Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قراءات نقدية فى إبداعات عربية

قراءات نقدية فى إبداعات عربية

Published by wfp.imm, 2021-01-08 17:54:23

Description: قراءات نقدية فى إبداعات عربية
تأليف / سيد جمعة

Search

Read the Text Version

‫إذا ً نحن أمام غرابة يواجهها بطل القصة هذا الذي‬ ‫حاصرته \"المحنة\" محنة فَق ْد الزوجة والجنين قبل‬ ‫الولادة‪ ،‬فكان اغترابهُ وهجرتهُ من المدينة التي شهدت‬ ‫محنتهُ القاسية‪ ،‬وسلبت مق ِّومات حياتهُ فانزوى داخل‬ ‫نفسه مع أحلامه وآماله وذكرياته وحتى طموحاته‪،‬‬ ‫وأدرك أن الإغتراب والهجرة من هذه المدينة هو الحل‬ ‫الأمثل من انحدا ٍر في هوةٍ لا يعر ُف لها قرار‪ ،‬فهاجر‬ ‫إلى أطراف الصحراء واختار قري ٍة قريبة من عمله‬ ‫سكنها‪ ،‬و وجد في القطة \"الغريبة\"‪ ،‬والتي سنعر ُف‬ ‫لاحقاً أنها هي أيضاً \" ُمغتربة\" مثلهُ قدرياً‪ ،‬ليتوحدا‪،‬‬ ‫ويتقاسما حياتهما معاً بعد ح ٍب‪ ،‬ولفترة زمنية لم تط ُل‪،‬‬ ‫ليأخذنا الكاتب والبطل لاغترا ٍب أقوي وأعمق قد تمث ُل‬ ‫هلوسةً أو جنوحاً ‪ -‬بالنسبة لنا ‪ -‬إلى غير المألوف‬ ‫والمعتاد‪ ،‬لكنهُ مألو ٌف من خلال الأساطير والتراث‬ ‫الشعبي الذي يص ُل و يؤث ُر في الأشخاص من كل‬ ‫الطبقات‪ ،‬ونزوحا ً من المحنة‪ ،‬ورغبة في سعادة مفقودة‬ ‫َبسطتها إليها وقدمتها له \"القطة\" بعد أن كشفت له عن‬ ‫ُكنهها وشخصيتها الحقيقية و تحولها من جني ٍة إلى كائ ٍن‬ ‫حيواني يعي ُش مع الإنس على ظهر الأرض‪ ،‬فيوافق‬ ‫فوراً على الإغتراب الثاني والأبعد‪ ،‬رغب ٍة في السعادة‬ ‫المأمولة‪ ،‬وفراراً من المحنة المكلومة بها حياته الأنسية‪،‬‬ ‫ويبدأ سفره‪ ،‬ويج ُد حقيقةً ما وعدتهُ به من حياة ُمترف ٍة‪،‬‬ ‫ورفاهية الزواج والإنجاب‪ ،‬والعمل البسيط بعيدا ً عن‬ ‫المعاناةٍ التي كان يعيشها على ظهر الأرض والأوجاع‬ ‫‪100‬‬

‫والمشاكل الدنيوية التي كانت تُحاصرهُ‪ ،‬وتضاعف من‬ ‫محنته‪ ،‬ولكن بعد سنوا ٍت يجد نفسهُ ُمغترباً وغريباً وأن‬ ‫ما وجدهُ يعادل إحساسه به ما تركهُ على ظهر الأرض‪،‬‬ ‫فيداعبهُ فكره بالرغبة في العودة إلى سطح الأرض‬ ‫ومغادرة تر ٍف ُمم ٍل ولا طائل منهُ ويشع ُر أن العمل‬ ‫والك ِّد هما الدعائم الحقيقية للسعادة والراحة في الحياة‬ ‫وليس العكس‪ ،‬وأن الإغتراب بسب محن ٍة ما قد يقود‬ ‫الإنسان إلى اغترا ٍب أعم ٍق ينتظرهُ في التراث الشعبي‬ ‫والبيئي‪ ،‬وأحيانا ً لا تكو ُن العودة مأمونة أو محمودة‬ ‫‪101‬‬

‫أ نـثـى فـى ثـيـا ب رجـ ِل‬ ‫هبة البنداري ( مصر)‬ ‫\"في الإبداع‪ ،‬لا تصنيف للمبدع رجلاً أو أنثى‪ ،‬وإن تميز‬ ‫أحياناً أحدهما ففي الغالب والأصح يكون النص أو‬ ‫العمل هو الفيصل‪ ،‬فالإبداع عمل إنساني بالدرجة‬ ‫الأولى‬ ‫تقد ُم لنا الروائية‪ /‬هبة بنداري ‪ ...‬نصاً روائياً‪ ،‬يحم ُل‬ ‫إسم \"أنثى في ثياب رجل \" في بدايات الرواية نتوقف‬ ‫أمام َمدخلاً ساقته ال ُمبدعةُ من خلال حوا ٍر قصير‪،‬‬ ‫أبماطملة\" احلاقل ٍةصةخا مصعة أ\"ُممهاِّهدتلقهوالعانلبواطلنةالوربواحيزة ٍ‪،‬م‬ ‫لندرك أننا‬ ‫ففي حوار‬ ‫وعنا ٍد‬ ‫‪\"...‬أيوة أنا بنت ‪ ..‬لكني أقدر أشتغل بقوة وصلابة زي‬ ‫أي راجل ‪ ،‬وعندي قوة تح ِّمل أكثر من كل الر ِّجالة‬ ‫إذاً‪ ...‬نح ُن في حال ٍة استثنائي ٍة من صراع عمل ِّي و واقع ِّي‬ ‫يشهدهُ مجتمعنا الحالي وهو يحاول أن ينف ُض أثقالاً من‬ ‫موروثا ٍت عقائدي ٍة أحياناً‪ ،‬وأحياناً أخرى َقبل ِّية تاريخية‬ ‫ومؤ ِّصلة‪ ،‬كشعو ٍب عربية شرق أوسطية‪ ،‬وقد يشت ُط‬ ‫المجتم ُع‪ ،‬قليلاً أو كثيراً في انتفاضته‪ ،‬ويخل ُط بوع ِّي أو‬ ‫‪102‬‬

‫بدون وع ِّي بين ماهو من الموروثات بنوعيها‪ ،‬وبين ما‬ ‫هو إنسان ِّي مح ٌض و متفق عليه‬ ‫صاغت الأديبة الرواية من خلال شخصيات نجحت في‬ ‫تجسيدها كعناص ٍر َيدع ُم بع ُضها بعضاً‪ ،‬ويد ِّع ُم السياق‬ ‫الذي تتحرك فيه الرواية والذي رسمته الرواية كإطا ٍر‬ ‫أدبي‪ ،‬الرواية حافلةٌ بأحدا ٍث موظفة توظيفاً جيداً وبعض‬ ‫الأحدا ُث في فُ َجائيتها قد تدهشنا‪ ،‬ونستغر ُبها‪ ،‬لكننا‬ ‫سرعان ما ُندرك اكتمالها وأهميتها في الصورة \"الكلية\"‬ ‫الداعمة للفكرة التي تتقصى وتلم ُس بصورة إبداعية‬ ‫راقية أحاسيس ومشاعر واحتياجات كلا ً من الرجل‬ ‫والمرأة وأهمية عنصر التكامل بينهما في منظومة‬ ‫الحياة الإنسانية منذ خلق الله آدم وحوا ٍء‪ ،‬وما ُيماثلهما‬ ‫في الكائنات الح ِّية الأخرى‬ ‫قد لا تكون فكرة الرواية جديدةٍ‪ ،‬لك ِّن وجه الإبداع لا‬ ‫يتمث ُل في ج ِّدة الفكرة‪ ،‬ولكن في إجادة عرضها‪،‬‬ ‫وتجسيدها‪ ،‬و الإنطلاق إليها من منص ٍة إبداعي ٍة‪ ،‬تحم ُل‬ ‫المتلقي إليها بيس ٍر أو تزحزحه قليلاً إلى زاوية أخرى‪،‬‬ ‫وفي أجوا ٍء أخرى‪ ،‬وبصياغ ٍة تتوفر فيها عناصر اُجيد‬ ‫تنسيقها وبسيا ٍق مختل ٍف‬ ‫جاءت لغة السرد قويةً و ُمتعمقة تحم ُل عنصر الجذب‬ ‫والتشويق القوي والسهل‪ ،‬يدعمها إختيا ٌر ممتاز بلغة‬ ‫الحوار باللغة العامية البسيطة دون جنو ٍح أو استرسا ٍل‬ ‫غير مفيد‪ ،‬لكن بدق ٍة تتسق مع لغة السرد ال ُمدهشة‬ ‫‪103‬‬

‫الشخصيات حتى في تَع ُددها‪ ،‬شخصيا ٍت محوري ٍة‬ ‫وجوهرية تؤكد أن ال ُمبدعةُ رسمت كل شخصية على‬ ‫حدى – سواء بوع ِّي أو بدون وع ِّي – فكانت النتيجة أن‬ ‫حصل ُت كل شخصية على دو ٍر فعا ٍل ومتس ٍق في الرؤية‬ ‫\"الكلية\" للأحداث مجتمعةً‪ ،‬من خلال تفاعلها –‬ ‫الأشخاص – مع بعضها‬ ‫الأحداث والشخصيات‪ ،‬وعناصر السرد‪ ،‬من لغ ٍة‪،‬‬ ‫وجذ ٍب ‪....‬الخ نستطيع ببساط ٍة أن نشير إلى أن ال ُمبدعةُ‬ ‫تحم ُل ملكات كاتبةُ قديرة تؤكد على ما صدرنا به هذه‬ ‫القراءة‪ ،‬فلإبداع عم ُل إنساني ولسنا في حاج ٍة لتصنيف‬ ‫المبدع‬ ‫‪104‬‬

‫بــيــوت آ مــنــة‬ ‫حفصة عبدالل ريس‪،‬‬ ‫د‪ /‬نيفان إبراهيم عبده‬ ‫حسني حسين اسعد ريس‬ ‫طيبة الحربي ( السعودية)‬ ‫بدايةً أستأذن أخي وصديقي العزيز الناقد الكبير د‪/‬‬ ‫عزوز إسماعيل‪ ،‬في استعارة عنوان بحثه الرائع‬ ‫\"عتبات النص\" كمقدمة تمهيدية للعبور إلى كتا ٍب‬ ‫نشارك جميعاً في قراءات متعددة له‪ ،‬وهو كتاب \"بيو ٍت‬ ‫آمنة\" لأفاضل أضافوا لأرفف وقوائم المكتبة العربية‪،‬‬ ‫وفي تخ ِّصص بحثي ُمهم في وقتنا الحاضر‪ ،‬وهو كيفية‬ ‫بناء أو إعادة بناء \"بيت آمن\"‪ ،‬ما أحوجنا إليه خاصة ً‬ ‫ً‬ ‫بيئةً ومجتمعٍ سليم صحيا‬ ‫تضعنا من جديد في فَلك‬ ‫القاسي لبناء‬ ‫في هذا المنعطف‬ ‫أهدافاً وآمالاً‬ ‫وتربوياً يحقق لنا‬ ‫الأُمم – كما فعلنا سابقاً ‪ -‬بإضافات لا تُنكر إلى حضارة‬ ‫العالم و َسجلها التاريخ‬ ‫عتبات النص‬ ‫أشار دكتورنا الفاضل‪ /‬عزوز إسماعيل في بحثه‬ ‫ومراجعه إلى أهمية عنوان النص كمدخ ٍل للقارئ‬ ‫‪105‬‬

‫والناقد‪ ،‬وأيضا ً للكاتب‪ ،‬كجزء متسق مع مضمون‬ ‫النص ويحمل دلالةُ من دلالات مضمونه‪ ،‬وعتبة هذا‬ ‫الكتاب واختيار كلمتين معبرتين‪ ،‬يؤكدان ما ذهب إليه‬ ‫دكتورنا الفاضل‪ /‬عزوز إسماعيل‬ ‫البيت لغوياً – كما تم تعريفه في القاموس – هو السكن‬ ‫من السكون والهدأة والملجأ والشعور بالأمن والأمان‬ ‫والإطمئنان ‪...‬الخ‪ ،‬وعنوان الكتاب يبدأ بكلمة \"بيوت\"‬ ‫ولمزيد من التوكيد أضيفت كلمة \"آمنة\"‪ ،‬وكلتا الكلمتين‬ ‫وهما معاً تحملان دلالات قوية و واضحةً‪ ،‬مع متس ٍع‬ ‫رحب لإعمال الفكر‪ ،‬وهكذا وعلى هدي هاتين الكلمتين‬ ‫ودلالاتهما ندل ُف معاً إلى النص‪.‬‬ ‫يتص ِّدرالكتاب إهدا ًء هو أيضا ًجزءا ًمن عتبات النص‪:‬‬ ‫(نهدي هذا الكتاب إلى كل الآباء والآمهات‪ ،‬والمربين‪،‬‬ ‫ليكون نبراساً ليهتدون به في رعاية أبنائهم وتربيتهم‬ ‫على أسس تربوي ٍة سليم ٍة تستند إلى التص ِّور الإسلامي‬ ‫في تربية الأولاد ورعايتهم)‬ ‫الكتاب يتضمن أربعةَ فصو ٍل ‪:‬‬ ‫الفصل الأول ‪ :‬الأسرة والنمو‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬الجنس واعتلالاته‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬إعتلالات البلوغ‬ ‫‪106‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬الإنحرافات الجنسية‬ ‫الفصل الخامس ‪ :‬الإنترنت وتأثيره على الجنس‬ ‫وأخيراً فص ٌل يتضمن خمس قصص من الواقع كأمثلة‬ ‫تجريبية ضرورية للقارئ والمربي‪ ،‬ثم الخاتمة التي‬ ‫ل ِّخصت المحتوى ليشرع من يهم الأمر في حملها وهو‬ ‫يمضي إلى طريقه مهتدياً بها ‪ .‬وتأتي المراجع وافيةً‬ ‫وكافية لمن ُيريد الإستزادة‪ .‬ثم ينتهي بالتعريف بالأساتذة‬ ‫الباحثين والمشاركين في إعداد هذا الكتاب‬ ‫إن كل فص ٍل من الفصول المذكورة قد نحتاج إلى مساحة‬ ‫زمنية ليست بالقصيرة سوا ًء لعرضها أو تتبع الأُسس‬ ‫المنهجية المتبعةُ في الإعداد للوقوف على الجديد في‬ ‫هذه الدراسات‬ ‫ولهذا‪ ...‬وفي هذه العجالة نشي ُر إلى بعض الجوانب‬ ‫الهامة دون الدخول في تفاصيل‬ ‫• بداية؛ إن عنصر \"العنونة\" الفرعية في كل‬ ‫فصل‪ ،‬يشير إلى منهجية وتراتبية البحث بدءا ً من‬ ‫التمهيد للمشكلة محل البحث‪ ،‬ثم عرضها بأسلوب نقاط‬ ‫ُمعنون وواضح‪ ،‬ليأتي سياق المعالجة بنفس أسلوب‬ ‫العرض مدعوماً بنتائج الأبحاث المعتمدة مع إبرازها‬ ‫والإشارة إليها هامشياً بخلاف ما تم بيانهُ منها في‬ ‫\"المراجع\"‪ ،‬يأتي ذلك في سلاسة وبساطة وتركيز لا‬ ‫يُب ِّدد القارئ أو يرهقهُ‬ ‫‪107‬‬

‫• يتتبع البحث في كل فص ٍل وبصور ٍة متوازية‬ ‫أبعاد المشكلة بأضلاعها الثلاثة‬ ‫‪ -‬الـطـفـل‪ :‬في مراحله العمرية المختلفة‬ ‫والمتزامنة مع نموه الجسدي والنفسي ملقياً ضو ًء على‬ ‫رغباته وحاجاته وأوجه المعاونة لهُ‪ ،‬ومساعدته بتهيئة‬ ‫المناخ ليُشبع احتياجاته ورغباته بالقدر المحسوب‬ ‫واللازم علمياً دون شط ٍط أو قت ٍر‬ ‫‪ -‬الوالدان‪ :‬وهما الحاضن الأول والأساسي في‬ ‫مرحلة البناء من بداياته‪ ،‬وما يفترض فيهما وعليهما من‬ ‫استعداد ثقافي ورغبة جد ِّية في تبني سلامة التكوين من‬ ‫المنشأ لبرع ٍم كي يشب سوياً ومعتدلا ً في سلوكياته‬ ‫ليطرح عليهما أولا ‪ ،‬ثم على مجتمعه الصغير في محيط‬ ‫الأسرة ومجتمعه الكبير متمثلاً في العائلة‪ ،‬وبعدها البيئة‬ ‫المحيطة به‪ ،‬وصولاً لوطنه وأمته معطياً نتاجاً وعطا ًء‬ ‫سوياً يحتاجه هو أولاً ثم وطنه‬ ‫‪ -‬البيئة ‪ :‬ومك ِّوناتها المتمثلة في الأسرة والمدرسة‬ ‫وومؤسسات التوجيه والرعاية الحكومية والمدن ِّية‬ ‫بأنواعها وما يد ِّعم الجميع من الوسائل الحديثة من إذاعة‬ ‫وتلفاز‪ ،‬ووسائل التواصل الحديثة وكيفية غرس مبادئ‬ ‫التعامل معها والإستفادة الرشيدة منها‬ ‫• أيضا ً وفي ضوء ما سبق وأخذاً به لا يغفل‬ ‫الباحثون – كما جاء في مقدمة الكتاب – أن تكون‬ ‫‪108‬‬

‫التربية والتوجيه والتعليم معيار الشريعة الإسلامية‬ ‫والعربية هي المنطلق الأول لبناء ما يتم طرحه والحث‬ ‫على الأخذ به‪ ،‬إيماناً منهم أن ما جاء به الغرب من نتاج‬ ‫أبحا ٍث مرجعه ومصدره شريعتنا الإسلامية وتقاليدنا‬ ‫العربية وبالتالي مخالفة ومغايرة لما عندهم فلاغ‪،‬‬ ‫إنسيا ٌق أو تقليد أعمى ذلك أن العلم لا وطن له‪ ،‬وأن‬ ‫الهوية هي التي تبني الإنسان والوطن‬ ‫• ولعل من أبرز النقاط المطروحة في هذا الكتاب‬ ‫المبحث الذي تناول بمنهج ِّية علمية بسيطة‪ ،‬ما يدور‬ ‫حول الجنس من مفهومات خاطئة‪ ،‬وتردد أو استحياء‬ ‫في تناوله في محيط الأسرة أو المدرسة أو وسائط‬ ‫التوجيه والتربية والتعليم سواء في المسجد أو الكنيسة‬ ‫أو المدرسة‪ ،‬مما ُيضاعف الجهد المبذول للأخذ في‬ ‫تناوله ومعالجة المشكلات الناتجة عن تجاهل توضيح‬ ‫ما الجنس للطفل حتى سن البلوغ؟ ودوره في بناء‬ ‫الشخصية السوية‪ ،‬حيث أن تأخر الشرح والتوضيح أو‬ ‫التردد أو العجز عنه‪ ،‬يُلقى بالمجتمع في محي ٍط عاص ٍف‬ ‫بالمشكلات الصح ِّية والإجتماع ِّية وكم هائل من‬ ‫الإنحرافات ثم تبعة ثقيلة لإصلاح ما أفسده التأخر‬ ‫والتردد والعجز‪ ،‬لقد تناول البحث في هذا الكتاب‬ ‫المشكلة من بداياتها ونتائجها‪ ،‬وطرح أسس التناول‬ ‫والوقاية والعلاج بالمنظورين الإسلامي والعلمي‬ ‫الحديث‬ ‫‪109‬‬

‫يهتم الكتاب في فصوله ُكلها‪ ،‬ويركز على التأثير‬ ‫المتبادل والقوى والمباشر بين المجتمع والبيئة من خلال‬ ‫الأسرة أو المؤسسات الحكومية والخاصة‪ ،‬وبين أضلاع‬ ‫المشكلة وذلك من خلال تبني آليات وأساليب علمية‬ ‫متط ِّورة ومتسقة مع التقدم الفكري والتقني تتيح‬ ‫للأضلاع المذكورة تناول أساليباً ُمتعددة في إعادة‪،‬‬ ‫وبناء البيت الآمن‬ ‫والكتاب في مجمله يتيح لنا جميعاً ما يضيئ لنا‬ ‫طريقاً ووسيلة نحملها بين أيدينا لنرقي بمجتمعاتنا‬ ‫العربية والإسلامية منصة التقدم والإسهام الف ّعِال في‬ ‫الحضارة الإنسانية بمفهوم ُموا ٍز ومغاير لإضافة‬ ‫الآخرين‬ ‫‪110‬‬

‫الرقص على رءوس الأفاعي‬ ‫للروائية ‪/‬‬ ‫شيماء بيستكي (الكويت)‬ ‫روايةٌ جديرة بالقراءة أكثر من مرة وقبل أن نمضي في‬ ‫القراءة تأخذنا الكاتبة إلى لوحة إرشادية ِّصدرت بها‬ ‫الرواية تقول فيها‪:‬‬ ‫كلمة‬ ‫\"لقد بدأت متأخرة ً في كتاباتي‪ ،‬إنني أرى أن الكتابة‬ ‫تحتاج إلى شخص أو فرد هادئ الطباع أو صافي الذهن‬ ‫لكي يبدع إبداعا حقيق ًيا‪ ،‬أساسه العقل والفكر الخصب‪،‬‬ ‫ويكون لديه العديد من التجارب‪ ،‬والثقافة الشاملة‪،‬‬ ‫والأفكار المفيدة‪ ،‬والأهداف السامية‪ ،‬كما أنه من‬ ‫الضروري أن يق ِّدم ما يريده بلغة بسيطة سهلة مفهومة‬ ‫للكافة ‪ .‬وأتمنى من الله تعالى ‪ -‬العلي القدير ‪ -‬أن أصبح‬ ‫ذات كتابات راقية تعود بالنفع والفائدة على جميع الق ِّراء‬ ‫بمختلف فئاتهم في وطننا العربي الحبيب‬ ‫وعليه ‪ :‬أرجو أن تنال هذه الرواية قبولكم‪ ،‬مؤكدة ً أن‬ ‫الكمال المطلق لله تعالى ولكم الشكر ‪\"،،،‬‬ ‫المؤلفة‬ ‫‪111‬‬

‫‪..‬في البداية نتوقف قليلا ً‪ ،‬نتوقف أمام العنوان‪ ،‬كمدخل‬ ‫أساسي ورئيسي للمضمون الذي يحم ُل هذا الإسم‬ ‫\"الرقص على رؤس الذئاب\"‪ ،‬نعل ُم ان الذئب يحم ُل‬ ‫صفتين لا يشاركهما فيه حيوان آخر كصفا ٍت لازمة‪،‬‬ ‫\"الغدر‪ ،‬والبطش\"‪ ،‬فندر ُك ونستيقن أن الرقص فوق‬ ‫رؤس الذئب‪ ،‬يستوجب حيلة ً ومهارةً‪ ،‬وقدرةً على‬ ‫التحايل‪ ،‬وقدرةً على الهرب وعلى تجنب المواجهة‬ ‫المباشرة ‪ ،‬وقدرةً على المباغتة بعد التخف ِّي‪ ،‬والتيقن من‬ ‫نقاط الضعف‪ ،‬وتحقيق الهزيمة أو الإنتصار النهائي‬ ‫بالدحر‪ ،‬حتى لو سالت الدماء‬ ‫وهكذا كان محمود عبد السلام‪ ،‬وهو يواجه ذئبا ً في‬ ‫جبروت \"السيد\" الذي تحققت فيه صفات الغدر‬ ‫والبطش‪ ،‬في مملك ٍة أخضع لها كل من عليها إنساناً‪،‬‬ ‫صديقا ً كان أو قريبا ً أو رجالاً في مراكز القوة بل‬ ‫والحكم‪ ،‬تح ِّولوا إلى عبيدا ً له يفعلون ما يأمرهم به‪،‬‬ ‫يخافون بط َشهُ وجبروتهُ‪ ،‬ويتمتعون في نفس الوقت‬ ‫بحمايته فيما يفعلون‬ ‫إذا ً‪ ...‬نح ُن أمام روائية حصيفةُ‪ ،‬و واعية بما تُضيفه‬ ‫ُمختلفاً‪ ،‬إلى المكتبة القصصية العربية ‪ ،‬فهي لأنها تملك‬ ‫قدرات ُمتعددة لع ِّل أهمها لغتها العربية الرصينة‪ ،‬مع‬ ‫براعة تامة في البلاغة الوصف والإيجاز‪ ،‬والتعبير‬ ‫ال ُمتميز الذي يجم ُع في بساطته‪ ،‬وسلاسته الدقةُ البليغة‬ ‫في قوة العرض والإمساك بالمتلقي – بقدر ثقافته –‬ ‫‪112‬‬

‫ليمضي مع الرواية لنهايتها دون مل ٍل لاستكشاف ماهو‬ ‫تالي‪ ،‬وماهو ُمتض ِّمن من أفكا ٍر ورؤى نثرتها الكاتبة‬ ‫في ثنايا عرض الرواية بذكا ٍء وفطن ٍة‬ ‫الكاتبة – وهذا بصورةٍ ما – وقد نعتبرهُ جديداً‪ ،‬حين‬ ‫اعتمدت أسلوب \"الحاكي أو الراوي\" في السرد‪ ،‬لذا‬ ‫نراها تطل ولو على فترا ٍت لتو ِّضح حدثا ً ما‪ ،‬زماناً أو‬ ‫مكاناً أو شخصي ٍة‪ ،‬فأطراف الرواية في أصابعها‪،‬‬ ‫وتعرف متى وأين تضع من الإضافات الضرورية حتى‬ ‫يكتم ُل الحدث‬ ‫و قد نلاحظ أن الكاتبة‪ ،‬أغفلت عنصر ِّي المكان والزمان‬ ‫وهذا طبيعي حين اتخذت أسلوب \"الحاكي أو الرواي\"‬ ‫لعرض مضمون الرواية‪ ،‬فالرواية وبهذا الأسلوب‬ ‫ال ُمختار صالحةً أن تكون في كل مكا ٍن أو زما ٍن‪ ،‬لذا‬ ‫الكاتبة لم تول بناء الشخصيات إهتماماً كبيراً‪ ،‬مكتفيةً‬ ‫بصو ٍر وصفا ٍت تتس ُق مع تفاعل الأحداث وتمضي بهما‬ ‫الصور والصفات للشخصيات إلى نهاية الرواية حتى‬ ‫الشخصيات المحورية في الرواية كانت تكتفي‬ ‫بسلوكياتها وردود أفعالها دون ما حاج ٍة أن تعرفنا بأكثر‬ ‫مما يلز ُم عنها وفي الوقت المناسب‬ ‫وقد يجوز لنا أن نع ُرج قليلاً ودون إسقاطات إلى فكرة‬ ‫\"الإزدواجية\" للشخصية الرئيسية في الرواية وهي التي‬ ‫حدثنا عنها د‪ /‬شاكر عبد الحميد في كتابه النقدي‬ ‫‪113‬‬

‫\"الغرابة‪ ..‬المفهوم وتجلياتهُ في الأدب\" حيث يعرفنا بــ‬ ‫\"الإزدواجية\" حين يقول ‪:‬‬ ‫\"يرتبط مفهوم الإزدواجية في الأدب بمفهوم التح ِّول‬ ‫والتغ ِّير والنسخ والمسخ والإستمرارية والتبدل في‬ ‫الزمان والمكان والحالة الشخصية والأخلاق وطرائق‬ ‫التفكير وتحولات الليل والنهار والخير والشر والأمل‬ ‫واليأس والأمن والرعب وإلى غير ذلك من التحولات‬ ‫هذه الفقرة الخاصة بـ \"الإزدواجية\" تف ِّسر لنا هذا التحول‬ ‫الذي أصاب بطل قصتنا من الوداعة والإنغلاق على‬ ‫الذات‪ ،‬حيث عاش بعيدا ً عن والده والقرية التي نشأ‬ ‫فيها‪ ،‬وحقق نجاحات شخصية لهُ‪ ،‬فضلا ً عن تكوينه‬ ‫المهاري لشق طريقه فهو أيضا ً ضاعف من اهتمامه‬ ‫بالقراءة والثقافة بوجه عام الأمر الذي ساعدهُ لاحقاً في‬ ‫تحقيق التح ِّول والإزدواجية في شخصيته وسلوكهُ‬ ‫تسيطر عليه رغبة الإنتقام‬ ‫يقول د ‪ /‬شاكر عبد الحميد في نفس الكتاب المذكور‪:‬‬ ‫\"مثلما ترتبط فكرة الحياة العائلية أو الوطنية بالبدايات‬ ‫والنهايات‪ ،‬بالمغادرة والعودة والألفة‪ ،‬بالحياة والموت‬ ‫فإن أدب \"الإزدواج\" يهتم كذلك بذلك الجانب النفس ِّي‬ ‫والإجتماع ِّي المتعلق بالغياب أو الإختفاء‪ ،‬غياب‬ ‫الإنسان عن بيته‪ ،‬مكانهُ الأليف‪ ،‬إختفاء أو إنتفاء شعورهُ‬ ‫بالأمن‪ ،‬رغبته في العودة إلى الجذور‪ ،‬خوفهُ من‬ ‫‪114‬‬

‫الضياع بعيدا ً عن بيته أو وطنه‪ ،‬عن أمنه الذي يظ ُن‬ ‫أنه في بيته أو وطنه‪ ،‬لكنه ربما عندما يعود إليه يجدهُ‬ ‫ليس هو البيت الوطن الذي غادرهُ‪ ،‬يجدهُ ليس البيت‬ ‫الوطن الأليف الذي كان محتفظاً به في عقله و وجدانه‪،‬‬ ‫يجده بيتاً غريبا ً و وطناً غريباً ‪ ،‬بل موحشاً وربما‬ ‫مخيفاً وهنا يكون الحضور أو العودة وسيلة للغياب أو‬ ‫الهرب‪ ،‬هنا قد تكون \"الإزدواجية\" وتعدد الذات‬ ‫والأقنعة وسيلة لحماية هذه الذات من مواجهة ما تراهُ‬ ‫من تك ِّسرات وتهميشات في مرايا ذاتها التي تظنها –‬ ‫من قبل؟ جميلةً ‪ ،‬مصقولة ً‪ ،‬لامعة ً‪ ،‬صادقةً‬ ‫هذا هو\"محمود عبد السلام \"ممثلا ً\" للغرابة‪ ،‬ومشخصاً‬ ‫من الكاتبة في روايتها \"الرقص فوق رؤوس الذئاب‬ ‫أما \"السيد\"‪ ،‬فهو الذئب والديكتاتور في القرية‪ ،‬والذي‬ ‫ُيمث ُل قمة غباء السلطة‪ ،‬وقمة الغدر الذي ضاعف من‬ ‫ثرائه المادي وبالتالي سطوتهُ ونفوذهُ‪ ،‬يدفعهُ إلى ذلك‬ ‫َض ْعف وخنوع ومذلة ونفاق من حولهُ فتضخمت \"الذات‬ ‫الدنيا\" لديه فأصبح ُيمث ُل الشر والمعادل الموضوعي‬ ‫\"للخير\" الذي يمثلهُ محمود عبد السلام إبن صديقه‬ ‫السابق الذي استولى على مزرعته ومن عليها‪ .‬وهو‬ ‫أيضا ً ُيمثل السطوة الغير محدودة على الكيان‬ ‫المجتمعي‪ ،‬وفي أي بيئ ٍة أو في أي مدينة أو قرية أو‬ ‫دولة‪ ،‬وهو نموذجاً لا تخلوا منه أي تجمعات أو كيانا ٍت‪،‬‬ ‫صغيرة ً أو كبيرة‪ ،‬في نادي أومؤسسة‪ ،‬أو مصنع ‪..‬‬ ‫‪115‬‬

‫الخوكنموذج لسلوكيات هذا السيد ال ُمتسمة بالبطش‬ ‫وإشاعة الرعب فيمن حوله‬ ‫أنقل العبارة التالية من نص الرواية تعبيراً عنه ‪:‬‬ ‫\" وفي هذا الوقت جيء للسيد بالكلاب الوليدة في سلة‬ ‫مبطنة بالقطيفة الحمراء‪ ،‬فانشغل بها‪ ،‬واختار من بينها‬ ‫جروين وأمر بإغراق الباقي‬ ‫هذا الصراع الأزلي الدائم بين النقيضين والذي من‬ ‫خلاله وبه تت ُم الصياغات والإبداعات ‪ ،‬وفي تعددها‬ ‫نتبين ان الكاتبة إختارت تمي ُزها وإختلافها من خلال‬ ‫أسلوب \" الحاكي أو الراوي\"‪ ،‬واختارت بساطة لغة‬ ‫السرد‪ ،‬ولم تلتفت لعنصري‬ ‫\" الزمكانية \" للتدليل على أن ماحدث قابل للحدوث‬ ‫مرا ٍت ومرا ٍت في أزمنة وأمكنة متشابهة أو مختلفة‬ ‫بهذه العناصر التي أشرنا إليها \"بساطة اللغة‪ ،‬أسلوب‬ ‫السرد والحك ِّي‪ ،‬التحول والإزدواجية للبطل‪ ،‬إغفال‬ ‫عنصري \"الزمان والمكان\"‪ ،‬الدلائل ال ُمختارة لرسم‬ ‫الشخصيتين الرئيسيتين كمتناقضين وبينهما الصراع‬ ‫الديناميكي والدرامي المعُزز بما سبق‪ ،‬نري أن الكاتبة‬ ‫عالجت فكرتها الرئيسية وقد ضمنتها بعناص ٍر من القوة‪،‬‬ ‫ليجد القارئ بسهول ٍة ليس الفكرة ذاتها بل الجديد في‬ ‫التعبير عنها وفي خصوصية عناوين الفصول‬ ‫‪116‬‬

‫\"مـا بـعـد ا لخريـف\"‬ ‫مجموعة قصصية‬ ‫عبد الكريم الساعدي (العراق)‬ ‫تفرز لنا عهود القهر والإستبداد على الدوام مساحات‬ ‫مترامية‪ ،‬وبدرجات متقاربة ولكنها متشابهة‪ ،‬تنتصب‬ ‫فيها قامات إبداعية‪ ،‬منشئة لنا أعمدة ودعائم لجداريات‬ ‫‪ -‬في صلابتها ‪ -‬كأنها منحوتات أبدية سرمدية شاهدة‬ ‫على وقائع حياتية‪ ،‬لبشر طحنهم الذل والإستبداد‪ ،‬لكن‬ ‫بقت خربشاتهم واضحة رغم ذل المهانة الذي لحق بهم‬ ‫قبل الهلاك‬ ‫هذه السطور قد تُصنف ما أنا بصدده وهو قراءة‬ ‫استمتعت بها لمجموعة \"ما بعد الخريف\" للقاص‬ ‫العراقي القدير‪ /‬عبد الكريم الساعدي‪ ،‬والمجموعة‬ ‫استحقت على كل المستويات الترحيب والتقدير‬ ‫المش ِّرف‪ ،‬كعمل قصصي تناول فترة زمنية ح ِّددها‬ ‫الكاتب ما بين سنوات ‪2014 -1984‬م أي عقود ثلاثة‬ ‫كان حصاد هذه العقود عمل جداري من الحروف‬ ‫والكلمات ممزوج بآهات وآلام بشر ممن تسطحت‬ ‫أشلاؤهم المبعثرة والممددة لعقود‪ ،‬جمعها الكاتب‬ ‫‪117‬‬

‫واجتهد قبل إعادة رسمها على جداره‪ ،‬إجتهد أن تكون‬ ‫مطابقة لأصولها‪ ،‬فنجح ‪.‬فكان جدار \"ما بعد الخريف\"‬ ‫جداراً ينبغي الوثب فوقه لإستشراف ربيعا ً بخلاف‬ ‫ربيعنا العربي الذي انقض قبل أن يُقام!‬ ‫المجموعة القصصية تتكون من (‪ )20‬قصة فيما يقرب‬ ‫من ‪ 95‬صفحة‪ ،‬إذا ً ما و ِّضح لنا من مقدمة الكاتب‬ ‫والفترة التي حددها نجد أن السياق يأتي كمنظومة يدعم‬ ‫بعضها بعضا ً ليتشكل في وعينا – مع القراءة – ملامح‬ ‫الصورة الجدارية التي يدشنها الكاتب على جداره‬ ‫المسمي \"ما بعد الخريف\"‪ ،‬لكن تأخذنا بقوة سرديته التي‬ ‫تبناها في كل قصصه العشرون‪ ،‬فإذا كانت القصة تمثل‬ ‫تكوينا ً وجزءا ً من الجدارية‪ ،‬نجد مادته تت ِّسق بناءا ً‬ ‫وتكوينا ً كقوة الحدث القصصي نفسه في حوار‬ ‫أشخاصه وحياتهم وأفكارهم وآمالهم ‪...‬الخ‪ ،‬هو يستخدم‬ ‫الجملة الطويلة بلا فواصل أو وقفات‪ ،‬حتى يكتمل‬ ‫المعنى بالجملة التي تليها‪ ،‬فكأنما الجملة وحدة واحدة‬ ‫لها مساحتها الطولية المحسوبة طولا ً وعمقا ً وتأثيرا ً‪،‬‬ ‫وما يش ِّد أذرها من جمل سابقة أو تالية لها‪ ،‬وهذه نماذج‬ ‫مما نقصده بالجملة الطول ِّية المغلقة والتي تكتمل فقط بما‬ ‫قبلها وما بعدها من جمل‬ ‫\"إستبدلت الفاصلة بشرطة مائلة\"‬ ‫كان آخر المتسللين من الدار التي تختبئ وراءها‬ ‫أسرارهم‪ /‬منطلقاً من تحت رماد الغضب جذ ِّوة توقد‬ ‫‪118‬‬

‫صمت السنين‪ /‬ته ِّزه طقوس التحدي ليقتلع جمر الفساد‬ ‫وجيف العروش الجاثمة على أنفاس الحياة‪ /‬منطلقاً من‬ ‫زوايا منفرجة بالأمل‪ /‬إلا أ ِّن وقع الخطوات المحمومة‬ ‫بالكراهية والموت‪ /‬تسابقت لإلقاء القبض على مسيرة‬ ‫النقاء‪ /‬توقفت ذاكرته‪ /‬أحلامه لبرهة من الزمن‪ ،‬يصيغ‬ ‫السمع إلى وقع أحذية السلطة‪ /‬ظ ِّن أ ِّنه لا يفلت من‬ ‫قبضتهم هذه الم ِّرة‪ /‬ح ِّث الخطى آملاً بالنجاة‪ /‬تبعثرت‬ ‫خطواته المشحونة بالقلق والهلع مع تسارع الخطوات‬ ‫المختلطة بأصوا ٍت غليظة ٍ تد ِّك حصن أذنيه ودعواتها‬ ‫لعلِّها تنقذه من هول المجهول‪ ،‬تتصاعد وتيرة القلق‪،‬‬ ‫الحيرة‪ ،‬لم يكن أمامه خياراً سوى ملهى المدينة‪ ،‬كان‬ ‫وحيداً‪ ،‬مرتبكاً‪ ،‬متِّشحاً بخوفه‪ ،‬وبهدوء شديد وأنا لم أ َر‬ ‫آثار رجولتك‬ ‫إستفزته بجوابها الماكر‪ /‬تتلألأ عيناها همساً‪ /‬إغواء‪،‬‬ ‫يتر ِّجل من صهوة الوجل‪ /‬تلمسه‪ ،‬تكشف عن نهدين‪/‬‬ ‫يشتعل‪ ،‬توقظ لهيب الفتنة‪ ،‬تسرج أنوثتها‪ ،‬ك ِّل مناطق‬ ‫الجسد كمائن‪ ،‬تحصي أنفاسه‪ ،‬تهمزه‪ ،‬فيشرئب يبري‬ ‫جمره‪ /‬مما رأى وبلا وعي راح يثبت لها ذكورته‪/‬‬ ‫أصابعه المرتجفة تلامس وجنتيها‪ /‬تأخذه رعشة خفيفة‪،‬‬ ‫هي لم تمهله‪ /‬تفترس انتظاره بلهفة جنون‪ /‬تهجم بك ِّل‬ ‫أسلحتها المدمرة لجفاف كيانه‪ /‬لم تترك حصناً إلا‬ ‫واقتحمه منتصرة‪ /‬حتى أضحى مرث ِّية لتلك الليلة‬ ‫الأليمة‪ /‬ضحية ارتعاشة رجولته‪ ،‬وسطوة الزمن الذي‬ ‫عصف به‪ /‬كان بين م ِّد وجزر‪ ،‬عاجز عن تفسير ما‬ ‫‪119‬‬

‫جرى‪ /‬لم يب َق من الليل إلا أحاديث مبتورة‪ /‬تساؤلات لا‬ ‫جواب لها‪ .‬الضجيج يغادر المكان‪ /‬السحالي المل ِّونة‬ ‫تنسحب متر ِّنحة إلى جحورها‪ /‬الذباب المنتشر يغادر‬ ‫موائد العهر الليلي‪ /‬إ ِّنه فجر يوم جديد‪ .‬يستيقظ على‬ ‫صوت النادل الغليظ‪ ،‬ينصب له مقصلة الحساب‬ ‫خمسة وسبعون ديناراً‬ ‫كلمات الجملة تتسق مع قوة الحدث‪ ،‬لتفضي للمعنى‬ ‫والتأثير المراد بنهاية آخر حرف فيها‬ ‫و كما هو واضح قوة اللفظ والدقة في اختياره دون غيره‬ ‫يصنع بهما الكاتب أجواء قصصه جميعا ً لا معاناة ولا‬ ‫إسراف حتى يكتمل المشهد والقصة بستار ينزل فجأة‬ ‫لكنا تباركه‬ ‫القصص العشرون هي أيقونات شاهدة على سطوة القهر‬ ‫والإستبداد مهما كان مسماه ومهما كانت راياته‪ ،‬فما لم‬ ‫تتعانق وسائله مع أهدافه شرفا ً وشفافية ً فلا يُخل ُف إلا‬ ‫خريفا ً له سوءاته‪ .‬ذلك في كل العصور وكل المدائن‬ ‫‪120‬‬

‫النوبة الغريقة ‪ ..‬حياة الأمان المطلق‬ ‫للمؤرخ النوبي ‪/‬‬ ‫يحيي صابر ( مصر)‬ ‫هذه السطور لا ترقى إلى شعوري واهتمامي بهذا‬ ‫الكتاب الذي بين يد ِّي من شهور إهداؤه إل ِّي من الكاتب‬ ‫نفسه في زيارة شخصية له‬ ‫إختار – مؤرخنا ‪ -‬ولأنه ليس قاصا ‪ -‬لكتابه الرائع‬ ‫والمختلف والمميز \"النوبة الغريقة\"‪ ،‬حيث اختار‬ ‫عنوانا ً فرعيا ً \"حياة الأمان المطلق\" وق ِّدمه بكلمات‬ ‫على ظهر الكتاب قائلاً ‪:‬‬ ‫\"سيرة ذاتية الهدف منها توثيق بعض العادات والتقاليد‬ ‫النوبية العريقة‪ ،‬وجميع أحداث الرواية عاصر ُت‬ ‫بعضها وسمعت عن بعضها من ثقات\"‪( .‬هي سيرة ذاتية‬ ‫لذاك الإنسان النوبي وليست لشخصه)‬ ‫هذه الكلمات توضح لنا قبل أن نمضي معه الأسلوب‬ ‫المناسب ألا هو أسلوب الباحث فكانت مراجعه كما‬ ‫يقول‪ ،‬أنه عاش بعضها بنفسه والبعض الآخر وهو‬ ‫الجزء الضارب إلى سنوات بدايات الغرق والتهجير‬ ‫‪121‬‬

‫لأهالي مجتمع نوبي متكامل كان مغلقا ً وغير معرو ٍف‬ ‫عنه الكثير أو يكاد أن يكون مجهولا ً لدى كثير من‬ ‫المصريين أنفسهم ذلك أن بعض النويين أبناء اليوم‬ ‫فضلا ً عن غالبية المصريين كادو أن ينسوا أن هناك‬ ‫بقعة غريقة من أرض مصر‪ ،‬والتي غمرتها مياه النيل‪،‬‬ ‫وغ ِّيبت ما تحتها من أرض عاش عليها أجدادا ً‬ ‫مصريين‪ /‬نوبيين‪ ،‬وقصاري ما هو معروف هو الهجرة‬ ‫الأخير‪ ،‬الهجرة لبناء السد العالي في بدايات ستينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وكادت تنسي هجرة بناء خزان أسوان‬ ‫التي لم يتناولها أحدا ً من قبل‪ ،‬فكان مؤرخنا‪ /‬يحيي‬ ‫صابر هو واحد ممن َعن ِّي له أن يُذ ِّكر المصريين‬ ‫والنوبيين بجزء من أرضهم الغريقة‪ ،‬وتم تهجير أهله‬ ‫بصورة ربما لم تحدث من قبل‬ ‫إن غرق هذه الأرض حمل معه و لدى النوبيين مرارا ٍت‬ ‫وعذابا ٍت‪ ،‬وذكريات أليمة‪ ،‬بعض هذه العذابات للأن‬ ‫يسكن قلوب ومحاجر وأعين من نزح آباؤهم وأجدادهم‬ ‫المعاصرين لهذه الهجرة الأليمة‪ ،‬وما يضاعف من حدة‬ ‫آلام هؤلاء الآباء الذين على قيد الحياة وأبناؤهم هو عدم‬ ‫الإكتراث أو التقليل من شأن ما حدث للنوبيين الأجداد‬ ‫الذين دفنت ‪ -‬أقصد ‪ -‬طمست مقابرهم ومنازلهم‬ ‫وأشجارهم‪ ،‬وأرض وطأوها وزرعوها‪ ،‬وأقاموا فيها‪،‬‬ ‫بل و َع ِّمروها‪ ،‬في الوقت الذي لم يعبأ بهم أحداً‪ ،‬ولا‬ ‫اهتم بهم عقودا ً أشرفت على قرن ٍ زمان ِّي بالكامل‪ ،‬فلا‬ ‫خدمات‪ ،‬ولا بنية تحتية أقلها ماء الشرب‪ ،‬والعلاج‪،‬‬ ‫‪122‬‬

‫ناهيك عن الكهرباء والتعليم ‪ ...‬الخ‪ ،‬مجتمع جاء إلى‬ ‫الحياة‪ ،‬وذهب عنها مغمورا ً‪ ،‬وغير معروفا ً‪ ،‬والأنكى‬ ‫لا اهتمام بأبناء هؤلاء النازحين من النوبيين الحاليين‬ ‫متمثلا ً في عرفان وتقدير‪ ،‬مشفوعا ً – عمليا ً‪ -‬بتحقيق‬ ‫بعض من آمال الذين ذهبوا‪ ،‬وبعض من آمال آبائهم‬ ‫الذين في معاناة حتى اليوم من ج ِّراء مواصلة التجاهل‪،‬‬ ‫وعدم الوفاء والتقدير لهجرة أبناء جزء عزيز من أرض‬ ‫مصر‪ ،‬ومجتمع مصر ِّي عريق‪ ،‬يُعرف في كل أنحاء‬ ‫العالم قديمه وحديثه بإسم \"النوبة\" أرضا ً‪ ،‬ومجتمعا ً؛‬ ‫فما من دراسة عن الحضارات أو عن الأنهار إلا‬ ‫وذكرت النوبة ‪ .‬فهل من مذكر؟‬ ‫هذا الكتاب ومؤلفه أضافا إلينا ما يذكرنا ولا ينسينا‬ ‫أجدادنا وأرضنا النوبية الغريقة‪ ،‬حيث \" الأمان المطلق‬ ‫\"‬ ‫الكتاب يمضي من خلال سيرة ذاتية للمؤلف متتبعا ً‬ ‫حياة أجداده وأعمامه وأخواله‪ ،‬وعماته‪ ،‬وخالاته‪،‬‬ ‫وأبناءهم وبناتهم‪ ،‬ورفاق صباه منهم ومنه ِّن راصداً‬ ‫وبدق ٍة شديدة مظاهر الحياة النوبية العملية ليس على‬ ‫سبيل الحصر‪ ،‬في البيع والشراء أقصد نظام المقايضة‬ ‫حيث لم تكن العملة وسيلة بيعية أو شرائية مطلقا ً‪،‬‬ ‫وأيضا ً راصدا ً العلاقات الإجتماعية في المناسبات مثل‬ ‫الزواج‪ ،‬والإنفصال فلم يكن الطلاق معروفا ً ولا دافع‬ ‫إليه مهما احتدت الأمور‪ ،‬وما كانت‪ ،‬وكيف تحتد‬ ‫‪123‬‬

‫والجميع أهل وأقارب وأبناء عمومة أو خئولة! وكذلك‬ ‫يرصد أيام المرض والأوبئة ومصائب الموت أوالفراق‬ ‫للسفر والنزوح للشمال للعمل وتوسعة باب الرزق‬ ‫‪....‬الخ‪ ،‬وكيف يكون التضامن والتكافل في أكمل‬ ‫وأجمل صوره بين أهل القرية إذا اعترى شخصا منها‬ ‫مصيبة من المصائب المقدرة من نقص في الأموال أو‬ ‫الأنفس أو بهيمة الأنعام‪ ،‬مرورا ً بالأعياد والمناسبات‬ ‫الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحي المبارك‪ ،‬وحيث‬ ‫ملاهي‪ ،‬والملاهي هنا لا تعن ِّي الملاهي المعروفة الآن‬ ‫لكن ساحات اللهو ودروب اللعب المتاحة في أفنية‬ ‫وأحواش البيوت ومداخلها ومخارجها مع ألعاب‬ ‫الأطفال البسيطة من جري واختفاء وألعاب البنات‬ ‫أيضا ً البسيطة والمعروفة‪ ،‬وإن اختفت اليوم لكن‬ ‫الكاتب يرصدها ويع ِّرفنا بها‪ ،‬ويرصد احتفاء الكبار من‬ ‫الرجال والنساء بهذه المناسبات في صور الزيارات‬ ‫المتبادلة بين الأهل أو التجمعات التي يتجمع فيها أهل‬ ‫القرية على المصاطب التي أمام الدورفي ديوانتها أو‬ ‫مع كبراء ومشايخ القرية المعروفين لأهلها‪ ،‬والولائم‬ ‫المصاحبة وصور التجمعات العائلية‪ ،‬وما يصاحبها من‬ ‫تكافل مجتمع ِّي حيث لا غن ِّي ولا فقير ولا يتيم ولا أرمل‬ ‫أو عاجز يشعر بشئ من النقص أو الإحتياج‪ ،‬أيضا ً‬ ‫يحدثنا عن أسلوب ف ِّض الخلافات والإختلافات البشرية‬ ‫العادية التي يت ِّولاها حكماء وشيوخ وكبار القرية في‬ ‫التحكيم حتى يتم إعادة روح التسامح بين الفرقاء بقبول‬ ‫‪124‬‬

‫واستقبال حس ُن‪ ،‬ولا ينسي أن يحدثنا في تفصيل جميل‬ ‫عن الزواج من لحظة ترشيح العروس للعريس وفي‬ ‫العادة هما إما أبناء أو بنات أعمام أو خالات وأخذ‬ ‫الموافقة من أسرتها‪ ،‬وما يتبع ذلك من خطوات حتى‬ ‫تكتمل الزيجة بأفراح وزينات‪ ،‬بعد تجهيزات بيت‬ ‫الزوجية في بساطة ويسر وأسلوب وخطوات معروفة‬ ‫متفق عليها‪ .‬يرصد المؤرخ كثير من العادات والتقاليد‬ ‫النوبية بوقائعها التفصليلية الدقيقة التي يعرفها وعاش‬ ‫وشارك في بعضها عندما َك ُبر‬ ‫يحدثنا عن الأكلات والمشروبات النوبية التي لا زالت‬ ‫معروفة ومتداولة في الأسر النوبية حتى بعد التهجير‬ ‫وتغاير البيئة والسكن في العمارات والأبراج في مدن‬ ‫التهجير الجديدة كالقاهرة والأسكندرية والإسماعيلية‬ ‫وهي أكثر المدن التي سكنها النوبيون بعد التهجير‬ ‫الأخير‬ ‫ويتتبع المؤرخ كفاح النوبيين النازحين إلى الشمال الذين‬ ‫سكنوا واتخذوا من القاهرة والإسكندرية دار إقامة مؤقتة‬ ‫حتى صارت دائمة‪ ،‬يتتبع رحلة كفاحهم في إيجاد‬ ‫المسكن وتوفير فرص العمل لأقرانهم الذين يجيئون‬ ‫بعدهم تشدهم‪ ،‬وتزعق عليهم الن ِّداهة لتوسعة فرص‬ ‫الرزق على الأهل في قراهم التي اضطروا بعد هجرتهم‬ ‫الأخيرة إلى أرض جرداء بلا ماء أو خدمات أو نخيل‬ ‫وبيوت اعتادوا سكناها والتعايش معها بوسائل بدائية‬ ‫‪125‬‬

‫كانت تغنيهم عن محنة وعذابات السفر‪ ،‬لكن الأبناء‬ ‫النازحون بخلاف توسعة الرزق‪ ،‬وجدوا في التعليم بهذه‬ ‫المدن ‪ -‬وهو مكان ينقصهم ‪ -‬وجدوا فيه فرصة لتغيير‬ ‫نمط الحياة المعتادة في قراهم فأقبلوا على التعليم‬ ‫والأعمال الغير معروفة لهم في قراهم ووجدوا أيضا ً‬ ‫عادات وتقاليد غير مألوفة لهم اضطروا إلى التسلح بها‬ ‫في هذه الغربة والمجتمعات الجديدة التي يلزمها تسلح‬ ‫وعتاد حتى يحققوا بعضا من النجاحات وقدراتهم‬ ‫وطاقاتهم الكامنة فحقق الكثير منهم العديد من النجاحات‬ ‫والتفوق في كل المجالات‪ ،‬بل انطلق الشباب النوبي‬ ‫لخلق تجمعات نوبية جديدة متميزة في العالم العربي‪،‬‬ ‫بل وصلت هذه التجمعات لأوروبا وأمريكا لتؤكد أن‬ ‫النوبي إبن وسليل حضارة نوبية كادت تغرقها – وإن‬ ‫كانت أَغرقت جزءاً منها – أيادي بشرية أَفلحت في أنها‬ ‫\"قلعت\" ولم تفلح للآن‪ ،‬في أن تزرع أو تعيد ما قلعته‬ ‫مؤرخنا النوبي وكتابه \"النوبة الغريقة ‪ ...‬حياة الأمان‬ ‫المطلق\" ير ِّدد صيحة أجداده من الأجداث ومن تحت‬ ‫الماء‪ ،‬أن النوبة الغريقة كانت بلد وحياة الأمان المطلق‬ ‫في مصر‪ ،‬وعلى الأحفاد الحاليين المصريين والنوبيين‬ ‫أن لا ينسوا أن جزءاً من أرضهم تحت ماء النيل‬ ‫مغمورا‬ ‫‪126‬‬

‫أ كــر ُه ‪ ..‬مـد يـنـتـي‬ ‫بقلم‬ ‫فليحة حسن‬ ‫\" عراقية بالمهجر امريكا\"‬ ‫بداية نحن أمام عمل روائي متميز لكاتبة وقاصة تملك‬ ‫مفاتيح العمل الروائي وتمسك به بمقدرة عالية‪ ،‬الرواية‬ ‫بعد أن تصل لنهايتها تجد أنها تكاد تكون مضغوطة‬ ‫بإحكام‪ ،‬وإجادة فلا تشعر أبدا بإسهاب أخذ الكاتبة بعيدا ً‬ ‫عن أحداث موظفة بعناية في ترتيبها وصياغاتها ‪،‬‬ ‫وشخصياتها ‪ ،‬بل ورموزها‬ ‫تبدأ الرواية بلقطة بانورامية واسعة لتضعك مباشرة أمام‬ ‫بطل ِّي القصة وهما توأمين ُولدا يتيمين ملتصقين \"ذكر‪،‬‬ ‫وأنثى\" (لم تعطهما الكاتبة أسماء واكتفت لهما بهذين‬ ‫الأسمين)‪ .‬ماتت أمهما ساعة ولادتهما فكفلتهما الجدة‬ ‫العجوز وهي تو ِّدع إمهما لمثواها الأخير‪ ،‬عانت الجدة‬ ‫العجوز الفقيرة فهي لا عائل لها ولا أقارب فقدت إبنها‬ ‫الوحيد في رحى الحرب ولها مجرد جارة وصديقة‬ ‫وفرت لها المساعدة في تربية الطفلين وساعدتها في كتم‬ ‫سر هذين الملتصقين من أول لحظة‪ ،‬هي تقيم في دكان‬ ‫‪127‬‬

‫يوفر لها مايغنيها عن السؤال‪ ،‬والدكان من بابه الداخلي‬ ‫يقود إلى مكان السكني والإعاشة لتوأمين ملتصقين قدر‬ ‫لهما بهذا الإلتصاق الأبدي من لحظة ولادتهما أن يسجنا‬ ‫فيه‪ ،‬خشت عليهما الجدة من \"فرجة الناس عليهما\"‬ ‫فكانت هي ‪ -‬وهي وحدها‪ -‬تملك وسائل الإدراك‬ ‫والمعرفة بكل ما يحيط بهما فلم يريا إنساناً‪ ،‬ولا سماءا ً‪،‬‬ ‫ولا أرضا ً‪ ،‬أو طيرا ً‪ ،‬أو حيوانا ً‪ .‬مبلغ علمهما بهذه‬ ‫الأشياء ما يرد في حكايات قبل النوم أو ما تستدعي‬ ‫الحاجة التعريف ببعض هذه الأشياء في وقتها‪.‬‬ ‫ونمضي مع الكاتبة والعجوز والملتصقين رحلتهما‬ ‫عبر مراحل وأحداث تدشن لمعاناة \"المعيشة والتربية‬ ‫لتوأمين ملتصقين\" منذ ميلادهما وهما يعبرا مراحل‬ ‫الصبا والبلوغ ومحاولة الإدراك والتفكير بعد أن وصلا‬ ‫حد الرشد‪ ،‬وكان أول خطيئة معرفية هي عصيان الجدة‬ ‫و \"الصعود\" إلى السطح ليفاجأ أن هناك سماءاً تعلوهما‬ ‫غير السقف‪ ،‬إن بالسماء سحب‪ ،‬ونجوم‪ ،‬وأيضا ً توجد‬ ‫مخلوقات أخرى مثل الحمام والفئران‪ ،‬وبشر غير‬ ‫جدتهما وغير صديقة جدتهما \"العلوية\" التي تعلم سرهما‬ ‫وأدركا مشاعر جديدة مثل الخوف‪ ،‬والحزن والألم‪،‬‬ ‫والغضب‪ ،‬والتوسل والرجاء‪ ،‬وأيضا ً الفضول اللازم‬ ‫لتحصيل المعرفة وأشياء أخرى كانت أقصى وأقسى‬ ‫مما قد يحتمله عقل عاش \"سجينا ً \" بالتصاق جسدي‬ ‫مؤبد‪ ،‬وداخل غرفة لا يدخلها ضوء النهار أو أشعة‬ ‫شمسه‪ ،‬غرفة مضاءة بالأنوار الصناعية دائما ً‪،‬غرفة‬ ‫‪128‬‬

‫لا تعرف سوى تجدد الهواء من طاقة ولا شئ غيرها‪،‬‬ ‫ولا يسمع فيها إلا صوت الجدة‪ ،‬وصوت المبتاعين منها‬ ‫والحركة القريبة من الدكان‪ ،‬هذا هو عالم التوأمين‪،‬‬ ‫حتى أضافا لهما متعة \"كبرى\" وهي محاولة رصد‬ ‫الأصوات في الشارع ومحاولة رسم الأشخاص وفق‬ ‫ماعلق بالذاكرة‬ ‫تمضي الرواية تجسد المعاناة الفكرية والجسدية للثلاثة‬ ‫وتقدم الجدة – لأول مرة – على تنفيذ فكرة لم تخطر‬ ‫لها على بال أوحت بها إليها صديقتها (لماذا لا تفسحي‬ ‫المجال للتوأمين أن يكونا لهما حياتهما الخاصة \"فتأخذ‬ ‫مطرقة ومسماراً طويلا قويا وتفتح بهما طاقة صغيرة‬ ‫ليطل بها التوأمان على الحياة دون أن يراهما أحد في‬ ‫محاولة ليكون لكل منهما عالمه الإدراكي والمعرفي‬ ‫الخاص لكل منهما على حدى ويتحررا من أحد الأسرين‬ ‫أسر الإالتصاق أو أسر السجن وراء القضبان خشية‬ ‫\"فرجة\" الناس‬ ‫أجادت الكاتبة صحبتها وصحبتنا مع الثلاثة الذين ُكت َب‬ ‫عليهما \"الحبس الإنفرادي\" بخيار قدري صنعته الكاتبة‬ ‫محاكيا \"حبساً \" تفرضه علينا آليات العولمة‪ ،‬فأصبح‬ ‫لكل منا فتحة خاصة يطل بها على العالم وهو يظن أنه‬ ‫بات حرا ً في كثير من الخيارات‬ ‫‪129‬‬

‫مقدمة خبيئة الذكريات‬ ‫وهيبه محمد سكر‬ ‫\"يقول وليم وولفريز \" إن اشكال السرد كلها ‪ ،‬والشعر‬ ‫ايضاً ‪ ،‬أشكا ٍل مسكونة بـ \"أخر\"ما ‪ ،‬و بـ \"ماض\" ما ‪،‬‬ ‫و بـ \"غري ٍب\" ما ‪ ،‬و بـ \"غائب\" ما ‪ ،‬و\" ٌمفتق ٍد\"ما‪ ،‬وبـ‬ ‫\"توتر\" ما‪ ،‬وبـ \"إضطراب\" ما ‪،‬و بـ \"حل ٍم\" ما ‪ ،‬وبـ‬ ‫\"رغب ٍة\" ما ‪ ،‬في عودة ذلك \"الآخر\" ‪ ،‬ال ٌمفتقد الغائب ‪،‬‬ ‫وربما فى عدم عودته ‪\" .‬‬ ‫الغرابة المفهوم و تجلياته فى الأدب‬ ‫تأليف ‪ :‬د ‪ .‬شاكر عبد الحميد‬ ‫إن كل هذه الأشكال مسكونةً فى هذا العمل الأدبى فنح ُن‬ ‫أمام روايةً ذات خصوصي ٍة شديدة ‪ ،‬بإسلوب سرد ِّى ذا‬ ‫أبعا ٍد ُمتعددة ؛ تتناول فيها الكاتبة قصة الحب والعشق‬ ‫ال ُمعتادة علي لسان الحبيبة العاشقة ؛ فهذه الحببية‬ ‫العاشقة تمتد يدها إلى \" خبيئة الذكريات \" و تتناول‬ ‫منها ذكريات قصة الحب في ُحز ٍن وشجن ‪ ،‬تقلب‬ ‫اوراق الذكريات ال ُمفعمة بالأحداث والمشاعر عبر‬ ‫سنوا ٍت عاشت فيها ح ٌب وعش ٌق إلتهبت فيها المشاعر‬ ‫والرغبات عبر مسافات البعاد وجحيم عقبات الإزاحة‬ ‫والمنع والرفض من جانبها او جانب الآخرين؛‬ ‫‪130‬‬

‫بالإضافة إلى الكبرياء والتردد والخجل ال ُمتبادل منها‬ ‫تار ٍة ومن الحبيب تار ٍة أخرى ‪ ،‬حتى يتم بنجا ٍح العبور‬ ‫إلى الحبيب والإلتقاء به بترتيبا ٍت قدرية حسمت سنوات‬ ‫البعاد ودفقات امواج سنين من الأشواق والأحلام‬ ‫والرغبات و الآمال‬ ‫قد يكون هذا ُمعتاداً في قصص الحب والعشق التى‬ ‫نقرأها وتزخ ُر بتنوع الأحداث و زخمها ‪ ،‬ولما كان الفن‬ ‫عام ٍة وأدب الرواية والقصة بصفة خاصة َيكم ٌن الإبداع‬ ‫فيهما إلى تقنية ال ُمبدع فى إسلوبه و \" تسكين \" ما أشار‬ ‫إليه وليم وولفريز فى سياق العمل الأدبى من خلال تقنية‬ ‫سر ٍد تمتلئ بهذا الحشد من الأشخاص او المشاعر علي‬ ‫أتنووععنهاا وصحردتجذهابودللوقاررهائ\"والهديونايمقيفكُزىع\"ل فيىرإشحادقاةثالإيكقلامعةٍ‬ ‫ودقتها فى التعبير دون إسرا ٍف أو إختزا ٍل لتنتقل‬ ‫المشاعر بصدقها وقوتها وجمالها إليه كأنما يُلام ُس‬ ‫حرارتها و دفئها بيديه ويرى الأحداث رؤية العين ‪،‬‬ ‫ويسم ُع نبرة الكلمات هامس ٍة حانية أو زاعق ٍة ُمحتدة‬ ‫الكاتبة أزاحت الغطا ُء عما هو معلو ٍم ومخفى و مدفون‬ ‫من مشاعر المرأة \" الأنثى \" بإسلوب اُنثوى إرتقت فيه‬ ‫الكلمات والجمل بل وفقرا ٍت عديدة عبر الرواية إلى أهم‬ ‫جماليات القصيدة كالحرفية فى إختياردقة الكلمة فى‬ ‫التعبير‪ ،‬وصدق وحرارة مشاعر الحب على إختلافها و‬ ‫تباينها المعروف‬ ‫‪131‬‬

‫لكن الحرفية الأكبر فى الرواية هى قدرة الكاتبة و‬ ‫نجاحها فى لُغتها أو إسلوبها السردى الثرى الزاخر‬ ‫بأشكال متـنوعة تسك ُن موضعُها فى قصة حب تبدو‬ ‫عادية لكنها بالتأكيد غير عادية فهى من‬ ‫\" خبيئة ذكريات \" غير عادية ‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫الـسـيـرة ا لـذ ا تـيـة‬ ‫الأسم ‪ :‬سيد جمعه سيد عبده‬ ‫تاريخ الميلاد ‪ 1946 / 03/11 :‬م‬ ‫جهة الميلاد والإقامة ‪ :‬القاهرة ‪ /‬مصر‬ ‫المؤهل الدراسي ‪ :‬هندسة إتصالات‬ ‫العمل ‪ :‬متقاعد‪ ( .‬مدير عام سابق بالمصرية‬ ‫للإتصالات )‬ ‫الإتصالات السعودية ‪ /‬الدمام ‪1996 – 1982 ( -‬‬ ‫ا لإ هــتــمــا مــامات‬ ‫دراسات حرة في النقد و التذوق الفني والأدبي‬ ‫‪-1‬كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان‬ ‫كتابة الشعر والقصة القصيرة ‪-2‬‬ ‫‪-3‬الأدب ( شعر ‪ ،‬قصة ‪ ،‬رواية ‪ ،‬مسرح ‪ ،‬تراجم فلسفة‬ ‫‪ ،‬نقد )‬ ‫كتابين في النقد \" قراءات نقدية فى إبداعات عربية‬ ‫& تاملات فكرية فى إبداعات عربية\"‬ ‫‪133‬‬

‫‪ -4‬إصدارات شعرية دواويين مجمعة ‪:‬‬ ‫\"قولي تاني & روح الحب & عاشق يا نهر الغنا \"&‬ ‫بكا العصافير‬ ‫ومن الإصدارت تحت الطبع‬ ‫\"ربما ‪ \" ! ...‬ديوان شعري خاص\"‬ ‫كتابة مقدمات لأعمال أدبية وشعرية ‪ ،‬منها ‪-5‬‬ ‫* امثال شعبية مختارة من الشارع والحارة لـ د ‪ / .‬محمد‬ ‫الطواب & بيمارستان الروح \"للكاتب والمؤلف د ‪/ .‬‬ ‫إيهاب محمد زايد\" & حارس الوجع ديوان شعر لـ محمد‬ ‫منصور سليم & غرام الجارديان ديوان الشاعرة ‪ .‬جهاد‬ ‫نوار ‪ ...‬وغير ذلك‬ ‫*عضو مؤسس في المركز الإبداعي للفنون والثقافة ‪،‬‬ ‫*وعضو في لجنة النقاد بها & ومشرف عام علي‬ ‫الإصدارت كالمجلة الدورية والدواوين الشعرية التي‬ ‫يصدرها المركز‬ ‫*كتابة اكثر من ‪ 150‬قراءاة نقدية فى ‪12‬من اعداد‪..‬‬ ‫\" موسوعة عن الخط العربي ‪ ،‬والفن التشكيلي \"‬ ‫*عضو مؤسس والرئيس التنفيذي لصالون \" محسن‬ ‫منصور للفكر والإبداع‬ ‫‪134‬‬

‫*عضو مؤسس في جمعية الفنانيين التشكيلين‬ ‫والمصورين الدولية‬ ‫عضو في التجمع الدولي برئاسة الفنان التشكيلي‬ ‫العالمي د‪ .‬خالد نصار \" فنانون بلا حدود *‬ ‫عضو في عديد من اللجان الثقافية بالجمعيات النوبية‬ ‫وغير النوبية المصرية* *‬ ‫*المشاركة في عديد من النشاطات الثقافية وإفتتاح‬ ‫المعارض التشكيلية و مناقشات وحفلات توقيع‬ ‫الإصدارات للشعراء وال ُكتاب ‪ ،‬والمشاركة في‬ ‫الأمسيات والندوات الشعرية‬ ‫*الكتابة و النشر في عديد من المجلات والصحف‬ ‫**والإصدارات الثقافية الورقية والإليكترونية‬ ‫‪135‬‬

136

‫فهرس‬ ‫الإهــــــــــداء ‪3 ...................................................‬‬ ‫شــــكــر و تــقــد يــر ‪4 ..........................................‬‬ ‫إهداء خاص ‪5 ....................................................‬‬ ‫تـقـــــد يـم ‪6 ......................................................‬‬ ‫د‪ /‬محمد هادي الط ّواب‪11 .......................................‬‬ ‫د ‪ /‬سليمان عوض ‪24 ...........................................‬‬ ‫عبد السادة جبار ( العراق ) ‪32 .................................‬‬ ‫هبة بنداري ‪38 ...................................................‬‬ ‫علي حسن ‪44 ....................................................‬‬ ‫محمد إبراهيم عبد العاطي ‪48 ...................................‬‬ ‫هادي الم ّياح ( العراق) ‪55 ......................................‬‬ ‫فوزي وهبة‪59 ...................................................‬‬ ‫ابراهيم الديب ‪63 .................................................‬‬ ‫أحمد عبد العاطي نور‪73 ........................................‬‬ ‫صلاح شعير ‪77 ..................................................‬‬ ‫د ‪ /‬كريم ُصبح (العراق ) ‪83 ....................................‬‬ ‫سعاد الزامك ‪88 ..................................................‬‬ ‫طارق فريد‪95 ....................................................‬‬ ‫هبة البنداري ‪102 ...............................................‬‬ ‫حفصة عبدالله ريس‪،‬د‪ /‬نيفان إبراهيم عبده‪...‬واخرين‪105 ...‬‬ ‫شيماء بيستكي (الكويت) ‪111 ..................................‬‬ ‫عبد الكريم الساعدي (العراق) ‪117 ............................‬‬ ‫‪137‬‬

‫يحيي صابر ‪121 .................................................‬‬ ‫فليحة حسن\" عراقية بالمهجر امريكا\" ‪127 ..................‬‬ ‫وهيبه محمد سكر ‪130 ..........................................‬‬ ‫الـسـيـرة الـذاتـيـة ‪133 ..........................................‬‬ ‫‪138‬‬

139

‫عادل امين‬ ‫طباعة‬ ‫‪140‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook