ٍد مـــن المبـــادرات الثقـــاة أّيام‬ ‫لجنة التحكيم‪ ،‬فمبار ٌك للأســـتاذ‬ ‫واحتـــرام الجميـــع خلال النشـــاط‬ ‫خدماته الثقافية للـــزوار من خلال‬ ‫العتيبـــي هـــذا الاســـتحقاق‪،‬‬ ‫التعريفـــي المقـــّدم لجماهيـــر‬ ‫التوعيـــة فـــي تنظيـــم عمليـــة‬ ‫ولمقالتـــه هـــذا التتويـــج‪ .‬كمـــا‬ ‫الفعاليـــة مـــن المهتميـــن‪.‬‬ ‫القـــراءة‪ ،‬وذلـــك للراغبيـــن بتتبع‬ ‫تشـــكر أســـرة قـــوارئ كّتابهـــا‬ ‫الميـــول القرائيـــة لديهـــم‪ ،‬كمـــا‬ ‫وقّراءهـــا علـــى نشـــاطهم‬ ‫وتزام ًنـــا مـــع ســـوق عـــكاظ‪،‬‬ ‫تمت مســـاعدة الزوار في معرفة‬ ‫الأدبـــي الـــدؤوب‪ ،‬والذي يســـاهم‬ ‫أطلـــق المشـــروع مســـابقة‬ ‫الطريقـــة المثلـــى فـــي اختيـــار‬ ‫فـــي تحريـــك دائـــرة الثقافـــة‬ ‫أدبيـــة لأصحـــاب الأقـــام المبدعـــة‬ ‫الكتـــب من خـــال نصائح ســـريعة‬ ‫العربيـــة؛ لتتســـع موجـــة العطاء‬ ‫والواعـــدة‪ ،‬وهـــي عبـــارة عـــن‬ ‫وثريـــة حـــول هـــذا الموضـــوع‪.‬‬ ‫ويبقـــى الحـــرف العربـــّي خالـــ ًدا‪.‬‬ ‫كتابـــة مقـــال يتكـــون مـــن‬ ‫مئتـــي وخمســـين إلـــى ثلاثمائة‬ ‫كمـــا نوقشـــت فـــي أيـــام‬ ‫وخمســـين كلمـــة حـــول ســـوق‬ ‫الفعاليـــة موضوعـــات عـــن أبـــرز‬ ‫عـــكاظ فـــي الماضـــي والحاضـــر‬ ‫ميـــول الشـــباب فـــي الوقـــت‬ ‫والمســـتقبل‪ ،‬أو تقريـــ ًرا مكتوبًا‬ ‫الحاضـــر‪ ،‬وكيـــف للقـــارئ أن‬ ‫يعـــود للقـــراءة بعـــد الانقطـــاع‬ ‫عنهـــا؟ وهو الســـؤال الـــذي يراود‬ ‫الكثيـــر مـــن الشـــباب القـــارئ‪.‬‬ ‫وبجانـــب ذلك‪ ،‬تفاعـــل المتابعين‬ ‫فـــي حســـابات المشـــروع عبـــر‬ ‫قنـــوات التواصـــل الاجتماعي في‬ ‫تويتـــر مـــع هـــذه الموضوعـــات‪،‬‬ ‫وقدموا النصائح للقراء المبتدئين‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪8‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫ســــوق عـــكـــاظ بين‬ ‫الأزمــــــنــــــة الـــثـــاثـــة‬ ‫الـمـشـاركـة الــفــائــزة ـفـي مسابقة‬ ‫أصدقاء القراءة في سوق عكاظ‬ ‫عـــام ‪2030‬م وفـــي المســـتقبل‬ ‫المشـــرق سيكون ســـوق عكاظ‬ ‫بحلتـــه الجديـــد‪ ،‬حيـــث ســـتكون‬ ‫هنـــاك مدينـــة ثقافيـــة وتراثيـــة‬ ‫تهدف لنشـــر الثقافـــة والاهتمام‬ ‫بالتـــراث فـــي ســـو ٍق ُيعـــ ُّد مـــن‬ ‫أقـــدم أســـواق العالم الشـــعبية‪،‬‬ ‫وســـيكون هنـــاك قـــرى ترفيهية‬ ‫لجميـــع فئـــات المجتمـــع‪ .‬وأثـــق‬ ‫أن مثـــل هـــذه القـــرى لـــن تظهر‬ ‫بأفـــكار متميزة إلا هنـــا في هذه‬ ‫المدينة العظيمة‪ ،‬والتي ســـترى‬ ‫النـــور قري ًبا ‪-‬بـــإذن الله‪ .-‬من ضمن‬ ‫المخططـــات القادمـــة إنشـــاء‬ ‫مركـــز للمؤتمـــرات والأعمـــال‪،‬‬ ‫وســـتكون هنـــاك المحافـــل‬ ‫العالمية والمحليـــة في منطقة‬ ‫الطائـــف‪ ،‬بالإضافـــة إلـــى الفنـــادق‬ ‫والمناطـــق التجاريـــة والتـــي‬ ‫عندمـــا نتحدث عن ســـوق عكاظ‪،‬‬ ‫قلمـــي لا يعلم من أين يبدأ أو أين‬ ‫ســـتأخذ مســـاحات شاســـعة‬ ‫فنحن نتحدث عن مئات الســـنين‬ ‫ينتهي‪ ،‬كيف لـــي أن أكون الأجدر‬ ‫مـــن هـــذه المدينـــة الجميلـــة‪.‬‬ ‫من الشـــعر والفصاحـــة؛ حيث لو‬ ‫والأفضل مـــن بين بقيـــة الكّتاب؟‬ ‫كتبـــت أقـــام جميـــع مـــن فـــي‬ ‫أعلـــم جيـــ ًدا أن تلـــك المســـابقة‬ ‫اليـــوم نتحـــدث عـــن مســـاحة ‪10‬‬ ‫الوطـــن العربـــي لـــم ُت ِجـــب عـــن‬ ‫وضعت للـــزوار ولم تكـــن للأفراد‬ ‫مليـــون متر مكعب فـــي مدينة‬ ‫كل مـــا يـــدور في أذهاننا‪ .‬ســـوق‬ ‫المشـــاركين في الركـــن الخاص‬ ‫ســـتأخذ من رأس القمـــة الثقافية‬ ‫عكاظ الأمـــس تاري ٌخ واليوم حاضر‬ ‫بمشـــروع أصدقاء القراءة‪ .‬قلمي‬ ‫العالميـــة مقـــ ًرا لهـــا‪ .‬لـــن تكون‬ ‫وغ ًدا ســـيكون المســـتقبل‪ ،‬وله‬ ‫يتحّمـــس كل يـــوم للمغامـــرة‬ ‫مدينـــة الأحـــام والأوهـــام حيـــث‬ ‫أثر عظيـــم على ســـياحة وطني‬ ‫وخوض هذه المســـابقة والخروج‬ ‫المشـــاريع المطبوعـــة علـــى‬ ‫ومنطقتـــي (الطائـــف)‪ .‬بحلـــول‬ ‫منهـــا بـــأي نتيجـــة كانـــت!‬ ‫الـــورق‪ ،‬إنمـــا ســـيكون ‪ -‬ســـوق‬ ‫العدد الحادي عشر ‪9‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫والأوبـــرا المصريـــة‪ ،‬وكذلـــك جناح‬ ‫ملمو ًســـا قري ًبـــا‪ ،‬وســـنرى زوار‬ ‫عكاظ‪ -‬هو مســـتقبل الســـياحة‬ ‫دولـــة الإمـــارات العربيـــة المتحدة‬ ‫ذلك الســـوق من أمريكا اللاتينية‬ ‫فـــي الطائـــف وأحـــد أبـــرز وجهات‬ ‫والـــذي تقـــام فيـــه العديـــد مـــن‬ ‫وأوروبـــا وأفريقيـــا وشـــرق آســـيا‪.‬‬ ‫زوار المملكـــة‪ ،‬هذا الســـوق هو‬ ‫الفعاليـــات والفنـــون الشـــعبية‪.‬‬ ‫اقتصـــاد ضخـــم وتـــراث عظيـــم‪.‬‬ ‫كمـــا يتضمـــن الســـوق «جـــادة‬ ‫مدينـــة ســـوق عـــكاظ تتمتـــع‬ ‫عكاظ» وتبرز فيها الأيدي الحرفية‬ ‫بطقـــس جميـــل فـــي فصـــل‬ ‫نعـــود للـــوراء قليلاً إلى تســـمية‬ ‫الوطنيـــة وهـــي تنســـج وتخيط‪،‬‬ ‫الصيـــف وطقـــس قليـــل البرودة‬ ‫ســـوق عكاظ بهذا الاســـم‪ ،‬اســـم‬ ‫بالإضافـــة إلـــى معـــارض الخـــط‬ ‫في الشتاء‪ ،‬وبالنســـبة لموقعها‬ ‫(عـــكاظ) له العديد مـــن المعاني‪،‬‬ ‫العربـــي والمعلقـــات الشـــعرية‬ ‫الجغرافـــي فهي تبعـــد عن مكة‬ ‫منهـــا‪ :‬ع َك َظه أي حبســـه‪ ،‬تعكظ‬ ‫ومتاحـــف عـــن المقتنيـــات الأثرية‬ ‫المكرمـــة مســـافة ‪ 45‬دقيقـــة‬ ‫أي اجتمـــع‪ ،‬عكـــظ أي افتخـــر‪،‬‬ ‫والتي تم عرضها بأفـــكار حديثة‪.‬‬ ‫وعـــن مدينـــة جدة ســـاعة ونصف‪.‬‬ ‫والكثيـــر مـــن المعانـــي التـــي‬ ‫ولـــن ننســـى الخيمـــة الثقافيـــة‬ ‫لا نعلمهـــا‪ .‬والجديـــر بالذكـــر‬ ‫ومـــا تحويـــه مـــن مكتبـــة ثرّيـــة‬ ‫مزايـــا كثيـــرة تتميـــز بهـــا هـــذه‬ ‫أنـــه لـــم يعـــرف مـــا هو الســـبب‬ ‫عـــن تاريـــخ الجزيـــرة العربيـــة إلى‬ ‫المدينـــة المســـتقبلية‪ ،‬ومـــن‬ ‫الرئيـــس لهـــذه التســـمية! كان‬ ‫جانب الأركان الخاصـــة بالمبادرات‬ ‫ضمـــن تلـــك المزايا أنهـــا تقع في‬ ‫فـــي الجاهليـــة يأتون إليـــه العرب‬ ‫الثقافيـــة وعربـــات بيـــع الكتـــب‪.‬‬ ‫منطقـــ ٍة فيهـــا شـــباب طمـــوح‬ ‫مـــن كل مـــكان فـــي شـــهر ذي‬ ‫شغوف بالأعمال التطوعية‪ ،‬ولديه‬ ‫القعدة من كل ســـنة‪ ،‬ويتبادلون‬ ‫عـــكاظ بصورتـــه الحاليـــة ومـــا‬ ‫القـــدرة علـــى النجـــاح والوصـــول‬ ‫الشـــعر والبضائـــع فـــي ذلـــك‬ ‫يقـــام فيـــه مـــن فعاليـــات ليس‬ ‫للأهـــداف فـــي وقـــ ٍت قياســـي‬ ‫المـــكان‪ ،‬وكانـــوا يتفاخـــرون‬ ‫بعـــكاظ الـــذي تـــم افتتاحـــه قبل‬ ‫دون كلـــل أو ملـــل؛ لـــذا‪ ،‬أراهـــن‬ ‫فيما بينهـــم‪ ،‬و ُيذكر أنه نشـــبت‬ ‫‪ 12‬عـــام‪ ،‬ولن يكون عـــكاظ الذي‬ ‫علـــى نجاح تلـــك المدينـــة ونجاح‬ ‫بعـــض الحـــروب في ذلـــك الزمن‪.‬‬ ‫ســـوف نراه بعـــد ‪ 12‬عام مـــن الآن‪.‬‬ ‫شـــبابها في إعطـــاء الزائـــر صورة‬ ‫عن الشـــعب الســـعودي على أنه‬ ‫ســـوق عـــكاظ كان ولا زال حاض ًرا‬ ‫فهد العتيبي ‪@fl_f9‬‬ ‫ ‬ ‫مـــن أرقـــى الشـــعوب وأفضلهـــا‪.‬‬ ‫بيننـــا ولكنه أتى فـــي هذا الزمن‬ ‫بنمـــط مختلـــف وهوية أخـــرى ألا‬ ‫عـــكاظ بســـوقها وممراتهـــا‬ ‫وهي رفع مستوى الثقافة وإحياء‬ ‫اليـــوم مليئـــة بالـــزوار مـــن‬ ‫التـــراث‪ ،‬والدخول في موســـوعة‬ ‫مواطنيـــن وعرب وأجانـــب ُأعجبوا‬ ‫جينيس والانضمام لليونســـكو‬ ‫بمـــا شـــاهدوه مـــن فعاليـــات‬ ‫‪-‬قري ًبـــا‪ .-‬نحـــن ‪-‬هنـــا‪ -‬نتحـــدث عن‬ ‫فـــي أرجائهـــا‪ .‬مـــن ضمـــن تلـــك‬ ‫حـــد ٍث عالمـــي ســـيصبح واق ًعـــا‬ ‫الفعاليـــات التخـــت الشـــرقي‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪10‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫مها الناصـــر _‪@alnasser_maha‬‬ ‫المقام والبسط‪ ..‬رياضيات القراءة‬ ‫القـــراءة تجعـــل خيـــال القـــارئ‬ ‫زاده! فـــي كلتـــا الحالتيـــن يجب‬ ‫ســـتجبر كســـرك وتضاعـــف‬ ‫واســـ ًعا؛ فعندمـــا يقـــرأ جملـــة‬ ‫أن ُتـــزّود مقامـــك فكـــ ًرا كان أم‬ ‫نجاحـــك‪ ..‬للناجحيـــن المهتدين‪..‬‬ ‫معينـــة يجـــد عقلـــه تلقائ ًيـــا‬ ‫وجـــ ًدا‪ ،‬لأنـــه بمقامـــك يســـتقيم‬ ‫يتصورهـــا‪ ،‬وبمـــا أنهـــا توســـع‬ ‫حالـــك قبـــل مقالـــك‪ .‬ترغمنـــا‬ ‫والخاســـرين الضاليـــن‪:‬‬ ‫مـــدارك الخيـــال‪ ،‬فمـــن الطبيعي‬ ‫الحياة أحيانًا أن نخوض مســـائلها‬ ‫أن يعيـــش بيـــن ســـطور مـــا يقرأ‬ ‫الرياضيـــة ونصبـــح مـــن الضالين‪،‬‬ ‫تجـــدون أنفســـكم لا محالـــة‬ ‫ويشـــعر بـــه جيـــ ًدا‪ ،‬وخصو ًصـــا إن‬ ‫وتتركنـــا بيـــن أن نتعايـــش مـــع‬ ‫بيـــن كفتـــي العقـــل والقلـــب؛‬ ‫كانـــت شـــخصيات من روايـــا ٍت أو‬ ‫بعض الكسور أو أن نتعلم كيف‬ ‫فالمهتديـــن « َلا َخـــ ْو ٌف َع َل ْي ِهـــ ْم‬ ‫قصـــص أو ســـير ذاتيـــة‪ ،‬فعندمـــا‬ ‫نحلهـــا‪ ،‬بالتأكيـــد كلنـــا نرغـــب‬ ‫َو َلا ُهـــ ْم َي ْح َز ُنو َن»‪ .‬أمـــا الضالين‪..‬‬ ‫تشـــعر بالآخريـــن ســـتفهم‬ ‫بحلهـــا‪ ،‬لكن مـــن يعـــرف كيف؟‬ ‫إنـــه المحـــك لا هـــروب‪ ..‬لا مراوغة‪،‬‬ ‫مشـــاعرهم وتعرفهـــا‪ ،‬وحينهـــا‬ ‫أو مـــن بـــاب أولـــى مـــن يعـــزم‬ ‫تغدو مصب ًحـــا أو تمضـــي مدب ًرا‪،‬‬ ‫سيصبح من الســـهل عليك فهم‬ ‫علـــى حلهـــا؟ فحلها ليـــس كما‬ ‫ما يفكـــر بـــه الآخـــرون‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تعتقـــد بدخـــول صفوف دراســـية‬ ‫تـــدركك الصـــدوع والكســـور‪.‬‬ ‫يســـهل عليك التواصـــل معهم‪،‬‬ ‫مخصصـــة‪ ،‬وإنمـــا هنـــاك طريقة‬ ‫وهنـــا أنـــت كمـــن يشـــتري راحة‬ ‫أســـهل وأكثـــر متعـــة؛ وذلك من‬ ‫الكســـور! إذا أنـــت نتيجة مقامك‬ ‫قلبـــه وعقلـــه بثمـــ ٍن ســـحري‬ ‫خـــال القـــراءة؛ فهـــي غـــذاء غيـــر‬ ‫والبســـط!‪ ،‬تخّيـــل أن يكـــون‬ ‫مباشـــ ٍر للعقل والقلـــب‪ .‬القراءة‬ ‫مقامك قلبك وبســـطك عقلك!‬ ‫مقـــداره (القـــراءة) فقـــط‪.‬‬ ‫تزيد من معرفة الأشـــخاص وترفع‬ ‫مســـتواهم العلمـــي‪ ،‬فعندمـــا‬ ‫أو العكـــس‪.‬‬ ‫القـــراءة واحدة من الأســـباب التي‬ ‫تريد أن تعـــرف أي معلومة عن أي‬ ‫تخفـــف مـــن الإصابـــة بالزهايمـــر‪،‬‬ ‫شـــيء فإن أول وســـيلة للحصول‬ ‫لمـــن لا يعلـــم‪ :‬جمـــع الكســـور‬ ‫لأنهـــا تنشـــط العقـــل بالتســـاؤل‬ ‫عليهـــا تكون مـــن خلال القـــراءة‪.‬‬ ‫يعتمـــد كل ًيـــا علـــى المقـــام‪،‬‬ ‫والخيـــال والبحـــث والتحليـــل‪،‬‬ ‫فالمقـــام يعّبـــر عـــن الـــكل‬ ‫فهـــذه العمليـــات مـــن شـــأنها أن‬ ‫والبســـط عن الجـــزء‪ ،‬فاختر مقام‬ ‫وجـــد أو فكـــر! وقل لـــي مقامك‬ ‫أقـــل لـــك مـــن أنـــت! أو أتعلـــم‪ ،‬لا‬ ‫يهم نـــوع مقامـــك بقـــدر أهمية‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الروايات العربية‬ ‫تدعـــم العقـــل بمـــا يحتاجـــه‬ ‫تصنيفات جديدة‬ ‫لمقاومـــة الزهايمـــر‪ .‬كمـــا‬ ‫أن القـــراءة تخفـــف مـــن التوتر‬ ‫أنه لـــم تتوافـــر البيئة المناســـبة‬ ‫منـــذ طفولتـــي عكفـــت‬ ‫والاكتئـــاب‪ ،‬فعندمـــا تكـــون‬ ‫لل ُكّتـــاب العرب للخـــروج بروايات‬ ‫علـــى قـــراءة معظـــم الروايات‬ ‫مكتئ ًبـــا أو متوتـــ ًرا وقل ًقا من‬ ‫فـــي تصنيفـــات أخـــرى؟ الشـــباب‬ ‫البوليســـية والغامضـــة كأجاثا‬ ‫أم ٍر مـــا؛ فإنه بالقـــراءة يمضي‬ ‫فـــي جيلـــي ‪-‬بالتأكيـــد‪ -‬مازالـــوا‬ ‫كريســـتي وأرســـين لوبيـــن‪،‬‬ ‫وقتـــك وتخـــف حـــّدة التوتـــر‪،‬‬ ‫يتذكـــرون سلســـلة روايـــات‬ ‫وكنـــت أســـتمتع كثيـــ ًرا‬ ‫خصو ًصـــا إن أحســـنت اختيار ما‬ ‫ملـــف المســـتقبل للدكتـــور‬ ‫بالروايـــات التـــي تنـــدرج تحـــت‬ ‫تقـــرأ‪ ،‬وليـــس هذا فحســـب بل‬ ‫نبيـــل فـــاروق‪ ،‬والـــذي أبـــدع فيها‪،‬‬ ‫تصنيـــف الخيـــال العلمـــي؛‬ ‫إن القـــراءة ترســـم الابتســـامة‬ ‫وكـــم اســـتمتعنا أثنـــاء قراءتنـــا‬ ‫فســـالة روايـــات هـــاري بوتـــر‬ ‫علـــى محياك إن تناولـــت كتابًا‬ ‫لمغامـــرات نـــور وأصدقائـــه فـــي‬ ‫ســـافرت بـــي نحـــو عالم آســـر‬ ‫فكاه ًيـــا بامتيـــاز‪ ،‬أو قـــرأت‬ ‫العوالـــم الأخـــرى‪ .‬أي ًضا‪ ،‬لا ننســـى‬ ‫وســـاح ٍر ملـــي ٍء بالعجائـــب‪.‬‬ ‫تجربة لأحدهـــم خاضها وكتبها‬ ‫إســـهامات الدكتـــور أحمد توفيق‬ ‫والأســـاطير القديمة مـــع قلي ٍل‬ ‫ســـاخ ًرا مـــن نفســـه‪ ،‬فينتعش‬ ‫فـــي مجـــال قصـــص الخيـــال‬ ‫مـــن الإبـــداع قـــد تخـــرج برائعـــة‬ ‫قلبـــك وعقلـــك م ًعـــا وتهـــدأ‬ ‫العلمـــي‪ ،‬وقـــد يكـــون هنالـــك‬ ‫كرائعـــة شـــيفرة دافينشـــي‪،‬‬ ‫ُكّتاب آخـــرون ســـاهموا في هذا‬ ‫والقائمة تطـــول‪ .‬ولكن عندما‬ ‫روحـــك وتطمئـــن‪.‬‬ ‫المجال ولكن لـــم يأخذوا حقهم‬ ‫نأتي للإبـــداع العربي في مجال‬ ‫كـــي يعرفهـــم القـــّراء العـــرب‪.‬‬ ‫الخيـــال العلمـــي‪ ،‬ن ِجـــ ُد أنـــه‬ ‫يقولـــون‪« :‬درهـــم وقايـــة خي ٌر‬ ‫التاريـــخ العربي مليء بالأســـاطير‬ ‫ينـــدر وجـــود روايـــات ضمن هذا‬ ‫مـــن قنطـــار عـــاج» وأقـــول‪:‬‬ ‫والقصـــص الموروثـــة التـــي قـــد‬ ‫التصنيف؛ لأن معظـــم الروايات‬ ‫«دقيقة قراء ٍة خي ٌر من ســـنوات‬ ‫تلهـــم الكّتـــاب‪ ،‬هناك ‪-‬بلا شـــك‪-‬‬ ‫العربيـــة الموجـــودة الآن تنـــدرج‬ ‫علاج بيـــن المصحات النفســـية‬ ‫روايـــات عربية رائعـــة تتفوق على‬ ‫ضمـــن التصنيفات الفلســـفية‬ ‫والجســـدية»‪ .‬بعـــد مســـألة‬ ‫الروايـــات الغربية‪ ،‬فالعالم لا يعرف‬ ‫والسياســـية والرومانســـية‪.‬‬ ‫الكســـور ومقاماتهـــا إنـــي‬ ‫من التراث العربي ســـوى القليل‬ ‫بالطبـــع نحـــن لا نقلـــل مـــن‬ ‫أخشـــى ألا تصبـــح المشـــكلة‬ ‫جـــ ًدا‪ .‬ويبقى الســـؤال هنـــا‪ِ :‬ل َم لا‬ ‫شـــأن هذه الروايـــات ولكن ل َم‬ ‫في أي المقامـــات أقوى وأجدر‪،‬‬ ‫تـــزال هـــذه الفئـــة لا تلقـــى روا ًجا‬ ‫الوطـــن العربي يعـــّج بالروايات‬ ‫وإنمـــا في البائســـين الذين لم‬ ‫السياســـية والفلســـفية أكثر‬ ‫يدركـــوا بعـــد أن أســـهل الطرق‬ ‫مثـــل غيرهـــا مـــن الفئات؟‬ ‫مـــن غيرهـــا؟ هـــل الأحـــوال‬ ‫العربيـــة كان لها تأثيـــ ًرا كبي ًرا‬ ‫للوصـــول هـــي القـــراءة!‬ ‫رندا حنيف ‪@RandaHaneef‬‬ ‫علـــى مخرجاتهـــا الأدبيـــة أم‬ ‫لذلـــك‪ ،‬اقـــرؤوا أيها الخاســـرون‬ ‫لتجبروا كســـركم‪ .‬اقرؤوا أيها‬ ‫الناجحون لتضاعفوا نجاحكم‪.‬‬ ‫اقـــرؤوا أيها النـــاس لعقولكم‬ ‫وقلوبكم‪ .‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪12‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الإنسان الذي لا يقرأ‪ ،‬كيف يعيش؟‬ ‫نجلاء الهاشمي‬ ‫يعـــرف كيـــف يقـــرأ لكنـــه لا يقرأ‪،‬‬ ‫يقول بورخيس‪« :‬أنشـــئ مكتب ًة‬ ‫لا يختلـــف عـــن ال ُأمـــي الـــذي لا‬ ‫ولـــو من ثلاثـــة كتب‪ ،‬وســـتقاوم‬ ‫جـــز ًءا مـــن قباحـــة العالـــم‪».‬‬ ‫يجيـــد القـــراءة‪ .‬لقد انســـلخنا عن‬ ‫وأنـــا أشـــهد بـــأّن الذيـــن يقـــرؤون‬ ‫يعيشـــون الحيـــاة بكثافـــ ٍة أكبر‪،‬‬ ‫ثقافـــة القـــراءة بصـــورة ُمربكـــة‬ ‫ويمتلكـــون دهشـــ ًة لا تنطفـــئ‪.‬‬ ‫ومخيفـــة؛ لأّن الثقافـــة فـــي‬ ‫لا ينضـــ ُج الإنســـان دون كتـــاب‪ ،‬ولا‬ ‫وقتنـــا الحالـــي مرتبطـــة كل ًيا بـ‬ ‫نـــور لبيـــ ٍت دون مكتبـــة‪ ،‬وتبقى‬ ‫«الشـــهادات»‪ ،‬فالـــذي تخـــّرج في‬ ‫القـــراءة هـــي الحـــل الوحيد لكل‬ ‫الجامعـــة ُيقـــال عنـــه مثقـــف‪ ،‬ولا‬ ‫انحطـــا ٍط ثقافـــي‪ .‬وأنـــا أكتـــب‬ ‫أعلـــم مـــن قـــال بـــأّن الشـــهادة‬ ‫بحرقـــ ِة امـــرأة لا زالـــت لا تؤمـــن‬ ‫هـــي التـــي تصنـــع الثقافـــة!‬ ‫بثـــروة أعظم مـــن ثـــروة الكتب‪،‬‬ ‫ولا يثيرهـــا شـــيء فـــي الحيـــاة‬ ‫التقيـــ ُت مـــّرة بزميلة لـــي تكره‬ ‫أكثر من الدهشـــة التـــي تلازمها‬ ‫الكتـــب ولا تراهـــا إّلا مجرد كلام‬ ‫بعـــد الانتهـــاء مـــن قـــراءة كتاب‪.‬‬ ‫فـــارغ كما تقـــول‪ ،‬هـــي أم على‬ ‫إن كان هنـــاك ســـ ٌّر وراء الحكمة؛‬ ‫فـــأكاد أجـــزم أّن الكتـــب التـــي‬ ‫أّية حـــال وطّباخة ماهـــرة‪ ،‬لكّنها‬ ‫نزرعهـــا فـــي عقولنـــا هـــي مـــا‬ ‫لم ُتكمل دراســـتها بعد الثانوية‬ ‫ســـنحصدها حكمـــ ًة يو ًمـــا مـــا‪.‬‬ ‫العامـــة ولا تحتفـــظ بكتـــا ٍب في‬ ‫ولأكتـــب بمصداقية ‪-‬مـــا دام الأمر‬ ‫تعـــدى مرحلـــة المجاملـــة‪ -‬فإننا‬ ‫بيتهـــا‪ ،‬حاولـــ ُت إقناعهـــا بالقراءة‬ ‫نفتقـــر الحكمة فـــي مجتمعاتنا‬ ‫حيـــن رأيـــ ُت طفلتهـــا تبكـــي لأّن‬ ‫ما دمنـــا نفتقر شـــغف القـــراءة‪.‬‬ ‫جهازهـــا اللوحي «الآيبـــاد» فرغت‬ ‫صار نـــاد ًرا أن تجد بي ًتا فيه مكتبة‪،‬‬ ‫بطاريتـــه‪ ،‬فـــي تلـــك اللحظـــة‬ ‫وليـــس نـــاد ًرا أن تجد عـــدد الأجهزة‬ ‫شـــعر ُت بوخـــ ٍز في قلبـــي وقل ُت‬ ‫الإلكترونيـــة الذكية في كل بيت‬ ‫بداخلـــي «أتمنـــى أن تبكـــي‬ ‫أكثر من عـــدد الكتـــب! الهواتف‬ ‫ابنتـــي مســـتقبلاً حيـــن تنتهـــي‬ ‫الذكية –خصي ًصا‪ -‬ســـيطرت على‬ ‫أدمغـــة الغالبيـــة‪ ،‬حتـــى صـــارت‬ ‫مـــن قـــراءة قّصـــة فـــي كتـــاب‬ ‫أجيالنـــا تربيها شـــبكات الإنترنت‬ ‫لتطلب أخـــرى!» وحيـــن قل ُت لها‬ ‫وبرامـــج التواصـــل الاجتماعـــي‬ ‫أّن القراءة قد ُتضيف شـــي ًئا إيجابّ ًيا‬ ‫أكثـــر ممـــا تربيهـــا الكتـــب‪.‬‬ ‫إلـــى حياتهـــا الروتينيـــة‪ ،‬أجابتني‬ ‫بردها المضحك والـــذي أعتقد أّنه‬ ‫أنـــا أمقت الذيـــن باســـتطاعتهم‬ ‫القـــراءة ولا يقـــرؤون؛ فالـــذي‬ ‫حجـــة ســـهلة لـــكل مـــن لا يرغب‬ ‫فـــي القـــراءة «أنـــ ِت موهوبة في‬ ‫القراءة‪ ،‬أنـــا موهوبة فـــي الطبخ‪.‬‬ ‫أنـــ ِت لا تجيديـــن صنع المحاشـــي‬ ‫والتشـــيزكيك بينمـــا أنـــا ماهرة‬ ‫فـــي ذلـــك‪ ،‬القـــراءة موهبـــة!»‬ ‫منذ متـــى كانت القراءة موهبة؟‬

‫عقولنا وقلوبنا فتجعلها ســـّوية‪،‬‬ ‫أليـــس ربنـــا ســـبحانه وتعالـــى‪-‬‬ ‫ولأن القراءة ُتعي ُد بناءنا لنتشـــكل‬ ‫أنـــزل علـــى رســـولنا الكريـــم‬ ‫حســـب أوعيـــة الحيـــاة‪ ،‬وتفتح لنا‬ ‫صلـــى الله عليـــه وســـلم «اقرأ»‬ ‫المدارك حتى نشـــعر بأننـــا لا زلنا‬ ‫كأول أمـــ ٍر إلهـــي؟ فمـــن قـــال‬ ‫لا نعـــرف شـــي ًئا ونحتـــا ُج المزيـــد‪.‬‬ ‫بـــأّن القـــراءة مجـــرد موهبـــة؟‬ ‫بـــل هـــي واجـــب علـــى كّل‬ ‫وأبقـــى أتســـاءل علـــى الـــدوام‪:‬‬ ‫مـــن اســـتطاع إليهـــا ســـبيلاً‪.‬‬ ‫الإنسان الذي لا يقرأ كيف يعيش؟‬ ‫صنـــ ٌف آخـــر مـــن الّنـــاس يعتقـــد‬ ‫أّن القـــراءة مملـــة بذريعـــة زحمة‬ ‫الحياة والانشـــغالات التي تســـرق‬ ‫أوقاتهـــم‪ ،‬ولا يعلمـــون أّن عشـــر‬ ‫دقائـــق مـــن القـــراءة يوم ًيـــا قـــد‬ ‫تدفـــ ُع جهـــ ًا! أتســـاءل عـــن مقدار‬ ‫الحيـــاة التعيســـة التي يعيشـــها‬ ‫من لا يقـــرأ كتابًـــا! كيف تمضي‬ ‫عليـــه الأيـــام دون أن يكتشـــف‬ ‫تغييـــ ًرا فـــي داخلـــه‪ ،‬كيـــف‬ ‫يحـــرم نفســـه مـــن متعـــة الإثارة‬ ‫مـــع كتـــا ٍب تاريخـــي‪ ،‬أو شـــغف‬ ‫الوصـــول إلـــى النهايـــة مـــع رواية‬ ‫عميقـــة؟ كيـــف لأحـــ ٍد أن يحـــرم‬ ‫نفســـه مـــن مغامـــرة العيـــش‬ ‫فـــي حيـــوات مختلفـــة ويكتفي‬ ‫بحيـــاة واحـــدة بأســـلو ٍب واحـــد!‬ ‫إّن أول مـــا يجـــب أن يفعلـــه المرء‬ ‫لنفســـه‪ ،‬هـــو أن يقـــرأ؛ لأّن القراءة‬ ‫تربينـــا مـــن الداخـــل‪ ،‬وتهـــذب‬

‫«القراءة‬ ‫ال ـذك ـي ـة‬ ‫تــــنــــقــــذ‬ ‫الإنـسـان‬ ‫مــن كـ ّل‬ ‫شـــــــيء‪،‬‬ ‫حتى من‬ ‫نـفـسـه»‬ ‫* دانيال بناك ‪ -‬متعة القراءة‬ ‫‪15‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الــــ ُغــــمــــوض‬ ‫ِضـــمـــن فـنـ ّيـة‬ ‫ال َّنصالإبداع ّي‬ ‫جان ًبـا‪ ،‬وأعـّز مطل ًبـا؛ وهـو أحسـن‬ ‫الشـعر نفسـه‪ ،‬جذورها ضاربة في‬ ‫أروى بنت عبدالله الحكم ّي‬ ‫موق ًعـا‪ ،‬وأعـذب مسـتم ًعا‪ ».‬كمـا‬ ‫أعماق ال ِقدم منذ نشـوء الأدب في‬ ‫‪@arwa_alhakami‬‬ ‫ذهـب ابـن سـنان إلـى الوضـوح‬ ‫العصـر الجاهلـي‪ ،‬والجديـر بالذكر‬ ‫وعـّده مـن ُشـروط الفصاحـة وهـو‬ ‫أّن السـمة الغالبة على الأدب آنذاك‬ ‫تجّلـت ظاهـرة ال ُغمـوض فـي‬ ‫«أن يكـون معنـى الـكلام واض ًحـا‬ ‫(الوضـوح)؛ لعامـل البيئـة‪ ،‬فالحيـاة‬ ‫الأدب بصـور ٍة فنّيـة متكـررة‬ ‫ظاهـ ًرا جلّ ًيـا لا يحتـاج إلـى فكـر‬ ‫البدويـة لهـا أثرهـا فـي طبـع فكـر‬ ‫ومتناميـة‪ ،‬واسـعة المرامـي‬ ‫فـي اسـتخراجه‪ ،‬وتأمـل لفهمـه»‬ ‫البـدوي بالبسـاطة والوضـوح‪،‬‬ ‫والغايـات‪ ،‬ومتعـددة المسـ ِّوغات‬ ‫سـوا ًء كان منظو ًمـا أو منثـو ًرا‪.‬‬ ‫وقـد دعـا كثيـر مـن القدمـاء‬ ‫والطرائـق‪ ،‬ومّثلـت عامـ ًلا مهّ ًمـا‬ ‫إلـى تج ُّنـب الإشـارات البعيـدة‪،‬‬ ‫فـي تلقـي النصـوص الأدبّيـة‪ ،‬حتى‬ ‫وكان أبـو إسـحاق الصابـي قـد‬ ‫والحكايـات ال َغ ِلقـة‪ ،‬والإيمـاء‬ ‫أصبحـت سـجية ظاهـرة ومتباينـة‬ ‫ذهـب غيـر هـذا المذهـب وزعـم‬ ‫ال ُمشـ ِكل‪ ،‬والاسـتعارات البعيـدة‪،‬‬ ‫تسـتدعي النظـر والتحليـل‬ ‫أن «الحسـن مـن الشـعر مـا‬ ‫والوحشـي الغريـب؛ لأن ذلـك ُيغلق‬ ‫والدراسـة‪ ،‬ولرّبمـا تفاقـم الإيغـال‬ ‫أعطـاك معنـاه بعـد مطاولـة‬ ‫المعنـى ويجعله مبه ًمـا مجهولاً‪.‬‬ ‫فيهـا إلـى حـ ِّد غريـب و ُمدهـش‪،‬‬ ‫ومماطلـة‪ ،‬والحسـن مـن النثر ما‬ ‫كأن ُيهيمـن طب ًعـا متجلّ ًيـا عنـد‬ ‫سـبق معنـاه لفظـه» ففـ َّرق بيـن‬ ‫ذكـر العسـكري فـي كتابـه‬ ‫بعـض الأدبـاء فـي سـائر أعمالهـم‪،‬‬ ‫النظـم والنثـر فـي هـذا الحكـم‪.‬‬ ‫(الصناعتيـن) « ‪ ...‬ولا خيـر فـي‬ ‫ُمتخذيـن منـه َمذه ًبـا فيمـا‬ ‫وقـد رفـض ابـن سـنان هـذا الفـرق‪،‬‬ ‫المعانـي إذا اسـتكرهت قهـ ًرا‪،‬‬ ‫ُينتجـون مـن المنثـو ِر والمنظوم‪،‬‬ ‫وقـال‪ :‬إن الشـعر والنثـر سـواء فـي‬ ‫والألفـاظ إذا اجتـّرت قسـ ًرا‪ ،‬ولا خيـر‬ ‫فيجعلـون الّنـص الواحـد كّلـه‬ ‫هـذه المسـألة‪ ،‬وأحسـنهما مـا‬ ‫فيما أجيد لفظه إذا سـخف معناه‪،‬‬ ‫غام ًضـا أو بعـض مقاطعـه‪،‬‬ ‫كان واض ًحـا‪ .‬إ َّن الوضـوح وإن كان‬ ‫ولا فـي غرابـة المعنـى إّلا إذا شـرف‬ ‫وربمـا إنتاجهـم الأدبـي برّمتـه‪.‬‬ ‫السـمة الغالبـة فـي قديم ال ِّشـعر‬ ‫لفظه مـع وضوح المغزى‪ ،‬وظهور‬ ‫العربـّي‪ ،‬فقـد تسـ َّرب شـيء مـن‬ ‫المقصـد‪ ،‬وقـد غلـب الجهـل علـى‬ ‫بدايـة نتوقـف أمـام مـا تعنيـه‬ ‫الغمـوض إليـه‪ ،‬يتباين مـن مرحلة‬ ‫قـو ٍم فصـاروا يسـتجيدون الـكلام‬ ‫لفظـة «الغمـوض» فـي ال ُّلغـة‪:‬‬ ‫لأخـرى‪ ،‬ولـدوا ٍع مختلفـة‪)2( .‬‬ ‫إذا لـم يقفـوا علـى معنـاه إلا‬ ‫ُيقـال غمـض المـكان‪ :‬أي‬ ‫بكـّد‪ ،‬ويسـتفصحونه إذا وجـدوا‬ ‫خفـي‪ ،‬وغمـض فـي الأرض‪ :‬إذا‬ ‫والجديـر بالذكـر أ َّن الغمـوض‬ ‫ألفاظـه كـّزة غليظـة‪ ،‬وجاسـية‬ ‫ذهـ َب فيهـا‪ ،‬والغامـض مـن‬ ‫أو الإغمـاض ليـس ممـا ُيعـاب‬ ‫غريبـة‪ ،‬ويسـتحقرون الـكلام إذا‬ ‫الـكلام‪ :‬خلاف الواضـح‪ ،‬ومسـألة‬ ‫بالإطلاق‪ ،‬فقـد يؤتـى بالإبهـام؛‬ ‫رأوه سل ًسـا عذبًـا وسـهلاً حلـ ًوا؛‬ ‫غامضـة‪ :‬فيهـا نظـر ودّقـة‪)1( .‬‬ ‫لتعظيـم الشـيء‪ ،‬وتفخيمـه عنـد‬ ‫ولـم يعلمـوا أّن السـهل أمنـع‬ ‫تعـ ُّد قضيـة الوضـوح والغمـوض‬ ‫فـ‪6‬ي‪ 1‬ال ِّشـعر اقلعدضدياـلحةادقيدعيشرمـة ِقـدم‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫إ َّن الغمـوض لا يكتسـب‬ ‫إلـى عـدم الإيغـال السـلبي فيهـا‬ ‫السـامع‪ ،‬أو لأن فيـه مزّيـة ليـس‬ ‫مشـروعيته الشـاعرّية إلا إذا دخـل‬ ‫والـذي يصـل إلـى حـّد التعميـة!‬ ‫للوضـوح مثلهـا‪ ،‬قـال عبـد القاهـر‪:‬‬ ‫فـي علاقـ ٍة ُمتسـقة مـع مكونـات‬ ‫«ومـن المركـوز فـي الطبـع أّ ًن‬ ‫ال ِخطـاب الأخـرى ‪-‬بوصفـ ِه بنـا ًء‬ ‫ولـذا لا يجـب الخلـط بيـن الغمـوض‬ ‫الشـيء إذا نيـل بعـد الطلـب لـه‪،‬‬ ‫متكامل ًا‪ ،-‬فالغمـوض ال ِّدلالـي‬ ‫والإبهـام؛ لأن الإبهـام ُيلغـي‬ ‫والاشـتياق إليـه‪ ،‬ومعانـاة الحنيـن‬ ‫ينبغـي أن يكـون فـي انسـجام‬ ‫مسـافات التفاعـل بيـن ُمنشـئ‬ ‫نحـوه كان نيلـه أحلـى وبالمزّيـة‬ ‫وتلاحـم تـام مـع بقيـة العناصـر‪.‬‬ ‫ال َّنـص و ُمتلقيه‪ ،‬ومـرد الإبهام إلى‬ ‫أولـى‪ ،‬فـكان موقعـه مـن الّنفـس‬ ‫اضطـراب فـي الفكـرة وتشـويش‬ ‫أجـّل وألطـف‪ « ...‬ولا يريـد بذلـك‬ ‫إ َّن ُلغـة ال ِّشـعر هـي ُلغـة ال ِغنـى‬ ‫فـي الرؤيـا‪ ،‬وإعطـاب فـي‬ ‫المعّقـد الـذي يتعثـر الفكـر‬ ‫المعنـوي‪ ،‬والتـرف الّلفظي‪ ،‬وهي‬ ‫التشـكيل والتضميـن والتصويـر‪،‬‬ ‫ويشـيك الطريـق إليـه ويوعـر‬ ‫الأعمـق والأكثـر بقـا ًء مـن أشـكال‬ ‫بينمـا الغمـوض علـى العكـس‬ ‫فهمـه بـل رّبمـا قسـم الفكـر‬ ‫الـكلام الأخـرى؛ ولـذا أحدث الشـعر‬ ‫مـن ذلـك‪ ،‬وهـذا الخلـط بينهمـا‬ ‫وشـّعب المعنـى وال َّظـن حتـى‬ ‫انفجـا ًرا لغوّيًـا ُف ِّسـر بالغمـوض‬ ‫فتـح المجـال أمـام المتطفليـن‬ ‫يلتبـس الأمـر‪ ،‬فالمعنى قـد ُيؤدى‬ ‫‪-‬ولـو لـم يظهـر الغمـوض حقيقّ ًيـا‬ ‫علـى الكتابـة الإبداعّيـة‪ ،‬فظهـرت‬ ‫بعبارتيـن‪ :‬الأولـى‪ :‬واضحـة الدلالـة‬ ‫بإشـكالاته الظاهـرة لاح ًقـا‪،-‬‬ ‫أسـماء كثيرة تّدعـي كتابة ال َّنص‬ ‫عليـه‪ ،‬والثانية‪ :‬غيـر واضحة الدلالة؛‬ ‫واتجـه الكثيـر مـن العارفيـن‬ ‫الحديث المسربل بالغموض‪ ،‬دون‬ ‫لضـروب مـن المقاصـد‪ ،‬فّصـل‬ ‫إلـى التصـدي لهـذا الغمـوض‬ ‫أن تمتلـك قد ًمـا وّثابـة فـي الأبعـاد‬ ‫فيهـا كبـار الّنقـاد ومـن أهمهـم‬ ‫بالبحـث والتحـري عـن كنهـه‬ ‫الفنّيـة‪ ،‬أو قـدرة قمينـة بالتقديـر‪،‬‬ ‫القرطاجنـّي في «منهاج البلغاء»‪.‬‬ ‫فـي علـوم (السـيموطيقا) علـم‬ ‫وموهبـة حقيقيـة فـي الصنعـة‬ ‫العلامـات (والهرمنيوطيقـا) علـم‬ ‫الإبداعّية تستمي ُل الفكر والتذّوق‪.‬‬ ‫ظّلـت ظاهـرة الغمـوض فـي‬ ‫التأويـل‪ .‬وفـي العلـوم الأخـرى‬ ‫الشـعر العربـي ‪-‬باعتبارهـا أحـد‬ ‫كعلـم الجمـال وغيـره‪ ،‬فالصـورة‬ ‫لاشـك بـأن الشـعر العربـي‬ ‫الخصائـص المميـزة للتجربـة‬ ‫الشـعرية الجديـدة التـي اتخـذت‬ ‫الحديـث رغـم تطـّور الظاهـرة‬ ‫الشـعرية منـذ القديـم‪ -‬موضو ًعـا‬ ‫مـن ال ُّلغـة أداتهـا فـي التكويـن‬ ‫فيـه‪ ،‬انتقل‪-‬فـي ظـل الحداثـة‬ ‫ينّقـ ُب فيـه ال ُّنقـاد‪ ،‬إّلا أن الـرأي الذي‬ ‫والكشـف والتـي اتسـمت‬ ‫الشـعرية المعاصـرة‪ -‬مـن‬ ‫يـكاد يأخـ ُذ صفـة الإجمـاع عليـه‪:‬‬ ‫بالخيـال لكونها شـاعرية وليسـت‬ ‫مسـتوى الغمـوض الـذي لا نتـردد‬ ‫أ َّن الغمـوض هـو أهـم مـا يميـ ُز‬ ‫مجـردة‪ ،‬هـي التـي ف َّجـرت قضيـة‬ ‫فـي عـده مظهـ ًرا فنّ ًيـا فـي كثيـر‬ ‫(القصيـدة المعاصـرة) التـي تعبـر‬ ‫الغمـوض بمراميهـا الشاسـعة‬ ‫مـن حالاتـه‪ ،‬إلـى مسـتوى الإبهـام‬ ‫عـن الإنسـان المعاصـر بـكل مـا‬ ‫وألهبـت مباحثـه واسـتدعت ِحلـق‬ ‫الـذي يسـبب فـي كثير مـن حالاته‬ ‫يعيشـه مـن أزمـات وتناقضـات‪،‬‬ ‫الّنقـاش عليـه‪ ،‬والتحريـات عـن‬ ‫إشـكالية عنـد بعـض الدارسـين‬ ‫انعكسـت بالضـرورة علـى تجربته‬ ‫معالـم (الألغـاز) فيـه بعـد مرحلـة‬ ‫والباحثيـن‪ ،‬حتـى ظهـرت محاولات‬ ‫الشـعرّية‪ ،‬فالأديـب المعاصـر هـو‬ ‫متقدمـة منـه‪ ،‬وهـي خاصيـة‬ ‫الاسـتدراك بعـد مظاهـر الإيغـال‬ ‫الـذي طـرق الغمـوض وغـّذى‬ ‫أثيـرة فـي «التفكيـر الشـعري»‪.‬‬ ‫فيـه‪ ،‬ف ُيذكـر أ َّن «نـازك الملائكـة‬ ‫مظاهـره أكثـر مّمـن سـبقوه؛‬ ‫رفضـت ال ُغمـوض بدعـوى أنـه كان‬ ‫فالقصيـدة المعاصـرة هـي‬ ‫وللغمـوض مزايـا ُيحق ُقهـا حسـ ُن‬ ‫مبـر ًرا فـي العقـود الأولـى من هذا‬ ‫القصيـدة الهاربة المتمنعة‪ ،‬والتي‬ ‫إعماله‪ ،‬منها‪ :‬التشويق‪ ،‬والإدهاش‪،‬‬ ‫القـرن فـي الحكومات المسـتبدة‬ ‫أخـذت محـاولات غير مسـبوقة في‬ ‫وتعـدد القـراءات فـي التلقـي‪،‬‬ ‫التـي خنقـت الهمسـة الوطنيـة‬ ‫تجليـات الغمـوض‪ ،‬واسـتمالة‬ ‫كمـا يشـحذ عقـل المتلقـي‬ ‫فاضطـر الشـعراء إلـى الضبابيـة‬ ‫القـارئ للتفاعـل معهـا وخـوض‬ ‫ويدفعـه للتفكيـر‪ ،‬والتجـاوب‬ ‫حّتـى يتأوهـوا بهـا‪ ،‬أ َّمـا بعـد أن‬ ‫مغامـرة الكشـف‪ ،‬إّلا أ َّن فتـح هـذا‬ ‫الواسـع الفّعـال مـع الإنتـاج‪.‬‬ ‫أطلـت حكومـات ثوريـة فلـم‬ ‫البـاب ينبغـي معـه اسـتحضار‬ ‫يعـد هـذا الغمـوض مبـر ًرا‪)3( ».‬‬ ‫(قيمـة الغمـوض) التـي تدعـو‬ ‫‪17‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫زمـــــــــــــــــن‬ ‫كتـــــــــــابين‬ ‫أكاد أجـــزم أنهـــا ســـتؤثر علـــى‬ ‫وســـائل التواصـــل الاجتماعـــي‬ ‫غال ًبـــا يصـــدر لـــكل فتـــرة زمنية‬ ‫بعـــض أفـــكارك لفتـــرة‪ -‬عزيـــزي‬ ‫القديمـــة والمعروفـــة بالصحـــف‪.‬‬ ‫كتابيـــن؛ أولهمـــا كتـــاب ُأّلـــف‬ ‫الطاهـــي‪ !-‬الحقيقـــة الكاملـــة‬ ‫وكالصـــورة تأخذنـــا بعيـــ ًدا عـــن‬ ‫بزمانـــه‪ ،‬مواكـــ ٌب للأحـــداث‪،‬‬ ‫وراء كتـــاب ما هـــي عندما ندرك‬ ‫محتـــوى الكتـــاب بعـــد أن يبـــرد‬ ‫والكثيـــر مـــن العبـــارات البراقـــة‪،‬‬ ‫الجهـــد المبـــذول خلفـــه‪ ،‬كصورة‬ ‫كالفطيـــرة المذكـــورة أعـــاه‪.‬‬ ‫وكأنـــه فطيـــرة خرجـــت لتوهـــا‬ ‫المطبـــخ قبـــل تقطيـــع الفطيرة‪.‬‬ ‫مـــن الفـــرن ولـــم تطهى جيـــ ًدا‪،‬‬ ‫افهمنـــي أرجـــوك لا أســـتطيع‬ ‫أمـــا الكتـــاب الآخـــر فهو الدراســـة‬ ‫والكثيـــر يتلهف لأخذ قطعة منها‬ ‫التصريـــح بمـــا ســـأخفيه بالعبارة‬ ‫التحقيقيـــة لمـــا كان مـــن أحداث‬ ‫قبـــل تقطيعها‪ .‬الحديـــث هنا عن‬ ‫القادمـــة‪( :‬هـــل الفطيـــرة طلـــب‬ ‫بعد سنوات‪ ،‬والذي حوى أغلب ‪-‬إن‬ ‫كتـــاب وليس عـــن الطعام‪ ،‬لكن‬ ‫مطعـــم أم إعـــداد منزلـــي؟!)‬ ‫لـــم يكن كل‪ -‬الأحـــداث وبترتيبها‬ ‫الشـــيء بالشـــيء ُيذكـــر‪ .‬وحال‬ ‫الزمنـــي‪ ،‬وربط علاقتهـــا ببعضها‬ ‫صـــدور مثـــل هـــذا الكتـــاب تخرج‬ ‫ختا ًمـــا لاحـــظ العبـــارات التاليـــة‬ ‫بـــدون صخـــب أو غلبة المشـــاعر‪.‬‬ ‫عبـــارات تمجـــد عقليـــة الكاتـــب‪،‬‬ ‫المشتركة بين الكتاب والفطائر‬ ‫وتوضـــع علـــى رف بهـــدوء لمـــن‬ ‫وكأنـــه اســـترق الســـمع‪ ،‬لكـــن‬ ‫(فطيـــرة بالطعـــم الأصلـــي‪/‬‬ ‫يبحـــث عنهـــا‪ .‬تما ًمـــا كالفطيرة‬ ‫مـــع الكثير مـــن عبـــارات التأليف‬ ‫المـــذاق الحقيقـــي‪ /‬النكهـــة‬ ‫المذكـــورة أعـــاه‪ ،‬حيـــث توضـــع‬ ‫والتزييـــن كتلـــك التـــي توضـــع‬ ‫الأم) هـــي نفســـها التـــي توضـــع‬ ‫علـــى رف بعـــد تقطيعهـــا بيـــن‬ ‫فـــوق الفطيـــرة الســـابق ذكرها؛‬ ‫على الكتـــب (القصـــة الحقيقية‪/‬‬ ‫الكثيـــر والكثيـــر مـــن الخيـــارات‬ ‫مـــع أن الحديـــث عـــن الكتـــاب‬ ‫الحـــدث الواقعـــي للقصـــة‪ /‬كما‬ ‫المنافســـة لهـــا‪ ،‬والحديـــث هنـــا‬ ‫ولكـــن الشـــيء بالشـــيء يذكر‪.‬‬ ‫حدثـــت) ففـــي الغالـــب ليس من‬ ‫عـــن الكتـــاب لكـــن الشـــيء‬ ‫وغالب تلـــك العبـــارات تأخذ أكثر‬ ‫طهى هـــو مـــن نظـــف المطبخ!‬ ‫بالشـــيء يذكر‪ .‬حســـنًا‪...‬لن أعيد‬ ‫الصـــور‪ ،‬واللقطـــات‪ ،‬والترويج في‬ ‫العبـــارات المكـــررة أعـــاه‪ .‬لكـــن‬ ‫مروي ناصر المريخي ‪@moriky_M‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪18‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫ضــــيــــف الـــــعـــــدد‪:‬‬ ‫‪ -‬نعلـــم أن الدكتـــور العبـــد‬ ‫د‪.‬راشدالعبدالكريم‬ ‫الكريـــم قـــد تخصـــص فـــي‬ ‫اللغـــة الإنجليزيـــة فـــي مرحلة‬ ‫أسـتـاذ الـمـنـاهـج وطـــرق الـتـدريـس والإشـــــراف الـتـربـوي بجامعة الـمـلـك سـعـود‪ .‬أ ّلـف‬ ‫البكالوريـــوس‪ ،‬ثـــم قمتـــم‬ ‫عــد ًدا مـن البحوث العلمية والكتب المطبوعة‪ ،‬وكــان أبـرزهـا كتابه «البحث النوعي‬ ‫بتغييـــر المســـار بالاتجـــاه إلى‬ ‫ـفـي الـتـربـيـة» والــــذي حـــاز عـلـى جــائــزة وزارة الـثـقـافـة والإعـــــام لـلـكـتـاب عـــام ‪2013‬م‬ ‫الإشـــراف التربـــوي ومناهـــج‬ ‫التدريس في الدراسات العليا‪،‬‬ ‫والمهنية بالنسبة لـي‪ ،‬وفـي نفس الوقت كـان تركيزي الفرعي‬ ‫فهـــل كان عامـــل التغييـــر‬ ‫‪ COGNATE AREA‬في مرحلة الدكتوراه هو تدريس اللغة الإنجليزية‬ ‫هـــو الحاجـــة أم الشـــغف؟‬ ‫كلغة ثانية‪ ،‬فأعتقد أني جمعت بين الاثنين‪ .‬وأنا أرى أن قراري هذا (أعني‬ ‫التخصص في المناهج) كان بحمد الله قرا ًرا صائ ًبا‪ ،‬وكان بداية انفتاح‬ ‫الحقيقة عند عزمي على مواصلة‬ ‫على مجالات أخرى في العلوم التربوية والاجتماعية بشكل عام‪.‬‬ ‫الــدراســة فـي أمريكا كــان لدي‬ ‫قبولين من جامعتين متقاربتين؛‬ ‫‪ -‬العبـــد الكريـــم الطالـــب ثـــم الأســـتاذ فـــي الجامعـــة ذاتهـــا‪،‬‬ ‫الأول فــي (الــلــغــويــات) امـتـداد‬ ‫فكيـــف تق ّيمـــون هـــذه التجربـــة؟ وهـــل ث ّمـــة تغييـــرات‬ ‫تخصصي فــي الـبـكـالـوريـوس‪،‬‬ ‫تســـعون لإحداثهـــا فـــي الســـلك التعليمـــي فـــي الجامعـــة‬ ‫والثاني في (الإشراف التربوي) الذي‬ ‫خصو ًصـــا أنكـــم مررتـــم بالتجربتيـــن‪ :‬الدراســـة والتدريـــس؟‬ ‫هو عملي في وزارة التربية‪ ،‬حيث‬ ‫كنت مشر ًفا للغة الإنجليزية‪.‬‬ ‫فعـــ ًا هي تجربـــة ثرية‪ ،‬وملهمة في الوقت نفســـه‪ .‬فقد د َرســـت كل‬ ‫وبعد التأمل وجــدت أن تخصص‬ ‫المراحـــل ودّرســـت فيهـــا أي ًضـــا! وهذه تجربة قـــد لا تتوفـــر لكثير من‬ ‫المناهج والإشـراف التربوي أوسع‬ ‫التربوييـــن‪ .‬وأعتقـــد أن هـــذه التجربـــة أفادتني كثي ًرا فـــي تصور واقع‬ ‫نطا ًقا وأرحب من الناحية العلمية‬ ‫تلـــك المراحل وســـاعدتني على التعامـــل الفاعل مع الطـــاب‪ .‬أركز‬ ‫فـــي تدريســـي على مـــا يســـمى بالتدريـــب المعرفـــي (أو الذهني)‬ ‫‪ COGNITIVE COACHING‬بحيـــث أســـعى إلى تطوير البنـــى العقلية‬ ‫‪19‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫المهـــارات فـــي التعلـــم‪ ،‬وهـــي‬ ‫الشـــرعية ‪ -‬دون إتقان هـــذه اللغة‬ ‫للمتعلم من خلال اســـتراتيجيات‬ ‫الأســـهل فـــي المحافظـــة عليها‪.‬‬ ‫على مســـتوى القـــراءة والفهم‪.‬‬ ‫التدريـــس المناســـبة‪ .‬لا أركـــز‬ ‫فالأكاديمي يحتـــاج اللغة الأجنبية‬ ‫فقـــط علـــى المعلومـــة‪ ،‬فكثير‬ ‫‪ -‬تـــتــــــســــم بعــــض الأوســـاط‬ ‫بالدرجـــة الأولـــى ليقرأ ما ينشـــر‪.‬‬ ‫مـــن المعلومـــات التـــي يحتاجها‬ ‫الأكاديمية بالركود العلمــــي‬ ‫ولا يكفـــي فـــي ذلـــك الاعتمـــاد‬ ‫الطالـــب الجامعـــي متوفـــرة‬ ‫وانعزالـــــهــــــــا عـــــن المجتمـع‬ ‫علـــى الترجمـــة‪ ،‬فنســـبة مـــا‬ ‫ويســـتطيع أن يحصل عليها متى‬ ‫رغـــــــم تــــوفــــــــر الإمكــــــانات‪.‬‬ ‫يترجـــم قليلـــة جـــ ًدا‪ ،‬بل تـــكاد لا‬ ‫شـــاء‪ ،‬لكن هو بحاجة إلى تطوير‬ ‫برأيكــــــم‪ ،‬مــــــا ســـــــبب هـــذا‬ ‫تذكر‪ ،‬كما أن مســـتوى الترجمة‬ ‫آليـــات النقـــد والفهـــم‪ ،‬والتـــزود‬ ‫الركـــود وهـــذه العزلـــة؟ ومـــا‬ ‫دون المأمـــول‪ ،‬ســـواء مـــن ناحية‬ ‫بمهارات التعلـــم الذاتي الفاعلة‪.‬‬ ‫الحـــــــلول المـنـاسبــــة لذلـــك؟‬ ‫الاختيـــار أو من ناحية دقة الترجمة‪.‬‬ ‫وهـــذا مـــا أســـعى لتعزيـــزه‪ .‬من‬ ‫الأشـــياء التي أحـــرص دائما عليها‬ ‫هـــذا صحيـــح‪ ،‬والركـــود العلمي‬ ‫تجربتـــي فـــي الكتابـــة باللغـــة‬ ‫فـــي تدريســـي ( وأنبـــه الطلبـــة‬ ‫لدينـــا واضـــح (ومخجـــل أحيانًـــا)!‬ ‫الإنجليزيـــة محـــدودة جـــ ًدا‪ .‬لا أجـــد‬ ‫عليهـــا) أننـــي أســـعى للإجابة عن‬ ‫هناك عدة أســـباب‪ :‬انشغال كثير‬ ‫حاجـــة كبيـــرة لذلك‪ .‬وأنـــا مهتم‬ ‫أســـئلتهم‪ ،‬لكـــن يهمنـــي أي ًضا‬ ‫من الأكاديمييـــن وعدم تفرغهم‬ ‫بتطويـــر الكتابة باللغـــة العربية‪.‬‬ ‫أن ُأثيـــر فـــي أذهانهـــم أســـئلة‬ ‫للعلـــم والبحـــث‪ ،‬ونظـــر كثيـــر‬ ‫ولذلـــك ألفـــت كتابـــّي (البحـــث‬ ‫يبـــدؤون في التفكيـــر في حلها!‬ ‫منهـــم إلـــى العمـــل الأكاديمي‬ ‫النوعـــي) و (كيـــف تؤلـــف كتابًا)‪.‬‬ ‫قـــد لا يتمكنـــون من حلهـــا أثناء‬ ‫على أنـــه فقـــط وظيفـــة‪ ،‬وليس‬ ‫دراســـة المقـــرر‪ ،‬لكـــن مجـــرد‬ ‫أكثـــر مـــن ذلـــك‪ ،‬نـــدرة المنابـــر‬ ‫يخطـــئ من يظـــن أن تعلم اللغة‬ ‫ظهور هذه الأســـئلة فـــي القضايا‬ ‫والمنتديـــات العلميـــة التـــي‬ ‫الأجنبية يجب أن يشـــمل المهارات‬ ‫الفكريـــة والاجتماعيـــة بحـــد ذاته‬ ‫تعطـــي الفرصـــة لطـــرح الأفـــكار‬ ‫الأربع المعروفـــة (الحديث والقراءة‬ ‫دليـــل علـــى أن شـــي ًئا جديـــ ًدا‬ ‫ونقاشـــها وتطويرها‪ ،‬وقلة النقد‬ ‫والاســـتماع والكتابـــة)‪ ،‬أحيانًـــا‬ ‫حـــدث في عقـــل المتعلـــم‪ ،‬أو أن‬ ‫العلمي الصحيح‪ ،‬فالنقد العلمي‬ ‫لعوامـــل عمليـــة ونفعيـــة قـــد‬ ‫نافـــذة كانـــت مغلقـــة وانفتحت‪.‬‬ ‫عامل أســـاس في تطوير الأفكار‪.‬‬ ‫تكـــون حاجـــة الإنســـان مقتصـــرة‬ ‫علـــى مهـــارة واحـــدة أو اثنتيـــن‪،‬‬ ‫‪ -‬كيـــف تســـهم اللغـــة الثانية‬ ‫كثيـــر مـــن الأكاديمييـــن يبـــرر‬ ‫فمـــن الأجـــدى أن لا يضيـــع وقتـــه‬ ‫فـــي تطويـــر الإنســـان؟ وكيف‬ ‫ذلـــك بـــأن الأعمـــال العلميـــة لا‬ ‫فـــي المهـــارات الأخـــرى‪ .‬فأكثـــر‬ ‫هـــي تجربتكم فـــي الكتابة‬ ‫تقـــّدر‪ ،‬وليس لها مـــردود مادي أو‬ ‫حاجـــة الأكاديميين هـــي لمهارات‬ ‫باللغتيـــن العربية والإنجليزية؟‬ ‫معنوي‪ .‬وقد يكـــون هذا صحي ًحا‬ ‫القـــراءة وهـــي مـــن أســـهل‬ ‫إلـــى حـــد كبيـــر‪ ،‬لكـــن علـــى‬ ‫اللغة الثانيـــة ‪ -‬خاصـــة الإنجليزية‪-‬‬ ‫مـــّر العصـــور لـــم يكـــن الدافـــع‬ ‫تفتـــح أبـــواب المعرفـــة‪ .‬وفي هذا‬ ‫الرئيـــس للعلمـــاء هو الكســـب‬ ‫الوقـــت اللغـــة الإنجليزيـــة هـــي‬ ‫المادي‪ ،‬بل كان الشـــغف بالعلم‬ ‫لغـــة العلم‪ .‬وأعتقد أنـــه لا يمكن‬ ‫والنشـــوة بالفهـــم والاكتشـــاف‪.‬‬ ‫لأي أكاديمـــي أن يتميـــز‪ -‬فيمـــا‬ ‫ســـوى اللغـــة العربيـــة والعلوم‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪20‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫اهتمام بتوجـــه في البحث حديث‬ ‫الخصـــوم بقصـــد التشـــويه‪،‬‬ ‫‪ -‬ما زال ابـــن تيمية لغ ًزا محي ًرا‬ ‫نســـب ًيا وينـــال اهتما ًمـــا متزاي ًدا‬ ‫أو نتيجـــة للفهـــم القاصـــر‪.‬‬ ‫لكثيـــر مـــن محبـــي الثقافة‪،‬‬ ‫فـــي جامعـــات العالـــم‪ ،‬وهـــو‬ ‫خاصـــ ًة فـــي هذا العصـــر؛ فبين‬ ‫التوجه النوعي المـــوازي للتوجه‬ ‫مشـــكلة ابن تيمية أن تشـــويهه‬ ‫غـــا ٍل وطاعـــ ٍن ومحتـــار‪ ،‬هـــل‬ ‫الكمـــي فـــي البحـــث‪ .‬فالبحـــث‬ ‫ســـهل‪ ،‬لأنـــه يخالـــف مـــا عليـــه‬ ‫فكرتـــم فـــي توضيـــح فكـــر‬ ‫النوعـــي (وقد يســـمى الكيفي)‬ ‫عامـــة النـــاس وعامـــة العلمـــاء‪،‬‬ ‫ابـــن تيميـــة للشـــباب المثقف‬ ‫توجـــه في البحث يهتـــم بطبيعة‬ ‫والرجـــوع إلـــى كتبـــه لا يتيســـر‬ ‫خاصـــة‪ ،‬لا ســـ ّيما وأنـــه قـــد‬ ‫البيانـــات ونوعيتهـــا وليـــس فقط‬ ‫لـــكل أحـــد لتوســـعه فـــي‬ ‫ُعـــرف عنكـــم اهتمامكـــم‬ ‫بمـــا فيهـــا‪ ،‬أو ينتـــج عنهـــا مـــن‬ ‫الكتابـــة وكثـــرة اســـتطراداته‪،‬‬ ‫بشـــيخ الإســـام ‪-‬رحمـــه الله‪-‬؟‬ ‫أرقـــام وإحصـــاءات‪ .‬كان هذا النوع‬ ‫وعمقـــه فـــي النقـــاش والبحـــث‪.‬‬ ‫مـــن البحـــث محـــل اهتمامـــي‬ ‫شـــيخ الإســـام ابـــن تيميـــة ليس‬ ‫أيـــام دراســـة الدكتـــوراه‪ ،‬وقـــرأت‬ ‫ولـــي كتـــاب لعلـــه يصـــدر قري ًبا‬ ‫لغـــ ًزا‪ ،‬هـــو كنز‪ ،‬والكنـــز لا يكون‬ ‫فيـــه كثيـــ ًرا ود َرســـت فيـــه بعض‬ ‫بأسلوب سهل وبشـــكل حواري‪،‬‬ ‫ظاهـــ ًرا‪ ،‬وكتبـــه معيـــن لا ينضب‬ ‫المقـــررات‪ ،‬لأني رأيتـــه يتعمق في‬ ‫أحـــاول فيـــه لملمة أطـــراف فكر‬ ‫للعلـــم والفكـــر الرصيـــن‪ .‬أمـــا‬ ‫بحـــث الظاهـــرة ويكشـــف عـــن‬ ‫هذا الإمام في القضايا الرئيســـة‪.‬‬ ‫الغلـــو فـــا أرى أحـــ ًدا غلا فيـــه‪ ..‬بل‬ ‫المعانـــي الكامنـــة فيهـــا‪ ،‬فرأيته‬ ‫هـــم يعترفـــون بفضلـــه ويـــرون‬ ‫أقـــرب للعلـــوم الاجتماعية بعامة‬ ‫وبالمناســـبة ابـــن تيميـــة مثـــال‬ ‫تميـــزه علـــى كثير مـــن العلماء‬ ‫والتربويـــة بخاصـــة‪ .‬والكتـــاب‬ ‫جيد علـــى «الأكاديمي» الرصين‪،‬‬ ‫غيـــره‪ ،‬وهـــذا حق وبّيـــن لكل من‬ ‫موجـــه للأكاديمييـــن والباحثيـــن‬ ‫مـــن حيـــث الانقطـــاع للعمـــل‪،‬‬ ‫قـــرأ كتبه‪ ،‬وقد اعتـــرف بهذا عقلاء‬ ‫فـــي العلوم الاجتماعية بشـــكل‬ ‫والعمـــق فـــي البحـــث والتوســـع‬ ‫خصومـــه‪ .‬ولا أحـــد معصـــوم من‬ ‫عـــام‪ ،‬لكننـــي خصصـــت بــــ‬ ‫فـــي الاطـــاع والأمانـــة العلميـــة‬ ‫الخطأ‪ ..‬أما الطاعـــن‪ ،‬فالأنبياء لم‬ ‫(التربيـــة) فقـــط لأجـــل التخصص؛‬ ‫والموضوعيـــة‪ .‬وقـــد أشـــار إلـــى‬ ‫يســـلموا مـــن الطعـــن‪ ،‬وكذلك‬ ‫حيـــث ســـقت غالـــب الأمثلـــة من‬ ‫جوانـــب من هـــذا الدكتـــور علي‬ ‫ورثتهـــم علـــى مـــر الأزمـــان‪ .‬أما‬ ‫المجـــال التربـــوي‪ .‬وإلا فالكتـــاب‬ ‫النشـــار فـــي كتابـــه (مناهـــج‬ ‫المحتـــار‪ ،‬فأقـــول لـــه‪ :‬دونـــك‬ ‫ولله الحمـــد لقـــي قبـــولا لـــدى‬ ‫البحـــث عنـــد مفكـــري الإســـام)‪.‬‬ ‫كتـــب ابن تيميـــة اقرأ فيهـــا‪ ،‬ودع‬ ‫الأكاديمييـــن فـــي مجـــالات أخرى‬ ‫الجـــذاذات الجاهزة التـــي يهيؤها‬ ‫كعلـــم الاجتماع ومجـــال الإعلام‪.‬‬ ‫‪ -‬حصـــد كتابكـــم «البحـــث‬ ‫النوعـــي فـــي التربيـــة» جائزة‬ ‫وزارة الثقافـــة والإعـــام‬ ‫للكتاب عـــام ‪2013‬م‪ .‬فما الذي‬ ‫تقصدونـــه بالبحـــث النوعـــي؟‬ ‫وهل للكتاب فئ ٌة مســـتهدفة‬ ‫دون غيرهـــا بمـــا أنكـــم‬ ‫ذكرتـــم أنـــه فـــي التربيـــة؟‬ ‫أولاً هـــذا توفيق مـــن الله ‪-‬جل وعلا‪-‬‬ ‫‪ ،‬ولـــه الحمـــد‪ .‬الكتـــاب نتـــج عـــن‬ ‫‪21‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫وســـائل الإعـــام الأخـــرى‪ ،‬وكثيـــر‬ ‫‪ -‬من خلال تجربتكم المثمرة‪،‬‬ ‫‪ -‬هـــل تـــرون أن هنـــاك خطـــة‬ ‫مـــن الفعاليـــات الاجتماعيـــة‬ ‫كيـــف يمكـــن للأســـتاذ‬ ‫مدروســـة لتطوير منهج اللغة‬ ‫–و»الأكاديميـــة»‪ -‬التـــي لا حاجـــة‬ ‫الجامعي أن يوفـــق بين مهام‬ ‫الإنجليزيـــة فـــي المملكـــة‬ ‫لهـــا‪ ،‬لوفـــر الأكاديمـــي وق ًتـــا‬ ‫التدريـــس والعمـــل والتأليـــف‬ ‫بحيـــث يتخـــرج الطالـــب فـــي‬ ‫كاف ًيـــا لأعمالـــه العلميـــة اللازمة‪.‬‬ ‫وبيـــن القـــراءة والمطالعـــة؟‬ ‫المرحلـــة الثانويـــة بمســـتوى‬ ‫يم ّكنـــه مـــن الالتحـــاق‬ ‫‪ -‬كيف يؤثر الأســـتاذ الجامعي‬ ‫التدريـــس والقـــراءة والمطالعـــة‬ ‫بالجامعـــات المحليـــة أو‬ ‫علـــى الطلبـــة فيمـــا يخـــ ّص‬ ‫والتأليـــف هـــي عمـــل الجامعي‬ ‫الدراسة في الخارج دون تكبد‬ ‫بزيـــادة شـــغفهم بالكتـــاب‬ ‫(الأكاديمـــي)‪ ،‬وهـــي متآلفـــة‬ ‫عناء دراســـة اللغة مـــن جديد؟‬ ‫والمكتبـــة؟ وفـــي الواقع‪ ،‬هل‬ ‫بطبيعتهـــا‪ ،‬بـــل هـــي المكونات‬ ‫يســـعى الأســـاتذة الجامعيين‬ ‫العضويـــة للأكاديمي‪ .‬فـــا أتصور‬ ‫هناك آمـــال وطموحـــات‪ ،‬وجهود‬ ‫لتحقيـــق هـــذا الهـــدف؟‬ ‫أكاديمّ ًيـــا لا يقـــرأ أو لا يؤلـــف (ينتج‬ ‫كثيـــرة للتطويـــر‪ .‬والمشـــكلة‬ ‫فكـــ ًرا) أو لا يـــدّرس‪ .‬ومـــن لديـــه‬ ‫ليســـت في الخطة‪ ،‬ولا تنص ُّب في‬ ‫من الأهـــداف الرئيســـة عندي في‬ ‫تضاد بين هـــذه الأشـــياء فليراجع‬ ‫تطويـــر اللغـــة الإنجليزيـــة فقـــط‪.‬‬ ‫التدريـــس‪ ،‬ربـــط الطـــاب بالكتاب‬ ‫(أكاديميتـــه)! بعبـــارة أخـــرى‪،‬‬ ‫وإنمـــا أعتقـــد أن مـــا يوجـــد مـــن‬ ‫والقـــراءة‪ ،‬خاصة طلاب الدراســـات‬ ‫الأكاديمـــي ‪ -‬فيمـــا أراه ‪ -‬قـــراءة‬ ‫ضعف فـــي اللغـــة العربية أشـــد‪،‬‬ ‫العليـــا‪ .‬ودائ ًمـــا أقول لهـــم إن ما‬ ‫ومطالعـــة وتفكير ناقـــد وكتابة‬ ‫وأكثـــر ضـــر ًرا‪ ،‬وقـــد يكـــون مـــن‬ ‫يبنـــي طالـــب الدراســـات العليـــا‬ ‫وإنتـــاج علمـــي وتدريـــس‪ .‬ومن لا‬ ‫أســـباب ضعف الطلاب فـــي اللغة‬ ‫هـــو القراءة الجـــادة‪ .‬ومن الأخطاء‬ ‫تتوفـــر فيه هـــذه الأشـــياء‪ ،‬أو يرى‬ ‫الإنجليزيـــة أي ًضا! فتعلـــم اللغات‬ ‫التـــي يقع فيهـــا طلاب الدراســـات‬ ‫فيهـــا تعار ًضـــا فـــا أتصـــور كونه‬ ‫من حيـــث المبدأ واحـــد‪ ،‬وله علاقة‬ ‫العليـــا ( وبعـــض الأســـاتذة )‬ ‫أكاديمّ ًيـــا‪ .‬نعـــم الوقـــت يضيـــق‬ ‫بالتفكيـــر‪ .‬واللغـــة الإنجليزيـــة‬ ‫الاقتصـــار علـــى مراجعـــة الأبحاث‬ ‫أحيانًا‪ ،‬وقد تزاحـــم الأعما ُل الإدارية‬ ‫حاجتنا لها حاجـــة نفعية‪ ،‬ويمكن‬ ‫(وغال ًبـــا مراجعـــة الملخصـــات)‬ ‫هـــذه الأشـــياء‪ ،‬لكـــن يجـــب على‬ ‫تعلمهـــا فـــي أي وقـــت‪ ،‬بعكس‬ ‫وهـــذا خطـــأ كبيـــر‪ ،‬وســـبب من‬ ‫الأكاديمـــي – وجوبًا – أن يوفر لها‬ ‫اللغـــة العربية‪ .‬واللغـــة الإنجليزية‬ ‫أســـباب الضحالة العلمية‪ .‬الكتب‬ ‫الوقـــت‪ .‬دون وجـــود هذه الأشـــياء‬ ‫لا بد مـــن تعلمهـــا‪ ،‬فتكبـــد عناء‬ ‫العلميـــة العميقة والمتوســـعة‬ ‫متلازمـــة فـــي حيـــاة الأكاديمي‪،‬‬ ‫تعلمهـــا حاصـــل علـــى أي حـــال‪،‬‬ ‫هـــي ما يبنـــي الأكاديمـــي عل ًما‬ ‫فـــا نتوقـــع إنتا ًجـــا فكرّيًـــا علمّ ًيا‬ ‫فـــا أرى كبير فرق بيـــن أن يكون‬ ‫وفكـــ ًرا وســـعة أفـــق ومنهجيـــة‬ ‫رصي ًنـــا‪ .‬وتصـــّو ُر أن يكـــون هناك‬ ‫ذلـــك في أول العمـــر وعلى مدى‬ ‫نقديـــة‪ .‬والكتـــب تســـد أي نقص‬ ‫إمكانيـــة للانفصـــال بيـــن هـــذه‬ ‫ســـنوات طـــوال أو أن يركـــز –عند‬ ‫قـــد يحصـــل فـــي التدريـــس أو‬ ‫المكونات قد يكون من أســـباب‬ ‫الحاجـــة– فـــي ســـنة أو ســـنتين‪.‬‬ ‫فـــي البرنامـــج الدراســـي‪ .‬الأبحاث‬ ‫حالة الركود والســـطحية ( وعدم‬ ‫وأكثـــر الـــرواد من جيلنـــا وممن‬ ‫ربمـــا تجعـــل الأكاديمـــي (أو‬ ‫الجديـــة ) التـــي نراهـــا فـــي جّونا‬ ‫ســـبقونا تعلموا اللغة على ِك َبر‬ ‫طالـــب الدراســـات العليـــا) متاب ًعا‬ ‫الأكاديمـــي‪ .‬لـــو وفرنـــا الأوقـــات‬ ‫في ســـنة أو نحوهـــا‪ ،‬وأبدعوا في‬ ‫للمســـتجدات‪ ،‬التـــي هـــي‬ ‫التـــي نضيعهـــا فـــي وســـائل‬ ‫تخصصاتهـــم‪ ،‬فـــا أرى ضرورة من‬ ‫بدورهـــا متغيـــرة وجزئيـــة (وربما‬ ‫التواصـــل الاجتماعي ومشـــاهدة‬ ‫تضخيم المســـألة بهذا الشـــكل‪.‬‬ ‫ســـطحية)‪ ،‬لكن الكتب العلمية‬ ‫هي التي تنســـج فكر الأكاديمي‬ ‫وتبنـــي هيكلـــه العلمـــي‪.‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪22‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫سلاســـة وأقـــل ضغ ًطـــا وتوت ًرا‬ ‫الأولـــى إلـــى ضعـــف القـــراءة‬ ‫‪ -‬هـــل تـــرون أن ث ّمـــة علاقـــة‬ ‫بحيث لا يجـــد طالب الدكتوراه‬ ‫وســـطحيتها‪ .‬للأســـف صناعـــة‬ ‫بين القـــراءة والثقافـــة العامة‬ ‫نفســـه فـــي عنـــق الزجاجـــة؟!‬ ‫الكتـــاب التربوي العربي تســـهم‬ ‫وزيـــادة الوعـــي المعرفـــي‬ ‫فـــي هـــذا الضعـــف مـــن خـــال‬ ‫لـــدى الطلبة ورفع المســـتوى‬ ‫الاختبار الشـــامل تقليـــد عالمي‪،‬‬ ‫الإنتـــاج العلمـــي المتهالك‪ .‬غالب‬ ‫التحصيلي لديهم في مرحلة‬ ‫وهـــو خطـــوة لإثبـــات الطالـــب‬ ‫مـــا يوجـــد مـــن كتـــب علميـــة‬ ‫البكالوريـــوس ومـــا بعدهـــا؟‬ ‫جدارتـــه بدرجـــة الدكتـــوراه‬ ‫مؤلفـــة تناســـب القـــارئ العادي‬ ‫(العالميـــة)‪ ،‬والاختبـــار الشـــامل‬ ‫(علـــى أحســـن الأحـــوال)‪ ،‬ولا ترقى‬ ‫القـــراءة النقديـــة والانتقائية ‪-‬بعد‬ ‫بطبيعته مرهـــق ومقلق‪ ،‬ويحتاج‬ ‫لمســـتوى الأكاديمييـــن‪ .‬القراءة‬ ‫توفيـــق الله‪ -‬مـــن أفضـــل مـــا يزيد‬ ‫إلـــى إعداد مبكـــر‪ .‬لكن أي طالب‬ ‫تحل أكثر المشـــكلات التي لدى‬ ‫الوعـــي ويبنـــي ملكـــة التفكير‬ ‫يـــرى أنه يســـتحق الدكتوراه يجب‬ ‫طلاب الدراســـات العليا‪ .‬ويزعجني‬ ‫الناقـــد والتفكير الإبداعي‪ ،‬ونقص‬ ‫أن لا يراه شـــي ًئا «مرع ًبا»‪ .‬نعم هو‬ ‫كثيـــ ًرا عندما أّطلع على رســـالة‬ ‫هذا النوع مـــن القراءة ‪ -‬من وجهة‬ ‫يحتـــاج إلى إعداد‪ ،‬وقراءة ودراســـة‬ ‫دكتـــوراه‪ ،‬وأتصفـــح المراجع فأجد‬ ‫نظري ‪ -‬ســـبب لضحالـــة المعارف‬ ‫مركـــزة‪ ،‬لكن هذا مـــا يصنع من‬ ‫أكثرهـــا رســـائل علمية ســـابقة‬ ‫التي نراها في بعض الجامعيين‪،‬‬ ‫الطالـــب «دكتـــو ًرا» أو «مرشـــ ًحا‬ ‫(ماجســـتير ودكتـــوراه) وأبحـــاث‬ ‫وســـطحية الاهتمامات‪ ،‬وســـبب‬ ‫للدكتـــوراه»‪ .‬ومـــن خبرتـــي أيام‬ ‫منشـــورة‪ ،‬بينما الكتب العلمية‬ ‫رئيـــس فـــي ضعـــف مهـــارات‬ ‫الدراســـة ومـــع الطلاب بعـــد ذلك‬ ‫المتخصصـــة الحديثـــة فـــي‬ ‫التفكيـــر لـــدى الطـــاب ومهارات‬ ‫أرى أن الإعـــداد للاختبـــار الشـــامل‬ ‫موضـــوع الدراســـة غيـــر موجودة‬ ‫الكتابـــة‪ ،‬والمهـــارات اللغويـــة‬ ‫يعادل دراســـة المقـــررات كاملة‪،‬‬ ‫أو نـــادرة! مـــع أن المفتـــرض هـــو‬ ‫عمو ًمـــا‪ .‬وأعتقـــد أن القـــراءة‬ ‫فهـــو فرصـــة لاســـتعادة كل مـــا‬ ‫العكـــس تما ًمـــا‪ .‬ولذلـــك تتفاجأ‬ ‫الجـــادة يمكـــن أن تعالـــج كثيـــ ًرا‬ ‫سبق دراسته‪ ،‬واســـتيعابه والربط‬ ‫أحيانًـــا عنـــد مناقشـــة بعـــض‬ ‫مـــن النقـــص العلمـــي والفكري‬ ‫بينه‪ .‬وهذا لا يتهيـــأ إلا بجهد كبير‬ ‫الطـــاب فـــي أطروحاتهـــم أنـــك‬ ‫والمهـــاري لكثيـــر مـــن الطـــاب‪.‬‬ ‫وتركيـــز‪ .‬وغال ًبـــا مـــن يســـتعد‬ ‫تســـأله عـــن قضية فـــي موضوع‬ ‫للاختبار بشـــكل جيـــد لا يواجه أي‬ ‫دراســـته فـــا يـــكاد بشـــيء ذي‬ ‫‪ -‬مـــا أثـــر القـــراءة علـــى‬ ‫مشـــكلة فيه‪ .‬القلـــق والهم أمر‬ ‫بـــال فيهـــا‪ ،‬بـــل يجيبـــك بمثـــل‬ ‫جـــودة البحـــث العلمـــي لـــدى‬ ‫لا بد منه فـــي أي اختبار‪ .‬لكن من‬ ‫مـــا يجيـــب بـــه أي طالـــب آخـــر!‬ ‫طلبـــة الدراســـات العليـــا؟‬ ‫خبرتـــي أكثر من عشـــر ســـنوات‬ ‫في مجـــال (الاختبـــار الشـــامل) لا‬ ‫‪ -‬الاختبـــار الشـــامل المخصص‬ ‫باختصـــار لا بحـــث علمـــي دون‬ ‫يتجـــاوز الإخفـــاق النهائـــي نســـبة‬ ‫لطلبـــة الدكتوراه والهم الذي‬ ‫قـــراءة‪ ،‬وقـــراءة جـــادة وعميقـــة‪.‬‬ ‫‪ .%1‬والطـــاب الذيـــن يعـــدون‬ ‫يطاردهـــم منـــذ أن يضعـــون‬ ‫البحـــث العلمـــي قائـــم علـــى‬ ‫أنفســـهم للاختبـــار الشـــامل‬ ‫أقدامهـــم علـــى عتبـــة هـــذه‬ ‫نظريـــة وعلـــم ومعارف ســـابقة‪،‬‬ ‫(منـــذ أن يضعـــون أقدامهـــم‬ ‫المرحلـــة‪ ،‬برأيك هـــل يجب أن‬ ‫وله منطـــق‪ ،‬ولا يمكـــن أن تتوفر‬ ‫علـــى عتبة هـــذه المرحلـــة) كما‬ ‫يكون الاختبـــار مرع ًبا ومره ًقا‬ ‫هـــذه الأشـــياء إلا بالقـــراءة والحوار‬ ‫فـــي الســـؤال‪ ،‬لـــن يواجهـــوا أي‬ ‫إلى هـــذا الحـــد لكـــي نتأكد‬ ‫مـــع العلمـــاء والباحثيـــن عبـــر‬ ‫صعوبـــة فـــي الاختبـــار الشـــامل‪.‬‬ ‫من أهليـــة الطالب للمواصلة‪،‬‬ ‫إنتاجهـــم العلمـــي المكتـــوب‪.‬‬ ‫أم أنه يمكن لاختبار الشـــامل‬ ‫نعانـــي مـــن ضعـــف فـــي البحث‬ ‫أن يجـــرى بطريقـــة أكثـــر‬ ‫فـــي العلـــوم الاجتماعيـــة بعامة‬ ‫والتربوية بخاصـــة‪ُ ،‬أرجعه بالدرجة‬ ‫‪23‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫وأخـــرى‪ ،‬وربمـــا يكـــون الســـبب‬ ‫‪ -‬اختيـــار موضـــوع البحـــث‬ ‫أي ًضـــا أن الطالب (أو مشـــرفه) لم‬ ‫فـــي مرحلتـــي الماجســـتير‬ ‫يفلح فـــي بيان أهميـــة الموضوع‬ ‫والدكتوراه يشـــ ّكل هاج ًســـا‬ ‫وإقنـــاع اللجنـــة المختصـــة بذلك‪.‬‬ ‫مؤر ًقـــا للطالـــب؛ ليـــس لعدم‬ ‫وجود المواضيع وإنما بســـبب‬ ‫‪ -‬مـــا نصيحتكـــم لمـــن أراد أن‬ ‫التشـــدد فـــي قبـــول العناوين‬ ‫يشرع في كتابة بح ٍث علم ّي؟‬ ‫المقترحـــة مـــن قبـــل الطالب‬ ‫ورفـــض بعـــض المرشـــدين‬ ‫أولاً أن يتأكـــد أنـــه يمتلـــك أدوات‬ ‫لأكثـــر من خطة بحـــث يقدمها‬ ‫البحـــث العلمـــي‪ ،‬وليـــس فقـــط‬ ‫الطالـــب دون مبـــررات مقنعة‪،‬‬ ‫يمتلـــك قال ًبـــا ويريـــد أن يســـير‬ ‫حتـــى إن الطالـــب يتفاجأ فيما‬ ‫عليـــه (وللأســـف هـــذا مـــا يفعله‬ ‫بعـــد بأن موضوعـــه الذي ُرفض‬ ‫كثير مـــن الطلاب!) وأدوات البحث‬ ‫ُقـــدم كبحـــث للدكتـــوراه من‬ ‫العلمـــي تبـــدأ أولاً بفهـــم منطق‬ ‫قبـــل طالـــب آخـــر فـــي جامعة‬ ‫البحث‪ ،‬والأســـس النظرية للتوجه‬ ‫أخـــرى‪ ،‬كيـــف تنظـــرون لهـــذه‬ ‫البحثـــي الـــذي يســـلك الباحـــث‪،‬‬ ‫المشـــكلة؟ وبرأيكـــم مـــا‬ ‫ومعرفة إجراءاتـــه الصحيحة‪ ،‬كما‬ ‫هـــي الحلـــول المقترحـــة؟‬ ‫تعنـــي أي ًضـــا الإلمـــام الكامـــل‬ ‫بموضـــوع البحـــث‪ .‬أتفاجـــأ عندما‬ ‫اختيـــار موضـــوع البحـــث دائ ًمـــا‬ ‫يعـــرض علـــي طالـــب أدواتـــه‬ ‫مرحلـــة صعبـــة‪ ،‬لأنها قـــرار يتدخل‬ ‫للمراجعـــة (أو للتحكيـــم!) وهو‬ ‫فيه أكثر من شـــخص (المشـــرف‬ ‫لـــم يكمـــل كتابـــة فصـــل الإطار‬ ‫واللجـــان المختصـــة) ويترتـــب‬ ‫النظـــري! معنـــى ذلك أنه يســـير‬ ‫عليـــه نتائج مهمة‪ .‬والتشـــدد في‬ ‫فـــي إطـــار قالـــب معـــد ســـل ًفا‪،‬‬ ‫قبـــول الموضوعـــات‪ ،‬لو ســـلمنا‬ ‫ويقلد خطوات دون أن يســـتوعب‬ ‫بـــه فهو ناتـــج ‪-‬بدرجة كبيـــرة‪ -‬إلى‬ ‫عمليـــة البحـــث العلمـــي‪.‬‬ ‫التقليدية فـــي الموضوعات التي‬ ‫يطرقهـــا الطـــاب‪ .‬وهـــذا بـــدوره‬ ‫القـــراءة الموســـعة العميقـــة‬ ‫ناتـــج إلـــى القصور فـــي اطلاعهم‬ ‫والناقـــدة هـــي مـــا يحتاجـــه‬ ‫علـــى أدبيـــات الموضوعـــات ذات‬ ‫الباحـــث‪ ،‬ولا يمكـــن أن يكـــون‬ ‫العلاقـــة بتخصصهـــم‪ .‬أمـــا رفض‬ ‫هنـــاك بحـــث رصيـــن دون قـــراءة‬ ‫الموضـــوع فـــي جامعـــة وقبوله‬ ‫عميقـــة‪ .‬بـــكل ثقـــة أقـــول‪ :‬مـــن‬ ‫فـــي أخـــرى‪ ،‬فهـــذا أمـــر طبيعي‪،‬‬ ‫يقرأ مـــن الطلاب بتوســـع وعمق‪،‬‬ ‫لاختلاف المســـتويات العلمية في‬ ‫لـــن يواجـــه مشـــكلة تذكـــر في‬ ‫الجامعـــات‪ ،‬ولتنوع المشـــاركين‬ ‫اختبـــاره الشـــامل ولا فـــي بحثه‪.‬‬ ‫في اللجان وتفاوتهم بين جامعة‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪24‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫لقد أعطاني الأدب‬ ‫في المنفى صو ًتا‪.‬‬ ‫أنقذ ذكرياتي من‬ ‫لـعـنـة الـنـسـيـان‬ ‫وم ّكنني من خلق‬ ‫عــالــمــي الــخــاص‬ ‫*‏ إيزابيل الليندي ‪ -‬حياة الكتابة  ‬ ‫‪25‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫لا أستطيع الآن تذكر اسم أول رواية‬ ‫الــمــغــامــرون‬ ‫قرأتها فـي حياتي؛ وذلــك لأنني‬ ‫الــــخــــمــــســــة‬ ‫كنت صغي ًرا حينما بدأت في قراءة‬ ‫الروايات وكتب الجيب الصغيرة‪.‬‬ ‫منمذكراتقارئ‬ ‫ولأني حينها لم أكن أكترث لاسم‬ ‫الرواية أو اسم كاتبها‪ ،‬بل كنت‬ ‫عثمان الشيخ خضر ‪@osman_shikh‬‬ ‫أهتم بالشخوص والأحــداث التي‬ ‫تجري بداخلها‪ .‬ولكن أستطيع‬ ‫أن أتـذّكـر تما ًما أنها كانت عن‬ ‫المغامرون الخمسة )تختخ‪ ،‬نوسة‪،‬‬ ‫لــــوزة‪ُ ،‬م ـحـب‪ ،‬عـاطـف( والكلب‬ ‫ِزنــجــر‪ ،‬ومـــا يـمـيـز تـلـك الــروايــة‬ ‫مــن حبكة بوليسية ممتعة‪.‬‬ ‫ومــا زلــت أذكــر صـاحـب (مكتبة‬ ‫الخرطوم) في مدينتي ‪-‬شندي‪-‬‬ ‫‪ ،‬ذاك الرجل اللطيف الـذي كنت‬ ‫أســتــبــدل مـنـه روايــــــات الـجـيـب‬ ‫بما قيمته ( ‪750‬قـــرش) للرواية‬ ‫الواحدة‪ .‬كان الشغف يتملكني‬ ‫لإكـمـال أيـة روايــة تقع بين يـدي؛‬ ‫ربما لأن طابع الكتابة البوليسية‬ ‫وأجـواء المغامرة والإثـارة هي ما‬ ‫كانت تشّدني لها‪ ،‬وليس السرد‬ ‫والحبكة أو اللغة‪ ،‬وغيرها من‬ ‫المعايير التي نطبقها الآن عند‬ ‫قراءتنا لأي نص سـردي‪ .‬لم يكن‬ ‫يهمني فــي الـــروايـــة أن تكون‬ ‫فائزة بالبوكر أو نوبل أو حازت‬ ‫على شرف الأكثر مبي ًعا أو غيرها‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪26‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الجيـــب؛ هـــو الصبـــر؛ وذلـــك في‬ ‫الانتصار الذي يحققه أدهم صبري‬ ‫من المعايير التي باتت تتحكم‬ ‫أو الـمـغـامـرون الخمسة‪ .‬ولم‬ ‫فـي أذواقــنــا الآن‪ ،‬كـل َهـّمـي أن‬ ‫قـــراءة الصفحـــات واحـــدة واحـــدة‪،‬‬ ‫أســـأل نفسي يـو ًمـا لـمـاذا كل‬ ‫تكون مكتملة الصفحات فليس‬ ‫النهايات سعيدة؟ أو لماذا ينتصر‬ ‫هـنـاك أســـوأ مــن أن يـقـرأ طفل‬ ‫واقتنـــاص لحظـــات المتعـــة في‬ ‫الخير دائ ًما في الكتاب ولا ينتصر‬ ‫روايــــة نـاقـصـة الأوراق‪ .‬كــان كل‬ ‫في المجتمع؟ لم أسأل إذا كانت‬ ‫همي أن يـقـوم (أدهـــم صبري)‬ ‫أثنـــاء القـــراءة وتكـــرار المقاطـــع‬ ‫الأحداث حقيقية أو لا؟ لم أستفسر‬ ‫في سلسلة (رجـل المستحيل)‬ ‫عمن يكتبها‪ ،‬أو لماذا يكتبها؟‬ ‫بمهمته كـامـلـة فــي الإنــقــاذ‪.‬‬ ‫الجميلـــة‪ ،‬إضافـــة إلـــى تنميـــة‬ ‫لـم أســـأل عـن الـكـا ِتـب هـل هو‬ ‫قدراتـــي ال ِذهنيـــة فـــي التخّيـــل‪،‬‬ ‫سوداني أو مصري أو فرنسي؟‬ ‫رائحة الكتاب الـورقـي ذو اللون‬ ‫واســـتنباط أن هنالك عوالم أخرى‬ ‫لأنـي لم أجـد من أسأله! كنت لا‬ ‫الأصفر ال ُمريح للعين ممّيزة ج ًدا‪،‬‬ ‫أفسد متعتي بهذه الأسئلة التي‬ ‫خاصة إذا كانت الطبعة جديدة‪.‬‬ ‫غيـــر التـــي نعيشـــها‪ ،‬حتـــى أني‬ ‫ِبــ ُت أسألها كثي ًرا فـي حاضري‪.‬‬ ‫ألــــوان الــغــاف الـزاهـيـة وحجمه‬ ‫وفي ذات الفترة انتشرت روايـات‬ ‫الـصـغـيـر ورســـومـــاتـــه الـدقـيـقـة‬ ‫بدأت أحلـــم بأني ســـأكتب يو ًما‬ ‫(عبير) و(زهــــور)‪ ،‬وهـي سلسلة‬ ‫كـانـت أهـــم بـالـنـسـبـة لــي من‬ ‫مـــا رواية مثل هذه التـــي أقرؤها‪.‬‬ ‫روايات تتخذ طاب ًعا رومانس ًيا‪ .‬لم‬ ‫مضمونه‪ .‬لم يكن هناك ثّمة من‬ ‫تستهوني أبــ ًدا‪ ،‬رغم أنها كانت‬ ‫يشاركني القراءة من الأصدقاء‪،‬‬ ‫متوفرة ج ًدا‪ ،‬أذكر أني بدأت واحدة‬ ‫فقد كانوا يلعبون صبا ًحا ومسا ًء‪،‬‬ ‫وتركتها‪ .‬لم أعتد حينها الحديث‬ ‫بينما أنكّب على رواياتي الثلاث‬ ‫بمصطلحات (الحب والرومانسية‬ ‫الــتــي كـنـت أسـتـبـدلـهـا دفـعـة‬ ‫والأنثى ‪...‬إلخ)‪ .‬هذا غير أني لم أجد‬ ‫واحـــدة‪ .‬والطريف فـي الأمــر أني‬ ‫فيها تلك المتعة التي وجدتها‬ ‫كنت أنتهي منها بسرعة عالية‬ ‫فـي غيرها مـن الـــروايـــات‪ ،‬حتى‬ ‫مـمـا كـــان يدفعني إلـــي إعـــادة‬ ‫لغتها كانت تبدو ركيكة ورتيبة‬ ‫قراءتها ِمـــرا ًرا‪ ،‬وذلـك لأن مسألة‬ ‫وغـيـر مهضومة بالنسبة إلـي‪.‬‬ ‫التبديل كانت تتطلب قــد ًرا من‬ ‫الــمــال يـحـتـاج إلـــى تـدبـيـر وإلــى‬ ‫أجمـــل مـــا تعلمتـــه مـــن روايات‬ ‫زمن وصبر و ِحنكة‪ .‬غير ال ُمتعة‬ ‫المغامرون الخمســـة‪ ،‬وسلسلة‬ ‫والـراحـة التي أجدها عقب نهاية‬ ‫رجـــل المســـتحيل‪ ،‬والشـــواطين‬ ‫كـل روايـــة‪ ،‬كنت أشعر بانتصار‬ ‫الثلاثة عشـــر‪ ،‬وغيرهـــا من كتب‬ ‫عظيم نهاية كل قصة‪ ،‬يضاهي‬ ‫‪27‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫كانت الأسـبـاب نحن بحاجة إلى‬ ‫لماذا ترتفع قيمة الشخص في‬ ‫الـمـفـتـاح‬ ‫تعلم الـلـغـة‪ ،‬وقــد نجد أنفسنا‬ ‫عين نفسه وفــي أعـيـن الآخـريـن‬ ‫فجأة أمام لغة ما‪ ،‬لم نفكر أننا‬ ‫بمجرد معرفتهم أنــه يتكلم‬ ‫السحري‬ ‫سنتعلمها في يـوم من الأيـام‪،‬‬ ‫أكثر من لغة؟ هل اللغة تزيد من‬ ‫خاصة في زمن الانفتاح الثقافي‬ ‫قيمة الإنسان؟ ما الذي يتغير؟ وما‬ ‫فاطمة أبو سعدة _‪@_9f0‬‬ ‫المتسارع الذي نعيشه؛ ولذلك لا‬ ‫هو الجديد الـذي يضاف للسيرة‬ ‫عجب أن نرى الحماس والتنافس‬ ‫الـذاتـيـة؟ لـمـاذا كلنا فـي قــرارة‬ ‫على تعلم اللغات ووعي الناس‬ ‫أنفسنا نتمنى لو أننا نستطيع‬ ‫بأهميتها وفائدتها‪ ،‬ولا يختلف‬ ‫التحدث بالإنجليزية أو الإسبانية‬ ‫اثـنـان على أنـه لا توجد لغة في‬ ‫أو الفرنسية ولــو على سبيل‬ ‫الــعــالــم بـــا فـــائـــدة‪ ،‬فـكـل لغة‬ ‫التسلية والإمتاع؟ لماذا نتمنى‬ ‫نتعلمها لها أهميتها عاجلاً أم آجلاً‪.‬‬ ‫دائ ًما لو كنا منذ الصغر من ثنائيي‬ ‫اللغة المحظوظين والمتميزين؟‬ ‫ما معنى أن تتحدث لغة جديدة؟‬ ‫بالتأكيد هذا الشعور ليس ناب ًعا‬ ‫مـن فـــراغ‪ ،‬فاللغة قيمة‪ ،‬وكنز‬ ‫لغة جديدة تعني ثقافة جديدة‪،‬‬ ‫خفّي‪ ،‬لذلك يقال أن قيمتك بلغة‬ ‫فهي مـصـدرهـا ونـبـع وجـودهـا‪،‬‬ ‫واحــــدة قيمة شـخـص‪ ،‬ولغتين‬ ‫لذلك نجد من تعريفات اللغة أنها‬ ‫تجعلك بقيمة شخصين وهكذا‪.‬‬ ‫«الناطق الرسمي باسم الثقافة»‬ ‫فكافة العلوم مصدرها اللغة‪،‬‬ ‫معظم الذين يتعلمون اللغات‬ ‫وإذا أراد شخص أن يستوعب ثقافة‬ ‫لـديـهـم أســبــاب مـلـّحـة للقيام‬ ‫بلد أو يفهم مجتم ًعا ما‪ ،‬لا بّد من‬ ‫بـذلـك‪ ،‬فقد تضطرهم الظروف‬ ‫دراســة اللغة‪ ،‬فهي الأداة لتبادل‬ ‫للسفر إلى بلد أجنبية لعمل أو‬ ‫المشاعر والأفكار‪ ،‬وأحد أوجه تميز‬ ‫دراسـة أو هجرة أو سياحة‪ ،‬أو لأن‬ ‫أي أمـة أو شعب مـن الشعوب‪.‬‬ ‫الكثير من فرص العمل الجيدة‬ ‫تفوتهم فقط لعدم تحقق شرط‬ ‫ومـن فـوائـد اللغة‪ :‬يقول فرانك‬ ‫اللغة‪ ،‬وربما يحتاجونها لتدريس‬ ‫سميث‪« :‬تعلم لغة واحدة يقّيدك‬ ‫مـادة ما‪ ،‬أو للبحث في موضوع‬ ‫في دهليز واحد طوال حياتك أما‬ ‫معظم معلوماته بلغة أجنبية‪،‬‬ ‫تعلم لغتين يفتح لك كل الأبواب‬ ‫وقــد يكونون مولعون بتعلم‬ ‫على الطريق»‪ .‬وهـذه أول علامة‬ ‫الــلــغــات ويــحــبــون الاكــتــشــاف‬ ‫يدركها الشخص بعد اكتسابه‬ ‫والمغامرات فلا ينتهون من تعلم‬ ‫اللغة الجديدة‪ ،‬حيث سيكتشف‬ ‫لغة حتى يفكرون بالتي بعدها‬ ‫أن عال ًما مجهولاً بعي ًدا كأنما فتح‬ ‫بغرض التحدي والمتعة‪ ،‬فأّيًا ما‬ ‫له على مصراعيه‪ ،‬فأنت بعد اللغة‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪28‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫إحــــدى أهـــم فــوائــد الـلـغـة أنـهـا‬ ‫وأصــول الكلمات واشتقاقاتها‪،‬‬ ‫لست أنت قبلها؛ سوف تصبح قاد ًرا‬ ‫الـمـرشـد لصاحبها فـي السفر‪،‬‬ ‫عـلـى سبيل الـمـثـال‪ :‬إذا كنت‬ ‫على فهم الحوارات اليومية التي‬ ‫فليس هنالك ما هو أسـوأ من‬ ‫قد تعلمت الفرنسية فلن تجد‬ ‫تدور بين الناس‪ ،‬وسيسهل عليك‬ ‫الإحساس بغربة اللغة‪ ،‬حيث تكون‬ ‫صعوبة في تعلم الهولندية أو أي‬ ‫الـتـواصـل مـع الآخـريـن وفهمهم‬ ‫بين أنـاس لا يفهمون كلمة من‬ ‫لغة من اللغات الاسكندنافية‪ ،‬بل‬ ‫وعقد الصداقات معهم‪ ،‬ستجد‬ ‫لسانك! ومـن جـرب الاغـتـراب لأي‬ ‫حتى إن كانت اللغة التي ترغب‬ ‫سعادة بالغة بينما أنت تمارس‬ ‫ظـرف كـان سيدرك الفرق تما ًما‬ ‫فـي تعلمها لا تنتمي إلـى فئة‬ ‫ذلك‪ ،‬وتطلع على التراث الفكري‬ ‫بين حاله في بداية سفره حينما‬ ‫من اللغات التي تلم بها‪ ،‬فستجد‬ ‫والعلمي لأمـم لـم تكن تعرف‬ ‫كــان لا يجيد الـلـغـة‪ ،‬وحـالـه بعد‬ ‫أنـــك سـتـكـون مـسـتـعـ ًدا على‬ ‫عن عالمها شي ًئا‪ ،‬فاللغة ليست‬ ‫مضي عدة أشهر حيث اكتسب‬ ‫نحو أفضل مـع كـل لغة جديدة‬ ‫مـجـرد تكوين الجمل وربطها‬ ‫شي ًئا من اللغة إمـا بالمخالطة‬ ‫تدرسها‪ ،‬ولـذلـك نشاهد كثي ًرا‬ ‫وحفظ الـمـفـردات والـقـدرة على‬ ‫أو مـن المعاهد الـخـاصـة؛ ففي‬ ‫من متعددي اللغات أنهم ‪-‬في‬ ‫التواصل الشفهي والكتابي‪ ،‬بل‬ ‫البدايات تكون غربة اللغة على‬ ‫البداية‪ -‬شرعوا في تعلم لغة ما‪،‬‬ ‫هـي تأشيرة دخــول وسـفـر إلى‬ ‫أشدها وهو شعور طبيعي‪ ،‬لكن‬ ‫ثم ما لبثوا أن أصبحوا مهووسين‬ ‫عـالـم آخـــر مختلف مــن الـنـاس‬ ‫لا يجدر أن يصيبك بالإحباط‪ ،‬لأنه‬ ‫بتعلم المزيد‪ ،‬فنجد أن بعضهم‬ ‫والثقافات والـتـاريـخ والـحـضـارات‪.‬‬ ‫سيزول تلقائّ ًيا‪ ،‬حيث أن اللغة التي‬ ‫يتحدث بخمس أو عشر لغات‬ ‫ستكتسبها مـع الأيــام ستقلل‬ ‫وربما تجاوز عمره الخمسين ولا‬ ‫ومن مميزات تعلم اللغات التي‬ ‫من الشعور بالصدمة الحضارية‬ ‫زال يواصل رحلته بكبير فضول‪،‬‬ ‫يؤكدها هواة تعلم اللغات هو‬ ‫والإحساس بالغربة‪ ،‬وستشعر أنك‬ ‫ويتعامل مـع كـل لغة كصديق‬ ‫أّنـــك إذا تعلمت إحـــدى اللغات‬ ‫بدأت تتحد وتنخرط في المجتمع‬ ‫جـديـد ُيـضـم لقائمة أصـدقـائـه!‬ ‫الأجنبية سواء في المدرسة‪ ،‬أو من‬ ‫الـجـديـد بـسـهـولـة أكــثــر كلما‬ ‫أسرتك‪ ،‬أو لأنك عشت في مكان‬ ‫تقدمت في اللغة‪ ،‬ستعرف قيمة‬ ‫كما أظهرت الـدراسـات أن تعلم‬ ‫يتحدث أفراده بتلك اللغة‪ ،‬ستجد‬ ‫اللغة عند التخاطب مع الآخرين‪،‬‬ ‫لغة جـديـدة يحفظ شـبـاب المخ‬ ‫نفسك أسرع في المرات القادمة‬ ‫أو السؤال عن الاتجاهات عندما‬ ‫ويجعل دماغنا صحّ ًيا‪ ،‬ويعطيه‬ ‫لتعّلم لغة جـديـدة‪ ،‬وسيكون‬ ‫يضل بك الطريق‪ ،‬أو للطلب من‬ ‫بعض المزايا الاستثنائية‪ ،‬كالقدرة‬ ‫تعلم لغة ثالثة ورابـعـة أسهل‬ ‫المطعم‪ ،‬أو الشراء من السوق‪،‬‬ ‫على حل المشكلات‪ ،‬وأداء مهام‬ ‫بكثير؛ لأنك أتممت الجزء الأصعب‪،‬‬ ‫أو حتى عندما تواجهك مشكلة‬ ‫متعددة في وقت واحد‪ .‬وقد أصدرت‬ ‫وهو تعّلم كيفية تعّلم اللغة‪،‬‬ ‫بحكم سفرك‪ ،‬أضف على ذلك أن‬ ‫رابطة علماء النفس الكنديين‬ ‫وأضفت لنفسك مـهـار ًة جديدة؛‬ ‫تجربة السفر بحد ذاتها لا يمكن أن‬ ‫بيانًا أكــدت فيه على أن القدرة‬ ‫فتعّلم لغة جديدة هو بناء عادة‬ ‫تتساوى بين من يعرف اللغة وبين‬ ‫على التحدث بلغتين وأكثر يحول‬ ‫جـديـدة‪ ،‬عـادة التفكير والتحدث‬ ‫من لا يعرفها‪ ،‬ولا أعني هنا صعوبة‬ ‫دون بعض تـأثـيـرات الشيخوخة‬ ‫بلغة جـديـدة‪ ،‬فأنت بالممارسة‬ ‫التواصل مع الأشخاص فقط‪ ،‬بل‬ ‫على وظـائـف الـمـخ‪ ،‬كما يؤخر‬ ‫حّسنت من مستواك‪ ،‬واستطعت‬ ‫الأمر أبعد من ذلك‪ ،‬فعندما تسافر‬ ‫الإصـــابـــة بــالــزهــايــمــر والـــخـــرف‪.‬‬ ‫فهم آليات القواعد اللغوية بدرجة‬ ‫أفـضـل‪ ،‬وأدركـــت أوجــه التشابه‪،‬‬ ‫‪29‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫عـد ًدا‪ .‬كم هو شعور رائع عندما‬ ‫وسـلـم‪ -‬زيـد بـن ثابت ‪-‬رضــي الله‬ ‫دون اللغة فأنت تـرى وتستمتع‬ ‫يصبح بمقدورك أن تقرأ لكاتبك‬ ‫عنه‪ -‬أن يتعلم لغة اليهود ‪-‬اللغة‬ ‫بالجمال الخارجي ولا تتعداه‪ ،‬أما لو‬ ‫المفضل كتابًا له بلغته الأصلية‪ ،‬أو‬ ‫العبرية‪ -‬حتى إذا جاءت الكتب من‬ ‫كنت تمتلك ولو قد ًرا يسي ًرا من‬ ‫تشاهد الأفلام دون الاعتماد على‬ ‫اليهود يقرؤها زيـد ويـرد عليها‪.‬‬ ‫اللغة ستكون تجربة السفر أكثر‬ ‫الترجمة‪ ،‬أو تتصفح المواقع باللغة‬ ‫دهشة ومتعة وفـائـدة‪ ،‬وسترى‬ ‫الأجنبية‪ ،‬أو تترجم ن ًصا أو قصة‬ ‫قــبــل عــشــريــن ســنــة لـــم يكن‬ ‫العالم الداخلي أي ًضا‪ ،‬وأعني به‪:‬‬ ‫قصيرة من لغتك الأم إلى لغتك‬ ‫تعلم الـلـغـات مـتـا ًحـا كما هو‬ ‫الأشــخــاص‪ ،‬طـرائـق تفكيرهم‪،‬‬ ‫الثانية‪ ،‬أو تقوي لغتك بممارستها‬ ‫الـــيـــوم‪ ،‬فـهـنـاك قــنــوات وكتب‬ ‫تاريخ بلادهم‪ ،‬ثقافتهم‪ ،‬عاداتهم‬ ‫مـع أصدقائك وتعليمهم إياها‬ ‫ومواقع مختصة بتعليم اللغات‪،‬‬ ‫وطبائعهم‪ ،‬وهــو عـالـم لا يقل‬ ‫عـلـى طـريـقـتـك؛ إنــهــا ذكــريــات‬ ‫يمكنك أن تتخير منها ما تشاء‪،‬‬ ‫أهـمـيـة عــن الـعـالـم الـخـارجـي‪،‬‬ ‫حافلة بالإثارة‪ ،‬نعم‪ ،‬ستغير اللغة‬ ‫فالإنجليزية والصينية والألمانية‬ ‫بـــل بــواســطــتــه نـفـهـم الــخــارج‬ ‫حـيـاتـك وتجعلك ممت ًنا لكل‬ ‫والتركية على بعد ضغطة زر من‬ ‫ونقرؤه بطريقة جديدة ومغايرة‪.‬‬ ‫دقـيـقـة كـرسـتـهـا لـهـذا الـهـدف‪.‬‬ ‫جـهـازك‪ ،‬وّجــه جـزء مـن تسليتك‬ ‫ومـتـعـتـك إلــــى تـعـلـم الـلـغـة‪،‬‬ ‫ومــــن فـــوائـــد اكــتــســاب الـلـغـة‬ ‫تعّرض إليها لثلث ساعة يوم ًيا‪،‬‬ ‫الجديدة أنها تمنح صاحبها الثقة‬ ‫عندها لـن تمضي بضعة أشهر‬ ‫بالنفس والــرضــا الــذاتــي‪ ،‬وكل‬ ‫حتى تجد نفسك قد ألممت بها‬ ‫الذين يتعلمون اللغات يصفونها‬ ‫وتعلمتها‪ ،‬كـن واثـ ًقـا مـن هـذا؛‬ ‫بأنها من أروع التجارب التي يمكن‬ ‫لأن اللغة لا تخذل أصحابها أب ًــدا‪.‬‬ ‫لـإنـسـان خـوضـهـا‪ ،‬ويشجعون‬ ‫بشدة للإقدام عليها؛ فلا تحكم‬ ‫الذي أريد تأكيده لا يجب أن تشكل‬ ‫تعلم اللغات بتخصصك‪ ،‬حيث أن‬ ‫اللغة حاج ًزا أمام فرص حياتك‪ ،‬فلا‬ ‫اللغات مهمة لكل التخصصات‪،‬‬ ‫العمر ولا التخصص ولا المجتمع‬ ‫بــل حـتـى فــي تخصصات اللغة‬ ‫ولا مستوى القدرات العقلية ولا‬ ‫العربية أو الشرعية التي يقولون‬ ‫العامل الزمني يمكن أن يكون‬ ‫أنها لا تستلزم إلى جانبها معرفة‬ ‫عائ ًقا لديك‪ ،‬سيكون كل شيء‬ ‫الإنـجـلـيـزيـة مـثـاً‪ ،‬هـي أحـــوج ما‬ ‫ممك ًنا عندما نجعل المسألة‬ ‫تكون إليها؛ لأنه يقع على عاتق‬ ‫نــو ًعــا مــن الـتـحـدي والتسلية‪،‬‬ ‫هذه الفئة‪ ،‬تعليم اللغة العربية‬ ‫فاللغة لا تريد منك سوى الرغبة‬ ‫لغير الناطقين بها‪ ،‬ونشر الإسلام‬ ‫والشغف‪ .‬ستكسر بإرادتك ذلك‬ ‫والـــدعـــوة إلـــى الله والإجـــابـــة عن‬ ‫الـحـاجـز الـجـلـيـدي الـــذي أضعت‬ ‫أسئلة كثير من المسلمين وغير‬ ‫بـسـبـبـه الـكـثـيـر مـــن الــفــرص‬ ‫المسلمين الذين نواجههم في‬ ‫الوظيفية والعلمية والاجتماعية‪،‬‬ ‫حياتنا اليومية بما يشكل عليهم‪.‬‬ ‫وستذهل عندما تصل إلى الكنوز‬ ‫ولهذا أمر النبي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫الـتـي حيل بينك وبينها سنين‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪30‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫زاويــــة قـــراءة‬ ‫فــــي قـصـيـدة‬ ‫‪31‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫قـــــصـــــيـــــدة‬ ‫الـمـسـافـات‬ ‫الشاعر المعاصر‪:‬‬ ‫عبد الله العنزي‬ ‫‏إذا ابـتـسـم الــــورد يـــذوي الـنـدى‬ ‫‏»مـــــن الأمـــــــس ذاب بــآهــاتــنــا‬ ‫‏فـكـيـف سـنـحـيـي صـبـاحـاتـنـا؟‬ ‫‏إلــــــى الــــغــــد ضــــــّج بـــأصـــواتـــنـــا‬ ‫‏وكــيــف سـنـعـصـر قـلـب الـحـيـاة‬ ‫‏كـــأّنـــا بـــهـــذا الــــزحــــام الـعـجـيـب‬ ‫‏لــنــشــرب شــهــد ابـتـسـامـاتـنـا؟‬ ‫‏خــلــقــنــا لـــنـــهـــرب مـــــن ذاتـــنـــا‬ ‫‏ألــــم يـعـبـر الـــوقـــت فـيـنـا وقــد‬ ‫‏ســــام عــلــى الـــذكـــريـــات الـتـي‬ ‫‏كـــبـــرنـــا عـــلـــى عـــــد خــيــبــاتــنــا‬ ‫‏تــمــطــت كــــأصــــوات شـهـواتـنـا‬ ‫‏سنسكر بالحلم المستحيل‬ ‫‏تـــــذكـــــرنـــــا بـــــــالـــــــورود الـــتـــي‬ ‫‏ونــصــحــو لــنــكــســر كــاســاتــنــا‬ ‫‏تــــــنــــــوح بــــــأحــــــضــــــان زلاتـــــنـــــا‬ ‫‏ونـغـفـو عـلـى أفــــ ٍق مـــن حـنـيـ ٍن‬ ‫‏لأن الــحــقــيــقــة نــصــف الــخــيــال‬ ‫‏نــــــــــــردد فـــــيـــــه حــــكــــايــــاتــــنــــا‬ ‫‏سـتـبـكـي الــمــعــانــي بـأبـيـاتـنـا‬ ‫‏ونمحو الـدمـاء الـتـي مـن خيا ٍل‬ ‫‏لأن الــــــــــوداع ســـبـــيـــل الـــلـــقـــاء‬ ‫‏تـــــزيـــــن شــــكــــل جــــراحــــاتــــنــــا‬ ‫‏سـنـنـسـل مـــن كـــف كـذبـاتـنـا‬ ‫‏ونـــبـــنـــي عـــلـــى طــــلــــ ٍل نــــــاز ٍف‬ ‫‏لأن الـــخـــيـــال احـــتـــمـــال بـعـيـ ٌد‬ ‫‏مــــديــــنــــ َة زيــــــف انـــكـــســـاراتـــنـــا‬ ‫‏كــــفــــرنــــا بــــكــــل مــــجــــازاتــــنــــا‬ ‫‏ومــن سـفـ ٍر طـاعـ ٍن فـي الـعـذاب‬ ‫‏أقــــول لـنـفـسـي الــتــي لا أطـيـق‬ ‫‏ســـنـــعـــبـــر صــــمــــت لـــقـــاءاتـــنـــا‬ ‫‏هـــرمـــنـــا بــــجــــوف مــتــاهــاتــنــا‬ ‫‏لأن الـــمـــســـافـــات حــبــلــى بـنـا‬ ‫‏نـدمـنـا كـثـيـ ًرا فكيف السبيل‬ ‫‏سـنـبـقـى بـعـيـديـن عـــن ذاتــنــا»‬ ‫‏لــــنــــرضــــي غـــــــــرور عـــذابـــاتـــنـــا‬

‫ياه‪ ،‬ما أعمق هذا الوصف! وصف‬ ‫لنهرب من ذاتنا»‪ ،‬إننا نهرب من‬ ‫قصيدة المسافات‪ ،‬كتبها صاحبها‬ ‫شغف الحلم الذي يوّلد طول الأمل‪،‬‬ ‫أنفسنا بالقراءة ربما‪ ،‬بالكتابة‬ ‫بــعــد أشـــهـــر انــقــطــع فـيـهـا عن‬ ‫«ونصحو لنكسر كاساتنا» هكذا‬ ‫أحايين‪ ،‬بالعدو في المضمار دون‬ ‫الكتابة‪ ،‬فجاءت قصيدته متفجرة‬ ‫فلتكن العزيمة وروح الإصـــرار!‬ ‫توقف‪ ،‬يحدث كثي ًرا بينما كنت‬ ‫عــن مــعــا ٍن كـثـيـرة‪ ،‬كالحديث‬ ‫تجلس بين أصدقائك أن تشعر‬ ‫عــن الـــشـــوق‪ ،‬والـــذكـــريـــات‪ ،‬عن‬ ‫«نــصــحــو‪ ،‬نـغـفـو‪ ،‬نـمـحـو» تلك‬ ‫بالوحشة حتى من نفسك‪ ،‬لعل‬ ‫لوعة الـوداع‪ ،‬وعن الحلم البعيد‪،‬‬ ‫مختصر رحلة الحياة‪ ،‬مع الأمـل‪.‬‬ ‫القصائد حينئذ تنسيك لوعتك‪.‬‬ ‫عـن المسافات الحبلى بنا عن‬ ‫كـــل مـــا نــــود ونـــرغـــب‪ ،‬وتـجـري‬ ‫«نبني‪ ،‬سنعبر‪ ،‬سنبقى» تجسيد‬ ‫«ســا ٌم على الذكريات» وسلام‬ ‫الــريــاح بـمـا لا تشتهي السفن‪.‬‬ ‫لمعنى الإصـــرار‪ ،‬الحياة مع الأثـر‪.‬‬ ‫على كـل مـن كـان فيها‪ ،‬يعلل‬ ‫الــشــاعــر تـوجـهـه لـلـكـتـابـة عن‬ ‫لقد كـان مـن المناسب جــ ًدا أن‬ ‫وأخي ًرا كان ختامها مسك‪« :‬لأن‬ ‫الـمـاضـي وعــن الــذكــريــات‪« :‬لأن‬ ‫تبتدئ القصيدة بـذكـر الأمــس‪،‬‬ ‫الـمـسـافـات حبلى بنا سنبقى‬ ‫الحقيقة نصف الخيال» سنتحدث‬ ‫كاندفاع في الكتابة بعد أشهر من‬ ‫بـعـيـديـن عـــن ذاتـــنـــا» الحكمة‬ ‫عن الخيال‪ ،‬عن التذكر‪ ،‬عن كل ما‬ ‫الانقطاع عنها‪ ،‬ذلك الاندفاع الذي‬ ‫الباقية دوام حيلولة المسافات‬ ‫لم يعد له صلة بالواقع؛ وحينئذ‬ ‫هو أشبه بثور ٍة ضد الواقع‪ ،‬ومن‬ ‫بيننا وبين ما نريد (( َلـ َقـ ْد َخ َل ْق َنا‬ ‫سنكتب شع ًرا باك ًيا «لأن الخيال‬ ‫ثم تجيء مفردة الأمـس لتفتتح‬ ‫ا ْل ِإنـــ َســـا َن ِفــي َكــ َبــ ٍد)) ومــع ذلك‬ ‫احتما ٌل بعيد» بكل يـأس ال ُبعد‬ ‫القصيد‪ ،‬لتقود هذا الاندفاع أشبه‬ ‫مــــا ضـــــاع مــــن كــتــب الــشــعــر‪.‬‬ ‫يـوّرث البكاء‪ ،‬تلوح الخيالات من‬ ‫بمفارقة مثلى‪ ،‬نحن نرتد للوراء‬ ‫بعيد فتشهق الأبـيـات ب َل ْوعتها‪،‬‬ ‫نحو الماضي والذكريات في كل‬ ‫أخي ًرا أقول‪ :‬كالبحر هذه القصيدة‬ ‫تغلفنا الـظـروف‪ ،‬تكبح حدودها‬ ‫مرة نقرأ فيها مفردة الأمس بينما‬ ‫بمدها وجزرها‪ ،‬بيأسها وأملها‪،‬‬ ‫فتغدو الحياة أشبه بالمتاهات‬ ‫نكون فـي حالة تأهب للانطلاق‬ ‫بماضيها المرتد وغدها الواثب‪،‬‬ ‫ويطول بنا العمر فيها حيث نهرم‪،‬‬ ‫بـقـراءة القصيدة فنحن للتو قد‬ ‫تـلـبـس قــمــصــان الــحــيــاة بكل‬ ‫عندئذ سنندم كثي ًرا‪ ،‬وسنتساءل‬ ‫شرعنا‪ ،‬إننا نكون مقيدين دو ًما‬ ‫شفافية وصـــدق‪ ،‬تمثل مـا في‬ ‫طويلاً كيف سنحيي من جديد‬ ‫بد ًءا من الأمس الذي تسكن فيه‬ ‫نفوسنا من دوافع وموانع وأشياء‬ ‫صــبــاحــاتــنــا؟ كــيــف ســنــتــذوق‬ ‫الآهات إلى الغد الذي يضج بالحياة‪،‬‬ ‫أشياء؛ لا يفصح عنها لسان‪ .‬هي‬ ‫شهد ابتساماتنا؟ لكن الوقت‬ ‫وتلك حياتنا وحقيقتنا والإطار الذي‬ ‫أكثر قصيدة إنسانية طالع ُتها‪.‬‬ ‫كساعة تالفة لا تمضي دقائقها‪،‬‬ ‫يلخص لنا جّل همومنا وأحلامنا‪.‬‬ ‫نـعـّد الـخـيـبـات الـتـي جمعناها‬ ‫آسية المطوع ‪@Asyeh_M‬‬ ‫فـي حـجـورنـا مـع الأيــــام‪ ،‬ونــذوي‬ ‫وبعد هذه البداية يتنهد الشاعر‪،‬‬ ‫حينما نــدرك أن الخيبات أضحت‬ ‫وكـأنـي بـه جـالـ ًسـا يتأمل هذه‬ ‫أكـبـر‪ ،‬أكـبـر مـن أعـمـارنـا ومنا!‬ ‫الحياة مل ًيا قبل أن يشرع بكتابة‬ ‫هذا البيت الذي جاء ليوضح شعور‬ ‫تذوب الأبيات يأ ًسا‪« :‬أقول لنفسي‬ ‫الـفـكـرة ويـبـرزهـا بكل لوعتها‬ ‫التي لا أطيق» ثم تعيد لتتشكل‬ ‫فلم يجد مـن الأسـالـيـب مـا هو‬ ‫مـــن جـــديـــد بـــالأمـــل الــمــضــيء‪:‬‬ ‫أنسب من التشبيه‪ ،‬يقول‪« :‬كأّنا‬ ‫«سنسكر بالحلم المستحيل»‬ ‫بــهــذا الـــزحـــام الـعـجـيـب ُخلقنا‬ ‫‪33‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫الحفر بعمق‬ ‫هند الصبار ‪@hind_alsbbar‬‬ ‫الحدیث والتغزل بالكتابة وبحبك‬ ‫ايكو بهذا الصدد‪« :‬لا أنتمي لزمرة‬ ‫أّيًـا كانت النصائح الكتابية التي‬ ‫لها بینما یجد الـقـارئ كتاباتك‬ ‫الكتاب الرديئين الذين يزعمون‬ ‫تلقيتها من الخبراء‪ ،‬وأّيًــا كانت‬ ‫بجودة لا تعكس ذلـك الحب‪ ،‬أو‬ ‫أنهم لا يكتبون إلا لأنفسهم‪ ،‬فما‬ ‫الكتب التي حدثتك عن الكتابة‬ ‫تشعر أنـت بذلك! یحدث فعلاً أن‬ ‫يكتبه كاتب لنفسه هـو فقط‬ ‫الجيدة والكاتب الجيد‪ ،‬تبقى هذه‬ ‫تحب الكتابة وتحب الحدیث عنها‬ ‫لائحة المشتريات التي يلقي بها‬ ‫آراء (لن أقـول عنها نصائح) تخص‬ ‫لكن كتابتك لا تقول ذلك‪ ،‬لیس‬ ‫أر ًضـــا بعد شــراء أغـراضـه‪ ،‬أمـا ما‬ ‫موضوع الكتابة‪ ،‬وهي ملاحظات‬ ‫لقلة موهبة وإنما لحاجة قلمك‬ ‫يبقى بما في ذلك لائحة الملابس‬ ‫أجدها تتعلق بالأسلوب أكثر منها‬ ‫للتدرب أكـثـر! فـي هــذه الحالة‬ ‫المعدة للغسيل فهي رسائل‬ ‫بأي شيء آخر‪ ،‬مللنا منها كقراء‪،‬‬ ‫أنصحك أن تؤّجل فكرة الحدیث‬ ‫موجهة إلى شخص آخر‪ ،‬لا يتعلق‬ ‫واستهلكت نفسها‪ ،‬ولا أكتبها‬ ‫عــن الـكـتـابـة وأن تـتـرك الـقـارئ‬ ‫الأمــر بمونولوغات‪ ،‬بـل بـحـوار»!‬ ‫هـنـا بــدافــع أنــنــي أرى نفسي‬ ‫یشعر بهذا الحّب عندما یقرأ لك‪.‬‬ ‫كاتبة جيدة‪ ،‬البتة! وإنما كقارئة‬ ‫‪ -‬موضوع البحث عن الأسئلة‪ ،‬وأننا‬ ‫سئمت من أساليب مكررة يقع‬ ‫‪ -‬الحديث عن رومانسيات القراءة‬ ‫كقّراء أو كّتاب نبحث عن الأسئلة‬ ‫فيها بعض الكتاب أو المدونين‬ ‫وطــقــوســهــا الــتــي تـمـارسـهـا؛‬ ‫لا عــن الأجــوبــة‪ ،‬هــذا أمــر يتعلق‬ ‫دون إحساس منهم بذلك أحيانًا!‬ ‫كيف تحب أن تـقـرأ؟ وأيــن تقرأ؟‬ ‫بالفلاسفة‪ ،‬نحن حـ ًقـا نـفـرح لو‬ ‫ولـــمـــاذا تـــقـــرأ؟ خــاصــة لـــو كـرر‬ ‫حصلنا على الإجابة أولاً‪ ،‬والحديث‬ ‫‪ -‬نمط الكتابة الذي يكرر الكاتب‬ ‫الكاتب ذكرها والحديث عنها‪.‬‬ ‫عـــن هــــذا الــمــوضــوع بـأسـلـوب‬ ‫فيه للقارئ بأنه «مجرد ثرثرة»‬ ‫مكرر كا ٍف لجعل القارئ يسأم‪.‬‬ ‫و»بوح لا فائدة فيه»‪ ،‬والإلحاح على‬ ‫أزعم أني هنا لا أحاول الحكم على‬ ‫الــقــارئ بـذلـك قـطـ ًعـا لـن يجعل‬ ‫من یكتب في هذه الموضوعات‬ ‫‪ -‬مـــوضـــوع الـبـحـث عـــن الـطـرق‬ ‫منك كـاتـ ًبـا أكـثـر إبــدا ًعــا نظ ًرا‬ ‫بطریقته‪ ،‬وإنما أطرح رأیي الخاص‬ ‫الجديدة‪ ،‬التي لم يمر بها أحد‪،‬‬ ‫لتواضعك! حقيق ًة لا أحـد مجبر‬ ‫عـن موضوعات كتابیة بـّت أرى‬ ‫البحث عن المختلف وغير العادّي؛‬ ‫على نشر ثرثرته ثم الاعتذار عنها‪.‬‬ ‫الـتـكـرار یستنفدها‪ ،‬والــقــارئ‬ ‫إذا لم يستخدم الكاتب هذا الأمر‬ ‫‪-‬أي قــــارئ‪ -‬قــد مــّل مــن طرحها‬ ‫بطريقة جديدة‪ ،‬أراهن أنه استهلك‬ ‫‪ -‬الحديث عن أنك تكتب لنفسك‪،‬‬ ‫المعتاد ‪-‬على الأقــل‪ .-‬لذلك هي‬ ‫نـفـسـه‪ ،‬وأرى أنـــه يــخــوض في‬ ‫وأنــك لا تخاطب أي قـــارئ؛ حتى‬ ‫نصیحة غیر مباشرة بـأن یحاول‬ ‫موضوعات الحالة العادية‪ .‬روعة‬ ‫ولو كنت بالفعل تكتب لنفسك‬ ‫الكاتب المبدع «الحفر بعمق»‬ ‫العادي والطبيعي تكمن في أن‬ ‫يفضل أن تترك ذلك بينك وبينها‪،‬‬ ‫في تلك الموضوعات أو غيرها‬ ‫خلف الطرق الممهدة أشياء غير‬ ‫ليس من اللباقة أو الاحترافية ذكر‬ ‫حـسـب تعبیر ستیفن كینغ‪.‬‬ ‫ممهدة وطـرق غير عادية متاحة‬ ‫ذلك مادام أنك تنشر باختيارك ما‬ ‫لـإبـداع الكتابي بشك ٍل أكبر‪.‬‬ ‫تكتب‪ .‬أتذكر هنا ما قاله امبرتو‬ ‫الـــعـــــدد الـــــحـــــادي عـــشـــر‬ ‫‪34‬‬ ‫ربيع الثاني ‪ | 1440‬يناير ‪2019‬‬

‫تعويذة‬ ‫زهرة الصالح ‪@meeladfajr‬‬ ‫أخذ يفكر بحال والده القارئ الذي‬ ‫كـبـيـ ًرا كــان والـــده حينما كان‬ ‫قـد امتلكت الكتب كـل حياته‬ ‫صــغــيــ ًرا‪ ..‬كـبـيـ ًرا جــــ ًدا‪ ،‬بعينيه‬ ‫حتى ظن أن والـده قد ولد وبيده‬ ‫الغائرتين وشاربه الكث؛ وشعره‬ ‫كتاب! وكيف أن تلك الصورة هي‬ ‫الـمـرتـب بـعـنـايـة‪ ،‬كـانـت صـورتـه‬ ‫التي بقيت في ذهنه عنه‪ ،‬لكن لم‬ ‫قــائــمــة أمـــامـــه وهــــو مـمـسـ ٌك‬ ‫يكن يعرف لم ُكلما أتقن تقليده‬ ‫بالكتاب بيد وباليد الأخـرى قل ٌم‬ ‫ُكلما صغر حجم والده بعينيه؟!‬ ‫يستخدمه للتعليم عـلـى ما‬ ‫يلفت انتباهه ليخلده في ذاكرته‪.‬‬ ‫تساءل لوقت طويل عن سر هذا‬ ‫التضاؤل‪ ،‬واستمر يتأمل الصورة‬ ‫ولــــ ِكــــن ُكــلــمــا َكــــبــــ َر ُكـلـمـا‬ ‫ويحاول أن يعرف الإجـابـة‪ ،‬لكن لا‬ ‫تــضــاءلــت صـــــورة والــــــده‪ ،‬شعر‬ ‫شـيء بـدا لـه مـن طـول تأملها!‬ ‫أنــه يصغر شي ًئا فـشـيء وكـأن‬ ‫هـنـالـك قـــوة تـحـّد مــن حجمه!‬ ‫انشغل بالحياة‪ ،‬وتـــرك ال ُكتب‬ ‫وتـأمـل صــورة والـــده تـلـك‪ ،‬وفي‬ ‫كـانـت الـ ُكـتـب كـبـيـرة الحجم‬ ‫إحــدى الليالي الصيفية الـحـارة‬ ‫أيــ ًضــا فــي عـيـنـه‪ ،‬و ُكــلــمــا فتح‬ ‫وقف يتأمل سطوع القمر وجماله‬ ‫كــتــابًــا وجـــــده صــعــب الـفـهـم‪،‬‬ ‫ويفكر لـمـاذا الأشـيـاء الجميلة‬ ‫وكأنه ُكتب بأحرف غريبة‪ ،‬ولم‬ ‫بـعـيـدة الـمـنـال دو ًمـــــا؟ وفـجـأة‪،‬‬ ‫يـجـد يــو ًمــا كـتـابًـا يستطيع أن‬ ‫تراءت له صورة والده وهي تصغر‪،‬‬ ‫يفهمه في سنه الصغيرة تلك!‬ ‫وعـادت تلك التساؤلات تـدور في‬ ‫رأسه‪ ،‬وأراد بشدة أن يعرف السبب!‬ ‫لـقـد اعــتــاد أن ُيـقـلـد والــــده في‬ ‫مسكة ال ِكتاب والقلم ويجلس‬ ‫عــــاد إلــــى بــيــت والـــــــده‪ ،‬وبـحـث‬ ‫على ذات ال ُكرسي‪ ،‬و ُكلما أتقن‬ ‫بين الـ ُكـتـب عـّلـه يجد السبب‪،‬‬ ‫تقليده ُكلما وجد صورته تصغر‬ ‫لكن لا شــيء مثير للاهتمام‪،‬‬ ‫أكــثــر‪ ..‬أصـابـه الــفــزع؛ بــدا لـه أنه‬ ‫فــــخــــاف أن تـــقـــلـــيـــده لــــوالــــده‬ ‫سيخسر والده إذا استمر بتقليده!‬ ‫هـــو الـــســـبـــب‪ ،‬ولا شــــيء آخـــر‪.‬‬ ‫حـــزم أمـــره وتـــرك تقليد والـــده‬ ‫عـــادت إلــى ذاكــرتــه الـعـديـد من‬ ‫واكـتـفـى بـالـنـظـر إلـــى صـورتـه‬ ‫المواقف التي جمعته مع والده‪،‬‬ ‫‪-‬الـتـي صـغـرت‪ -‬لعلها تكبر من‬ ‫وصورته وهو يقرأ‪ ،‬وجـال ببصره‬ ‫جــديــد‪ ...‬لكّنها بقيت ثابتة لم‬ ‫حـول عناوين ُكتب والـــده التي‬ ‫تكبر! ويالسعادته أنها لم تصغر!‬

‫يهتم لذلك‪ ،‬كان يجعلها مفتوحة‬ ‫ازدادت صفرة أوراقـهـا وتهالكت‬ ‫طـوال الوقت أمـام عينه‪ ،‬يحاول‬ ‫أغلفتها لكثرة قـراءة والـده لها‪،‬‬ ‫حفر تلك الصفحات في أعماقه!‬ ‫حاولأنيربطبينهاوبينسببصغر‬ ‫صورته‪ ،‬و ُكلما تعمق بالتفكير‬ ‫تذكر أن والـدتـه أخبرته يو ًما أن‬ ‫ُكـلـمـا وجـــد أســبــابًــا ُمــذ ِهــلــة!‬ ‫والـده حينما ينتهي من القراءة‬ ‫تشعر وكأنه استعاد طاقته وأقبل‬ ‫وجـــد أن تـقـلـيـده لـــوالـــده ليس‬ ‫على مواجهة الحياة بعد أن تسلح‬ ‫السبب الوحيد‪ ،‬بل أن نوع ال ُكتب‬ ‫بتلك الكلمات التي أعاد قراءتها‪..‬‬ ‫التي قرأها‪ ،‬والهدف الـذي جعله‬ ‫إنها تشبه تعويذته في الحياة!‬ ‫يقرأ‪ ،‬بالإضافة إلى تلك الخطوط‬ ‫الـكـثـيـرة الــتــي وضـعـهـا داخــل‬ ‫فـهـم الآن لـــمـــاذا صــــورة والـــده‬ ‫ال ُكتب الـتـي قـرأهـا‪ ،‬كلها من‬ ‫تصغر؛ لقد كانت إشـارة له كي‬ ‫المسببات التي كان يبحث عنها‪.‬‬ ‫لا يسلك طريق والــده في قـراءة‬ ‫تلك ال ُكتب‪ ،‬وألا يجعل تقليده‬ ‫إن والده لم ي ُكن شغو ًفا بال ُكتب‬ ‫لـه سب ًبا فـي تضاؤله هـو أي ًضا‪.‬‬ ‫والـــقـــراءة‪ ،‬لـقـد كـانـت مكتبته‬ ‫لا تزيد ُكتبها عـن المائة ِكتاب‬ ‫فتح أحـد ُكتب والــده الموجودة‬ ‫فقط‪ ،‬وجميعها كانت تتمحور‬ ‫فـــي مـكـتـبـتـه‪ ،‬ودّون فـيـهـا‪:‬‬ ‫حول موضوعات متقاربة؛ كلها‬ ‫تتحدث عـن الاخـتـفـاء والــهــروب!‬ ‫«الـ ُكـتـب ليست سبيل النجاة‬ ‫لــــنــــا‪ ،‬ولا يـــمـــكـــن أن تــكــون‬ ‫ووالده لم يكن يقرأ لأنه يبحث عن‬ ‫تعويذة كافية في هـذه الحياة‪،‬‬ ‫ال ُمتعة والتعلم واكتساب عادة‬ ‫الـقـراءة‪ ،‬بل كـان يقرأ لأنـه يرغب‬ ‫بــــل هــــي نـــــوع مــــن الإدمــــــــان‪..‬‬ ‫فـي الـهـرب مـن الحياة والاختباء‬ ‫فـــا ُتـــدمـــن مـــا يـجـعـلـك يــو ًمــا‬ ‫خلف أوراق ال ُكتب‪ ،‬ولأنه لم ي ُكن‬ ‫تـــصـــ ُغـــر وكــــأنــــك لا شــــــيء!»‬ ‫شغو ًفا بالجديد بـل كــان ُيعيد‬ ‫قراءة ال ِكتاب الواحد لأكثر من مرة‬ ‫لطالما كانت القراءة المساهمة‬ ‫بلا مبالاة وكأنه روتين اعتاد عليه‪.‬‬ ‫الأولـــــــى والـــصـــديـــقـــة الأقــــــرب!‬ ‫حتى أصبحت ال ُكتب مهترئة ولم‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪36‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫رحـــــلـــــة فــي‬ ‫مـــكـــتـــبـــتـــي‬ ‫كانت حياتي رتيبة ج ًدا؛ أكرر ذات‬ ‫مــن صـــدق الـمـعـلـومـة وأصـلـهـا‬ ‫لطالما كانت القراءة المساهم‬ ‫الأعمال كل يـوم‪ ،‬وأضيع سنين‬ ‫أمــــ ًرا مستعص ًيا علينا؛ ليجد‬ ‫الأول فــي فـتـح مــــدارك الـعـقـل‪،‬‬ ‫عمري على ما لا نفع منه ولا فائدة‪،‬‬ ‫العلم نفسه وحي ًدا بين صفحات‬ ‫والـصـديـق الأقــــرب لأهـــل العلم‪،‬‬ ‫نظرت إلى مكتبتي‪ ،‬ورأيت بين‬ ‫الـكـتـب‪ ،‬وتـجـد الــقــراءة نفسها‬ ‫عــدا عـن كونها بـدايـة للرسائل‬ ‫رفوفها كت ًبا اشتريتها أو قدمت‬ ‫وحيدة بعيدة عن أهلها ومحبيها‪.‬‬ ‫السماوية‪ ،‬وصفة يجب توافرها‬ ‫لي كهدايا في مناسبات مختلفة‪،‬‬ ‫فيمن أراد أن ينهل العلم من كل‬ ‫ولكني لم أقـرأ معظمها‪ ،‬وقد‬ ‫وحين وجـدت نفسي أركـب ذات‬ ‫نبع ومجرى‪ ،‬ويتزود بوقود العقل‪.‬‬ ‫مضى ما يقارب الخمس سنين‬ ‫الموجة‪ ،‬وأبتعد عن عشقي الأزلي‬ ‫حالت بيني وبين قــراءة الكتب‪،‬‬ ‫للكتب‪ ،‬قررت تغيير مساري ومن‬ ‫وفـي ظـل التطور الــذي نعيشه‬ ‫لذلك قررت العودة للقراءة ليعود‬ ‫هنا بـــدأت حكايتي‪ .‬كنت في‬ ‫اليوم بات الكتاب زينة على بعض‬ ‫لـحـيـاتـي طـعـمـهـا الـحـقـيـقـي‪.‬‬ ‫غرفتي أقلب المكان من حولي‪،‬‬ ‫الــرفــوف غير قـابـل للاستخدام‪،‬‬ ‫وقد تملكني الملل وأنـا أحمل‬ ‫وأصبحنا نتطلع على العلم من‬ ‫بدأت في أول أيامي بكتاب لطيف؛‬ ‫هاتفي الـذكـي الـــذي استحوذ‬ ‫صفحات الإنترنت والتي تفتقر في‬ ‫يتحدث عـن رحـالـة يشق طريقه‬ ‫على حياتي‪ ،‬وأخذ معظم وقتي‪،‬‬ ‫معظمها للمصدر‪ ،‬وتجعل التأكد‬ ‫‪37‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫بـكـتـابـي‪ ،‬وأسـتـيـقـظ مسرعة‬ ‫إنـجـاز يـذكـر‪ ،‬وعندما نصل إلى‬ ‫لاكتشاف الـعـالـم‪ ،‬ذلــك السرد‪،‬‬ ‫لأتـصـفـحـه مــع فـنـجـان قـهـوتـي‪.‬‬ ‫مفترق الطرق‪ ،‬ونحتاج ح ًقا لأيامنا‬ ‫وتلك الكلمات‪ ،‬أخذتني معها‬ ‫أصبحت أيامي وأسابيعي حافلة‬ ‫الخوالي‪ ،‬ونتمنى العودة بالزمن‪،‬‬ ‫بـرحـلـة حــول الـعـالـم‪ ،‬جعلتني‬ ‫بالمغامرات‪ ،‬والرحلات اللطيفة‪،‬‬ ‫نجد العمر والـزمـن يحاسباننا‪،‬‬ ‫أكــره رطوبة الهند في موسم‬ ‫وبــاتــت شخصيات تـلـك الكتب‬ ‫ويـقـتـان الـــروح بداخلنا‪ ،‬بعد أن‬ ‫الـصـيـف‪ ،‬وجــســدي يـرفـض ذلـك‬ ‫تشاركني لحظاتي‪ ،‬وتعطيني‬ ‫ضاعت منا جميع الفرص‪ ،‬وانتهت‬ ‫الطعم الحار في الأكـل‪ ،‬ولكنه‬ ‫مـن كـل كتاب حكمة‪ ،‬وعبرة‪،‬‬ ‫أيـام الحرث‪ ،‬وجـاءت أيـام الحصاد‬ ‫يطلبه ثانية‪ ،‬وبـدا طعم الشاي‬ ‫وخبرة جديدة أسير بها في حياتي‪.‬‬ ‫وحـقـولـنـا لــم تـبـذر بـهـا الـثـمـار‪.‬‬ ‫فـي الـسـيـان فـريـد الــمــذاق في‬ ‫فمي‪ ،‬وتلك الوجبات اللذيذة في‬ ‫حينها فقط شعرت بطع ٍم آخر‬ ‫أمـا كتابي الثالث‪ :‬فكان قصة‬ ‫المغرب زادت رغبتي باكتشاف‬ ‫للحياة‪ ،‬وتـذوقـت الأدب‪ ،‬والـفـن‪،‬‬ ‫خفيفة تظهر أن الإنسان لاّبـد أن‬ ‫المطبخ العربي‪ ،‬أما عن الأهرامات‬ ‫والــعــلــوم مـــن خــــال الـسـطـور‬ ‫يـكـون مـا يـريـد‪ ،‬وكـــام الـنـاس‬ ‫الـمـصـريـة فـقـد أظــهــرت ‪-‬بـكـل‬ ‫والـــكـــلـــمـــات‪ ،‬وبـــاتـــت معظم‬ ‫أو أفـكـارهـم هــو آخـــر مــا يجب‬ ‫تفاصيلها والإتقان القابع فيها‪ -‬أن‬ ‫الأحــاديــث الـمـطـروحـة أمـامـي لا‬ ‫أن يـشـغـل تـفـكـيـرنـا‪ .‬وتـتـحـدث‬ ‫الإنسان قادر على صنع المعجزات‪.‬‬ ‫تثير فضولي للمشاركة بها‪ ،‬لم‬ ‫تلك القصة بين سـطـورهـا عن‬ ‫بعد ذلـك الكتاب اللطيف قرأت‬ ‫تعد «فلانة» بتصرفاتها تهمني‪،‬‬ ‫الأشـخـاص الذين يهتمون كثي ًرا‬ ‫كتابًا يتحدث عن النفس البشرية‪،‬‬ ‫ولـم تعد الأحـاديـث الفارغة التي‬ ‫لآراء الناس‪ ،‬بل ويعتبرونها تصني ًفا‬ ‫وشـعـرت لوهلة أن كـل كلمة‬ ‫تقتل النفس قبل الوقت تشدني‪.‬‬ ‫مـهـ ًمـا لشخصياتهم‪ ،‬أو حتى‬ ‫في ذاك الكتاب الرائع تخاطبني‪.‬‬ ‫تصرفاتهم‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬وأزيائهم‪،‬‬ ‫تغيرت كثي ًرا وأصبحت أريد كتابي‬ ‫وكيف أن موظ ًفا بسي ًطا مات‬ ‫كيف أن الأيــام تخدعنا بمضّيها‬ ‫وكتابي فحسب‪ ،‬وصارت القراءة‬ ‫بعد أن سخر منه أصـحـابـه؛ لأنه‬ ‫دون محاسبتنا‪ ،‬وتغيب شمسها‬ ‫هـــي مـجـتـمـعـي‪ ،‬وصـديـقـتـي‬ ‫ظـن أن كلامهم هـو مـا يجعله‬ ‫كـل يــوم مـن دون أن نصنع أي‬ ‫الــمــقــربــة‪ ،‬ومــؤنــســة أوقـــاتـــي‪.‬‬ ‫عالي الـقـدر‪ ،‬أو عديم الأهمية‪.‬‬ ‫مرام جمل‬ ‫وعندما وصلت إلى الكتاب الرابع‬ ‫شــعــرت بـالـكـلـمـات تجتاحني‬ ‫وتصبح جـز ًءا مني‪ ،‬وبـات هاتفي‬ ‫النقال مخص ًصا للاتصال‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫يــمــر يـــومـــي مــــن دون حـتـى‬ ‫النظر إليه‪ .‬بـدأت أشعر أن الأوراق‬ ‫هـي جـلـدي‪ ،‬وأن حروفها ُحفرت‬ ‫بـــدمـــي‪ ،‬وكـتـبـت عـلـى جـــدران‬ ‫قلبي‪ ،‬لتجعلني أنام وأنا أحلم‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪38‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫مـــا كـسـبـتـه من‬ ‫الــــــقــــــراءة أنــهــا‬ ‫الـــشـــيء الـوحـيـد‬ ‫الــذي برعت فيه‪.‬‬ ‫لقدكانتموهبتي‬ ‫التي ولدت معي‪،‬‬ ‫صــوتــي الـذهـبـي‪،‬‬ ‫مـعـجـزتـي؛ بـرغـم‬ ‫أنـــهـــا لـــم تحمل‬ ‫مـــعـــهـــا مــكــانــة‬ ‫اجتماعية مماثلة‬ ‫لتلك التي يحصل‬ ‫عـــلـــيـــهـــا لاعــــب‬ ‫كــرة الـقـدم مثل ًا‬ ‫آندي ميلر ‪ -‬سنة القراءة الخطرة‬ ‫‪39‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫غرناطة ومريمة والرحيل‬ ‫«ثــــاثــــيــــة غــــرنــــاطــــة»‬ ‫معهم‪ ،‬ومساعدتها للمسلمين‬ ‫والـتـي كــان جـدهـا يـــردد عليها‬ ‫الرواية التي تحكي سقوط آخر‬ ‫الذين يقعون في مواقف لا تحمد‬ ‫بأنها ستصبح من سـادة النساء‪،‬‬ ‫معاقل المسلمين في الأندلس‬ ‫ُعقباها مع محاكم التفتيش‪.‬‬ ‫وفعلاً صارت على ما كان يحلم‬ ‫فــي روايــــة أدبــيــة‪ ،‬تـاريـخـيـة‪ ،‬من‬ ‫وآخـــر أبــطــال الــروايــة «عـلـي بن‬ ‫به جدها‪ ،‬لكن الأحـداث الحاسمة‬ ‫‪ 515‬صفحة‪ .‬رضـوى عاشور تروي‬ ‫هشام بن حسن» و «عائشة بنت‬ ‫تجعلها ترحل مع جدها مبك ًرا‪ .‬أما‬ ‫وتحبك الأحداث على امتداد أجيال‬ ‫سليمة» الـتـي يسميها خالها‬ ‫فتيان أبو جعفر «سعد‪ ،‬ونعيم»‬ ‫من عائلة أبو جعفر الذي مات قه ًرا؛‬ ‫أمـــل‪ .‬علي الـــذي تـمـوت والـدتـه‬ ‫فقد التقطهم من ضياع الشوارع‬ ‫حين أحـرقـوا مكتبته‪ ،‬وزوجـتـه‬ ‫مبك ًرا‪ ،‬ويهجره والــده فيعيش‬ ‫والـيـتـم‪ ،‬وأصـبـحـا يعملان عنده‬ ‫المرأة الطيبة التي كانت كثيرة‬ ‫في أحضان حسن ومريمة وأي ًضا‬ ‫في الـخـان‪ ،‬وقـد كـان ارتباطهما‬ ‫الأمـــل‪ ،‬محسنة لـزوجـهـا‪ .‬وابنه‬ ‫نعيم‪ ،‬أحـــداث كثيرة يعيشها‬ ‫بعائلته أكـبـر بـعـد رحـيـلـه‪ ،‬ثم‬ ‫جعفر الذي سبقهم لربه قبل أن‬ ‫مـن سجن‪ ،‬وعيش بين الجبال‪،‬‬ ‫أحفاده من أبناء حسن‪ ،‬وسليمة‬ ‫تبدأ الرواية‪ ،‬وحفيديهما «حسن‪،‬‬ ‫وحتى خروجه مع جدته وفقدانه‬ ‫وأحـفـادهـم أيـ ًضـا‪ ،‬وزوجـــة حسن‬ ‫وسليمة» اللذان أحسن أبو جعفر‬ ‫لـهـا‪ ،‬وتحمله للعيش بعدها‪،‬‬ ‫مريمة التي كانت فطينة ودائ ًما‬ ‫تربيتهما‪ ،‬وتعليمهما‪ ،‬وبالأخص‬ ‫بـــا أســـــرة‪ ،‬ولا زوجــــة وأطـــفـــال‪،‬‬ ‫مـا يــرددن نساء الحي مواقفها‬ ‫سليمة التي كانت منذ طفولتها‬ ‫ومكوثه في الجعفرية‪ ،‬ووقوعه‬ ‫مع القشتاليين‪ ،‬وتعاملها بذكاء‬ ‫مختلفة عن الفتيات في سنها‪،‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪40‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫«لــيــس الـجـحـيـم أن تصطلي‬ ‫الرواية أثرت بي عاطف ًيا‪ ،‬والكاتب‬ ‫في الحب‪ ،‬وغيرها من الأحــداث‪.‬‬ ‫بنار جهنم‪ ،‬بـل بنار قلبك وهو‬ ‫الجيد بنظري هـو الـــذي يجعل‬ ‫مــــرّوع‪ ،‬مـضـطـرب‪ ،‬وواهــــن‪ ،‬ولأن‬ ‫عـــواطـــف قــــارئ كـتـابـه تتقلب‬ ‫‪‎‬تكتمل سلسلة الــروايــة التي‬ ‫الــكــام كــل الــكــام يـجـرحـك»‬ ‫مــع أحــــداث روايـــتـــه‪ .‬كتبت في‬ ‫تتحدث عن حال المسلمين عند‬ ‫تـويـتـر بـعـدمـا أنـهـيـت الـكـتـاب‪:‬‬ ‫دخول القشتاليين لغرناطة‪ ،‬وما‬ ‫‪‎‬هذا النص شعرت به كأبطالها!‬ ‫«‏مــوجــعــة جــــ ًدا حــــروف رضـــوى‪،‬‬ ‫نجم من توليهم الحكم؛ فتقرأ‬ ‫كـــمـــا اســـتـــنـــشـــقـــت مـعـهـم‬ ‫وأحــــداث الــروايــة تخنقك! وبين‬ ‫فيهاعنأفراحالمسلمين؛منأفراح‬ ‫رائــحــة الــريــحــان‪ ،‬والـيـاسـمـيـن‪،‬‬ ‫غرناطة وقرطبة غصات ودمـوع‬ ‫الزفاف‪ ،‬والأعياد وغيرها‪ .‬وأتراحهم‬ ‫وشــعــرت بـــبـــرودة دمـــع الـعـيـن‪،‬‬ ‫تجتاحك‪ ،‬وتقضي على فرحك‬ ‫على حرق الكتب‪ ،‬وتهجيرهم من‬ ‫وحــــرارة بلنسية (منطقة في‬ ‫وأنــــت بـرفـقـة ثـاثـيـة غـرنـاطـة‪».‬‬ ‫غرناطة‪ ،‬وتعذيبهم‪ ،‬وحرقهم‪،‬‬ ‫إسـبـانـيـا) لـذلـك أحببت الــروايــة‪.‬‬ ‫وكـل ما ألـم بهم‪ ،‬من حالاتهم‬ ‫تتحدث رضــوى فـي روايـتـهـا عن‬ ‫الثقافية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وأسلوب‬ ‫‪‎‬ثـاثـيـة غـرنـاطـة صــــدرت عــن دار‬ ‫التاريخ‪ ،‬والحياة‪ ،‬والوطن‪ ،‬والأمل‪،‬‬ ‫حــيــاتــهــم‪ ،‬وحـــتـــى أشــجــارهــم‬ ‫الــــشــــروق الــمــصــريــة فـــي عــام‬ ‫والحب‪ ،‬والأسرة‪ .‬أبهرني اهتمام‬ ‫وحـــدائـــقـــهـــم الـــتـــي زرعــــوهــــا‪.‬‬ ‫‪1994‬م وحصلت على عدة جوائز‪.‬‬ ‫الكاتبة بالتفاصيل الصغيرة من‬ ‫بيوت غرناطة‪ ،‬أو حتى سكانها‪،‬‬ ‫‪‎‬الـــروايـــة حملتني لــعــدة قــرون‬ ‫جواهر الشلوي‬ ‫دل ذلـــك عـلـى حـرفـهـا وقلمها‬ ‫حكموا فيها أجدادي المسلمين‬ ‫الــمــبــدع‪ ،‬خــاصــة وأن كتابتك‬ ‫الأندلس‪ ،‬وحين تقرأها ستتخبط‬ ‫لحقبة زمنية لـم تعشها‪ ،‬ولم‬ ‫فــــي مـــشـــاعـــرك؛ فــقــد ربـطـت‬ ‫ترها يتطلب الكثير من البحث‪،‬‬ ‫«رضوى» جي ًدا أحداثها وتسلسلها‬ ‫والتطلع‪ ،‬والمخيلة الواسعة‪.‬‬ ‫الـــزمـــنـــي الـــمـــمـــتـــد لأعـــــــوام؛‬ ‫ستعيشها معهم وتـخـرج من‬ ‫‪‎‬ثـــاثـــيـــة غـــرنـــاطـــة ‪-‬بـــاعـــتـــقـــادي‬ ‫سنين «أبو جعفر» لتدخل سنوات‬ ‫الـشـخـصـي‪ -‬أفــضــل مـــا كتبت‬ ‫حفيده الخامس دون أن يكون‬ ‫رضـــــــوى‪ ،‬فــقــد قــــــرأت روايــتــهــا‬ ‫هناك قـصـو ًرا أو فجوة بين تلك‬ ‫«الطنطورية» التي تحكي عن‬ ‫الأعوام‪ ،‬أو خل ًلا في الرواية‪ .‬وحين‬ ‫فلسطين ومــا حـل بها لكني‬ ‫تبدأ قراءتها ستبكي في صفحة‬ ‫لم أشعر وأتـأثـر كما في ثلاثية‬ ‫وبعدها بصفحات ستضحك ربما‬ ‫غـرنـاطـة الـتـي أتقنت فيها كل‬ ‫حزنًا أو فـر ًحـا‪ ،‬وستشعر بغصة‪،‬‬ ‫مــا تـحـتـاجـه الـــروايـــة الـنـاجـحـة‪.‬‬ ‫وربـمـا تـصـرخ مـع أبـطـال الـروايـة‬ ‫الذين ماتوا ولم يكونوا شاهدين‬ ‫اقـــــتـــــبـــــاس مــــــن الـــــــروايـــــــة‪:‬‬ ‫على عــودة الـوطـن المغتصب‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫ســـــــــحـــــــــر‬ ‫اسـتـثـنـائـي‬ ‫آسية المطوع ‪@Asyeh_M‬‬ ‫الآن م ًعا!» سأتحدث في البداية‬ ‫مـاهـي عـاداتـهـم وتقاليدهم‪،‬‬ ‫«هناك مساحة للجميع في الأدب»‬ ‫عن سحر الأساليب‪ ،‬يقول يوسا‪:‬‬ ‫زرت الجبل الأسـود‪ ،‬وبلاد القوقاز‪،‬‬ ‫وهذه مساحتي‪ ،‬وسأتحدث فيها‬ ‫«الطريقة الوحيدة لمعرفة إذا ما‬ ‫وبلغاريا‪ ،‬وبـلـدان جنوب أفريقيا‬ ‫عن انعكاسات الأدب على نفوسنا‬ ‫كان الروائي قد أصاب نجا ًحا في‬ ‫قري ًبا من أريتيريا‪ ،‬وتعرفت على‬ ‫وحياتنا‪ ،‬ما الـذي قد يحدثه الأدب‬ ‫عمله السردي أو أخفق فيه هي‬ ‫تصنيف القبائل هـنـاك‪ ،‬وكيف‬ ‫فـيـنـا؟ أو كـيـف ُيـحـدث ‪-‬بـسـؤال‬ ‫في تقصي ما إذا كانت القصة‬ ‫يـتـزوجـون ويـعـيـشـون‪ ،‬وأدركـــت‬ ‫أكثر دقة‪-‬؟ كم مر ًة أغلقنا فيها‬ ‫المتخيلة قادرة ‪-‬بفضل كتابتها‪-‬‬ ‫مدى الطبقية التي تعاني منها‬ ‫الكتاب مع آخـر صفحة وشعرنا‬ ‫على أن تعيش‪ ،‬وتنعتق مستقلة‬ ‫كثير من بلدان العالم‪ ،‬والصراع‬ ‫بـأنـنـا فـقـدنـا عـــزيـــ ًزا‪ ،‬وكـــم مـرة‬ ‫عن مبدعها وعن الواقع الواقعي‪،‬‬ ‫الدائم بين الأبيض والأسـود‪ .‬أحب‬ ‫حدثتنا فيها أنفسنا أن نماطل‬ ‫وتــفــرض نفسها عـلـى الـقـارئ‬ ‫التنقل الـواسـع الـــذي تمنحني‬ ‫في القراءة؛ ليس لأن الكتاب لم‬ ‫كواقع ذي سيادة قائم بذاته‪ ».‬إذن‪،‬‬ ‫إياه الكتب‪ ،‬لقد كان سف ًرا فوق‬ ‫يجذبنا بل لأننا نريد للحظة الوداع‬ ‫فالأسلوب هو المعيار الأول‪ ،‬كيف‬ ‫المسافات‪ ،‬أسافر لحظة ما أشاء‪،‬‬ ‫أن تـتـأخـر‪ ،‬تـمـا ًمـا كـمـا لـو كنا‬ ‫لا ونحن إنما ُنفتن أولًا بالكلمة؛‬ ‫ذلك السفر الذي يكشف لي عن‬ ‫سنودع حبي ًبا! إننا نرتبط بالكتب‬ ‫والــتــي هــي الـمـكـون الرئيس‬ ‫حـيـوات الـنـاس الـداخـلـيـة‪ ،‬ومــاذا‬ ‫حد الشغف‪ ،‬نؤمن بقوتها فينا‪،‬‬ ‫لـأسـلـوب؛ إذ تلهمنا وتوجهنا‬ ‫يحدث داخل أسوار المنازل‪ ،‬وهذا‬ ‫وبـتـأثـيـرهـا الــقــوي فــي تكوين‬ ‫وتؤثر جذريًا فينا‪ ،‬ونظل نحملها‬ ‫ما لا تمنحك إياه الأسفار الواقعية‪،‬‬ ‫شخصياتنا وطــرائــق تفكيرنا‬ ‫فـي صـدورنـا عـمـ ًرا حتى بعد أن‬ ‫حتى وإن كنت تسافر مع أرقى‬ ‫وتـوسـيـع الأطـــر الـتـي ننظر من‬ ‫ننهي الفصل الأخير من الكتاب‪.‬‬ ‫شـــركـــة سـيـاحـيـة فـــي الـبـلـد!‬ ‫خلالها نحو الحياة والناس والعالم‪.‬‬ ‫ســـــــــحـــــــــر الأســـــــــــــلـــــــــــــوب‪:‬‬ ‫لقد أردت أن أفسح المجال لرأسي‬ ‫إننا نسافر عبر الكتب ‪-‬بالمعنى‬ ‫الـــذي كـــان دائــ ًمــا مــا يستقبل‬ ‫الـفـعـلـي لـلـكـلـمـة‪ -‬فـقـد سبق‬ ‫«لأن القصص هي الكلمات التي‬ ‫الحديث من الكتب فقد آن له الآن‬ ‫وزرت الجزائر‪ ،‬وإسلام آباد ‪-‬عاصمة‬ ‫ُتـــروى بـهـا‪ ».‬كما يـقـول يوسا‪،‬‬ ‫أن يتحدث عنها‪ ،‬أن يخبر العالم‬ ‫باكستان‪ -‬وكذلك وادي سوات‪،‬‬ ‫وأن الكلمات هي الجزء المادي‬ ‫عـن هــذا السحر العظيم! وأن‬ ‫وبكابل تجولت في أفغانستان‪،‬‬ ‫مـن السحر كله‪ ،‬الـشـيء الـذي‬ ‫يـقـول لـلـنـاس‪« :‬تـعـالـوا لنجرب‬ ‫وفي تركيا عاشرت الأتراك‪ ،‬وعرفت‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪42‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫«ومــــن أجـــل أن تـعـيـش ينبغي‬ ‫المهام والتي دو ًمـا ما يؤخرني‬ ‫نلمسه بأيدينا ونسمعه بآذاننا‪،‬‬ ‫عليك أن تكون في بعض الأحيان‬ ‫عـن إنـجـازهـا شغفي بالكمال‪،‬‬ ‫ون ِج ُده يحاكي شعورنا وأفكارنا؛‬ ‫ذئ ًبا‪ ،‬وأن تكون شا ًة في بعضها‬ ‫لقد أشفاني هــذا البيت أخـيـ ًرا‪.‬‬ ‫إذ لا يوجد ما هو أكثر إغـرا ًء من‬ ‫الآخـر» مقطوعة شعرية شعبية‬ ‫بيت شعري يفهم ذلـك الصوت‬ ‫مــن (بــائــع الـكـتـب فــي كـابـول)‬ ‫تنهض الأسئلة الدفينة في الوقت‬ ‫الدفين فينا‪ ،‬أو عبارة تلّخص بثلاث‬ ‫تــقــدم لـنـا الـــمـــوازنـــة المثلى‬ ‫الخاطئ‪ ،‬تظل تحز صدري بقلق‪،‬‬ ‫كلمات أو أربع عم ًرا من التجربة‬ ‫للحياة‪ ،‬فحينما تختار في ساع ٍة‬ ‫وحينما تبلغ بي المبلغ أتذّكر‪:‬‬ ‫مضت فينا‪ .‬إن ما يجعل العبارات‬ ‫ما أن تكون شـاة فليس يعني‬ ‫« َن ِج ُد الإجابة حين ننسى الأسئلة‪..‬‬ ‫بهذه الـقـوة هـو «صـدقـهـا»‪ ،‬وقد‬ ‫أنك شاة بالفعل وإنما هو ذكاء‬ ‫لا تسألي المذهول عّما أذهله»‬ ‫تحّدث النقاد طوي ًلا عن هذا الصدق‬ ‫الأدوار‪ ،‬فمن يظل ذئـ ًبـا فـإن من‬ ‫والــذي أسموه «الـصـدق الفني»‬ ‫سـنـة الــحــيــاة أن تـقـتـلـه قـوتـه‪.‬‬ ‫حينما قـرأت روايــة عــّداء الطائرة‬ ‫ويعني (المعايشة أو التخيل‬ ‫الورقية وأنا ابنة العشرين شغف ُت‬ ‫الفعلي للتجربة ومن ثم صدق‬ ‫إلى هنا ننهي الحديث عن سحر‬ ‫بها‪ ،‬وقررت قراءتها في الليل؛ حيث‬ ‫التعبير عنها)‪ .‬من العبارات التي‬ ‫الأســــلــــوب‪ ،‬وســنــواصــل «سـحـر‬ ‫كنت أغلق الأنوار وألتحف الفراش‬ ‫لا زل ُت أحملها قول زوربا‪« :‬عندما‬ ‫استثنائي‪ »2‬العدد القادم ‪-‬إن شاء‬ ‫وأسبح سائحة في بلاد أفغانستان‪،‬‬ ‫تكون قد اتخذت قـرارك تقّدم ولا‬ ‫الله تـعـالـى‪ ،-‬إلــى ذلـكـم الحين‬ ‫لقد سحرتني الفصول جميعها‪،‬‬ ‫تشفق‪ ،‬دع لشبابك سلط ًة حرة‪،‬‬ ‫هذه مقولة لـ «إسكندر حبش»‬ ‫لقد كانت من نوع الروايات التي لا‬ ‫كـن جـريـ ًئـا‪ ».‬هــذا الـصـوت الـذي‬ ‫تفصح عن الكثير مما نكّنه من‬ ‫تنساها أب ًدا‪ .‬وحينما قرأت «لأجلك‬ ‫ظل صـداه في أذنـي يحثني في‬ ‫شعور تجاه الأدب‪ ،‬يقول‪« :‬لا أعرف‬ ‫ألـف مـرة أخــرى» ظلت تطن في‬ ‫كل مـرة على اتخاذ الـقـرار دون‬ ‫ل َم أميل دائ ًما إلى اعتبار أن الحياة‬ ‫ذهني‪ ،‬إنني أذخرها للصداقات‬ ‫تأجيل‪ ،‬ويقول أي ًضا‪« :‬كل شيء‬ ‫هي التي تهرب منا‪ ،‬وأن الأدب هو‬ ‫المثلى‪ ،‬لحسين آخر يشاركني‬ ‫يعتمد على الطريقة التي ترى‬ ‫الأقــدر على البقاء بيننا‪ ،‬وعلى‬ ‫الطريق‪« :‬لأجلك ألف مرة أخرى»‪.‬‬ ‫الأمــــور مــن خـالـهـا» وقــد صــدق!‬ ‫أن يـقـّدم لنا حـيـاة أخـــرى أجمل‬ ‫بكثير‪ ،‬الأدب أصبح الفضاء الذي‬ ‫«كـــــل شـــــيء يـــحـــدث بـسـبـب‬ ‫لقد كنت فـي الـسـابـق أكترث‬ ‫نهرب إليه‪ ،‬لننسى‪ ،‬ونحاول عبره‬ ‫ولسبب» عبارة عميقة اقتبستها‬ ‫لكل شيء‪ ،‬لكل شيء إلى درجة‬ ‫أن نتخيل الأشـيـاء الـتـي تهمنا‪،‬‬ ‫مـن (ســـاق البامبو) تختصر لنا‬ ‫مرهقة فع ًلا إلى أن سمعت قول‬ ‫والتي تجعلنا أكثر إنسانية في‬ ‫مكامن حدوث الأشياء‪ ،‬تطمئننا‬ ‫المتنبي‪« :‬لا تل َق دهــرك إلا غير‬ ‫بيئات تتهاوى وتتفتت وتنهار‪».‬‬ ‫حي ًنا وتمسح على نفوسنا حي ًنا‬ ‫مكتر ٍث‪ ..‬مادام يصحب فيه رو َحك‬ ‫آخر‪ ،‬لا صدفة في الوجود؛ كل شيء‬ ‫البد ُن» لقد امتثلته على مستوى‬ ‫يحدث بسبب وفـي الوقت عينه‬ ‫الــعــاقــات الاجـتـمـاعـيـة‪ ،‬والأمــــور‬ ‫يكون لسبب آخر يصنعه ويوجده‪.‬‬ ‫الشخصية‪ ،‬وفـي لحظات إنجاز‬ ‫‪43‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫ســــــــل عـــن !‬ ‫كــــــتــــــابــــــه‬ ‫لينة سعد ‪@_tulip3‬‬ ‫اللهو وأني ًسا في الضجر‪ ،‬وحين‬ ‫الكلمات بعضها‪ ،‬فتطيب بها‬ ‫مــاذا يجد الـقـارئ بين السطور‬ ‫يكتب فهو ينفث من روحـه في‬ ‫أذن السامع وعين القارئ‪ ،‬وتحلو‬ ‫وأكـنـاف الكتب لينضوي إليها‪،‬‬ ‫أوراقـــــه‪ ،‬ويــصــّور هيئته وبيئته‬ ‫في لفظ الناطق فيستطعمها‬ ‫ويــتــذوقــهــا بـــأمـــشـــاج حــواســه‬ ‫وطبيعته وسجيته‪ ،‬ويـزيـح عنه‬ ‫ويستعذبها‪ ،‬وينظر إليها كاتبها‬ ‫فيستأنس بها ويستوطن فيها‬ ‫حمل ما هّمه وغّمه‪ .‬فذلك تواص ٌل‬ ‫نظرة الـوالـدة إلـى بكرها‪ ،‬يرى‬ ‫ويـمـضـي عـنـهـا فينثني إليها‬ ‫بين إنـسـا ٍن وإنـسـان‪ ،‬من مكا ٍن‬ ‫فيها نـتـاج نفسه وثـمـرة جهده‬ ‫توا ًقا‪ ،‬ويهجع إليها هجوع الغائب‬ ‫قـــا ٍص وزمــــا ٍن مــــا ٍض‪ ،‬فـيـه سف ٌر‬ ‫ونتيجة صـبـره وحصيلة عمله‪،‬‬ ‫إلى موطنه‪ ،‬والحائر إلى ضالته‪،‬‬ ‫وإسـفـار‪ ،‬وإرســـا ٌء وإبـحـار‪ ،‬وإعــا ٌم‬ ‫بـــل مــــرآة لــمــشــاعــره‪ ،‬كلمات‬ ‫والعاشق إلى حبيبته‪ ،‬والمشتاق‬ ‫وإفهام‪ ،‬وإنبا ٌء وإخبار‪ .‬وبالكتب‬ ‫يسطرها بـدلالات تعلن ما أسرر‪،‬‬ ‫إلــى قــرة عينه ومهجة فـــؤاده؟‬ ‫تنتهج المسالك‪ ،‬وتتسع المدارك‪،‬‬ ‫وتكشف ما دّثر‪ ،‬وتبرز ما أضمر؟‬ ‫وتبصر الأذهــــان‪ ،‬وتـهـذب الألـبـاب‪.‬‬ ‫كيف يأتلف الكاتب مع نصوصه‬ ‫إّن بين الإنسان وما يكتب ويقرأ‬ ‫التي تتبعثر حين يفض قريحته‬ ‫فـعـن الــمــرء لا تـسـل وســـل عن‬ ‫عـاقـة اقــتــران وارتــبــاط‪ ،‬تتنامى‬ ‫على أوراقه‪ ،‬فينسكب منها البليغ‬ ‫كتابه‪ ،‬سل عن عزيزه ورفيق حياته‪.‬‬ ‫لتكون علاقة حّب ووداد؛ فالمرء‬ ‫والـركـيـك‪ ،‬والفصيح والضعيف‪،‬‬ ‫يتخذ من كتابه سمي ًرا في الليل‬ ‫والــصــريــح والــغــريــب‪ ،‬فينقحها‬ ‫وندي ًما في السفر‪ ،‬وخليلاً في‬ ‫وينثرها سط ًرا سـطـ ًرا؛ لتناغم‬

‫علبة السردين‬ ‫أحمد العسيلان ‪@ahmedalosilan‬‬ ‫‪ -‬تـربـيـنـا عــلــى الـتـلـقـي فقط‬ ‫الـطـريـق وتـحـت سلطة معرفة‬ ‫هـــــل حــــدثــــتــــك نـــفـــســـك فــي‬ ‫دون الـفـهـم‪ ،‬ومــن يـخـالـف فله‬ ‫الـكـاتـب الـعـظـيـم‪ ،‬إذ بعقولنا‬ ‫زحمة الــقــراءة أن تتوقف هنا؟!‬ ‫الـــويـــل والــعــمــى وربـــمـــا كــان‬ ‫تتحول لعلب سـرديـن! نكّدس‬ ‫كــافــ ًرا مــار ًقــا أو خـائـ ًنـا أو ربما‬ ‫المعلومات والأفكار التي ألقى‬ ‫مــا زلــــ ُت يــا عــزيــزي مـنـذ الـعـدد‬ ‫حـــاقـــ ًدا عـلـى ســيــادة الـكـاتـب!‬ ‫بـهـا الـكـاتـب ثـم نغلق العلبة‪.‬‬ ‫الـتـاسـع وأنــــا أحــدثــك عــن فعل‬ ‫تجعلنا هذه الحالة في تسليم‬ ‫القراءة بـد ًءا بالقراءة الأفقية في‬ ‫‪-‬الــــكــــســــل الــــذهــــنــــي وقــــت‬ ‫تـــام لـكـل مــا يـقـولـه الـكـاتـب‪،‬‬ ‫ذلـك الـعـدد‪ ،‬ثم بـقـراءة التمتين‬ ‫الــقــراءة‪ ،‬وسببه فـي كثير من‬ ‫وذلـك ناتج عن عـدة أمــور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫في العدد العاشر‪ ،‬وها أنا أجلس‬ ‫الأحـــيـــان مــحــاولــة قــطــع شــوط‬ ‫لكتابة مقالتي هـذه لـي ولـك‪.‬‬ ‫كــبــيــ ٍر مـــن الــصــفــحــات عــــد ًدا‬ ‫‪ -‬الاســـتـــرقـــاق الــمــعــرفــي الـــذي‬ ‫بـحـ ًثـا عـن الـكـم لا عـن الكيف‪.‬‬ ‫جعلنا فـي حالة استسلام تـا ٍم‬ ‫يــحــدث وأن نـسـمـع عــن كـاتـب‬ ‫بسبب سمعة الكاتب‪ ،‬والهالة‬ ‫عظيم قد برع في فن من الفنون‪،‬‬ ‫‪ -‬بــــراعــــة الـــكـــاتـــب فــــي عــرض‬ ‫التي ُجعلت له من ِق َبل ُمريديه‪.‬‬ ‫ثـم وبـدافـع التطفل أو الحب أو‬ ‫فـــكـــرتـــه والــــتــــاعــــب بــالــلــغــة‬ ‫سّمه ما شئت‪ ،‬نذهب للمكتبة‬ ‫ومـفـرداتـهـا؛ وبـالـتـالـي استلابه‬ ‫‪ -‬عدم مقدرتنا أو فقداننا لمهارة‬ ‫لاقـتـنـاء واحـــد مـن كتبه ونعود‬ ‫لــعــقــولــنــا دون أن نــشــعــر!‬ ‫تـحـلـيـل الـــمـــقـــروء‪ ،‬وبـالـتـالـي‬ ‫فرحين بتلك النسخة ونشرع‬ ‫مناقشته ومراجعته وتمحيصه‪.‬‬ ‫في قراءة الكتاب‪ ،‬ولأننا في بداية‬ ‫‪45‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫تـونـسـي فقطع عـاقـتـه بكتب‬ ‫وتحديد المسؤولين عنه‪ ».‬انتهى‪،‬‬ ‫‪ -‬افتقادنا لمهارة القراءة الناقدة‪،‬‬ ‫الكاتب المغربي‪ .‬هــذا الشاب‬ ‫ولذلك كـان لـزا ًمـا علينا كقراء‬ ‫والـــتـــي تــقــوم عـلـى اكـتـشـاف‬ ‫نموذج حي لفكرة علبة السردين!‬ ‫مستقلين أن ننفك من هذا العقل‬ ‫مـــواطـــن الـــجـــمـــال وتـنـمـيـتـهـا‬ ‫الجمعي؛ لكي نكون أحرا ًرا في‬ ‫والتنبه لمواطن الخطأ والزلل‬ ‫عـلـى الـنـقـيـض‪ ،‬مـــرة اسـتـعـرت‬ ‫آرائنا وتصوراتنا بعد كل قـراءة‪.‬‬ ‫والحذر منها ومحاولة تقويمها‪.‬‬ ‫كتابًا من صديق لي ‪ -‬عاد ًة لا أعيد‬ ‫الكتب عند استعارتها إلا بشق‬ ‫الـــلـــقـــاءات الــحــيــة مـــع الـــقـــراء‬ ‫ولــكــن كــيــف الـسـبـيـل إلــى‬ ‫الأنفس ‪ -‬ولما كنت أقـرأ وصلت‬ ‫والمثقفين ومناقشة الكتب‬ ‫الـــخـــروج مـــن هــــذه الـعـلـبـة؟‬ ‫لجمل ٍة كتبها المؤلف وكانت رأيًا‬ ‫معهم أمر هام جـ ًدا وانسحابك‬ ‫منه ولكنه تلاعب بها ليجعلها‬ ‫في زاوية القراءة الفردية بشكل‬ ‫التحليل والربط والتأمل والنقد‬ ‫حقيقة؛ فكتب صديقي تعلي ًقا‬ ‫تام قد لا يكون أم ًرا ناف ًعا‪ ،‬والذي‬ ‫والـمـنـاقـشـة أمـــور مهمة وقـت‬ ‫لطي ًفا بقلم أزرق أعلى الجملة‬ ‫يميز النقاش أنـه يحول الفكرة‬ ‫القراءة‪ ،‬حتى نخرج من التعليب‬ ‫(وش دّراك؟) هـذا التيقظ جعله‬ ‫مــــن صــمــتــهــا الــمــتــمــثــل فـي‬ ‫والأدلــجــة‪ ،‬كما أن انعتاقنا من‬ ‫يقف عند كل لحظة يشعر فيها‬ ‫الحروف المكتوبة إلى تشكلها‬ ‫العقل الجمعي مهم ج ًدا‪ ،‬ولعلي‬ ‫أن الكاتب يمارس لونًا من ألوان‬ ‫عـــلـــى لـــســـان وعــــقــــول هــــؤلاء‬ ‫أوضــــح هـــذه الـنـقـطـة مـــن خـال‬ ‫السلطة‪ .‬لذا أدعـوك ‪-‬يا صديقي‪-‬‬ ‫وبالتالي محاكمتها وصقلها‪.‬‬ ‫كلام الدكتور عبدالكريم بكار‬ ‫لأن تـقـرأ بعقلك الـحـر وبـروحـك‬ ‫حيث يقول‪« :‬للمجتمع تصوراته‬ ‫الـمـحـّلـقـة وبـقـلـبـك الـــصـــادق‪.‬‬ ‫أعـرف شابًا كان مول ًعا بكتابات‬ ‫ومفاهيمه وعــاداتــه وتقاليده‬ ‫بـعـض الـكـتـاب فــي الخليج ثم‬ ‫وانطباعاته وتقييماته الخاصة‬ ‫والآن‪ ،‬تــذّكــر مـعـي‪ ،‬كــم مــر ًة‬ ‫وبـعـد فـتـرة قــرأ لكاتب مغربي‬ ‫لـأشـيـاء‪ ،‬والــتــي تـراكـمـت عبر‬ ‫كانت فيها عقولنا علب سردين؟‬ ‫فـأعـجـب بــه وإذ بــه يـشـّن حـربًـا‬ ‫الكثير من السنين‪ ،‬وهي على‬ ‫شــعــواء عـلـى مــن كـــان يتبنى‬ ‫درجة من الرسوخ تجعلها تشكل‬ ‫فكرهم‪ ،‬فجأة وبـدون مقدمات‬ ‫ضمير الفرد ووجدانه وعقله وروحه‬ ‫نسف تاريخهم بأكمله‪ ،‬وحولهم‬ ‫الـتـي تـسـري فـي كـل كياناته‪،‬‬ ‫لأعـداء يهاجمهم في كل مكان‬ ‫ومن اللافت للنظر أن كل ذلك قد‬ ‫بعد قـراءاتـه الـجـديـدة‪ .‬المضحك‬ ‫يكون بطريقة غير واعية‪ ،‬ويصعب‬ ‫في الأمر أنه بعد زم ٍن قرأ لكاتب‬ ‫ج ًدا تحديد مصادر ذلك التكوين‪،‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪46‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫فرانــكـــنشــتاين‪،‬‬ ‫تـجـربـة فــي فـ ّك‬ ‫أســــــــرار الــــــروح‬ ‫فاطمة مصطفى‬ ‫من فعل ذلـك‪ ،‬ظل يــزاول عمله‬ ‫منها وغير المنطقي) لسّد حاجته‬ ‫«هـــــل رجــــوتــــك يــــا خــالــقــي أن‬ ‫حتى آخر ساعات الليل‪ ،‬متجاهلاً‬ ‫وإشـبـاع أسئلته بـالإجـابـات حول‬ ‫مــــن الــطــيــن تــصــنــعــنــي؟ هـل‬ ‫إنسانيته وكأنه طي ٌف لشخص‬ ‫كـل مـا يتعلق بعلوم الإنـسـان‬ ‫اسـتـجـديـتـك أن مــن الظلمات‬ ‫آخــــر‪ ،‬ولــيــس شـخـ ًصـا حقيق ًيا‪.‬‬ ‫وماهية وعيه وروحه‪ ،‬والكيمياء‬ ‫تــرفــعــنــي؟» ‪ -‬جــــون مـيـلـتـون‬ ‫الـجـامـعـة بـيـن هــــذه الـعـنـاصـر‬ ‫وفــي اللحظة الـتـي أنـهـى فيها‬ ‫التي شكلت حيا ًة في منتهى‬ ‫عـــاش فـيـكـتـور فـرانـكـشـتـايـن‬ ‫مخلوقه الـــذي بـنـاه مـن أعضاء‬ ‫الـــروعـــة وبــالــغــ ًة فــي التعقيد‪.‬‬ ‫وسـط جمال الريف السويسري‬ ‫مــســتــعــارة‪ ،‬وحــقــنــه بـالـحـيـاة‪.‬‬ ‫وجباله البديعة محا ًطا بالثروة‪،‬‬ ‫تقّشعت عنه سحائب العمى‬ ‫كـل مـا شغل تفكيره هـو فك‬ ‫والعائلة والصحبة‪ ،‬يعلو قمة‬ ‫واستيقظ من وسط ذاته المتهّورة‪،‬‬ ‫سـر الـــروح‪ ،‬سـر بـث الحياة‪ ،‬فـرا َح‬ ‫جبل الـذهـب هــذا فضوله الـذي‬ ‫وبــدلاً من أن يملأه تحقيق هدفه‬ ‫دون وع ٍي ينبش القبور‪ ،‬منته ًكا‬ ‫ثقب فلسفة الطبيعة‪ ،‬ورغبة‬ ‫فخ ًرا وكبرياء‪ ،‬ملأه رع ًبا واشمئزا ًزا‪،‬‬ ‫حرمة أصحابها‪ ،‬واض ًعا كل شعور‬ ‫جــامــحــة لاكــتــشــاف أســــرارهــــا‪.‬‬ ‫ولم يعد سر الـروح يملك نفس‬ ‫بالذنب جان ًبا في سبيل تحقيق‬ ‫أريـــج الـقـداسـة الـــذي هـز فضوله‬ ‫ما تحتاجه البشرية في اعتقاده‬ ‫وبخلي ٍط مـن الحماس والـغـرور‬ ‫مـنـذ أن دنـسـتـه يـــداه البشرية‪.‬‬ ‫(أو بـالأصـح مـا يحتاجه هـــو!) لم‬ ‫شـــق طــريــقــه بــيــن الـمـجـلـدات‬ ‫يتوقف ثاني ًة ليعيد النظر فيما‬ ‫والكتب مّطل ًعا على نظريات‬ ‫عمل عليه لمدة سنتين‪ ،‬وبـدلاً‬ ‫كل فيلسوف وعالم (المنطقي‬ ‫‪47‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫انزعاج أو تكّلف‪ ،‬فظّل يراقبهم‬ ‫«أصبحت الآن شجر ًة مكسورة‪،‬‬ ‫من مكانه مستمت ًعا بالتعلم‬ ‫والصاعقة الـتـي أصابتها نفذت‬ ‫مـنـهـم أســمــاء الــجــمــادات من‬ ‫إلـــى أعــمــاقــي‪ ،‬شــعــرت بأنني‬ ‫حوله‪ ،‬ومستم ًعا لبقية الحديث‬ ‫سأستمر فـي أن أكـــون مـا لن‬ ‫ليخفف عنه وطأة عزلته القاسية‪.‬‬ ‫أكونه بعد قليل‪ :‬حطام إنسان‬ ‫يشفق عليه الآخــــرون ولا يطيق‬ ‫كم أراد أن يكون بينهم وجـز ًءا‬ ‫نفسه‪ ».‬هـر َب ب ُجب ٍن من أحلامه‬ ‫مـن عائلتهم‪ ،‬إلا أن المعاملة‬ ‫بـعـد أن غــدت كـوابـيـس‪ ،‬تـار ًكـا‬ ‫الــتــي تـلـقـاهـا ســابــ ًقــا أوقـفـتـه‬ ‫مخلوقه البشع في حيرة وضياع‪،‬‬ ‫عـــن ذلـــــك‪ .‬الــمــنــاقــشــات الـتـي‬ ‫مرتب ًكا‪ ،‬مشو ًشا‪ ،‬غير قادر على‬ ‫خاضها في عقله أثــارت مشاعر‬ ‫التمييز بين حواسه التي صحت‬ ‫الـكـره فـي دواخــلــه‪ ،‬فــراح يقارن‬ ‫فجأة من عالم الأمـوات‪ ،‬ففر إلى‬ ‫جمالهم بقبحه‪ ،‬وطبيعتهم‬ ‫الغابات بعي ًدا عـن أنـظـار البشر‬ ‫الناعمة بطبيعته الخشنة دون‬ ‫(الذين راحوا يلوذون بالفرار لمجرد‬ ‫أن يملك أدنـى فكرة عن هويته‬ ‫رؤيته) ليلتمس مكانًا آم ًنا وسط‬ ‫غير أنه لطخ ٌة تلوث وجه الأرض‪.‬‬ ‫ظلمة الأشـجـار الـبـاردة‪ ،‬والمطر‬ ‫الــذي نخر عظامه الجبرة‪ .‬أدرك‬ ‫فـــتـــرى الاثــــنــــان يـــعـــرقـــان فـي‬ ‫كم كان قليل الحيلة وفي وحدة‬ ‫محاولة للحصول على السلام‬ ‫تـامـة‪ ،‬فوجد هــذا الكائن التائه‬ ‫الــداخــلــي‪ .‬أحــدهــم يـعـانـي في‬ ‫زريب ًة حقيرة بدت له ملج ًأ ممتا ًزا‬ ‫الـتـعـامـل مـــع عـــواقـــب سـذاجـة‬ ‫كـمـا بــدا الجحيم للشياطين‬ ‫شبابه‪ ،‬والآخــر في التعايش مع‬ ‫بعد عـــذا ٍب طـويـل‪ .‬جـــاور زريبته‬ ‫وحـدتـه وصــورتــه كمسخ رقيق‪.‬‬ ‫القذرة شيخ أعمى يعيش مع ابنه‬ ‫وابنته‪ .‬أكثر ما أبهره فيهم دماثة‬ ‫سيمفونية الأحــــداث تظهر كلا‬ ‫أخلاقهم‪ ،‬وكيف تجري المحبة‬ ‫منهما بمقطوعة مختلفة من‬ ‫بينهم برشاقة وخفة مـن دون‬ ‫كـل جـانـب لتتركك مـع ســؤا ٍل‬ ‫محير‪.‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪48‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫أولـــــئـــــك الـــذيـــن‬ ‫يتصورون أن تكون‬ ‫لـحـظـات التغيير‬ ‫مريحة وخالية من‬ ‫الصراع‪ ،‬لم يتعلموا‬ ‫من ماضيهم بعد‬ ‫جون والاتش سكوت‬ ‫‪49‬‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬

‫قـراءة في كتاب‬ ‫الــــطــــريــــق إلـــى‬ ‫مـــــــــــــــكـــــــــــــــة‬ ‫ملاك العامري‬ ‫حتى الـيـوم»؛ لكن حينما كبر‬ ‫بصمت وتـأمـل وتــأخــذه الحيرة‬ ‫قلبت صفحات الكتاب الأخيرة ببطء‬ ‫جوذر لم يستطع تحديد وجهته‪،‬‬ ‫تجاه فكرة الـــرب‪ ،‬فيقول‪« :‬لم‬ ‫خو ًفا من أنتهي منه‪ ،‬ساورني‬ ‫أمــا حـيـرتـه فـهـي الـتـي جـّسـدت‬ ‫أد ِر أيــن يسكن ذلــك الـــرب أفي‬ ‫الشعور بالقلق من نهاية القصة؛‬ ‫الأسئلة الفلسفية العميقة التي‬ ‫تلك المساجد ومصليها؟ أم في‬ ‫فقد عايشت كل أحداثها بواقعية‬ ‫كـــان يتساءلها شـخـص يشعر‬ ‫كنس أبـنـاء ملة أمـــي؟ أم أنه‬ ‫وانسجام‪ .‬ابتدأت قصة جوذر حينما‬ ‫أن الله في داخله‪ ،‬وبقلبه‪ ،‬لا في‬ ‫يقبع في بيت الوهيم في لفائف‬ ‫أرسلته أمه للعمل لدى المعلم‬ ‫القتل‪ ،‬ولا فـي الـصـراعـات‪ ،‬وهـذا‬ ‫التوراة؟ أم هو في صفحات القرآن؟‬ ‫وهـو طفل صغير‪ ،‬يقول جـوذر‪:‬‬ ‫مــا أراد إيـصـالـه الـكـاتـب؛ وهـي‬ ‫من سيسكن رضا الله؟ ملكوت‬ ‫«هـــززت رأســي مرتب ًكا وبــرودة‬ ‫الحالة الاجتماعية والدينية في‬ ‫اليهود في السماء؟ أم في جنة‬ ‫الصبح تلفح وجهي‪ ،‬أشعر بوجود‬ ‫اليمن‪ ،‬حيث أنها تسيطر عليها‬ ‫ما لا عين رأت‪ ،‬ولا أذن سمعت‪ ،‬ولا‬ ‫خوف يرتجف في صدري‪ ..‬إحساس‬ ‫تلك النزاعات والجماعات الدينية‬ ‫خطر على قلب بشر؟» كان جوذر‬ ‫بالعجز من المجهول‪ ،‬كانت أمي‬ ‫التي تقتل وتعتقل باسم الله‪.‬‬ ‫يعيش في حيرة إذ لم يرشده أحد‬ ‫تهمس وهي تدعك يدها بيدي‪:‬‬ ‫إلى دين‪ ،‬أو حقيقة مطلقة؛ فقد‬ ‫أنت تحفظ علامات الطريق أليس‬ ‫يأخذك الكتاب في رحلة عميقة‬ ‫تزوج والده المسلم من ابنة عمه‬ ‫كذلك؟ تذكرني بتفاصيل الأمس‬ ‫ومـتـنـوعـة ستشعر أنـــك كنت‬ ‫اليهودية عن حب دون النظر إلى‬ ‫إلى حانوت ذلك الشيخ مشجعة‬ ‫تعيش تلك الحقبة‪ ،‬وسيصور‬ ‫الدين وأحدث هذا نزا ًعا عائل ًيا‪ ،‬لكن‬ ‫إيــاي أن أذهـــب‪ ،‬قالت فـي أذنـي‪:‬‬ ‫لــك حـالـة الـيـمـن قـبـل سيطرة‬ ‫والــداه اّتفقا على عـدم توجيهه‬ ‫لم تعد صغي ًرا‪ ..‬أنت اليوم رجل‬ ‫الجماعات الدينية عليها؛ وهي‬ ‫وعليه الاختيار حينما يكبر‪ .‬حينما‬ ‫والشيخ فـي حانوته ينتظرك‪».‬‬ ‫ممتلئة بالثقافة والحضارة‪ ،‬لقد‬ ‫مات الأب التزمت الأم بذلك الاتفاق‬ ‫شـاهـدت ذلــك بقلبي وكأنني‬ ‫بـدافـع الحب والألـــم على زوجها‬ ‫ومن هنا ابتدأت قصة حياة جوذر‬ ‫سافرت عبر الزمن من خلال رواية‬ ‫الـراحـل‪ ،‬وهـي تقول لابنها‪« :‬لم‬ ‫بعد عمله مع المعلم‪ ،‬حيث عمل‬ ‫أشعرتني بحقيقة الأحـــداث‪ .‬بعد‬ ‫أكن أعرف أنني لن أشاهده بعد‬ ‫في نسخ الكتب والمخطوطات‬ ‫ذلك ُقتل معلم جوذر المسلم‬ ‫تلك الـلـحـظـات‪ ..‬لا تـــزال رائحته‬ ‫العربية‪ ،‬وأتقن نسخ الآيـات أي ًضا‪.‬‬ ‫بـاسـم الـديـن مـن جماعة أخـرى‬ ‫تسكنني‪ ،‬خـرج تحت وطــأة برد‬ ‫لم يكن مسل ًما كمعلمه‪ ،‬ولم‬ ‫ومن ثم اعتقل جوذر بتهمة نسخ‬ ‫الشتاء‪ ،‬ليحل صمت لم يفارقني‬ ‫يكن يهوديًا كأمه‪ ،‬كـان يعمل‬ ‫العدد الحادي عشر‬ ‫‪50‬‬ ‫فبراير | ‪2019‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook