Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore نجوم الهمم مصغر

نجوم الهمم مصغر

Published by eman.ali.alhousani, 2021-01-31 08:00:03

Description: نجوم الهمم مصغر

Search

Read the Text Version

‫الفهرس‬ ‫• أصغر المديرين‪19..................................................................................................‬‬ ‫• غزال ‪27.................................................................................................................‬‬ ‫• قاهر المستحيل‪31..............................................................................................‬‬ ‫• قلم النوراني ‪37..................................................................................................‬‬ ‫• ابنة أبيها‪43..........................................................................................................‬‬ ‫• الأولمبي ‪49.........................................................................................................‬‬ ‫• الطفلة المحاربة ‪55.............................................................................................‬‬ ‫• معارك الهرمودي‪61...........................................................................................‬‬ ‫• مهندس بلا شهادة‪67......................................................................................‬‬ ‫• عين الإرادة ‪75.....................................................................................................‬‬ ‫• لا يأس مع السويدي ‪79..................................................................................‬‬ ‫• صوت الصمت ‪83.................................................................................................‬‬ ‫• نجمة سعادة ‪89.................................................................................................‬‬ ‫• الرسالة الأخيرة‪93...............................................................................................‬‬

‫المقدمة‬ ‫بين صفحات هذا الكتاب قصص لموظفين في شرطة دبي‪ ،‬ليسوا أناس ًا عاديين‪،‬‬ ‫بعضهم احتباه القدر بالجلوس على كرسي‪ ،‬وآخرون فقدوا السمع والنطق‪ ،‬ومنهم‬ ‫من خانته عيناه في إبصار حال الدنيا‪ ،‬لكنهم جميع ًا كانوا على قدر التحدي‪،‬‬ ‫وكانوا أصحاب همم شامخة في مواجهة الصعاب‪ ،‬ولمعوا نجوم ًا في عملهم‪،‬‬ ‫ومجتمعهم‪ ،‬وأسرهم‪.‬‬ ‫أخطأ أطباء بحقهم‪ ،‬عانوا الآمرين في غرف العمليات الجراحية‪ ،‬وفي دوامات‬ ‫جلسات العلاج الطبيعي التي لا تنتهي‪ ،‬صارعوا المرض‪ ،‬تحدوا ظلمة الليل‪،‬‬ ‫وأسمعوا صوتهم لمن حولهم دون حاجة إلى حاسة النطق أو السمع‪ ،‬وضعوا‬ ‫أهداف ًا في حياتهم‪ ،‬ورفضوا أن يقفوا عاجزين‪ ،‬تعَّلموا وتدَّربوا‪ ،‬فحققوا المعجزات‪،‬‬ ‫وأثبتوا جدارتهم في معترك الحياة‪.‬‬ ‫رفضوا النظرة العاطفية تجاه حياتهم‪ ،‬وحظروا على أنفسهم وعلى من يحيط بهم‬ ‫استخدام كلمة «مستحيل»‪ ،‬وأشهروا البطاقات الحمراء في وجه كل من حاول‬ ‫إحباط عزيمتهم‪.‬‬ ‫من بينهم ُو ِلد أصغر مدير إدارة في شرطة دبي‪ ،‬و«غزال» أكبر الموظفين عمر ًا‬ ‫من أصحاب الهمم‪ ،‬وامرأة خاضت بقوة حرب ًا لمدة عشر سنوات مع مرض الشلل‪،‬‬ ‫وشاب حقق معجزة بقيادة السيارة رغم معاناته من ضمور اليدين‪ ،‬ورجل مهندس‬ ‫معماري ُمحترف بلا شهادة تخصص‪ ،‬وآخر دخل إلى عالم الصحافة رغم عدم‬ ‫قدرته على مشاهدة الواقع‪.‬‬ ‫وبينهم «طفلة محاربة» كانت على وشك الموت ثم نهضت لتصبح محاضرة في‬ ‫السعادة والإيجابية‪ ،‬وأخرى أدى حادث سير إلى إصابتها بشلل لكنها قاومت‬ ‫المرض وأصبحت « نجمة سعادة» في خدمة متعاملي شرطة دبي‪ ،‬وشاب رافض‬

‫للاستسلام أمام مرض «التصلب اللويحي» الذي لا دواء له إلى اليوم‪ ،‬وآخر‬ ‫«أولمبيادي ًا بامتياز» وسفير ًا في عالم الرياضة‪.‬‬ ‫ومن بينهم أيض ًا‪ ،‬رجل رفع شعار « لا يأس مع السويدي» فأبدع في المجال‬ ‫الوظيفي‪ ،‬وتوشح بالميداليات الأولمبيادية‪ ،‬وشاب فقد البصر في عمر ‪ 16‬عام ًا‬ ‫لكنه استمر في رؤية المستقبل فحصل على البكالوريوس في إدارة الأعمال‪ ،‬ونال‬ ‫العديد من الجوائز‪ ،‬وموظفة حولت «صمتها» إلى صوت مسموع في أروقة عملها‪،‬‬ ‫فصعدت على أهم منصات التتويج في إمارة دبي لمرتين متتاليتين‪.‬‬ ‫وضمن هذه الفئة‪ ،‬ولدت فاطمة المنهالي‪ ،‬الأم والموظفة المبدعة‪ ،‬والرسامة الماهرة‪،‬‬ ‫ومصممة الأزياء المُبتكرة‪ ،‬خطفها الموت في حادث سير‪ ،‬لكن قبل وفاتها كتبت‬ ‫«رسالتها الأخيرة» التي تضمنت تجربة كفاحها وإصرارها‪ ،‬وختمتها بكلمات‬ ‫وداعية حكيمة مؤثرة‪ ،‬دون أن تدرك ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬الحياة ما هي إلا محطات من‬ ‫الفرح‪ ،‬والرحيل‪ ،‬والدموع‪ ،‬والتفاؤل‪ ،‬والحب‪.‬‬ ‫هؤلاء الموظفون‪ ،‬فتحت شرطة دبي ‪ -‬رغم كونها مؤسسة عسكرية ‪ -‬أبوابها لهم‪،‬‬ ‫ورفدتهم بالعلم والمعرفة والمهارات‪ ،‬فساهمت في صقل شخصيتهم‪ ،‬وفرت لهم‬ ‫بيئة العمل المثالية‪ ،‬فأنتجوا‪ ،‬وأبدعوا‪ ،‬واعتلوا منصات التتويج الحكومية‪ ،‬وسجلوا‬ ‫أسماءهم بالذهب جنود ًا مجهولين في برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز‪.‬‬ ‫أربعة عشر نجم ًا من «نجوم الهمم» جابهوا بقوة وعزيمة وإصرار كل التحديات‪،‬‬ ‫تمكنوا من تحويل ملح الحياة إلى سكر‪ ،...‬سيظل أصحاب الهمم في تاريخنا الذي‬ ‫نحياه الدوحة الأرحب‪ ،‬بما قَّدموا من تجارب يشهد لها القاصي والداني‪ ،...‬أهل ًا‬ ‫بكم في صفحات هذا الكتاب الذي يروي قصصهم الملهمة‪.‬‬

18

‫رغم غياب بصره‪ ،‬قاد الدراجة الهوائية مستند ًا إلى بصيرته متمتع ًا بطفولته في‬ ‫منطقة سكنه‪ ،‬وفي المدرسة لم تنخفض درجاته العلمية عن معدل ‪ 95‬في المائة‪ ،‬وكان‬ ‫أول طالب على مستوى الدولة من أصحاب الهمم يدرس الثانوية ضمن المنهج العلمي‬ ‫ويحقق معدل ‪ 97‬في المائة‪ ،‬وكان أيض ًا أول طالب من هذه الفئة يتخصص في‬ ‫مجال القانون في أكاديمية شرطة دبي‪ ،‬ويتخرج فيها متفوق ًا على زملائه وثالث ًا‬ ‫للدفعة كاملة‪.‬‬ ‫أنهى الماجستير برسالة فريدة من نوعها خاضت في المنهج الإسلامي في إدارة‬ ‫الأزمات والكوارث‪ ،‬طموحه المُقبل أن يلامس الفضاء بإطلاق رسالة دكتوراه في‬ ‫القانون عن «تقنين استخدام الأقمار الصناعية ومحطات الفضاء الدولية»‪.‬‬ ‫إن اعتقدت أن السطور السابقة تتحدث عن رجل كبير في العمر فأنت واهم‪ ،‬فهو‬ ‫كبير ولكن بإنجازاته‪ ،‬ابن العشرين ربيع ًا استثنائي في تفكيره‪ ،‬صلب في إرادته‪ ،‬متح ٍد في‬ ‫طبعه‪ ،‬عميق في تفكيره‪ ،‬طموح سقفه عا ٍل جد ًا‪ ،‬فشعاره «طموحي إلى حيث يكتب لله»‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫أول إنجاز‬ ‫حديثنا هنا عن سيف جمعة الفلاسي أصغر مدير إدارة في تاريخ‬ ‫لم يتوا َن الوالدان في إلحاق طفلهما بالمدرسة‪ ،‬وكانت بداية المراحل‬ ‫القيادة العامة لشرطة دبي‪ ،‬ففي سن ال‪24‬عاما و‪9‬أشهر بالتحديد‪،‬‬ ‫الابتدائية في مركز التأهيل في دبي‪ ،‬وخلال دراسته تمكن بشكل‬ ‫عينته شرطة دبي مدير ًا لإدارة سياسات الموارد البشرية في الإدارة‬ ‫استثنائي وسريع من تعلم لغة «برايل»‪ ،‬وأظهر نباهة متفردة في سرعة‬ ‫العامة للموارد البشرية‪ ،‬وهو أيض ًا يتبوأ حالي ًا منصب مدير الأمانة‬ ‫التعليم ما دفع إدارة المركز إلى مساعدته على أن يتجاوز مرحلة الصف‬ ‫الثاني الابتدائي إلى الثالث بسرعة بعض خوضه الاختبارات الخاصة‬ ‫العامة لمجلس القضاء الشرطي‪.‬‬ ‫رغم أنه جسدي ًا يعتبر من أصحاب الهمم‪ ،‬إلا أنه لا يعتبر نفسه من هذه‬ ‫وبنجاح لافت‪ ،‬وهذا كان أول إنجاز‪.‬‬ ‫الفئة‪ ،‬ويفرض على الناس أن يتعاملون معه كسيف الفلاسي‪ ،‬ويؤكد‬ ‫بكل ثقة «أنا خارج تصنيف أصحاب الهمم»‪ ،...‬ثقة عالية استمدها من‬ ‫عقب ذلك‪ ،‬التحق الفلاسي بمدرسة دبي للتربية الحديثة ودرس فيها‬ ‫والديه اللذين استثمرا فيه منذ الطفولة‪ ،‬فكان نتاج زرعهم «قصة أصغر‬ ‫بدء ًا من الصف الخامس الأساسي‪ ،‬وهناك لاحظ الفرق؛ لأنه أصبح‬ ‫يدرس في مدرسة لا يوجد فيها أحد من أصحاب الهمم‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫مدير إدارة في شرطة دبي»‪.‬‬ ‫لم يكن ذا تأثير كبير عليه؛ لأن عائلته علمته منذ الصغر الاندماج في‬ ‫‪ 1992‬البداية‬ ‫المجتمع المحيط به‪.‬‬ ‫و ِلد ُالفلاسي في الثامن عشر من نوفمبر من العام ‪ 1992‬وبعد‬ ‫يتذكر الفلاسي أول أيامه في المدرس الجديدة‪ ،‬مؤكد ًا أن الأمر كان‬ ‫مَّدة ُبسيطة لاحظ والداه عدم قدرته على تتبع الأشياء التي يحاولان أن‬ ‫غريب ًا بالنسبة لزملائه الطلاب لوجود أحد أصحاب الهمم برفقتهم‪،‬‬ ‫يدفعانه لمشاهدتها‪ ،‬فنقلاه إلى طبيب العيون لإجراء الفحوص المخت ُصة‪،‬‬ ‫لكن بعد أسبوعين حدث اندماج كامل بينهم وكان يرافقهم في مختلف‬ ‫وهنا أكد الطبيب للوالدين أن طفلهما لا يرى لسبب جيني خلق ُي‪.‬‬ ‫النشاطات والواجبات المدرسية‪.‬‬ ‫تعامل واقعي‬ ‫المدرس الشديد‬ ‫تعامل الوالدان مع الأمر الواقع بكل ذكاء وفطنة‪ ،‬وعملا على أن لا‬ ‫خلال دراسة الفلاسي في المدرسة‪ ،‬كان الوالدان حريصان على‬ ‫يشعر الطفل بأنه منعزُل عن الواقع المحيط به‪ ،‬ومع مرور السنوات كانا‬ ‫أن يرفعا من مستواه التعليمي بشكل كبير‪ ،‬فعينا له مدرس ًا خاص ًا‬ ‫يدفعانه إلى أن يكون فاعل ًا ومنخرط ًا في الحياة العائلية بشكل كبير‬ ‫وكأنه طفل سليم‪ ،‬وكانا يشاركانه في مختلف التفاصيل حتى السفر لم‬ ‫لتدريس العلوم والرياضيات‪.‬‬ ‫يحرمانه منه‪ ،‬وإنما كانا يصطحبانه لمختلف دول العالم التي يزورانها‪.‬‬ ‫كان المدرس شديد ًا جد ًا مع الفلاسي‪ ،‬وكان يعامله كإنسان طبيعي‬ ‫ويرغمه على حل المسائل الرياضية الصعبة‪ ،‬ويحف ُزه على التفكير في‬ ‫منح الوالدان الفلاسي الثقة والقوة بتصرفهما الواقعي والذكي‪،‬‬ ‫حل المسائل حتى قبل أن يشرح المادة الخاصة بها‪ ،‬ولو اضطره الأمر‬ ‫فاستطاع أن يندمج في محيطه اندماج ًا تام ًا‪ ،‬الأمر الذي ساهم في إكسابه‬ ‫القوة والشجاعة والتحدي والإصرار والعزيمة في كافة مراحل حياته‪.‬‬ ‫إلى أن يستعمل أسلوب العقاب المعتمد على العصا‪.‬‬ ‫في طفولته‪ ،‬تعلم السباحة‪ ،‬واستمتع بممارسة هذه الرياضة‪ ،‬ولم‬ ‫أدرك المدرس وقتها حجم القدرات الذهنية والرياضية التي يتمتع بها‬ ‫يكت ِف بذلك بل تحدى الواقع والمخاوف وصعد إلى الدراجة الهوائية‬ ‫الفلاسي‪ ،‬فشكل ذلك حافز ًا قوي ًا له لتعليمه‪ ،‬ولم يقف عند التعليم فقط‪،‬‬ ‫وقادها في محيط سكنه معتمد ًا على ذاكرته في رسم حدود المنطقة‪،‬‬ ‫بل كان يح ُضر التجارب العلمية من المدرسة ليعلم الفلاسي على تنفيذها‬ ‫وشارك أقرانه في ألعابهم الإلكترونية معتمد ًا على ت ّذكره لمفاتيحها‬ ‫في المنزل‪.‬‬ ‫ومساعدة أقرانه في مشاهدة ما يدور على الشاشة‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫الثانوية العامة وحصل على نتيجة ‪97‬في المائة‪ ،‬وسجل اسمه كأول‬ ‫الأول علمي‬ ‫طالب من أصحاب الهمم على مستوى الدول يجتاز امتحان الثانوية‬ ‫اجتاز الفلاسي مختلف المراحل التعليمية إلى الصف الثاني ثانوني‬ ‫بدرجات علمية لم تقل عن ‪ 95‬في المائة‪ ،‬وهو ما أظهر مدى التميز الذي‬ ‫العامة ضمن التخصص العلمي‪.‬‬ ‫كان عليه‪ ،‬لكن عند وصوله إلى مرحلة الثانوية العامة بدأت بوادر عقبة‬ ‫بهذا الإنجاز‪ ،‬أصبحت نتيجة الفلاسي حديث وزارة التربية والتعليم في‬ ‫تقف في طريقه‪.‬‬ ‫العام ‪ ،2009‬حيث نال تكريم ًا وإشادة بنتائجه‪ ،‬فيما كرمه سمو الشيخ‬ ‫مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم‪ ،‬نائب حاكم دبي‪ ،‬وأثنى على تفوقه‪.‬‬ ‫اختار الفلاسي أن يدخل الثانوية العامة ضمن المنهاج العلمي إلا أن‬ ‫إدارة المدرسة وهيئة المعرفة في دبي أشارتا بضرورة أن يلتحق بدراسة‬ ‫الأول في القانون‬ ‫التخصص الأدبي لاعتقادهما أنه الأنسب له باعتباره من أصحاب‬ ‫انهالت البعثات التعليمة على الفلاسي للالتحاق بالدراسة في أي‬ ‫الهمم‪ ،‬وبسبب مخاوفهما من عدم قدرته على تجاوز الامتحان الوزاري؛‬ ‫مكان يرغب به في العالم‪ ،‬لكنه قرر اختيار بعثة القيادة العامة لشرطة‬ ‫لأنه لم يسبق لأحد من أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة البصرية أن دخل‬ ‫دبي‪ ،‬وأن يلتحق بأكاديمية شرطة دبي‪ ،‬وكان ذلك رغبته منه في التميز‬ ‫والانفراد‪ ،‬ولمعرفته المسب ُقة أن «الأكاديمية» تعتبر أقوى جهة تدر ُس‬ ‫إلى الثانوية العامة ضمن المنهج العلمي‪.‬‬ ‫التخصص الذي يرغب به ألا وهو القانون‪.‬‬ ‫فشلت كل المحاولات لإقناع الفلاسي بالعدول عن قراره دراسة‬ ‫الثانوية العامة ضمن المنهج العلمي‪ ،‬ورفض بشكل قاطع الانصياع‬ ‫راهنت أكاديمية شرطة دبي على الفلاسي‪ ،‬وقبلته في تخصص‬ ‫وأكد أنه يعرف قدراته الحقيقية التي تنحاز إلى الجانب العلمي‪ ،‬فيما‬ ‫القانون رغم أنها مؤسسة علمية عسكرية‪ ،‬ليصبح بذلك أول شخص‬ ‫لعب «مدرسه الشديد» دور ًا كبير ًا في تحفيزه ودعمه في خوض معركة‬ ‫من أصحاب الهمم ٌيقبل في الأكاديمية وفي مجال القانون‪ ،‬وبدأ رحلته‬ ‫المنهاج العلمي التي يعتبرها الفلاسي أول تح ٍد حقيقي يخوضه في حياته‪.‬‬ ‫خاض الفلاسي مرحلة الثانوية العامة بإصرار وعزيمة وتح ٍد لكل‬ ‫الدراسية عبر الدوام المسائي‪.‬‬ ‫من قال لا «للمنهاج العلمي»‪ ،‬وكانت النتيجة مبهرُة‪ ،‬اجتاز امتحانات‬ ‫رغم الأجواء عسكرية إلا أن الفلاسي استطاع أن يندمج بسرعة لكن‬ ‫‪21‬‬

‫سيكون تجربة جديدة مفيدة في إعداد القوانين‪ ،‬وأن يعمل مشِّرُع ًا‬ ‫السنة الدراسية الأولى كانت صعبة للغاية؛ لأن دراسة القانون‬ ‫بعد أن خاص تجربة تقديم الاستشارات القانونية وهو ما سيرفده‬ ‫تتطلب قيام الدارس بشرح مستفيض‪.‬‬ ‫بالمزيد من التعمق في علم القانون‪.‬‬ ‫شعر الفلاسي بسرعة بالتحدي الجديد فقرر أن لا يقف عاجز ًا‬ ‫التحق الفلاسي باللجنة العليا للتشريعات في شهر تموز من‬ ‫أمامه‪ ،‬وبدأ في بذل المزيد من الجهد والدراسة والمراجعة ليحصل‬ ‫العام ‪ 2017‬وبدأ العمل على إعداد مشاريع القوانين؛ لكن بعد‬ ‫على درجات الامتياز في المراحل اللاحقة‪ ،‬ولشدة إعجاب أحد‬ ‫عدة أشهر جاءته مكالمة هاتفية مهمة من القيادة العامة لشرطة دبي‬ ‫الأستاذة به قال مخاطب ًا زملاءه‪ «:‬هذا ما يطلق عليه طالب قانون»‪.‬‬ ‫وعرضت عليه أن يصبح مدير إدارة سياسات الموارد البشرية بعد‬ ‫تحويلها من قسم إلى إدارة‪ ،‬وكلفته أن يعمل على وضع تصور‬ ‫تخرج الفلاسي في العام ‪ 2014‬بمعدل «جيد جد ًا مرتفع»‪،‬‬ ‫وكان الثالث على الدفعة بين كافة زملائه من مختلف دول العالم‪.‬‬ ‫جديد لها‪.‬‬ ‫كان العرض بمثابة تح ٍد جديد للفلاسي فقبله بسرعة ولم يكن‬ ‫ميدان شرطة دبي‬ ‫يدرك وقتها أنه بقبوله هذا التحدي أصبح أصغر مدير إدارة على‬ ‫بعد تخرجه‪ ،‬التحق الفلاسي بالعمل في القيادة العامة لشرطة‬ ‫مستوى القيادة العامة لشرطة دبي ينال هذا المنصب وهو في عمر‬ ‫دبي في شعبة الدعم والاستشارة بقسم أنظمة سياسات الموارد‬ ‫البشرية‪ ،‬وهي شعبة معنية بتقديم الاستشارات القانونية إلى‬ ‫‪ 24‬عام ًا و‪ 9‬أشهر‪.‬‬ ‫في الأول من آب ‪ ،2017‬بدأ الفلاسي ممارسة مهامه مدير ًا‬ ‫الموظفين والإدارات العامة ومراكز الشرطة‪.‬‬ ‫لإدارة سياسات الموارد البشرية‪ ،‬وبدأ العمل على تأسيس الإدارة‬ ‫وأقسامها‪ ،‬وتحديد المؤشرات الخاصة بها‪ ،‬ثم تمكن في الأربعة‬ ‫وفرت القيادة العامة لشرطة دبي للفلاسي برنامج قارئ الشاشة‬ ‫أشهر الأولى من فترة توليه للمنصب من تحقيق هذه المؤشرات‬ ‫على الحاسب الآلي‪ ،‬وبدأ يدرس قانون الموارد البشرية بشقيه‬ ‫المدني والعسكري وكافة القوانين المرتبطة بهما‪ ،‬وبسرعة استطاع‬ ‫بنسبة مائة في المائة‪ ،‬وفاق التوقعات‪.‬‬ ‫أن يصبح مرجع ًا قانوني ًا‪ ،‬وأن يقدم استشاراته للموظفين والإدارات‬ ‫كانت إدارة السياسات عبارة عن ثلاثة أقسام‪ ،‬قسم الدعم‬ ‫والاستشارات وقسم الموارد البشرية‪ ،‬وقسم المحاكمات التأديبية‪،‬‬ ‫العامة والمراكز الشرطية‪.‬‬ ‫لكن بعد إنشاء مجلس القضاء الشرطي د ِمج ُ قسم المحاكمات‬ ‫كانت لمسة الفلاسي واضحة في العمل الشغوف والمتقن ُ‪ ،‬وفي‬ ‫التأديبية مع قسم الادعاء الذي كان وقتها تابع ًا للإدارة العامة‬ ‫ثلاث سنوات قدم أكثر من ألفين وخمسمائة استشارة قانونية‪.‬‬ ‫لحقوق الإنسان‪.‬‬ ‫نحو التشريع‬ ‫هنا توسعت مهام الفلاسي ليصبح أيض ًا مدير الأمانة العامة لمجلس‬ ‫القضاء الشرطي ويعمل في مجال المحاكمات الخاصة بالعسكريين‪.‬‬ ‫في شهر فبراير من العام ‪ 2017‬تلقى الفلاسي عرض ًا للعمل‬ ‫في اللجنة العليا للتشريعات في دبي‪ ،‬وهي الجهة المختصة في‬ ‫إعداد مشاريع القوانين‪ ،...‬نال العرض شغف الفلاسي لأنه‬ ‫‪22‬‬

23

‫وقف الشباب‬ ‫إلى جانب المهام المنوطة به‪ ،‬التحق الفلاسي بالدورة الأولى لمجلس‬ ‫دبي للشباب التابع لمجلس الإمارات للشباب الذي أ ِس َُس من قبل وزارة‬ ‫الشباب في العام ‪ ،2016‬وعمل على عدة مشاريع خاصة «بوقف‬ ‫الشباب»‪ ،‬كدعم مشاريع الشباب من خلال تأمين الدعاية الإعلامية‬ ‫والجوانب القانونية الخاصة بها‪.‬‬ ‫رسالة الماجستير‬ ‫ورغم كثر الأعمال والمهام المنوطة بالفلاسي إلا أنه كان أيض ًا يعمل‬ ‫على رسالة ماجستير نوعية في مجال «الأزمات والكوارث» حيث لفت‬ ‫نظره المجال العلمي الذي لم يتطرق له سوى القليل من الناس‪.‬‬ ‫استطاع الفلاسي أن يقدم رسالة ماجستير« عن المنهج الإسلامي‬ ‫في إدارة الأزمات والكوارث» وكان الوحيد الذي تطرق إلى المنهج‬ ‫الإسلامي في إدارة الأزمات من الناحية الإدارية‪ ،‬فيما كانت معظم‬ ‫الدراسات تتعامل مع هذا الجانب من الناحية الفقهية فقط دون ربط‬ ‫بالعلوم الحديثة‪.‬‬ ‫أثبت الفلاسي في رسالته وجود علم إسلامي حقيقي في إدارة‬ ‫الأزمات ومنها قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» والتي لها شروط‬ ‫وأصول خاصة للتعامل مع الأزمات وفق ًا للظروف والمعطيات‪ ،‬إلى جانب‬ ‫منهج إدارة «الأزمة بالأزمة» ومنهج «الجيل الرابع من الحروب»‪ ،‬حيث‬ ‫كانت هذه المناهج الإسلامية في التعامل مع الأزمات موزعة في عدة‬ ‫كتب علمية مختلفة وليس ضمن علم إدارة الأزمات‪.‬‬ ‫التحدي القادم‬ ‫تحدي الفلاسي القادم هو شهادة الدكتوراه‪ ،‬والتي اختار عنوان‬ ‫رسالتها العريض والجديد لتتطرق إلى علم بات اليوم محطة أنظار دولة‬ ‫الإمارات وهو علم الفضاء‪ ،‬حيث سيقدم رسالة دكتوراه قانونية عن‬ ‫«تقنين استخدام الأقمار الصناعية ومحطات الفضاء الدولية»‪.‬‬ ‫‪24‬‬

25

26

‫في العام ‪ 1979‬كان هناك لاعب كرة يد‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬سريع الانطلاقة‪،‬‬ ‫يتمتع بلياقة بدنية ومهارة عاليتين لم يجاريه بهما نظراؤه في اللعبة‪ ،‬ولكثرة‬ ‫إتقانه لفنها ولسرعته في التعامل مع الكرة وضرباته القوية‪ ،‬أطلق عليه زملاؤه‬ ‫لقب« غزال»‪.‬‬ ‫كان غزال الشاب الواعد يبلغ من العمر ‪ 18‬عام ًا‪ ،‬وكان ضمن صفوف‬ ‫نادي الشباب العربي في إمارة دبي‪ ،‬وكان ُمقبل ًا على الحياة يرسم أحلام ًا‬ ‫مستقبلية في ناديه‪ ،‬ويأمل أن يكون علامة فارقة في التاريخ الرياضي‪ ،‬لكن‬ ‫الأقدار حملت له مالم يكن في الحسبان‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫كانت عائلة غزال تتناوب على زيارته في المستشفى‪ ،‬فيما تلقى دعم ًا‬ ‫«غزال» هو عبد لله خميس نصيب السويدي الذي يبلغ الآن من العمر‬ ‫كبير ًا من إدارة نادي الشباب في ذاك الوقت بخاصة من قبل مدير‬ ‫‪ 58‬عام ًا‪ ،‬وهو أحد موظفي القيادة العامة لشرطة دبي منذ ما يزيد على‬ ‫النادي أحمد سيف بالحصا‪ ،‬وأعضاء الهيئة الإدارية‪ ،‬وأعضاء فريقه‬ ‫‪ 30‬عام ًا‪ ،‬و أكبر الموظفين سن ًا من أصحاب الهمم ويعتبر ًا نموذج ًا‬ ‫برئاسة الكابتن محمد زياد أبو سنينة ممن كانوا يحرصون على متابعة‬ ‫لرجل واجه التحديات التي ألمت به بعزيمة وإصرار‪.‬‬ ‫حالته أول ًا بأَّول ‪.‬‬ ‫حادث مشؤوم‬ ‫بعد عامين‬ ‫سافر «غزال» برفقة مجموعة من أصدقائه إلى إحدى الدول‬ ‫بعد عامين على الحادثة‪ ،‬استفاق غزال من غيبوبته‪ ،‬وبدأ يحاول‬ ‫الآسيوية لقضاء الإجازة الصيفية في العام ‪ ،1979‬واستأجر دراجة‬ ‫استيعاب ما يدور حوله وما جرى له‪ ،‬لكن مشكلة كبيرة كانت في‬ ‫نارية ليقودها في الشوارع وهو في قمة الحماس والسعادة لكن الأمور‬ ‫انتظار عائلته وأقاربه ‪ ...‬غزال فاقد للذاكرة لشدة ما أصاب الدماغ من‬ ‫ضرر جراء حادث الاصطدام‪ ،‬ولا يستطيع التحدث بسبب الضرر الذي‬ ‫خرجت عن السيطرة ليصطدم بسيارة وجه ًا لوجه‪. ...‬‬ ‫غاب غزال عن الوعي فور ًا ثم حضرت سيارة اسعاف ونقلته إلى‬ ‫تعرض له فكه‪.‬‬ ‫المستشفى‪ ،‬لي ْد ِخلُه الأطباء إلى غرفة العمليات‪ ،‬وتبدأ سلسلة من‬ ‫العمليات الجراحية الخطيرة لإنقاذ حياته‪ ،‬عملية أولى استهدفت المخ‬ ‫لم تستسلم عائلة غزال وناديه واستمرا في دعمه‪ ،‬فيما بدأ يقرأ‬ ‫والجمجمة لما أصابها من كسر‪ ،‬وعملية ثانية لإصلاح الأضرار الكبيرة‬ ‫التي تعرض لها الفك‪ ،‬وعمليتان «ثالثة ورابعة» في منطقتي الركبتين‬ ‫القرآن ويصلي في المستشفى ويدعو لله أن يساعده‪ ،‬وبالفعل مع مرور‬ ‫السنوات بدأ يسترد ذاكرته شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وبدأ يعرف أقاربه‪ ،‬ووالديه‪،‬‬ ‫اللتين تعرضتا إلى كسور وتهتكات‪.‬‬ ‫وأفراد عائلته‪ ،‬ثم طرأ تحسن نوعي على الذاكرة إلى أن استعادها‬ ‫خرج غزال من غرفة العمليات ووضعه الأطباء تحت الرقابة المشددة‬ ‫بشكل كامل‪.‬‬ ‫في المستشفى لكنه لم يستفق من غيبوبته‪ ،‬فقررت عائلته جلبه إلى‬ ‫إمارة دبي ليمكث في مستشفى راشد‪ ،‬ولدى استقباله من الطاقم الطبي‬ ‫شلل جزئي‬ ‫واطلاعهم على التقارير عن حالته‪ ،‬وعدد الضربات التي عانى منها‬ ‫خرج غزال من المستشفى مصاب ًا يعاني من شلل جزئي‪ ،‬وعدم القدرة‬ ‫جسمه‪ ،‬أبلغوا عائلته أن هناك إمكانية أن لا يعيش أو يستفيق من‬ ‫على الحركة إلا بواسطة عكازين‪ ،‬ثم بدأ رحلة علاج طبيعي في نادي‬ ‫الشباب على مدار خمس سنوات إلى أن أصبح يبلغ من العمر ‪23‬‬ ‫غيبوبته في وقت قريب‪.‬‬ ‫عام ًا وكان قد استرد بعض ًا من عافيته‪ ،‬لك ْن العكازان أصبحا أمر ًا لا‬ ‫مفر منه‪.‬‬ ‫كان على غزال أن يتعامل مع واقعه الجديد‪ ،‬فبين ليلة وضحاها تحولت‬ ‫حياته من رجل كانت كل الأضواء حوله‪ ،‬إلى رجل آخر مصاب باليأس‬ ‫والإحباط‪ ،‬وبدأ ينتابه هاجس بأن لا قيمة له في المجتمع‪ ،‬وبأنه سيلازم‬ ‫فراشه وعكازيه مدى الحياة‪.‬‬ ‫بارقة أمل‬ ‫في ذاك الوقت‪ ،‬تواصلت إدارة نادي الشباب العربي مع القيادة العامة‬ ‫لشرطة دبي من أجل العمل على إيجاد فرصة عمل لـ«غزال» ومحاولة‬ ‫‪28‬‬

‫كان لحصول غزال على وظيفة في القيادة العامة لشرطة دبي أثر بالغ‬ ‫إيجاد بارقة أمل في حياته‪ ،‬وبالفعل كان الترحيب كبير ًا من شرطة دبي‬ ‫على حياته العائلية‪ ،‬فقد استطاع أن يتزوج‪ ،‬ورزقه لله بولد وبنت‪ ،‬وهو‬ ‫وفتحت أبوابها له وقررت احتضانه‪.‬‬ ‫سعيد بما أعطاه لله من رزق في هذه الدنيا‪.‬‬ ‫أ ْص ُدر قرار فوري بتعين غزال ضمن أفراد شرطة دبي‪ ،‬وعِّين ُكاتب ًا‬ ‫في أحد المكاتب‪ ،‬وبدأ يزاول مهامه إلى جانب زملائه‪ ،‬ليخرج من حالة‬ ‫نصيحة‬ ‫العزلة التي أصابته‪ ،‬وبدأ يشعر بعد اختلاطه بأفراد الشرطة والعمل‬ ‫يحرص غزال دائم ًا على أن يحث الشباب على عدم القيادة بطيش‬ ‫معهم جنب ًا إلى جنب أن له وزن ًا في المجتمع‪ ،‬وأنه عضو فاعل يستطيع‬ ‫وتهور‪ ،‬وأن يأخذوا بكافة معايير السلامة والأمان والالتزام بالسرعات‬ ‫أن يقوم بالمهام التي توكل إليه على أحسن وجه رغم ما يعانيه من‬ ‫القانونية‪ ،‬ويرى أن على الإنسان أن لا يستسلم أمام الظروف مهما كانت‬ ‫شدتها‪ ،‬وأن يحاول جاهد ًا أن يكون ذا قيمة في المجتمع بما أعطاه لله‬ ‫صعوبة الحركة‪.‬‬ ‫من قدرات وإمكانيات‪ ،‬مؤكد ًا على أهمية طاعة لله تعالى لما لها من أثر‬ ‫وفي هذا العام ‪2020‬يحتفي بمرور ‪ 30‬عام ًا على بداية عمله في‬ ‫كبير في تجاوز الصعاب‪ ،‬والظروف الحياتية‪.‬‬ ‫القيادة العامة لشرطة دبي التي يشعر بفخر الانتماء لها‪.‬‬ ‫‪29‬‬

30

‫في العام ‪ 2008‬كنت أعمل صحفي ًا في جريدة الخليج في تغطية امتحانات‬ ‫الثانوية العامة‪ ،‬فقابلت طالب ًا مميز ًا في مدرسة دبي الثانوية‪ ،‬وحملت حلمه‬ ‫«المستحيل» في أن يقود السيارة وأن يحصل على رخصة قيادة أسوة بباقي‬ ‫الناس إلى هيئة التحرير‪ ،‬ثم دونت حلمه على الصفحة الأولى‪ ،‬وشاء القدر بعد‬ ‫‪ 11‬عام ًا أن نلتقي مع ًا زميلين في شرطة دبي‪.‬‬ ‫ذاك الطالب هو حسين غالب حسين باخلف‪ ،‬لكن ما ميزه عن نظرائه من‬ ‫الطلبة في المدرسة أنه يعاني ضمور ًا في اليدين‪ ،‬وكان يخوض الامتحان‬ ‫عبر وضع الورقة على الأرض والكتابة عليها باستخدام قلم يمسكه بأصابع‬ ‫قدميه‪ ،...‬أمر كان مذهل ًا ‪،‬دفعني الفضول الصحفي وقتها إلى طلب إجراء‬ ‫مقابلة معه ومع مدير المدرسة الذي كان مر ِّحب ًا بذلك‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫بعد اكتشاف الخطأ‪ ،‬وكان ذلك في الشهر السابع للحمل‪ ،‬أبلغ‬ ‫انتظرت الطالب حسين إلى أن أنهى تقديم امتحانه ثم تحدثت معه عن‬ ‫الأطباء وال َدي باخلف بتوقعهم أن يتسبب الدواء في توقف نمو‬ ‫بعض تفاصيل حياته‪ ،‬وفاجأني بانفتاحه على الحياة وإقباله عليها‪،‬‬ ‫أعضاء جنينهم بسبب المواد الكيميائية التي يحتويها‪ ،‬لكن ذلك لا‬ ‫ثم سألته عن حلمه المستقبلي‪ ،‬فعَّبر عن رغبته الشديدة في الحصول‬ ‫على رخصة قيادة‪ ،‬وأن يقود السيارة مثل زملائه في المدرسة‪ ،‬مؤكد ًا‬ ‫يمكن تأكيده إلا بعد حضور الطفل إلى الدنيا‪.‬‬ ‫بعد ولادته لأحظ الأطباء مباشرة وجود ضمور في يدي الطفل‪،‬‬ ‫أنه يستطيع القيادة‪ ،‬وأنه جَّرب ذلك بالفعل‪.‬‬ ‫الأمر الذي دفع الوالدين إلى اصطحابه لعدة أطباء على أمل إيجاد‬ ‫جلست وقتها أفِّكر في هذا الطالب الذي رأيته «حالم ًا كثير ًا»‬ ‫حل‪ ،‬لكن الفحوص جميعها انتهت إلى أن علاج مرض الربو أدى‬ ‫فلن يستطيع أن يقود السيارة بذراعين ضامرين مهما فعل‪ ،‬فالأمر‬ ‫إلى توقف نمو الذراعين‪ ،‬وأن على الوالدين أن يتقبلا الواقع الجديد‬ ‫مستحيل‪ ،‬وبحاجة إلى معجزة‪ ،‬ومن المتعارف أن القيادة بحاجة إلى‬ ‫قدرة عالية على التحكم بالمقود وتناسق وانسجام كبيرين مع الدوس‬ ‫لطفلهما‪.‬‬ ‫على البنزين والفرامل‪.‬‬ ‫بريطانيا‪ ...‬وخيار بتر اليدين‬ ‫كان والد باخلف يعمل في ذاك الوقت في شرطة دبي ‪ -‬ولا زال‬ ‫جلست في المكتب أفِّكر في عنوان للقاء‪ ،‬ثم قررت أن الأمر يتطَّلب‬ ‫على رأس عمله إلى اليوم‪ -‬فعرض حالة ابنه على القيادة العامة‪ ،‬حيث‬ ‫عنوان ًا تشجيعي ًا ودونت على الصفحة الأولى «الطالب حسين يتحدى‬ ‫قدمت له المساعدة في إيفاده إلى بريطانيا على نفقتها الخاصة لعرض‬ ‫حالته على أطباء مخت ُصين فيها‪ ،‬وكان وقتها قد بلغ سن السادسة‬ ‫الإعاقة ويقود السيارة بقدميه‪.»...‬‬ ‫على أمل أن يتحول الحلم الذي رأيته « مستحيل ًا» في الحصول‬ ‫من عمره‪.‬‬ ‫باشر باخلف رحلة علاج وفحوص طبية وتعليمية‪ ،‬حيث اَّطلع‬ ‫على الرخصة إلى حقيقية واقعة‪.‬‬ ‫الأطباء عن كثبت على عضلات وعظام اليدين ورأوا عدم وجود أمل‬ ‫في نموها ثم اقترحوا على والده حل ًا غير مقنع‪ ...‬إجراء عملية لبتر‬ ‫اليوم وبعد مرور ‪ 11‬عام ًا التقيت والطالب حسين موظفين زميلين‬ ‫اليدين من على مستوى الكتف ثم استبدالهما بأي ٍد خشبية‪ ،‬غرضها‬ ‫في القيادة العامة لشرطة دبي‪ ،‬وعلى الفور عادت قصة اللقاء التي‬ ‫لم ت ْمحها ُالذاكرة إلى الواجهة وكان السؤال السريع «هل حققت‬ ‫فقط إبراز المظهر الخارجين دون أي قيمة عملية حقيقية لها‪.‬‬ ‫حلمك في الحصول على رخصة؟»‪ ... .‬جاء الجوانب «نعم تحديت‬ ‫رفض والد باخلف اقتراح الأطباء وأبلغهم أن هذا الأمر لن يتم‪،‬‬ ‫المستحيل وحصلت عليها‪ ،‬وإن لم تصدق حصلت على رخصة قيادة‬ ‫وسيتركه لطفله عندما يكبر ليقرر ماذا يريد‪ ،‬وقد كان قرار ًا صحيح ًا‬ ‫لشخص سليم وليست رخصة خاصة بأصحاب الهمم !»‪....‬‬ ‫للأب وفق ًا لتأكيد باخلف‪.‬‬ ‫خضع باخلف في بريطانيا إلى رحلة علاج طبيعية هدفها تقوية أصابع‬ ‫من هو؟‬ ‫اليدين الصغيرة‪ ،‬كما تعلم كيفية اعتماده على نفسه في ارتداء‬ ‫قبل الحديث عن كيفية حصوله على الرخصة‪ ،‬نعود إلى بداية قصة‬ ‫الملابس والتعامل مع مختلف الأمور الحياتية وهو ما ساهم في تقوية‬ ‫باخلف‪ ،‬ففي العام ‪ 1992‬كانت والدته حامل ًا به وفي الشهر الثالث‬ ‫أصيبت بمرض الربو ما اضطرها إلى التوجه إلى إحدى العيادات‬ ‫شخصيته وجعله يشعر بالمسؤولية بشكل مبكر‪.‬‬ ‫لتلقي العلاج‪ ،‬لكن الطبيبة المشرفة على حالتها أعطتها دواء جديد ًا‬ ‫خاص ًا بالربو يمنع ُعلى النساء الحوامل أخذه‪ ،‬الأمر الذي ساهم في‬ ‫إحداث تأثير كبير على نمو جنينها دون أن تعلم ذلك‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫في المدرسة‬ ‫عاد باخلف إلى الإمارات وبدأ رحلته الدراسية في عدة مدارس‬ ‫عادية وغير خاصة بأصحاب الهمم واستطاع أن يتأقلم‪ ،‬وأن يكِّون‬ ‫شبكة علاقات مع زملائه الطلبة الذين كانوا يقدمون له يد العون في‬ ‫حمل حقيبته المدرسية‪ ،‬وكان يحرص على مجاراة أصدقائه وزملائه‬ ‫فيلعب معهم كرة القدم ويمارس رياضة الجري بصحبتهم ويرفض‬ ‫أن يعاملوه بأقل مما يستحق‪.‬‬ ‫في المدرسة‪ ،‬تعلم باخلف كيف يمسك القلم بقدميه وبمساعدة‬ ‫وال َديه استطاع يوم ًا بعد يوم أن يتحكم بالقلم بسهولة‪ ،‬وأن يكتب‬ ‫بخط واضح‪ ،‬ولم يقتصر الأمر عند ذلك بل استطاع أن يستخدم‬ ‫القلم في عمليات الرسم‪ ،‬وقد شارك في مسابقات رسم خاصة‬ ‫بأصحاب الهمم‪ ،‬واستطاع أن يفوز بجوائز وبجدارة‪.‬‬ ‫حلم الرخصة‬ ‫بعد وصوله إلى مرحلة الثانوية العامة‪ ،‬شاهد باخلف زملاءه في‬ ‫المدرسة يقودون السيارات وينتظرون بفارغ الصبر بلوغهم سن الـ‬ ‫‪ 18‬لتقديم أوراق الحصول على الرخصة‪ ،‬فبدأت الفكرة تراوده‪،‬‬ ‫وقرر أن لا شيء سيمنعه من أن يكون مثلهم‪ ،‬فهو إذا تمكن من‬ ‫القيادة سيستطيع الاعتماد على نفسه في التنقل دون الحاجة إلى‬ ‫مرافق‪ ،‬وبالتالي التمتع بالحرية الشخصية وإدارة مجريات حياته‪.‬‬ ‫تعرف باخلف إلى مكونات السيارة‪ ،‬وأدرك وقتها أن الأمر بحاجة‬ ‫إلى التحكم والسيطرة على المقود في مقابل استخدام القدمين في‬ ‫الدوس على الدواسات‪ ،...‬كان موضوع قيادة السيارة أشبه بالحلم‬ ‫المستحيل‪ ، ...‬رغم ذلك قرر باخلف أن لا شيء سيمنعه مهما تطلب‬ ‫الأمر من جهد‪.‬‬ ‫‪33‬‬

34

‫سائر السائقين المتقدمين لطلب الحصول على الرخصة‪ ،‬وتمتع بمهارة‬ ‫رفضوا تدريبه‬ ‫السيطرة والانتباه ما أثار دهشة الفاحص واعطاه نتيجة «ناجح»‪.‬‬ ‫توجه باخلف إلى مدارس تعليم القيادة برفقة والده بحث ًا عن أمل‬ ‫في تعلمها‪ ،‬لكن كافة السائقين رفضوا تدريبه‪ ،‬وكانوا خائفين لمجرد‬ ‫حقق باخلف حلمه وأدرك أن المستحيل لا يوجد إلا في عقل الضعفاء‪،‬‬ ‫صعوده خلف المقود‪ ،‬مؤكدين أنه من المستحيل أن يستطيع قيادة‬ ‫وبرهن لنفسه ولعائلته أنه يستطيع أن يحقق ما شاء‪...‬‬ ‫السيارة وبرروا ذلك بـ «الأصحاء لا يستطيعون أن يتحكموا بها فكيف‬ ‫يصاب الكثيرون بالصدمة خلال مشاهدتهم باخلف يقود السيارة‪،‬‬ ‫سيتمكن شاب بيدين ضامرتين» ‪.‬‬ ‫فيقتربون منه ويسألونه عن تفاصيل قدرته على التحكم بالقيادة‪ ،‬فيما‬ ‫رفض باخلف جرعات الإحباط التي اغرقه بها مدربو القيادة‪ ،‬واستمر‬ ‫أكد باخلف أنه بفضل لله استطاع أن يثبت جدارته‪ ،‬حيث قاد السيارة‬ ‫في مراجعة العديد من المدارس المختصة لكن الأبواب كانت مغلق ُة دائم ًا‪...‬‬ ‫من دبي إلى مكة المكرمة في يوم ونصف اليوم‪ ،‬وكذلك قادها من دبي‬ ‫في أحد الأيام لاحظ أحد مدربي القيادة الإصرار «العجيب» لباخلف‬ ‫في رغبته الشديدة في القيادة فقرر أن يسمح له بالصعود برفقته خلف‬ ‫إلى صلالة في سلطنة عمانُ في ‪ 12‬ساعة تقريب ًا‪.‬‬ ‫المقود لتجربته‪ ،‬مشترط ًا «أن يقوم باختبار قدراته لاتخاذ قرار بتدريبه‬ ‫العمل في شرطة دبي‬ ‫من عدمه»‪...‬‬ ‫في أحد الأيام‪ ،‬أجرت إحدى الصحف مقابلة مع باخلف وأبدى فيها‬ ‫كان المدرب يحاول أن يثبت لباخلف صعوبة الأمر لكن بطريقة لبقة‬ ‫رغبته في السير على خطى والده للعمل في شرطة دبي‪ ،‬وفي يوم نشر‬ ‫وعملية عبر شرح الصعوبات التي ستواجهه دون أن يجرح مشاعره‪.‬‬ ‫المقال تلقى والده مكالمة هاتفية من القيادة العامة لاحضاره للمقابلة‬ ‫صعد المدرب مع باخلف في السيارة وفوجئ به يقدم على ربط حزام‬ ‫الوظيفية‪ ،‬وكانت البداية بتحقيق أمنيته‪.‬‬ ‫الأمان من تلقاء نفسه‪ ،‬ويعمل على تشغيل المحرك وتغير ناقل الحركة‬ ‫إلى وضعية القيادة‪ ،‬ثم استطاع أن يحرك السيارة ويتحكم بالمقود‬ ‫التحق باخلف بالعمل في شرطة دبي في قسم المستودعات في الإدارة‬ ‫العامة للعمليات في ذاك الوقت قبل أن يصبح القسم من اختصاص‬ ‫باستخدام ساقه اليسرى وبالدواسات باستخدام الساق الأخرى‪.‬‬ ‫الإدارة العامة للنقل والإنقاذ ثم باشر مهام عامله‪ ،‬ووجد بيئة محفزة‬ ‫نزل المدرب من السيارة مذهول ًا ثم أبلغ مكتب تعليم القيادة « أنه سيتولى‬ ‫ومشجعة وسعى إلى إثبات كفاءته بين زملائه ليتمكن من الحصول على‬ ‫مهمة تدريب باخلف وسيحوله إلى قائد سيارة ناجح وسيجعله يتدرب على‬ ‫سيارة عادية وليست خاصة بأصحاب الهمم كونه يرى فيه «معجزة»‪.‬‬ ‫العديد من شهادات التكريم والتقدير‪.‬‬ ‫تزوج باخلف في العام ‪ 2014‬وهو اليوم أب لثلاثة أطفال خلف‬ ‫باشر باخلف التدريب ك ّل يوم‪ ،‬وفي الوقت ذاته كان عليه أن يحصل‬ ‫ومحمد وريم» ويسعى جاهد ًا إلى العمل على إسعادهم‪ ،‬وأن يزرع فيهم‬ ‫على موافقات للدخول إلى اختبار رخصة القيادة بسبب وضعه الصحي‪،‬‬ ‫ثم جاء اليوم الحاسم‪ ...‬خضع باخلف إلى امتحان التقييم مثله مثل‬ ‫حب الاعتماد على الذات والقدرة و التحدي‪.‬‬ ‫‪35‬‬

36

‫خصص قلمه لتغيير الصورة النمطية لتعامل الإعلام مع أصحاب الهمم‪،‬‬ ‫ورفد السوق الصحفي بالعديد من المقالات التي بحثت بعمق في واقعهم من‬ ‫مختلف الجوانب‪ ،‬رافض ًا النظرة العاطفية المجتمعية‪ ،‬ومؤكد ًا أن العمل وحده‪،‬‬ ‫ووحده فقط هو الفارق الوحيد بين أصحاب الهمم والفيصل في الحكم على‬ ‫قدراتهم في المجتمع وعلى تميزهم وعطائهم‪.‬‬ ‫مارس مهنة «البحث عن المتاعب» ألا وهي الصحافة التي تحتاج من أجل‬ ‫النجاح فيها إلى توظيف كافة الحواس وبخاصة حاسة النظر‪ ،‬لكن هذا الشرط‬ ‫«المُعجز» لم يقف عائق ًا أمام الموظف في شرطة دبي ناصر النوراني‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫�� ����‬

38

‫كانت بداية عمله تتمثل في تلخيص الكتب الأمنية الصادرة عن‬ ‫عند ولادته لم يكن النوراني كفيف ًا‪ ،‬لكن مرض ًا وراثي ًا بسبب زواج‬ ‫الأكاديميات ومراكز البحوث وتقديمها كـ «وجبة» دسمة المحتوى لقراء‬ ‫الأقارب والمعروف بـ «مرض تلون الشبكية» أصابه‪ ،‬فبدأ يعاني من‬ ‫مجلة الأمن‪ ،‬لكن المشكلة التي كانت تواجه النوراني تمثلت في كيفية‬ ‫العشى الليلي في سن ست سنوات‪ ،‬ومع تقدمه في العمر كان البصر‬ ‫يضعف بشكل تدريجي إلى أن بلغ حد ًا لا يمكنه معه أداء امتحان‬ ‫قراءة الكتب‪.‬‬ ‫الثانوية العامة إلا عن طريق لجنة خاصة‪.‬‬ ‫تغلب على المشكلة عبر المساعدات القرائية التي قدمها له الموظفون العاملون‬ ‫في شرطة دبي من جهة‪ ،‬ومن عائلته من جهة أخرى‪ ،‬والتي اعتمد عليها‬ ‫كانت عائلة النوراني مدركة تمام ًا لواقع المرض فيها‪ ،‬فهيأت له الأجواء‬ ‫في إعداد المواد للنشر‪ ،‬كانت الطريقة عملية قبل ظهور برامج الكمبيوتر‪.‬‬ ‫النفسية ليتقبل الأمر‪ ،‬وأن يتعامل معه ويستمر في حياته وتعليمه‪ ،‬وكان‬ ‫والده الصحفي وأحد مؤسسي جريدة البيان‪ ،‬مص ُر ًا على أن يتلقى‬ ‫إلى الميدان‬ ‫تعليمه في مدرسة عادية‪ ،‬وليست خاصة ليزرع فيه نهج الاعتماد على‬ ‫لم يكن تلخيص الكتب ليلبي ُ طموح النوراني بل كان يرغب في أن‬ ‫يسير على خطى والده في عالم الصحافة‪ ،‬وهنا عرض على رئيس قسم‬ ‫النفس‪ ،‬وأن يستطيع العيش في الواقع الجديد بكل تح ٍد‪.‬‬ ‫العلاقات العامة في شرطة دبي في ذاك الوقت‪ ،‬الملازم ناصر العور‪ ،‬أن‬ ‫يمارس المهنة الصعبة على أرض الواقع‪ ،‬فكان طلبه محل ترحيب‪ ،‬وعمل‬ ‫كان لحرص العائلة على تعليم النوراني أثر كبير على حياته ونجاحه‪ ،‬وبدأت‬ ‫رئيس القسم على توفير سيارة ومصور صحفي له ليبدأ الخطوة الأولى‪.‬‬ ‫النتائج المبش ُرة تظهر على أرض الواقع بعد حصوله على المركز السابع في‬ ‫الدولة في نتائج الثانوية العامة‪ ،‬وعلى ضوء ذلك انطلق في رحلته التعليمية‬ ‫أول مادة صحفية‬ ‫الجامعية في جامعة الإمارات وكان ذلك في تسعينات القرن المنصرم‪.‬‬ ‫كتب النوراني أول مادة صحفية وكانت عبارة عن تحقيق تناول وضع‬ ‫أصحاب الهمم في القانون سواء كانوا من المجني عليهم أو الجناة أو‬ ‫نهج التسجيل‬ ‫شهود‪ ،‬ناقش خلاله مع المختصين كافة الجوانب المتعلقة بهذه الأوضاع‪.‬‬ ‫التحق النوراني بدراسة اللغة العربية‪ ،‬ولعدم قدرته على كتابة ما يدور‬ ‫نجح النوراني عبر التحقيق الصحفي في أن يضع قدمه في العمل‬ ‫في المحاضرات اتبع نهج « تسجيل المحاضرة» على «شريط كاسيت»‬ ‫الصحفي ليبدأ بعد ذلك في إجراء حوارات وتحقيقات صحفية ليس فقط‬ ‫فيما لعب زملاؤه دور ًا مهم ًا في مساندته في العملية التعليمية عبر قراءة‬ ‫على مستوى شرطة دبي وإنما خارج نطاق القوة‪ ،‬وفي مختلف المجالات‪.‬‬ ‫النصوص له والتي كان بدوره يقدم ُعلى تسجيلها مرة أخرى ومراجعتها‪.‬‬ ‫كانت الطريقة فعالة في ذاك الوقت لتلبي طموح النوراني الذي تمكن‬ ‫الكفيف لا يخاف‬ ‫من الحصول على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية بدرجة امتياز‪.‬‬ ‫تحتاج التحقيقات الصحفية إلى طرح الكثير من الأسئلة والتي قد‬ ‫تكون مستفزة لطرف ما وتحتاج من الصحفي أن يستخدم كافة حواسه‬ ‫وفاة الوالد‬ ‫وبخاصة البصر ليشاهد ردود الفعل‪ ،‬لكن النوراني كانت له وجهة نظر‬ ‫في العام ‪ 1996‬توفي والد النوراني الذي كان مختص ًا من قبل‬ ‫أخرى‪ ،‬حيث أكد أن حاجز الرهبة لدى الشخص الكفيف لن يكون‬ ‫جريدة البيان في تغطية أخبار وفعاليات القيادة العامة لشرطة دبي‪،‬‬ ‫موجود ًا في مثل هذه الحالة كونه لا يشاهد ردة الفعل على السؤال وإنما‬ ‫ينتظر «الرد الصوتي والذي يمكنه من معرفة أثر السؤال على المتلقي»‪.‬‬ ‫وكان الحدث الجلل قد أثر بشكل كبير على العائلة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يؤكد النوراني أن غياب حاسة البصر يعد مشكلة عملية‬ ‫توجه معالي الفريق ضاحي خلفان تميم‪ ،‬القائد العام لشرطة دبي في ذاك‬ ‫للصحفي لأن هذه الحاسة تقود في كثير من الأحيان إلى التقاط‬ ‫الوقت لتقديم واجب العزاء لعائلة النوراني‪ ،‬وأكد أن أبواب القيادة العامة‬ ‫لشرطة دبي مفتوحة لناصر ليلتحق للعمل بها‪ ،‬وفي غضون أيام بدأ‬ ‫النوراني أولى خطواته في عالم الصحافة‪ ،‬وباشر مهامه في مجلة الأمن‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫الإعلام لأصحاب الهمم متناول ًا الطرح الصحفي‪ ،‬والبرامج التلفزيونية‪،‬‬ ‫موضوع يستحق أن يكون قصة صحفية تحظى بالاهتمام‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫والإذاعية ومستند ًا إلى المفهوم الحقوقي للإعاقة‪ ،‬ورفض النظر إليهم‬ ‫يتطلب منه أن يعمل على توظيف حواسه الأخرى كالذاكرة للتغلب على‬ ‫ضمن قالب واحد هو أنهم متميزون وقادرون على تخطي الحواجز‪،‬‬ ‫وهو ما يراه النوراني منافي ًا تمام ًا للفروق الفردية بين البشر‪ ،‬إلى جانب‬ ‫هذه المشكلة‪.‬‬ ‫عدم النظر بعمق إلى حقيقة الاحتياجات الخاصة والمشاكل الحقيقة‬ ‫التي يواجهونها في المجتمع سواء في الإطار الثقافي أو من العادات‬ ‫تجربة جديدة‬ ‫في عام ‪ 2001‬طرق النوراني مجال ًا جديد ًا في العمل الصحفي‪،‬‬ ‫أو التقاليد‪.‬‬ ‫حيث بدأ يخاطب أجيال المستقبل‪ ،‬عبر الانضمام إلى فريق مجلة خالد‬ ‫المخت ُصة بالأطفال والصادرة عن شرطة دبي‪ ،‬شارك منذ البداية في‬ ‫ونشر النوراني هذه المقالات في صحف ومجلات متنوعة منها ما‬ ‫التفكير الجماعي للمواضيع والتخطيط الشهري والسنوي للمجلة‬ ‫كان مختص ًا في مجال أصحاب الهمم مثل مجلة «عالمي» الصادرة‬ ‫وتطويرها‪ ،‬واهتم بشكل خاص بفتح مسارات شراكة جديدة مع جهات‬ ‫عن وزارة تنمية المجتمع‪ ،‬ومجلة «المنال» الصادرة عن مدينة الشارقة‬ ‫للخدمات الإنسانية‪ ،‬وأغلبها عام مثل صحيفة «الخليج»‪ ،‬ومجلة «المنبر‬ ‫تختص بالطفولة وعالمها‪..‬‬ ‫الجامعي» التابعة لجامعة الشارقة‪ ،‬ومجلة «الإعلام والعصر»‪ ،‬ومجلة‬ ‫غير أن هاجس الإعاقة ومعاناة أصحاب الهمم من الأطفال تحديد ًا‬ ‫ظل يتردد في دواخل ناصر ويضغط عليه وهو في هذا المنبر الصحفي‪،‬‬ ‫«بلادي» التي تصدر في جمهورية السودان‪.‬‬ ‫فابتكر شخصيتي«صابر ووليد» الطفلان الصديقان اللذان كانا ينقلان‬ ‫إلى الأطفال رسالة واضحة عن أصحاب الهمم‪ ،‬حيث كان صابر يعاني‬ ‫حصد الجوائز‬ ‫من إعاقة بصرية ويساعده وليد في تفاصيل حياته اليومية في المجتمع‬ ‫ساهم طرح النوراني لواقع أصحاب الهمم في مقالاته في أن يحصد‬ ‫العديد من الجوائز أبرزها جائزة الشارقة للعمل التطوعي في مجال‬ ‫والمدرسة والبيت‪.‬‬ ‫الإعلام والتوعية عام ‪ ،2009‬وفي العام الذي يليه فاز بجائزة «الجندي‬ ‫المجهول» من برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز بعد ترشيحه لها‬ ‫عاد النوراني عبر سلسله «صابر ووليد» إلى سنوات دراسته الأولى‬ ‫بسبب مجهوداته ومقالاته‪ ،‬كما نال النوراني تكريم ًا خاص ًا من شرطة‬ ‫حين كان «كائن ًا غريب ًا» في مجتمع المدرسة الذي لم يعتد وقتها على‬ ‫دبي عن اقتراحه تدريس لغة الإشارة في القوة‪.‬‬ ‫وجود شخص من أصحاب الهمم مندمج ًا في الفصول الدراسية‪.‬‬ ‫رسالة الماجستير‬ ‫هذه الاستعادة مكنته من العمل على تأسيس ثقافة قبول التنوع لدى‬ ‫تمكن النوراني بفضل دعم والدته‪ ،‬ومرونة العمل في شرطة دبي من‬ ‫الأطفال‪ ،‬والاقتناع بأن علينا أن نسعى ليكون مجتمعنا مكان ًا للجميع‪..‬‬ ‫أن يلتحق ببرنامج الماجستير في جامعة الشارقة‪ ،‬ويقدم رسالة تناقش«‬ ‫لم يقتصر النوراني على نشر السلسلة في مجلة خالد‪ ،‬بل سعى إلى‬ ‫صورة ذوي الإعاقة في الرواية السودانية» وحصل بموجبها على درجة‬ ‫نشر فكرتها في منابر محلية ودولية خصوص ًا بعد توقيع اتفاقية الأمم‬ ‫الامتياز‪ ،‬فيما يبقى طموحه المستقبلي الذي وصفه بـ «القديم المتجدد»‬ ‫المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة‪ ،‬حيث قدم «صابر ووليد» في‬ ‫متمثل ًا في أن يكون مذيع ًا‪ ،‬فهو يذكر كيف كان يجري لقاءات مع اخوانه‬ ‫ويسجلها في أشرطة وهو في مراحل الدراسة الأولى‪ ،‬ثم كيف اكتسب‬ ‫الورشة التي عقدتها الأمم المتحدة في سوريا تعريف ًا بالاتفاقية‪.‬‬ ‫شهرة من مداخلاته الإذاعية‪ ،‬فهل تتاح الفرصة للنوراني ليكون صوت ًا‬ ‫كتابة المقالات‬ ‫خلف الميكرفون وعلى الهواء مباشرة‪.‬‬ ‫بموازاة عمله في مخاطبة الأطفال‪ ،‬واصل النوراني الكتابة للكبار‪،‬‬ ‫فكتب مجموعة من المقالات ركزت على الصورة النمطية التي ر َّسخها‬ ‫‪40‬‬

41

42

‫يطلق على العلاقة القوية التي تجمع الابنة بأبيها عبارة « ابنة أبيها»‪ ،‬وقد‬ ‫ترث هذه الابنة صفاته‪ ،‬فماذا إذا تمثلت في «الإرادة‪ ،‬والعزيمة‪ ،‬والإصرار‬ ‫على الكفاح في مواجهة التحديات والظروف الحياتية المختلفة»‪.‬‬ ‫الصفات السابقة ورثتها فاطمة أحمد محمد سلطان‪ ،‬الموظفة في إدارة‬ ‫الشؤون الإدارية في قسم التنسيق والمتابعة في الإدارة العامة للأدلة‬ ‫الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي‪ ،‬عن أبيها الذي أمسك بيدها على‬ ‫فراش المستشفى ليقودها في رحلة كفاح علاجية عنوانها «الإرادة والعزيمة‬ ‫والإصرار»‪.‬‬ ‫�� �����‬ ‫‪43‬‬

44

‫بالناس والحديث معهم‪ ،‬وكانت تشعر بكثير من الخجل بسبب حالتها‬ ‫بدأت قصة كفاح فاطمة عندما بلغت سن الرابعة من عمرها‪ ،‬حيث‬ ‫الجسدية‪.‬‬ ‫أصيبت بالحمى الشوكية التي صاحبها ارتفاع شديد في درجات‬ ‫الحرارة‪ ،‬ما دفع عائلتها لنقلها إلى المستشفى‪ ،‬لكن الأطباء لم يكونوا‬ ‫تدخل الأب مجدد ًا ليحفز فاطمة على ضرورة الإصرار والعزيمة في‬ ‫مواجهة صعوبات الحياة‪ ،‬وقرر أن يكسر حالة الانطوائية لديها ليدخلها‬ ‫على قدر الحرفية في التعامل مع حالتها‪.‬‬ ‫عنوة في مدرسة حكومية وليست مدرسة خاصة لأصحاب الهمم من‬ ‫أصيبت فاطمة جراء الحمى بشلل طال كافة أنحاء جسدها‪ ،‬وصف‬ ‫أجل أن تكمل تعليمها وأن تستطيع أن تتقبل واقعها في محيطها‪،...‬‬ ‫على أنه «شلل كلي»ُ‪ ،‬وأبلغ الأطباء والدها أن طفلته ستغادر الدنيا‬ ‫نجح الأب في إنقاذ ابنته مرة أخرى‪ ،‬لتبدأ رحلتها الدراسية في موازاة‬ ‫في غضون شهرين على أبعد تقدير‪ ،‬وأن الحديث عن أمل في أن تحيا‬ ‫رحلتها العلاجية‪.‬‬ ‫أصبح صعب ًا للغاية وطريقه مسدود‪.‬‬ ‫نزل الخبر صاعق ًة على والد فاطمة‪ ،‬الذي جلس محتاُر ًا يفكر في‬ ‫التواء العمود الفقري‬ ‫قول الأطباء‪ ،‬ثم اتخذ قراره الصارم« لا أحد سيمنعني من إنقاذ حياة‬ ‫تح ٍد صعب جديد واجه فاطمة‪ ،‬وذلك بعد أن اكتشف الأطباء حدوث‬ ‫التواء حاد في العمود الفقري وتحديد ًا في عشر فقرات‪ ،‬وأبلغوا والدها‬ ‫طفلتي‪ ،‬ولو وصلت بها إلى أصقاع الأرض»‪.‬‬ ‫ضرورة إجراء عملية جراحية سريعة لها‪ ،‬وإلا ستلتزم السرير مدى‬ ‫كان قرار ًا جريئ ًا‪ ،‬توجه والد فاطمة إلى المستشفى‪ ،‬وأصر على‬ ‫الحياة‪ ،‬محذرين في الوقت ذاته أن العملية صعبة للغاية وأن نسبة‬ ‫إخراجها في وقت كانت «جثة» لا تتحرك‪ ،‬ثم اتجه بها نحو المطار‪،‬‬ ‫وانطلق على متن أول رحلة طائرة نحو مدينة كالكوتا الهندية‪ ،‬حيث سمع‬ ‫نجاحها لا تتجاوز ‪ 40‬في المائ ًة‪.‬‬ ‫عن تقدم الطب فيها في ذاك الوقت‪.‬‬ ‫اتخذ الأب قرار ًا شجاع ًا‪ ،‬واصطحب ابنته إلى عاصمة المملكة المتحدة‪،‬‬ ‫أصابت إرادة الأب وأخطأ حكم ُالأطباء‪ ،‬وفي غضون عدة أيام‪ ،‬بدأت‬ ‫لندن‪ ،‬مصر ًا على إجراء العملية لها رغم المحاذير‪ ،‬فيما لعبت العائلة‬ ‫دور ًا كبير ًا في تقديم كل الدعم النفسي لفاطمة والتي أصابها الإحباط‬ ‫الطفلة تعطي إشارات للحياة‪ ،‬ثم فتحت عينيها مجدد ًا للدنيا‪. ..‬‬ ‫والتعب الشديد مجدد ًا‪.‬‬ ‫‪ 10‬أعوام علاج‬ ‫أجرت فاطمة العملية الأولى التي استمرت ‪ 9‬ساعات متتالية تلتها‬ ‫وقف الأب ومن بعده عائلته إلى جانب فاطمة‪ ،‬وبدأوا معها رحلة علاج‬ ‫عملية ثانية بعد اسبوع استمرت لنفس المدة من الزمن‪ ،‬زرع الأطباء‬ ‫طبيعي استمرت على مدار ‪ 10‬سنوات بين الإمارات والهند إلى أن‬ ‫خلالها معدن ًا لضبط حركات فقرات العمود الفقري وتثبيتها ثم أعلنوا‬ ‫أصبحت في سن الرابعة عشرة‪ ،‬وكانت تتنقل بين البلدين بمعدل مرتين‬ ‫إلى ثلاث مرات سنوي ًا‪ ،‬وكانت تقضي الإجازة الصيفية في المستشفى‪.‬‬ ‫نجاح العملية‪.‬‬ ‫كانت رحلة العلاج صعبة للغاية تخللها الكثير من التعب والإرهاق‪،‬‬ ‫لكن النتائج آتت أوكلها وقللت من نسبة الشلل من كلي إلى نصفي‪،‬‬ ‫أصيبت فاطمة بتعب نتيجة العمليتين واستمرت على مدار أكثر من‬ ‫ومع مضي السنين بدأت الطفلة «فاطمة» تكبر وتعي ما يدور حولها‪،‬‬ ‫عام تكافح الألم‪ ،‬ولم تكن تقوى على النوم بسهولة في ظل وجود معدن‬ ‫فأصابتها الانطوائية‪ ،‬ولم تكن ترغب في الخروج من المنزل أو الاختلاط‬ ‫في جسدها‪ ،‬وفي الوقت ذاته كانت تقاوم الظروف النفسية السلبية التي‬ ‫رافقتها‪ ،‬وتحاول جاهدة مواصلة رحلة العلاج الطبيعي التي وصلت إلى‬ ‫خمس سنوات متتالية‪.‬‬ ‫‪45‬‬

46

‫ثانوية و«امتياز»‬ ‫استطاعت فاطمة رغم الظروف العلاجية العودة إلى الدراسة واجتياز‬ ‫امتحان الثانوية العامة مستمدة من والدها عزيمته الصلبة ولم تتوقف‬ ‫عند هذا الأمر بل دخلت الكلية التقنية العليا‪ ،‬واستطاعت الحصول على‬ ‫شهادة جامعية في إدارة نظم المعلومات بتقدير «امتياز»‪.‬‬ ‫بعد حصولها على الشهادة الجامعية‪ ،‬التحقت فاطمة بمركز خاص‬ ‫لتدريب وتأهيل وتوظيف أصحاب الهمم‪ ،‬وبعد خمسة أشهر استطاعت‬ ‫أن تثبت قدراتها الكبيرة في مجال اختصاها في إدارة أنظمة المعلومات‬ ‫بسبب حبها لـ« الحاسب الألي والأنظمة الإلكترونية»‪ ،‬وتخرجت حاملة‬ ‫شهادة بدرجة امتياز في المركز‪.‬‬ ‫العمل في شرطة دبي‬ ‫التحقت فاطمة بالعمل في الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة‬ ‫في شرطة دبي في العام ‪ 2004‬وعملت في إدارة الشؤون الإدارية ثم‬ ‫عملت في مجال الجودة‪ ،‬فيما وفرت الإدارة العامة لها كافة الظروف‬ ‫والاحتياجات التي تساهم في قيامها بواجبها على أحسن وجه ولاقت‬ ‫تشجيع ًا كبير ًا من زملائها‪.‬‬ ‫«الجندي المجهول»‬ ‫شعرت فاطمة بعودتها إلى الحياة مجدد ًا بعد انخراطها في العمل‬ ‫في بيئة شرطة دبي لتحقق إنجاز ًا نوعي ًا في العام ‪ 2012‬حيث فازت‬ ‫بجائزة الجندي المجهول في برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز‪،‬‬ ‫واستطاعت الحصول على العديد من جوائز التميز في شرطة دبي‬ ‫وخارجها‪ ،‬وتمكنت أيض ًا من الحصول على رخصة قيادة السيارة‬ ‫لتتمكن بمفردها من الحضور إلى العمل وزيارة كافة الأماكن التي‬ ‫تراها مناسبة‪.‬‬ ‫في العام ذاته ‪ ،2012‬ارتبطت فاطمة بابن خالتها الذي يستكمل اليوم‬ ‫الدور الذي بدأه والدها في مساندتها وتقديم كل الدعم لها لتكمل مسيرة‬ ‫نجاحها بعزيمة وإصرار وتح ٍد‪.‬‬ ‫ومن يجال ُسها يستمد منها طاقة التفاؤل حيث تردد دائم ًا‪ « :‬أحرص‬ ‫على أن أبقى متفائلة وأن أتوكل على رب العالمين»‪.‬‬ ‫‪47‬‬

48

‫َع َش َق الميداليات‪ ،‬فحصدها محلي ًا وعالمي ًا رغم التحديات الصعبة‪ ،‬وأصبح متحدث ًا‬ ‫رسمي ًا باسم أصحاب الهمم رغم عدم إنهائه المرحلة الابتدائية في المدرسة‪ ،‬وأتقن‬ ‫ثلاث لغات دون الحاجة إلى ُمدرس خاص‪ ،‬أحب الرياضة فأحبته‪ ،‬ووهبت له طريق‬ ‫النجاح والتألق‪ ،‬وجعلت منه إنسان ًا مميز ًا اعتلى منصات التتويج‪��� ����� �� .‬‬ ‫هذه قصة الشرطي أول حارب عبد لله الجسمي‪ ،‬الموظف في الإدارة العامة لأمن‬ ‫المواصلات في شرطة دبي‪ ،‬الذي يعد مثال ًا ُيقتدى في العزيمة والإصرار والحرص‬ ‫على التميز رغم الظروف الصعبة‪ ،‬فهو من أصحاب الهمم ممن كانت همته عالية في‬ ‫مواجهة التحديات‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫بدأت قصة الشرطي الجسمي منذ العام ‪ 1992‬عندما كان طالب ًا‬ ‫في الصف الخامس الابتدائي‪ ،‬حيث طلبت إدارة المدرسة من عائلته‬ ‫أن ي ْخر ُج منها بسبب تأخر قدراته العقلية مقارنة بزملائه ونظرائه‬ ‫الطلبة‪.‬‬ ‫أقفلُ باب الدراسة على الجسمي ليجد نفسه يقضي الأيام وحيد ًا‬ ‫في غرفته‪ ،‬لا يختلط بالناس‪ ،‬وكان يشعر بالخجل من الحديث معهم‪،‬‬ ‫فف َّضل الاعتزال‪ ،‬وبات رغم صغر سنه ينظر إلى الدنيا بتشاؤم‪.‬‬ ‫ساهم المقربون من الجسمي في إخراجه من حالة العزلة ُ‪ ،‬فأدخلوه‬ ‫إلى نادي دبي لأصحاب الهمم ليبدأ ممارسة الرياضة التي أحبها‪،‬‬ ‫وكانت تملئ وقت فراغه وتزرع البهجة في حياته‪ ،‬فشَّكلت له دفع ًا‬ ‫معنوي ًا كبير ًا ساهم في تغيير حياته نحو الأفضل‪.‬‬ ‫أَّول خطوة‬ ‫برع الجسمي في الرياضة بشكل كبير‪ ،‬وبدأ أولى خطواتة في‬ ‫مسابقة الجري لمسافة ‪ 100‬متر ليتمكن من نيل أَّول ميدالية ذهبية‬ ‫في ايرلندا في العام ‪ 2003‬ضمن بطولة خاصة بأصحاب الهمم‪،‬‬ ‫لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فواصل عزمه في المجال الرياضي‬ ‫محاول ًا أن يجد ضالته في بطولة أكبر‪.‬‬ ‫في العام ‪ ،2006‬كانت ضالة الجسمي في انتظاره ضمن البطولة‬ ‫العربية للأولمبياد الخاص‪ ،‬ليتمكن من إحراز الميدالية الذهبية في‬ ‫جري مسافة ‪ 100‬متر بعد منافسة شديدة مع الدول المشاركة‪.‬‬ ‫متحدث رسمي‬ ‫لمع نجم الجسمي بشكل سريع في البطولة العربية‪ ،‬ليتم اختياره‬ ‫متحدث ًا رسمي ًا للألعاب الأولمبياد الخاصة لمنطقة الشرق الأوسط‬ ‫وشمال أفريقيا لمدة ‪ 4‬سنوات حرص خلالها على أن يصل إلى‬ ‫عدة دول في أوروبا وآسيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لينقل‬ ‫الصورة الإيجابية للاهتمام بأصحاب الهمم في دولة الإمارات والعالم‬ ‫العربي‪ ،‬وواقع الاهتمام برياضات هذه الفئة‪.‬‬ ‫‪50‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook