Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة

مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة

Published by alaaammar, 2021-12-12 13:06:45

Description: مجلة

Search

Read the Text Version

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫مجلـــــــــــة‬ ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫بالمجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلة فصلية متخصصة تُعنى بقضايا الفكر والثقافة‬ ‫العدد (‪2021 )2‬‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬أسامة إسماعيل حسن عبد الباري‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬علياء علي شكري‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إجلال إسماعيل محرم حلمي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬وفاء محمد أحمد إبراهيم‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬الصاوي الصاوي أحمد عبد الرحيم‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حسين علي حسن‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إيمان يوسف البسطويسي‬ ‫‪2‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬هشام عزمي‬ ‫مقرر لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى حسن محمد النشار‬ ‫رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية‬ ‫د‪ .‬غادة طوسون‬ ‫مدير عام إدارة الشعب واللجان الثقافية‬ ‫أ‪ .‬وائل حسين‬ ‫مدير ادارة التحرير والنشر‬ ‫أ‪ .‬آمال سليمان‬ ‫مراجعة لغوية‬ ‫محمد عصام‬ ‫تجهيز وإشراف فني‬ ‫علي الشيخ‬ ‫سكرتير فني‬ ‫فاطمة السيد عيد‬ ‫الأفكار التي تتضمنها إصدا ارت المجلس الأعلى للثقافة هي اجتهادات أصحابها‪ ،‬ولا‬ ‫تعبر بالضرورة عن أري المجلس‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫حقوق النشر محفوظة للمجلس الأعلى للثقافة‬ ‫شارع الجبلاية بالأوب ار ‪ -‬الجزيرة ‪ -‬القاهرة ت‪ 27352396:‬فاكس ‪27358084 :‬‬ ‫‪EL Gabalaya St. Opera House, El Gezira, Cairo‬‬ ‫‪www.scc.gov.eg‬‬ ‫‪3‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫المحتويات‬ ‫ •الفنون والآداب والهوية الثقافية في عصر العولمة‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬أحمد مجدي حجازي‪5 ..................................................................‬‬ ‫ •المعوقات الثقافية للفكر وللنهضة العربية المعاصرة‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬مصطفى النشار‪12 .....................................................................‬‬ ‫ •مدخل العلوم البينية والابتكار في بحوث الإعلام‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬علي عبد ال ارزق جلبي‪23 ..............................................................‬‬ ‫ •المنظومة الأممية والمساواة بين الجنسين‪ :‬الجهود والتحديات اليونسكو نموذ ًجا‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬شادية علي قناوي ‪35 .................................................................‬‬ ‫ •نحو رؤية استش ارفية لمستقبل علم الاجتماع في الوطن العربي‬ ‫أ‪.‬د ‪/‬محمد ياسر الخواجة‪45 .................................................................‬‬ ‫ •العقاد‪ ..‬و«هذه الشجرة»‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬حسين علي‪53 ..........................................................................‬‬ ‫ •الإعلام الجديد بين حرية ال أري والمسئولية الاجتماعية‬ ‫أ‪.‬د‪/‬سهير عبد السلام ‪58 ..................................................................‬‬ ‫ •“الإسلاموبيسيزم” “د ارسة سوسيولوجية نحو رؤية نظرية حديثة لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا”‬ ‫د‪ .‬نهال الدف اروي ‪63 ........................................................................‬‬ ‫ •أسطورة الأوب ار ‪ ..‬ماريا كالاس‬ ‫د‪ .‬ارنيا يحيى ‪97 ..........................................................................‬‬ ‫ •بيان بالأنشطة الثقافية التى تنظمها وحدة الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة‪99 ......‬‬ ‫‪4‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الفنون والآداب والهوية الثقافية في عصر العولمة‬ ‫أحمد مجدي حجازي‬ ‫مدخل أولي‬ ‫منذ إقحام العولمة في عالمنا المعاصر‪ ،‬تدور المناقشات ويتبارى الباحثون في شئون المجتمع‬ ‫حول مأزق الأصالة والمعاصرة‪ ،‬مركزين على إشكالية الهوية الثقافية للشعوب‪ ،‬وخاصة في الجزء‬ ‫الجنوبي من “القرية الكونية” وما أفرزته من مصطلحات حديثة مثل “جي ارن في عالم واحد”‪ ،‬و”ليب ارلية‬ ‫جديدة” و”ثقافة موحدة”‪ ،‬وجماعات تتواصل بلا حواجز أو قيود؛ لذا بات الحديث الأهم عن الهوية‬ ‫والخصوصية في علاقتهما التي تتسم بالتناقض بفعل إف ار ازت العولمة بآلياتها الاقتصادية والسياسية‬ ‫والمالية والاجتماعية والثقافية؛‬ ‫في التالي‪:‬‬ ‫حيث بات من المؤكد أن العولمة أضحت أمًار‬ ‫واق ًعا يتطلب الد ارسة العقلانية والبحث المتعمق الذي‬ ‫• ضمان الاستم اررية التاريخية للأمة‪.‬‬ ‫يتعلق بسؤال مصيري هو ما مستقبل الهوية الثقافية‬ ‫• تحقق درجة متقدمة من التوازن والتجانس بين‬ ‫في ظل عولمة تمكنت من تهديد خصوصية الت ارث‬ ‫البشري والحضاري بنسب متفاوتة في كل دول العالم‬ ‫السكان في مختلف جهات الوطن الواحد‪.‬‬ ‫دون استثناء؟ أو بعبارة أخرى ما موقف الأمم التي‬ ‫تواجه الاخت ارق الثقافي الكاسح المؤثر سلًبا على‬ ‫• تحافظ على مكانة وصورة الأمة أمام الأمم‬ ‫مقومات وركائز الهوية الثقافية‪ ،‬وما يصحب ذلك‬ ‫الأخري‪ ،‬وذلك من خلال الحفاظ علي الكيان المميز‬ ‫من انتقال للقيم الاجتماعية‪ ،‬وتشويه للثقافة المحلية‪،‬‬ ‫وطمس للعادات والتقاليد والأع ارف‪ ،‬والتخلص من‬ ‫لتلك الأمة‪.‬‬ ‫اللغة الوطنية‪ ،‬وقتل اللهجات المحلية؟ وكيف يمكن‬ ‫حماية الهوية الثقافية من الذوبان والتلاشي التي‬ ‫أولاً‪ :‬اعتبا ارت أساسية في تحليل العولمة الثقافية‪:‬‬ ‫تتعرض لهما؟‬ ‫على الرغم من شيوع تداول مصطلح العولمة بين‬ ‫ولا جدال في أن وجود المجتمعات تاريخًّيا‬ ‫المثقفين في العالم‪ ،‬إلا أن ما يحيط به من غموض‬ ‫وجغ ارفًّيا مرهوٌن – بالمقام الأول – بوجودها الثقافي‬ ‫يكاد هو المعبر عن السجالات التي تدور حوله‪،‬‬ ‫والحضاري الذي يميز شعًبا من الشعوب‪ ،‬والتي‬ ‫فبرغم زخم الكتابات والتحليلات حول الظاهرة وآليات‬ ‫تمده بمنظومة القيم الاجتماعية الداعمة للهوية‪ ،‬تلك‬ ‫تطبيقها في الواقع الفعلي‪ ،‬إلا أنه من الصعوبة بمكان‬ ‫الهوية التي تحقق جملة من الوظايف نذكر أهمها‬ ‫تحديد كل جوانب العولمة كعملية لها أبعاد ومجالات‬ ‫متشابكة ولا تقتصر على مجال واحد وإن كان في‬ ‫الغالب اقتصادي الهدف لذا تغيب أحياًنا المجالات‬ ‫الأخرى خاصة الثقافية منها‪.‬‬ ‫وفيما يلي نقدم بعض الاعتبا ارت التي تلقي‬ ‫‪5‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مع متغي ارت العصر‪ ،‬تتغير وفًقا لتلك المتغي ارت‪ ،‬إذن‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫فالهوية هي أحد مكونات الشخصية الوطنية عندما‬ ‫تتأثر يتأثر كذلك حامل روح الهوية فيفقد ت ارثة الثقافي‬ ‫الضوء على الظاهرة وتحليل أبعادها وتأثي ارتها على‬ ‫وتفقد الأمة مكانتها الحضارية بين الأمم‪ ،‬فلا مكان‬ ‫مجمل الحياة الاجتماعية المعاصرة‪:‬‬ ‫لمن فقد هويته في ظل عولمة لا تعترف إلا بإنسان‬ ‫‪ - 1‬لا ي ازل الجدل قائ ًما حول مفهوم العولمة‬ ‫«كوني» لا يعترف بالوطن‪.‬‬ ‫وآليات ممارستها‪ ،‬ولعل اختلاف الباحثين حولها‬ ‫يتعلق إلى حد كبير بقضية الهوية الثقافية‪ ،‬فالعولمة‬ ‫‪ - 6‬من يحلل خطاب العولمة يجد اختفاء كلمة‬ ‫تتجاوز الحدود ولا تقر بالوطن وهو ما يؤثر سلًبا على‬ ‫استقلال أو كلمة وطني أو عبارة تقرير المصير‪،‬‬ ‫الأمم التي يتعرض المواطن فيها للذوبان والتهميش‬ ‫وحلت محلها مصطلحات عولمية ومفردات مكرسة‬ ‫وتكون النتيجة فقدانه للانتماء والولاء جغ ارفًّيا وتاريخًّيا‬ ‫لوصف وتدعيم ثقافة موحدة لصالح السوق المعولم‬ ‫ولشرح قواعده الملزمة لكافة دول القرية الكوكبية‬ ‫وقيمًّيا وثقافًّيا‪.‬‬ ‫الجديدة والنظام العالمي المفروض‪ ،‬ولمديح م ازياه‪،‬‬ ‫‪ - 2‬يكاد يتفق معظم الباحثين على أن العولمة‬ ‫وكيفة الاندماج فيه والخضوع لميثاقه‪.‬‬ ‫في ثوبها الجديد هي الوليد الشرعي للشركات متعددة‬ ‫الجنسيات‪ ،‬تلك التي استطاعت السيطرة على معظم‬ ‫‪ -7‬تمكن صانعوا العولمة من بلورة «ثقافة‬ ‫أج ازء الكوكب في كافة المجالات دون أن تنتمي إلى‬ ‫افت ارضية عولمية» بملامح خاصة تسهم في احتكار‬ ‫التقنية والإنتاج الإعلامي على النطاق العالمي وهو‬ ‫وطن محدد أو دولة معينة‪.‬‬ ‫ما شكل نمط محدد من الوعي الثقافي المغلوط‬ ‫وفرض نماذج وفلسفات غربية التوجهات من خلال‬ ‫‪ -3‬غياب الصفة الوطنية عن هذة الشركات‪ ،‬لا‬ ‫إنتاج وتوزيع واستهلاك المواد الإعلانية‪ .‬وهنا لعبت‬ ‫يجعلها مل ًكا للبشرية جمعاء‪ ،‬إنها ملك الأغنياء؛ حيث‬ ‫الشركات متعددة الجنسيات أدواًار مؤثرة تمكنت من‬ ‫تخترق بأنشططها المتنوعة عش ارت البلدان وتنتج في‬ ‫السيطرة على أدوات التقنية الحديثة بهدف تغيير‬ ‫عش ارت البلدان الأخرى مصنعات وفق نظام الإنتاج‬ ‫اتجاهات الأف ارد سواء داخل المجتمع الغربي ذاته‪،‬‬ ‫أو خارجه‪ ،‬وكان التأثير الأكبر من نصيب الش ارئح‬ ‫عن بعد ‪.»»noitcudorP eleT‬‬ ‫الشعبية في داخل المجتمعات التقليدية التي استدعت‬ ‫‪ - 4‬في ظل العولمة يختفي دور المصمم ليحل‬ ‫التغلغل والاخت ارق الثقافي الغربي الموجه‪.‬‬ ‫محله مروج السلعة ومسوقها‪ ،‬تلك السلع التي تنتجها‬ ‫الشركات متعددة القوميات وفق نظام الإنتاج عن بعد‪،‬‬ ‫‪ - 8‬ت ارجع دور العملية الثقافية في المجتمعات‬ ‫والتي تلعب فيها وسائل الإعلام ووسائل التواصل‬ ‫التقليدية والنامية‪ ،‬فقد بات واض ًحا أن الاخت ارق‬ ‫الاجتماعي الأدوار المحورية في تشكيل طموحات‬ ‫الفكري يعمل بصورة متطورة على تهديد منظومة القيم‬ ‫الأصيلة ويشكل نمط من خلال ازدواجية الثقافية التي‬ ‫استهلاكية للمعارف وللثقافة المعولمة‪.‬‬ ‫تجتمع فيها تناقضات الأصالة والمعاصرة‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫‪ -5‬يجب أن نتنبه إلى أن الهوية هي صفات‬ ‫وأحاسيس وشعور ونمط حياة‪ ،‬هي في كل شيء‪ ،‬في‬ ‫الملبس والمأكل والموسيقي والفن والثقافة‪ ،‬في الحرية‬ ‫والمقاومة والصمود‪ ،‬إنها نمط معيشي متكامل يتفاعل‬ ‫‪6‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫الطبيعية‪ ،‬إلا أن العولمة كعملية لا تعترف بالتكافؤ‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫بين الثقافات‪ ،‬فمن أهدافها خلق حالة من عدم التوازن‬ ‫بين الشعوب‪ ،‬بل إنها تعمل من أجل التفرد والتفوق‬ ‫إلى تغيير ملامح الثقافات الوطنية وتذويب عناصر‬ ‫الغربي والثقافة هي أحد أهم آلياتها؛ لذا نتفق مع ما‬ ‫مكوناتها في ثقافة عولمية موحدة‪.‬‬ ‫توصل إليه المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه من أن‬ ‫موجات نقل مظاهر التحديث بثقافتها الاحتكارية يمكن‬ ‫‪ - 9‬وعلى الرغم من كل ما سبق من آليات‬ ‫أن تحيي النزعات السلفية التي تحاول الدفاع عن‬ ‫عولمية استطاعت الهيمنة علي عقول البشر وتغيير‬ ‫الهويات الضائعة أو التي بسبيلها إلى الضياع بسبب‬ ‫اتجاهاتهم إلا أنها آليات «لتوحيد مصطنع للعالم»‬ ‫آليات العولمة الساعية إلى تحديث آلياتها الثقافية‬ ‫كما يقول جان زيجلر؛ حيث برزت النزعات القومية‬ ‫وتقنيتها الإعلامية المتطورة‪ .‬والدليل على ذلك تنتزع‬ ‫والتيا ارت السلفية كرد فعل لعملية العولمة الثقافية‬ ‫عولمة التحديث شرعية الفكر السلفي وُيعطي لرواد‬ ‫ودفا ًعا عن انتماء ديني ناتج عن صناعة فكرية‬ ‫التنوير مكانة في صدر المسرح الاجتماعي‪ ،‬وهذا ما‬ ‫لا يقبله الت ارث الفكري التقليدي لعوامل ثقافية ودينية‬ ‫بتوجهات كوكبية ممنهجة ضد إنسانية البشر‪.‬‬ ‫لها القوة والشرعية في هذه المجتمعات‪ ،‬كل هذا يؤدي‬ ‫‪-10‬توظيف العلم للاخت ارق الثقافي والهيمنة على‬ ‫إلى التفكك والازدواجية وضياع الهوية‪.‬‬ ‫الثقافات التقليدية بهدف طمس هوية الشعوب بات‬ ‫الهدف الرئيس للعولمة الثقافية‪ ،‬ومن أجل تحقيق‬ ‫وربما يكون السؤال المثار والأهم هنا يتمثل في‪:‬‬ ‫الهدف تعددت آليات السيطرة ك ًّما وكيًفا بين ثقافة‬ ‫ما موقفنا من العولمة وتحدياتها الثقافية؟ وكيف‬ ‫قومية وأخرى‪ .‬ولا شك أن المتابع للب ارمج التي تبثها‬ ‫نتعامل في المستقبل مع مأزق العولمة؟ وهل يمكن‬ ‫الإذاعات المختلفة‪ ،‬حتى العربية منها‪ ،‬يلاحظ بوضوح‬ ‫التمسك بالهوية في ظل تقنيات تسارع الزمن في‬ ‫إظهار تفوق الثقافة والحضارة الغربية‪ ،‬وتغلغل قيم‬ ‫التطور والتحكم والسيطرة؟ وهل يمكن أن نقف أمام‬ ‫الليب ارلية الجديدة داخل المؤسسات الوطنية ذات‬ ‫الصلة بالثقافة‪ ،‬مناهج الد ارسة في مؤسسات التعليم‬ ‫الترويج الكاسح للخطاب الثقافي للليب ارلية الجديدة؟‬ ‫المختلفة وفي م اركز البحث العلمي‪ ،‬بالإضافة إلى ما‬ ‫تقدمه المؤسسات ال أرسمالية‪ ،‬كلها تصب في إطار‬ ‫ثانًيا‪:‬عولمة الثقافة وحضارة السوق‪ :‬توصيف‬ ‫ترسيخ تفوق الغربي على ما عداه من الجنسيات‬ ‫علاقة العولمة بالهوية‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫عّلنا نشترك مع مارتن ولف في التساؤل الشائع‪:‬‬ ‫هل العولمة هي عملية غسيل حقيقية للأدمغة؟ وهنا‬ ‫وعلى الرغم من الشعا ارت المعلنة عن العولمة‪،‬‬ ‫نتسائل أي ًضا هل نحن مستعدون للمواجهة؟ وكيف؟‬ ‫التي تدعي توحيد العالم ونشر ثقافة عالمية موحدة في‬ ‫إن توصيف الحالة يشير إلى أن الخوف من‬ ‫القرية الكونية‪ ،‬فإن البحث المدقق في إشكالية العلاقة‬ ‫العولمة يرجع – في المقام الأول – إلى محاولة‬ ‫بين العولمة والهوية الوطنية يكاد بالدليل يدحض‬ ‫إثبات الذات الوطنية لدى حاملي الهوية‪ ،‬خاصة‬ ‫من الشعا ارت المغلوطة لصانعي العولمة‪ ،‬ونستطيع‬ ‫أن نؤكد – بالشواهد الواقعية – أن التبادل الثقافي‬ ‫‪7‬‬ ‫يصبح وارًدا بحق في حالة التكافؤ بين الثقافتين‪ ،‬وأن‬ ‫الاحتكاك الفكري أمٌر محمود بين الشعوب في حالته‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مع حضارة السوق العالمي من موقع التكافؤ‪.‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫• تداخل متعاظم عبر الحدود القومية لشئون الثقافة‬ ‫لدى شعوبنا التي ذاقت م اررة التدخلات الخارجية‬ ‫السياسية؛ حيث أصبحت العولمة تعبر عن نمط حياتي‬ ‫لفت ارت تاريخية طويلة ومؤثرة‪ ،‬وربما تكون العلاقة‬ ‫معين شاع الاعتقاد بأنه النموذج الأمثل‪ ،‬بل وتبنيه‬ ‫بين الكوني والمحلي‪ ،‬بين العام والخاص في مجال‬ ‫كفلسفة ورؤية للحياة والكون‪ .‬ومن شروط هذه الفلسفة‬ ‫إنتاج القيم الرمزية تمثل المشكلة الكبرى؛ حيث تأكد‬ ‫التخلي عما يسمى بالخصوصية‪ ،‬فمسألة الخصوصية‬ ‫لنا أن الثقافة أصبحت – على غير طبيعتها – تنهل‬ ‫هذه نادًار ما تثار بسبب طول عهدنا باكتساح هذا‬ ‫أسباب وجودها وشخصيتها من مصادر فوق وطنية‬ ‫النمط لحياتنا‪ ،‬وبسبب استخدامها لمختلف وسائل‬ ‫آتية من خارج حدود الوطن كنتاج حتمي لاخت ارق‬ ‫الترغيب والترهيب السياسي والسيكولوجي لتصدير ما‬ ‫عقول البشر وطمس الثقافات المحلية وعدم قدرة تلك‬ ‫الثقافات الاحتفاظ باستقلاليتها النسبية إ ازء النظام‬ ‫هو خاص على إنه إنساني وعام‪.‬‬ ‫العولمي المهيمن‪.‬‬ ‫• تنميط مت ازيد للسلوك البشري في اتجاه ثقافة‬ ‫معممة أو ما يسمي بـ «ثقافة الأمركة» لذا ُيطلق‬ ‫ورغم اختلاف العلماء حول دور العولمة في‬ ‫عليها ثقافة الهامبورجر وثقافة الكوكاكولا والأكلات‬ ‫طمس الثقافات الوطنية؛ فإن هناك حذًار شديًدا عند‬ ‫السريعة والدلفري وثقافة الجينز‪ ،‬وهو ما جعل جلال‬ ‫التعامل معها‪ ،‬فقد أدى تشكيل النظام العالمي الجديد‬ ‫أمين في كتابه «العولمة والدولة» يتساءل‪« :‬كيف‬ ‫– وفي جوهره العولمة – إلى نتائج وتحديات أكثرها‬ ‫يكون موقفنا لو أدركنا بأن هذا الذي تجري عولمته‬ ‫ثقافية‪ ،‬فقد لوحظ أنها غيرت من طابع الشخصية‬ ‫ليس إلا سل ًعا وخدمات بعينها ذات طبيعة وخصائص‬ ‫القومية‪ ،‬أو ما ُيطلق عليه أريك فروم طابع الشخصية‬ ‫معينة‪ ،‬أفرزتها ثقافة بعينها‪ ،‬وإنه ليس هناك أي الت ازم‬ ‫قانوني أو ديني أو خلقي أو فني يجبرنا علي قبول‬ ‫المجتمعية‪.‬‬ ‫هذه السلع والخدمات والثقافة بالذات؟‬ ‫وللتوضيح يمكن حصر تجليات العولمة في‪:‬‬ ‫إذن نحن نستهلك ثقافة وافدة وتلعب وسائل الإعلام‬ ‫• الانحسار التدريجي لسلطة الدولة مما أدى إلى‬ ‫دوًار مؤثًار في الترويج لتسويقها؛ حيث أصبح تصدير‬ ‫فقدان الثقة في مصداقيتها في عقول مواطنيها‪.‬‬ ‫تقنية الكلمة والصورة الإعلانية أكثر قدرة على جذب‬ ‫الكثرة من المشاهدين‪ ،‬وبهذا المعنى أصبحت الثقافة‬ ‫• أصبح تعظيم الفائض الاقتصادي يتم على‬ ‫سلعة (ظاهرة تسليع الثقافة) شأنها شأن السلع المادية‬ ‫الصعيد العالمي وهنا تغيرت موازين القوي بحيث‬ ‫الأخرى ودخلت مجال المنافسة غير المتكافئة‪،‬‬ ‫أصبحت الشركات متعددة الجنسية متحكمة عن‬ ‫فالدول التي تمتلك تقنية معرفية واتصالية ثقافية أكبر‬ ‫بعد في بناء ودعم قوي محلية تفرض ثقافتها وفًقا‬ ‫هي الفائزة في مجال التسويق السلعي في السوق‬ ‫العالمي؛ ولأن عدم التكافؤ بين الدول مسألة واردة‪،‬‬ ‫لمصالحها وتغلغلها في أج ازء العالم ككل‪.‬‬ ‫• انخ ارط معظم البلدان الساعية نحو التنمية إلى‬ ‫النظام المعولم مع ملاحظة عدم قدرة هذه البلدان‬ ‫علي تحقيق قدرة إنتاجية وطنية تمكنها من التعامل‬ ‫‪8‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫عليها الذوبان فيها رغ ًما عنها‪.‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫• أو تدخل في ص ارع معها‪ ،‬وتعمل علي تنظيم‬ ‫بل واقع لا مفر منه يصبح التثاقف أو التبادل الثقافي‬ ‫مناهضتها بحكم التناقض الحاصل بينهما‪.‬‬ ‫بين الشعوب ضرًبا من الخيال‪.‬‬ ‫ففي كل الحالات تتعرض مقومات الهوية إلى ما‬ ‫وواقع الأمر فإن عولمة الإعلام والاتصال تمثل‬ ‫ُيعرف بعولمة التنميط الثقافي لصالح سيطرة أرس‬ ‫تهديًدا للتعددية الثقافية وطم ًسا للهويات الوطنية‬ ‫المال الموجه من قبل الشركات عابرة القوميات التي‬ ‫للشعوب وقد ساعد على ذلك حالة الثقافة في بعض‬ ‫يتناقض وجودها مع الأنماط التي تجسدها الهويات‬ ‫المجتمعات الأقل تطوًار؛ حيث تعاني معظمها من‬ ‫ازواجية نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية بتقنياتها‬ ‫المحلية من خلال مقومات أساسية هي‪:‬‬ ‫وعلومها وقيمها الحضارية‪ .‬بالإضافة إلى التمايز‬ ‫الواضخ بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير‪ ،‬والنتيجة‬ ‫‪ -1‬اللغة الوطنية واللهجات المحلية المرتبطة بوجود‬ ‫الطبيعية استم ارر إعادة هيكلة الاقتصاد في هذه‬ ‫شعب ما وتطوره ومصيره‪.‬‬ ‫الدول بما يخدم المؤسسات الكبرى عابرة القوميات‪.‬‬ ‫‪ -2‬القيم الاجتماعية والدينية والوطنية التي تكونت‬ ‫ثالًثا‪ :‬تحديات العولمة الثقافية وأساليب المواجهة‬ ‫عبر العصور والتي تُكسب الشعب حامل الهوية‬ ‫حصانة تحول دون ذوبانه في ثقافات أخرى وتؤهلة‬ ‫‪1‬ـ تحديات العولمة الثقافية‬ ‫لمقاومة كل محاولات طمس الهوية‪.‬‬ ‫لما كانت الهوية – كما يشير صادق جلال العظم‬ ‫(نقلاً عن محمد حنفي في د ارسته بعنوان الهوية‬ ‫‪ -3‬العادات والتقاليد والأع ارف النابعة من تلك القيم‬ ‫والعولمة) – تمثل كل المقومات المجسدة للخصوصية‬ ‫(الإرث الثقافي)‪.‬‬ ‫المحلية التي يمكن أن‪:‬‬ ‫‪ -4‬التاريخ النضالي الذي ينسجه الشعب حامل‬ ‫الهوية من أجل المحافظة على هويته أر ًضا وقي ًما‬ ‫•تندرج في إطار العولمة بحكم التبعية والخضوع‬ ‫لتعليمات المؤسسات المالية الاحتكارية الدولية‪،‬‬ ‫وعادات وتقاليد وأع ارف‪.‬‬ ‫كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة‬ ‫العالمية‪ ،‬التي تملي على البلدان التابعة سياساتها‬ ‫‪ -5‬تفاعل الهوية مع ما هو إقليمي وقومي وعالمي‪،‬‬ ‫فالهوية لا تبقي منعزلة عما يجري من أحداث في‬ ‫بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاقتصادية‪.‬‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫•أو أن تكون جزًءا منها بحكم الاندماج الكلي‬ ‫أو الذوبان في النظام ال أرسمالي العالمي والارتباط‬ ‫وتب ًعا لذلك تتأثر الهوية بالعولمة حيث تتعرض‬ ‫المقومات الأساسية للت ارجع أو للتهديد من ثقافات‬ ‫المطلق بمؤسساته واعتبار المصير واحد‪.‬‬ ‫وافدة‪ ،‬وقد تحل عادات وقيم متناقضة محل قيم‬ ‫أصيلة إيجابية‪ ،‬كما قد يتعرض التاريخ النضالي‬ ‫• أو تقع فريسة لها‪ ،‬فتحتويها العولمة وتعرض‬ ‫للشعب حامل الهوية للتشويه الممنهج‪ ،‬وبناء على‬ ‫‪9‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫كافة دول العالم‪.‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫‪ -7‬الترويج لقيم وثقافات وسلوكيات قادرة علي‬ ‫تفاعل الهوية مع منظومة القيم الخاصة بالعولمة‬ ‫هدم الهوية وفرض حالة التبعية على الثقافة العربية‬ ‫يمكن أن تضعف اللغة المحلية وتت ارجع إلى الخلف‪،‬‬ ‫وهو ما يضعف من ثقافة المجتمع ويفقده حضارته‬ ‫الإسلامية من خلال التذويب الثقافي‪.‬‬ ‫كأهم مقومات وجوده‪.‬‬ ‫‪ -2‬مواجهة تحديات العولمة وحماية الهوية‪:‬‬ ‫ويمكن حصر أهم تحديات العولمة الثقافية في‬ ‫لحماية الهوية من الذوبان الناتج عن آليات العولمة‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫المعاصرة لا بد من اعتبار مقومات الهوية متكاملة‬ ‫المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية‬ ‫‪ -1‬التبادل اللا متكافئ بين العناصر الثقافية‪،‬‬ ‫فهي تجسيد لكل المقومات؛ لذلك ننطلق في مواجهة‬ ‫إذ يكون التبادل أحاد َّي الاتجاه مما يخلق مشكلة‬ ‫تلك التحديات من رؤية كلية نعرض لها فيما يلي‪:‬‬ ‫الخصوصية في ظل شمولية الاتصال‪.‬‬ ‫‪ -1‬دعم الاقتصاد الوطني وتحريرة من «الحاجة»‬ ‫أي من التبعية‪ ،‬ورفع القدرة الإنتاجية واعتماد اختيا ارت‬ ‫‪ -2‬الغزو الثقافي الناتج عن عدم القدرة على‬ ‫مواجهة الثقافة الغازية؛ آلية العولمة في تغيير‬ ‫اقتصادية نقيضة للاقتصاد ال أرسمالي العالمي‪.‬‬ ‫العقول‪ ،‬وبسبب الجمود أمام المتغي ارت العالمية الأمر‬ ‫الذي ينمي الشعور بالتهميش والاستلاب من الثقافة‬ ‫‪ -2‬تطوير اللغة الوطنية وجعلها ترقي إلى مستوى‬ ‫الأصلية والذوبان في ثقافات الغير وفقدان الهوية‬ ‫استيعاب مستجدات العلوم والآداب والتكنولوجيا‬ ‫الوطنية والقومية‪.‬‬ ‫المتقدمة في مختلف المجالات‪.‬‬ ‫‪ -3‬دعم التبعية الثقافية من خلال الاعتماد على‬ ‫‪ -3‬العمل على ترسيخ القيم الإيجابية في ممارسة‬ ‫الثقافات الوافدة في إنتاج وتطوير الثقافة الأصيلة مما‬ ‫الشعب حامل الهوية ومحاربة القيم السلبية التي لم‬ ‫يخلق حالة من التشويه بسبب عدم التكافؤ‪.‬‬ ‫تعد تتناسب مع م ارحل التطور في العالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬محو الشخصية القومية باستخدام تكنولوجيا‬ ‫‪ -4‬الاهتمام بتنقية الت ارث الثقافي وتجديد الفكر‬ ‫الإعلام فالهيمنة الإعلامية تُستخدم كوسيلة للسيطرة‬ ‫والاهتمام بالبحث العلمي كأساس لمواجة مشكلات‬ ‫على عقول البشر‪ ،‬وقد تصل إلى تشويه في الهوية‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫القومية والتشكيك فيها‪.‬‬ ‫‪ -5‬استحضار التاريخ النضالي للشعب حامل‬ ‫‪ -5‬إثارة الشبهات حول الهوية العربية والإسلامية‪.‬‬ ‫الهوية في الب ارمج الد ارسية‪ ،‬وفي وسائل الإعلام‬ ‫المختلفة وخاصة تلك الأكثر استهلا ًكا وعلى نطاق‬ ‫‪ -6‬الترويج لثقافة العولمة والتركيز علي نشر الثقافة‬ ‫الغربية وجعلها النمط النموذجي الأوحد وتعميمة علي‬ ‫‪10‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫خلال تطويع الثقافة الجديدة مع الثقافة الأصلية حتى‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫تصبح مزي ًجا من الأصالة والمعاصرة‪.‬‬ ‫أوسع كالقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت‪.‬‬ ‫الخلاصة‬ ‫‪ - 6‬توظيف مختلف الوسائل المتوفرة على‬ ‫ما يجري الآن في عالمنا المعاصر محاولات‬ ‫كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية‬ ‫لطمس الروح الوطنية والقضاء على خصائص‬ ‫والثقاقية من أجل الحفاظ على الشخصية القومية‬ ‫الشعوب تحت شعار «جي ارن في عالم واحد» ومن‬ ‫الوطنية ودعم الانتماء للوطن وتجنب طمس الهوية‬ ‫خلال تطوير آليات العولمة ليصل صانعوها إلى آلية‬ ‫وأهم تلك المؤسسات‪ :‬المؤسسات الاقتصادية الوطنية‪،‬‬ ‫ثقافية تخترق عقول البشر تمكنهم من التحكم في‬ ‫والب ارمج الد ارسية المختلفة‪ ،‬وم اركز البحث العلمي‪،‬‬ ‫مقد ارت الشعوب والأمم‪ ،‬وفي هذا الإطار تبدلت قيم‬ ‫والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الجماهيرية‬ ‫اجتماعية وتشوهت ثقافات محلية‪ ،‬و ُطمست عادات‬ ‫ومختلف الهيئات‪ ،‬والأح ازب السياسية ومنظمات‬ ‫وتقاليد وأع ارف وضعفت لغات أو تشوهت وهو ما‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬والنقابات والجمعيات الثقافية‬ ‫أسهم في ضعف هوية بعض الشعوب‪ ،‬تلك الهوية‬ ‫التي تُعد حائط الصد ضد محاولات التهميش والقضاء‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫على الدافع الأساسي لمقاومة ما يستهدف كيان‬ ‫حاملي الهوية‪ .‬ومن هنا كان لا بد من مواجهة تلك‬ ‫‪ -7‬ويتبقى الدور الأساسي للدولة التي يجب عليها‬ ‫التحديات والحفاظ على الخصائص المميزة للشعوب‪.‬‬ ‫– انطلاًقا من وطنيتها – توفير الشروط الموضوعية‬ ‫لحماية الهوية‪ .‬بدعم الديمق ارطية وتحرير أبناء الشعب‬ ‫نحن – إذن – في حاجة إلى التجديد من داخل‬ ‫من الحاجة‪ ،‬ومن الخوف‪ ،‬وتحقيق الك ارمة الإنسانية‬ ‫الت ارث وليس من خارجه‪ ،‬في حاجة إلى تفكيكه وإعادة‬ ‫له‪ ،‬فذلك من ركائز الأمن الإنساني ‪namuH‬‬ ‫تشييدة على أسس عصرية‪ ،‬في حاجة إلى تجديد‬ ‫الخطاب الثقافي والديني‪ ،‬وعلينا الاستعانة بتجارب‬ ‫‪ ytiruceS‬الداعم للهوية والانتماء والولاء للوطن‪.‬‬ ‫الأمم الأخرى التي حافظت على ت ارثها وضمنت له‬ ‫‪ -8‬العمل على الم ازوجة بين الأصاله والمعاصرة‪،‬‬ ‫أسباب الحياة والاستم اررية‪.‬‬ ‫بين الحداثة والت ارث الشعبي‪.‬‬ ‫‪ -9‬إيجاد رؤية وتصور للعالم علي أنه مجموعة‬ ‫واحدة تتبادل المنافع دون إسقاط الخصوصية التي‬ ‫تميز كل جماعة بموروثها الثقافي‪.‬‬ ‫‪ - 10‬رفض العزلة والهيمنة في الوقت ذاته‪ ،‬من‬ ‫‪11‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫المعوقات الثقافية للفكر وللنهضة العربية المعاصرة‬ ‫د‪ .‬مصطفى النشار‬ ‫أستاذ الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة‬ ‫إن قضية التقدم الحضاري للأمة لا ت ازل هى الشغل الشاغل للمفكرين العرب ولا ت ازل هي القضية المحورية‬ ‫لكل إنسان عربي مهموم بكل ما فى الواقع العربي من تشتت وتشرذم وص ارعات لا تنتهي فى الوقت الذي يعاني‬ ‫فيه الكثير من مواطنى المنطقة من الشرور الثلاثة‪ :‬الفقر والجهل والمرضوالحقيقة أن هذه الشرور الثلاثة‬ ‫تمثل فى اعتقادي العل َل القريبة لكل مظاهر التخلف والجمود الحضاري الذي نعاني منه!!‬ ‫التي من شأنها تحقيق القفزة النهضوية المنشودة‪.‬‬ ‫بينما تبرز العلل البعيدة لهذا التخلف إذا ما أدركنا‬ ‫أنه من المسلم به أن الأمم لا تتقدم إلا بخطط تنموية‬ ‫وفى اعتقادي أن هذه الأوهام ترتد فى النهاية إلى‬ ‫واضحة وبإ اردة مجتمعية وسياسية مصممة على‬ ‫أربعة؛ هى وهم الاعتقاد فى التفوق المطلق للحضارة‬ ‫إنجاز هذه الخطط على أرض الواقع‪ ،‬ومن المعروف‬ ‫الغربية‪ ،‬ووهم التنمية والتقدم بالصورة التى يفهمها‬ ‫أن أي خطط تنموية لا بد أن تكون متوافقة مع‬ ‫الغرب‪ ،‬ووهم الاعتقاد بأن الديموق ارطية هى النظام‬ ‫إمكانيات الأمة وقد ارت أبنائها‪ ،‬ومن ثم فأي خطط‬ ‫تنموية ناجحة ينبغي أن تكون مستقلة ونابعة من‬ ‫السياسي الأمثل‪ ،‬ووهم الأصالة والمعاصرة‪.‬‬ ‫معطيات الواقع وليس عبر التقليد واستي ارد الخب ارت‬ ‫‪ -1‬وهم تفوق الحضارة الغربية (وهم المعجزة‬ ‫الأجنبية‪.‬‬ ‫الغربية)‬ ‫يعيش العرب وه ًما كبيًار حينما يتصورون – تحت‬ ‫ومن وعينا بهذه المسلمات‪ ،‬نكتشف لماذا تقدم‬ ‫تأثير المؤرخ الغربي دائ ًما – أن الغرب هو صان ُع‬ ‫الآخرون وتخلفنا نحن؛ حيث يعانى الفكر العربى‬ ‫العلم و ارئد الفكر والتطور الحضاري؛ فالإنسان في‬ ‫المعاصر منذ صدمة اللقاء الحضارى الحديث بين‬ ‫الغربيين والعرب منذ الحملة الفرنسية على مصر فى‬ ‫الغرب هو صانع العلم مفهوًما ومنطًقا على يد فلاسفة‬ ‫نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬من الكثير من الأوهام التى‬ ‫وعلماء اليونان قدي ًما‪ ،‬كما أنه هو صانع مفهومه‬ ‫علقت بالذهنية العربية منذ هذا التاريخ‪ ،‬وكم حدثت‬ ‫الحديث ومناهجه الحديثة أي ًضا على يد فلاسفته‬ ‫محاولات للتخلص من هذه الأوهام‪ ،‬لكن الذى حدث‬ ‫وعلمائه المحدثين منذ كوبرنيقوس وكبلر ونيوتن من‬ ‫ولا ي ازل هو تغلغل هذه الأوهام ورسوخها عا ًما بعد‬ ‫العلماء‪ ،‬ومنذ فرنسيس بيكون وديكارت وجون لوك‬ ‫عام وحقبة بعد أخرى فى العقلية العربية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫وجون استيوارت مل من الفلاسفة إلى آخر سلسلة‬ ‫أصبحت حالة واقعة فى الفكر العربى المعاصر تعوق‬ ‫العلماء والفلاسفة من ذوي الاهتمام بمناهج البحث‬ ‫استقلالية المفكر العربي في كل المجالات وتحد من‬ ‫قدرته على الإبداع وابتكار الحلول لمشكلاتنا التنموية‬ ‫العلمي وفلسفة العلوم‪ .‬والحقيقة التي لا م ارء فيها أن‬ ‫ما فعله الغربيون قدي ًما أنهم أخذوا المنج ازت العلمية‬ ‫‪12‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫في ميادين عديدة كميدان اخت ارع الطباعة واستخدام‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الثروات المعدنية واستخدام القوى المائية والمكتشفات‬ ‫والفكرية القديمة من الحضا ارت الشرقية السابقة على‬ ‫المتصلة بها ‪ ..‬إلخ من جانب آخر‪2.‬‬ ‫اليونان وأضافوا عليها وخلصوها مما علق بها من‬ ‫شمولية وحس ديني صوفي ليجعلوها أكثر تجريًدا‪،‬‬ ‫إذن حينما نتحدث عن التطو ارت العلمية التي‬ ‫وهذا شأن أية حضارة تتأثر وتضيف من روحها‬ ‫أنجزها الغربيون المحدثون‪ ،‬ينبغي ألا ننبهر بها‬ ‫الإبداعية الجديد؛ لقد أخذ اليونانيون كل ما أبدعه‬ ‫ونتصور أنهم صانعوها وحدهم؛ لأن الحقيقة أنهم‬ ‫الشرقيون في حضا ارت الشرق الكبرى من علوم غلب‬ ‫ورثوا كل الت اركم العلمي الذي أنجزته كل الحضا ارت‬ ‫عليها الطابع العملي وطوروها وبدأوا تسجيلها في‬ ‫السابقة وركزوا من خلال مناهج مستحدثة في البحث‬ ‫مؤلفاتهم فنسبوا العلم والفلسفة إليهم فكأنهم صانعوها‬ ‫العلمي على تطويره وتحويله إلى مخترعات مفيدة‬ ‫من عدم‪ .‬وليس أبعد عن الحقيقة من ذلك الوهم‬ ‫لحياة الإنسان ورفاهيته في العصر الحاضر‪ ..‬ولا‬ ‫الكبير الذي لا ي ازلون يخدعوننا به‪ :‬أنهم هم أصل‬ ‫ينبغي أن ننسى أبًدا أن هذا التقدم ونواتجه الحالية‬ ‫العلم والفلسفة! بينما الواقع أنهم نقلوهما من الشرق‬ ‫دائ ًما هي صناعة بشرية عامة اشترك فيها كل البشر‪،‬‬ ‫ومن ثم فهو إرث إنساني عام ليس من حق الغربيين‬ ‫القديم وخاصة من مصر وبابل والهند القديمة( )‪.‬‬ ‫الآن احتكاره أو الُبخل بنواتجه عن الآخرين تحت‬ ‫ستار دعاوى قانونية واهية مثل حق الملكية الفكرية‬ ‫كما فعلوا نفس الشيء في مطلع ما يسمى‬ ‫بعصر النهضة الغربي؛ فقد بدأوها من الحصول‬ ‫وب ارءات الاخت ارع!!‬ ‫على إنجا ازت الحضارة العربية الإسلامية العلمية‬ ‫ممزوجة بالإنجا ازت العلمية لحضا ارت الشرق‬ ‫أما بالنسبة للعلوم الإنسانية والاجتماعية فلا مجال‬ ‫الأخرى – وخاصة الحضارة الصينية – في كافة‬ ‫للحديث عن التفوق الغربي فيها؛ لأن المفروض أن‬ ‫المجالات وسرعان ما نسبوها إلى أنفسهم في معظم‬ ‫مناهج وموضوعات هذه العلوم إنما ترتبط بواقع ينبغي‬ ‫الأحيان باستثناءات قليلة اعترف فيها بعض العلماء‬ ‫أخذه في الاعتبار حين د ارسة أية ظاهرة إنسانية‬ ‫والمفكرين الغربيين بما تأثروا به علوم وفلسفات‬ ‫أو اجتماعية‪ .‬ومن ثم فعلماء الاقتصاد والاجتماع‬ ‫الشرق‪ .‬والخلاصة أن ما حققه الغربيون من نهضة‬ ‫والسياسة فضلاً عن علماء النفس ينبغي أن تنبثق‬ ‫حديثة بدأت أي ًضا من إنجا ازت الحضا ارت السابقة‬ ‫مناهج د ارستهم ومحتواها من الوقائع المشاهدة‬ ‫عليهم والتي كانت صانعة التقدم في ذلك الزمان‪.‬‬ ‫والظواهر المستجدة في مجتمعاتهم هم وليس في‬ ‫ومن ثم فإن عصر النهضة الغربية – وكذلك العصر‬ ‫المجتمعات الغربية؛ إذ إن التخلف الذي يمكن أن‬ ‫الحديث – بما فيهما من تقدم علمي تجريبي تقني‬ ‫تعاني منه هذه العلوم إنما سيرجع ليس إلى مدى تقليد‬ ‫إنما استلهمت أسسه وقواه الدافعة ونظرياته الأساسية‬ ‫مثيلاتها في المجتمعات الغربية‪ ،‬بل بمدى م ارعاتها‬ ‫– على حد تعبير جاروري – من الحضارة العربية‬ ‫لحقيقة الوقائع المحلية التي ينبغي أن تكون هي‬ ‫مجال د ارستهم‪ .‬وإذا استدعى الأمر الاستفادة من‬ ‫الإسلامية من جانب‪ .1‬ومنج ازت الحضارة الصينية‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪ 111‬وما بعدها ‬ ‫(‪ )1‬انظر روجيه جاردوي‪ :‬حوار الحضارات‪ ،‬ترجمة د‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫عادل العوا‪ ،‬دار عويدات ببيروت‪ ،‬ط‪1986 ،3‬م‪ ،‬ص‪96‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫– أن هذا التقدم التقني والاقتصاد ال أرسمالي والحرية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الاقتصادية والفردانية في قيادة هذا التقدم بما يحققه‬ ‫ال أرسماليون ومؤسساتهم الخاصة لا يمكن اللحاق‬ ‫منهجيات مثيلاتها لدى الغربيين‪ ،‬فإن هذه الاستفادة‬ ‫به لا على مستوى الدول ولا على مستوى الأف ارد‬ ‫ينبغي أن تكون في أضَيق الحدود؛ فالمشكلات التي‬ ‫والمؤسسات الخاصة‪ .‬وبالطبع فإن قياس التقدم من‬ ‫تعاني المجتمعات العربية والإسلامية منها ليست هي‬ ‫المنظور المادي البحت هو سبب الإق ارر بالتخلف‬ ‫نفسها التي تعاني منها دول الغرب! ومن ثم ينبغي أن‬ ‫العربي على اعتبار أن الفجوة كبيرة بين متوسط دخل‬ ‫يركز علماؤنا في إبداعاتهم وفي د ارساتهم على إبداع‬ ‫الفرد في البلاد المسماة بالمتقدمة ودخله في البلاد‬ ‫المناهج والآليات التي تتوافق مع طبيعة الظواهر‬ ‫المسماة متخلفة أو باصطلاح مهذب النامية‪ ،‬فبينما‬ ‫المحلية موضوع الد ارسة للتوصل إلى حلول تناسبها‬ ‫يبلغ متوسط دخل الفرد في البلاد العربية (عامي‬ ‫وهي بلا شك لن تكون الحلول المستوردة من نواتج‬ ‫‪3791 ،27‬م مثلاً) ‪ 924‬دولاًار‪ .‬يبلغ متوسط دخل‬ ‫الفرد في أمريكا أكثر من ستة آلاف دولار ويقترب‬ ‫الد ارسات الغربية!‬ ‫من الأربعة آلاف دولار في أوربا الغربية‪ .‬وبالطبع‬ ‫فإن تسارع وتيرة التقدم في هذا المجال في البلاد‬ ‫والحقيقة التي أود أن أؤكد عليها هنا هي أن علماء‬ ‫الغربية كبير وهو بلا شك أكبر من مثيله لدى الدول‬ ‫النفس والاقتصاد والاجتماع والسياسة من العرب‬ ‫الأخرى‪ .‬فكأننا هنا أمام رجلين أحدهما يملك ربع ما‬ ‫والمسلمين قد تخاذلوا كثيًار حينما وقعوا تحت تأثير وهم‬ ‫يملكه الآخر من المال‪ ،‬فلا بد في الظروف الطبيعية‬ ‫التفوق الغربي في هذه العلوم وأخذوا بنظريات علماء‬ ‫أن يكون ربح الأغنى مالاً أكثر من ربح الأقل مالاً‬ ‫الغرب وحللوا من خلالها واقع مجتمعاتهم ونفسية‬ ‫بكثير‪ .‬فإذا مضت عدة سنوات فلا ريب أن الأفقر بين‬ ‫أف ارد شعوبهم والأنماط الاقتصادية لهذه الشعوب التي‬ ‫الاثنين على الرغم من ت ازيد ثروته مع الأيام‪ ،‬سيرى أن‬ ‫صاحبه الآخر قد ازداد ث ارء وغنى وتضاعفت ثروته‬ ‫ظنوا أنهم مثلوها ونظروا لواقعها!!‬ ‫وتضاعفت الفروق بينهما‪ .‬إن القضية التي تشير‬ ‫إليها هذه الملاحظة ليس ما فيها من صحة وصدق‬ ‫إن التخلص من وهم المعجزة الغربية في مجالات‬ ‫فحسب‪ ،‬بل القضية – فيما يقول حافظ المجالي‪– 3‬‬ ‫العلوم المختلفة إنما ينبع من الإيمان بأن العلم – في‬ ‫هي ما فيها من إيلام للمواطن العربي وتمزيق لقلبه‬ ‫مختلف فروعه – إرٌث بشري شارك في صنعه كل‬ ‫وملئه بالحس ارت على نفسه وعلى حاله المتردي من‬ ‫البشر وكل العلماء في مختلف الحضا ارت البشرية‬ ‫عبر تطورها الطويل‪ ،‬والإيمان في ذات الوقت بأن‬ ‫التخلف وفقدان الأمل‪.‬‬ ‫استنبات التكنولوجيا والتقدم العلمي داخل كل مجتمع‬ ‫إنما ينبغي أن يتم بآليات وعقليات ت ارعي ظروف هذا‬ ‫والأمر في اعتقادي ليس على هذا النحو‪ ،‬فليست‬ ‫المجتمع ومشكلاته الخاصة في كل مجالات الحياة‪.‬‬ ‫التنمية والتقدم بالمعيار المادي الغربي هي المقياس‬ ‫‪ - 2‬وهم التنمية والتقدم على الطريقة الغربية‬ ‫‪ 3‬حافظ المجالي‪ :‬بين التخلف والحضارة‪ ،‬منشورات اتحاد‬ ‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ‪1978‬م‪ ،‬ص‪. 21-20‬‬ ‫أما الوهم الثانى الذى نعيشه بالفعل‪ ،‬فهو أن التنمية‬ ‫‪14‬‬ ‫والتقدم لا يكونان إلا بحسب النموذج المادى الغربى؛‬ ‫فلقد وقر في ذهنية الإنسان العربي أي ًضا – منذ‬ ‫محاولات الصحوة الجديدة في مواجهة التقدم الغربي‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫و ارءها الإنسان الغربي ذاته‪ ،‬فهو الذي استعمر هذه‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫البلاد ونهب ثرواتها وعمد إلى تفتيت وحدتها وإزكاء‬ ‫الص ارعات بين قبائلها وزعمائها‪ .‬ولم يتركها إلا بعد‬ ‫الوحيد للتقدم‪ ،‬وليست المسألة مقصورة على ازدياد‬ ‫أن ربط اقتصادها باقتصاده‪ ،‬ولم يزرع فيها أبًدا‬ ‫الأغنى غنى‪ ،‬وازدياد الفقير فقًار‪ ،‬وليست عموًما‬ ‫أية إمكانية للتنمية الذاتية المستقلة أو أية إمكانية‬ ‫بالمال الذي يملكه هذا أو ذاك من البشر أو من‬ ‫للنهوض الذاتي حيث بؤر الص ارع المشتعلة دائ ًما‪،‬‬ ‫الدول‪ .‬وعلينا أن نتوقف لتأمل هاتين الملاحظتين‬ ‫وتضارب المصالح بين الناس على أشدهما دائ ًما‪.‬‬ ‫لنستنتج منهما المعنى الحقيقي للتنمية والتقدم وَم ْن‬ ‫ورغم الفقر والعوز يسعى كل فصيل للسيادة والسيطرة‬ ‫لعله يجد ما يسد به رمقه ويطفئ به شهوته ويحقق‬ ‫من الأمم الأرقى والأفضل!!‬ ‫به ك ارمة ازئفة أو سيادة خرقاء لا قيمة لها‪ .‬إن أسوأ‬ ‫ما في الأمر هنا هو أن نرى أن المساعدة تأتي ممن‬ ‫الملاحظة الأولى تبدو في هذا الأسى والألم الذي‬ ‫كان السبب في كل ما تعانيه هذه الشعوب من فقر‬ ‫نشعر به جمي ًعا حينما نشاهد مناظر أولئك الأفارقة‬ ‫مدقع وص ارعات لا تنتهي! إن أسوأ ما في الأمر هنا‬ ‫الجوعى سواء كانوا عرًبا أو لم يكونوا‪ ،‬وأجسادهم يبدو‬ ‫أن يتصور هؤلاء الغربيون أنهم إنما يقومون بواجب‬ ‫منها العظم وهنا وضعفا دلالة على الفقر المدقع وعدم‬ ‫إنساني عظيم يؤكد تحضرهم وتعاطفهم مع غيرهم‬ ‫وجود القوت الضروري لهؤلاء الناس! وكم نصيح‬ ‫من بني البشر! إنهم في الواقع يخدعون أنفسهم كما‬ ‫عندئذ قائلين‪ :‬ألا يستحق هؤلاء العون حتى نحميهم‬ ‫يخدعون غيرهم‪ ،‬فإنسانية الإنسان الغربي وهٌم كبير‬ ‫من هذا الجوع وهذا العطش‪ ،‬وكم ننبهر بهذا الإنسان‬ ‫‪ ..‬فليس إنساًنا من َحَرم غيَره ُسب َل العيش المستقل‬ ‫الغربي الرقيق الذي أتى بمؤسساته الدولية مثل الهلال‬ ‫والتنمية الذاتية وحسن استغلال موارده‪ ،‬ثم قدم إليه‬ ‫الأحمر والصليب الأحمر ووكالات الغوث الأخرى‬ ‫مساعدات ومن ًحا هى فى واقع الأمر تكئة للأخذ‬ ‫فيشملهم برعايته ويكسب ُوَّدهم بمعوناته! وكم نتعجب‬ ‫في ذلك الوقت من هؤلاء الجوعى والعطشى – وهم‬ ‫وللمزيد من الاستعباد‪.‬‬ ‫مع حالهم المتردي هذا – يتحاربون ولا يتوقفون عن‬ ‫قتال بعضهم البعض للسيطرة على هذه البلدة أو تلك‪،‬‬ ‫أما الملاحظة الثانية‪ ،‬فتتعلق بأنه لدينا مفهومنا‬ ‫ونتساءل مندهشين ‪ :‬ألا يرحم هؤلاء الناس أنفسهم‬ ‫الخاص للتقدم والتنمية لا يقوم على التقدير المادى‬ ‫ويتوقفون عن هذا القتال! ألا يسمعون صوت العقل‬ ‫ومضاعفة الفروق المادية بين الأغنى والأفقر‪ ،‬إن‬ ‫ويغلبون عواطف الأخوة والتشارك في الأزمة على‬ ‫الإنسان العربى المسلم لا ُيعنى كثيًار بمظاهر الث ارء‬ ‫الرغبة في السلطة والقفز على الحكم!! ألا ينبغي‬ ‫المادى؛ انظر إلى هؤلاء المسلمين الأوائل وهم‬ ‫لهؤلاء أن يو ِّجهوا ما لديهم من أموال إلى ش ارء السلع‬ ‫يفتحون بلدان العالم واحدة بعد أخرى‪ ،‬وهى البلاد‬ ‫وحفر الآبار وز ارعة الأ ارضي بدلاً من توجيهها لش ارء‬ ‫التى كانت شديدة الث ارء‪ ،‬فقد كانوا ينظرون إلى‬ ‫حدائقها الغناء وقصورها الفاخرة وتحفها النادرة نظرة‬ ‫السلاح والتقاتل الذي لا طائل من و ارئه!‬ ‫هامشية‪ ،‬فلا ينبهرون بهذا أو ذاك من هذه المظاهر‬ ‫إنها حقيقة مغالطة كبرى حينما نظل على هذه‬ ‫‪15‬‬ ‫المشاعر المتضاربة إ ازء كل ذلك‪ ،‬فالحقيقة أن و ارء‬ ‫كل هذه المظاهر المتناقضة التي ن ارها في أدغال‬ ‫الصومال وموزمبيق والسودان وأنجولا وغيرها‪،‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫إلى الولايات المتحدة‪ ،‬وتبينا صدق ما قاله رجل الدولة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الأمريكي هرمان‪ :‬إن المعونة المقدمة إلى البلدان‬ ‫المتخلفة وسيلة ممتازة تتيح للبلدان الفقيرة أن تساعد‬ ‫ويظلون محافظين على سلوكهم الفطرى العادى‬ ‫مكتفين كعادتهم وكما عّلمهم الإسلام بما هو ضرورى‬ ‫البلدان الغنية‪4.‬‬ ‫من المأكل و المشرب‪ ،‬إنهم لم يلتفتوا إلى هذا الث ارء‬ ‫الفاحش والاستمتاع به كما يفعل أثرياء العرب اليوم‪،‬‬ ‫إن علينا أن نفكر جيًدا في قناعات مفكر غربي‬ ‫ولم ينغمسوا فى ملذات الحياة على طريقة أعدائهم‬ ‫قدير مثل روجيه جارودي الذي عبر عنها في ثلاث‬ ‫كما يفعل العرب اليوم‪ .‬إنهم باختصار لم يقلدوا سلوك‬ ‫أهل هذه البلاد بل على العكس أجبروهم على أن‬ ‫نقاط‪:‬‬ ‫يتخذوا منهم قدوة‪ .‬إن التقدم الذى كانوا يؤمنون به‬ ‫هو التقدم بالمفهوم الإسلامى الذى يتمثل فى الحرص‬ ‫(‪ )1‬لقد تم تطور المجتمعات الاقتصادية الغربية‬ ‫على السلوك الحسن والقدوة الطيبة فى المعاملات‪،‬‬ ‫باقتطاع الموارد العالمية‪.‬‬ ‫الحرص على إقامة العدل‪ ،‬لقد كانوا يؤمنون بدونية‬ ‫(‪ )2‬عندما أذاعت المجتمعات الغربية الصناعية‬ ‫الدنيا وتفاهة الإقبال على ملذاتها‪.‬‬ ‫أنموذجها حرمت بلدان العالم الثالث عن جادة نموه‬ ‫إن المفهوم الإسلامي للتنمية الذي كانوا يؤمنون‬ ‫الأصيل وفرقت شمل ثقافاته‪.‬‬ ‫به يتركز في تنمية الإنسان عقيدة وسلوًكا‪ ،‬تنميته‬ ‫أخلاقًّيا‪ ،‬وترقية ذوقه ورهافة حسه حينما يتعامل مع‬ ‫(‪ )3‬إن نمط التطور الذي تمارسه المجتمعات‬ ‫الآخرين‪ ،‬إذ يكون صادًقا معهم في معاملاته‪ ،‬وفًّيا‬ ‫الغربية الصناعية يقود البشرية إلى درب مسدود‪5.‬‬ ‫بعهوده‪ ،‬كري ًما في أخلاقه‪ ،‬حري ًصا على أن يعرف‬ ‫وإذا ما فكرنا جيًدا في هذه النقاط الثلاث لأدركنا مدى‬ ‫أكثر ويزود الآخرين بما توصل إليه من إبداعات‬ ‫صدق مقولته شديدة الأهمية بالنسبة لنا‪ .‬إن السبيل‬ ‫علمية وفكرية بدون ادعاء أو م ّن‪ ،‬بدون تعا ٍل أو‬ ‫الوحيد لاستقلال بلدان العالم الثالث استقلالاً حقيقًّيا‬ ‫تعصب‪ .‬ذلك هو التقدم الحقيقي‪ ،‬التقدم الكيفي الذي‬ ‫هي الانسحاب قدر المستطاع من آليات المنظومة‬ ‫يبدو في السلوك في كافة مجالات الحياة‪ ،‬والحرص‬ ‫على إسعاد الآخرين بقدر الحرص على إسعاد الذات‪،‬‬ ‫ال أرسمالية العالمية‪6.‬‬ ‫لكن ليس عن طريق الاستغ ارق في الرخاء المادي‪،‬‬ ‫بل عن طريق الاعتدال في الحياة الدنيوية والحرص‬ ‫وفي اعتقادي أن التحلل من وهم التنمية والتقدم‬ ‫على اكتساب الثواب الأخروي الذي ُوِعد به المتقون‬ ‫بمعايير الغرب ال أرسمالي يبدأ من إد ارك هذه الحقيقة؛‬ ‫إذ إن آليات المنظومة ال أرسمالية العالمية كلها تعمل‬ ‫في الإسلام‪.‬‬ ‫لصالح التنمية والتقدم والتفوق الغربي وليس لصالح‬ ‫الشعوب الأخرى بأي حال من الأحوال‪ .‬ومن ثم‬ ‫وإذا ما أخذنا هاتين الملاحظتين في الاعتبار‬ ‫علينا أن نحرص على تنمية مواردنا المستقلة وإبداع‬ ‫لتفهمنا – على سبيل المثال – حقيقة وصدق ما‬ ‫الوسائل الكفيلة بصنع التقدم على الطريقة العربية‬ ‫قاله جوزيه دي كاسترو أن كل دولار تقدمه الولايات‬ ‫المتحدة إلى أمريكا اللاتينية يقابله ثلاثة دولا ارت تعود‬ ‫(‪)4‬نقلاً عن جارودي‪ ،‬حوار الحضارات‪ ،‬سبقت الإشارة‬ ‫إليه‪ ،‬ص‪9 1‬‬ ‫(‪ )5‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 92‬‬ ‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص‪. 91‬‬ ‫‪16‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫واللذة عد إلى العقل والطبيعة‪ ،‬عد إلى الاكتفاء بما هو‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫طبيعي وضروري‪ .‬وليكن العرب والمسلمون هم قادة‬ ‫هذا التوجه العالمي استناًدا على الرؤية الاقتصادية‬ ‫الإسلامية‪ ،‬وليس مهما أن نمتلك الثروات الطائلة‬ ‫والتنموية الإسلامية نحو الاقتصاد الإنتاجي والتوزيع‬ ‫العادل للموارد والمنتجات‪ ،‬الاقتصاد القائم على‬ ‫والأموال السائلة‪ ،‬بل الأهم أن نمتلك ما يكفينا من‬ ‫الإشباع المعتدل للحاجات دون اللهاث و ارء إشباع‬ ‫الحاجات المادية والمزيد منها‪ ،‬ذلك اللهاث نحو اللذة‬ ‫الغذاء والكساء وُسبل العيش الكريم دون الاعتماد‬ ‫والمزيد من اللذة التي تؤدي في النهاية إلى أن يفقد‬ ‫على المساعدات الغربية ودون الدخول في آليات‬ ‫الإنسان المعنى الجميل للحياة الهادئة التي تعتمد‬ ‫ال أرسمالية الجهنمية التي حولت العالم بالفعل إلى‬ ‫على كل ما هو طبيعي وتكتفي بما هو ضروري‪.‬‬ ‫ما أطلقوا عليه ال أرسمالية النفاثة التي لا مجال فيها‬ ‫‪ -3‬وهم الديموق ارطية كنظام سياسي أمثل أما الوهم‬ ‫الثالث الذى وقر فى أذهاننا نتيجة الإلحاح الغربى‪،‬‬ ‫إلا لأحد احتمالين‪ :‬إما أن تأكل أو تؤكل‪7 .‬ونحن‬ ‫فهو وهم أن الديموق ارطية هى النظام السياسى الأمثل؛‬ ‫فلقد صّدع الغربيون رؤوسنا بنظام سياسي لا بديل‬ ‫بالطبع لا نريد أًّيا منهما‪ ،‬بل نريد أن نخرج من‬ ‫له في نظرهم هو الديمق ارطية‪ ،‬وكأنهم اخترعوا النظام‬ ‫الأمثل للحياة السياسية التي تقوم على المشاركة‬ ‫دائرتهما الجهنمية وتوعية العالم بالالتفاف حول‬ ‫وإبداء ال أري والتصويت الحر‪ ،‬وصوروا لنا أن هذا‬ ‫هو الحل الوحيد والأمثل للدولة الفاضلة‪ .‬والحقيقة أن‬ ‫نموذج اقتصادي جديد ي ارعي العدالة ويحفظ حقوق‬ ‫الديمق ارطية كأي نظام من النظم السياسية الأخرى‬ ‫لها ما لها من ممي ازت وعليها ما عليها من عيوب نبه‬ ‫الجميع‪ ،‬جميع الدول وجميع العاملين‪ ،‬وعدالة توزيع‬ ‫إليها الفلاسفة منذ أفلاطون وأرسطو وحتى صاحب‬ ‫الموارد وتوظيفها لخدمة الإنسان على هذه الأرض‬ ‫كتاب ديمق ارطية القلة‪.‬‬ ‫التي استخلفنا الله عليها‪ .‬إن الاقتصاد والتنمية‬ ‫إن الديمق ارطية الحقة كانت الديمق ارطية الأثينية‬ ‫المباشرة‪ ،‬أما تطو ارتها الحالية فهي لا تفي بتحقيق‬ ‫الحقيقيين يقومان على الاستغلال الأمثل للموارد‬ ‫أغ ارض الفرد من الدولة‪ ،‬إذ إنه يعطي إ اردته لشخص‬ ‫أو لمجلس قد يعبر فقط عن مصالحه ومصالح‬ ‫الطبيعية التي حبانا الله بها‪ ،‬وليأخذ ك ٌّل قدر حاجته‬ ‫أعضائه وإهمال مطالب من اختاره أو من اختاروهم‪.‬‬ ‫إن قيم الديمق ارطية الحقيقية تتمثل بصورة أرقى‬ ‫وقدر جهده وعمله‪ ،‬وليتم التبادل بين الجميع لفوائض‬ ‫وأفضل فيما يعرف في الإسلام بالشورى؛ حيث‬ ‫يشاور الحاكم الرعية ثم يتخذ ق ارره ويتحمل مسئولياته‬ ‫إنتاجهم بعدالة في التسعير وعدالة في الاستغلال‬ ‫‪17‬‬ ‫لحقوق المنتج الحقيقي وهو العامل‪ ،‬فضلاً عن‬ ‫م ارعاة المساواة والعدالة التي يتحقق بموجبها الرضا‬ ‫للجميع عاملين وأصحاب رؤوس أموال‪ ،‬إن الاقتصاد‬ ‫الحقيقي هو الاقتصاد القائم على العمل والإنتاج‬ ‫واستغلال الموارد الطبيعية دون الإض ارر بالبيئة‬ ‫التي يحيا فيها الإنسان‪ .‬وأن تكون الملكية فيه من‬ ‫خلال العمل والإنتاج وليس من خلال اللعب بالأموال‬ ‫وكنزها والاستثمار فيها! وكم حذر فلاسفة السياسة‬ ‫والاقتصاد منذ أرسطو وابن خلدون وحتى ماركس من‬ ‫الاقتصاد ال ازئف القائم على كنز الثروات والمتاجرة‬ ‫والمضاربة بها! يا أيها العالم الغربي المجنون بالثروة‬ ‫(‪ )7‬انظر‪ :‬هاتربيتر مارتين وهارالد شومان‪ :‬فخ العولمة‪،‬‬ ‫ترجمة د‪ .‬عدنان دعبس‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة (‪ )438‬الكويت‬ ‫‪1989‬م‪ ،‬ص‪ .36-27‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫كفلها الإسلام للإنسان‪ .‬وهي التي اقتبسها واعتمدها‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الغربيون بعد طول عناء واعتبروها هي أساس الميثاق‬ ‫العالمي لحقوق الإنسان‪ .‬ولكن ممارساتهم للأسف‬ ‫أمام الشعب بعد ذلك وآليات المحاسبة واضحة؛ إذ لا‬ ‫تكشف يوًما بعد يوم‪ ،‬وعا ًما بعد عام أنهم لا يقرون‬ ‫طاعة في معصية‪ ،‬وأن أعظم الجهاد كلمة حق في‬ ‫هذه الحقوق بشكلها الصحيح إلا للإنسان الغربي‪ ،‬أما‬ ‫وجه السلطان الجائر الذي ينبغي عزله فور خروجه‬ ‫حينما يتعلق الأمر بأي إنسان من أية جنسية أخرى‬ ‫عن جادة الصواب‪ .‬إن الديمق ارطية الغربية المعاصرة‬ ‫فالأمر يختلف؛ حيث يكون خطاب الحقوق نظ ّرًيا‬ ‫إنما هي في حقيقة الأمر ديمق ارطية النخبة التي‬ ‫تصنع أصنا ًما هي الأح ازب الكبرى وتكتفي بصناعة‬ ‫فقط دون أن يرى التطبيق عملًّيا‪9.‬‬ ‫زعيم لكل واحد منها وتسوق له وكأنه «المهدي‬ ‫المنتظر» ثم يظهر في النهاية أنه «الشر المستطير»‬ ‫والخلاصة‪ ،‬إنه لا يوجد نظام الحكم الأمثل بصورة‬ ‫الذي يضيع ثروات شعبه ويهدر إمكانات دولته باسم‬ ‫مطلقة‪ ،‬إنما النظام السياسي الأمثل دائ ًما هو ذلك‬ ‫الديمق ارطية وليس نموذج بوش أمريكا الصغير إلا‬ ‫الذي يتلائم مع البيئة السياسية القائمة ويلبي رغبات‬ ‫وطموحات شعب معين في حقبة زمنية معينة في‬ ‫أحد هذه الأمثلة‪.‬‬ ‫ضوء عقائد هذا الشعب وأخلاقياته بل وعاداته‬ ‫وتقاليده‪ .‬إن لكل شعب ثقافته الخاصة‪ ،‬وتجربته‬ ‫إن ثقافتنا العربية – على حد تعبير حامد ربيع – هي‬ ‫السياسية المتميزة عبر تاريخه‪ ،‬وعليه أن يستثمر ذلك‬ ‫ثقافة الترقب وليس الخضوع أو المشاركة‪ ،‬بمعنى أنها‬ ‫في تطوير نظامه السياسي دون تقليد أعمى للتجربة‬ ‫في ُبعدها السياسي التاريخي لم تكن ثقافة المشاركة‬ ‫الغربية التي قد تكون ملائمة فقط لأصحابها وتحقق‬ ‫فهي لم تعرف أساليب الممارسة المتعلقة بالتصويت‬ ‫أهدافهم وطموحاتهم‪ .‬وعلى الغربيين في المقابل أن‬ ‫أو تفهمها‪ ،‬ولكنها من جانب آخر لم تقبل لا الخضوع‬ ‫يكفوا عن فرض رؤيتهم السياسية والاقتصادية على‬ ‫ولا الانحناء‪ ،‬حتى في قلب العصر العباسي الأول‬ ‫الشعوب والثقافات الأخرى التي قد تكون أعرق في‬ ‫نجد أن الخليفة المعتصم يخضع لل أري العام بصدد‬ ‫خب ارتها وجديرة بأن تصنع بنفسها ما تريده من نظام‬ ‫الموقف من خلق القرآن‪ .‬أما الترقب فمعناه أن الجميع‬ ‫سياسي ونظام اقتصادي يكفل لها الاستق ارر ونموذج‬ ‫يقف من الحاكم موقف الانتظار‪ ،‬فإن أساء وتخطى‬ ‫حدوًدا معينة في عدم احت ارم القواعد والتقاليد إذا به‬ ‫التقدم الذي تنشده‪.‬‬ ‫ينقلب من موقف عدم الاهتمام إلى موقف العنف‪.‬‬ ‫ولنا في قصة مقتل الخليفة الثالث للرسول عليه‬ ‫إن العلوم الاجتماعية والإنسانية ليست كالعلوم‬ ‫الطبيعية والرياضية تتمتع المبادئ والنظريات فيها‬ ‫السلام عثمان بن عفان الدليل على ذلك‪8.‬‬ ‫بثبات نسبي يكفله معايير واضحة لقياس صدق‬ ‫إذن يمكننا أن نطور نموذ ًجا عربًّيا إسلامًّيا للحكم‬ ‫النتائج‪ .‬بل هي علوم تدرس ظواهر إنسانية تختلف‬ ‫يعتمد على أكبر قدر من المشاركة في صنع الق ارر‬ ‫واختيار الحاكم ومجلس للمحاسبة والم ارقبة وطريقة‬ ‫(‪ )9‬انظر تفاصيل ذلك في كتابنا‪ :‬حقوق الإنسان المعاصر بين‬ ‫واضحة لتداول السلطة دون التضحية بالحقوق التي‬ ‫الخطاب النظري والواقع العملي‪ ،‬الدار المصرية السعودية‬ ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬حامد ربيع‪ ،‬الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني‬ ‫بالقاهرة ‪2004‬م‪ .‬‬ ‫وإدارة التكامل القومي‪ ،‬دار الموقف العربي‪ ،‬ص‪ .47‬‬ ‫‪18‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫قلناه سابًقا‪ .‬وأعتقد أن الأهم كما أشار أنور عبد‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الملك فيها نقلناه عنه سابًقا هو الوصول إلى المجتمع‬ ‫القومي الموحد الذي يجمعهم ولا يفرقهم‪ ،‬فهذا هو‬ ‫باختلاف البيئات والأمكنة والأزمنة‪ ،‬وبمقدور‬ ‫الذي سيساعدهم في تحقيق التقدم المستقل وهو الذي‬ ‫الأف ارد فيها دائ ًما أن يعبروا عن إ اردتهم بحرية وأن‬ ‫سيكسبهم احت ارم العالم وتقديره‪ .‬إن التبعية والتقليد‬ ‫يغيروا حسب الأحوال من آ ارئهم وقناعاتهم‪ .‬وهم‬ ‫مرفوضان‪ .‬وآن أوان العودة إلى هذا التوجه القومي‬ ‫بالتالي يمتلكون القدرة على تطوير حياتهم وفًقا‬ ‫العربي الذي تتوحد في ظله الإمكانيات وتتحقق من‬ ‫لظروفهم المتاحة واتساًقا مع إرثهم التاريخي والثقافي‬ ‫خلاله كل الأهداف التي يسعى إليا ويحلم بها كل‬ ‫والحضاري‪.‬‬ ‫عربي حقيقي‪.‬‬ ‫وقد صدق أنور عبد الملك حينما قال‪ :‬إن بعض‬ ‫‪ -4‬وهم «الأصالة والمعاصرة» إن لكل أمة –‬ ‫الدعوات السياسية التي تضع شعار العلمانية على‬ ‫تريد التقدم فى المستقبل – طريًقا يحدده فى البداية‬ ‫أرس أولوياتها‪ ،‬وتعتبر ذلك مقياس التخلص من‬ ‫قادة الفكر فيها سواء كانوا من الفلاسفة أو العلماء‬ ‫الطائفية‪ ،‬تقع – في معظم الأحيان – في فخ نفي‬ ‫أو حتى من الأدباء أصحاب الرؤى النقدية والنبؤات‬ ‫الت ارث والهرب المتخفي من شخصيتها الحضارية ‪..‬‬ ‫التى تستطلع المستقبل؛ لقد قدم بتاح حوتب وايبوور‬ ‫إن وضع المسألة ليس هو‪ :‬العلمانية أم المجتمع‬ ‫واخناتون وأمينموبى فى بردياتهم أورجانون التقدم‬ ‫الديني‪ ،‬وإنما هو بدقة‪ :‬المجتمع الطائفي أم المجتمع‬ ‫(الأورجانون لفظة لاتينية تعنى الآلة أو الأداة)‬ ‫القومي الموحد؟! والمجتمع القومي الموحد يستطيع أن‬ ‫للأمة المصرية فى عهد الف ارعنة‪ ،‬وقدم كونفشيوس‬ ‫يختار لنفسه النهج الديني أم النهج العلماني ‪..‬إلخ‪10.‬‬ ‫أورجانون التقدم للأمة الصينية منذ فجر تاريخها‬ ‫وربما حتى الآن‪ ،‬وقد كانت الكتب المقدسة ولا ت ازل‬ ‫إن العرب في لحظة تاريخية فارقة؛ حيث صور‬ ‫تمثل أورجانون نهضة لمن آمنوا بها‪ ،‬وإن كانت الأمة‬ ‫الضعف التي يعانون منها كثيرة‪ ،‬ويجرى الآن محاولة‬ ‫الإسلامية قد تميزت بالقرآن الذى سيظل متحدًيا‬ ‫فرض كل ما ي اره الغرب صحي ًحا عليهم دون م ارعاة‬ ‫قد ارت البشر وسابًقا لتصو ارتهم ومله ًما لإبداعاتهم‬ ‫لاختلاف البشر والبيئة والعقيدة والتاريخ ‪ ..‬إلخ‪ ،‬فإن‬ ‫ما بقيت الحياة على ظهر الأرض‪ .‬فهو الكتاب‬ ‫لم يتنبهوا إلى أن خصوصيتهم تفرض عليهم سرعة‬ ‫المنزل الذى بدت معجزته فى تحديه للعقل الإنسانى‬ ‫اختيار التوجه الذي يتوافق معهم بيئ ًة وعقيدة وتاري ًخا‬ ‫ولقد ارته المبدعة عبر العصور ما مضى منها وما‬ ‫دون الالتفات إلى هذه المطرقة ثقيلة الوطأة عليهم‪،‬‬ ‫سيأتى! ومع أن المسلمين قد نجحوا فى استلهامه‬ ‫تلك المطرقة التي تحاول فرض كل ما هو غربي‬ ‫وبناء واحدة من أعظم الحضا ارت الإنسانية‪ ،‬إلا أنهم‬ ‫على كل ما هو عربي‪ .‬وقولبة كل ما هو عربي‬ ‫الآن أصبحوا عبًئا ثقيلاً على قرآنهم ودينهم بتخلفهم‬ ‫تب ًعا للأطر الغربية من شأنه أن يفقد العرب تميزهم‬ ‫الحضارى وتحجرهم الفكرى! والإسلام فى صحيحه‬ ‫التاريخي والثقافي والعقائدي ويمسخهم بلا رحمة‪ .‬إن‬ ‫على العرب أن يختاروا لأنفسهم مستقبلهم السياسي‬ ‫ومصادره الأصلية بريء من كل ذلك‪.‬‬ ‫وصورة الحكم التي يرتضونها والتي تتوافق مع ما‬ ‫‪19‬‬ ‫(‪ )10‬د‪ .‬أنور عبد الملك‪ :‬ريح الشرق‪ ،‬دار المستقبل العربي‬ ‫بالقاهرة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪30‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫الغربى لبلادنا العربية‪ .‬والسؤال الحائر هو‪ :‬كيف‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫نواجه هذا التقدم الغربى؟! وكيف نستجيب لتحدياته‬ ‫ولقد استلهم الغربيون – فى بداية نهضتهم – صورة‬ ‫ونتغلب عليها؟!‬ ‫التقدم كما حققها المسلمون فى العلوم والفلسفة وفى‬ ‫السياسة والاقتصاد‪ ،‬لكن هذا لم يمنعهم من أن‬ ‫وقد يقول القائل هنا‪ :‬لقد استجبنا لهذه التحديات‬ ‫يكون لهم الأورجانون الخاص بهم؛ وقد تكفل بهذا‬ ‫ولدينا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن عش ارت المشاريع‬ ‫«الأورجانون» الجديد لفرنسيس بيكون الذى قدم فيه‬ ‫الفكرية منذ كتابات رفاعة ارفع الطهطاوى وحتى‬ ‫المنهج الجديد للبحث العلمى بجانبيه السلبى النقدى‬ ‫الآن‪ ،‬ولهذا القائل أقول‪ :‬إن استجابة كل أصحاب‬ ‫لصورة الفكر فى عصره من خلال كشفه للأوهام‬ ‫المشاريع الفكرية الداعية إلى نهضة الأمة وإقالتها‬ ‫التى كانت تعوق النهضة العلمية المنشودة‪ ،‬والجانب‬ ‫من عثرتها تلخصت وتحصنت فى ثلاث جبهات‪،‬‬ ‫الإيجابى الذى تمثل فى وضع خطوات محددة للبحث‬ ‫كل جبهة منها تقدم حلاً وتدافع عنه‪ ،‬وكأننا فى‬ ‫العلمى تبدأ بالملاحظة وتنتهى بالوصول إلى القانون‬ ‫ساحة حرب فكرية كل جهة تتمترس حول أريها‪،‬‬ ‫العلمى المفسر للظاهرة موضوع الد ارسة‪ ،‬كما شاركه‬ ‫وأخذت تطلق الانتقادات إلى الجبهتين الأخرتين؛‬ ‫فى ذلك الاتجاه ديكارت بكتابه «مقال عن المنهج»‬ ‫فأصحاب الجبهة الأولى تمترسوا حول العودة إلى‬ ‫الذى قدم فيه المنهج الفلسفى الجديد الذى يبدأ بالشك‬ ‫الت ارث معتبرين أن العودة إلى آ ارء وحياة السلف‬ ‫وينتهى باليقين‪ ،‬ولا يسلم فيه الإنسان بأية فكرة إلا‬ ‫الصالح هو الحل لمواجهة هذا التقدم الغربى واعتبروا‬ ‫إذا كانت واضحة بذاتها أمام عقله الواعى وبحيث لا‬ ‫أن «الإسلام هو الحل» ولكن بأية صورة وعلى أى‬ ‫تقبل الشك فيها‪ ،‬وعبر هذه الأفكار المنهجية الجديدة‬ ‫شكل؟! لقد تفرقوا شي ًعا وبقى الشعار واحًدا وهو أن‬ ‫فى مجال العلم (الأورجانون الجديد)‪ ،‬وفى مجال‬ ‫الإسلام بصورته النقية الأولى هو أساس المواجهة‪،‬‬ ‫الفلسفة (المقال عن المنهج) بدأ عصًار جديًدا فى‬ ‫بل هو أساس التقدم المعاصر كما كان أساس التقدم‬ ‫أوربا والغرب لا ي ازل يتجدد ويتطور عبر إبداعات‬ ‫فى الماضى‪ .‬وتناسى هؤلاء أنهم ليسوا فى فهمهم‬ ‫العلماء والفلاسفة حتى الآن‪ .‬إن أورجانونهم لم ينضب‬ ‫لصحيح الإسلام كالسلف الصالح‪ ،‬وليسوا فى درجة‬ ‫معينه بعد؛ لأنهم يزودون منابعه بكل جديد ويطورون‬ ‫علمهم ولا فى درجة ج أرتهم ولا حتى فى أدنى درجة‬ ‫مصبه مستغلين كل قطرة إبداع فيه‪ ،‬وعاقدين العزم‬ ‫من درجات وعيهم!! لقد تناسوا أن الإسلام ذاته –‬ ‫على ألا ُيقصروا فى تجديد الدماء فى ش اريينه حتى‬ ‫بعيًدا عن مبادئ العقيدة – قابل للتطور وحاض عليه‬ ‫فلسفًّيا وعلمًّيا واقتصادًّيا وسياسًّيا‪ .‬فأين هم من هذا‬ ‫الرمق الأخير‪.‬‬ ‫التطور وهذه القابلية للتجديد والاجتهاد فى الإسلام‬ ‫ولعل السؤال الآن‪ :‬إذا كان هذا حالهم الذى لم‬ ‫الصحيح؟!‬ ‫ولن يتوقف عن الإبداع والتطور ومداومة التحديث‬ ‫فى مغالبة وتحٍد جعل كل العالم يلهث و ارءهم! فما‬ ‫أما أصحاب الجبهة الثانية‪ ،‬فقد اعتبروا أن الانسلاخ‬ ‫بالنا نحن! ألم يحن الوقت بعد لبزوغ فجر نهضة‬ ‫من العصر والعودة إلى الماضى والتمسك بالت ارث‬ ‫جديدة وحقيقية رغم أننا نحاول البحث عنها منذ أكثر‬ ‫إنما هو ضرب من الجنون؛ ولذا أروا ال أرى النقيض؛‬ ‫من مائتى عام‪ ،‬فمنذ الصدام الحضارى مع الغزو‬ ‫‪20‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫العصر ونتفاعل مع آليات تقدمه فى الوقت الذى لا‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫نضحى فيه بقيمنا الأصيلة وت ارثنا الديني العظيم‪.‬‬ ‫إذ وجدوا أن الحل هو فى الأخذ بكل أساليب العصر‬ ‫وقد تناسي هؤلاء كذلك أن في التوفيق يكمن‬ ‫التقدمية فى صورتها الغربية الحديثة وقطع الصلة‬ ‫التلفيق الذى تظل معه الإشكالية قائمة!! فالمسألة‬ ‫تما ًما بالت ارث‪ .‬وتناسوا أن مجرد الأخذ بالأساليب‬ ‫ليست خانات ثلاث‪ :‬خانة الت ارث وخانة العص ارنية‬ ‫الغربية والتشكل بمظاهرها الحضارية لن يكون أبًدا‬ ‫وبضمهما نخرج بالخانة الثالثة خانة التوفيق بين‬ ‫هو طريق التقدم‪ ،‬فلكل أمة هوية لا بد من الحفاظ‬ ‫الأصالة والمعاصرة؛ إذ إن هذه الدعوة قد أكدت فى‬ ‫عليها وتطويرها بقبول الآخر وصور تقدمه‪ ،‬وليس فى‬ ‫الواقع على الثنائية رغم أنها دعت لتجاوزها‪ ،‬وتبنت‬ ‫الانخلاع عن الهوية الحضارية وتركها ميزة سنمتاز‬ ‫دعائم الص ارع بين أن أكون ت ارثًّيا محاف ًظا على هويتى‬ ‫بها‪ ،‬بل ربما تكون عائًقا من عوائق التقدم لأن التقدم‬ ‫وبين أن أكون معاصًار أعيش قيم العصر؛ ففى قيم‬ ‫لا يصنعه بضعة أف ارد تشكلوا بزى ومناهج حياة وأخذ‬ ‫العصر ما يتعارض حت ًما مع قيم الت ارث‪ ،‬وفى قيم‬ ‫نواتج علوم حضارة أخرى‪ ،‬بل التقدم يصنعه الشعب‬ ‫الت ارث ما يرفض الكثير من قيم العصر‪ ،‬والخلاصة‬ ‫العامل كما تصنعه الصفوة‪ ،‬فضلاً عن أن من أرى‬ ‫أن الص ارع سيظل رغم الدعوة إلى التوفيق بين ثنائية‬ ‫هذا ال أرى القائل بالارتماء فى أحضان الحضارة‬ ‫الغربية وقطع العلائق بالت ارث بكل ما فيه إنما هم‬ ‫الأصالة والمعاصرة‪.‬‬ ‫نخبة لم تنجح فى التأثير على عموم الناس ومن ثم‬ ‫إذن فى اعتقادى‪ ،‬لقد ضاعت هذه السنوات الطويلة‬ ‫بقيت رؤيتهم حبيسة كتبهم ومشاريعهم الفكرية‪.‬‬ ‫فى ص ارع فكرى بين أنصار هذه الجبهات الثلاث‬ ‫دون طائل‪ ،‬وسقط مائتا عام من تاريخ الأمة الفكرى‬ ‫بينما أرت البقية الباقية من النخبة أن الص ارع بين‬ ‫والحياتى نتيجة هذه الإشكالية التى أ ارها مصطنعة‬ ‫الجبهتين لن يؤدى إلى نتيجة؛ حيث إن كليهما يدعو‬ ‫و ازئفة؛ إذ ما الداعى لهذه الثنائية المتطرفة للص ارع‬ ‫إلى حل غير واقعى وغير منطقى وغير عقلانى‪،‬‬ ‫بين السلفيين (دعاة الت ارث) والعص ارنيين (دعاة‬ ‫ومن ثم فقد أروا أن الحل العقلانى والمنطقى لهذه‬ ‫المعاصرة)‪ ،‬وما الداعى كذلك لهذا التيار الثالث الذى‬ ‫الإشكالية هو فى التوفيق بين دعاة الأصالة (الت ارث)‬ ‫حاول التوفيق بينهما دون أن يدرك حقيقة جدلية‬ ‫وبين دعاة المعاصرة (الأخذ بالثقافة والعلوم الغربية)‪،‬‬ ‫الص ارع وتشبث كل جهة من جبهتيه بموقفها وعدم‬ ‫على أن يقوم هذا التوفيق على أساس أنه لا مانع يمنع‬ ‫من أن نأخذ من الت ارث الإسلامى كل ما يحض على‬ ‫رغبة أصحابها فى التزحزح عن هذا الموقف!‬ ‫العقل والعلم وصحيح الدين بالطبع‪ ،‬وأن نقيم المقاربة‬ ‫على أساس ذلك مع حضارة العصر التى أساسها‬ ‫إن زيف هذا الص ارع الناتج عن هذه الإشكالية‬ ‫أي ًضا العقل والعلم‪ .‬فلنأخذ إذن من ت ارثنا الدينى ما‬ ‫يبدو حينما يسأل كل منا نفسه أًّيا كانت الجبهة التى‬ ‫يتوافق مع قيم العصر‪ ،‬ولنأخذ من قيم العصر ما لا‬ ‫يتمترس فيها‪ :‬ألست من مواطنى هذا القرن وأعيش‬ ‫يتعارض مع هويتنا الدينية والحضارية‪ .‬وتصوروا أن‬ ‫زمانه وأستخدم كل أدواته وآلياته أًّيا كان مصدرها‪،‬‬ ‫فى هذه الثنائية (ثنائية الأصالة والمعاصرة ‪ -‬الت ارث‬ ‫ثم ألست أنا ابنا لت ارث عربى ‪ -‬إسلامى مختلف‬ ‫والتجديد) الحل الأمثل‪ ،‬إذ لا مانع يمنع من أن نعيش‬ ‫‪21‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫ازئفة وأضاعت من عمر الأمة كل هذه السنوات‪،‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫فماذا نحن فاعلون الآن لنتجاوز تحديات الحاضر‬ ‫ناظرين بثقة إلى المستقبل دون الالتفات إلى هذا‬ ‫عن الت ارث الغربى أحمل جيناته وتربيت على مبادئه‬ ‫التمترس التقليدى؟! أعقتد أننا بحاجة إلى ما يشبه‬ ‫وغرست فى ذاتى قيمه‪ .‬إذن فأنا كشخص أحيا حياتى‬ ‫الأورجانون أى الآلة أو الأداة التى ترسم لنا خارطة‬ ‫المعاصرة حاملاً قيمى ومبادئ ت ارثي ولا داعى لإذكاء‬ ‫طريق للتفاعل مع تحديات الحاضر وإيجابياته‪،‬‬ ‫الص ارع بين جانبى هذه الحقيقة الجلية! فالمسألة إذن‬ ‫وتوجهنا إلى الكيفية التى نعمل بها لتحقيق المستقبل‬ ‫ليست هل أنا ميال إلى الت ارث أم ميال إلى المعاصرة‬ ‫الأفضل‪ ،‬وهذه الخريطة تبدأ بلا شك من إد اركنا لزيف‬ ‫أو كيف يمكننى التوفيق بينهما؛ لأننى ببساطة أحمل‬ ‫هذه الإشكالية ومن ثم الخروج من شرنقة السؤال كيف‬ ‫هويتى وأعيش عصرى‪ .‬ومن ثم عل َّي مواجهة كل‬ ‫لنا أن نكون معاصرين وفى ذات الوقت نحافظ على‬ ‫تحديات هذا العصر والمشاركة فيه والتفاعل مع‬ ‫هويتنا الحضارية المستقلة! ثم علينا بعدئذ العمل بكل‬ ‫كل تطو ارته‪ ،‬ولا شك أن هذا التفاعل سيتم دون أن‬ ‫جدية للحاق بالعصر متسلحين بأدواته‪ ،‬ومدركين‬ ‫أضحى بهويتى أو بعقيدتى لأن الهوية تجرى مجرى‬ ‫لمشكلاتنا الحقيقية‪ ،‬والتماس كل السبل لإيجاد الحلول‬ ‫الدم فى عروق أى منت ٍم لحضارة مختلفة عن الحضارة‬ ‫المناسبة لها بما يتناسب مع قد ارتنا وإمكانياتنا‪ ،‬وبما‬ ‫الغربية دون حاجة لأن يحمل اريتها‪ ،‬ارف ًعا شعارها فى‬ ‫وجه العصر الذى يحياه والقيم الجديدة للتطور والتقدم‬ ‫لا يتعارض مع هويتنا الحضارية والثقافية والدينية‪.‬‬ ‫التى يتفاعل معها متلقًيا ومشارًكا!‬ ‫والسؤال الآن‪ :‬إذا كانت تلك الإشكالية التى صنعها‬ ‫مفكرونا وتصارعوا حولها وأقحموها علينا وجعلونا‬ ‫نعيش فيها متمترسين خلف إحدى جبهاتها إشكالية‬ ‫‪22‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫مدخل العلوم البينية والابتكار في بحوث الإعلام‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬علي عبد ال ارزق جلبي‬ ‫أستاذ علم الاجتماع – كلية الآداب جامعة الإسكندرية‬ ‫مقدمة‪ :‬لا شك أن الإبداع والابتكار في العلم يعد أسا ًسا جوهرًّيا لتطور المعرفة وتقدم العلم ذاته‪ .‬ويمكن‬ ‫التمييز بين الإبداع والابتكار؛ حيث يشير الإبداع إلى توليد الفكرة‪ ،‬ويمثل الابتكار مرحلة لاحقة تعمل على تنفيذ‬ ‫الفكرة في شكل إج ارءات أو ممارسات أو منتجات أفضل‪ .‬وكانت مدرسة ف ارنكفورت قد أضافت مدخل العلوم‬ ‫البينية للفصل في أزمة العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ بسبب انقسامها إلى علوم فرعية متخصصة؛ وذلك بهدف‬ ‫تطويرها وإضافة مناهج بحثية جديدة‪ .‬العلوم‪ ،‬أما مدخل العلوم البينية بمعنى تجاوز الحدود بينها ينصب على‬ ‫تطوير العلم وتجديد مناهجه تأسي ًسا على الاندماج المعرفي‪.‬‬ ‫وقد تم تقسيم البحث إلي مبحثين؛ الأول مدخل‬ ‫غير أن تاريخ العلوم شهد ظهور صيغ متباينة لهذا‬ ‫العلوم البينية بين التكامل والاندماج المعرفي والثاني‬ ‫المدخل اختلفت في أهدافها‪ ،‬وحصروا مدخل العلوم‬ ‫البينية بمعنى العلوم المتعددة في حل المشكلات‬ ‫الابتكار في بحوث الإعلام‪.‬‬ ‫المجتمعية؛ استناًدا إلى التكامل المعرفي بين هذه‬ ‫ويحق لنا التساؤل في هذا السياق عن إمكان الإبداع‬ ‫المبحث الأول‬ ‫والابتكار في العلوم الاجتماعية والإنسانية عموًما‪،‬‬ ‫مدخل العلوم البينية بين التكامل والاندماج‬ ‫وفي بحوث الإعلام على وجه الخصوص وما أشكاله‬ ‫وصوره المحتملة وشروطه؟ وما إسهام مدخل العلوم‬ ‫المعرفي‬ ‫البينية والاندماج المعرفي في بحوث الإعلام؟ وإلي‬ ‫أي حد تعتبر البحوث النقدية في د ارسات الإعلام‬ ‫يدلل البحث في تاريخ العلوم وهي تشق طريقها‬ ‫نحو استقلالها عن الفلسفة‪ ،‬على أن العلوم الطبيعية‬ ‫شر ًطا ضرو ًرّيا للابتكار والإبداع؟‬ ‫كانت سباقة في هذا المجال‪ ،‬وبعدها سارعت العلوم‬ ‫الاجتماعية والإنسانية إلى اللحاق بها في بداية القرن‬ ‫ولقد تطلبت الإجابة علي هذه التساؤلات‪ ،‬الاستعانة‬ ‫بأساليب منهجية متعددة؛ في مقدمتها التحليل التاريخي‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫لمدخل العلوم البينية وتنوع أشكاله وتباين أهدافه‪،‬‬ ‫فضلاً عن الاستفادة من طريقة د ارسة الحالة لنموذج‬ ‫ولكن عندما اشتد الانفصال والانقسام بين العلوم‬ ‫البحوث النقدية في الإعلام عبر م ارحل تاريخية‬ ‫الاجتماعية والإنسانية ذاتها‪ ،‬ووصل الأمر إلى انقسام‬ ‫مختلفة ومدارس فكرية متباينة‪ ،‬كما استعان البحث‬ ‫كل علم منها إلى فروع علمية دقيقة ومتخصصة؛ بدأ‬ ‫أولاً وقبل كل شيء بمنهج إعادة التحليل في تفكيك‬ ‫البعض يتساءل عن منطق الفصل والانقسام بين‬ ‫وتركيب نتائج البحوث السابقة؛ بحثًا عن إجابات‬ ‫هذه العلوم‪ ،‬وهل من المفيد الدفاع عن هذا الأمر؟‬ ‫أو من الضروري العبور بين التخصصات والجمع‬ ‫مناسبة لتساؤلات البحث‪.‬‬ ‫بين فروع العلم؟ وخاصة العلوم التي ترتبط بالمجتمع‬ ‫‪23‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫ودفعوا بمنهجية العلوم المتعدد ة �‪Multidiscipli‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫‪ ،nary‬واعتبار مدخل العلوم البينية وسيلة فعالة‬ ‫في المساعدة على حل المشكلات المجتمعية فقط‪،‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬وبين تلك التي ترتبط بالعلوم الطبيعة من‬ ‫واستندوا في ذلك إلى رؤية مفادها إن الجمع بين‬ ‫ناحية أخرى؟ وكيف يتم هذا الجمع؟ وما عائده؟‬ ‫العلوم المتعددة يحقق نو ًعا من التكامل المعرفي‬ ‫‪ Knowledge Integration‬وتوفير معرفة حول‬ ‫وعندما تصدت مدرسة ف ارنكفورت في بداية‬ ‫المشكلة المدروسة من الجوانب كافة‪ ،‬كفيلاً بإث ارء‬ ‫القرن ماضي لقضية تقسيم العلوم إلى تخصصات‬ ‫دقيقة‪ ،‬ونقد العلم في مرحلة الحداثة‪ ،‬ورصدت عدة‬ ‫فهم المشكلة موضوع البحث(‪.)6‬‬ ‫مظاهر لأزمة العلوم الاجتماعية والإنسانية نتيجة‬ ‫لهذا التقسيم انتهت إلى ابتكار مدخل العلوم البينية‬ ‫ومع الجدل حول منهج العلوم البينية والمتعددة‪،‬‬ ‫‪Interdisciplinary Approach‬؛ على أمل تجاوز‬ ‫كشف تاريخ العلم عن تيار فكري ثالث‪ ،‬كان تساؤله‬ ‫هذه الأزمة‪ ،‬وتحقيق الفهم الشامل والكامل للظواهر‬ ‫هو‪ :‬هل المهم ما يحققه المدخل من تكامل معرفي‬ ‫الاجتماعية؛ وبالتالي الإسهام في تحول وتغير العلم‬ ‫أو يتوقف الجديد في العلم والمنهج على الاندماج‬ ‫ليكون أكثر ارتبا ًطا وتماسًكا(‪ ،)1‬والحق أن مدرسة‬ ‫المعرفي ‪Knowledge Incorporation‬؟ وأيهما‬ ‫ف ارنكفورت كانت ترفض ما آل إليه الوضع في العلوم‬ ‫يسهم في إنتاج المعرفة والابتكار في النظم الفكرية؟‬ ‫الاجتماعية وتشعبها إلى حقول متمايزة وتخصصات‬ ‫دقيقة ومستقلة عن بعضها(‪ ،)2‬وقد أسهم كل من‬ ‫وكان عالم الاجتماع الأمريكي سيللز ‪ Sills‬قد‬ ‫هوركهايمر وأدورنو ‪ Adorno‬في الجدل الذي‬ ‫أوضح في بحثه عن تاريخ مصطلح العلوم البينية‬ ‫أدارته مدرسة ف ارنكفورت حول علم الاجتماع وأدى‬ ‫كيف أن هذا المصطلح قد ذكر لأول مرة في التقرير‬ ‫إلى انفصاله عن الاقتصاد والتاريخ وعلم النفس‬ ‫السنوي لمجلس بحوث علم الاجتماع (‪– 1929‬‬ ‫والفلسفة(‪ .)3‬وأكد أدورنو على أن نزعة الانقسام بين‬ ‫‪ ،)1930‬ثم تحول المجلس في اتجاه تبني مدخل‬ ‫العلوم ترجع إلى أن علم الاجتماع بصورته الحالية‬ ‫العلوم البينية في بحوثه‪ ،‬ولكن في عام ‪1937‬‬ ‫ليس إلا تأليًفا من فروع علمية لا جامع بينها(‪.)4‬‬ ‫عرض عالم الاجتماع لويس ويرث ‪ L.Wirth‬من‬ ‫واقترح هوركهايمر أهمية تبنى مدخل العلوم البينية في‬ ‫جامعة شيكاغو ‪ -‬وبتكليف من هذا المجلس ذاته‬ ‫تناول موضوعات البحث وضرورة تحالف الفلاسفة‬ ‫‪ -‬تقريًار يعبر فيه عن شكوكه في طموحات مدخل‬ ‫وعلماء الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والمؤرخين‬ ‫العلوم البينية‪ ،‬وكيف أنه مدخل يعبر عن وهم وخداع‪،‬‬ ‫والاشت ارك في مجموعات بحثية؛ لإيجاد مناهج جديدة‬ ‫وربما حقق فقط بعض التعاون والمشاركة في حل‬ ‫في البحث(‪.)5‬‬ ‫المشكلات المطروحة‪.‬‬ ‫غير أن تاريخ العلم يكشف عن تيا ارت فكرية أخرى‪،‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1994‬عرض جيبسونز ‪Gibbsons‬‬ ‫بعضها انصرف بعيًدا عن هذه الرؤية والأهداف التي‬ ‫وزملاؤه في كتابهم (الإنتاج الجديد للمعرفة) مقولة‬ ‫استندت إليه دعوى مدخل العلوم البينية؛ وذلك عندما‬ ‫مهمة تؤكد أنه إلى جانب إنتاج المعرفة بطريقة‬ ‫جعل البعض الأمر لا يتعدى الجمع بين العلوم‪،‬‬ ‫‪24‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫وهنا نتساءل‪ :‬هل الابتكار في العلوم الإنسانية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫تقليدية داخل النظام الفكري أطلقوا عليها النموذج‬ ‫والاجتماعية ممكن؟ وفيم يتمثل؟ وإذا كانت هناك‬ ‫(‪ )1‬وتنطلق من مدخل العلوم المتعددة‪ ،‬فإنه يمكن‬ ‫نظم فكرية جديدة في هذه العلوم مثل علم الاجتماع‬ ‫الإشارة إلى أشكال أخرى لإنتاج المعرفة أطلقوا عليها‬ ‫الرقمي‪ ،‬فكيف أسهم الاندماج المعرفي في تطور‬ ‫النموذج (‪ ،)2‬وأضافوا بها منهجية جديدة تتجاوز‬ ‫هذا العلم‪ ،‬وابتكاره بوصفه فرًعا جديًدا من فروع علم‬ ‫مسألة التكامل المعرفي بين العلوم‪ ،‬وتعتبر أن‬ ‫الاجتماع؟‬ ‫الاندماج المعرفي بين العلوم هو الأمر المهم من‬ ‫وقد عمل الانتشار المت ازيد للتكنولوجيا الرقمية في‬ ‫أجل إنتاج المعرفة والابتكار في العلوم الطبيعية؛‬ ‫حياتنا اليومية على إثارة الكثير من الجدل والحوار‬ ‫من خلال دمج الإسهامات النظرية والمنهجية التي‬ ‫الأكاديمي حول العلاقات الاجتماعية‪ ،‬والأبنية‬ ‫تتوصل إليها النظم الفكرية بعضها مع بعض‪ ،‬ويمكن‬ ‫الاجتماعية والممارسات الجديدة في عصر المعلومات‪،‬‬ ‫أن نطلق على هذا المدخل‪ ،‬مدخل العلوم المتباعدة‬ ‫وبزوغ ميدان فكري جديد يستند إلى مدخل العلوم‬ ‫‪ Supradisciplinary‬أو مدخل عبور الحدود‬ ‫البينية؛ يركز في بحثه على التعقيدات والتناقضات‬ ‫بين العلوم ‪Trandisciplinary‬؛ وهو يعد نموذ ًجا‬ ‫التي ترتبت على التحولات التي أحدثتها تكنولوجيا‬ ‫مستقبلًّيا لإنتاج المعرفة‬ ‫الاتصالات والمعلومات عبر الممارسات الاقتصادية‬ ‫كما يعبر الشكل التالي‪:‬‬ ‫والسياسية والثقافية‪ .‬وأدرك علماء الاجتماع أن هناك‬ ‫أ‬ ‫ ﺏ النموذج ‪1‬‬ ‫فر ًصا مهمة ومثيرة أمام علم الاجتماع يستطيع‬ ‫أ‬ ‫من خلالها أن يضيف مجالاً متنامًيا ومتنو ًعا من‬ ‫ﺏ‬ ‫العمل الإمبيريقي والنظري من أجل رسم خريطة‬ ‫أ‬ ‫لهذه التحولات‪ .‬وقد واجه علم الاجتماع والخيال‬ ‫ﺏ‬ ‫النموذج ‪:2‬‬ ‫السوسيولوجي فضاءات رقمية جديدة‪ ،‬وساعد البحث‬ ‫ﺟـ‬ ‫من خلال الإنترنت على إتاحة ثروة من الموضوعات‬ ‫شكل رقم (‪ )1‬يبين مدخل عبور الحدود بين العلوم‬ ‫والقضايا؛ ترتب عليها إعادة النظر في المفاهيم‬ ‫التقليدية في مجال البحث الاجتماعي‪ ،‬ووجدوا أن‬ ‫وربما كان التكامل المعرفي مطلًبا مه ًّما لصالح حل‬ ‫سياقاتها تمثل تحدًّيا يتطلب معالجة‪ ،‬وأنشأوا ميداًنا‬ ‫المشكلات المجتمعية‪ ،‬ويحقق هدف العلم من أجل‬ ‫ث ًرّيا بالجدل وتنوع الأفكار (علم الاجتماع الرقمي)‪،‬‬ ‫المجتمع‪ ،‬وكان الاندماج المعرفي مطلًبا مل ًّحا لصالح‬ ‫فتح أمام البحث السوسيولوجي فرصة للانتقال تصو ًرّيا‬ ‫تقدم العلم‪ ،‬ويحقق هدف العلم من أجل العلم‪ .‬إذن‪،‬‬ ‫فيما و ارء التعارض الثنائي بين الواقعي والافت ارضي‪،‬‬ ‫فالإبداع وتطور العلم وإضافة مناهج جديدة‪ ،‬تتوقف‬ ‫وبين التحول والاستم اررية‪ ،‬ومهدوا الطريق أمام فهم‬ ‫على الاندماج المعرفي‪ ،‬أكثر من اعتمادها على‬ ‫جديد للعلاقة ما بين التكنولوجيا والمجتمع والثقافة(‪.)8‬‬ ‫وربما كان ظهور علم الاجتماع الرقمي يمثل شكلاً‬ ‫التكامل المعرفي‪)7(.‬‬ ‫‪25‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫التاريخي؛ لارتباطها به أشد الارتباط حتى يتسنى‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫لها ربط النظرية بالممارسة(‪)12‬؛ وهو ما مكنها‬ ‫من أن تكون فلسفة اجتماعية هدفها نقد المجتمع‬ ‫من أشكال الإبداع والابتكار الناجم عن الاندماج‬ ‫وتعريته من خلال نقد النظام القائم والكشف عن‬ ‫المعرفي بين علوم اجتماعية (علم الاجتماع)‪،‬‬ ‫جوانب الخلل فيه‪ ،‬أو يعني تعرية المجتمع الصناعي‬ ‫وعلوم طبيعية (علم المعلومات)؛ لأن علم الاجتماع‬ ‫البرجوازي وعقلانيته التكنولوجية وما يرتبط به من‬ ‫الرقمي يعتبر علم اجتماع فرعي جديد ينشغل بمسائل‬ ‫أيديولوجية(‪ .)13‬واضح إذن كيف فعل أدورنو مدخل‬ ‫استخدام البيانات المجتمعة‪ ،‬تلك الموضوعات التي‬ ‫العلوم البينية‪ ،‬وجمع في بحثه النقدي بين الفلسفة‬ ‫كانت محوًار للبحث في علم المعلومات لعدة قرون‬ ‫(الجدل الهيجلي) وعلم الاجتماع (التحليل الماركسي)‬ ‫سابقة‪ ،‬وقد أعيد تجديد الدعوى للاهتمام بها من‬ ‫جانب بعض علماء الاجتماع الذين استطاعوا ابتكار‬ ‫وعلم النفس (نظريات فرويد) ود ارسة التاريخ‪.‬‬ ‫فرص وتحديات أمام الباحثين في مجال المعلومات‪،‬‬ ‫وعملوا على إدماج نظريات علم الاجتماع ومناهجه‬ ‫‪1.1‬تيودور أدورنو وابتكار مفهوم صناعة الثقافة‪:‬‬ ‫في هذا الصدد(‪.)9‬‬ ‫استخدم هذا المفهوم لأول مرة في كتاب جدل‬ ‫التنوير لأدورنو (‪ ،)1947‬وتناوله في كتابه “النظرية‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الابتكار في بحوث الإعلام‪:‬‬ ‫الجمالية”‪ ،‬ونقده لطبيعة الحياة الاجتماعية في‬ ‫المجتمع الصناعي‪ ،‬مركًاز على المجتمع الاستهلاكي‬ ‫أولاً‪ :‬تيودور أدورنو والبحث النقدي‪:‬‬ ‫وقدرته على تحويل الثقافة الحقيقية إلى ثقافة مصنعة‬ ‫جماهيرية واستهلاكية‪ ،‬وكذلك استخدمه أدورنو‬ ‫يعد أدورنو واحًدا من أقطاب مدرسة ف ارنكفورت‪،‬‬ ‫وهوركهايمر لإلقاء الضوء على الطريقة التي استولت‬ ‫درس في الفترة الواقعة بين ‪ 1950 -1949‬موضو ًعا‬ ‫بها المصالح التجارية على الثقافة(‪ .)14‬وقد صكا‬ ‫مزدو ًجا في الفلسفة وعلم الاجتماع في معهد البحوث‬ ‫هذا المصطلح تعبيًار عن فزعهما إ ازء ما حدث للثقافة‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬وأخذ نجمه يسطع وأصبح رمًاز فك ّرًيا‬ ‫الجماهيرية التي تعمل على توجيه إد اركنا لما هو‬ ‫أصيلاً في جمهورية ألمانيا الديمق ارطية‪ .‬وقد عرف‬ ‫قيم ثقافًّيا‪ ،‬وكيف أن الثقافة الجماهيرية تحولت عن‬ ‫بمقاربته النقدية والجمع بين التحليل الماركسي‬ ‫هذا الهدف وأخذت تساعد على انتشار الأيديولوجيا‬ ‫والفرويدي للمجتمع ال أرسمالي وثقافته‪ ،‬واشتهر‬ ‫بد ارسته التجريبية في حقل علم النفس حول الشخصية‬ ‫الواهمة‪.‬‬ ‫التسلطية(‪.)10‬‬ ‫واستعان أدورنو بمفهوم صناعة الثقافة في وصف‬ ‫توسع ال أرسمالية في مرحلة معينة من م ارحل تطورها‪،‬‬ ‫إن الاتجاه النقدي الذي كان ينتمي إليه أدورنو‬ ‫ومحاولتها فرض هيمنتها وسيطرتها من خلال تسليع‬ ‫يتمثل في تبني المنهج النقدي الجدلي‪ ،‬الذي هدف‬ ‫الثقافة وبث أفكار تؤمن لها بقاؤها واستم ارريتها‪،‬‬ ‫من خلاله إلى التحرر والسعي إلى حل المشكلات‬ ‫وتوضيح إنه إذا كان على السلع الثقافية أن تحقق‬ ‫التي تواجه الإنسان داخل مجتمعه حلاً عملًّيا(‪،)11‬‬ ‫وكذلك دمج النظرية بالممارسة‪ ،‬وتقديم نظرية نقدية‬ ‫للمجتمع تستطيع الوقوف أمام فكرة التسلط والعنف‪.‬‬ ‫وتعتمد النظرية النقدية على عدم إغفال تحليل الواقع‬ ‫‪26‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫لأشياء مفروضة مسبًقا؛ ولذلك لا يجب على السينما‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫أو الإذاعة التمادي في الادعاء بأنها فنون؛ لأنها في‬ ‫الواقع مجرد أعمال تأخذ طاب ًعا أيديولوجًّيا لتبرير سوء‬ ‫النجاح؛ فإن عليها أن تكون منفردة بطريقة يمكنها‬ ‫من إعادة إنتاجها بكميات كبييرة تلبي الطلب(‪.)15‬‬ ‫منتجاتها(‪.)18‬‬ ‫إلا أن صناعة الثقافة وتسليعها يؤدي إلى هبوط‬ ‫وتدني مستواها ومستوى الفنون المقدمة‪ ،‬بما يتنافى‬ ‫ثانًيا‪ :‬بيير بورديو والبحث النقدي‪:‬‬ ‫مع مفهوم الفن النقي؛ لأنه غالًبا ما يتم تسليع الفنون‬ ‫بيير بورديو عالم اجتماع فرنسي‪ ،‬ويعد من آخر‬ ‫بطريقة مغرية بحيث تروق للجماهير المخدوعة دون‬ ‫المفكرين الذين تركوا بصماتهم الفكرية وأثروا بشكل‬ ‫الشعور بأي تلاعب يدبر ضدهم(‪ .)16‬وهكذا‪،‬‬ ‫عملي على الحركات الاجتماعية والسياسية التي‬ ‫أصبح للثقافة دوًار كبيًار في التلاعب بالوعي وإخفاء‬ ‫شهدها النصف الثاني من القرن العشرين‪ .‬وقد انتج‬ ‫التناقضات الموجودة داخل المجتمع‪ ،‬وقيامها‬ ‫ما يزيد عن (‪ )30‬كتاًبا‪ ،‬ومئات من المقالات التي‬ ‫بتضليل الجماهير وجعلهم يتقبلون النظام القائم‬ ‫ترجمت أبرز الألسن في العالم‪ ،‬والتي جعلته يتبوأ‬ ‫دون القيام بإبداء المعارضة أو النقد‪ ،‬أو محاولة‬ ‫مكانة بارزة في علم الاجتماع والفكر النقدي‪ ،‬ولم‬ ‫تغيير الأوضاع السائدة؛ لأن صناعة الثقافة تشترك‬ ‫يكتف بورديو بإنتاجه الفكري‪ ،‬ولكنه جسد الأفكار‬ ‫في التلقين الأيديولوجي مستخدمة في ذلك وسائل‬ ‫والمبادئ التي يدعو لها في أعماله الفكرية إلى‬ ‫الإعلام والتسلية؛ حيث تعمل الصناعة على تلبية‬ ‫ممارسات عملية من خلال مشاركته الشخصية في‬ ‫جميع حاجات المشاهدين‪ ،‬وهي حاجات يتم تحديدها‬ ‫المظاه ارت والحركات الاجتماعية والسياسية مباشرة‪.‬‬ ‫مسبًقا؛ مما يعني إن المشاهد يرى نفسه مستهل ًكا‬ ‫والمهم في هذا السياق‪ ،‬هو نقدية بورديو لإمبريالية‬ ‫بصناعة الثقافة التي توهمه بأنها تشبع حاجاته‪،‬‬ ‫وسائل الإعلام؛ حيث كرس بورديو جهده في السنوات‬ ‫وبذلك من خلال الإعلام والثقافة يتم السيطرة على‬ ‫الأخيرة من التسعينيات لتحليل الدور السلبي الذي‬ ‫الفرد‪ ،‬وبسط الدولة هيمنتها؛ عن طريق تعزيز الوعي‬ ‫تلعبه وسائل الإعلام والميديا الجديدة‪ ،‬وقدم نقًدا‬ ‫ال ازئف‪ ،‬وتقييد الفكر المعارض والنقدي من جانب‬ ‫حاًّدا لفساد وسائل الإعلام الفرنسية وتبعية المثقفين‬ ‫الفرنسيين – أو كما يسميهم كلاب الح ارسة الجدد –‬ ‫الإنسان الذي أصبح ذو بعد واحد(‪.)17‬‬ ‫وفي التلاعب بعقول المستهلكين من المشاهدين‪.‬‬ ‫وقد استخدم أدورنو وهوركهايمر مصطلح‬ ‫الصناعات الثقافية عند توضيح كيف أن السينما‬ ‫وقد استند بورديو في هذا التحليل إلى انفتاحه‬ ‫والأفلام والإذاعة والصحافة‪ ،‬تمثل نسًقا متسًقا أدى‬ ‫على مجالات معرفية متعددة؛ كالأنثروبولوجيا‬ ‫لفوضى ثقافية تطبع كل الأشياء بطابع نمطي واحد‬ ‫والسوسيولوجيا والإثنولوجيا والتربية والتاريخ واللسانيات‬ ‫في حياتنا اليومية‪ .‬وتجعلنا هذه العملية ندرك زيف‬ ‫والسياسة والاقتصاد والفن والإعلام‪ .‬وقد ازوج في‬ ‫الحرية ال أرسمالية الملازمة للمجتمع المعاصر‪ ،‬فدوًما‬ ‫تشاريعه بين السير الميداني والتنظير النقدي‪ ،‬وكما‬ ‫هناك حاجاته ُملباه لكنها حاجات مخلوقة من خارج‬ ‫عبر عنه قوله النظرية بدون بحث إمبيريقي خواء‬ ‫الإنسان ومفروضة عليه‪ ،‬وهي عملية تدور دون‬ ‫توقف‪ ،‬ومن غير المنطقي وصفها بأنها حرية اختيار‬ ‫والبحث الإمبيريقي بدون نظرية ه ارء(‪.)19‬‬ ‫‪27‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫ينطلق بورديو من فكرة أن التلفزيون يشكل أداة للقمع‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الرمزي؛ نظًار للمستوى الثقافي أو المعرفي للمشاهدين‬ ‫الذين يميلون إلى تصديق ما يعرض عليهم بعامة‪،‬‬ ‫وكان بورديو متعدد الاتجاه في النقد‪ ،‬حيث جمع بين‬ ‫وهناك عوامل غير مرئية تمارس الرقابة من خلالها‬ ‫عناصر نظرية ومنهجية تبدو ظاه ّرًيا متباعدة‪ .‬فعلى‬ ‫وتجعل من التلفزيون أداة لتثبيت النظام الرمزي؛ من‬ ‫المستوى النظري‪ ،‬جمع بين تيا ارت فكرية تعتبرها‬ ‫خلال التواطؤ بين المتلقين والذين يمارسونه ويصبح‬ ‫التقاليد الأكاديمية متنافرة (ماركس‪ ،‬دور كايم‪ ،‬فيبر)‪،‬‬ ‫التلفزيون أداة غير ملائمة للتعبير عن الفكر وال أري؛‬ ‫وجمع أي ًضا بين فلسفات متعارضة؛ مثل فينومينولوجيا‬ ‫لأنه يعطي أهمية للتفكير السريع الغذاء الثقافي‬ ‫ميرلوبونتي وشوتز‪ ،‬ونظريات اللغة عند لدى سوسير‬ ‫وتشوسكي‪ .‬وعلى المستوى المنهجي‪ ،‬استطاع‬ ‫السريع المقترن بأفكار مسبقة(‪.)22‬‬ ‫بورديو أن يجمع بين الأدوات الكيفية لتحليل الخطاب‬ ‫والوثائق وعمليات التفاعل الاجتماعي(‪.)20‬‬ ‫وكان هدف بورديو إظهار تأثي ارت التلفزيون وما‬ ‫‪1.1‬بيير بورديو وابتكار مفهوم العنف الرمزي‪ :‬طور‬ ‫ينتجه من ب ارمج وصور بعيدة عن الموضوعية‪ ،‬وإنما‬ ‫بورديو عدًدا من المفاهيم من أجل صياغة تحليله‬ ‫تعكس رؤية غير محايدة‪ ،‬وذهب إلى أن التلفزيون‬ ‫لعلاقة القوة والسيطرة في الفضاء الاجتماعي‪ ،‬ما‬ ‫يعمل على تنميط المشاهدين‪ ،‬وتعمل عملية التطبيع‬ ‫يهمنا منها مفهوم العنف الرمزي؛ ويعني به إجبار‬ ‫على تسويغ الحياة الاجتماعية ويجعلها طبيعية‪،‬‬ ‫الأف ارد بالإضافة إلى تواطؤهم في ذلك‪ .‬ويصف‬ ‫وكأنها مسلمات بناها المجتمع فعلاً ثم أقلمها‬ ‫بورديو العنف الرمزي بأنه عنف غير مرئي وغير‬ ‫لتصير شرعية‪ ،‬ويصبح التلفزيون بهذه الصفة عامل‬ ‫فيزيائي‪ ،‬يتم أسا ًسا عبر وسائل التربية وتلقين‬ ‫المعرفة والأيديولوجيا‪ ،‬وهو شكل غير محسوس‬ ‫وهم(‪.)23‬‬ ‫من العنف‪ ،‬يمارس على الفاعلين بموافقتهم‬ ‫وتواطؤهم؛ ولذلك فهم لا يعترفون به كعنف؛‬ ‫وينتقد بورديو الحقل الصحفي من الداخل والخارج‪،‬‬ ‫بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من‬ ‫ويركز على مقدمي الب ارمج من الصحفيين والمذيعين؛‬ ‫خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال‬ ‫بد ًءا من طريقة الحصول على الخبر ومعالجته‪ ،‬مروًار‬ ‫التواصل داخل المجتمع‪ .‬ومن هذه ال ازوية‪ ،‬يمكن‬ ‫بالنشرة الإخبارية التلفزيونية التي يصفها بأنها منتج‬ ‫فهم – حسب بورديو – الأساس الحقيقي الذي‬ ‫غريب‪ ،‬ووصولاً إلى الب ارمج الحوارية التي تستضيف‬ ‫تستند إليه السلطة السياسية في بسط سيطرتها‬ ‫أشخا ًصا لا علاقة لهم – غالًبا – بالموضوع المطروح‬ ‫وهيمنتها؛ فهي تستغل بذكاء التقنيات والآليات‬ ‫للنقاش ولا يتساوون في معلوماتهم‪ .‬وكيف أنه عندما‬ ‫التي يمرر من خلالها العنف الرمزي‪ ،‬والتي‬ ‫تكتب صحيفة معينة عن كتاب‪ ،‬ستجد صحيفة ثانية‬ ‫تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وبفعالية‬ ‫نفسها مجبرة على عرض الكتاب ذاته‪ ،‬حتى لو كان‬ ‫سخيًفا‪ ،‬وكذلك الأمر عند الكتابة عن معرض فني أو‬ ‫أكثر(‪.)21‬‬ ‫مسرحية(‪.)24‬‬ ‫‪2.2‬بيير بورديو في التلفزيون وآلات التلاعب‬ ‫بالعقول‪:‬‬ ‫والأكثر أهمية وخطورة هو الدور الذي يؤديه مقدم‬ ‫‪28‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫ثالًثا‪ :‬دوجلاس كيللنر والبحث النقدي‪:‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫عالم اجتماع أمريكي وواحد من رواد الجيل الثالث‬ ‫البرنامج‪ ،‬وهو دور يصدم مشاهد التلفزيون دوًما؛‬ ‫لمدرسة فرنكفورت‪ ،‬ما ي ازل على قيد الحياة‪ ،‬له إسهامات‬ ‫حيث يقوم المقدم بتدخلات حاسمة يفرض من خلالها‬ ‫متعددة في مجالات التعليم والتكنولوجيا وتأثيرها على‬ ‫الموضوع والإشكالية؛ وبالتالي يفرض قواعد اللعبة‪،‬‬ ‫الديموق ارطية وقضايا الإعلام‪ ،‬والممارسات الإعلامية‬ ‫وهي قواعد ذات أشكال متعددة ومتغيرة‪ ،‬وهو بذلك‬ ‫والق ار ارت السياسية والتعامل مع قضايا حيوية؛ مثل‬ ‫ينطلق من رؤية للمعلومات قد تصل إلى حد التغيب‬ ‫الإرهاب‪ .‬ولقد أجرى كيللنر العديد من الد ارسات‬ ‫والاستبعاد‪ .‬وقد تسببت صحافة الإثارة هذه في ت ازيد‬ ‫التي تقيس الأداء الإعلامي في الأحداث المحورية؛‬ ‫القنوات التلفزيونية المنافسة التي تلهث و ارء ما هو‬ ‫خاصة في أوقات الأزمات والحروب‪ ،‬وربطها‬ ‫مثير ويجذب المشاهد وخارق للعادة؛ بحيث يقدم‬ ‫بالتحليل الاجتماعي والسياسي‪ ،‬واهتم بالتكنولوجيا‬ ‫الإعلاميون مجموعة من الإيعا ازت الثقافية والأخلاقية‬ ‫الحديثة وأثرها في مجال الإعلام الجديد‪ ،‬وكان يرى‬ ‫وتمريرها بطريقة سلسة تفرض نفسها على عامة‬ ‫إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة ثورية‬ ‫الناس دون د ارية منهم‪ .‬وتسمح قوة التأثير الإعلامي‬ ‫وتشكل تحولاً جذ ّرًيا في الحياة اليومية في اتجاه المزيد‬ ‫للتلفزيون لبعض المذيعين أن يقدموا أنفسهم بوصفهم‬ ‫من المشاركة والديموق ارطية‪ ،‬ومع ذلك يجب الاعت ارف‬ ‫متحدثين باسم الجمهور‪ ،‬ومخاطبة الطرف الآخر‬ ‫بأن الأمر قد يساعد في نشر المجتمع ال أرسمالي‬ ‫بنوع من الاستخفاف‪ ،‬بالإضافة إلى إحكامه السيطرة‬ ‫الاستهلاكي‪ ،‬ونمو الفردية والمنافسة‪ ،‬وما له صله‬ ‫على مصدر المعلومة؛ مما يجعلهم يمتلكون احتكار‬ ‫بالاغت ارب(‪ .)27‬وعلى مستوى الممارسة الإعلامية‪،‬‬ ‫الحديث المفروض على أدوات إنتاج المعلومات واسعة‬ ‫نقد كيللنر ما وصفه بالأداء الكارثي والخطير لوسائل‬ ‫الانتشار وتوزيعها‪ ،‬طالما يحتكرون إمكانات الوصول‬ ‫الإعلام خلال تغطيتها لهجمات ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬واعتبرها‬ ‫إلى المواطنين البسطاء؛ فهم يحتكرون إمكانية إدخال‬ ‫قدمت هستيريا حربية‪ ،‬وفشلت في تقديم سرد متماسك‬ ‫منتجين آخرين للثقافة من كتاب وفنانين وعلماء إلى‬ ‫والإجابة على التساؤلات الرئيسة لما حدث‪ ،‬ولماذا‬ ‫حدث؟ وما يمكن اعتباره ردوًدا مسئولة على الهجمات‬ ‫المجال العام(‪.)25‬‬ ‫الإرهابية(‪.)28‬‬ ‫إن الصحفي يمارس إسقاطات لشخصيته وثقافته؛‬ ‫خاصة الثقافة التي يريد تمريرها‪ ،‬على طبقة مهمة من‬ ‫وكان كيللنر يتبع في تحليله لعمل وسائل الإعلام‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويمارس عليهم رقابة حتى دون أن يعلموا‬ ‫منه ًجا متعدد الرؤى والمنظو ارت‪ ،‬ويجمع بين الاقتصاد‬ ‫بها‪ ،‬وهذا التأثير غير الشعوري على المشاهدين‪،‬‬ ‫السياسي والتحليل الثقافي‪ ،‬وقد طبق هذا المنظور‬ ‫يمثل نو ًعا من العنف الرمزي؛ من خلال القيام بمهام‬ ‫في فهمه لوسائل الإعلام والعولمة(‪ ،)29‬ويدعو‬ ‫ثقافية أيديولوجية بواسطة الصورة والكلمة‪ ،‬وتشكل‬ ‫إلى استخدام مجموعة واسعة من المداخل النظرية‬ ‫وسائل الإعلام ما يسمى بثقافة الصورة‪ ،‬التي تربط‬ ‫والمنهجية لد ارسة وسائل الإعلام والثقافة والمجتمع؛‬ ‫بين المعنى ومفهومها على مستوى الضبط والتحكم‬ ‫لأنه لم يكن يعتقد في أن نظرية أو طريقة واحدة‬ ‫والعنف الرمزي(‪.)26‬‬ ‫‪29‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫الإرهاب ومعالجة الإعلام‪ ،‬نقد للجهادية وسياسات‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫بوش الإعلامية”‪ ،‬مشاهد الإرهاب والإعلام‪ ،‬وتأثير‬ ‫الإعلام الموجه لخدمة الحرب في الولايات المتحدة‬ ‫كافية لمعالجة هذا الث ارء والتعقيد والتنويع والجدة التي‬ ‫الأمريكية بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬وكيف وقع الإعلام‬ ‫تظهر في الأشكال الثقافية المعاصرة ووسائل الإعلام‬ ‫الأمريكي في أخطاء كبرى؛ حيث صور الحدث‬ ‫من خلال إطار معين كانت خلفيته هي (صدام‬ ‫الجديدة(‪.)30‬‬ ‫الحضا ارت) إشارة إلى لأطروحة صامويل هانتيجون‪،‬‬ ‫وكيف تبنى الإعلام من خلال خطابه ثنائية الإرهاب‬ ‫‪1.1‬دوجلاس كيللنر ونقده لمعالجة وسائل الإعلام‬ ‫الإسلامي والحضارة‪ ،‬وكيف تم استغلال ذلك المنظار‬ ‫الغربي لأحداث (الحرب والإرهاب)‪:‬‬ ‫لتهيئة مشاعر ال أري العام الأمريكي لمباركة التدخل‬ ‫وتتمثل انتقادات كيللنر لوسائل الإعلام الغربي؛‬ ‫الحربي‪.‬‬ ‫وخاصة التغطية الإعلامية لحرب الع ارق والذي رآها‬ ‫دعائية‪ ،‬وكذلك الأداء الكارثي للإعلام في تغطية‬ ‫ويطرح كيللنر كيف أن هذا التناول أحادي المنظور‬ ‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬واعتبر أن الإعلام تبنى في‬ ‫كان السبب في انتقال الأزمة إلى العديد من الدول‬ ‫هذه المناسبات وجهات نظر غير موضوعية‪ .‬ويسلط‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬وساعد على تصاعد ما أسماه (حمى‬ ‫كيللنر في تحليله لأحداث حرب الع ارق على ما جاء‬ ‫الحرب والحلول العسكرية لمشكلة الإرهاب العالمية)‪.‬‬ ‫في المؤتمر الصحفي الذي عقده بوش الابن في مارس‬ ‫فقد بدأت القنوات الأمريكية المختلفة في استضافة‬ ‫‪ ،2003‬وكيف إنه كان مستعًدا للحرب ضد الع ارق‪،‬‬ ‫خب ارء الأمن القومي الذين يصفهم كيللنر على أنهم‬ ‫واستحضر في خطابه الخير والشر الذي كان يبرر به‬ ‫‪ ،---‬وسوف يلاحظ الم ارقبون والمحللون للإعلام‬ ‫حملته الصليبية ضد بن لادن والقاعدة‪ ،‬وكرر بوش‬ ‫الأمريكي كيف أن إدارة بوش ومعاونيه استخدموا‬ ‫عبارة صدام حسين والإرهاب باستم ارر‪ ،‬ومشيًار على‬ ‫كلمات معينة في خطبهم (الحرب على الإرهاب)‪،‬‬ ‫الع ارق بالتهديد بما لا يقل عن (‪ )16‬مرة‪ ،‬واستخدم‬ ‫و(الحملة الصليبية)‪ ،‬و(محو الشر في العالم) المتمثل‬ ‫كلمة (أنا) م ارت لا حصر لها‪ ،‬وتحدث عن حكومتي‬ ‫في الهجمة الإرهابية‪ ،‬وتم تصوير التدخل العسكري‬ ‫كما لو كان يملكها‪ .‬وينتهى كيللنر في تحليله إلى‬ ‫على أنه يهدف لنشر الحرية‪ ،‬وتحرير المجتمعات من‬ ‫أنه من الصعب السيطرة على مشهد الحرب إعلامًّيا؛‬ ‫لأنه قد يخضع لإطا ارت وتغيي ارت مختلفة‪ ،‬وكانت‬ ‫الأنظمة السلطوية(‪.)32‬‬ ‫حرب الع ارق حدثًا عالمًّيا‪ ،‬تم بناؤه بشكل مختلف‪،‬‬ ‫بسبب التضارب والاختلاف بين شبكات البث في‬ ‫وكان كيللنر في تحليلاته النقدية لظواهر الإعلام‪،‬‬ ‫مختلف أنحاء العالم؛ ففي حين اعتبرت شبكات البث‬ ‫يستخدم ما يعرف باسم أدوات الفلسفة القارية (مداخل‬ ‫بالولايات هذه الحرب عملية (لحرية الع ارق) متبنية‬ ‫فلاسفة القارة الأوربية)؛ والتي تعتمد على تنوع الأدوات‬ ‫مفهوم البنتاجون‪ ،‬استخدمت شبكات البث الكندية‬ ‫في التحليل‪ ،‬وتوفر أسلحة نقد يمكن تطبيقها على‬ ‫شعار الحرب على الع ارق‪ ،‬واستخدمت شبكات عربية‬ ‫قضايا ومشكلات ملموسة‪ .‬وهكذا عمل كيللنر على‬ ‫توظيف نموذج في التحليل متعدد الثقافات؛ يجمع‬ ‫مختلفة كلمات (غزو) و(احتلال)(‪.)31‬‬ ‫‪30‬‬ ‫وقد ناقش كيللنر في مقاله “‪ 11‬سبتمبر تأملات في‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫وأيديولوجية والتلاعب بالوعي وإخفاء التناقضات‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫داخل المجتمع؛ وذلك من خلال وسائل الإعلام‬ ‫خاصة السينما والإذاعة والصحافة‪ .‬إضافة إلى‬ ‫بين الاقتصاد السياسي والتحليل النصي‪ ،‬والتيا ارت‬ ‫نقد بوردييو لإمبريالية وسائل الإعلام والدور‬ ‫الفلسفية المختلفة؛ بداي ًة من الماركسية حتى النسوية‬ ‫السلبي والتلاعب بعقول المشاهدين؛ من خلال‬ ‫تركيزه على دور التليفزيون وآلياته في التلاعب‬ ‫وما بعد البنيوية وغيره(‪.)33‬‬ ‫بالعقول‪ ،‬وكذلك إسهامات كيللنر وتناول قضايا‬ ‫الإعلام وممارساته ودور الإعلام الجديد في نشر‬ ‫خاتمة‪ :‬النتائج العامة وخيا ارت للمستقبل‪:‬‬ ‫الفردية والمنافسة والاغت ارب ووصفه للممارسات‬ ‫الإعلامية في أوقات حرب الع ارق وأحداث ‪١١‬‬ ‫‪1.1‬أسست مدرسة ف ارنكفورت مبدأ أصيلاً يعزز‬ ‫سبتمبر وأدائها الكارثي والدعائي‪ ،‬وكيف حرص‬ ‫الابتكار والإبداع في العلوم الاجتماعية‬ ‫الإعلام على خدمة الحرب في الولايات المتحدة‬ ‫والإنسانية؛ عندما اعتبرت مدخل العلوم البينية‬ ‫على خلفية مقولة صدام الحضا ارت عند صمويل‬ ‫مطلًبا جوه ًرّيا في تطوير العلم‪ ،‬وإضافة مناهج‬ ‫هانتيجون؛ وهذا ما يدلل على أن الابتكار‬ ‫جديدة في البحث‪ .‬وأكدت شواهد البحث التاريخي‬ ‫والإبداع في بحوث الإعلام ممكن‪ ،‬ولكنه يتطلب‬ ‫لمختلف التطو ارت التي شهدها هذا المدخل‬ ‫كيف أن تطبيق المدخل في حل المشكلات‬ ‫بحثًا نقدًّيا كشرط ضروري لذلك‪.‬‬ ‫المجتمعية كان يستند إلى فكرة التكامل المعرفي؛‬ ‫وربما كان هذا الأمر يحقق هدف العلم من أجل‬ ‫‪ 3.3‬وربما كانت ندرة البحوث النقدية في الإعلام‬ ‫المجتمع‪.‬وعندما اتجه تطبيق مدخل العلوم البينية‬ ‫على المستوى المحلي؛ كما اتضح ذلك بناء علي‬ ‫نحو تفعيل المبدأ الأصيل الذي أرسته مدرسة‬ ‫د ارسة سابقة حول (العولمة وأزمة المنهج في علم‬ ‫ف ارنكفورت تأسي ًسا على فكرة الاندماج المعرفي؛‬ ‫الاجتماع‪ :‬تحليل خطاب البحث الاجتماعي في‬ ‫بزغ عن ذلك نظام فكري جديد تحت مسمى علم‬ ‫البلدان العربية)‪ ،‬بسبب ميل التيار السائد في‬ ‫الاجتماع الرقمي‪ ،‬وجعلوا الأمر يرمي إلى تحقيق‬ ‫العلوم الاجتماعية والإنسانية علي هذا المستوي‬ ‫هدف العلم من أجل العلم(‪ .)34‬ويوضح هذا أن‬ ‫نحو التوسع في البحوث الإمبيريقية والوصفية‬ ‫الابتكار والإبداع في العلوم الاجتماعية والإنسانية‬ ‫علي حساب البحث النقدي(‪)35‬؛ مما يجعلنا‬ ‫نعلق أهمية كبيرة علي ضرورة إعطاء مساحة‬ ‫ممكن بشرط الالت ازم بهذا المبدأ الأصيل‪.‬‬ ‫مناسبة لهذا النوع من البحوث‪ ،‬إذا كنا ننشد‬ ‫تطوير العلم وتجديد مناهجه وضمان الابتكار‬ ‫‪2.2‬كشفت د ارسة حالة البحث النقدي في الإعلام‬ ‫والإبداع من ناحية‪ ،‬والحرص على الانطلاق من‬ ‫عند أدورنو وبوردييو وكيللنر عن إن ما أضافوه‬ ‫المبدأ الأصيل‪ ،‬وتوظيف مدخل العلوم البينية‪،‬‬ ‫من أفكار جديدة؛ مثل صناعة الثقافة والعنف‬ ‫وتجاوز الحدود بين العلوم‪ ،‬بعدما اتضح أن‬ ‫الرمزي والفلسفة القارية‪ ،‬تعبر عن مساهماتهم‬ ‫الإبداعية في هذا المجال‪ ،‬وتوظيفها في تناول‬ ‫ظواهر وممارسات إعلامية بطرق مبتكرة بناء‬ ‫علي تحليل أدورنو للثقافة في المجتمع الصناعي‬ ‫وتحولها إلى ثقافة مصطنعة جماهيرية استهلاكية‬ ‫‪31‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ Objectives and Rational”. In: Fu- ‫مجلــــــــــــــــة‬ tures. No. 36، 2004. PP 407- 421. ‫مدخلاً واحًدا وطريق ًة أو نظري ًة واحدةً ليست كافية‬ 7. Ibid.‫أين رقم الصفحة‬ ‫لمعالجة هذا الث ارء والتنوع والتعقيد والجدة التي‬ ‫تظهر بها الأشكال الثقافية المعاصرة ووسائل‬ 8. Orton-Johnson، Kate، Prior، Nick. Digital Sociology: Critical Perspec- .‫الإعلام الجديدة‬ tives. (New York: Palgrave Macmil- lan، 2013) pp 1-13. :‫* المراجع المستخدمة‬ 9. Greyso، Devon، et.al. Digital So- 1. Young، T.R. et.al. “Conflict Mo- ciology and Information Science ments in Critical Methodology”، Research; Aspects of Sociology. 1997، p11. <www.tryoun.com/arch- Translated by: Heinman، J. Viertal. enves1107conflict moments.html>. (London: N.P، 2016). ‫اين تاريخ الاسترجاع‬ .‫ معجم العلوم الإنسانية‬.‫ جان فرنسوا‬،‫دورتيه‬1010 2. Strik، Peter. M.R. Horkheimer، Max. ‫ المؤسسة‬:‫ (بيروت‬.‫ جورج كتوره‬:‫ترجمة‬ A New Interpretation. (New York: .354 ‫) ص‬2011 ،‫الجامعية للدراسات والنشر‬ Barnes and Noble Books، 1992) p 71. 11. Spencer، Robert. “Thoughts from Abroad: Theodor Adorno as Postco- 3. Horkheimer، Max. Adorno، Theo- lonial Theorist”. In: Culture Theory dor. The Frankfurt School Institute and Critique. Vol. 51. Issue. 3، 2010. for Social Research: Aspects of So- pp 210، 211. ciology. Translated by: Viertal J. (London: Heinman، 1973) P 37. 12. Hansen، Rebecca Longtin. “ Be- tween Theory and Praxis: Art as 4. Horkheimer، Max. “The State of Negative Dialectics، Studies in So- Contemporary Social Philosophy cial and Political Philosophy thought and the Tasks of an institute for So- ”. In: Journal of Social Issues in cial Research”. In: D. Kellner، S. Southeast Asia. Vol. 21، Summer Bronser، eds. Critical Theory and 2013. pp 36- 39. Society. (London: Routledge، 1989) P 32. ‫ الأسس الفلسفية لنقد ما بعدد‬.‫ محمد سالم سعد الله‬1313 ‫) ص ص‬2007 ،‫ دار الحوار‬:‫ (سوريا‬.‫البنيوية‬ 5. Ibid P. 32. .218 ،217 6. Balsiger، Philip W. “Supradiscipli- nary Research Practices: History، 32

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫‪N.P، 2006) p4.‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫‪ 2121‬بورديو‪ ،‬بيير‪ .‬العنف الرمزي‪ :‬بحث في أصول‬ ‫‪14. Sondermann، Michael. “ Definition‬‬ ‫علم الاجتماع التربوي‪ .‬ترجمة‪ :‬نظير جاهل‪.‬‬ ‫‪of Cultural Industries Cultural Statis-‬‬ ‫(بيروت‪ :‬المركز الثقافي العربي‪ )1994 ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪tics “، 12 November 2018.‬‬ ‫‪2222‬بورديو‪ ،‬بيير‪ .‬التليفزيون وآليات التلاعب‬ ‫‪<http://www.kulturwirtschaft.de/wp-‬‬ ‫بالعقول‪ .‬ترجمة‪ :‬درويش الحلوجي‪( .‬د‪.‬م‪ :‬دار‬ ‫‪content/uploads/2011/01/ESSnetdefini-‬‬ ‫كنعان للدراسات والخدمات الإعلامية‪)2004 ،‬‬ ‫‪tionCultural_industries_MS_20111004.‬‬ ‫‪pdf>.‬‬ ‫ص ص ‪.96 94-‬‬ ‫‪1515‬هاو‪ ،‬آلن‪ .‬النظرية النقدية‪ :‬مدرسة فرانكفورت‪.‬‬ ‫‪ 2323‬شوفاليية‪ ،‬ستيفان‪ ،‬شوفيري‪ ،‬كريستيان‪ .‬معجم‬ ‫ترجمة‪ :‬ثائر ديب‪( .‬القاهرة‪ :‬المركز القومي‬ ‫بورديو‪ .‬ترجمة‪ :‬الزهرة إبراهيم‪( .‬د‪.‬م‪ :‬دار‬ ‫للترجمة‪ ،‬العدد ‪ )2010 ،1584‬ص ص ‪117-‬‬ ‫الجزائر‪ )2013 ،‬ص‪.286‬‬ ‫‪.121‬‬ ‫‪24. Bourdieu، Pierre. On Television.‬‬ ‫‪16. Adorno، Theodor W. Aesthetic The-‬‬ ‫‪Translated by: Ferguson، Priscilla‬‬ ‫‪ory. (London: Continuum، 2002) pp‬‬ ‫‪Parkhurst. (New York: The New‬‬ ‫‪16-18.‬‬ ‫‪Press، 1998) pp 103- 106.‬‬ ‫‪1717‬هاني خميس أحمد عبده‪“ .‬النظرية النقدية وأزمة‬ ‫‪ 2525‬بورديو‪ ،‬بيير‪ .‬التليفزيون وآليات التلاعب‬ ‫علم الاجتماع‪ :‬دراسة تحليلية لكتابات مدرسة‬ ‫بالعقول‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ص ‪.101 - 86‬‬ ‫فرانكفورت”‪ .‬رسالة ماجستير‪( .‬الإسكندرية‪:‬‬ ‫كلية الآداب جامعة الإسكندرية‪ )2002 ،‬ص‬ ‫‪ 2626‬أبو علام منطر‪ “ .‬أبجديات التسلط الثقافي عند‬ ‫بيير بورديو “‪ .‬في‪ :‬مجلة الدراسات والبحوث‬ ‫‪.218‬‬ ‫الاجتماعية‪ .‬العدد ‪ .2016 ،17‬ص‪.33‬‬ ‫‪18. Adorno، Theodor، Horkheimer‬‬ ‫‪،Max. Culture Industry: Enlighten-‬‬ ‫‪27. Kahn، Richard، Kellner، Douglas.‬‬ ‫‪ment as Mass Deception. Translated‬‬ ‫‪“Oppositional Politics and the Inter-‬‬ ‫‪by: Beunden، A. (New York: Con-‬‬ ‫‪net: A Critical Reconstructive Ap-‬‬ ‫‪tinuum، 1998) pp 17- 19.‬‬ ‫‪proach”. In: Cultural Politics. Vol. 1،‬‬ ‫‪No. 2، 2005. p15.‬‬ ‫‪ )19(1919‬حسن كاروك‪ ،‬بيير بورديو‪ 20 ،‬مايو‬ ‫‪.2018‬‬ ‫‪28. Kellner، Douglas. “September 11:‬‬ ‫‪Terrorism and Blowback”. In: Cul-‬‬ ‫‪https://www.b-sociology.com/2017/01/‬‬ ‫‪tural Studies and Critical Method-‬‬ ‫‪pdf_30.html>.‬‬ ‫أين التاريخ و رقم ‪ologies. Vol. 2، No.1.‬‬ ‫الصفحة‬ ‫‪20. Wacquant، Loic، Bourdieu، Pierre.‬‬ ‫‪Contemporary Thinkers. (London:‬‬ ‫‪33‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫‪3232‬سارة المصري‪ .‬الإعلام المصري‪ :‬استقلالية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫منقوصة ومهنية معيبة‪( .‬القاهرة‪ :‬مؤسسة حرية‬ ‫‪29. Ralón، Laureano. “ Interview with‬‬ ‫الفكر والتعبير‪ .)2014 ،‬أين أرقام الصفحات‬ ‫‪Douglas Kellner”. August 2012، 17‬‬ ‫‪November 2018.‬‬ ‫أين ‪33. Ralon، L.، Dowdall، J. op.cit.‬‬ ‫أرقام الصفحات‬ ‫‪<http://figureground.org/interview-‬‬ ‫‪with-douglas-kellner/>.‬‬ ‫‪ 3434‬علي عبد الرازق جلبي‪ “ .‬مدخل العلوم البينية‬ ‫والابتكار في النظم الفكرية‪ :‬علم الاجتماع الرقمي‬ ‫‪30. Kellner، Douglas، Durhan، Meenak-‬‬ ‫نموذ ًجا”‪ .‬في‪ :‬ندوة المجلس الأعلى للثقافة لجنة‬ ‫‪shic، Adventures in Media and cul-‬‬ ‫علم الاجتماع والانثروبولوجيا‪ .‬القاهرة‪.2018 ،‬‬ ‫‪tural studies: Introducing the Key‬‬ ‫‪Works Media and Cultural Studies‬‬ ‫‪3535‬علي عبد الرازق جلبي‪“ .‬العولمة وأزمة المنهج‬ ‫‪the Key Words. (N.P: Blackwell،‬‬ ‫في علم الاجتماع‪ :‬تحليل خطاب البحث الاجتماعي‬ ‫أين أرقام الصفحات ‪2006).‬‬ ‫في البلدان العربية”‪ .‬في‪ :‬مؤتمر علم الاجتماع‬ ‫في مجتمعاتنا‪ :‬مجتمع واحد ومرجعيات بديلة‪،‬‬ ‫‪31. Kellner، Douglas. “ Media Culture‬‬ ‫جامعة عين شمس‪ ،‬مركز الدراسات المعرفية‪،‬‬ ‫‪and the Triumph of the Spectacle”.‬‬ ‫‪April – May 2004، 17 November‬‬ ‫القاهرة‪.2010 ،‬‬ ‫‪2018.‬‬ ‫<‪https://pages.gseis.ucla.edu/faculty/‬‬ ‫‪kellner/essays/mediaculturetriumph-‬‬ ‫‪.>spectacle.pdf‬‬ ‫‪34‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫المنظومة الأممية والمساواة بين الجنسين‬ ‫الجهود والتحديات اليونسكو نموذ ًجا‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬شادية علي قناوي‬ ‫أستاذ علم الاجتماع‬ ‫سفير مصر السابق باليونسكو‬ ‫شهد العالُم حالة من العنف والدمار ارح ضحيته ملايي ُن من السكان المدنيين والعسكريين ج ارء الحربين‬ ‫العالميتين؛ الأولى والثانية‪ ،‬وهو الأمر الذي ترك آثاره العميقة على كل من البشر والحجر؛ لذا طالب قادة العالم؛‬ ‫السياسيون والعسكيون وكذا قادة الفكر‪ ،‬بالعمل على استبدال أسلوب العنف بأسلوب الحوار الذي جاء في شكل‬ ‫الاتفاق على إنشاء منظومة أممية (الأمم المتحدة)‪ ،‬تعتمد على أساليب الحوار والمفاوضات منها ًجا جديًدا‬ ‫للتحاور والتفاهم بين الدول‪ ،‬مع العمل على رفض كل أساليب العنف والحرب بكل الوسائل الممكنة‪.‬‬ ‫المتخصصة‪ ،‬بوجه خاص‪ ،‬والتي تحدد أولوياتها في‬ ‫ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تدفع تلك المنظومة‬ ‫‪ -1‬القضاء على الفقر‪ -2 ،‬تمكين الم أرة‪ ،‬وتعزيز‬ ‫الأممية بالعديد من المنظمات والهيئات المتخصصة‬ ‫المساواة بين الجنسين‪ ،‬وخاصة في الدول الفقيرة‪،‬‬ ‫والمجالس والاتفاقيات والعهود الدولية‪ ،‬التي تسعى في‬ ‫والدول الأكثر فقًار على مستوى العالم‪ .‬من هنا جاء‬ ‫مجملها الى إنصاف الجماعات المهمشة والمجتمعات‬ ‫الاهتمام باختيار منظمة اليونسكو كنموذج مهم‬ ‫والبلدان الفقيرة وتحقيق حقوق الإنسان‪ ،‬سوا ًء من خلال‬ ‫وعضو رئيس فاعل في المنظومة الأممية في نشر‬ ‫المؤسسات الرسمية للدول الأعضاء بالأمم المتحدة‪،‬‬ ‫المساواة بين الجنسين‪ ،‬والتي تقوم بوضع الخطط‬ ‫أو من خلال منظمات المجتمع المدني بها‪ .‬فقد تم‬ ‫والب ارمج والسياسات‪ ،‬وكذا متابعة آليات التنفيذ في‬ ‫الإعلان عن إنشاء منظمة التربية والعولم والثقافة‬ ‫(اليونسكو)‪ ،‬وهي المنظمة الدولية التي نحاول من‬ ‫الدول الأعضاء لتمكين الم أرة وتحقيق إنسانيتها‪.‬‬ ‫خلال ورقة العمل المطروحة التركيز على دورها‬ ‫وإسهامها في مجال تمكين الم أرة‪ ،‬وتعزيز المساواة‬ ‫وفي ضوء ذلك نسعى إلى تقسيم العمل إلى ثلاثة‬ ‫بين الجنسين‪ ،‬وخاصة في المجتمعات الفقيرة‪ ،‬التي‬ ‫محاور رئيسة‪:‬‬ ‫لم يحصل فيها أبناء هذه الدول على سد احتياجاتهم‬ ‫يختص المحور الأول برصد إسهامات منظمة‬ ‫الإنسانية الأساسية وخاصة النساء‪.‬‬ ‫اليونسكو في نشر وترسيخ ثقافة المساواة بين الجنسين‪.‬‬ ‫تهدف ورقة العمل المقدمة الى استع ارض مجهودات‬ ‫ويبحث المحور الثاني في جهود وأنشطة منظمة‬ ‫منظمة الأمم المتحدة بوجه عام‪ ،‬ومجالات عمل‬ ‫اليونسكو في مجال تمكين الم أرة وتعزيز المساواة بين‬ ‫ونشاط منظمة اليونسكو‪ ،‬كإحدى المنظمات الدولية‬ ‫الجنسين‪.‬‬ ‫‪35‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫بخصوص – هي قضية تتبلور وتُعالج في إطار‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأساس‬ ‫(الحق في العمل‪ ،‬والحق في أجر متساو مقابل العمل‬ ‫ويتناول المحور الثالث بالتحليل أهم التحديات‬ ‫المتساوي‪ ،‬والحق في توفير الضمان الاجتماعي‪،‬‬ ‫التي تواجه المنظومة الأممية في مجال المساواة بين‬ ‫والحق في العيش الكريم والذي يشمل توافر القدر‬ ‫الكافي من الغذاء والملبس والسكن‪ ،‬والحق في العلاج‪،‬‬ ‫الجنسين وتمكين الم أرة‪.‬‬ ‫والحق في الحصول على فرص متساوية للتعليم‪ ،‬وحق‬ ‫المشاركة في الحياة الثقافية)‪ ،‬وكذا الحقوق السياسية‬ ‫المحور الأول‪ :‬المساواة بين الجنسين‪ :‬حقوق‬ ‫والمدنية في المقام الثاني (الديمق ارطية والتمكين‪،‬‬ ‫الإنسان ومجهودات المنظومة‬ ‫والتمثيل السياسي للم أرة)‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫تُعد قضية المساواة بعموم – والمساواة بين الجنسين‬ ‫بوجه خاص – قيمة إنسانية أساسية أولتها المنظومة‬ ‫واللالفت للنظر هنا هو أن المجتمع الدولي (الجمعية‬ ‫الأممية جل اهتمامها‪ ،‬ومن ثم كان الإعلان العالمي‬ ‫العامة للأمم المتحدة) يكرس ويعطي عظيم اهتمامه‬ ‫لحقوق الإنسان هو الإطار الحاكم للمساواة بين‬ ‫بتفعيل الحقوق السياسية والمدنية (والذي يتضح من‬ ‫الجنسين‪ .‬وعليه أرى أن فهمنا لحاجة المجتمع‬ ‫خلال العديد من المؤش ارت التي سيلي ذكرها)‪ ،‬ولا‬ ‫الانساني إلى تفعيل وترسيخ مبادئ المساواة بين‬ ‫يعطي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نفس‬ ‫الجنسين لا ينبغي أن تتم بمعزل عن تتبع الاهتمام‬ ‫القدر من الاهتمام‪ ،‬وذلك رغم التأكيدات المتعددة‬ ‫بأن “لا يميز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين‬ ‫الدولي بقضية حقوق الإنسان(‪.)1‬‬ ‫الحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬والحقوق الاقتصادية‬ ‫والاجتماعية والثقافية”‪ .‬إلا أن الخب ارت والممارسات‬ ‫لقد سعت المنظومة الأممية منذ إنشائها في عام‬ ‫عبر عقوٍد عدة‪ ،‬أكدت وأوضحت أنه “جرى فرض‬ ‫‪ 1945‬وفي خطواتها الأولى‪ ،‬وفي نفس العام‪ ،‬إلى‬ ‫اعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على‬ ‫إنشاء لجنة لحقوق الإنسان‪ ،‬والتي أعقبها إطلاق‬ ‫أنها تطلعات أكثر منها الت ازمات قانونية على الدولة‪،‬‬ ‫الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ‪،1948/12/10‬‬ ‫بعكس الحقوق المدنية والسياسية التي نالت اعتبا ارت‬ ‫الأمر الذي يعكس الرغبة الشديدة في تحقيق الاستق ارر‬ ‫والأمن الدوليين آنذاك‪ .‬ودون الدخول في تفاصيل‬ ‫الأولوية”(‪.)2‬‬ ‫الإعلان‪ ،‬أشير هنا وفي عجالة إلى أن الجمعية‬ ‫العامة للأمم المتحدة أعلنت في ‪1966/12/16‬‬ ‫ولذلك نجد أن المؤتم ارت الدولية لحقوق الإنسان –‬ ‫عن العهدين الدوليين‪ ،‬العهد الدولي للحقوق‬ ‫وخاصة مؤتمر فيينا – الذي عقد في عام ‪،1993‬‬ ‫السياسية والمدنية‪ ،‬والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية‬ ‫وكذا البيان الختامي للقمة العالمية لعام ‪ 2005‬أكدت‬ ‫والاجتماعية والثقافية‪ ،‬المكملات للإعلان العالمي‬ ‫جميعها على تكامل حقوق الإنسان‪ ،‬وعدم قابليتها‬ ‫لحقوق الإنسان‪ ،‬وأعقب ذلك صدور بروتوكولين‬ ‫للتجزئة والت ارتبية‪ ،‬وشددت على أن كافة حقوق‬ ‫الأول للحقوق السياسية والمدنية في عام ‪،1989‬‬ ‫الإنسان يجب أن تلقى معاملة عادلة‪ ،‬وعلى قدم‬ ‫وآخر للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في‬ ‫‪36‬‬ ‫عام ‪.2008‬‬ ‫وهنا أود أن أشير إلى هذه الخلفية فقط لأوضح‬ ‫أن قضية المساواة بعموم – والمساواة بين الجنسين‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫معالجة وتحليل البعض منها في هذه الورقة) إلى‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫حالة تدني وضع الم أرة‪ ،‬وانحسار فرص الحياة‬ ‫أمامها‪ ،‬وخاصة في الدول الفقيرة‪ ،‬والدول الأكثر فقًار‪،‬‬ ‫المساواة‪ ،‬وبنفس القدر من الأهمية (لاحظ هنا صيغة‬ ‫الينبغيات‪ ،‬التي تعكس التباين في الاهتمام من جهة‪،‬‬ ‫وها هي بعض المؤش ارت الدالة على ذلك‪:‬‬ ‫ويؤكد إيلاء الاهتمام بقطاع من الحقوق الإنسانية‪،‬‬ ‫‪ -‬هناك ‪ 31‬مليون فتاة ممن بلغن سن التعليم‬ ‫وإعطائه الصبغة التنفيذية الإل ازمية دون الاهتمام‬ ‫الابتدائي غير ملتحقات اليوم بالمدارس (اليونسكو‬ ‫المماثل لقطاع آخر منها‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬ ‫‪.)2013‬‬ ‫‪ -‬خبرت ‪ %35‬من نساء العالم إما عنًفا جسدًّيا أو‬ ‫ويؤكد هذا التباين ما قامت به المفوضية الأوروبية‬ ‫منذ عام ‪ 1992‬من إد ارج ما يسمى بشرط حقوق‬ ‫جنسًّيا (منظمة الصحة العالمية ‪.)2013‬‬ ‫الإنسان في اتفاقياتها الثنائية للتجارة والتعاون مع‬ ‫‪ -‬ثلثا الأميين في العالم‪ ،‬وعددهم ‪ 774‬مليون هم‬ ‫دول العالم الثالث‪ ،‬والذي ينص على أن احت ارم‬ ‫حقوق الإنسان والديمق ارطية يمثل عنصًار أساسًّيا في‬ ‫من النساء (اليونسكو ‪.)2013‬‬ ‫الاتفاقيات‪ ،‬وفي حالة وجود أي خرق يمكن تجميد‬ ‫‪ -‬ثلثا فق ارء العالم من النساء (الاتحاد البرلماني‬ ‫الاتفاقية(‪.)3‬‬ ‫الدولي ‪.)2014‬‬ ‫وليس من قبيل الصدفة أن يدرك و يشدد الميثاق‬ ‫‪ -‬واحدة من كل تسع فتيات في العالم تتزوج قبل‬ ‫الإفريقي‪ ،‬والذي أُعلن في عام ‪ ،1981‬أهمية تغطية‬ ‫الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪ ،‬بالإضافة‬ ‫سن الخامسة عشرة (الأمم المتحدة للم أرة ‪.)2013‬‬ ‫إلى الحقوق السياسية والمدنية‪ ،‬وهو الذي يضم دول‬ ‫في ضوء هذه المؤش ارت تحاول منظمة الأمم‬ ‫القارة الأفريقية‪ ،‬التي يقع الجزء الأكبر منها في‬ ‫المتحدة والمنظمات واللجان والهيئات المتخصصة‬ ‫مجموعة الدول الأكثر فقًار‪ ،‬ومن ثم الدول الأولى‬ ‫التابعة لها تقييم وقياس وتحليل حالة حقوق الم أرة‬ ‫بالرعاية‪ ،‬نظًار لمعاناتها الشديدة من الفقر والمرض‬ ‫وملامح إنفاذها في دول العالم بالقا ارت المختلفة‪.‬‬ ‫ومن نقص فرص الحياة الكريمة‪ .‬وعليه أدركت دول‬ ‫وفيما يلي نشير إلى بعض من الخطوات والإج ارءات‬ ‫القارة الإفريقية‪ ،‬وفي ضوء خب ارتها الواقعية المعاشة‪،‬‬ ‫التي اتخذتها المنظومة الأممية لإنفاذ المساواة بين‬ ‫أولوية أو أهمية إنفاذ وتعزيز الحقوق الاقتصادية‬ ‫الجنسين ومكافحة العنف ضد الم أرة في السنوات‬ ‫والاجتماعية والثقافية أولاً‪ ،‬ثم يلي ذلك تعزيز الحقوق‬ ‫السابقة‪ ،‬ونعرض في النهاية لمجهودات ومحاولات‬ ‫المدنية والسياسية‪ .‬هذا كما يمكن القول بأن مجموعة‬ ‫المنظومة الأممية اليوم للعمل على تدارك هذه‬ ‫الدول الإفريقية وعت تحيز الدول الكبرى والمنظومة‬ ‫الإخفاقات أو بالأحرى محدودية الإنجا ازت التي‬ ‫الأممية بوجه عام‪ ،‬واهتمامها وتشديدها لإنفاذ الحقوق‬ ‫أشارت إليها تقارير المتابعة من قبل اللجان والولايات‬ ‫المدنية والسياسية على حساب مصالح تلك الدول‪.‬‬ ‫التابعة للمنظمة‪.‬‬ ‫وتشير الإحصاءات الواردة عن المنظمات الدولية‬ ‫‪ -‬في ‪ 1979/12/18‬تبنت الجمعية العامة‬ ‫(ورغم مجهوداتها التي تمثلت في العديد من الاتفاقيات‬ ‫للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على كافة أشكال‬ ‫والعهود والصكوك والمؤتم ارت الدولية‪ ،‬والتي سيتم‬ ‫التمييز ضد الم أرة‪ .‬وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ‬ ‫‪37‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫هدفت إلى تحقيق المساواة الأصيلة للنساء في جميع‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫مجالات الحياة‪ ،‬والقضاء على كافة أشكال وصور‬ ‫التمييز ضدهن‪ .‬ثم جاء مؤتمر بكين‪ ،‬والذي عقد‬ ‫في ‪ .1981/9/2‬وانضمت إليها (حتى ‪)2011‬‬ ‫في عام ‪ 1995‬لتأكيد سعي المجتمع الدولي للعمل‬ ‫‪ 186‬دولة‪ .‬وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز المساواة‬ ‫على النهوض بالم أرة‪ .‬فقد طالب إعلان وبرنامج عمل‬ ‫بين الجنسين من الرجال والنساء‪ ،‬وحظر التمييز‬ ‫مؤتمر بكين بالإدماج الكامل لقضية الم أرة وتمكينها‬ ‫ضد الم أرة‪ .‬وحددت أهم أشكال التمييز في الزواج‬ ‫في المسا ارت التنموية‪ ،‬وذلك من خلال تحسين‬ ‫الإجباري والعنف الأسري والمشاركة في الحياة العامة‬ ‫أوضاع النساء‪ ،‬وتوفير فرص أكبر لهن في مجالات‬ ‫والتمييز في العمل والرعاية الصحية‪ .‬تبع ذلك تأسيس‬ ‫التعليم‪ ،‬علاوة على السعي لتأكيد الالت ازم بإدماج‬ ‫لجنة – انبثقت عن الاتفاقية – أُطلق عليها لجنة‬ ‫المساواة على أساس النوع في السياسات والمؤسسات‬ ‫القضاء على التمييز ضد الم أرة‪ ،‬وقد أصدرت هذه‬ ‫اللجنة التوصية العامة رقم ‪ ،19‬في عام ‪،1992‬‬ ‫المختلفة بالدول الأعضاء‪.‬‬ ‫بشأن ظاهرة العنف ضد النساء (حيث لم تنص‬ ‫‪ -‬في يونيو ‪ 2000‬تم عقد جلسة خاصة للجمعية‬ ‫الاتفاقية على هذه الظاهرة بشكل محدد)‪ .‬وتقترح‬ ‫العامة للأمم المتحدة تحت عنوان‪“ :‬بكين ‪ 5+‬النساء‬ ‫هذه التوصية إج ارءات محددة على الدول أن تتخذها‬ ‫في ‪ :”2000‬المساواة على أساس النوع الاجتماعي‪،‬‬ ‫لحماية النساء من العنف‪ .‬وفي مارس ‪ 1994‬أنشأت‬ ‫والتنمية والسلام في القرن الواحد والعشرين”‪ .‬وقد‬ ‫لجنة حقوق الإنسان منصب (مقررة) خاصة بشأن‬ ‫جاءت هذه الجلسة الخاصة لم ارجعة جهود تفعيل‬ ‫العنف ضد الم أرة‪ ،‬مهمتها فحص أسباب وتداعيات‬ ‫إطار برنامج عمل مؤتمر بكين‪ ،‬ود ارسة المباد ارت‬ ‫العنف ضد النساء‪ .‬ومن الجدير الإشارة اليه في هذا‬ ‫الإضافية لتحسين تفعيله‪ .‬ومن اللافت للنظر أن‬ ‫المقام هو أن المقررة في تقريرها المقدم للجنة حقوق‬ ‫الوثيقة الختامية للجلسة الخاصة (بكين‪ )5+‬قد‬ ‫الانسان ركزت على العنف ضد النساء الناتج عن‬ ‫أكدت‪ ،‬ورغم كل الإسهامات التي قدمتها منظمة‬ ‫ممارسات ثقافية (ترتبط بثقافة بعض الشعوب‪ ،‬والتي‬ ‫الأمم المتحدة سابقة الذكر‪ ،‬إلا أن ظاهرتي العنف‬ ‫ترى – الثقافات – ضرورة احت ارمها والتسامح بشأن‬ ‫والفقر ما ازلتا تشكلان العائقين الأساسيين في طريق‬ ‫ممارستها)‪ ،‬إلا أن المقررة ترى أن ج ارئم الشرف تلك‬ ‫تحقيق المساواة على أساس النوع الاجتماعي عالمًّيا‪،‬‬ ‫تُعد من أكثر ممارسات العنف إثارة للقلق‪ ،‬علاوة‬ ‫مما أوجد تحديات جديدة تواجه تطبيق برنامج العمل‪،‬‬ ‫على الزواج القصري‪ ،‬والممارسات التي تؤثر على‬ ‫منها الإتجار بالنساء والفتيات(‪.)4‬‬ ‫حقوق الم أرة الإنجابية‪.‬‬ ‫كما أصدر مجلس الأمن في عام ‪ 2000‬ق ارره المهم‬ ‫وبهدف تعزيز حقوق الم أرة عقدت الأمم المتحدة‬ ‫رقم ‪“ 1325‬الم أرة كعنصر فاعل في السلام والأمن”‬ ‫عدة مؤتم ارت عالمية يمكن الإشارة إلى أبرزها‪:‬‬ ‫والذي شدد على ضرورة إش ارك الم أرة في عمليات‬ ‫مؤتمر المكسيك لعام ‪ ،1975‬ثم مؤتمر كوبنهاجن‬ ‫الحفاظ على الأمن وبناء السلام‪ ،‬وخصو ًصا في‬ ‫لعام ‪ ،1980‬ثم مؤتمر نيروبي لعام ‪1985‬؛ حيث‬ ‫المناطق المتضررة من الن ازع‪ ،‬وكذا تأمين احتياجات‬ ‫تم تبني است ارتيجيات نيروبي للتطلع للتقدم بالنهوض‬ ‫بالم أرة حتى عام ‪ ،2000‬وهي الاست ارتيجيات التي‬ ‫‪38‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫قبل الدول الأعضاء‪)5(.‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫مما تقدم يمكن القول إذا كانت است ارتيجيات‬ ‫النساء والفتيات في مناطق الن ازع‪ ،‬وأخيًار العمل‬ ‫المنظومة الأممية للمساواة على أساس النوع‬ ‫على إش ارك الم أرة في صنع الق ارر مع الرجل لمنع‬ ‫الاجتماعي تهدف إلى إدماج حقوق الإنسان للنساء‬ ‫الص ارعات وتحقيق السلام الدائم‪ .‬ومن المفارقات‬ ‫في جميع أنشطة الأمم المتحدة‪ ،‬وكذا خلق آليات‬ ‫الجديرة بالاهتمام أن ‪ 21‬دولة فقط من الدول‬ ‫لمعالجة انتهاكات هذه الحقوق‪ ،‬فإن لمنظمة اليونسكو‬ ‫الأعضاء بالمنظمة‪ ،‬من أصل ‪ 192‬دولة‪ ،‬نفذت‬ ‫باع طويل ومسؤليات والت ازمات مهمة في هذا الشأن‬ ‫هذا الق ارر‪ .‬الأمر الذي يعكس الرؤية النمطية لكثير‬ ‫تجدر الإشارة إليها في المحور التالي من هذه الورقة‪.‬‬ ‫من دول العام‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬لقد ارت الم أرة وإمكاناتها‪،‬‬ ‫ومن ثم حقوقها الإنسانية وتمكينها وتحقيق المساواة‬ ‫المحور الثاني‪ :‬اليونسكو ودورها في نشر ثقافة‬ ‫وتعزيز المساواة بين الجنسين‬ ‫بينها وبين الرجل‪.‬‬ ‫تعد منظمة اليونسكو أبرز – وإن لم تكن – أهم‬ ‫ونظًار لاستم ارر ممارسات العنف (بأشكالها‬ ‫المنظمات الدولية المتخصصة التابعة لهيئة الأمم‬ ‫المختلفة) ضد النساء حتى نهاية القرن العشرين‪،‬‬ ‫المتحدة كونها تقوم لإنفاذ رؤى الأباء المؤسسين‬ ‫سعى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية‬ ‫للمنظومة الأممية‪ ،‬والتي تتلخص في “بناء حصون‬ ‫الى اعتبار ك ٍّل من الاغتصاب والاسترقاق الجنسي‬ ‫السلام في عقول البشر” كما جاء بميثاق إنشائها‪،‬‬ ‫والبغاء القسري والحمل القسري والتعقيم القسري‬ ‫وذلك من خلال مجالات عملها وقطاعاتها المختلفة‪.‬‬ ‫وأية صورة أخرى من صور العنف الجنسي تتشابه‬ ‫فمنظمة اليونسكو هي منظمة دولية “غير سياسية”‬ ‫في خطورتها‪ ،‬بأنها ج ارئم ضد الإنسانية وج ارئم‬ ‫معنية بقضايا التربية والثقافة والعلوم والاتصال‪ .‬في هذا‬ ‫حرب‪ .‬هنا تجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة‬ ‫الشأن هناك حقيقتان لا يجب أن تغيبا عن الأذهان‪:‬‬ ‫للأمم المتحدة تبنت العديد من الق ار ارت التي تتعلق‬ ‫الأولى وتتمثل في أن كل القضايا سابقة الذكر لا‬ ‫بالقضاء على جميع أشكال العنف ضد الم أرة بما‬ ‫يمكن فهمها‪ ،‬والعمل على تنفيذ ق ار ارت وتوصيات‬ ‫في ذلك “القضاء على الج ارئم المرتكبة ضد النساء‬ ‫قطاعات العمل بها بمعزل عن الق ار ارت والتوجهات‬ ‫باسم الشرف”‪“ ،‬والقضاء على الإتجار بالنساء‬ ‫السياسية للدول الأعضاء بالمنظمة‪ .‬والثانية وتتمثل‬ ‫والفتيات”‪ .‬كما أصدر مجلس الأمن في عام ‪2008‬‬ ‫في أن قطاعات عمل اليونسكو (التربية والثقافة‬ ‫ق ارره رقم ‪ 1820‬المتعلق بالعنف الجنسي‪ ،‬وفي العام‬ ‫والعلوم‪ ،‬وكذا الاتصال) كلها يدخل في اهتماماتها‬ ‫‪ 2009‬أعقبه الق ارر رقم ‪ 1888‬بتعيين ممثل خاص‬ ‫وأعمالها وأنشطتها قضايا الم أرة وتمكينها وتعزيز‬ ‫للأمين العام للأمم المتحدة معني بمتابعة ظاهرة‬ ‫العنف الجنسي في حالات الص ارع‪ ،‬وفي ذات العام‬ ‫المساواة بين الجنسين‪.‬‬ ‫أصدر مجلس الأمن الق ارر رقم ‪ 1889‬بإنشاء ولاية‬ ‫(منصب) لرصد المباد ارت من أجل الم أرة والسلام‬ ‫علاوة على ذلك يمكن القول‪ ،‬إذا كانت اليونسكو‬ ‫والأمن‪ .‬وفي عام ‪ 2010‬أصدر مجلس الأمن الق ارر‬ ‫حددت أولوياتها (كما سبق وأن ذكرنا في بداية‬ ‫رقم ‪ 1960‬مؤكًدا تعزيز الإلت ازم بالق ارر ‪ 1888‬من‬ ‫‪39‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫بين الجنسين؛ هذا على أنه من الضرورة بمكان إد ارك‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫أن عملية تمكين الم أرة تعد قضية محورية لا غنى‬ ‫الورقة) في القضاء على الفقر‪ ،‬وتمكين الم أرة وتعزيز‬ ‫عنها لتحقيق التنمية والحد من الفقر‪.‬‬ ‫المساواة بين الجنسين‪ ،‬علاوة على أنشطتها من خلال‬ ‫علاوة على أن عدم كفالة وتحقيق المساواة بين‬ ‫قطاعات عملها المختلفة‪ ،‬يمكن اعتبار المنظمة‪،‬‬ ‫الجنسين يحد من قدرة الإناث على التمسك بحقوقهن‬ ‫على هذا النحو‪ ،‬هي العضو الفاعل والأساسي‬ ‫والسعي إلى ممارستها وأخيًار يعني تحقيق المساواة‬ ‫لمنظمة الأمم المتحدة المنوط بها العمل على إنفاذ‬ ‫بين الجنسين للفتيات والفتيان ضمان تكافؤ الفرص‬ ‫الجزء الأكبر من الحقوق الإنسانية الواردة في العهد‬ ‫فيما بينهم في الالتحاق بالمدارس والقيد والاستم ارر‬ ‫الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪،‬‬ ‫وهي مجموعة الحقوق الإنسانية التي لم تحظ بنفس‬ ‫بها‪.‬‬ ‫القدر من الاهتمام والتعاطي والمتابعة من قبل‬ ‫من هنا تعددت أنشطة اليونسكو بالمنظمة للمساواة‬ ‫منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة‪ .‬هذا ومن‬ ‫بين الجنسين من أجل التنمية المستدامة‪ ،‬ففي عام‬ ‫المعروف أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع‬ ‫‪ 1992‬أنشأت المنظمة ما يعرف بشبكة ك ارسي‬ ‫لمنظمة الأمم المتحدة قد أنشأ اللجنة الاقتصادية‬ ‫اليونسكو‪ ،‬وشبكات توأمة الجامعات وذلك في‬ ‫والاجتماعية والثقافية لتتولى م ارقبة تطبيق العهد‪،‬‬ ‫مجالات عمل اليونسكو سواء في مجال التعليم أو‬ ‫ومن ثم تدخل العديد من الأنشطة والب ارمج في إطار‬ ‫العلوم الاجتماعية والطبيعية أوالثقافة أوالاتصال‪،‬‬ ‫التعاون بين منظمة اليونسكو والمجلس الاقتصادي‬ ‫وتعمل هذه الشبكات كجسور تواصل بين الأكاديمين‬ ‫والاجتماعي بهدف دعم وتعزيز وحماية حقوق الم أرة‬ ‫والمجتمع المدني وم اركز البحوث والقائمين على‬ ‫وتحقيق المساواة بين الجنسين(‪ ،)6‬وفيما يلى نعرض‬ ‫تخطيط ووضع السياسات ومتخذي الق ارر في الدول‬ ‫الأعضاء من جهة‪ ،‬والخب ارء الدوليين في مختلف‬ ‫لبعض من أهم ملامح هذه الأنشطة‪:‬‬ ‫قطاعات عمل منظمة اليونسكو‪ .‬وحتى الآن (فب ارير‬ ‫‪ )2015‬أصبح لليونسكو عدد ‪ 650‬مؤسسة في ‪124‬‬ ‫ففي قطاع التعليم على سبيل المثال‪ ،‬تهتم اليونسكو‬ ‫دولة حول العالم تضطلع بمهام هذة الشبكات‪ ،‬وتهدف‬ ‫بتعميم مبدأ م ارعاة قضايا المساواة بين الجنسين‬ ‫الشبكة إلى تعزيز البحوث الموجهة نحو السياسات‬ ‫في مختلف م ارحل وأقسام القطاع‪ ،‬بد ًءا من م ارحل‬ ‫والدعوة من أجل الم أرة والمساواة بين الجنسين وبناء‬ ‫التخطيط التربوي وتخطيط البنية الأساسية‪ ،‬مروًار‬ ‫القد ارت والنهوض بالد ارسات حول الم أرة (كجزء من‬ ‫بإعداد المواد التعليمية‪ ،‬وانتها ًء بالعمليات التعليمية‬ ‫تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانية) وتعزيز التعاون‬ ‫ذاتها‪ .‬وترى منظمة اليونسكو أن المشاركة الكاملة‬ ‫بين م اركز البحوث الجامعية بشأن الم أرة وقضايا‬ ‫والمتكافئة للنساء في م ارحل العملية التعليمية أمر‬ ‫المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء القا ارت‪ ،‬وبناء‬ ‫أساسي للغاية‪ ،‬وشرط ضروري لضمان مستقبل‬ ‫عليه تم عقد أول اجتماع للشبكة في كلية مريام بمانلا‬ ‫مستدام؛ حيث إن أدوار الجنسين يمليها ويحتمها‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويتم تعلمها من جيل إلى آخر‪ ،‬كما أن‬ ‫عاصمة الفلبين في يوليو (‪.2007)7‬‬ ‫أدوار الجنسين تعد هياكل اجتماعية‪ ،‬أي يمكن‬ ‫تعديلها وتغييرها بهدف تحقيق الإنصاف والمساواة‬ ‫‪40‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫دائم في المنطقة‪ .‬وقد اهتم المركز بب ارمج أساسية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫منها “برنامج أبحاث رئيسي حول العنف ضد الم أرة‬ ‫في منطقة البحي ارت الكبرى”‪ ،‬وإنشاء “مرصد للم أرة‬ ‫كما عقدت اليونسكو العديد من المنتديات‬ ‫والملتقيات لدعم وتحفيز الدول أعضاء المنظمة لتبني‬ ‫والفقر”‪.‬‬ ‫الاست ارتيجيات والسياسات الداعمة للم أرة والم ارعية‬ ‫أي ًضا تسعى المنظمة لإنشاء م اركز وطنية في إحدى‬ ‫لإنفاذ حقوقها؛ حيث طرحت التقرير العالمي للعلوم‬ ‫عشرة دولة أفريقية أخرى‪ ،‬وتهدف اليونسكو من خلال‬ ‫الاجتماعية لعام ‪ ،2010‬كما عقدت المنتدى العالمي‬ ‫ذلك إلى إيلاء الاهتمام ب‪ -1 :‬زيادة تمثيل الم أرة‬ ‫للتعليم والمها ارت في مارس ‪ 2014‬بهدف تلبية‬ ‫على جميع مستويات صنع الق ارر‪ -2 ،‬دعم منظمات‬ ‫الاحتياجات التعليمية الملحة للفتيات والنساء‪ ،‬كما‬ ‫الم أرة الشعبية في مباد ارتهن السلمية‪ -3 ،‬ضمان‬ ‫طرحت المنظمة وناقشت في ‪ 2014‬أي ًضا قضية‬ ‫أهداف التعليم العالمية الجديدة وضرورة إعطاء‬ ‫حماية واحت ارم حقوق الإنسان للنساء والفتيات‪.‬‬ ‫الأولوية فيها للفتيات‪ .‬ومؤخًار طرحت المنظمة في‬ ‫هذا كما أنشأت اليونسكو عام ‪ 2006‬مركز الم أرة‬ ‫مارس ‪ 2015‬قضية إعادة التفكير في تمكين الم أرة‬ ‫الفلسطنية للبحوث والتوثيق بالتعاون مع و ازرة شئون‬ ‫والمساواة بين الجنسين للبحث والنقاش(‪ ،)8‬وهو الأمر‬ ‫الم أرة في ارم الله‪ ،‬وُيعد المركز مرصًدا لتبادل المعلومات‬ ‫الذي يعكس الاهتمام الواعي للمنظمة (سكرتارية ودول‬ ‫بشأن الأمور المتعلقة بقضايا الم أرة‪ ،‬علاوة على قيام‬ ‫أعضاء) بأهمية قضية تعزيز حقوق النساء وتحقيق‬ ‫المركز بجمع البيانات وإج ارء البحوث وتحليل ونشر‬ ‫المساواة‪ ،‬من جهة‪ ،‬ويعكس من جهة أخرى الوعى‬ ‫المعلومات عن حالة الم أرة لكافة المنظمات النسائية‬ ‫بمحدودية الإنجا ازت التي تمت حتى الآن‪ ،‬والتي وإن‬ ‫المحلية ولصانعي السياسات والهيئات التشريعية‬ ‫لم يتم تكثيفها (الإنجا ازت) وتعميقها‪ ،‬وإعادة النظر‬ ‫والتفكير في است اريجيات وخطط بديلة وإضافية نكون‬ ‫والبلدية والشركاء ذوي الصلة‪)9(.‬‬ ‫في مواجهة تهديد حقيقي لبلوغ الأهداف الإنمائية‬ ‫ويعد قطاع التعليم أحد القطاعات بارزة النشاط‬ ‫للألفية‪.‬‬ ‫في منظمة اليونسكو‪ ،‬والذي يسعى إلى العمل‬ ‫هذا ومن أبرز إسهامات اليونسكو لمتابعة حالة‬ ‫على الوصول بمعدل انخ ارط الفتيات والفتيان في‬ ‫حقوق الم أرة والمساواة بين الجنسين يمكن الإشارة‬ ‫سن التعليم في المدارس إلى أعلى المعدلات‪ ،‬ومن‬ ‫إلى إنشائها لمركز البحوث والتوثيق الإقليمي في عام‬ ‫ثم خفض نسب التسرب والتمييز الطبقي والعرقي‬ ‫‪ 2011‬بمنطقة البحي ارت الكبرى للم أرة والمساواة بين‬ ‫والديني والجنسي في التعليم في كل دول العالم‪ .‬هذا‬ ‫الجنسين وبناء السلام في منطقة البحي ارت الكبرى‪.‬‬ ‫الهدف الإنساني لم يتحقق بشكل كبير أو بالأحرى‬ ‫ويعد المركز أحد الأنشطة الرئيسة لبرنامج اليونسكو؛‬ ‫بالمعدلات المنشودة‪ ،‬والتي استهدفتها قائمة الأهداف‬ ‫المساواة بين الجنسين‪ .‬ويسعى المركز إلى تعزيز‬ ‫الإنمائية للألفية‪ ،‬وذلك رغم العديد من الإنجا ازت التي‬ ‫حقوق الإنسان ووضع الم أرة في منطقة البحي ارت‬ ‫تمت بالفعل‪ .‬من هنا تشير إحدى إصدا ارت منظمة‬ ‫الكبرى من خلال متابعة البحوث الموجهة والسياسات‬ ‫اليونسيف “مرحلة ما بعد ‪ :2015‬التعليم الذي نصبو‬ ‫والمشاو ارت والتواصل وبناء القد ارت وتحقيق سلام‬ ‫إليه”‪ ،‬إلا أن حركة التعليم العالمية التي بدأت في‬ ‫‪41‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫التعليم المجاني والإل ازمي لمدة سنة واحدة على الأقل‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫قبل مرحلة التعليم الابتدائي‪ ،‬مع إيلاء اهتمام خاص‬ ‫للمساواة بين الجنسين ولأشد الفئات تهمي ًشا‪ .‬أي ًضا‬ ‫عام ‪ 1990‬وأعيد تأكيدها في داكار عام ‪،2000‬‬ ‫جاء بالغاية الثانية أن تكون جميع الفتيات وكذا‬ ‫إنما تمثل أهم الت ازم شهده المجتمع الدولي في العقود‬ ‫الفتيان قد أتموا بحلول عام ‪ 2030‬مرحلة التعليم‬ ‫الأخيرة‪ .‬مؤكًدا استبعاده تحقيق جدول أعمال برنامج‬ ‫الأساسي المجاني الإل ازمي الجيد الذي لا تقل مدته‬ ‫التعليم للجميع‪ ،‬والمنوط باليونسكو إنفاذه لتحقيق‬ ‫عن تسع سنوات‪ ،...‬مع إيلاء اهتمام خاص للمساواة‬ ‫الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام ‪ .2015‬وعليه‬ ‫تم التأكيد على توافق الآ ارء بشأن ضرورة وضع جدول‬ ‫بين الجنسين ولأشد الفئات تهمي ًشا(‪.)11‬‬ ‫أعمال جديد للتعليم ذي بعد استش ارفي‪ ،‬يتيح إنجاز ما‬ ‫ويمكن القول بأن الورقة التي نقدمها في هذا الشأن‬ ‫تبقى من أعمال‪ ،‬ويتجاوز الأهداف الحالية من حيث‬ ‫قد لا يتسع المجال لعرض كل إسهامات اليونسكو في‬ ‫العمق والنطاق لضمان مواجهة التحديات الجديدة‪،‬‬ ‫شأن تعزيز حقوق الم أرة والمساواة بين الجنسين‪ ،‬ولكن‬ ‫وإنصاف أكثر الفئات تهمي ًشا‪ ،‬وزيادة التركيز على‬ ‫من الضرورة التأكيد في هذا المقام على أن المنظمة‬ ‫تسعى من خلال كل قطاعات العمل بها (التعليم‬ ‫قضايا ومسائل الإنصاف والجودة(‪.)10‬‬ ‫والثقافة والعلوم الطبيعية والاجتماعية والاتصال)‪،‬‬ ‫ودون استثناء‪ ،‬للإسهام في عمليات تمكين وإنصاف‬ ‫ومن المتعارف عليه أن التعليم يحد من أوجه‬ ‫النساء وم ارعاة حقوقهن وتعزيز المساواة بينهن وبين‬ ‫التفاوت ويسهم في القضاء على الفقر‪ ،‬كما أنه يعد‬ ‫شرط أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية‪،‬‬ ‫الرجال‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬التحديات الأساسية التي تواجه‬ ‫ومن ثم يسهم في تعزيز المساواة بين الجنسين‪.‬‬ ‫المنظمة الأممية في نشر وتعزيز المساواة بين‬ ‫وعليه سعت اللجنة التوجيهية لحركة التعليم للجميع‪،‬‬ ‫وهي هيئة تمثل الجهات الدولية الرئيسية المعنية‬ ‫الجنسين وتمكين الم أرة‪:‬‬ ‫بالتعليم‪ ،‬والتي تتولى اليونسكو عقد اجتماعاتها‪ ،‬إلى‬ ‫تشير الإحصاءات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة‬ ‫وضع رؤية جديدة للتعليم في مرحلة ما بعد ‪.2015‬‬ ‫أن عدد المنظمات غير الحكومية في عام ‪2011‬‬ ‫وفي الاجتماع العالمي للتعليم للجميع الذي عقدته‬ ‫التي حصلت على الصفة الاستشارية للمجلس‬ ‫اليونسكو في دولة عمان في مايو ‪ 2014‬اتفق قياديو‬ ‫الاقتصادي والاجتماعي إلى ‪ ،3382‬وفي نفس‬ ‫التعليم على اعتماد اتفاق مسقط‪ ،‬الذي أيدوا فيه واتفقوا‬ ‫العام كانت ‪ 348‬منظمة غير حكومية لها علاقات‬ ‫رسمية بمنظمة اليونسكو‪ ،‬وكان عدد المنظمات غير‬ ‫على رؤية مشتركة لجدول الأعمال المقبل للتعليم‪.‬‬ ‫الحكومية التي حصلت على صفة منظمة استشارية‬ ‫هذا كما حدد المجتمعون في اجتماع مسقط هدًفا‬ ‫لدى منظمة العمل الدولية وصل إلى ‪ 200‬منظمة‪.‬‬ ‫أساسًّيا للتعليم في مرحلة ما بعد عام ‪ 2015‬مؤداه‬ ‫ومما لا شك فيه أن لمنظات المجتمع المدني دوًار‬ ‫“ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل والتعليم‬ ‫محو ًرّيا في السعي لتعزيز حقوق الإنسان‪ ،‬بوجه عام‪،‬‬ ‫مدى الحياة للجميع بحلول عام ‪ .”2030‬وقد ركزت‬ ‫الغايات السبع المقرونة بهذا الهدف الرئيس على‬ ‫‪42‬‬ ‫إيلاء الاهتمام اللازم لمسائل المساواة بين الجنسين‪.‬‬ ‫فعلى سبيل المثال شددت الغاية الأولى على توفير‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان‪ ،‬أو عن ملامح‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫تعزيز وإنفاذ المساواة بين الجنسين في مجالات‬ ‫التعليم والثقافة والعلوم والاتصال‪ ،‬وذلك من خلال‬ ‫وتعزيز حقوق الم أرة والمساواة بين الجنسين‪ ،‬بوجه‬ ‫لجنة الاتفاقات والتوصيات‪ .‬وفي حالات الشكاوى‬ ‫خاص‪ ،‬في كل دول العالم على حد سواء‪ ،‬والأمر‬ ‫المقدمة من الأف ارد ضد دولهم يسعى وفد الدولة إلى‬ ‫المؤكد أي ًضا أن الأمم المتحدة بكل هيئاتها ومنظماتها‬ ‫الرد على هذه الشكاوى من خلال سفيرها ومندوبها‬ ‫المتخصصة إنما تسعى للتعاون‪ ،‬بل تعمل بهدف‬ ‫الدائم‪ ،‬والذي ينضم إليه في معظم الأحيان الوزير‬ ‫تعظيم دور هذه المؤسسات في تمكين الم أرة وتحقيق‬ ‫الذي تقع الشكوى في إطار عمل و ازرته في الدولة‬ ‫المساواة بين الجنسين في الدول أعضاء المنظومة‬ ‫المشكو في حقها‪ ،‬مما يعني أن الأصل في تعامل‬ ‫الأممية‪ ،‬وكذا بناء الش اركات معها‪.‬‬ ‫المنظمة هو تعامل مع حكومات رسمية‪.‬‬ ‫وفيما يختص بمنظمة اليونسكو تحديًدا نجدها‬ ‫إلا أنه يحق للمنظمة (كما هو الحال في لجنة حقوق‬ ‫تعول في كل مجالات عملها في القطاعات المختلفة‬ ‫الإنسان‪ ،‬ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية)‪،‬‬ ‫على الش اركة مع المنظمات غير الحكومية الدولية‬ ‫في حالة عدم الت ازم الدولة بتقديم تقريرها في الموعد‬ ‫والإقليمية والمحلية‪ ،‬لتعظيم دورها وإنفاذ ب ارمجها في‬ ‫المناسب‪ ،‬أن تستمع لتقارير (شفهية أو كتابية) من‬ ‫ممثلي منظمات المجتمع المدني‪ ،‬على أن تكون هذه‬ ‫الدول النامية والدول الأكثر احتيا ًجا‪.‬‬ ‫المنظمات ذات علاقات رسمية مع منظمة اليونسكو‪،‬‬ ‫أقول إنه ورغم أهمية هذا الدور الذي تقوم به‬ ‫هنا تسعى بعض من منظمات المجتمع المدني‬ ‫منظمات المجتمع المدني إلا أننا‪ ،‬وفي مجتماعتنا‬ ‫المعارضة لنظام الحكم القائم في تلك الدولة‪ ،‬من‬ ‫العربية تحديًدا‪ ،‬ومجتمعات الدول النامية بوجه عام‪،‬‬ ‫لا بد وأن نأخذ قضية العمل والتعاون المشترك بين‬ ‫تقديم تقاريرها التي تدين حكومة هذه الدولة‪.‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني بحذر شديد‪.‬‬ ‫وإذا كانت منظمة اليونسكو هي إحدى أهم الهيئات‬ ‫فعلى الرغم من كل ما تقدمه هذه المنظمات من دعم‬ ‫الدولية المتخصصة (غير السياسية) لمنظمة الأمم‬ ‫فني ومادي وتقني للدول الأعضاء‪ ،‬وخاصة للدول‬ ‫المتحدة‪ ،‬فإن أهميتها ترجع – من وجهة نظري – إلا‬ ‫النامية أعضاء المجموعات الجغ ارفية الثالثة (دول‬ ‫أنها تعد العضو البديل والفاعل لتحويل الإخفاقات‬ ‫أمريكا اللاتينية)‪ ،‬وال اربعة (الدول الآسيوية)‪ ،‬والخامسة‬ ‫السياسية في مجلس الأمن إلى نجاحات وإنجا ازت‬ ‫(الدول الإفريقية)‪ ،‬والسادسة (الدول العربية)‪ ،‬فإن‬ ‫إنسانية من خلال قطاعات عمل اليونسكو – غير‬ ‫هناك – بالفعل – خطًار يكمن في أن هذه الأنشطة‬ ‫السياسية – (التعليم والثقافة والعلوم والاتصال)‪ ،‬تلك‬ ‫تأخذ في العديد من الأحيان مساًار معار ًضا للسياسات‬ ‫القطاعات التي يمكن إدخال العديد من القضايا‬ ‫الرسمية للدول‪ .‬والمعروف أن منظمة اليونسكو منظمة‬ ‫والأهداف والأغ ارض السياسية في ب ارمج عملها‪،‬‬ ‫حكومية دولية‪ ،‬يمثل المندوبين (تمثيل بدرجة سفير)‬ ‫ولكن تحت مظلة الأنشطة ومجالات العمل الحامية‬ ‫فيها سياسات حكوماتهم‪ .‬ومن ثم لا يجوز أن يعطي‬ ‫للت ارث‪ ،‬مثلاً أو المعززة لقيم التسامح أو الداعية لحرية‬ ‫السفير والمندوب الدائم للدولة أية معلومات أو ق ار ارت‬ ‫أو موافقات إلا ما يتفق‪ ،‬بل ويتطابق مع رؤية دولته‪.‬‬ ‫من المعروف أي ًضا أن الدول الأعضاء تقدم‬ ‫‪43‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫المصادر‪:‬‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫‪1. 1- Tom Campbell, Poverty as a Viola-‬‬ ‫التعبير‪ ...‬إلخ والشواهد الواقعية والتاريخية كثيرة على‬ ‫‪tion of Human Rights:‬‬ ‫ذلك‪ .‬فما لا ينجز باتباع القنوات الشرعية السياسية‪،‬‬ ‫يمكن أن يتحقق من خلال أساليب ومحتويات التربية‬ ‫‪Inhumanity or Injustice, in: Thomas Pogge‬‬ ‫أو المعالجات الثقافية أو المحتويات الإعلامية أو‬ ‫‪(ed.), Freedom from‬‬ ‫‪Poverty as a Human Rights, Oxford Uni.‬‬ ‫حتى من خلال البحوث العلمية‪.‬‬ ‫‪Press Inc., New York, UNESCO 2007.‬‬ ‫أقصد من كل ما سبق ضرورة الانتباه للدور المزدوج‬ ‫‪2 .2‬لي ليفي‪ ،‬حقوق الإنسان – أسئلة وأجوبة‪ ،‬منشورات‬ ‫لبعض منظمات المجتمع المدني‪ ،‬والذي يحاول‬ ‫المجتمع المعولم اليوم ثقلها وبلورتها‪ ،‬لتحديد المسا ارت‬ ‫اليونسكو‪ ،‬باريس‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2004‬‬ ‫السياسية لبعض الدول الأعضاء غير المرضي عن‬ ‫‪ 3 .3‬المرجع السابق نفسة‪ ،‬ص‪6‬‬ ‫توجاتها السياسية‪ ،‬وكذا نظمها الاقتصادية‪ ،‬ولدول‬ ‫عالمنا العربي باع طويل في هذا الشأن‪ .‬ولا أدل‬ ‫‪4 .4‬البشير شورو‪ ،‬الأطر الأخلاقية والمعيارية والتربوية‬ ‫على ذلك مما تناوله أحد إصدا ارت اليونسكو‪ ،‬والذي‬ ‫لتدعيم الأمن البشري في الدول العربية‪ ،‬اليونسكو –‬ ‫جاء فيه‪ ،‬أن الاتحاد الأوربي رصد في الفترة ما بين‬ ‫‪ 2013-2007‬مي ازنية تقدر ب ‪ 1,104‬بليون يورو‪،‬‬ ‫باريس ‪.2005‬‬ ‫مستهدًفا المنظمات غير الحكومية مشيًار إلى أن‬ ‫ ‪5. http:/ www.urnesco.org/human_rights‬‬ ‫هذه المبادرة تعتبر مكملة لب ارمج المساعدة الخارجية‬ ‫للمفوضية الأوروبية‪ ،‬والتي تنفذها الحكومات‪ ،‬إلا‬ ‫‪ 6 .6‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫أنه يمكن تنفيذها مع شركاء متنوعين‪ ،‬خصو ًصا مع‬ ‫‪7 .7‬راجع في ذلك‪ :‬إسهامات وأنشطة قطاع العلوم‬ ‫المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية ومن‬ ‫الاجتماعية باليونسكو على الموقع الإلكتروني التالي‪:‬‬ ‫‪8. http:// unesco.org/social and human‬‬ ‫دون قبول الحكومات المضيفة‪.‬‬ ‫‪sciences‬‬ ‫‪9. http://n.eunesco.org/unitwin-unesco-‬‬ ‫‪chair-programme‬‬ ‫راجع في ذلك” ‪10. http://www.norrag.org‬‬ ‫اليونسكو وخطة التعليم لمرحلة ما بعد ‪”2015‬على‬ ‫انظر أنشطة قطاع العلوم ‪11. www.unesco.org‬‬ ‫‪:‬الاجتماعية بمنظمة اليونسكو على الوقع التالي‬ ‫‪44‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫نحو رؤية استشرافية لمستقبل علم الاجتماع في الوطن العربي‬ ‫أ‪.‬د محمد ياسر الخواجة‬ ‫أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة طنطا‬ ‫نسعى في هذه المقالة إلى إثارة عدٍد من القضايا والتساؤلات التي تتعلق بهذا الموضوع الذي اهتمت به‬ ‫المؤتم ارت(*)‪ 1‬والدوائر العلمية المختلفة‪ ،‬وتدور هذه التساؤلات حول‪:‬‬ ‫ما هو الواقع ال ارهن لعلم الاجتماع في الوطن العربي؟ وما هي أسباب الأزمة التي يعاني منه في الوقت الحاضر؟‬ ‫وكيف يمكن استش ارف مستقبله وتطوره؟ وإن محاولة الإجابة على هذه التساؤلات تقتضي ق ارءة تحليلية لماضي‬ ‫هذا العلم وحاضره بهدف تحديد العوامل المؤثرة على أزمته ومستقبله‪.‬‬ ‫أكثر من قسم علمي‪ ،‬وإن الجامعات العربية قَّلدت‬ ‫وبنا ًء على ذلك سوف نتناول في البداية النقاط التالية‪:‬‬ ‫جامعات الغرب في الاهتمام بتدريس مواد تحمل‬ ‫أولاً‪ :‬إطلالة على الواقع ال ارهن لعلم الاجتماع ونشأته‬ ‫عناوين معينة من خلال تدريسها بعلماء غربيين داخل‬ ‫في الوطن العربي‪.‬‬ ‫الجامعات العربية‪ ،‬بنفس الأساليب المنهجية والنظرية‬ ‫والجدير بالذكر هنا أن الق ارءة المتأنية للت ارث‬ ‫والمفهومات الأساسية‪ ،‬وابتدا ًء من نهاية الربع الأول‬ ‫السوسيولوجي العربي تبين أن لعلم الاجتماع تاري ًخا‬ ‫من القرن العشرين عرفت الجامعات العربية أقسا ًما‬ ‫طويلاً نسبًّيا في الوطن العربي‪ ،‬إذ يرجع تاريخ‬ ‫مستقلة لعلم الاجتماع‪ ،‬وفي منتصف القرن العشرين‬ ‫الكتابات الاجتماعية حول المجتمع العربي إلى الأيام‬ ‫اهتم المبعوثون المصريون والع ارقيون العائدون من‬ ‫الأولى للغزو الأجنبي؛ حيث استعان الفرنسيون‬ ‫الخارج بترجمة وتعريب علم الاجتماع الغربي إلى‬ ‫وكذلك البريطانيون بمتخصصين للقيام بد ارسات إثنية‬ ‫العربية‪.2‬‬ ‫وأنثروبولوجية في الأقطار التي استعمرت حديثًا؛ وقد‬ ‫ذلك العلم الوليد الذي ظهر كرد فعل للسؤال التالي‪،‬‬ ‫استفاد المستعمر في وضع سياساته التي اعتمدها‬ ‫كيف نحقق النظام الاجتماعي في هذا العالم؟ وكيف‬ ‫سواء في المغرب العربي أو في المشرق في إدارة‬ ‫ينشأ ويستمر كل من النظام الاجتماعي والتنظيم‬ ‫مستعم ارته‪ ،1‬وعندما أنشئت الجامعات الحديثة كانت‬ ‫الاجتماعي؟ وكيف تتكون النظم الاجتماعية؟ وكيف‬ ‫جامعة فؤاد الأول التي أطلق عليها جامعة القاهرة‬ ‫تبقى وتتغير؟ وكان الهدف من الترجمة تدريس‬ ‫الآن عام ‪ ،1925‬وفي ذلك العام لم يكن في الوطن‬ ‫هذا العلم الجديد للطلاب في الجامعات العربية‬ ‫العربي سوى ست جامعات أربع منها أجنبية‪ ،‬ودخلت‬ ‫والمساهمة في حركة التنوير‪ ،‬وفي إطار ذلك انقسم‬ ‫مواد علم الاجتماع إلى قائمة المواد التي تدرس في‬ ‫(‪ )2‬سعيد فرح وآخرون‪ ،‬كتابات اجتماعية معاصرة‪ ،‬مركز‬ ‫(‪ )1‬مصطفى عمر التير‪ ،‬حاضر ومستقبل علم الاجتماع‬ ‫البحوث والدراسات الاجتماعية‪ ،‬كلية الآداب جامعة القاهرة‪،‬‬ ‫في الوطن العربي “ملاحظات عامة” مجلة إصفافات‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،2003‬ص‪ .43‬‬ ‫الخامس‪ ،‬يوليو ‪ ،2004‬ص‪ .112‬‬ ‫(*) عقد مؤتمر‪ ،‬مستقبل العلوم الاجتماعية في الوطن العربي‪ ،‬الذي نظمه مركز دراسات الوحدة العربية في وهران بالجزائر‪ ،‬في‬ ‫الفترة من ‪ 22 – 20‬مارس ‪.2012‬‬ ‫‪45‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫عنيت بتشخيص أوضاع علم الاجتماع‪ ،‬الماضية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫والمعاصرة في الوطن العربي‪ ،‬يستطيع أن يستخلص‬ ‫ثلاث مجموعات من العوامل التي أثرت في نشأة هذا‬ ‫الباحثون حول قضية التبعية للغرب فكًار وممارسة‪،‬‬ ‫فالبعض يرى أن نقل علم الاجتماع الغربي إلى‬ ‫العلم وتطوره‪.‬‬ ‫اللغة العربية ليس بدعة أو هو ظاهرة تخص الغرب‬ ‫المجموعة الأولى‪ :‬تركز على العوامل الخارجية‬ ‫والاستعمار والتبعية وأساليب النظام ال أرسمالي‬ ‫وحدهم‪ ،‬فالأمريكيون ترجموا كتب علم الاجتماع‬ ‫العالمي؛ لصياغة نسق معرفي دولي يرتبط بهذا‬ ‫النظام ويعبر عن مصالحه ويخدم أغ ارض حسم‬ ‫المكتوبة بالفرنسية والألمانية إلى اللغة الإنجليزية‪،‬‬ ‫الص ارع في اتجاه هذه المصالح‪.‬‬ ‫ومن قبلهم ترجم الفرنسيون أعمال عبد الرحمن ابن‬ ‫المجموعة الثانية‪ :‬وتهتم بالعوامل الداخلية المرتبطة‬ ‫خلدون‪ ،‬والعلماء الاجتماعيون في أمريكا اللاتينية‬ ‫بالأوضاع الداخلية لبيئة المجتمع وتوجهات الطبقات‬ ‫المسيطرة نحوه‪ ،‬وبالتالي فقد يربط البعض بين غياب‬ ‫ويوغوسلافيا وإي ارن والهند ‪ ..‬إلخ‪ ،‬الذين عاشوا‬ ‫النقد لمنتج علم الاجتماع وبين التبعية للفكر الغربي‬ ‫ظروًفا مثل ظروفنا‪ ،‬وترجموا الكثير من مؤلفات‬ ‫الأوروبي والأمريكي‪.5‬‬ ‫علم الاجتماع‪ ،‬ومفهومات علم الاجتماع الأوروبي‬ ‫المجموعة الثالثة‪ :‬والتي أثرت على مسيرة علم‬ ‫الاجتماع ومهامه ونشاطاته‪ ،‬وهي مجموعة ترتبط‬ ‫والأمريكي‪ ،‬وأعادوا تطويرها‪ ،‬كما أضفوا عليها معان‬ ‫بخصائص المشتغلين بعلم الاجتماع والعلوم‬ ‫الاجتماعية والثقافية بما في ذلك وعيهم الاجتماعي‬ ‫محلية نابعة من واقع مجتمعاتهم‪3.‬‬ ‫ووعيهم بالعلم ودوره النقدي‪ ،‬وبالتالي يجب أن‬ ‫يرفض المشتغل بعلم الاجتماع مبدأ قبول الظواهر‬ ‫والبعض الآخر يرى أن المجتمع العربي يفتقد‬ ‫الاجتماعية على علاتها‪ ،‬وأن يحلل أي ظاهرة‬ ‫إلى الأصالة السوسيولوجية؛ لأنه تابع للفكر الغربي‬ ‫اجتماعية أو نسق فرعي دون أي محاذير‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يقترض منه‪ ،‬ويستورد مقولاته‪ ،‬وينهل منه أيديولوجيات‬ ‫يمتنع أن نكون مستشارين لمتخذي الق ارر‪ ،‬وأن يكون‬ ‫فكرية‪ ،‬وبين الاقت ارض والاستي ارد يظل عالم الاجتماع‬ ‫العربي حائًار يبحث عن هوية فلا يجدها ويعيش هو‬ ‫لنا موقف مستقل عن أجهزة السلطة القائمة‪6.‬‬ ‫الآخر في أزمة انفصال وتناقض‪ ،‬ويقع في ب ارثن‬ ‫الازدواجية الفكرية‪ ،‬والمحصلة النهائية أنه ينفصل في‬ ‫علاوة على ذلك وبناء على ما يجري في الوطن‬ ‫تحليلاته بين الواقع بأزماته‪ ،‬وبين الفكر ومعضلاته‪،‬‬ ‫وكأن الواقع والفكر مغتربات وليسا متطابقين‪ ،‬ينظر‬ ‫(‪)5‬عبد الباسط عبد المعطي‪ ،‬اتجاهات نظرية في علم‬ ‫إلى الواقع فلا يعرفه‪ ،‬ويحلل بفكره فلا ينطبق على‬ ‫الاجتماع‪ ،‬دار المعرفة الاجتماعية‪ ،‬الإسكندرية‪،1995 ،‬‬ ‫واقع مجتمعه‪ ،‬ويظل يجمع بين السلفية والمعاصرة‬ ‫ص‪.‬ص ‪ .174-173‬‬ ‫ويفتقد في النهاية الأصالة المتطورة‪4.‬‬ ‫(‪ )6‬عزت حجازي‪ ،‬من الذاتي والموضوعي في علم الاجتماع‬ ‫في مصر‪ ،‬في كتاب علم الاجتماع والاجتماعيون (تجارب‬ ‫والمتأمل في هذا السياق لتحليل الجهود العربية التي‬ ‫وخبرات) مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1989 ،‬ص‪ 157‬‬ ‫(‪ )3‬شفيق الغبرا‪ ،‬معوقات البحث في العلوم الاجتماعية‬ ‫‪46‬‬ ‫العربية‪ ،‬مجلة العلوم الاجتماعية‪ ،‬مجلس النشر العلمي‪،‬‬ ‫جامعة الكويت‪ ،‬المجلة ‪ ،17‬العدد ‪ ،1989 ،3‬ص‪.‬ص ‪-210‬‬ ‫‪. 211‬‬ ‫(‪ )4‬أحمد مجدي حجازي‪ ،‬علم اجتماع الأزمة‪ :‬تحليل نقدي‬ ‫للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دار‬ ‫قباء للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.15‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫والأكثر أمًنا فتباعدت مع الزمن عن البحث الميداني‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫لواقع المجتمع العربي‪7 .‬‬ ‫العربي يمكن للمطلع بصورة جيدة على الإنتاج‬ ‫كما تأثر هؤلاء بالمدارس الفكرية التي كانت تسيطر‬ ‫السوسيولوجي العربي أن يستخلص بعض القضايا‬ ‫في الجامعات التي قضوا فيها د ارساتهم‪ ،‬وكانوا أكثر‬ ‫والموضوعات التي تفاداها الباحثون العرب والتي‬ ‫محافظة من خلال التأثر بالنزعة الوظيفية التي كانت‬ ‫توصف بالمقدس والمدنس‪ ،‬فبناء على حالة‬ ‫تسيطر في الخمسينيات من القرن العشرين كما تأثر‬ ‫الديموق ارطية في الوطن العربي يمكن القول أن الباحث‬ ‫آخرون بالاتجاهات اليسارية والفكر الاشت اركي‪،‬‬ ‫لا يستطيع أن يبحث بسهولة موضوعات كثيرة تتصل‬ ‫والقليل ممن تأثروا بالفكر ال ارديكالي والنقدي الذي‬ ‫بقضايا أزمة المشاركة السياسية والأح ازب السياسية‬ ‫تزعمه اريت ميلز وآلفان جولدنر وأصحاب مدرسة‬ ‫والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان ومظاهر‬ ‫الفساد المتصلة بم اركز النفوذ السياسي والقضايا‬ ‫ف ارنكفورت‪.8‬‬ ‫التي تتعلق بالدين والفكر الأصولي والسلفي والت ارث‬ ‫ثم بدأ المناخ العلمي لعلم الاجتماع يأخذ في التردي؛‬ ‫حيث اتجه بعض الأساتذة إلى ترجمة كتاب أو أكثر‬ ‫الإسلامي التقليدي وحتى المعاصر‪.‬‬ ‫أو يؤلفونه‪ ،‬فالتأليف لديهم ترجمة والترجمة تأليف‪،‬‬ ‫ومن هذين الكتابين يتم إنتاج عدة مؤلفات عن طريق‬ ‫أما عن واقع المشتغلون بعلم الاجتماع في الوطن‬ ‫إعادة توزيع وترتيب فصول الكتابين‪ ،‬ويتم فرض هذه‬ ‫العربي واهتماماتهم العلمية والفكرية‪ ،‬فلا شك أن‬ ‫المؤلفات لتوزع على الطلاب‪ ،‬فيزيد العائد المالي أو‬ ‫الرعيل الأول للمشتغلين بعلم الاجتماع درسوا في‬ ‫قل التكسب والتربح‪ 9.‬وأن ثمة مشكلات أخرى مزمنة‬ ‫أوروبا وانجلت ار وسيطرت المدرسة الفرنسية على‬ ‫ذكر بعضها التقرير العربي للتنمية الثقافية وهي تلك‬ ‫الفكر الاجتماعي العربي؛ فمنصور فهمي كان‬ ‫المتعلقة بأساتذة علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية؛‬ ‫أول مصري حصل على درجة الدكتو اره في علم‬ ‫حيث بات الالتحاق بمهنة أستاذ جامعي التحاًقا‬ ‫الاجتماع من فرنسا عام ‪ ،1913‬كما حصل طه‬ ‫وظيفًّيا أكثر مما هو التحاق بمهنة بحسب ما جاء في‬ ‫حسين على درجته العلمية عن رسالته عن ابن‬ ‫تقرير مؤسسة الفكر العربي يبقى في وظيفته طوال‬ ‫خلدون وفلسفته الاجتماعية من جامعة باريس عام‬ ‫الخدمة طالما أنه لم يخالف القوانين وبغض النظر‬ ‫‪ 1918‬ثم تبعهما علي عبد الواحد وافي فحصل على‬ ‫عن نشاطه العلمي‪ ،‬وما ينشره من أبحاث‪ ،‬وبغض‬ ‫الدكتو اره من باريس في علم الاجتماع عام ‪،1931‬‬ ‫النظر عن ترقيته‪ ،‬هذا فضلاً عن غرق غالبية علماء‬ ‫وعبد العزيز عزت الذي درس طوال الثلاثينيات من‬ ‫باريس‪ ،‬وبالتالي فقد سيطر الفكر الفرنسي على علم‬ ‫(‪ )7‬حسن الساعاتي‪ ،‬عن فلسفة المنهج وأزمة التنظير في‬ ‫الاجتماع سيطرة واضحة‪ ،‬وكانت المؤلفات المصرية‬ ‫علم الاجتماع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .40‬‬ ‫التي ُكتبت كتابة أكاديمية في علم الاجتماع باللغة‬ ‫العربية قد خلطت خل ًطا مؤسًفا بين الترجمة والتأليف‪،‬‬ ‫‪(8) Gouldner, A., The coming crisis & west-‬‬ ‫وارتبطت بهذه الظاهرة وسار معها‪ ،‬واتجه المشتغلون‬ ‫ ‪ern society Herenmcon, 197.‬‬ ‫بعلم الاجتماع إلى كتابة الكتب لأنها الأيسر والأسرع‬ ‫‪ -9‬رايت ميلز‪ ،‬الخيال العلمي الاجتماعي‪ ،‬ترجمة عبد‬ ‫الباسط عبد المعطي‪ ،‬وعادل الهواري‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬ ‫الإسكندرية‪1997 ،‬‬ ‫‪47‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫الوضعية كأساس منهجي لمعظم البحوث الاجتماعية‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫في الوطن العربي‪ 12‬فضلًا عن أنه لا توجد علاقة‬ ‫بين ما ينتهي إليه البحث الاجتماعي من نتائج وبين‬ ‫الاجتماع العرب في الموجة الضخمة التي مزجت‬ ‫الق ار ارت والممارسات في مجال ما يسمى بالتطبيق‬ ‫الاجتماعي‪ ،‬وترجع أسباب هذه الفجوة كما ذكر عزت‬ ‫الإنسانيات وعلم الاجتماع بالأيديولوجيات السياسية‬ ‫حجازي إلى ثلاثة عوامل‪:‬‬ ‫التي كانت مهيمنة على الجماعات العلمية مما أدى‬ ‫أولها يرتبط بالمناخ الاجتماعي والحضاري العام‪.‬‬ ‫إلى ت ارجع المقصد العلمي‪ ،‬والسعي إلى ت اركم معرفة‬ ‫والثانية تتصل بالبحث الاجتماعي والمنشغلين به‪.‬‬ ‫الوقائع والقوانين المجتمعية لمصلحة انتشار النظريات‬ ‫والثالثة ترجع إلى متخذي الق ارر والممارسين في مجال‬ ‫والرؤى والبناءات الفكرية المحددة سلًفا‪ ،‬وصولاً إلى‬ ‫العمل الاجتماعي العام‪13.‬‬ ‫دخول الأصولية الدينية بقوة على موضوع العلوم‬ ‫ولذلك أصبح من المتعثر على الفكر الاجتماعي‬ ‫الإنسانية والاجتماعية‪ ،‬وهي جميعها من الأمور التي‬ ‫العربي الخروج من هذه الأزمة إلا بتوفر إ اردة وطنية‬ ‫مخلصة للاهتمام بخصوصيات المجتمعات العربية‬ ‫أثرت سلًبا على جودة تعليم علم الاجتماع ولا سيما‬ ‫وت ارثها الفكري‪ ،‬وتحقيق الاستقلالية المعرفية عن‬ ‫في ظل التحديات المتعلقة بأزمة التعليم الجامعي‬ ‫المجتمعات الغربية‪ ،‬بشكل حقيقي‪ ،‬وفي ظل ذلك يكون‬ ‫الخلق والإبداع‪ ،‬وهنا يصبح الخيال السوسيولوجي‬ ‫عموًما ومنها اتجاه أكثر فأكثر نحو التنوع الذي ارح‬ ‫أمًار واقعًّيا ناب ًعا من ت ارثنا العربي وثقافة مجتمعاتنا‬ ‫يطرح معه مسألة جودة التعليم بشكل عام‪10.‬‬ ‫الحقيقية‪ ،‬ود ارسة قضايانا ومشكلاتنا الواقعية من‬ ‫خلال مناهج تتناسب مع خصوصياتنا الحضارية‬ ‫وفي ظل ضعف المناخ العلمي هذا‪ ،‬فقد تردى‬ ‫المستوى المنهجي والأداء العلمي للد ارسات‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫الاجتماعية؛ إذ تفتقد الكثير من البحوث للإتقان‬ ‫المنهجي من جمع المعلومات إلى أسلوب الكتابة‬ ‫ثانًيا‪ :‬نحو رؤية استش ارفية لمستقبل علم الاجتماع‬ ‫إلى ت اربط الأفكار‪ ،‬وتنظيم الموضوع وطرح المشكلة‪،‬‬ ‫في العالم العربي‬ ‫وإج ارءات الضبط المنهجي‪ ،‬وتحليل المشكلة‬ ‫وتفسيرها‪ ،‬وقد أَثّر هذا على حالة التردي التي تشهدها‬ ‫لقد أوضح التحليل السابق أن علم الاجتماع – في‬ ‫الوقت ال ارهن – يعاني من أزمة متعددة المستويات من‬ ‫العلوم الاجتماعية العربية بشكل عام‪11.‬‬ ‫حيث الموضوعات البحثية والأطر التنظيرية وأساليب‬ ‫هذا بالإضافة إلى غياب قضايا المجتمع العربي‬ ‫الضبط المنهجي والمنتج المعرفي للمشتغلين به‪.‬‬ ‫عن المشتغل بعلم الاجتماع وغياب الوعي التاريخي‬ ‫والانشغال بالمفاهيم التحليلية الغربية مثل التكيف‬ ‫(‪ )12‬سالم ساري‪ ،‬الاجتماعيون العرب‪ :‬دراسة القضايا‬ ‫الاجتماعي والإجماع القيمي والتفكك والنسق والتوازن‬ ‫المجتمعية العربية‪ ،‬ممارسة نقدية‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫والوظيفة والتكامل‪ ،‬وينسحب ذلك على الطرق‬ ‫المنهجية للبحث الاجتماعي؛ حيث نجد سيادة‬ ‫السنة ‪ ،8‬العدد (‪ )75‬مايو ‪.1985‬‬ ‫(‪ )13‬عزت حجازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص ‪. 162-161‬‬ ‫(‪ )10‬رفيق رضا‪ ،‬في اهتزاز مستقبل علم الاجتماع العربي‪،‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‪2014 ،‬‬ ‫‪48‬‬ ‫(‪ )11‬محمد ياسر الخواجة‪ ،‬إشكالية التعدد المنهجي واستخدامه‬ ‫في علم الاجتماع‪ ،‬مجلة العلوم الإنسانية‪ ،‬البحرين‪ ،‬العدد ‪،4‬‬ ‫صيف ‪.2001‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫جهد الترجمة أحياًنا‪ ،‬ولم تسر في الطريق الذي سار‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫فيه علم الاجتماع الأمريكي‪ ،‬لنبدع عل ًما اجتماعًّيا‬ ‫يعبر عن خصوصيتنا الثقافية والحضارية‪ ،‬ويفسر‬ ‫كما تبين أن المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن‬ ‫واقعنا الاجتماعي تفسيًار علمًّيا‪ ،‬لقد تمثل دارسو العلم‬ ‫العربي هم العامل الجوهري والحاسم في مسيرة العلم‬ ‫الاجتماعي في أمريكا القضايا التي طرحها الرواد‪،‬‬ ‫وتطوره؛ فهم الذين يقع على عاتقهم نقل المعرفة‬ ‫ومناهجهم‪ ،‬ثم بحثوا عن هوية جديدة تميز علم الاجتماع‬ ‫وإنتاجها وتفسيرها وإعادة إنتاجها مرة أخرى واستهلاكها‬ ‫عندهم عن علم الاجتماع الأوروبي وتؤكد أصالته؛‬ ‫فاتجهوا إلى الد ارسات الميدانية‪ ،‬واعتمدوا على المسح‬ ‫وتقديمها إلى متخذي الق ارر وإقناعهم بها‪.‬‬ ‫الاجتماعي‪ ،‬والبحوث التفسيرية في الريف والحضر‪،‬‬ ‫والأسرة والمصنع والمدرسة‪ ،‬ووصفوا وفسروا السلوك‬ ‫كما تبين أن بداية علم الاجتماع على يد الرواد‬ ‫السوي‪ ،‬والسلوك المنحرف‪ ،‬واعتمدوا على التحليل‬ ‫الأوائل من المشتغلين بعلم الاجتماع كانت بداية‬ ‫الإحصائي للبيانات الرقمية عن المجتمع الأمريكي‪،‬‬ ‫قوية وجادة مخلصة اهتمت بترجمة الأعمال الكاملة‬ ‫خاصة وأن علم الاجتماع بصفته عل ًما تصوي ًرّيا كما‬ ‫لرواد علم الاجتماع الفرنسي عامة‪ ،‬وكانت المؤلفات‬ ‫يقول هابرماس وملتزًما بخط الطلب الاجتماعي الذي‬ ‫التي تصدر بالعربية ارئدة لنقل الموضوعات والقضايا‬ ‫هو طلب أداتي خاص بالمؤسسات العامة والخاصة‪،‬‬ ‫والأفكار التي طرحها دوركايم وأتباع مدرسته إلى‬ ‫وكذلك بالثقافة الصناعية يهتم أكثر فأكثر بالتوقعات‬ ‫دارسي علم الاجتماع في العالم العربي‪ ،‬وكان هؤلاء‬ ‫ويجمع المعطيات الميدانية ويحللها ويفسرها‪ ،‬ويهتم‬ ‫الرواد من أنصار تنوير العقل‪ ،‬وتعريف الطلاب‬ ‫بالتنظيم أما الإمكانية الأخرى فإنها تكمن في تطوير‬ ‫والق ارء بفكر عصر التنوير‪ ،‬كما كانوا يسعون إلى‬ ‫نظرية نقدية تكون بمثابة تحليل الحالات الاجتماعية‬ ‫إعداد جيل من الباحثين الاجتماعيين المسلحين‬ ‫المرضية في الساحات العامة من أجل الالت ازم في‬ ‫بالثقافة العلمية يسهم في د ارسة أحوال هذا المجتمع‬ ‫والنهوض به‪ ،‬وبالتالي قدم هؤلاء الرواد المؤسسون‬ ‫عملية التطوير العام والمعقول‪15.‬‬ ‫لعلم الاجتماع في العالم العربي أعمالاً مهمة ومفيدة‪،‬‬ ‫ورفيعة المستوى لكن الق ارءة المتأنية للمنتج المعرفي‬ ‫وبالتالي فالفرق بيننا وبين المجتمع الأمريكي أنهم‬ ‫في السنوات الأخيرة تأليًفا أو ترجمة افتقدت هذا‬ ‫حاولوا فهم وتفسير مجتمعاتهم‪ ،‬وهذه المحاولة الجادة‬ ‫العمق‪ ،‬والفهم السليم لمضمون علم الاجتماع ونظرياته‬ ‫أدت إلى نشأة علم اجتماع أمريكي مميز‪ ،‬أما جهدنا‬ ‫ومفاهيمه في فهم المجتمع وانحرفت بالإبداعية عن‬ ‫فلا ازل قاصًار على النقل والتوليف واستهلال المعرفة‬ ‫المسار السليم للعلم الاجتماعي‪ .‬خاصة وأن نقطة‬ ‫وليس إنتاجها‪ ،‬ولم نقم بمحاولات جادة لجمع معطيات‬ ‫البداية التي انطلق منها علم الاجتماع في العالم‬ ‫العربي هي نقطة البداية التي انطلق منها علم‬ ‫ميدانية عن مجتمعاتنا وتفسيرها‪.‬‬ ‫الاجتماع الأمريكي‪14‬وهي التعرف على علم الاجتماع‬ ‫الأوروبي عموًما والفرنسي خصو ًصا وترجمته‪ ،‬إلا‬ ‫(‪ )15‬بان سبورك‪ ،‬أي مستقبل لعلم الاجتماع في سبيل البحث‬ ‫أننا توقفنا عند الترجمة والنقل والاقتباس‪ ،‬بل ُخِّرب‬ ‫عن معنى‪ ،‬وفهم العالم الاجتماعي‪ ،‬ترجمة حسن الحاج‪،‬‬ ‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،2009 ،‬ص‪.‬ص‬ ‫(‪ )14‬انظر علم الاجتماع الأمريكي‪ ،‬دراسة لأعمال تالكوت‬ ‫بارسونز تأليف جي روشيه‪ ،‬ترجمة محمد الجوهري‪ ،‬وأحمد‬ ‫‪. 206-205‬‬ ‫‪49‬‬ ‫زايد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1983 ،‬‬

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬ ‫في الت ارث السوسيولوجي العالمي من أفكار وتجارب‬ ‫مجلــــــــــــــــة‬ ‫ودروس‪ ،‬ليس بالقطعية معه‪ ،‬وليس بالانكفاء على‬ ‫(الذات) والت ارث القومي أو التنكر له وإنما بالإفادة‬ ‫وعلى هذا فإن التطلع إلى إحداث مستقبل مرغوب‬ ‫منها بعقل منفتح وقدرة على النقد والاختيار وتحقيق‬ ‫لعلم الاجتماع في الوطن العربي يتطلب طرح عدًدا‬ ‫الإبداع والخيال السوسيولوجي‪.‬‬ ‫من الرؤى والأفكار القابلة للحوار والنقاش والتطوير‬ ‫‪.4‬ضرورة السعي لوضع هوية لعلم الاجتماع في‬ ‫والتي يمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬تنطلق من طريقة التفكير والمصالح‬ ‫المجتمعية الحالية والمستقبلية والخصوصية الثقافية‬ ‫‪ .1‬يجب أن يهتم المتخصصون في علم الاجتماع‬ ‫والتاريخية والمعاصرة للمجتمع العربي‪ ،‬في علاقتها‬ ‫بأنماط تطور مجتمعات أخرى شاركتنا التاريخ‬ ‫إذا أ اردوا أن يكون لهم في المستقبل لهم مكانة بين‬ ‫والثقافة‪ ،‬وتشاركنا الواقع المعاصر‪.‬‬ ‫الآخرين عليهم فتح الأبواب وإ ازلة الحدود مع بقية‬ ‫‪.5‬ضرورة المشاركة من خلال فريق عمل جماعي‬ ‫تخصصات العلوم الاجتماعية؛ لأن التخصصات‬ ‫وليس فردي‪ ،‬لتحقيق قدر معقول من الاستم اررية‬ ‫والتواصل للاستفادة من الت اركم المعرفي بين جهود‬ ‫البينية التي تتناول الظواهر الاجتماعية تمثل المستقبل‬ ‫المشتغلين في علم الاجتماع وبين العلم وسائر‬ ‫الأنساق الفرعية الأخرى في المجتمع‪ ،‬بحيث نبدأ من‬ ‫الواعد لهذه العلوم‪.16‬‬ ‫حيث انتهى إليه الآخرون‪ ،‬وهذا يستلزم تجميع الأفكار‬ ‫والمقترحات المختلفة التي حملتها جهود عربية سابقة‬ ‫وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجارب بعض‬ ‫لتحليلها وتعميقها وتحديد موقف منها‪ ،‬وأن رصد تلك‬ ‫علماء الاجتماع المعاصرين من أمثال بيير بورديو‬ ‫الجهود وتصنيفها يساعد في تحديد الجوهري منها‬ ‫الذي و َّظف خبرته في د ارساته للفلسفة والأنثروبولوجيا‪،‬‬ ‫والثانوي‪ ،‬والذي يليه في الأهمية‪ ،‬والممكن الآن‪،‬‬ ‫والمنطق والإحصاء في كتاباته السوسيولوجية والتي‬ ‫والممكن غًدا‪ ،‬ويجب أن تعتمد أي محاولة للتصنيف‬ ‫أخذت لها مكانة متميزة في الفكر الاجتماعي‪ ،‬ووجد‬ ‫فيها الآخرون أساليب مفيدة لفهم ما يجري في‬ ‫على معيار وظيفة العلم وهي وظيفة ذات شقين‪:‬‬ ‫المجتمع والتغي ارت التي تحدث فيه‪17.‬‬ ‫الشق الأول‪ ،‬علمية سعيها تطوير العلم نظ ًرّيا‬ ‫ومنهجًّيا وقي ًما وممارسة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن نعمل على إقامة تنظيم مهني مسئول يستند‬ ‫إلى ميثاق شرف مهني يضع معايير وضوابط عامة‬ ‫والشق الآخر‪ ،‬مجتمعية هدفها إسهام العلم في إحداث‬ ‫للمشتغلين بعلم الاجتماع وينظم التفاعل بينهم وبين‬ ‫التغيير الاجتماعي المرغوب لصالح غالبية الجماهير‬ ‫غيرهم في المجتمع وبين المشتغلين بالعلم بعضهم‬ ‫المنتجة والمدافعة عن الوجود العربي‪.‬‬ ‫مع بعض‪.‬‬ ‫‪.6‬ضرورة الاهتمام بمناقشة وتحليل القضايا‬ ‫‪.3‬ضرورة الاهتمام بمعرفة التطو ارت الحديثة التي‬ ‫‪50‬‬ ‫تحدث في مجال العلم من حيث النظرية‪ ،‬والمنهج‬ ‫وأساليب البحث وط ارئقه‪ ،‬ويجب أن يتم ذلك لا بنقل ما‬ ‫(‪ )16‬انظر كوني روجيباند‪ ،‬وبيرت كلاندرمانز‪ ،‬الحركات‬ ‫الاجتماعية عبر التخصصات البينية‪ ،‬ترجمة محمد ياسر‬ ‫الخواجة و يسري الغراوي‪ ،‬نور للنشر والتوزيع‪ ،‬ألمانيا‪،‬‬ ‫‪ ،2021‬وبخاصة مقدمة الكتاب‪ .‬‬ ‫‪(17)Wacquant, L, The sociological life of‬‬ ‫‪Pierre Bourdieu, international sociology, v. 17,‬‬ ‫ ‪No. 4, 2002, pp 549, 556‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook