ما هو قادراً على التعبير ،لا تعليم ،ولا ثقافة ولا احتكاك بالوسط الأدبي إلا من خلال احتضاني في أواخر الليل لكتا ٍب – أحاول ف ِّض – رموزه ببطء ساحر علني أص ُل إلى جوهرة اللغة ال ُمع ِّبرة ..عذابا ً يفوق الحدود، ورغبةً جارفة ً للبحث وتثقيف الذات وقد نجح بالصبر والإجتهاد أن يص ُل إلى لغته الخاصة والمعبرة بتمكن وقدرة دقيقة و واعية باللغة وأسلوباً ذا خصوصية في التعبير ال ُمميز ،الأمر الذي مكنهُ من الإختراق السلس إلى جموع النخبة من المبدعين والنقاد الذين شهدوا لهُ ،فأفسحوا لهُ مكانةً تلي ُق به ،وهو جدي ٌر بها إن جوهر الإبداع في هذه المجموعة القصصية ()24 قص ٍة َي ْكم ُن في لغته السردية وديناميكية الصورة أو المشهد الذي يتناول فيه \" الحدث \" ففي كلما ٍت قليلة يستطي ُع بناء هيكل المشهد أعمدة ً و بنا ًء ،بل والقدرة أن يترك فنا ًء ومساحة ً للقارئ لاستكماله ومشاركاً إيجابياً في البناء ،فإذا كانت عناصر البناء هي الحرف والكلمة والفراغ الذي بينهما وأيضاً علامات الترميز المعروفة ،وأيضا ً حريصا ً على وجود الترابط بين السابق واللاحق منهما دون أن ُيفقدهما بأي خل ٍل ُمحتمل من جراء الإختزال أو الإسهاب في العبارة ،فهو يوفر لهما الإستقامة حينا ً أو الإستدارة حينا ً آخر من خلال الإيقاع الحركي في اختيار الكلمة والحرف ال ُمناسب من 50
ُمعجمه الخاص ،سنجد الزمكانية السابقة والآنية للحدث من خلال شخصية \"الكهل\" مواصفات مظهره الخارجي وأيضا ً الصفات الذاتية وهما لهما الدور الأكبر لتحريك الأحداث أو المشهد ومنهما وعلى القارئ أن يلتقط مضمون هذا المشهد أو الحدث الكامن فيه و المستتر تحت هذه المواصفات والصفات التي قنصها المبدع من خلال الثقب الذي حدثنا عنه لينفذ إلى تجربته و محاولاته الإبداعية لنقرأ معا الــ َكــ ْهــل \"بديوي رجل صعيدي ذا قامة عريضة ،تجده في ذروة العمل يرتدي جلبابا ً نظيفاً مكويا ً وعلى منكبيه ترقد كوفية لامعة بخطوط مزركشة ،ملابسه كأنها خرجت من عند المكوجي في الت ِّو ،قبل أن يرتديها ،وبكل هذا الهندام يقف يتعامل مع الزبائن ،بإنفة وتأفف معتزاً بنفسه جدا ً ،حتى أنك تخاف أن تتحدث معه بدون شراء ،وفي حالة الشراء فمن الأفضل وهو خير لك أن يكون الحديث ما ق ِّل ود ِّل لأنه لن يعطيك الفرصة في الحديث في غير الشراء حتى وهو جالس بلا عمل، يدخن النرجيلة على الرصيف أمام محله بديوي أسمر بلون الشمس المصرية ،طويل القامة عريض المنكبين ،نحله شغله بين الخضار والفاكهة 51
المفروشة داخل المحل وخارجه ،يدور ويلف بين الفرش والميزان ودرج النقود ،تساعده زوجته وبناته في العمل والحراسة والطهي ونظافة المحل وفرز الخضار والفاكهة ورشها في أقفاص وعرض هذه الأقفاص بحسب كل نوع في مكانه ..هذا ما كان منذ أكثر من أربعين عاما ً ثم أغلق المحل لأكثر من عشر سنوات أو خمس عشر ثم أعيد فتحه في الألفية الثالثة ليظهر بديوي كهلا ً وأقل هنداما ً من ذي قبل وبدون زوجته وبناته ،ولكن معه سيدة في سن بناته تتحكم في كل أموره ،وتقذف المارة بكلام سمج وألفاظ لا تفهم بلهجة صعيدية ،وكتب أعلى المحل لافتة \"المحل للبيع\" ويجلس بديوي على كرسي قديم يدخن النرجيلة وأمام المحل شئ من الخضار وتجلس تلك السيدة بجانب الحائط على كرسي منخفض جدا ً ،فلا أحد يلتفت نحو البديوي ولا يرى اللافتة على المحل هذا نموذج سردي له إيقاعهُ وديناميكيتهُ تكمن في التنقل بين ماضي ُمكتم ٍل بكل ضروراته و ُمتسق مع الصورة الآنية للمشهد وبنفس الضرورات ال ُمكملة وال ُمتممة للصورة فكأننا أمام ومض ٍة \"زماكانية\" علينا الإمساك والقب ُض عليها وقراءتها قبل ارتعاشة جفوننا أيضا ً يتمث ُل الإبداع في تقنية هذه المجموعة أن الكاتب من خلال هذا الثقب الذي توصل إليه بعد اقتناص المشهد من خلال معايشته العملية بين مستويات بيئية 52
مختلفة و ُمتعددة نجدهُ وبتقنية السرد السابق الحديث عنها ،إن ملامح وخلفيات الشخص أو الشخصيات ودوافعها وأفكارها السابقة أو الأنية هي التي تحر ُك الحدث وتنتقل به بين الماضي والحاضر اللحظي واللاحق وكأن أمام أعيُننا لقطة من مشه ٍد سينتهي سريعاً ،وعلينا الإمساك بش ٍئ منها ،فالمشهد أو الحدث عند الكاتب شبيه بـ\"ومض ٍة بصري ٍة\" لا يجب أن نغفل للحظة عنها ،لذلك فإن الكاتب َيعم ُد أن تكون اللقطة ُمكتملة \"زمنيا ً ومكانيا ً \" بعناصر ودلالات لها أهمية ولازمة للقارئ بقدر تحصيلهُ ،وقدر استطاعته لل ُمشاركة مع ال ُمبدع في بناء أو استكمال المشهد \"الومضة\" ،و بنفس القدرة السردية نراه َينف ُذ من خلال هذا الثق ٍب إلى الجانب الآخر من الإبداع وهو ابتكار المشهد المناسب لرؤية فكرية عميقةُ الدلالات الفكرية والإنسانية لتأريخ فترة زمنية كما سنقرأ معا ً في هذه القصة : مــــعــا رك \"صحى من سباته الذي أصابه بعد طول القراءة سقطت يده اليمنى إلى جواره بسبب إصابتها بشل ٍل مؤق ٍت ،نتج عن تنميل مد يده اليسرى ليدلك بها يده اليمنى المصابة ..كان يجلس على كرسيه ماركة \"العافي\" الخيزران والمتوسط القدم. 53
أمام مكتبه كان يجلس ،وبعد ذهاب النعاس عنه ،تب ِّين له أن الكتب سقط بعضها من فوق المكتب ،على الأرض ،نظر ..قرأ شخصية مصر لـ \"جمال حمدان\" فلسفة الثورة لـ \"جمال عبد الناصر\" ...خريف الغضب لـ \"محمد حسنين هيكل\" فمال نحو الأرض لرفع كتاب هيكل فوجده منبطحا ً فوق البحث عن الذات لــ \"محمد أنور السادات\" فقال وهو يضحك :حتى الكتب لقد اختر ُت هاتين القصتين من بين ( )24قصة قصيرة لا يتجاوز عدد صفحات كل قص ٍة منهم الصفحتين يوضحان القدرة على اقتناص المشهد ثم إعادة تصويرهُ بلغة سردية ُمكتملة الأركان .و اختت ُم بهذه السطور التي ذً ِّيل بها مجموعته القصصية \"كان عل ِّي إذا ً أن اتحلى بالمثابرة ،والبحث عن الذات بين السطور أفتش عن الجملة المراوغة مني وهي ُمختزنةٌ في ..داخل ذاتي تلك المشاعر والأحاسيس ال ُمؤجلة ال ُمتمثلة في خيوط تنسج الحكايات داخل ُمخيلتي فتطول سعياً للخروج ولكنها تجلدني و تحرق صدري حتى استطعت في يوم أن أكتب بضع سطور لا أعرف كنهها أو انتماءها .هل للشعر أم للقصة تكون؟ 54
آ ســف فــو ق ا لــبــحــر مجموعة قصصية هادي الميّاح ( العراق) مابين الحلم والأمل الخادع في مقادير!.. إعتدنا أن نصاد َف في السرد القصصي ،ما يُم ِّيز ال ُمبدع نفسهُ – َك ُمبدع – ُمتم ِّيز و ُمختلف عن غيره ،من خلال ثراء مخزونه الثقافي وتَع ُدد رؤاهُ الفكرية وانتقاءاته المتنوعة ،وأيضا ً ومن خلال تَمكنه من أدواته التي ُيخضع لها هذه الإنتقاءات من الأحداث وال ُمشاهدات، وإعادة تركيبها في نس ٍق سردي ُمتميز ،فضلاً عن استخلاصه لمسار خاص به يحر ُص على تغذيته بروافد تُعمقه من ناحية وتد ِّعم الإستمرارية له كما نصادف أيضا ً وبدرجة ماُ ،مميزا ٍت خاصة في العمل الإبداعي نفسهُ ،يتجسد فيه تَمكن المبدع من تأكيد قدراته الخاصة من عناصر السرد القصصي المعروفة التي تُبقي المتلقي في حالة تفاعل دائم مع ال ِّنص من بداياته وحتى نهايته ،وأن يحقق ال ِّنص تأكيداً لعمق واستمرارية المسار الذي ا َخت َطهُ الكاتب لنفسه ،دون أن ينزلق -بوع ِّي أو غير وع ِّي -على َمحف ٍة تُدعى َو تَحم َل اسم \"التكرار\" 55
إن وع ِّي القاص بهذا يُؤكد ليس على قُدراته فقط ،وإنما وبنفس القُدرة يُنشئ َو يجد لهُ ُمتلقي حريصا ً على متابع ٍة جديده وعلى ضوء هاتين الفقرتين نمضي ،لنتبين إلى أي مدى ص ِّح ما بدأنا به بنظرة الطائر على أسماء القصص وعددها ()16 قصة ،وبالغوص الدقيق في بعضها و تل ِّمس -ال ُمبدع - بينها ،نجد أن القاص وال ُمبدع /هادي الم ِّياح ثَراءهُ، كبيراً وعريضاً ،يتجلى معكوساً في صور ٍ من ال ُمعاناة التي َشعر المبدعُ وعاش بع ُضها خلال حقبة زمنية ألقت بظلال كثيفة ،وتَبعا ٍت لن تُمح من ذاكرة من عاشها، فهي قد تركت ندوباً واضحةً تتمث ُل في مرارات اجترار الذكريات ،ومحاولة تل ِّمس إشراقات غ ٍد أفضل للأجيال القادمة ،كما نج ُد أيضاً في كثي ٍر من القصص تركيبات لصو ٍر ومشاه ٍد متفرق ٍة ،أجاد التقاطها وتخزينها في ذاكرته الفنية ،ونجح نجاحاً كبيراً في إعادة عرضها سرداً قصصياًُ ،ينب ُئ عن مقدرة التقا ٍط وتخزي ٍن واعية تُساهم في هذا الإثراء والإبداع ،على أنه وفي سياق تعميق الإتجاه الخاص ،وظل حذراً أن ينزلاق على محفة \"التكرار\" في التقاطاته ،فبعض قصصه تبدأ من -عين طائر -يُلم ُح في جملة ،أو مشهد ،أو حدث عرض ِّي شئ ما ،ومن علوه يقذ ُف به في ذاكرته ،ليعيد استرجاعه من خلال سرد قصص ِّي يض ِّفره بروابط 56
متعددة ،وبحنكة وحذاقة بالغة ،ليثي َر دهشة ال ُمتلقي من حد ٍث أو جمل ٍة أو مشه ٍد عايشه و لم يأبه لهُ .ويُدلل على ذلك أسماء قصص المجموعة وهي (ال ُمستذئب -آسف فوق البحر -الحصة الأولى -في الصباح -تحولت إلى ذئب -الكأس -حصا ٌن في علبة كبري ٍت -ركمجة -كان دخولي عنوةً -رحيل العواص ُف -هموم ركاب الكيا ُ -نذر اليوم السابع -مقادير -ثرثرة في قطار -حصى كربلاء) ،في كل هذه القصص بساطة وعفو ِّية الحدث أو المشهد كان ُمدخلاً لإبداع ال ُمبدع ،و وسيلتهُ الفاعلة لإظهار قُدراته الخاصة، وتم ُكنه منها ،وداعماً أيضا ً لها ونأتي الأن إلى قصتنا في هذه المجموعة مـــقـــا د يــــر القصة كما جاء في ختامها مبنيةً على َمث ٍل عام ِّي معروف \" إجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش\" ،الفكرة والهدف مألوفان ،ولكن الم ِّياح يُعالج الفكرة والهدف من خلال حبكة سردية ُمضفرة بواقعية متميزة لمشه ٍد في ذاكرة كل م ِّنا عن العامل أو لنقل الإنسان البسيط الذي يُط ِّوع جزءاً من وقت عمله ومصدر رزقه بصورة تتناسب مع أهدافه البسيطة في تحقيق بعضاً من ذاته وهي هنا \"القراءة\" ،فيأتي الم ِّياح بإسقا ٍط مألو ٍف أيضا ً يتناسب مع حاجة الفقير المحتاج، 57
وهو ُحلم أو أمل الثراء الذي لن يتحقق ابدا ً ،بل هو في الأغلب وسيلة ً لدى معظم الفقراء والمحتاجين ُمجرد وسيلة لتَخيف حدة المعاناة ،واستقواءاً بال ُحلم والأمل الخادع ولا أقول الكاذب على مواصلة الجهد ومواصلة الحياة ،وتمضي القصة ،ومن خلال حوا ٍر مختز ٍل ومختصر يجسد في عرضه الديالوجي حالة المغبونين دائما ً بين مرارة واقع ،وأم ٍل ُمنتظر ُيخلصه ُم من مراراته ،ليتهاوى كل شئ أمام حقيقة م ِّرة ثابتة ومعروفة سلفا ً لهؤلاء المغبونين ،حتى لو تناسوها أو تغابوا عنها أو تجاهلوها ،يضعنا الم ِّياح أمام هذه الحقيقة ببساطة شديدة مختزلا ً السردية بالمثل المعروف ،لكنه قبلها أمسك بنا بحرفي ٍة لا نشع ُر بها حتى نهاية القصة، من هذا َن ُخل ُص ،إلى أن عناصر السرد القو ِّية تَحم ُل النص وحدها إلى المرتبة التي تجعل ال ُمتلقي ماضيا ً معهُ من بداياته إلى ُمنتهاهُ حاصدا ً ما بذرهُ القاص في قصته أديبنا /هادي الم ِّياح في النهاية ُمبدعا ً يملك بقوة واقتدار مهارات ال ُمبدع المتميز ،ونصوصه أيضا ً تحم ُل في َمتنها دلالات القوة والتفرد 58
قراءات في مجموعات قصصية فوزي وهبة ( مصر) الساحة الثقافية ،وخاصة الجانب الأدبي ،يزخر بفوضى ،وعدم ترتيب داخل ِّي أو ذات ِّي ،وأعني تقييم الإبداعات ،والمبدعين ،والتعريف بهم من خلال تقييمات دورية لكل ما يستحق وتقد ُف به المطابع ودور النشر لإي براح اشبه بالسوق ،يختلط فيه الحابل والنابل من الأسماء و الغث والثمين من الإبداعات . وذلك تفسيره عندي ،وقد يشارمني الكثيرون فيه هو نتاج غياب النُقاد عن الساحة الأدبية ،وبهذا لم تعد القيمة الأدبية للمنتج الأدبي معروفة ،لقد عاصرنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي قامات نقدية امثال /عبد القادر القط ،ومحمد مندور ،ولويس عوض ، وغيرهم ،إستطاعوا بنقدهم وكتاباتهم ،والإضاءات التي حملوهل للمتلقي ،وللمبدع أن نستشعر بجماليات الإضافات لكل وعلى سبيل المثال يوسف إدريس ، يحيي حقي ،عبد الرحمن الشرقاوي ،محمد عبد الحليم عبد الله ،امين يوسف غراب ،ناهيك عن إحسان عبد القدوس ،ويوسف السباعي ،واديب نوبل نجيب محفوظ ،وغيرهم ُكثر في مجالات القصة ،والشعر ، والمسرح ،والرواية ،و الفلوكلور ،وكل ما يتعلق بالكلمة ،فتعلمت أجيال ،وشهدت الساحة الثقافية بهذا 59
الزخم ،والحراك الواعي والنشيط ،فأنارت عواصم ومدن عربية ،واشتعل التنافس بينها لصالح القوة الناعمة التي أثرت وجدان وطاقات الشباب في عالمنا العربي ،وكانت بهذا سنوات الخمسينيات والستينيات هي ربيعنا العربي ،وكما إنتكس الربيع السياسي ، إنتكس أيضا ً الربيع الثقافي ،غير انه إحقاقاً وبعثاً للأمل ،نجد ان حراكاً يتلألأ نوره من خلال مؤسسات مدنية تُساهم في دعم المبدعين ،ونشر إبداعاتهم ، وإعطائهم مساحة كافية لطباعة و عرض اعمالهم من خلال منصات ومنابر تقام خصيصاً لهم بصفة دورية ، املاً في أن يخرج من بين الشباب من يتولوا بعث ربيعاً عربيا ثقافياً نستعيض به الإخفاقات التي تبتلع نبتات حان وقت إزدهارها هذه المقدمة ،قصدت منها الإشارة إلى دور النقد ، واهميته المعروفة ،واهمية أن يعود نقادنا لممارسة دورهم في إكساب الحراك الثقافي البعد التأصيلي من خلال تقييم العمل الإبداعي ،وإلقاء الأضواء على المبدع نفسه ليتم توازن نفتقده ،ونسعي إليه لإنارة المسيرة الثقافية الحالية تصلني بصفة دورية إهداءات دواوين شعرية ، وقصص ،ورويات من مصر وخارجها ،واحضر مشاركا ومستمعا في العديد من الندوات والصالونات الأدبية والثقافية ،وحفلات التوقيع إسوة بغيري من 60
المهتمين والمؤرقين لمستقبل الأدب والمبدعين في مصر ،وجميعا في حلوقنا ..أين النقاد يا مصر ؟ ! أخرج من هذه المقدمة الطويلة نسبياً لأتحدث عن صاحب عنوان المقالة ،الأديب والقاص /فوزي وهبة هو اديب من المنيا عاصمة ثقافة الصعيد ،ثر ِّي الإنتاج الإبداعي ( 16مطبوعة مابين مجموعات قصصية ، ورواية ،وابحاث ،ومقالات في الأدب وأيضا ً العلم - وبخلاف 26عملاً تحت الطبع إذا هوقامة ثقافية كبيرة بعض أعماله ُدر ِّست في الكليات -جامعة المنيا -وبعضها حظي بدراسات أدبية في جامعات مصرية وعربية ،وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات من جهات حكومية رسمية مصرية وعربية ولأنه من خارج القاهرة العاصمة الثقافية ،وبالتالي من خارجها قليلاً ما ُينصف ،وتنحسر عنه الأضواء ،فإذا توارى النقاد وضعُفت مشاركاتهم أو على الأصح لم توجد بالشكل الفعال ،وأصبح الأمر في يد أصحاب الأبواب الثابتة من المحررين الصحفيين الشباب الذين تجذبهم مهنيا ً إلقاء الأضواء على القامات الثقافية الكبيرة في القاهرة أو الأسكندرية ،فنجد قامات لا تقل وزناً وقيمة خارج القاهرة لا يص ُل إليها أحد ،وبالقدر والجدارة المستحقة لهم 61
بين يد ِّي لأستاذنا الأديب والقامة الثقافية الكبيرة عملين أهمهما إل ِّي في منتدى ثقافي تعارفنا فيه ،العملين هما \" بدايات العشق \" & \" أمير في بلاد بين النهرين \"، أتلمس فيهما إبداعاً جديرا ً بالإهتمام 62
جماليات السرد الأدبي في أعمال إبراهيم الديب ابراهيم الديب ( مصر) كاتب وأديب ،تذك ِّرني مشاركاته اليومية بذكريات سنوات القراءة الأولى ،حي ُث كانت قراءات الأعمدة الصحفية لكبار الصحفيين والأدباء مثل على أمين، محمد زكي عبد القادر ،أحمد بهاء الدين ،أنيس منصور وغيرهم ،هي الأكثر اهتماماً ولها أولوية أولى فبعض هذه الأعمدة أقرأها في الصباح وبع َضها أُأجلُها للمساء. إن كتابات أستاذنا الراقي /إبراهيم الديب ...تذكرني بعمود \"نحو النور\" إن لم أخطئ للكاتب والصحفي والأديب ..محمد زكي عبد القادر إن كتابات أديبنا إبراهيم الديب ،تشترك مع كتابات أستاذنا محمد زكي عبد القادر في جزالة اللفظ ،وجمال الجملة ورصانتها ،ودقتها واتساقها مع الموضوع ،وهو – إبراهيم الديب – لديه قدرة على تنوع وتجديد موضوعاتها ،فهي حينا ً بع ٌض من ذكرياته أو يومياته، وحيناً آخر يلتقط الموضوعات من تجارب عاشها أو ُيعايشها أو يقرأ عنها أو يسم ُع عنها ،أو مواقف حياتية ُيعيد صياغتها أدبياً لتحمل لنا شجنا ً أو حكمة ً أو فكرا ً أو رصدا ً جميلا ً لأحداث أو مواقف مرت أو تمر علينا ولا ننتبه إلى ما فيها من جماليات ٍ أو فكاهة ٍ أو علم ٍ 63
أو عم ٍق أو دلالات كامنة فيها وفي كثي ٍر من الأحيان يض ِّمن مشاركاته صورة عن الحدث أو الموقف ،وفي كل الأحوال هو كات ُب ُيجد ُد ويتقن أدواتهُ السردية من لغة ،وجمال عبارة فهو لا ُيسه ُب ولا يشت ُط في السرد و ُيوجز دون إخلال ،فتكون ال ُمشاركة كك ٍل موضوعية، سهلة وبسيطة ،وجاذبة أنا لا أعرف إن كان تم جمع هذه المشاركات من قبل في كتا ٍب أم لا ،ولكني على ثق ٍة أنهُ إن لم يفع ُل ذلك، فسيفعلُها قريباً ،ذلك أن الساحة الأدبية تنتظر مثل هذه الإضافة الق ِّيمة من كات ٍب لديه مهارا ٍت خاصة وتع ُدد رؤى بصرية وفكرية نحتا ُج إليها بشدةٍ وسط مو ٍج تقذفنا به المطابع ودور النشر َينقصها أدبيات هذا الكاتب والأديب والآن مع ُمختارا ٍت ُمنتقاة عشوائياً من كتابات تـمـنـي ورغـبـة أتمنى كثيرا ً أن أكتب عن :اللاوعي الغائر القابع في أعماق الإنسان والذي يعمل بقوة ونشاط ضد حامله ويجعله يفقد تواصله عندما يهمش ويترك بعيدا ً فتقطع صلة الإنسان بماضيه ويمنعه التوصل بعوالمه الخفية. كانت الأسطورة والدين والفكر ممتزجين في الماضي البعيد في طفولة البشرية ....ولكن عندما يقوم العقل بتحديد كل شئ وتصبح اللغة ومفردها ذات مدلو ٍل واح ٍد 64
هنا يتم تحديد الرمز الأسطوري و َيتَ َع ْق َل ْن يفقد بذلك تعدده وكثرته وضباب ِّيته وسحره وغموضه ،الذي كان يمنحه حمل :أكثر من مدلول للتعبير عن أعماقي الغير مق ِّيدة ومحددة كما يعبر المدلول اللغوي عن معنى واح ٍد مق ِّيد، أريد أن يكون به نفس الثراء الذي بأساطيري الغائرة في طبقات وعي لكي يحمل الشئ ونقيضه ثم يمنحه الطمأنينة باللقاء وبأنه متواصل مع ماضيه السحيق ..... الحياة مجنونة وأعتقد أنه لابد أن يكون اللاوعي مجنون لبعض الوقت حتى لا يعمل في الخفاء ويشطر الإنسان ويمنع أن تتسرب حياة من عاش قبله بداخله ليكون بذلك ثراء من حيوا ٍت كثيرةٍ وتمنحه التواصل يعيش حيواتا ً كثيرة ً من خلال حياة من سبقوه حتى يصل لماضي من الشعور سحيق حتى يلامس مناطق غائرة ....الأدب والفكر والفسلفة قادرة على ذلك من خلال حفرها العميق في طبقات الوعي الغائر ...كلما حاولت كتابة ذلك يف ِّر مني ،يرواغني ويفلت .لا أجده ،أسأل عنه الذاكرة ،ولا مجيب أبحث عنه في حنايا عقلي ،ونفسي ولا أعثر منه على شئ أتعايشه كثيرا ً وأجت ِّره كثيرا ً لدرجة الهيام به ،أشعر أنه يسكنني ،أشعر بالسعادة لذلك ،لدرجة السباحة في الخيال الجميل ،والغياب داخل كل ذلك.. ولا أثر لكل ذلك؟؟ ،يبدو أن هناك أشيا ًء جميلة ً تستعصي عل ِّي الكتابة ،تستعصي عل ِّي الإمساك بها لتظل حلما ً لكي تحاول الإمساك بها ،يبدو أن جمالها يكون في ذلك ،سوف أذهب للنوم لكي تطاردني ولا 65
أحاول الإمساك بها وأتركها طليقة ً لتظل جميلة ً حالمة ً..؟؟ ...فضفضة ودردشة مع النفس الأ توفى زوجها وترك لها ستة أولاد خمسة من الصبية وبنت لا يتعدى عمر أكبرهم خمسة عشر عاماً .ما زالت الأم شابة رفضت الزواج ،قررت أن توهب حياتها لأولادها بل هم أصبحوا حياتها ،كانت تنظر في وجه ابنتها فكأنها ترى نفسها في المرآة ،فوجه ابنتها نضرا ً جميلا ً لا فرق بين وجه الأم وإبنتها التي تزيدها الأيام حسنا ً وجمالا ً وسحرا ً وبها ًء ...ترى وجوه أولادها الذكور نضرة تملأها قوة الشباب فتزداد نشاطا ً وأملا ً في الحياة وإقبالا ً على الحياة ..تسللت روحها فهي تعيش بداخلهم تفرح لفرحهم ،وتحزن لحزنهم، وتشبع حين يأكلون ،تسعد وهم يضحكون ،ترفرف وتنطلق روحها منطلقة في سماء السعادة حين يثني الجميع على أدب أولادها وحسن خلقهم وتربيتها لهم . أصبح أولادها الصبية شبابا ً وإبنتها عروسة ً يطلبها الخ ِّطاب لأدبها وحسن سيرة الأم والعائلة ،لم تعد تشعر بما كابدته من أل ٍم ومشق ٍة خلال فترة عملها وسهرها على رعايتهم ،فكانت نظرة واحدة ً تستمدها من أحدهم كفيلة بأن تجعلها تب ِّدد المشقة والصعاب وتحولها للذة. 66
ُخط َبت إبنتها أخيراً .عرف بيتها السعادة ظ ِّنت الأم والأولاد أن الأمور في طريقها للأفضل .يشعر إبنها الأكبر بمرض غريب بعد أن غ ِّيب الموت إثنين من إخوته قبل ذلك ،ما زالت صابرة ولكن ذهب ببعض بريق عينيها ولكنهما اقتربا من الإنطفاء ،زادها الحزن وقارا ً و زادها الرضى والإيمان و الصمت مهابة ً وجلالاً لم يستطع الأطباء تشخيص مرضه اللعين ،هل ذكرت لك قبل ذلك أننا في نهاية ستينات القرن الماضي ،لم يكن الطب وقتها متقدم كما هو الآن...أقترب زفاف الأخت وأخوها يشتد عليه المرض والأم في حيرة من أمرها من خوف على الإبن ومن خوف من عدم إتمام الزواج وأن يخيم الحزن على البيت ...أخذت حالة الإبن تسوء يوما ً بعد يوم ٍ حتى لازم الفراش نهائيا، قبل الزفاف بأسبوع ،عرضت إبنتها عليها تأجيل الزفاف ،بل أل ِّحت في ذلك حتى يُشفى أخوها ،وظلت تص ِّر على ذلك بإلحاح أقوى من ذي قبل ،حتى وافقت الأم وهي تبكي وتحتضنها ،قبل ينطلقا سوياً في نوبة بكا ٍء شديدة استمرت فترة طويلة من الوقت يستمع الإبن المريض لما دار بين أمه وأخته بشأن تأجيل الزفاف ،فيتحامل على نفسه مستندا ً على الحائط حتى يصل لمكان ،فيسقط بجوارها من شدة الإعياء والمرض وهي تحضنه وتبكي ،ثم يطلب أن تستمع إليه 67
وهو يقول بصوت متهدج متقطع محشرج مبحوح إلا من رجاء وتمنى وهو يقول لأمه\" :لي طلب عندك قبل موتي \"..فتنخرط الأم والأخت مرة أخرى في البكاء لفترة طويلة ،ثم صمت\" .طلبي أن لا تؤجلي زفاف أختي ،أتمنى أن أرى في بيتنا فرح قبل موتي\" ثم يبكي هو الآخر ،فحاولت الأم أن تجعله يكف عن البكاء، فوافق بشرط بأن تعطيه أمه وعد أن لا تؤجل الزفاف، أعطته أمه وعد بذلك. ثم كان يوم الزفاف أشد وأقسى أيام المرض عليه ،بدأت مراسم الزفاف أما المدعويين فكانوا يعتقدون بأن دموع الأم والبنت هي دموع الفرح ،الأم تذهب لغرفة إبنتها وتق ِّبلها وته ِّنئها على الزفاف ،ثم تنتقل لغرفة الإبن المريض الذي تأكدت تماما أنه يحتضر ،يأتي العريس ليأخذ عروسه ،وتركب الأم معهم السيارة وهي تبكي، وبعد أن أوصلتهم لبيت الزوجية ،قام الأهل والجيران بتشييع جثمان أخو العروسة لمثواه الأخير ،وكان غالبية المشيعين هم من حضر الزفاف. الـو ســط ا لآ مـن في سبعينات القرن الماضي؛ فرمل التاكسي الدودج الأمريكاني -وهو في طريقه إلى عزبة البرج -على طفل صغير ،ولم يصب الحمد لله .والطفل هو من أخطأ 68
بمروره فجأة أمام السائق الذي انهال عليه أهل البلد ضربا ً بالشمال واليمين وغالبية من يضرب لم يعرف لماذا يضرب ،ولم يكلف نفسه أن يسأل عن السبب ؟ ومع أن الطفل ذهب للبيت ،يأكل عيش وملوخية مع بقية إخوته .ولكنها العادة والعرف ،فالسيارة والسائق ليسوا من بلدنا؛ فلابد بأن يشارك الكل الإحساس والمشاعر القوم ِّية ويع ِّبر عن العقل الجمعي وإلا اتُهم من لم يضرب السائق ويشارك في تكسير التاكسي؛ بعدم الوطنية ،وأنه ضعيف الإنتماء. تجمع أكثر رجال البلد وخلفهم الأطفال ،مجموعة تك ِّسر التاكسي ومجموعة تضرب السائق والأطفال وأنا منهم يح ِّدفون السيارة بالطوب والزلط ،إلى الآن لا أعرف ولم أجد مبرر ،لماذا كنت أفعل ذلك؟ ،ما علينا ...دع َك من التفلسف الذهني البارد ،نعود للأحداث الساخنة ،فما زال العزق في السائق والتاكسي الأمريكاني مستمر على قدم وساق ،ولا تنسى الطوب والزلط الذي جعل زجاج السيارة الذي تهشم تماما ً ويشبه الشبورة المدغششه من أثر فعل الطوب والزلط ،فهو شبه آيل للسقوط ،ولكنه متماسك بفضل المادة اللزجة بداخله ،لم يجد السائق مخرج لنفسه من كل ذلك إلا القفز للترعة، وحاول أن يصعد لضفتها الشرقية ،فتصادف مع خروج ع ِّمال الملاحة ،و دون أن يسأل أح ٌد منهم ماذا حدث، ضربوه أيضا ً بعص ِّيهم التي يحملون عليها قُلة المياه 69
والملح ،فاتجه للضفة الغربية ،والتي حظه فيها أتعس وأسوأ من الشرقية ؛ لخروج عمال الأرز بالشراشر من الغيطان؛ فكلما أقترب من ضفة ناله من الضرب الكثير، ولم تفلح مجموعة الوسط التي كان لها رأي آخر به بعض الحكمة والعقل ،وهو تسيلم الرجل للشرطة التي طلبها العمدة بالتليفون ،فكانت مجموعة الوسط تحكم عقلها في بعض الأمور ،ولكنها أقل ِّية ،ولم تستطع فرض رأيها على الأغلبية السائق الذي يبدو من هيئته أنه ابن ناس لهندامه وتأنقه، قبل أن ينزل الترعة ،وتمزق ملابسه ،وتورم خلقته، وتسلخ جلده ،علاوة على بعض الكسور لأنه كان يعرج في الترعة ،ولكنه استقر على رأي سديد ،وأختار أن يقف وسط الترعة تماما يتلقى سباب ولعن لم يسبق له مثيل من شرق الترعة وغربها ولكنه أفضل على أي حال الضرب الذي كان سيفضي إلى الموت لا محالة، كان الرجل مذهولا ً من ر ِّد فعل البلد الغير متوقع، أنتظر السائق حتى أخرجته الشرطة ،كانت تلك إحدى غضبات البلد على السيارات الأجرة والملاكي وسائقيها ،أما الطفل الذي فرمل عليه السائق فهو يتناول المشلتت الذي خبزته أمه في الفرن البلدي وبالسمن البلدي أيضاً ولا يدري شيئا ً -هو ولا أمه -عن المعركة التي تدور رحاها على الأسفلت قبل أن تنزل الترعة 70
قــبــل ا لــنــو م في كل ليلة ،وعندما آوي لفراشي ،وقبل أن يغ ِّيبني النعاس ،تقوم بيني وبين نفسي ثورة ً للتغيير ،وتبديل أمورا ً كثيرة ً أراها خاطئة في حياتي من وجهة نظري على سبيل المثال :شرب القهوة كثيرا ،وعدم اهتمامي بصحتي وإنني سأشرح وجهة نظري لمن لا يعرفني جيدا ً ويعتقد أنني متعاليا ً وأنني سأشرح له أنني لست كذلك وأنني أيضا ً أتمنى يعرفني الجميع على حقيقتي، وأيضا ً عدم الجدل ونقاش الحمقى كثيراً ،وأنني سأنهي بعض الخلافات البسيطة بيني وبين بعض الناس ،وأنني سأبتعد عن الطعام الذي يهيج نشاط مرض النقرس ،ثم أغيب في سبات عميق عاقدا ً الن ِّيه على كل ذلك ،ثم أصحوا من نومي وأتناول القهوة بكثرة ،وأقابل ما كان بيني ،وبينهم خلاف فأعرض عنهم مرجئا ً أمرهم لما بعد ،ثم لا أدري أنني أجادل وأناقش الحمقى كثيرا ً وبصورة أقوى وأشد من كل مر ٍة إلا بعد القيام بذلك ،ثم أتناول كل ما هو مهيج ومنشط للنقرس دون شعور مني إلا بعد أن يضربني الألم بشدة أكثر من أي وقت مضي!! ضاربا عرض الحائط ما كان بيني وبين نفسي بالأمس ،وهذا الأمر يحدث معي في كل ليلة منذ فترة طويله .؟؟ أنا لا أعرف إن كان قد ج ِّمع من قبل هذه المشاركات في كتا ٍب أم لا ،ولكني على ثق ٍة أنهُ إن لم يفع ُل ذلك، 71
سيفعلُها قريباً ،ذلك أن الساحة الأدبية تنتظر مثل هذه الإضافة الق ِّيمة من كات ٍب لديه مهارا ٍت خاصة وتعدد رؤى بصرية وفكرية نحتا ُج إليها بشدةٍ وسط مو ٍج تقذفنا به المطابع ودور النشر َينقصها أدبيات هذا الكاتب والأديب 72
سن الفيل ...وسنن السرد القصصي أحمد عبد العاطي نور ( مصر) تعريف بالمؤلف /أحمد عبد العاطي نور ... حاصل على ليسانس اللغة العربية /جامعة الأزهر الشريف حاصل على الدبلومة التربوية العامة جامعة عين شمس ********* ُكتب على ُغلاف مجموعته القصصية \" سن الفيل \" \"ما ُيميز تجربة أحمد عبد ال ُمعطي نور في مجموعته القصصية الأولى \"سن الفيل\" قدرته اللافتة على تحويل ما يبدو عاديا ً وعابراً في الحياة إلى مادة للق ِّص شديدة الحيوية والثراء بمضامينها الإنسانية و الإجتماعية وجاء في مقدمة المجموعة \"وها نح ُن اليوم ندف ُع بالكاتب أحمد عبد العاطي نور إلى الساحة الثقافية ،عبر مجموعته القصصية هذه \"سن الفيل\" التي تجوب زوايا الروح و النفس بلغ ٍة ُمبسط ٍة، وقد أنجزها خلال البرنامج ونحن على يقين بأنها 73
ستكون موضع تقدي ٍر وترحي ٍب من الق ِّراء والنقِّاد والمهتمين نشرت المجموعة ضمن فعاليات \" برنامج دبي الدولي للكتابة \" تحت رعاية سمو\" الشيخ أحمد بن راشد بن آل مكتوم ،رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة تضم المجموعة ( )14قصة قصيرة أغلبها لا يتجاوز صفحات ٍ تُعد على اليد الواحدةَ ،يتمث ُل إبداع الكاتب في تجربته القصصية الأولى على امتلاكه لأدواته في الكتابة بوجه عام والكتابة القصصية بوجه خاص نتبين من خلال هذه القصص الأربعة عش ْر ،جماليات السرد القصصي ال ُمد ِّعمة بالكلمة والعبارة السهلة والسليمة لغوياً ومدى إدراك الكاتب لأهمية السرد اللغوي الصحيح كنعص ٍر هام يتأبطهُ ال ُمتلقي وهو يمضي بسلاسة ٍ مع النص دونما يشع ُر بتعا ٍل من الكاتب – على ال ُمتلقي -في صياغته أو استعراضا ٍت لغوية خاصة تقو ُم على استيراد صو ٍر بلاغية لا تت ِّسق مع مضمون النص كما ُنلاحظ وهو يتخ ُذ من اللغة العربية وسيلة ً إبداعية ً ُيحقق بها روعة الإبداع ،إنها كلغ ٍة فضلاً عن أنهُ يعتز بها كخريج ودار ٍس لها وحاصل على درج ٍة علمية ٍ فيها \"ليسانس\" ،فإنه يؤكد من خلال المجموعة أن اللغة 74
العربية قادرةً أن تستمر وتبقى لغةَ إبداعٍ قوية وسط محاولات تهميشها خاص ٍة في أجواء الإصدارات الشعرية الحالية من دواوين شعراء العامية ،نلح ُظ تجنبه استخدام اللغة العامية في الحوار وهذا ُيحتس ُب لهُ ككات ٍب يص ُدر أول عم ٍل لهُ على أن من الرائع حقاً في هذه المجموعة الأربعة عشر قصة ،أن جميعُها مشاهد وأحدا ٍث بسيطة التقطها هو أحيانا ً من حياته اليومية أو مما سمعهُ أو ما اختزنتهُ ذاكرته من أحدا ٍث عادي ٍة بسيط ٍة يمر أو نمر بها نحن جميعاً و لا تستوقفنا أوحتى تستدعي تسجيلها في الذاكرة أحداثاً في الشارع أو المكتب أو القطارات والحافلات أو في المنازل أو حوارت الجيران أو حوارت الأسرة ...الخ لكنهُ يملك القدرة التخيل ِّية من ناحية ،والقدرة على إعادة سردها مرةً أخرى بصورةٍ أدبية غير ُمحمل ٍة بأي إسقاطا ٍت فلسفية أو فكرية تذه ُب برونق الإستعادة والسرد القصصي البسيط ال ُممتنع ،لكنها أيضا ً تُح ِّق ِّق ُمتعةً للقارئ مع إشار ٍة بسيطة غير ملحوظة ٍ لما قد يكم ُن من جماليا ٍت في االسلوكيات الراشدة أو إدراك ما لم نُدركهُ في حياتنا اليومية و تن ِّوع العطاء فيها ما بين الأمل ،والعمل ،والحلم ،والإرادة ،والعديد من القيم الدين ِّية والأخلاق ِّية لم ُيص ِّرح الكات ُب بها ولكنها كامنة ً في قصصه الأربعة عشر 75
وأخيرا ً لعل من الجميل أن يختت ُم الكاتب قصتهُ الأخيرة في الكتاب والتي تحم ُل إسم \"كهلاً وسهلاً\" بهذه الفقرة الرائعة حقاً ..يقول فيها : قارئي العزيز إعلم أنك شخص في غاية الأهمية بالنسبة لي ..فحين قررت اقتناء هذا الكتاب أو حتى قراءتهُ قراءة عابرة، فقد أردت من هذه القصة تعريفك بتجربتي في كتابة القصة .عن كيفية الكتابة ،وعن الأجواء التي نعيشها في كتابة القصة حتى ينتهي بها الأمر بين يديك ،ولا أُخفيك سراً أن \"عم حارث – وهو بطل قصة كهلاً وسهلاً - رغم أم ِّيته كان يعطيني نصائحا ً عظيمة ً لتجاوز بعض العقبات التي تواجهنا أثناء كتابة القصة ،أو عند توقفي عن مواصلة الكتابة قارئي العزيز ..دعنا نهنئ معاً \"عم حارث\" بلقبه الجديد \"كهلاً وسهلاً\" بهذا يختم كاتبنا قصته بحوار ُمباشر معنا -كمتلقين - ليؤكد لنا ولرفاق الكتابة أهمية دعم خبراتنا من أمثال عم \"حارث\" أو أشبهاههُ في الكتب والمراجع قدي ُمها وحديثها 76
هي العنيدة َ ...ف ِم ْن أين َجاءت ا ّل ِذئَاب ..؟ في رواية .. صلاح شعير الأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها ،أن تتحول الأشياء، التي ينبغي النظر إليها على أنها غريبة ،إلى أشياء عادية ومألوفة د /.شاكر عبد الحميد في كتابه \"الغرابة ..المفهوم وتجلياته في الأدب\" كتب المؤلف /صلاح شعير على غلاف قصته \"تفقد الحياة بهجتها متى غابت القيم الروحية بين البشر بصفة عامة ،وتأكدت تلك الحقيقة عندما تح ِّولت مشاعر الحب بين الرجل والمرأة في أحيان كثرة إلى مجرد وعا ٍء للغريزة فقط ،ومن هنا تح ِّول المنزل إلى قفص ٍ من طوب ،والفضاء الفسيح إلى سجن ٍ عتيق لقد أفلت جزء من شمس المروءة ،والصدق عن سماء الوطن قبل 25يناير 2011م ،وتقلصت بعض الفضائل داخل النفس البشرية ،نتيجة تسلل فصيل يعاني من الخلل التربوي ،وسوء الفطرة لسدة الحكم ،لذا سقطت 77
قلاع القيم واحدة تلو الأخرى ،فلا يمكن أن تثمر أغصان الحب زهورا ً بدون أخلا ٍق حميدة ا لـــقـــصـــة \"ليلى فتاة ذات جما ٍل غير عادي ،عانت منذ طفولتها مشاعر تربية خاطئة من أمها التي ف ِّرقت بينها وبين أختيها ،نمى بداخلها خصلة \"العناد\" والنفور من النساء وبجمال الأنثى الذي التفت به وميزها بين البنات أيام دراستها قبل سنوات الجامعة أو في الجامعة وحتى بين السيدات حين تزوجت ،وصار كلا ً من العناد والجمال هما أسلحتها ،وبسبب العناد والجمال تب ِّدلت سلوكياتها ومشاعرها ،وصارت الذئاب بشراستها تتألب عليها للنيل منها إما للإقتصاص منها لعنادها أو قهرها واحتوائها ،حتى تح ِّولت إلى ذئبة مثلهم بأنيا ٍب شرسة تجي ُد ليس فقط الدفاع عن نفسها ،بل مواجهتم وتحقيق الإنتصار عليهم .وكان حب الله في النهاية ،وأحداث 25 يناير 2011م بدايات الإستواء النفسي ثم السلوكي الرواية مع زخم الأحداث والشخصيات وتعددها بل وتقاربها في التأثير والمؤثرات التي أضافتها لإبراز الدواعي والخلفية التي قام عليها البناء الدرامي والروائي للرواية واهتمام الكاتب بهذا التنوع العددي وال ُمتشابه وتكثيفهُ تأكيدا ً لما يأخذنا إليه عبر هذا التنوع ال ُمتشابه لك ِّم هذه الشخصيات والذي يقر ُب من حد التكرار ال ُمتوقع ،فكأننا أمام شخصية واحدة محورية 78
تحم ُل نفس السمات المرضية ،وإن كانت تحم ُل أسما ًء ُمختلفة ،إن هذا التشابه في السمات يعطينا دلالة ،على وجود الظاهرة المراد الإشارة إليها وهي الإنحدار الجمعي للمجتمع لبؤرة الإنسلاخ ال ُمميت من سلوكيا ٍت وآدا ٍب وقي ٍم دينية ومرور ٍث قيم ِّي إجتماع ِّي ضارباً في أعماق الشخصية المصرية مهما تعددت البيئات، واختلفت الطبقات الإجتماعية إن الرواية في أحد جوانبها الهامة ،تعبيرا ً قويا ً لأحداث ما بعد انتفاضة 25يناير وأحداث 30يونيو - وكلاهما لا يحملان ما جرت عليهما التسمية بكلمة \"ثورة\" -ونحن هنا ليس في مجال التعريف أو استحقاق كل منهما لكلمة الثورة المؤلف ...رصد بعين حكيم ٍة وخبيرة ،والتقط أحداثاً وسعى إلى بناء درامي قوي ومؤثر يعك ُس حالة المجتمع ،ومدى عمق التأثر والتأثير ال ُمتبادل على الفرد والأسرة وبالتالي على المجتمع ككل ،فأجاد من خلال الإنتقاء لشخصيات متعددة ،تتلاقي جميعها في المواصفات كما تتلاقى وتدور كل شخصية في فلك الشخصية المحورية \"العنيدة\" والتي بصورة ما تتشابه مع الجميع تحت وطأة التأثر والتأثير ال ُمتبادل فتتحول إلى \"ذئبة\" لا تقل عنهم ضراوة ،بما يؤكد في النهاية سقوط المجتمع كله أشراره وخ ِّيريه في البئر ،وليت ُم \"التحول\" الذي حدثنا عنهُ دكتورنا الناقد /شاكر عبد 79
الحميد في كتابه \"الفن والغرابة مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة\" ،فهذه الصور أو الشخصيات تمث ُل مفهوم \"الغ َرابة\" الأدبية كونها غرابةً آتية من مصد ٍر غير آمن وتحم ُل غير المألوف وغير العادي ال ُمتعارف عليه ،لذا يتطلب من المجتمع الإلتفاف حوله والتعرف عليه ،ثم العمل على عزله تمهيداً لدحره وإعادتهُ إلى حيثما جاء ،للتخلص منه نهائيا وهذا الجانب أجاد الكاتب بنا َءهُ بحرفي ٍة تخدم رؤيته لحدثين سياسيين لهما تأثي ٌر حا ِّد على المجتمع ،أجاد رصدهما في محاول ٍة منهُ لإقالة عثرة المجتمع الحالية قبل أن يتهاوى ساقطاً في بئر بلا قرار ننتقل إلى جان ٍب أخر ،يُضفي ُعمقاً فكرياً للإبداع في هذا النص الروائي للكاتب /صلاح شعير ،وهذا الجانب يتعلق بمفهوم الغرابة كما جاء في تصدير هذه القراءة من كتاب دكتورنا الناقد الفاضل /شاكر عبد الحميد ،في كتابه \"الغرابة ..المفهوم وتجلياته في الأدب\" الغرابة\" تعني وفق ما جاء في التوطئة بالدراسة المذكورة – الغرابة ضد الأُلفة ،وهي نوعان :غرابة غير المألوف ،وغرابة المألوف ،وفي فص ٍل كامل خصصه عن هذا المفهوم جاء فيه : ك ِّرسنا للحديث عن مفهوم الذات ،وعن تطور هذه الذات – إرتقائها – نحو السواء أو نحو التفكك والإختلال 80
والمرض وما يصاحب هذه الحالات من مشاعر خاصة بالغرابة وهذه الجزئية ،ودون تلبي ٍس للنص ،أو َل ِّيه وتطويعهُ لهذه العبارة ،سنجد أن بطلة القص -ومن خلال الأحداث والشخصيات التي تدور في فلكها -تعاني من الِّغُربة، والإغتراب الذاتي عن السم ِّو والإستواء الإنساني المألوف والمعتاد ،لتضي ُع في فضاء غير المألوف والمعتاد من القيم والسلوكيات الراشدة والرشيدة، ونجدها ،ومن في دوائرها من الشخصيات تح ِّولوا ومعهم اغترابهم إلى كائنات أخرى غريبة وغير مألوف ٍة، ذات سما ٍت وتصرفا ٍت سلوكية ممجوجة ومرفوضة ،بل ومقيتة ،أشبهُ بالذئاب التي اُصطلح على أنها تحم ُل أقصى وأقسى صفات التوحش من بين الحيوانات غير ال ُمستأنسة والتي تثي ُر الخوف والرعب وعدم الأمان أينما ح ِّلت واستقرت ،وللعجب هي لا تستقر في مكا ٍن كسائر الحيوانات ولع ِّل هذا الربط التقن ِّي الملموس ُيبين و ُيبرز ما اهتم به الكاتب كإشارة وتحذير من غرب ٍة واغترا ٍب وابتعا ٍد عن جادة المجتمع السليم وقد اخترت من كتاب الدكتور /شاكر عبد الحميد فقرة لا تُشير إلى هذه القصة وإنما إلى قصة \"وليم ويلسون\" المعروفة كتبها إدجار ألان بو: 81
\"هذه القصة ج ِّسدت ذلك التناقض الموجود داخل الإنسان ،الإنسان الذي يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة ،وفي الوقت نفسه يسعى من أجل تدمير نفسه، أي من أجل الموت ،وهذا مثا ٌل آخر على الغرابة في الحياة التي يُجسدها الأدب ،فسع ِّي الإنسان من أجل البقاء على قيد الحياة أمر مألوف ،أما غير المألوف والغريب فهو قيا َمهُ خلال الوقت نفسه بتدمير ذاته بأفعا ٍل تق ِّربهُ من الموت والدمار بكل ما يناقض الدافع الأول الإيجابي الخاص به 82
مـا لك ا لـمـقـبـرة د /كريم ُصبح (العراق ) المساحة التعريف ِّية التي تفص ُل بين القصة القصيرة جدا ً ،وبين الومضة القصصية ،ينتص ُب قوياً بينهما هذا العمل ال ُمتميز وهو هذه الإصدارة ،المجموعة القصصية \"مالك المقبرة\" للدكتور القاص /كريم صبح حيث نج ُد النموذجين واضحين للتعريف وبإجادة تو ِّضح ما القصة القصيرة جداً وما الومضة ،كو َن أن المجموعة احتوت عليهما وقد كان من آليات وتقنيات دكتورنا الفاضل أن يُمث َل من خلال ،التعريف العام لهذين النموذجين المختارين في هذه المجموعة ،ولم يكن التقاط الحدث أو المشهد العام بهذا ال َحذق ،وهذه العي ُن ال ُمدركة لما وراء الحدث، وما هو كامنا ً فيه من رؤى فكرية نابعة من تقييم السلوكيات وردود الأفعال في الحدث أو المشهد ال ُمختار ،فضلا ً عن أن هذا الك ِّم والتن ِّوع في البيئات وفي إطار \"زمكانياً \" كل مشه ٍد وحد ٍث ،وهذا يعني مقدرةً في البحث لتحقيق الرؤية الفكرية المنشودة من وراء هذا البحث والرصد الأدبي لكل الدلالات الفكرية 83
وال ُمتمثلةُ في السلوكيات وردود الأفعال ،و لم يكن هذا كله ما اقتصر عليه الإبداع والتميز في هذه المجموعة، لكن بعضاً من قدرات الإبداع تمثلت وفي براع ٍة وعم ٍق لتأكيد التعري ُف العام للقصة القصيرة جدا ً والومضة، وتأطير المشهد أو الحدث واحتوائه زمنياً ومكانيا ً من خلال الكلمات والحروف في جم ٍل سرد ِّية بالغة القصر تكاد في ذاتها تحم ُل الظاه ُر والكام ُن من دلالا ٍت ورؤى فكر ِّية لتص َل مباشرة ً لإدراكات القارئ ،وبقدر حجم وس َعة لوحة التلق ِّي عندهُ فـى عــيــن أنكرت عليه قلقه الدائم من َعوره ...س ِّوغت له الأمر ...العين الواحدة تعني أنك تكذب أقل ،تر ِّكز أكثر... تنام بشك ٍل أسرعِّ .نم الآن وارحمني من عينك السليمة وفي مــحــمــول بحثوا عن شاهد قب ٍر في طريقهم إلى دفنهَ ...س َخ َرت منهم عجوز ...قالت: \"على مسؤوليتي اكتبوا :وج ٌع محمو ُل على أكتاف الكلمة وعم ُق العبارة إحتوايا على الزمان والمكان والدلالة الفكرية بصورتها الظاهرة أو ال ُمستترة وكله ُم بحسب لوحة الإستقبال لدى القارئ 84
وننتق ُل لن ٍص آخر تتداعى حولهُ -وهذه َمق ِّدرة ً تُحسب للمبدع -عدي ٌد من التأويلات أودعها بمهارة ٍ سرد ِّية ٍ ُمتميزة •أنـــصـــاف \"قادني زبانية الدنيا إلى مصي ٍر خلتُهُ مجهولاً مثل الليل الذي داهمنا ونحن ندخل مدينة ً غير فاضلة ،قالوا : \"حان أجلك فاختر أنصافك مما تراه أمامك أشاروا إلى نصف امرأةٍ ونصف كف ٍن ونصف قبر. أمسكت بعد جه ٍد ضحكة هستيريةً وهم يأمرونني بدفع نصف الثمن من كل شئ .سألتهم أصدقوني ،هل أنا في حلم أم فقد ُت عقلي؟ رد عل ِّي مقدمهم -لا هذا ولا ذاك ،أنت اخترت أن تحيا نصف حياة .حان أجلك واستحقاقك الأنصاف فقط ماذا لو تخلي ُت عن كل شئ و اكتفي ُت بكفن كامل ٍ يستر عورتي -لا يمكن ،النصف الثاني من عورتك لم يحن أجله بعد 85
\"مـــالــك الــمــقــبــرة\" \"أهالوا التراب عليه وانصرفوا ،كثر ممن ذرفوا الدمع بصقوا على القبر وغادروا ،هالني الأمر ،جارتي الأربعينية ه ِّونت عل ِّي عندما ح ِّدثتني عن الد ِّفان الذي يأتي ليضاجعها مثل كل ِّب ليلة خميس ،جاري الخمسيني ح ِّدثني عن زوجته التي تزوره في ذكراه السنوية من كل عام ،و تحدثهُ عن النعيم الذي أورثتها إياه ،في زيارتها الأخيرة ،شكت له و حدتها وحاجتها إلى رجل، منحها مباركته بشرط أن تتخ ِّلي عن كل أملاكه وانقطعت عن زيارته منذ ذلك الوقت ،جارتي و جاري وغيرهما بأعما ٍر مختلف ٍة ..حاصروني بسؤا ٍل محرج : ما سبب البصاق ؟ أخبرتهم الحقيقة .اشتري ُت المقبرة مع حرية التصرف بأمواتها ،عند ذاك حدثني بعضهم عن مشكلات المقبرة ،مثل عفونة الأحياء وضرورة إقامة جدا ٍر عاز ٍل بيننا وبينهم النماذج ال ُمختارة من هذه المجموعة القصصية تضعنا مباشرةً أمام قُدرات ال ُمبدع و إدراكهُ الواعي ليس فقط بتقنيات القصة القصيرة جداً والومضة القصصية ،لكن عن كيفية إعادة صياغة المشاهد والأحداث والسلوكيات وردود الأفعال الواقعية و في البيئات ال ُمختلفة بعد رصدها و الولوج إلى العوالم الخفية للشخصيات ودون التعري ُف بها إستناداً إلى خلفيات القارئ 86
ففي كل قص ٍة مما جاء بعاليه تُج ِّس ُد الجملة أجواء وشخصيات المشهد أو الحدث ال ُمختار بما لا يحتم ُل أي إضاف ٍة ،التي قد تُسق ُط النص من عليائه لينفرط ويتش ِّظى ليخر َج من التأطير والتوصيف الذي سعي إليه ُمبدعنا القدير \"مالك المقبرة\" إسماً وغلافاً َيجعلانا نرى أو نُحي ُل هذه المشاهد ال ُمكثفة إلى ما َيج ُب أن َن ْقبرهُ و نواريه الثرى في حال تَطلُعنا بإقصاء ما في مقبرة المجتمع م ْن تَدنيا ٍت قيم ِّي ٍة و سلوكي ٍة ،تجعل من عفونة عالم الأحياء أقسى و أش ُد من عفونة عالم الأجساد التي في المقبرة 87
مــشـكـا ة ا لـتـحـد ي سعاد الزامك ( مصر) \"الأكث ُر غرابة ً من هذه؛ الغرابة نفسها أن تتــحول الأشـياء -التي كان ينبغي النظــر إليــها على أنــها غريبة -إلى أشــيا ٍء عــاد ِّية ومـــــألوفة \" د .شاكر عبد الحميد \"الغرابة المفهوم وتجلياته في الأدب \" كلمة الكاتبة : منذ بدء الخليقة رأى الإنسان ظواهرا ً الطبيعة الغريبة التي استحالت على إدراكه ،فأثارت مخاوفه وشحذت خياله في محاولة ٍ لتفسيرها بمدركاته البسيطة كخرافا ٍت وأساطي ٍر في كل المجتمعات على م ِّر العصور ُغلاف \"مشكاة التحدي\" للروائية /سعاد الزامك و أيضا ً عنوان الرواية يضع الكاتبة فعلا ً في \"تحدي\"، فالمشكاة لفظا ً وكلمة ً وردت في القرآن الكريم وهو 88
المعلم الخالد للغتنا العربية والمبدعين بها لُغة ً وصوتا ً وفنا ً بصف ٍة عامة ،والمشكاةُ هي الك ِّوة أو التجويف غير النافذ في الجدار والذي كان يوضع داخلها وحدات الإضاءة كالشمعة ،أو المصباح الضوئي أو أي وسيلة إضاءة في الماضي وقبل معرفة الكهرباء ،واستخدامها كإسم لرواية يحم ُل دلالاتا ً عدة ،منها لغة النص الراقي التي تعكس رقياٌ خاصاً وتمكن من الكاتبة من خلال إدراك وحفظ جماليات التعبير القرآني باللغة العربية كما وردت بالقرآن الكريم ،حتى أننا نجد مقاطعا ً وعبارات سردية طويلة تحوي كلماتا ً تؤكد المرجعية السليمة للكاتبة ،وقدرة ً ودرجة ً رفيعة ً من الإتقان للُغَتها العربية الأمر الذي مع الحروف الطباعية ال ُمختارة يجعلنا أمام متن يرقى لمستوي غير عادي ومتميز في أمرين؛ تطويع اللغة العربية واستحضار جمالياتها، وأيضا ً كإضافة وتعظيم من الكاتبة للغتنا العربية وتأكيداً أنها لُغة إبداع لمن يشاء ،أن ُيتقن الإبداع \"دعاء سيدة تطرق أبواب العقد الخامس ،يتمايل قوامها بين الإمتلاء والنحافة ،ض ِّنت على نفسها بالإعتراف بجاذبيتها برغم مديح ٍ مبالغ فيه ممن حولها ،كم تأججت وجناتها خجلا ً من تعليقات جريئة إلى أبعد الحدود من بعض الرجال ،رغم أنها لم تتمتع من الجمال سوى بالمقدار الذي يُخ ِّضبها بالأنوثة حسب ظنها إلا أنها كانت تقطن في مقلتيها تلك الحورية التي يتساقط الرجال 89
صرعى على عتباتها من أجل الاستئثار بحبها دون الآخرين وقد تفننت في لغة الحوار داخل النص فجعلت من عربيته واقتضابه بحنك ٍة ودراي ٍة يمضي في توا ٍز مع السردية العربية التي اختارتها لغة ً لنص يطوي داخلهُ سمات خاصة للإختلاف والتميز العراف لا يخدعنك الأمل بالتسرع في البناء بأية كائنة ،تم ِّهل جيداً لأنها الوحيدة ال ُمق ِّدرة لك في اللوح المحفوظ لتحقيق غايتك وتوازي أيضا ً مع هذا الرقي اللغوي ،لوحة الغلاف تعبيرا ً مرئيا ً شدي َد العمق عن الصراع الدائم وال ُمستمر وال ُمعاناة الطاحنة في دائرة أو دوائر العلاقات الإنسانية والمجتمعية ،وحين تتكثف هذه ال ُمعاناة فتكون كطاحون ٍة أو دوام ٍة درامية حول المرأة َسحقاً لها وإقصا ًء لدورها الإنساني الموازي والمساوي لدور الرجل حقوقاً و واجباتا ً ،فحين هو الذي يتمسك بحقوقه كاملة ً وغير منقوصة ،وينفل ُت من واجباته ،بينما هي تلتزم بل وتضحي ببعض من حقوقها ،وتتمسك في نفس الوقت بالواجبات ،ليس فقط تمسك الغريق بأسباب الحياة ،ولكن أيضاً تحقيقاً للذات وفق القيم والمشاعر و الآمال 90
فَ ُيمث ُل \" الثور\" -بسواد لونه ال ُمضاد وقرونه وصلادته وقوة عضلاته -جبروت الرغبات العمياء الجامحة ،في حين تُمث ُل الأنثى -المرأة وبملامحها وبإغماضة عينيها تَعني -عدم المبالاة والإكتراث والبرود وعدم الإحتفاء \"لملمت ثيابها الممزقة ،وأعادت تنسيق شعرها المتناثر في جديلة جديدة ،ثم كفكفت دمعها بيد مرتجفة ،وحملت إبنتها تحملها قدماها بالكاد ،وغادرت الحديقة المشئومة إلى منزلها ،ظلت طوال الطريق تفكر فيما حدث ،وكيف ستواجه زوجها القاسي الطباع ،هل سيغفر لها خطيئة لم تقترفها وقد اُجبرت عليها؟ الغلاف ،يُهيئ القارئ والباحث لمضمو ٍن منثو ٍر بحنك ٍة في ثنايا الرواية إن المثير في النص هو الإبداع الهندسي في تشييد البناء الفني للرواية والتوازي الرائع بين ُمك ِّونات الأحداث والمشاهد ال ُمت ِّممة لبعضها بين ما هو اُنس ِّي وجن ِّي ،الذي تتطلب إمعاناً في فهم الجداليات ،والتهويمات بين ماهو واقعي و ُمتآلف بين البشر من موروثا ٍت عتيقة تحم ُل في طياتها تعادلية وتوازنات بشرية لغير المفهوم من ُمدركا ٍت شبه محسوسة ،وملموسة في حياة قطاعا ٍت وفئا ٍت ُمختلفة من المجتمع يتساوى الجمي ُع فيها ما بين الأميين والمثقفين ،وحتى بين أصحاب ال ُمعتقدات الدينية على اختلافها وتباينها ،هذا البناء الفني ،والمزج الرائع، بالقطع والوصل – أشبه بال ُمونتاج التقني الحديث -يُعد 91
أسلوبا وتقنيةً ُمبهرةُ للقارئ ليتضاعف شغفه ورغبته لاستكناه مدى هذا الترابط أو حتميتهُ غير ال ُمبررة بين ما هو معلو ٍم ومجهو ٍل أسبابهُ في الواقع ال ُمعاش والمحسوس والملموس في الحياة ،فكانت الشخصيات بتعددها وهيأتها النفسية وال ُمجتمعية داعمة للفكرة التي قام عليها هذا الصرح الفني ال ُمتميز الذي إعتلت به ال ُمبدعة منصة لا يرتقيها إلا قادراً على الإضافة الراقية بعناصر إبداعية في السرد والبناء المعماري ال ُمختلف وعادة ما تكون الإبداعات النسائية ُمميزة و الأكثر دقة ً وقدرة ً على إبراز بعض خفايا عالم المرأة و نقاط قوتها وضعفها كإنسا ٍن لهُ ظواه ٌر وبواط ٌن ُمتباينة في علاقاته وتواصله مع أسباب الحياة ودرجات ال ُمعاناة في تحقيق الطموحات والآمال ومعالجة الإنكسارت في دروب ومسالك ُمختلفة َيحف بها -أحياناً -بجانبيها تهويما ٍت، وفزاعا ٍت شبه عبثية أو غير منطقية أدعي لتصورا ٍت حدثنا عنها في كتابه القيم دكتور /شاكر عبد الحميد .. \" الغرابة ..المفهوم وتجلياته في الأدب \" 2009 ( . – 2011م القاهرة المنامة) \"الأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها أن تتحول الأشياء ،التي كان ينبغي النظر إليها على أنها غريبة إلى أشياء عادية ومألوفة وحيث يقول: 92
تلك العلاقات الموجودة بين أساسيات الخوف و الفزع والرعب من الإحساسات المخيفة ،وعن تطورالذات – وارتقائها – نحو السواء أو نحو التفكك والإختلال والمرض وما يُصاحب هذه الحالات من مشاعر وحين يتحدث عن فكرة القرين أو الشبيه في الأدب إن الإختلال عندما يتفاقم قد يؤدي إلى الإزدواج ،و قد يحدث هذا الإزدواج عند مستوى الوعي فتظه ُر الشخصية المتناقضة المدعية المنافقة أو ذات الحياة السرية ...الخ ،وقد يخرج الأمر الخاص بهذا الإختلال على السيطرة ،فتظهر ظاهرة القرين من هذا المفهوم ،وفلسفاتهُ ،التي وردت بكتاب أستاذنا د /شاكر عبد الحميد ،أنشأت الكاتبة بنياناً روئياً قوياً، وجديدا ً مزجت فيه ما بين معاناة المرأة الشخصية في رحلتها الحياتية الضا ِّجة بالطموحات والمشاعر الشخصية ،وما بين الموروث الثقافي الإعتقادي السائد بين عامة البشر عن الغرابة والغرائبية الميتافيزيقية واللاعقلانية التي تحم ُل في غرائبيتها ال ُمعادل المنطقي لهذا الغير معقول والغير مفهوم من إشكاليات كأنها وجود مماثل ومواز ٍ للوجود الواقعي ،والذي أحيانا ما يحد ُث بينهما نوعٍ من التبادل ،والإختلاط ،والإمتزاج الذي َيقر ُب من نوعية التوحد والإحلال في حياة بعض البشر سوا ًء بصور ٍة مرضية أو بصورة مقاومة سلبية 93
لضغو ٍط غير ُمحتملة لتحقيق الرغبات أو الطموحات الذاتية يقول عصام أحد شخصيات الرواية: \"أنت نتاج علاقة والدتك مع قرينها ،فكل تصرفاتك تدل أن بك جزءا ً من جني ،ليس عقلا ً باطنا ً وظاهرا ً كما ظننت \"خالجها خوف شديد من كون قرينها قد وطأها وأن أحد أبناءها نتاج تلك العلاقة ال ُمحرمة هذا ملم ٍح إبداعي من قدرة الكاتبة على إدراك الحد الوهمي والفاصل بين علاقة ثنائية ُمتباينة بين نوعين من الخلق الإلهي \" الإنس والج ِّن \" وكان َمعينها الأول هذا الموروث المتراكم والمتناقل بثبا ٍت بين الأجيال ، وكيف حقق العقل البشري القاصر عن الإدراك هذا التلاحم ،والتزواج بينهما و أنشأ مساحة تربط بينهما تكون َمعبراً إلى درج ٍة من السواء النفسي ،وإنتشالاً عند حد السقو ٍط في هوة الإنكسار و الأنهيار اخت ُم بعبارة وردت في كتاب استانا ونالقدنا القدير د / .شاكر عبد الحميد \"إن المهم في تفسير القصة ليس الجانب الواقعي منها فقط ،ولا الجانب الخيالي فقط ،بل ذلك التردد و التأرجح و الإلتباس و الغموض الموجود بينهما 94
الغرابة والإغتراب فى التراث الشعبي في يوميات من باطن الأرض الأديب والشاعر / طارق فريد ( مصر) د كتور شاكر عبد الحميد في كتابه \" الغرابة المفهوم و تجلياته في الأدب أورد هذه العبارة للجاحظ يقول فيها الجاحظ ؛ متحدثاً عن الجان والأشباح فى كتاب \" الحيوان \" \"ومن انفرد وطال مقامه في البلاد والخلاء ،والبعد من الأنس – استوحش – لا سيما مع قلة الأشغال والمذاكرين ..والناس لا يفزعون إلا من شئ هائل شنيع ،وقد عاينوه أو ص ِّوره لهم واصف صدوق اللسان، بليغا ً في الوصف ،ونحن لم نعاينها ولا ص ِّورها لنا صادق\" . ما بين الإهداء والمقدمة التي كتبها الكاتب قد نكون بحاجة إلى التوقف على عتباتهما قبل الولوج إلى النص، فكلمة \" المحن \" في الإهداء تحمل إلينا عصاً نتوكأُ عليها لندر َك الداف ُع إلى هذه السردية في قالبها الروائي 95
الخيالي الذي اختارهُ الكاتب تعبيرا ً وتوصيفاً عن ُمعاناة الإنسان في بدايات قرننا الحالي ،كما أنهُ في المقدمة، يُشي ُر إلى التأثير ال ُمباشر وغير ال ُمباشر لتراثنا العربي بصف ٍة خاصة والشرقي بصف ٍة عامة الذي يستمد هذا التأثير قوته ومدى تأثيرهُ من البيئات و التجمعات البشرية على اختلافها ،حيث كان \"الحكي\" والنقل الشفاهي من الأجداد إلى الآباء و الأمهات عن التفسيرات لغير ال ُمد َرك من الظواهر الغير عادية والتي تكا ُد تكو ُن ملموسة ،ومرئيةُ رئي العين ،و يُستن ُد إليها في كل الأحيان للشعور بالراحة والإطمئنان ،حين تعج ُز القلوب والعقول عن إدراك وفهم ما لا أ ِّمكن إدراكهُ وتفسيرهُ بإسلوب علمي أو منطق ِّي ،تحقيقاً لرضاء نفس ِّي ُيعيد التوازن قبل السقوط في دوامات الإحباط والإنزواء التي قد تؤدي لأمراض ٍ نفسية ٍ خطيرة وهذا كثيراً ما يحد ُث بين وفي كل البيئات والطبقات الإجتماعية على اختلاف ثقافتها ودرجات الأُم ِّية ال ُمتفش ِّية والتي تُر ِّه ُل الأمة وتُعي ُق من حركة النهوض واللحاق بالأُمم من حولنا جاء في الأهداء : فالحياة تظل مجهولة في عيون من نحب حتى تأتي المحن و المواقف بخريف العلاقات الزائفة ،فكم أنت رائعة ً أ ُيتها المحن وجاء في المقدمة 96
\"يوميات من باطن الأرض رواية من وحي الخيال لا تم ُت بصل ٍة لأي واقع و أحببت من خلالها أن أوجه رسالة للإنسان لع ِّلي أكون قد ُوفقت في نقلها وقد يكون لها صلة مع بعض ما جاء من تراثنا الشعبي من الموروث أو الحكايات التي تم نقلها عن طريق الرواة أو د ِّون البعض كتابة ً ،فهي وإن تب ُد مستحيلة في عالم الإنس إلا أنها قد تكون نادرة الحدوث في عالم آخر إذا ً ...نحن أمام رواية سردية محمولة على دعائم ٍ من الخيال ،والموروث الشعبي من التراث الذي انتقل إلينا عن طريق الرواة ،وبعض الكتابات ال ُمتفرقة والتي كما َن ِّوهنا تشك ُل الظهير الوجداني والفكري لمقومات الإنسان العربي الشرقي ،كما أن الرواية بلا شك مسبوقة بروايا ٍت ُمماثلة في أدبنا العربي بصو ٍر مختلف ٍة لعل أشهرها \"كليلة ودمنة\" ،وقصص \"ألف ليلة وليلة\" والعديد من قصص الخيال للكبار والصغار التي تُركز على إحياء القيم وبعثها ومن ث ِّم التمسك بها لتكون هوية للمواطن الصالح لأم ٍة صالحة• .الرواية تدور حول إنسان خريج علوم مثقف عادي وبسيط ،رحلت زوجتَهُ وطفلهُ الأول أثناء الولادة فاستدار للحياة وهجر المدينة واستقر حيث عمله كجيولجي وطبيعة عمله تكو ُن في الصحراء غالباً واستقر في قرية من القرى البسيطة الملاصقة عادة 97
للصحراء والبعيدة عن ضوضاء المدينة وما تزخ ُر به من علاقا ٍت و سلوكيا ٍت ُمختلفة عما في المدن ،أمضى سنوا ٍت ترافقهُ \" قطةً \" تؤنس وحشتهُ ويتزاملا في المأكل والمشرب والوحدة ،و كذا الصحة والمرض والسعادة أيضا ًَ ،يفتق ُدها وتفتق َدهُ ،لا يناما ولا يهجعا لراح ٍة إلا بتلاز ٍم شدي ٍد ،وفجأة تختفي \"بوسي\" وهذا اسم القطة ،ثم يعثر عليها ،وتكون المفاجأة الأولى أن هذه القطة من عالم الج ِّن ،ثم تكون المفاجأة الأكبر أنها عرضت عليه -بشرو ٍط -أن يصاحبها إلى عالم الجن والشرط الثاني وهو الأهم أيضا ً أنها اختارتهُ زوجاً لها، و أن عليه ألا يخبر أحداً ولا حتى أقربائه بذلك والثالث -وهو لا يق ُل أهمية -أن يكون في َطوعها ،فتكون له بهذه الطاعة والخضوع كل ش ٍئ في حياته حتى أنه لا يحتاج لش ٍئ غيرها ،فلا َيسأ ُل أو يتسائل عما خف ِّي عنهُ، والمفاجأة الأقوى أنه وافق ،وبدأ يستعد لرحل ٍة إلى باطن الأرض ،ليمر بعوالم من الجن ،كالج ِّن الأحمر ،والج ِّن الأسود ،والج ِّن الأبيض ،و هي من عالم الج ِّن الأبيض، الذي هو أقرب إلى الطبيعة البشرية السو ِّية مع اختلافا ٍت يسيرة ،يمضي معها في رحلة ٍ مجهولة وإن كان يعرف ُمستقرها عالم \"الجن الأبيض\" ،وتمضي الرحلة وتتكشف معهُ عوال َم الجن الأخرى ،و لكن بصورة ٍ أوضح عالم الج ِّن الأبيض وما به من عادا ٍت وسلوكيا ٍت قريب ٍة إلى ح ٍد بعي ٍد من عالم الإنس ،وتبدأ بدايات الرحلة بإتمام مراسم الزواج منها كأميرة وإبنة 98
أمير عالم الج ِّن الأبيض وبموافقته ،وتتم المراسم بصورة \"جني ٍة \" خرافي ٍة رائعة أبهرتهُ ،وأسعدتهُ، َويسك َن في قصر أمير الج ِّن ،الذي يوليه منصباً رفيعا عنهُ من ال ُمت ٍع َسمع يرهُ أو في القصر ،ويرى منها ما لم إليها النفس تَتُو ُق التي الزوجية ولرفاهية الحياتية البشرية ،و ُيرزق منها بطفلتين ،لكن النفس الإنس ِّية ُمخالفة للطبيعة الجنية ،فشعر بالملل ،وبدأ التساؤل في نفسه ،وانعكس ذلك على طبيعة الحب والود الذي يربطه بزوجته ،و والد زوجته ،وسأل بناته ع ِّم هو َم ْخ ٍف عنه خاصة ً اختفاء زوجته يوما كاملا كل أسبوع ،لتبدأ مغ ِّبة التساؤل الذي تع ِّهد على نفسه تجنبهُ، فالقاهُ عدم الإلتزام بهذا في مغ ِّبة وعقوبة نقض الوعد، وهي الطرد مرة أخرى من عالم الجن إلى عالم الإنس، ليعود مرة أخرى من باطن الأرض إلى سطح الأرض، ليؤكد لنا الكاتب كما جاء في نهاية المقدمة : إن السعادة كثيرا ً ما تأتي متأخرة بعد العناء والشقاء فيكون مذاقها أجمل بكثير من تلك التي تأتي دون عم ٍل و َك ٍد لتبره ُن على أن الإنسان أكرم و أذكى المخلوقات قدم الدكتور /شاكر عبد الحميد كتابهُ ..بهذه الفقرة : الأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها أن تتح ِّول الأشياء، التي كان ينبغي النظر إليها على أنها غريبة ،إلى أشياء عادية ومألوفة 99
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142