Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كتيب روائع سترة (3)

كتيب روائع سترة (3)

Published by nebrasa006, 2023-05-03 18:47:38

Description: كتيب روائع سترة (3)

Search

Read the Text Version

‫أيا وطني‪ ،‬أيها الملاذ الآمن‪ ،‬من لي سواك؟ أكلمة أهواك تكفي؟ لا وألف لا‪ ،‬مهما‬ ‫قلت فأنا أبقى المقصّر الذي يبقى عاجزّا عن إيفاء حقك‪ ،‬ومهما شكرتك‪...‬فكلمات‬ ‫الشكر لن تكفي‪ ،‬أنت بيتي وملاذي وحصني المنيع الذي يحميني‪ ،‬أحلامي البريئة‬ ‫لم تجد من يحتضنها سوى أرضك‪ ،‬ودموعي الساخنة لم تجد من يمسحها ويحيلها إلى‬ ‫ابتسامة مشرقة إلا أنت‪ ،‬وقلبي المكلوم الذي ينيره وجودك يبقى مطمئنا ّراضيا‪،‬‬ ‫ينبض من أجلك وفي سبيلك‪.‬‬ ‫عندما أبتعد عنك أشعر وكأن روحي انفصلت عن جسدي‪ ،‬إنها الغربة‪ ،‬لا يفهمها إلا‬ ‫من عاشها غريبّا وحيدا‪ ،‬يشعر وكأن الوقت دهوّر لا تنتهي‪ ،‬وعيناه تبحثان عن الأمل‬ ‫الضائع‪ ،‬فلا يجد غير الحنين يسكن أعماقه‪ ،‬ويقول معاتباّ‪ :‬إلى متى هذا الفراق؟‬ ‫لماذا هذا الهجر؟ هذه السماء الزرقاء اّسوّدت في نظري‪ ،‬فأنا لم أعد أفكر في شيء‬ ‫وأنظر إلى شيء غير بحرين البعيدة عن الأعين الساكنة في القلوب المنهكة الولهة‪.‬‬ ‫عندما أحزن أشكو إليك‪ ،‬أجلس تحت نخيلك الوارفة‪ ،‬تلك النخيل التي تزينك‬ ‫بشموخها‪ ،‬وكأنها تقول‪ :‬لا عنوان لليأس في ربوعك يا وطني‪ ،‬فالشموع تحتاج إلى‬ ‫من ينيرها‪ ،‬وهذا الشعب الذي لم يعرف اليأس سيبقى وفياّ لأجل ترابك‪ ،‬لأجلهم‬ ‫ولأجلي ولأجل أطفالهم‪َ ،‬علمّك سيبقى خفاقاّ واسمك سيبقى حاضراّ‪.‬‬

‫البحر بهديره يفضي إليك بأسراره‪ ،‬لستّ إلا بيت الأسرار الذي يجعل كل سرّ نقطة‬ ‫انطلاق‪ ،‬نقطة قوة يحيل بها كل صع ّب سهلا‪ ،‬ترسم بها الطريق نحو الأمام‪ ،‬كنت‬ ‫ولا ّزال اسمك الزخرفي بين صفحات التاريخ العريق‪ ،‬من دلمون بلد الحضارة ّوالأصالة‬ ‫ثم تايلوس وصولاّ إلى البحرين‪ ،‬كلها أنت‪ ،‬وستبقين دومّا مثالّا للإيمان الصادق‬ ‫النابع من قلوب أطفالك ليعيشوا من سقياك‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما القيم المستفادة من النص السابق؟‬ ‫‪ .2‬أشارت زينب إلى إيحاءات جميلة ومعان سامية من خلال قولها‪ \":‬البحر بهديره‬ ‫يفضي إليك بأسراره‪ ،‬لس َتّ إلا بيت الأسرار الذي يجعل كل سر نقطة انطلاق‪ ،‬نقطة‬ ‫قوة يحيل بها كل صع ّب سهلا‪ ،‬ترسم بها الطريق نحو الأمام\" وضحيها‪.‬‬ ‫‪\" .3‬حينما يقاسي الإنسان الصعوبات في وطنه إما أن يصبر ويكافح ليخدم وطنه‬ ‫وإما أن يهاجر ويخلف وراءه ذكرى الغياب\"‬ ‫ما رأيك بمن يهاجر تاركا وطنه‪ ،‬وما الرسالة التي توجهينها إليه؟‬ ‫‪ .4‬كيف يمكنّ شكر الوطن وتقديم الامتنان إليه؟‬ ‫‪ .5‬اكتبي نصا قصيرا عن الوطن مستخدمة النمط السردي المغتني بالوصف‪.‬‬

‫ما بين مئتين وست دو ّل ‪ ...‬وفي عمق ألفي جزيرة ّولدت في أحضان مليون نخلة‪،‬‬ ‫علمتني الحياة عندما فتحت عين ّي ‪ ...‬حينها كادت أشعة الشمس تحرقني بلهيبها‪،‬‬ ‫فأخذتني أوراق أمي النخلة إلى ظلها‪ ،‬أختبئ‪ ،‬فأحسست بدفء‪ ،‬خطوت أولى‬ ‫خطواتي متمسكة بصلابة النخلات فزدت صلابة وقوة‪.‬‬ ‫شعرت بالجوع‪ ،‬رفعت يد ّي للسماء داعية‪ ،‬وعندما أنزلت يدي وجدت رطبا يملأ‬ ‫المكان بهجة‪ ،‬وأنا جالسة على ضفاف البحار المالحة سحبني سلطعون إلى عمق البحر‬ ‫فكادت أنفاسي تموت‪ ،‬وكاد جسمي يبرد‪ ،‬فهرعت النخلات لإنقاذي‪ ،‬فتمسكت‬ ‫بجذورها ورفعتني‪.‬‬ ‫الماء المالح استولى على جروحي فأحسست بذوبان جلدي الذي أذاب الشمع من‬ ‫جديد‪ ،‬أخذتني النخلات إلى النخلة الأم فقامت بصفعي ثم احتضنتني بقوة‪ .‬أحسست‬ ‫بخوفها عليّ وكأنها أمي‪.‬‬ ‫استلقيت على أرض بلادي؛ أخطط لأحلامي‪ ،‬والنخلات من فوقي تحميني‪،‬‬ ‫وأحسست حينها بأنني دائما أنتظر‪ .‬أعادني عقلي إلى الماضي حيث تركت وطني‪،‬‬ ‫وكانت النخلة الأم تقول لبقية النخلات‪ :‬هل سيرتاح هناك أم هل سيعود منطويا‬ ‫ووحيدا؟‬

‫أنا لم أفهم مقصدها‪ ،‬ولكن عندما تركت أرض الوطن أدركت ما كانت تقصد‪ ،‬وفي‬ ‫الحقيقة أدركت جيدا بعدما غرقت في المحيط‪ ،‬حاولت الصراخ ولكن أنفاسي كانت‬ ‫في الماء‪ ،‬ولم أجد من يحميني هناك‪ ،‬فرجعت لأرض الوطن منطويا ووحيدا كما‬ ‫قالت النخلة الأم‪ .‬وعندما وقعت أناملي على أرض الوطن تذكرت أولى خطواتي ّوأنا‬ ‫متمسكة بالنخلات مبتسمة‪ ،‬فأسرعت إلى النخلة الأم واحتضنتها بقوة وعبرت لها‬ ‫عن مدى شوقي لها ولأرضي ووطني‪.‬‬ ‫ارتكبت خطأ عندما أنفقت كل الح ّب الذي احتفظت به عندما ابتعدت عن وطني ‪،‬‬ ‫فالوطن حياة‪ ،‬والأرض لا يفهمها إلا من عاش عليها وأحبها بكل صدق‪.‬‬ ‫وصلت عندما عجز الكلام عن التعبير وأصبح الوصف عقيمّا‪ ،‬مهما تظاهرنا‬ ‫بالنسيان يبقى الوطن مخلدا في معالمنا‪ ،‬وتبقى البحار تروي قصصا عن أنا ّس‬ ‫جرفتهم الأمواج بعيدا عن بلادهم‪.‬‬

‫يرتبط الإنسان بالمكان الذي فيه يولد ويعيش‪ ،‬وتنمو أحلامه‪ ،‬وترتقي‬ ‫طموحاته يوما بعد يوم‪ ،‬فتتولد بينهما حكايات جميلة‪ .‬هكذا كانت علاقتي مع‬ ‫بلدي أم المليون نخلة‪.‬‬ ‫منذ بداية عمري كن ّت أبحث عن سبب تلك العلاقة! فصرتّ أتأملّ في نخيلها‪،‬‬ ‫وأجو ّل بناظري في سمائها‪ ،‬لأجد دافعا مختلفا يدفعني نحو رسمّ أحلامي‪ ،‬وهندسةّ‬ ‫طموحاتي‪.‬‬ ‫عندها فقط‪ ،‬عرف ّت السبب‪ ،‬وعاهدتها في سري بأن تبقى علاقتنا كالأم الحنون‬ ‫وابنتها الطموحة قائلةّ لها‪ :‬أنتّ التي تعطيني الحنان‪ ،‬وأنا التي أواصل وأخطو‬ ‫خطاي حتى نصل معا إلى العلياء‪ .‬ردت عل ّي هامسةّ‪ :‬نتعاون معا ونتكاتف؟‬ ‫فبدأ ّت شيئا فشيئا أستكش ّف معالمها وآثارها‪ ،‬لعلي أجد شيئا يساعدني لأن أخطو‬ ‫خطوةّ تل َوّ الأخرى؛ لأبني جسرا وحضارة‪ ،‬لرفع اسمها وعلمها شامخا عاليّا خفاقا‪،‬‬ ‫يجوبّ السماء وما فيها‪ .‬إنها البحرين‪ ،‬هي جزيرة صغيرة لكنها كبيرة بإنجازاتها‪.‬‬ ‫البحرين هي أم وملاذ وملجأ‪ ،‬والإنسان بلا وطن كالطفل بلا أم‪ .‬يعيش يتيما‪،‬‬ ‫ويمو ّت يتيما‪ .‬تضاربت الأفكار في عقلي ولا تهدأ‪ ،‬أتذكر النخيل التي يلوحّ سعفها‬ ‫يمينا وشمالا‪ ،‬فيتساقط الرطب الجني‪ ،‬ليسرع الفلاح ويتسلقّ جذعها فيحصد الرطب‬ ‫الذي طعمهّ أحلى من العسل‪.‬‬

‫أجل‪ ،‬هذا هو وطني الذي ترعرع ّت على أرضه‪ ،‬وأكل ّت من خيراته‪ ،‬وح َبو ّت على‬ ‫ترابه‪.‬‬ ‫إنه ذلك المكان الذي تعلقتّ فيه‪ ،‬لي َسّ مكانا فقط بل وجدانا‪ ،‬مهما باعدت‬ ‫دفعني الحنين لوطني‪ .‬وأينما ذهب ّت ليرتا َّح فؤادي سا َرت بي خطواتي لأّرجع حي ّث‬ ‫يرتاحّ هناك‪ ،‬وكأنه يقول راحتي حيث أرى النخي َّل أمامي‪ .‬البحرين في قلبي ودلمون‬ ‫وأوال وتايلوس تاريخي‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪( .1‬يرتبط المولود بوالدته منذ أن كان في رحمها‪ ،‬وكذلك هي علاقة المرء بوطنه‪،‬‬ ‫علاقة فطرية)‬ ‫اشرحي هذه المقولة مبينة رأيكّ فيها‪.‬‬ ‫‪ .2‬كيف يكون الوطن أما وملاذا للإنسان؟‬ ‫‪ .3‬بيني مكانة موطنكّ الغالي في نفس ّك‪.‬‬ ‫‪ .4‬أضيفي على النص فقرة تصفين فيها جمال تاريخها وعراقتها‪.‬‬ ‫‪ .5‬ما أبرز التفاصيل التي تحبينها في بلادك؟‬

‫لاّشكّولاّريبّأنّلكلّقومّلغتهمّالتيّيعتزونّبها‪ّ،‬ويحافظونّعليها‪ّ،‬وتسيرّ‬ ‫حياتهمّبها‪ّ،‬وتراهمّأحياناّيتعصبونّلهاّبكلّقواهم‪ّ،‬ومثلهمّالعربّو(اللغةّ‬ ‫العربية) وهيّلغةّحية‪ّ،‬نابضة‪ّ،‬تتحدىّاللغاتّجميعا‪ّ،‬ليسّلأنهاّلغةّفحسب؛ّبلّ‬ ‫لأنّالحافظّلهاّهوّالخالقّالذيّدعمهاّبمعجزةّلاّتنتهيّعلىّمرّالدهور‪ّ،‬وأماّقولّ‬ ‫البعضّمنّاعتمادّاللغةّالإنجليزيةّفيّالمجالاتّالعلميةّوالتكنولوجية‪ّ،‬فهوّأمرّ‬ ‫يمكنّالردّعليهّبكلّبساطة‪ّ،‬منّأينّجاءتّالعلومّوالتكنولوجياّحينّكانّالغربّ‬ ‫يعيشّفيّالظلام!!؟‬ ‫أوليسّمنّالعربّعنّطريقّترجمةّالكتب! فهلّيعقلّبعدّذلكّأنّنغلقّملفّ‬ ‫اللغةّالعربيةّلأنّاللغةّالإنجليزيةّأصبحتّقوية! طبعاّلا‪ّ،‬إذّأنّهناكّعلوماّكثيرةّ‬ ‫لمّتكتشفّبعد‪ّ،‬والقرآنّالكريمّوبماّأنهّالرافدّالقويّللغةّالعربيةّفقدّأعطىّلهاّ‬ ‫قوةّوحصانةّلاّتتزعزعّمدىّالزمان‪.‬‬ ‫إليكّياّمنّتناديّباعتمادّاللغةّالإنجليزيةّتعالّوترجمّلناّالقرآنّإنّاستطعت!‬ ‫وسترىّالعجزّظاهراّوواضحا‪ّ،‬ذلكّأنّالعربيةّلهاّأوجهّمتعددةّلاّيمكنّفهمهاّدونّ‬ ‫دليل‪.‬‬

‫وما يعيشه الواهمون هو هوس كبير جدا‪ ،‬وأبرز مثالّ على ذلك هي ظاهرّة انتشرت‬ ‫مؤخرا‪ ،‬حيث يقوم الأهالي بالتحدث مع أبنائهم الصغار باللغة الإنجليزية (المعربة)‪،‬‬ ‫إنه أمرّ مثيرّ للجدل حقا‪ ،‬وذلك لأن الطفل يضيع بين مصطلحات لغته الأّم واللغة‬ ‫الدخيلة‪ ،‬ولابد من إيجاد حلّ لهذه الأزمة‪ ،‬و تعزيز اللغة العربية لدى الأطفال‪ ،‬فهي‬ ‫لغتهم الأم ‪ ...‬الأقوى‪ ،‬ولعل أكبر شاهد على قوة اللغة العربية هو اقتحامها أكبر‬ ‫الجامعات وأعرقها‪ ،‬حتى أنها تنازع اللغة الإنجليزية مكانة‪.‬‬ ‫فهي ليست بسهلة ليتعلمها الفرد‪ ،‬بل تحتاج لقواعد مشكلة ومنطوقة لينجح‬ ‫فيها‪ ،‬على عكس اللغة الإنجليزية فهي غالبها منطوقة وليست مشكلة‪ ،‬وأخيرا‬ ‫نبرهن على أهمية اللغة العربية بأنها تترجم كمعلومات في المجالات العلمية‬ ‫والتكنولوجية كي تعطي قيمة للمقالات المدونة‪ ،‬وعلى من يدعي أن اللغة العربية‬ ‫غير قادرة على مواكبة التطورات في شتى المجالات أن يأتي بدليل على كلاّمه‪ ،‬قال‬ ‫تعالى ‪\" :‬إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون\"‪.‬‬

‫لاّتموتّتلكّالروحّالتيّلطالمااّداوتّجروحنااّبقبلتهاا‪ّ،‬ولطالمااّكفكفاتّعبراتنااّ‬ ‫بيدهاّالحنونةّالمرتجفة‪ّ،‬التيّأعطتناّدونّمقابلّمناّ‪ ...‬أعطتناّبسخاءّمنّجودهاّ‬ ‫وعطفها‪ّ،‬ومنّعمرهاّأيضا‪ّ،‬إلىّأنّرسمّالزمنّخطوطهّعلىّوجههاّالحسن‪ّ،‬وغيرّمن‬ ‫ملامحهاّالتيّلاّزالتّثابتةّوراسخةّفيّمخيلتي‪ّ،‬لكنّكلماّزادتّالخطوطّعلى وجههاّ‬ ‫زادتّجمالاّوهيب‪.‬‬ ‫كانتّلهاّبشرةّبيضاءّناعمة‪ّ،‬ولهاّعينانّفاتحتانّلطالماّخطّالكحلّسوادهّحولهما‪ّ،‬‬ ‫ولهاّشفةّصغيرةّحمراء‪ّ،‬كانتّتلكّالشفاهّتقبلّخديّكلمااّأقبلاتّعليهاا‪ّ ّ،‬وأحيانااّ‬ ‫تقبلّيديّ‪.‬‬ ‫جدتيّتلكّالاوردةّالتايّعطارتّعماريّوأزهارتّفاؤادي‪ّ،‬جادتيّمصاباحّناورّليّفي‬ ‫ظلمتيّووحدتي‪ّ،‬أفتقدهاّبعددّالأيامّالتيّكنتّفيهاّبجانبهاّبالّوأكثار‪ّ،‬هايّمانّ‬ ‫رعتنيّلسنينّعدة‪ّ،‬أحبتنيّكثيراّأكثرّمنّنفسهاّحتىّأكثرّمنّأبنائها‪ّ،‬تغضبّعلىّ‬ ‫منّيغضبنيّوتحزنّلحزني‪ّ،‬كانتّتدعوّليّليلاّونهاراّ‪ّ،‬كانتّمجدةّنشيطة‪ّ،‬تقاومّ‬ ‫بعملّالمنزلّرغمّكبرّسنهاّ‪ ...‬لكنّكلماّكبرّالإنسانّزادتّأمراضه‪ّ،‬فبدأتّصحتهاّفيّ‬ ‫التراجع‪ّ،‬وتنهارّقواهاّسنةّبعدّسانة‪ّ،‬إلىّأنّوصالّالأمارّإلىّالسانةّالتايّأعتبّرهااّ‬ ‫الأكثرّألماّ‪ ...‬السنةّالماضية؛ّلأنهاّسرقتّمنيّأغلىّماّملكتّمنذّولدت‪ّ،‬بلّوقتلتّ‬ ‫روحيّومزقتّفؤادي‪ّ،‬هاّقدّوصالنيّذلاكّالخبار‪ّ،‬خبارّأقساىّرحيال‪ّ،‬حينهااّانهارتّ‬ ‫وبشدة‪.‬‬

‫دخلتّإلىّالغرفةّالضيقةّالتيّكانتّهيّبداخلهاّممددة‪ّ،‬ارتفعّصوتيّقائلة‪ :‬ليستّ‬ ‫جدتي‪ّ،‬كانتّشخصاّآخرّتغيرتّملامحهاّلاّأعرفّكيف!! َشدواّعلي‪ّ،‬محاولينّالتخفيفّ‬ ‫منّروعي‪ّ،‬أخذونيّلأقبلّجبينهاّلآخرّمرة‪.‬‬ ‫قبلتهاّكانتّباردةّساكنة‪ّ،‬قبلتهاّولمّأشعرّبأنفاسها‪ّ،‬لقدّسكنتّمانّآلاّمهاا‪ّ،‬رحلاتّ‬ ‫ورحلّعنهاّمرضها‪ّ،‬هدأتّرحلتّوابتعدتّعنّضجيجّالدنيا‪ّ،‬متجهةّإلىّمكانّآخر‪ّ،‬إلى‬ ‫مكانّتخلدّفيهّ‪ ...‬روحّوريحانّوجنةّنعيم‪.‬‬ ‫رحلتّولكنهاّباقيةّفيّذاتيّوتفكيريّوروحي‪ّ،‬راسخةّباداخلي‪ّ،‬وسااكنةّفيّقلباي‪.‬‬ ‫اعلمواّجميعاّبأنّليسّهناكّحبّكحبّالجدة‪ّ،‬وليسّهناكّحضانّكحضانها‪ّ،‬انتهازواّ‬ ‫الفرصّوارتمواّبينّأحضانّجداتكن‪ّ،‬وقبلواّجبينهنّقبلّأنّتبرد‪.‬‬

‫التنمر كلمه قد يسخر منها البعض‪ ،‬ولكن هل جربت أن تكون أحد ضحايا التنمر؟‬ ‫أنا فتاة في سن الخامسة عشر‪ ،‬كنت واحدة من ضحايا التنمر‪ ،‬وقد أثر ذلك على‬ ‫حياتي كثيرا‪ ،‬لدرجة لم أعد أثق بنفسي حتى الآن‪ ،‬ولا يستطيع أحد أن يّعيد ثقتي‬ ‫بنفسي مجددا‪ ،‬تخيل هذا!!‬ ‫بدأت قصتي عندما كنت أتحدث مع أربع فتيات من سني عن طريق الإنترنت‪ ،‬كنا‬ ‫دائما ما نتحدث كتابيا وأحيانا من خلال الاتصال ولكننا لم نفكر يوما في فتح كاميرا‬ ‫الهاتف‪ ،‬وهنا كانت المشكلة عندما قررنا أخيرا أن نتحدث من خلال الكاميرا‪ ،‬وجاء‬ ‫اليوم الموعود‪ ،‬فتحت كاميرا الهاتف معتقدة أن كل شيء سيكون طبيعيا‬ ‫وسنتحدث قليلا ثم نغلقه ولكن لم يحدث أيا مما كنت أتصور‪ ،‬بل بالعكس بدأت‬ ‫منار بالسخرية من شكلي وجسمي‪ ،‬وتنعتني بأسماء عديدة ‪ ...‬ذات الوجه السمين‬ ‫والمنتفخة والضخمة وغيرها‪ ،‬فقد كنت حقا سمينة جدا‪ ،‬كان وزني ما يقارب المئة‬ ‫وربما أكثر‪ .‬وحقا أنا الفتاة الوحيدة السمينة في عائلتي و لكن لم أكن اكترث‪ ،‬وها‬ ‫هي الآن منار تسخر مني ولم تدع كلمة إلا ووجهتها لي‪ ،‬ثم بدأت ضحكات الأخريات‪،‬‬ ‫وبالطبع لم أفعل شيئا غير أني أغلقت الهاتف ورميته بعيدا‪ ،‬ثم لممت نفسي‬ ‫وبدأت بالبكاء‪ ،‬وقد بكيت لأيام عديدة‪.‬‬

‫ثم جاء اليوم الذي يعتبر بداية جديدة للجميع حيث اليوم الأول من حياتنا‬ ‫الدراسية الجديدة‪ ،‬كانت مرحلة جديدة كليا‪ ،‬دخلت المدرسة متحمسة ومتشوقة‪،‬‬ ‫وبالطبع حدث ذلك المشهد الذي يتكرر بالأفلام‪ ،‬كانت منار وإحدى الفتيات في نفس‬ ‫مدرستي‪ ،‬يا الله‪...‬رأتني منار‪ ،‬بدأت بالصياح‪ :‬يا أيتها السمينة الضخمة تعالي‪.‬‬ ‫تجاهلتها وأكملت حتى وأنني تجاهلتّ قهقهات البنات الأخريات‪ ،‬ولكنها أتت مع‬ ‫صديقاتها وبدأت بسحب حجابي وركلي وحتى ضربي‪ ،‬وبعدها عندما لم تجد أي ردة‬ ‫فعل مني تركتني ورحلت وأنا بدوري بقيت طوال الحصص سارحة في أفكاّري‪.‬‬ ‫وعندما وصلت إلى البيت قررت أن أبدأ حمية‪ ،‬كنت جادة هذه المرة‪ ،‬فكلما أرى‬ ‫طعاما تخطر في بالي منار وسخريتها‪ ،‬مّر تقريبا شهران ونصف وقد نقص نصف‬ ‫وزني‪ ،‬وأصبحت فتاة مختلفة‪ ،‬وعندما رأتني منار لم تتوقف عن التنمر‪ ،‬ولكنني هذه‬ ‫المرة لم أسكت‪.‬‬ ‫صحيح أن قصتي هي مزيج بين جميع أنواع التنمر تقريبا‪ ،‬وهي قصة متكررة‪،‬‬ ‫ولكن صدقوني لقد أثرت في حياتي حتى الآن‪.‬‬ ‫فهنالك العديد من الأشخاص قد تأثروا في حياتهم بسبب هؤلاء المتنمرين‪،‬‬ ‫وهنالك العديد منهم قد رحلوا من هذه الحياة بسبب تلك الكلمات البسيطة‪ .‬مهما‬ ‫كنا ومهما كان لون بشرتنا أو أشكالنا أو حتى أجسامنا أو جنسياتنا‪ ،‬كلنا بشر ونشعر‬ ‫ونحس‪ ،‬لذا انتبه لما تقول‪ ،‬فأي كلمة صغيرة ممكن أن تترك أثرا كبيرا في قلب‬ ‫الشخص الآخر‪.‬‬

‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪ .1‬للتنمر أثر كبير في نفس من تعرض للتجربة‪ ،‬بيني الأثر النفسي ال ّواقع في نفسية‬ ‫راوية القصة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ترتبط مشكلة التنمر بأوساطنا المجتمعية‪.‬‬ ‫اشرحي هذه الظاهرة من وجهة نظرك‪ ،‬وكيف للمجتمع أن يساهم في حلها؟‬ ‫‪ .3‬كيف للفرد أن يتخطى الأثر النفسي للمشكلة؟‬ ‫‪ .4‬برأيك ما الدوافع الذي يقف خلف التنمر؟‬ ‫‪ .5‬كيف يمكن للقصة أن تتغير بتغ ّير الراوي؟ وضحي ذلك بمثال‪.‬‬ ‫‪ .6‬ما هي الحلول المثلى لحل هذه المشكلة؟‬

‫كنت طفلة كبقية الأطفال‪ ،‬حياتي الأسرية مستقرة إلى حّد ما‪ ،‬ولكن كان هناك‬ ‫ما يع ّكر صفو هذا الهدوء‪ ،‬ما هو؟ إليكم القصة من بدايتها وتحديدا قبل ثلاثين‬ ‫عاماّ تماما‪ ،‬ولد أخي الأكبر محمد بعد طول انتظار‪ ،‬كانت سعادة أبي لا توصف‪ ،‬فقد‬ ‫رزقه الله بابنه البكر الذي سيدخله إلى أفضل المدارس ويربيه أفضل تربية ليكون‬ ‫الابن المثالي الذي تمناه‪ .‬ومنذ سنواته الأولى كان أبي يعامله معاملةّ مختلفة عن‬ ‫بقية أقرانه من الأطفال‪ ،‬فكان يقول له‪ :‬يا بني إن اللعب واللهو ليس من صفات‬ ‫الرجال وإنما هو لمن يرغب في إضاعة وقته في ما لا ينفع‪ .‬وعندما بلغ محمد العاشرة‬ ‫ولدت أختي الكبرى فاطمة‪ ،‬فازدادت مسؤوليات أبي ليقرر أن يساعده محمد في‬ ‫ورشة النجارة‪ ،‬فكان العمل شاقاّ وخاصة على من في سنه لكنه لم يتذمّر قط ويبذل‬ ‫جهده من أجل إرضاء والدي‪.‬‬ ‫كانت الأيام تمضي وكلما كبرت فاطمة ازدادت قسوته على محمد‪ ،‬فبات يحاسبه‬ ‫على كل كبيرة وصغيرة‪ ،‬بل ويجبره على العمل لساعات إضافية رغم أنه يعلم بأهمية‬ ‫هذه الساعات من أجل مستقبل ابنه الأكاديمي‪ .‬أخي كان قانعّا لم يغضب أو يحزن‬ ‫وكان يصطنع الأعذار من أجل أبي‪ ،‬على الرغم من ذلك لم يدم هذا طويلّا إذ دخل‬ ‫محمد إلى المدرسة الثانوية وقرر الدخول في التخصص الذي يناسبه ولكن وقف أبي‬ ‫عائقاّ في وجه أحلامه وطموحاته‪ ،‬حاول محمد إقناع الأب المتجبر لكن لا حياة لمن‬ ‫تنادي‪ ،‬أجبره على دخول تخصص مختلف قال أبي والشرار يتطاير من عينيه‪ :‬لا‬ ‫يمكنك أن تدرس هذا المجال أنت تعلم أنك تستطيع الدخول إلى مجال أفضل أتريد‬ ‫أن يقول الناس عن ابني أنه فاشل؟ لن أسمح بذلك‪ ،‬ف ّكر في إخوتك هم‬ ‫يقتدون بك لذلك لا تخّيب آمالي بك‪.‬‬

‫حاول محمد أن يدافع عن حلمه ليتلقى حينها صفعة على خده احمر على إثرها‪ ،‬منذ‬ ‫ذلك الوقت تغيرت تصرفات محمد تماما‪ ،‬أصبح شخصاّ مختلفا‪ ،‬تلك الابتسامة التي‬ ‫كانت تزين محياه اختفت‪ ،‬حل محلها بؤس وجمود‪ ،‬أصبح جسدّا بلا روح‪.‬‬ ‫أصبح منطوياّ على نفسه‪ ،‬جلس وحيداّ وشارد الذهن أغلب الوقت‪ ،‬علاقته مع‬ ‫أبي اتسمت بالبرود وكأن لا رباط يجمع بينهما‪ ،‬لكني كنت أفهمه‪ ،‬أفهم مدى حزنه‬ ‫وألمه‪ ،‬أفهم رغبته في أن يعبر عن الذي يجول في داخله‪ ،‬كنت أقضي معه الكثير‬ ‫من الوقت وكنت أسعد عندما ترتسم الابتسامة الهادئة على وجهه وهو يلاعبني‪،‬‬ ‫كان يحدثني عن أحلامه وكل ما يتمنى تحقيق طموحه‪.‬‬ ‫في ذلك اليوم الذي لا ينسى‪ ،‬ودعني‪ ،‬وأخبرني بأنه سيذهب ليحقق حلمه في أن‬ ‫يصبح طيارا‪ ،‬تمنيت له التوفيق‪ ،‬أعطاني صندوقّا يبدو قديما‪ ،‬وطلب إلي أن‬ ‫أحتفظ به حتى الوقت المناسب وغادر‪ ،‬غادر ولم يعد قط‪ ،‬تمنيت لو أنني منعته في‬ ‫ذلك اليوم لكن لا يمكن لأحدّ الوقوف في وجه القدر‪ ،‬لقد صدمته سيارة‪ ،‬وقع الخبر‬ ‫علينا وقع الصاعقة‪ ،‬أكثرنا ألما كان والدي‪ ،‬حينها تذكرت الصندوق الذي أعطانيه‬ ‫أخرجته وناولته أبي‪ ،‬فتحه وصدم بما وجده في الداخل‪ ،‬وجد مجموعة وصايا لك ّل‬ ‫منا‪ ،‬فتحها أبي بعجالة وقرأ‪:‬‬ ‫أبي العزيز‪ ،‬أنا لم أغضب منك رغم ما فعلته‪ ،‬لم أحزن ولم أحقد عليك لكنني لم‬ ‫أستطع تجاوز ما حدث لمستقبلي‪ ،‬أتذكر هذا الصندوق يا أبي؟ بالطبع لا تذكر! أنا‬ ‫سأخبرك ‪ ...‬إن هذا الصندوق هو أول صندو ّق صنعته بنفسي معك في الورشة‪ .‬طلبي‬ ‫الأخير وأرجو أن تنفذه لي أرجوك أن تكون أكثر ليناّ مع إخوتي؛ كي لا يحدث معهم‬ ‫ما حدث معي‪ ،‬ويفقدوا ما لا يمكنهم تعويضه لاحقاّ‪.‬‬

‫أما أنا فقد كتب لي‪ :‬أختي العزيزة أياّ يكن حلمك فلا تستسلمي حتى تحققيه‪ ،‬قد‬ ‫لا تفهمين هذا الآن لكن ّك ستفهمينه لاحقّا‪.‬‬ ‫لا أظن أن هذه هي النهاية لقصتنا‪ ،‬بل هي البداية الفعلية‪ ،‬وجد أبي صعوبة‬ ‫في التأقلم مع فقدان محمد‪ ،‬الندم كان يعتصر قلبه‪ ،‬لا يمكن لأ ّي منا تقبل رحيله‬ ‫عنا بهذه السرعة‪ ،‬ولكن الحياة تستمر‪ .‬ليست كل القصص تنتهي بابتسامة‪ ،‬بل‬ ‫توجد قصص قد تنتهي بدمعةّ صادقة‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪ .1‬مواقف الطفولة لا تنسى‪ ،‬ودائما ما تكون أهم الدروس التي نتلقاها في حياتنا‪،‬‬ ‫برأيك ل َم؟‬ ‫‪ .2‬إن تراكمت المواقف في حياة الإنسان تجعل منه إنسانا آخر‪ ،‬اشرحي العبارة بحسب‬ ‫فهمك‪.‬‬ ‫‪ .3‬على الإنسان أن يسعى لما يحب‪ ،‬كيف يكون ذلك؟‬ ‫‪ .4‬كانت الصفعة هي الحدث الذي غير مسار النص بأكمله‪ ،‬اشرحي ذلك‪.‬‬ ‫‪ .5‬تطرقت القصة إلى العديد من الموضوعات برأيكّ ما هي أهمها؟ معللة رأيك‪.‬‬ ‫‪ .6‬لو كنتّ محمد‪ ،‬كيف ستكون رد فعلك تجاه موقف والدك؟‬

‫رائحةّمنظفاتّمزعجاةّتغلغلاتّفيّأنفاه‪ّ،‬أشاعةّالشامسّالمائلاةّتساللتّباينّ‬ ‫فتحاتّالتهويةّلتعكسّلمعانّالرخام‪ّ،‬صوتّخطواتّثقيلةّيهزّرباوعّالممارّالزلاقّ‬ ‫الممسوحّتوا‪ّ،‬الذيّترافقّمعّدويّفتحّالبابّبعنف‪ .‬دخلّإلىّغرفةّالصفّالدراسيّ‬ ‫بخشونة‪ّ،‬وشقّطريقهّبينّزملائهّباندفاعّحتىّوصلّإلىّمقعدهّمتجااهلاّتاذمرهمّ‬ ‫وانزعاجهم‪.‬‬ ‫أخذّيتأملّالبابّبصبرّوكأنهّينتظرّأحداّماّبنظراتّملؤهااّالحناقّوالغال‪ّ،‬حتاىّ‬ ‫خيلّليّرؤيتهّيغليّمنّداخلهّويفورّكالبركانّالهائج‪.‬‬ ‫وفيّهذهّالأثناءّدخلّفتىّبهيّالهيئةّمهندمّالمقاامّيلتافّحولاهّزمالاؤه‪ .‬أخاذّ‬ ‫صديقناّيحكّأسنانهّبقوة‪ .‬بدأتّالحصةّوهوّلاّيفقاهّمنهااّشايئا‪ّ،‬كالّمااّيجاوبّ‬ ‫بذهنهّكيفّل(عل ّي) أنّيفوقهّفيّكلّشيء‪ .‬وللحظةّكانّالشيطانّرفيقه‪ ،‬وأتتاهّ‬ ‫تلكّالفكرةّالخبيثة‪ّ،‬وياّلهاّمنّفكرة‪ّ،‬ابتسمّابتسامةّخبيثةّترعبّالناظرّلهاا‪ّ،‬لاّ‬ ‫ندريّماّتلكّالخطةّالتيّحبكها‪ّ،‬انتهىّالدوامّالمدرسي‪ّ،‬وهمّالطلابّبالانصاراف‪ّ،‬‬ ‫وصديقناّيتمايلّفرحاّبفكرتهّالتيّساورته‪ّ،‬وعادّإلىّمنزلهّمسرعاّبهمةّعاليةّليبدأّ‬ ‫بحياكتهّخطتهّالمثالية‪.‬‬

‫أغلقّبابّغرفتهّباندفاع‪ّ،‬أخرجّمخطوطاته‪ّ،‬وأخذّيرسمّتلكّالخطاةّمراعيااّأدق‬ ‫التفاصيل‪ّ،‬دونّعلىّتلكّالأوراقّتفاصيلاّمرعبة‪ّ،‬تعجزّعنّتصديقّبأنّكاتبهاّمجردّ‬ ‫تلميذّفيّالإعدادية‪ .‬انتهىّوابتسامتهّترسمّعلىّملامحّوجههّالممتلئ‪ .‬انتظرّنومّ‬ ‫جميعّأهلّدارهّليباشرّبجمعّأسلحةّجريمتاه‪ّ،‬أخاذّياداعبهاّبحناانّوهاوّيفكارّبلاذّةّ‬ ‫انتصارهّعلىّذلكّالشخصّالذيّقادّكاانّصاديقّمنافساةّمانّقبال‪ .‬وللحظاةّأعااد‬ ‫التفكير‪.‬‬ ‫تمتمّبعبارةّواضحة‪ّ،‬صديق!! أخذتّقطاراتّتنهمارّمانّعينياه‪ّ،‬أغشاتّبصارهّ‬ ‫بدموعّالندم‪ .‬منذّمتىّتحولتّمنافستهّالشريفةّإلىّغيرةّوحنق؟ّومنذّمتى تحولتّ‬ ‫الصداقةّإلىّكرهّوبغض؟ّلقدّكانّيوشكّعالىّاقتارافّفعلاةّساتغيرّمجارىّحياتاهّ‬ ‫السعيدةّإلىّالأبد‪ّ،‬عملّلنّيمكنهّمنّالعودةّإلىّالخلفّ‪ ...‬وقالّفيّنفساهّطاارداّ‬ ‫ذلكّالشيطانّالموسوس‪ :‬ابداّوتصحيحّالأمور‪ّ،‬ولتسرّمنافستكّفيّطريقهاّالسليم‪.‬‬ ‫فيّلحظاتّعادّمنّجديد‪ّ،‬عادّقبلّأنّتلوثّحياتهّوساوسّهدامة‪.‬‬

‫كثيرون من هم حولنا‪ ،‬لكن قليلون من يستطيعون وضع بصمتهم الخاصة في‬ ‫حياتنا بطريقة أو بأخرى‪ ،‬نجد أنفسنا نتغير دون أن نشعر‪ ،‬تمضي الأيام لتقرر‬ ‫مصيرنا‪ ،‬فنعترض دون جدوى‪ ،‬نبقى نتأمل بحزن ما قد فات‪ ،‬نتحسر على الأيام‬ ‫الماضية التي لن تعود‪ ،‬متناسين حقيقة أن المستقبل أمامنا والماضي خلفنا‪ ،‬عبارة‬ ‫\"يا ليت\" نسمعها أينما حللنا‪ ،‬هل هي عبارة مناسبة يا ترى؟ بكل بساطة‪ ،‬لا‪،‬‬ ‫فبالرغم من كونها عبارة قد تواسينها إلى حدّ ما لكنها لا تغير الحقيقة على الإطلاق‪،‬‬ ‫هذه قناعتي الخاصة بعد تجربةّ لا تنسى‪.‬‬ ‫عندما كنت أغرق في أحزاني‪ ،‬بعد فقداني لعائلتي في حاد ّث أليم‪ ،‬أردت مواجهة‬ ‫العالم بأسره‪ ،‬الغضب والحزن اللذان سيطرا علي بلا حدود‪ ،‬لم يحدث شيء وقتها‪ ،‬فأنا‬ ‫لم أستطع لقاءهم بعد الفراق‪ ،‬حتى هذا الغضب الذي شعرت به لم يكن سوى ّوليد‬ ‫اللحظة‪ ،‬وقد أحيل حزناّ دفينا‪ ،‬إلى أن التقيت به‪ ،‬كان طفلاّ وديعا‪ ،‬عيناه‬ ‫الصافيتان بزرقتهما كالبحر‪ ،‬وابتسامته تبعث الطمأنينة في النفوس‪ ،‬كان لقائي به‬ ‫مفتاحّا لتغيري‪ ،‬علمت لاحقّا أنه فقد عائلته مثلي فأحببت صحبته‪ ،‬شعرت بأنه أكثر‬ ‫من يفهمني‪ ،‬ولطالما تساءلت عن سر الابتسامة التي لا تفارق محياه‪ ،‬تجرأت على‬ ‫سؤاله ذات مرة فأجابني قائلّا‪ :‬علمتني أمي أن الشمس لا بد أن تشرق بعد المطر‪،‬‬ ‫وأن الليل يليه النهار‪ ،‬وهكذا أعيش منتظرّا النهار‪ ،‬أعلم أنكّ حزينة ‪ ...‬وأنا أيضا‪،‬‬ ‫لكن علي أن أبحث عن السعادة‪ .‬دقات قلوبنا نو ّع من السعادة‪ ،‬ابتسامتك نوعّ من‬ ‫السعادة‪ ،‬أخبريني ألا تشعرين بالسعادة عندما يبتسم لكّ أحدهم ويسألكّ عن أحوالك؟‬ ‫حتى بعد رحيلي ستجدين السعادة في ذكرياتنا الدافئة‪.‬‬

‫لم يمضّ وقتّ طويل حتى رحل هو الآخر‪ ،‬لم أستطع أن أقول له وداعا؛ لأني على‬ ‫يقين من أنه يعيش سعيدّا في مكانّ ما من هذا العالم‪ ،‬علمني كيف أعيش كيف‬ ‫أكون إنسانا‪ ،‬أعطي السعادة لكل من حولي‪ ،‬فلا تكون الحياة حياةّ دون حزنّ يطلب‬ ‫السعادة‪ ،‬ومن دون ألم يطلب الأمل‪ ،‬ومن دون شر يطلب الخير‪ ،‬هذه هي الحياة‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪ .1‬كيف يستطيع الإنسان التغلب على حزنه؟‬ ‫‪ .2‬هل يمكن فعلا للحزن أن يغير الإنسان؟ كيف يكون ذلك؟‬ ‫‪ .3‬المسلم مطالب بالصبر عند المصائب‪ ،‬اذكري آية قرآنية أو حديث شريف يدل على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫‪ .4‬بم تنصحين من يغرق في أحزانه الماضية‪ ،‬ولا يلتفت إلى مستقبله؟‬ ‫‪( .5‬السعادة متجذرة في كل شيء حولنا)‬ ‫ما رأيك في العبارة السابقة؟ وضحي رأيك بالتفصيل‪.‬‬

‫اعتدتّ في ك ّل يوم أن أفتح الستار؛ لأرى وجه الصباح المشرق‪ ،‬لأرى خيوط‬ ‫الشمس وهي تتسلل إلى غرفتي منيرة عتمة الليل المظلم‪ ،‬وأيضا لكي ّتني َّر عتمة‬ ‫قلبي الذي تفتت من الحزن نتيجة تشردي عن موطني بسبب حاد ّث انفجار مفاعل‬ ‫تشيرنوبل النووي عام ‪ 1986‬ووفاةّ أبي بعد تلك الحادثة بعامّ واحد‪ ،‬تلك الحاّدثة‬ ‫التي تركت خلفها الآلاف م َنّ المشردين عن بيوتهم ومنازلهم‪ ،‬هي نفسها التي‬ ‫شردتنا عن منزلنا ولم نعد له حتى يومنا هذا‪ ،‬لقد كانت من أسوأ أيام عمري أن‬ ‫أعي َ ّش في مكا ّن َغي َّر مكاني‪.‬‬ ‫بدأَت قصتي في السادسّ والعشرين من أبريل عام ‪1986‬عندما أخبرونا أننا سننتقل‬ ‫من منزلنا بسبب اليورانيوم المنتشر في أرجاء المدينة نتيجة الانفجار‪ ،‬لم يكن أحد‬ ‫مصدقا ماذا يحصل! وكيف سنترك البلدة جميعنا في ساعةّ واحدة! اختفى أصحاب‬ ‫المدينة في لحظةّ واحدة تاركي َنّ خلفهم ل َعب الأطفال والملابس وكلّ شيء ‪ ...‬كما‬ ‫في المسلسلا ّت تماما ‪ ...‬هذا ما حدث لنا يومها‪ ،‬حيثّ انتشر الخبر أننا سنعود لمنازلنا‬ ‫بعد أسبوعي ّن م َّن الآن‪ ،‬إذ سأعودّ لمنزلي مجددا وهذا يعني أن الخطر ليس كبير‪.‬‬ ‫بعد أسبوعين من الحدث تبين أن الخطر الذي حلّ بالمنطقة قد دمرها بأكملها‪،‬‬ ‫فقد انتشر اليورانيوم في أرجاء المدينة وأصبح ك ّل جزءّ منها أخطر من الجزء الآخر‪،‬‬ ‫تمزقّ قلبي لذلك ووددت لو أن الأرض أخذتني قبل أن أخر َجّ لحظةّ واحدة ّمن دو ّن‬ ‫كتاباتي وقلمي وورقتي‪ ،‬لكنّ تمز ّق قلبي‪ ،‬كان أشّد سوءا عندما علمتّ أن تلك الأرض‬ ‫التي احتضنتني منذ الصغر لن أعو َّد لها أبدا‪.‬‬

‫أنكّر أنني صرختّ من أعما ّق قلبي وتألمت لفقد وطني وفق ّد أوراقي‪ ،‬فقد كانوا‬ ‫من أجمل الأشياء التي أحمد الله عليها وأشكره‪ ،‬فنع َّم الر ّب الرحيم! ظلل ّت أياما على‬ ‫هذا الحال من نياحّ وبكاء‪ ،‬أخذتني أمي في حضنها الدافئ‪ ،‬أما جدي فشجنه يزداد‬ ‫كلما يراني أبكي‪ ،‬كان يمس ّح على رأسي‪ ،‬كما يمس ّح على رأس اليتامى الذين يعيشون‬ ‫بجوارنا‪ ،‬ولم أعلم أنني سأعي ّش بعدها مثلهم يتيم ّة‪.‬‬ ‫كان يوما حزينا‪ ،‬لقد تعثر فيه قلبي وعقلي معا‪ ،‬لقد ما َتّ جس ّد أبي‪ ،‬ما َتّ وخلف‬ ‫مواق َ ّف الأيام تحل ّق في َكبدّ السماء‪ ،‬أتذكّر ذلك اليوم جيدا عندما كن ّت منغم َسةّ في‬ ‫كتاب ّة بعضّ م َنّ الحرو ّف المبعثرة ‪ ...‬بعدما ودعتّ والدي عند ذهابه للعمل في‬ ‫الصباح الباكر‪ ،‬ودعتهّ وقبل ّت رأسه مع ابتسامةّ سبقها حض ّن دافئ ّيزي ّل ثقل الهموم‪،‬‬ ‫لم أكن أتخيل أن الشخص الذي ودعتهّ في الصباح هو نفس ّه الشخص الذّي دفن في‬ ‫المساء‪ ،‬الفرق بينهما أنني في الصباح ودعت ّه وأنا مطمئنة بأنه سيعود‪ ،‬وفي المساء‬ ‫ودعتهّ وأنا غير متقبلة لفكرة أنه أبدا لن يعود‪ ،‬أصبحت بعدها كالذي يعيش تحت‬ ‫خيمةّ لا عمو َّد لها‪ ،‬ويمشي أينما تديرّه الحياة‪ ،‬لا يعر ّف هدفا ل ّه ولا مسار‪ ،‬أصبحتّ‬ ‫أتخيله وه َوّ يحدثني عند حزني راجيا مني الابتسامة‪ ،‬أتذكر أمي وهي تجري باك َيةّ لا‬ ‫تطيقّ لقاء أحد‪ ،‬أتذكّر لحظ َةّ انكسارّ أمي بعدما كانت ممس َكةّ بسماعةّ الهاتف‬ ‫تنتظر صوت حبها الوحيد‪ ...‬أبي‪ ،‬إلا أن الحياة وجهت ضربتها القاسية لقلبها‪ ،‬فلم‬ ‫تعد تحتمل سماع الخبر \" إن والدي قد توف َّي \" سقطت وأسقطت قلبي معها‬ ‫وسقطت أهدافي وأحلامي وطموحاتي‪.‬‬ ‫بعد عامّ واحد من الحزن والشجن ‪ ...‬وإذ بصوت يهم ّس في أذني قائلا‪\" :‬ألن‬ ‫تنهضي مثلما نهض والدك؟ ألن تواصلي بعزم وتفخري به؟ أين تلك الطفلة التي‬ ‫تكتب؟ أين الأقلام التي ترسم والحرو ّف التي ت َخط؟ إن كانت بك إرادة فقويها‪ ،‬وإن‬ ‫كانت ل ّك عزيمة َفخطي السير للوصول إليها‪ ،‬سأنتظرك عند القمة\"‪.‬‬

‫أحسستّ حينها بقوة غريبة‪ ،‬يجب أن أنهض‪ ،‬أقاوم‪ ،‬أحاول‪ ،‬مثلما حا َول أبي‪ ،‬أن‬ ‫أكم َّل الطريق‪ ،‬لكي أص َلّ إلى القمة‪ .‬هكذا تعلمت‪.‬‬ ‫هو يو ّم جديد‪ ،‬نجدد مسارنا ونبحث عن فرص قادمة بكل ح ّب وشغف‪ ،‬نرمّم ما‬ ‫تهدم‪ ،‬ونبني من جديد‪.‬‬ ‫وها قد مرت سنوا ّت عدة‪ ،‬ونشر ّت كتابي الأول‪ ،‬ولم أفقد ثقتي بربي‪ ،‬فهو الذي‬ ‫عوضني بأمي التي أصبحت أختا وأخا وأبا بديلاّ‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪ .1‬كيف أثر انفجار مفاعل تشيرنوبل في حياة الأسرة؟‬ ‫‪ .2‬للحروب آثار خطيرة في حياة الشعوب‪ ،‬وضحي ذلك‪.‬‬ ‫‪ .3‬ما رأيك في تصرف بطلة القصة بعد عام من الحزن؟‬ ‫‪ .4‬لو كنت صديقة لبطلة القصة ‪ ...‬كيف ستساعدينها لتخطي محنتها؟‬ ‫‪ .5‬الأمن والاستقرار من نعم الله علينا في وطننا الحبيب‪.‬‬ ‫ما الجهود التي بذلتها مملكة البحرين لتوفير الأمن والأمان لقاطنيها؟‬

‫يا أيها المعلم‪ ،‬يا من بنيت أجيالا‪ ،‬أكلمة شكرا تكفي!؟ لا وألف لا‪ ،‬فأن َّت نسم ّة‬ ‫الربي ّع التي تهبّ للعقول فتزهرّ علما نافعا‪ ،‬أن َتّ من تغنى ب َكّ الشّعراء‪ ،‬و َكتب عنك‬ ‫الكتاب‪ ،‬ولا ننسى ذكر مهنت َّك في كتاب الله‪ .‬مهنتك مهنة الرسل الكرام‪ ،‬فلولاك لما‬ ‫استطعنا أ ّن نحق َقّ شيئا‪ ،‬فأن َتّ صاح ّب أرقى وأسمى مهنة‪ ،‬أن َّت الأملّ لتحقق أ َمتنا‬ ‫التقدم والتطور‪ ،‬ومهما قل ّت من كلمات لن أوفيك أبدا حق َّك‪.‬‬ ‫المعلم هو صانع الأجيال‪ ،‬فلولا وجوده لما كان للعلم والمعرف ّة قيمة‪ ،‬هو صاحب‬ ‫الفضل الأكبر في تقدم الأمم وبلوغها قمة العلم في الاكتشافات والاختراعات‪ ،‬هو من‬ ‫علمنا حمل القلم الذي نكتب به‪ ،‬وكيف نقرأ أحرفا وكلمات‪ ،‬هو أساس كل المهن‪،‬‬ ‫فلولاه لما أصبح الطبيب طبيبا ينقذ أرواح الناس‪ ،‬ولا أصبح المهندسّ مهندسا‬ ‫يعمل ويبني ويعمر‪ ،‬ولا أصبح العالم عالما يكتشف ويخترع كل ما هو جديد‪ ،‬هو‬ ‫الذي بفضل ّه وصلنا لهذه المحطة‪ .‬إن المعلم من أكثر الناس عطاء‪ ،‬فمهنته لا‬ ‫تقتصر على كونها فقط مهنةّ عادية‪ ،‬بل إنها بناء للعقول‪ ،‬وتشجيع للنفوس‪ ،‬يخرجنا‬ ‫من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة‪ ،‬يزرعّ فينا أسرار التميز والإبداع ويفرح‬ ‫بقطافها‪ ،‬فعلى يد المعلم تتربى الأجيال‪.‬‬ ‫هو المربي والحريص على توجيه طلابه إلى الصواب‪ ،‬وهو القدوة‪ ،‬لذا يحتفي به‬ ‫العالم سنويا في الخامس من أكتوبر‪.‬‬ ‫ياّصانعّالأجيال‪ّ،‬بكّترتقيّأمتنا‪ّ،‬لكّمناّكلّالتقديرّوالامتنان‪.‬‬

‫لازلت أتذكر ذلك ال َمن َظر الذي مازا َلّ عالقا في ذهني ‪ ...‬الساعةّ تجّر عقاربها بتثاق ّل‬ ‫نحو الخامسةّ صباحا‪ ،‬الريا ّح تداع ّب خصلا ّت من شعري‪ ،‬وترقص معها‪ ،‬الغيومّ‬ ‫تتداعى لبعضها البعض لتكو َّن غزلّا من الصوف الكثيف‪.‬‬ ‫إنه خيطّ النهار الذي ينس ّج الأمل‪ ،‬ويظهر الشم َ ّس وهي تمشي على استحياء‬ ‫وخجل‪ ،‬تفجرّ الظلام الدامس ل َتب َع َثّ الأمل‪ ،‬وتنهي الألم ‪ ...‬مرحبةّ بعرشها المخلد؛‬ ‫لترسم في السماء زر َقة‪ ،‬تضي ّء الكون بأكمله‪ ،‬وترسم البهجة على كل من ابتسم في‬ ‫وجه الصباح‪ ،‬أما تلك الجبال مسلمةّ أمرها لضوء الأمل القادم‪ ،‬وهو يغطي هيبة‬ ‫الأولى ‪ ...‬ليرش َّق الأرض بأكملها‪ ،‬فيأتي بعده الطبق الذهبي ‪ ...‬وأعني بذلك تلك‬ ‫الشمس الساطعة التي تعطي الأشجار لونها الطبيعي‪ ،‬وت َلأل ّئ النه َّر بسحرها وجمالها‬ ‫تطيلّ العصافير زقزقتها ويترن ّم البلب ّل في وسط َدلعّ الصباح‪ ،‬وتقوم ال ُّزهوّر َخجلَةّ‬ ‫والأشجار طائعة‪ ،‬لأنه قد أشرق الكون بعد شروق الشمس التي تبعث البه َجّة والأمل‬ ‫لقل ّب َمن يراها‪ ،‬فينتثّر عب َقّ الزهور ليملأ روحنا بالحيوي ّة والنشاط‪ ،‬والإحسا ّس‬ ‫بالسعادة والفرح‪ ،‬ك ُّّل ذلك يعطينا انطباعا جميلا عن الشروق‪ ،‬كما أنه مخل ّص ووفي‪،‬‬ ‫لا ينكثّ الوع َدّ أبدا‪ ،‬فالشمس في كلّ صباح تشر ّق على ك ّل الشكوك‪ ،‬بعد طو ّل‬ ‫انتظار من الظلا ّم والديجور‪ ،‬فيعلمنا أنّ لك ّل بداي ّة نهاية‪ ،‬وكلّ نهاي ّة مقترنةّ‬ ‫ببداية‪ ،‬وك ّل بداية محفزةّ وملهمة‪.‬‬

‫إنه لأمّر مخيف أن تكو َنّ في مكانّ لا تعرفه ولا تعرف ما يحتاج‪ ،‬ولكن بالمقابل‬ ‫تجد ك ّل ما تحتاجه فيه‪ .‬طردتّ تلك الفكرة وبدأ ّت أفكر بطريقة منطقية مع الجميع‬ ‫حتى قا َّل أحدّ أفراد الفريق‪\" :‬لا حلّ سوى الاستعداد واستخدام القوارب الكثيرة‬ ‫للوصول إلى الجزيرة\"‪.‬‬ ‫غضبتّ من تصرفه هذا وأجبته‪\" :‬صحيحّ أن المياه راكدة ولا أثر لأيّ عاصفة ولكن‬ ‫المسافةّ غير معروفة! وكم من المؤونة سنحم ّل معنا وكم من الماء؟! يج ّب علينا‬ ‫التخطيط‪ ،‬فهو الحل\"‪.‬‬ ‫أجابني ضاحكا‪\" :‬الاتجا ّه معروف‪ ،‬وعلينا أن نراقب الشمس من دون طعام\"‬ ‫فأجبته‪\" :‬لكننا سنواجه المجهول‪ ،‬فالعالم مليء بالمكائد يا صديقي؛ فحتى‬ ‫الخريطة ربما تكونّ مكيدة‪ .‬يجبّ علينا الانتظار حتى حلول الظلام لتحديد وجهتنا‬ ‫وموقعنا تحديدا دقيقا حتى لا نتعثر‪ .‬الحذر مطلوب هنا‪ ،‬وقد نكو ّن في امتحان‬ ‫حقيقي والزم ّن أمامنا محدود‪ .‬إذا تصرفنا بطي ّش فلن نحقق هدفنا أبدا\"‪.‬‬ ‫سك َّت الجميع وكا َّن لصو ّت المو ّج مكانا بيننا‪ .‬عندها فقط اقتر َحّ أحدّ الأفراد‬ ‫باختيار قائدّ لنا‪ ،‬فالمشكلا ّت لا ت َحل إلا بالتنظيم الذي يتولاهّ القائد‪ .‬اخترنا جميعا!‬ ‫محمد ليكون القائد‪ ،‬وتكون مساع َدت ّه ابنت ّه فاطمة التي ه َيّ أنا‪ .‬بدأ أبي (القائد)‬ ‫بالبحث عن شيءّ آخر يدلنا على حلّ حتى وجد كتابا! ماذا؟ ك َتاب؟ ومن الذي سيتفر ّغ‬ ‫للقراءة في وقتّ عصي ّب كهذا؟!‬ ‫لكنه في الحقيقة لي َ ّس بكتابّ عاديّ‪ ،‬بل سج ّل السفينةّ الضخمة التي وجدناها‬ ‫عندما كنا نستكش ّف المكان الغامض والمثير‪.‬‬

‫تصفحتهّ وأنا واقفة بجانبّ أبي حتى قال للجميع‪\" :‬إنه سج ّل السفينة‪ .‬توقفت في‬ ‫زمن الحرب لتكو َنّ حصنا دفاع ًّيا‪ .‬إنّ هذا السجل كتبه قائد السفينة آنذاك‪ ،‬حيثّ‬ ‫كتب فيه‪ \":‬في الرابع من تموز كان هناك تشويشا في الإرسال‪ ،‬وعندما ظهرت الإشارة‬ ‫بدأنا نستعد للانسحاب‪ .‬ستترك فرقتنا الدفاعية حصنها صباح الغد عند الفجر لنخلي‬ ‫المكان وغدا عند الغروب ستكون الإشارة لضرب المكان‪ .‬يحدث هذا كل عشر سن ّوات‬ ‫تماما\"‪.‬‬ ‫ماذا؟ ك ّل عشر سنوا ّت تماما؟ إذا نحنّ في ورطة!‬ ‫بدأت الطيور تشعر بالخوف وتوتر الجميع منذ أن تغيرت زاوية الشمس‪ .‬فهذا يدلّ‬ ‫على إعصارّ قريب‪ .‬اختلاف الضغط الجوي مع سرعة ارتفاع المدّ! إنها ظاهرةّ فلكية‬ ‫تحدث كل عشر سنوات وبعدها تختفي تماما‪.‬‬ ‫‪ -‬سنكونّ في حاجة إلى سفينة قوية نحن لا نملكها‪.‬‬ ‫‪ -‬ماذا عن تلك السفينة التي وجدنا بها السجل والخريطة والبوصلات والذّخائر؟‬ ‫‪ -‬ما هذه إلا كتلة حديدية تجتمع حولها الصخور!‬ ‫‪ -‬قد نفلح في تحريكها! دعونا نحررها من الصخور التي تعترض طريقها‪.‬‬ ‫‪ -‬وكيف تعمل؟‬ ‫‪ -‬إنها تعمل بالأسلوب التقليدي‪.‬‬ ‫‪ -‬القائد‪ :‬إذا‪ ،‬خطوتنا الأولى هي تحرير السفينة من الصخور‪.‬‬ ‫‪ -‬هناك كتلةّ صخرية في المقدمة وقد لا نملك القدر الكافي من البارود لتحطيمها!‬ ‫‪ -‬سنستخدم المدافع لتجاوزها باستخدام الذخيرة الكافية‪.‬‬ ‫‪ -‬إنّ استخدام المدافع سيساعد من إحداث شقّ بالسفينة‪ ،‬كما أنه سيفتت الصخور‪،‬‬ ‫وتدفق جزء من الماء سيدفعها للتحرك أيضا‪.‬‬

‫القائد‪ :‬الأعشاب تقيد المراوح‪ .‬نحتاجّ أحدا يجيد الغطس؛ لتقطيعها‪.‬‬ ‫أحدهم‪ :‬وجدتّ لباسا للغطس في نفس السفينة‪ ،‬سأتولى المهمة‪.‬‬ ‫‪ -‬القائد‪ :‬لقد بدأنا بتجاوز المشكلة ولكن الأهم أن لا نتجاوز الوقت‪ ،‬فنجاحنا‬ ‫مرهو ّن بقوتنا وشجاعتنا مع عدم هدر الوقت‪.‬‬ ‫‪ -‬أيها القائد‪ :‬إن المحرك بخاري‪ ،‬فهل نملك الوقود الكافي؟‬ ‫‪ -‬محمد (القائد)‪ :‬فلنكن أكثر تفاؤلّا‪.‬‬ ‫بدأ الجميع بالعمل في حين كانت الزوبعة تقترب والإعصار ينذّر بالخطر‪ .‬تمكنتّ‬ ‫من معرفة ساعة وصولها إلينا بتقدير سرعة الرياح؛ فقد كانت ‪ 2٠٠‬متر في الدقيقة‪.‬‬ ‫صحي ّح أنها سريعة ولكن إن تعاوّنا سننجح‪ .‬هيأتّ المراجل لضغط البخار الضروري‬ ‫وتوجهتّ لتشغيل ّه حالاّ‪ .‬خشي ّت أن أخفق في تأمين الضغط الكافي ّوأتعرض لموقفّ‬ ‫محرج جدا أمام الفريق‪ .‬فأنا هنا‪ ،‬المسؤول الوحيد لتحريك السفينة‪ .‬كانت المهمة‬ ‫صعبة ولكن َسهلَت وتمت عندما مسكت ب َيد الأمل‪ .‬أجل‪ ،‬فالصدي ّق وقتّ الضيق‪.‬‬ ‫مسكت يدي صديقتي وجعلتني أشعر بالأمان والتفاؤل حتى استطعت تأمين‬ ‫الوقود الكافي لتشغيل المحرك لنستطيع التواصل مع العالم الخارجي‪.‬‬ ‫في نهايةّ الأمر‪ ،‬حطمنا الصخور التي تعترض السفينة‪ ،‬وشغلنا المحّرك‪ ،‬وتفقدنا‬ ‫الأضرار وجمعنا الذخائر‪ .‬لقد وصلنا إلى جزيرة الأمل بغرز الأمل فينا والعمل بروح‬ ‫الجماعة للوصول بسلام‪ .‬تلك هي قصتنا التي لطالما تذكرتها أينما ذهبت‪ .‬فالتعاون‬ ‫أساسّ نجاح الفريق‪ .‬وإن تصرفنا بطيش؛ لن نصل لوجهتنا أبدا‪ .‬ه َّي ذي حكايتي‬ ‫التي عشتها ولن أنساها‪.‬‬

‫دوام الحال من المحال‪ ،‬هذا مؤكد‪ ،‬من أنا؟ هذا سؤا ّل لم أتمكن من الإجابة عليه‬ ‫حتى الآن‪ ،‬لماذا؟ ببساطة‪ ،‬لأنني تغيرت‪ ،‬وسأبقى أتغير بمرور الوقت‪ ،‬فمع كل يوم‪،‬‬ ‫ومع كل لحظ ّة مفصلي ّة في حياتي‪ ،‬يتحرك شي ّء ما‪ ،‬هناك‪ ،‬في داخلي‪ ،‬الكثير من‬ ‫الناس لا يحبذون مقارنة أنفسهم بالأمس الماضي‪ ،‬ولكني على عكسهم‪ ،‬فمع كل‬ ‫فرصةّ تتاح‪ ،‬أجدني أقارن بين الأمس واليوم؛ لألمس ذلك التغيير الذي طرأ علي‪ ،‬لا‬ ‫أنكر ولا أتجاهل حقيقة أن جميع التغيرات لا تكون للأفضل‪ ،‬لكن ما أعلمه بأني‬ ‫مهما حدث معي لن أربط التغيرات التي تحدث بفترّة ما أو بأح ّد معين‪ ،‬ليس لعدم‬ ‫إيماني بهذه العوامل في التغيير‪ ،‬وإنما لإدراكي العميق بأننا نتغير مع كل لحظة‪،‬‬ ‫فتغم َ ّض عينيك وأنت مطمئن بأن الذي أمامك يرتدي الخير والحب‪ ،‬ومع هذا تصدم‬ ‫حين تجد هذا الرداء مختلف حالما تفتح عينيك‪ ،‬هكذا تدور عجلة الحياة‪ ،‬لا يسعنا‬ ‫إلا مواكبتها‪ ،‬كيف كنت قبل فترة‪ ،‬وكيف أصبحت الآن‪ ،‬هذا ما لم أعرفه بعد‪ ،‬وكلي‬ ‫ثق ّة بأن الأيام ستتكفل بالإجابة‪ .‬بعض التغييرات لا يمكن ملاحظتها حتى من‬ ‫صاحبها‪ ،‬هل لأنه يجهلها؟ ربما‪ ،‬أم لأنه يخدع نفسه بعد حدوثها؟ هذا جائّز كذلك‪ ،‬لا‬ ‫أعتبر نفسي الشخص المجرب الذي جّرب كل شيء‪ ،‬ولا أعتبر نفسي الخبير الذي خبر‬ ‫وبصر كل ما حوله‪ ،‬بل أنا فقط مجرد إنسان‪ ،‬يستمر في العيش‪ ،‬غير طامعّ بالكثير لا‬ ‫بالتجربة ولا بالخبرة‪ ،‬كل ما يتمناه ويرجوه أن يعيش في سلام‪ ،‬محاطاّ بكل من‬ ‫يحبهم‪ ،‬الآن‪ ،‬لا يسعني أن أقول أنا‪ ،‬أتحرق شوقّا لليوم الذي أقول فيه هذا أنا بحق‪،‬‬ ‫وكلي أملّ بأن أقولها وكلي رضا وقناعة‪.‬‬

‫العمل أساس تقدم ونهضة الشعوب والأمم وازدهارها‪ ،‬وهو من الأولويات التي‬ ‫اهتم بها ديننا الحنيف‪ ،‬وخير بداية لنا في صدد هذا الموضوع قول رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪( :‬لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيّر له من أن يسأل أحدا‬ ‫فيعطيه أو يمنعه) ولدينا مثل شعبي يتردد دائما على مسامعنا \"غبار العمل ولا‬ ‫زعفران البطالة\"‪ ،‬أي يعني ‪ ...‬أن تكسب رزقك ورزق عائلتك بتعبك وجهدك أفضل‬ ‫بكثير من طلب الحاجة من الغير‪ ،‬فالعمل يساعد الفرد على نمو الدخل بشكل مستمر‬ ‫مما يساهم هذا في تحقيق الاستقرار المادي والنفسي وتوفير حياة كريمة‪ ،‬إذ يتمكن‬ ‫كل شخ ّص من الحصول على دخل مناسب له مقابل عمله‪ ،‬كما أن العمل يساهم في‬ ‫تقليل معدلات الجرائم في المجتمع عن طريق التهذيب الأخلاقي لأفراد المجتمع‪،‬‬ ‫حيث يجعلهم بعيدين عن التصرفات الخاطئة التي يعاقب عليها القانون‪ ،‬فالعمل‬ ‫يب ّث روح الحيوية والحماس في نفس الفرد ويطور من شخصيته ويساعده على‬ ‫اكتشاف مواهبه واكتساب خبرات جديدة وتطويرها‪ ،‬ويجعل منه شخصا طموحا‬ ‫يعمل بج ّد من أجل تحقيق ذاته‪ ،‬يستيقظ في كل يوم وهو يملك هدفا معينا‪،‬‬ ‫سيبذل قصارى جهده ليصل إليه‪.‬‬ ‫يجب على الفرد أن يسعى ويعمل‪ ،‬ففي العمل رسالة الأحياء‪ ،‬والعاطلون موتى‪،‬‬ ‫هل رأيت مسبقا شخصا عاطلّا عن العمل يحظى بحياة كريمة؟ بالطبع لا‪ ،‬إ ّن العمل‬ ‫خير ما يقوم به الفرد لنفسه ولمجتمعه لأنه سيحقق له قيمة عالية في المجتمع كما‬ ‫أنه يبني مجتمعا حضاريا يتصف بالرقي مبتعدا عن شتى مظاهر البطالة والفقر‪.‬‬

‫لَي َ ّس عارّ بأنّ يقا َلّ فقيرّّ إنماّالعارّفيّالذناااوبّتساااااااير‬ ‫ازرعّالخي َرّفيّطهارةّنفسّّّأ ُّيّزرعّحياااااانماّتنموّالباذور!‬ ‫لاّتقللّمنّفعلّخيرّسويّّّّربّفعلّعن َدّالإلهّكباااااايرّ‬ ‫اسعدّالمسكي َنّبكسرةّخبزّّّّّّّفاااااابهاّيأتي َكّخيرّوفاااايرّ‬ ‫وارحمّالمحاااتا َجّببضعّنقودّّّّّّّّكنّلهّفيّالدهرّعونّنصيّر‬ ‫وانظرّالكاهلّقدّخارتّقواهّّّضا َقّمنهّالدربّبلّوالمسيرّ‬ ‫وارسمّالبسم َةّفيّطفلّبريءّّّّّّّبسمةّقدّفا َحّمنهاّالعبيرّ‬ ‫وإلاىّاليتمّفار َحمهّوارفقّّّّّّّّكاااانّلهّكالأب‪ّ،‬فالفقدّمريّر‬ ‫وإلااىّالجارّكنّلهّنصيراّّّّّّّّفلاقدّأوصىّبهّالر ُّبّالنذيرّ‬ ‫ك ُّلّفعلّيحملّالخيرّفاصنعّّّّّّّّّإنماّالإسلامّبالخيرّبصيّر‬ ‫عاماااالّالناسّبعدلّسويّّّّّّّهكذاّعل َمناّالر ُّبّالقديااارّ‬ ‫لاّت َفرقّمنّأجلّعرقّولونّّّّالغاااان ُّيّواليااااتيمّوالفاااااااقيّر‬ ‫ارشااااادّالنا َسّإلىّنيلّالتقىّّّّّفبهّكلّالدناااااااااّتستنيرّ‬ ‫واجعاااااالّالدي َنّنهجاّتوعوياّّّدينّحقّوإلىّالعدلّيشيرّ‬ ‫اس َعّللخيرّوالعدلّمستبشراّّّّسو َفّتبقىّفيّكلّخيرّأميرّ‬ ‫دينناّالس َمحّللخيراتّيبقىّّّّّّنبعهّالعدلّوالتقىّوالتطويرّ‬ ‫ها َكّشعريّعربونّحبّوفيّّّربماّقدّنابتّحروفيّتقصيّر‬ ‫َبي َدّأنّقلبيّيصوغّحروفاّّّّّخيرهاّعدل‪ّ،‬حفاوةّّوتطهيّر‬ ‫دينناّنعمةّالإلهّإليناّّّّّّّفاجعلّالنعم َةّأن َتّبهاّجديرّ‬

‫في منتصف القرن العشرين‪ ،‬كانت قد جاوزت الأربعين‪ ،‬وقد أخذ الموت من تحبهم‬ ‫خلال سنين‪ ،‬لم يغب عن سمعها ذاك الصوت الحزين‪ ،‬طفلّ احتجز بين الركام‪،‬‬ ‫انتشلته بشجاعة وطمأنته قائلة‪ :‬كل شيء سيكون على ما يرام‪ .‬هذه كانت ذّكرى‬ ‫لما قبل السلام‪ ،‬خلال الحرب التي خلفت الآلام‪ ،‬لم تكن تعرفه‪ ،‬لكنها علمت بأنها‬ ‫موجودة لتنقذه‪ ،‬بعد إنقاذها إياه‪ ،‬وبعد أن عادت له قواه‪ ،‬أخبرها بأن اسمه هتان‪،‬‬ ‫وقد علمت منه أن عائلته رحلت أثناء النيران‪ ،‬رحلت ولن تعود مهما كان‪ ،‬فاحتضنته‬ ‫ووعدته بأنها ستكون الأم والأب والعائلة في آن واحد‪ ،‬يومها شعر بالأمان‪ ،‬الذي كان‬ ‫قد عاقبه بالهجران‪.‬‬ ‫أما هي‪ ،‬فقد كانت كالتائه الذي وجد الطريق‪ ،‬بعد أن غاب صاحب القلب الرقيق‪،‬‬ ‫فقدت العائلة والسند والصديق‪ ،‬كان الموت والحياة في قاموسها سيان‪ ،‬حتى لاح في‬ ‫حياتها البريق المسمى هتان‪ ،‬ورغم كل ما حملته من أحزان‪ ،‬إلا أن الكفاح كان لها‬ ‫عنوان‪ ،‬صحبته معها إلى الأوطان‪ ،‬وباتا من بعضهما قريبان‪ ،‬يعاملها بحب وتعامله‬ ‫بحنان‪ ،‬لطالما تنزها معّا حيث يعيشان‪ ،‬وفي يو ّم اختفى وما بان‪ ،‬كان قد حل‬ ‫المساء‪ ،‬بحثت عنه دونما هوادة في الأرجاء‪ ،‬وبعد مدة أصابها الإعياء‪ ،‬تمنت أن لا‬ ‫يكون قد غادر عالم الأحياء‪ ،‬رفعت رأسها وطلبت من خالق السماء‪ ،‬وتضرعت إليه‬ ‫بالدعاء‪ ،‬وفي تلك الأثناء‪ ،‬سمعت صوته الرنان‪ ،‬وبرؤيته أطلقت لدموعها العنان‪،‬‬ ‫وأخذته سريعّا في الأحضان‪.‬‬

‫بسعادة راحت تعلمه الكتابة‪ ،‬رغم الجو المشحون بالكآبة‪ ،‬وقد عملت في كثير من‬ ‫الأعمال‪ ،‬إلا أن ابتسامته وهو في الاستقبال‪ ،‬جعلها تبتسم في كل الأحوال‪ ،‬سريعاّ ما‬ ‫ضعف جسدها وأصابها الهزال‪ ،‬على ملامحه ارتسمت علامات السؤال‪ ،‬فتجيبه بصد ّق‪:‬‬ ‫هذا في سبيل المنال‪ .‬حتى جاء ذلك اليوم‪ ،‬إذ أرهقت وسلبت قواها‪ ،‬فعادت إلى‬ ‫المنزل دون رضاها‪ ،‬فراح يحدثها بفخرّ عن مناها‪ ،‬واستسلمت لواقعّ أساها‪ ،‬حدثته‬ ‫بحزن عن شقيقها‪ ،‬كيف أنه كان حياتها وملجأها‪ ،‬ودون سابق إنذار تركها‪ ،‬وكررت‬ ‫على مسامعه كم تعتبره ابنها‪ ،‬وأنها بفضله تجاوزت ألمها‪ ،‬وبهدوء عانقته فبادلها‪،‬‬ ‫هي كانت قد وجهت لنفسها صفعة‪ ،‬حين تحدثت عن حلمها بدمعة‪ ،‬قالت له‪ :‬كم أوّد‬ ‫أن أكون شمعة‪ .‬هو لم يفهم ما ترمي إليه‪ ،‬فأجابها بابتسامة مصطنعة‪ ،‬وفجأة‬ ‫باتت عن الحديث ممتنعة‪ ،‬وبالهدوء الذي قد حل منتفعة‪.‬‬ ‫بعد أيام كانت للعمل قد عادت‪ ،‬وكان من الواضح أن الحمى قد زالت‪ ،‬أو لنقل أنها‬ ‫لم تعد كما كانت‪ ،‬فقد بات واضحاّ أن حيويتها قد زادت‪ ،‬عملت في بيع الملابس‬ ‫وتنسيق الزهور‪ ،‬دائمّا ما أسعدها ضحك الأطفال والحبور‪ ،‬كانت تعيش من أجل عدة‬ ‫أمور‪ ،‬من أجل وصية شقيقها الفخور‪ ،‬وهتانها الذي يدخل إلى قلبها السرور‪ ،‬بدأت‬ ‫بتعليمه كيفية غرس مختلف البذور‪ ،‬كررت على مسامعه بأنها ستنبت نوعاّ محبباّ من‬ ‫الزهور‪ ،‬عيناها كانتا تشعان بالنور‪ ،‬أخيراّ انتهت الحرب التي خلفت نوعّا من الفتور‪،‬‬ ‫في قلب كل من عاشها وكأنها كانت دهور‪.‬‬ ‫سرعان ما مضت السنون‪ ،‬لم تتوقف أن تكون خلالها الأم الحنون‪ ،‬لطالما أحب‬ ‫رائحة الزيزفون‪ ،‬التي تفوح من شعرها‪ ،‬وقد أحبا معّا العزف على آلة القانون‪ ،‬كانا‬ ‫يعيشان بسعادة غامرة‪ ،‬حياتهما بالهناء عامرة‪ ،‬وأحياناّ تتسم بالمشاكل النادرة‪،‬‬ ‫لكنها على حلها قادرة‪ ،‬في كل مرة تخرج منتصرة‪ ،‬كانت كما لو أنها أميرة‪ ،‬في كل مرة‬ ‫يسقط كانت تحفزه بابتسامة صغيرة‪ ،،‬أما حين يشعر بالحيرة‪،‬‬

‫تعينه بتجاربها الكثيرة‪ ،‬ولجعله يبتسم تكون لملامح الطفولة مستعيرة‪ ،‬بفضل‬ ‫وجودها تعلم النوم بعيو ّن قريرة‪ ،‬لم تنفك تكرر على مسامعه‪ :‬كم الحياة قصيرة‬ ‫وفي عينيها نظرات مريرة‪ .‬في البداية لم يعطّ الأمر أي اهتمام‪ ،‬لكن بمرور الأّعوام‪،‬‬ ‫بات يأخذ كل كلمة تتفوه بها بنوعّ خاص من الإلمام‪ ،‬هو قد بدأ بشق طريقه نحو‬ ‫الأحلام‪ ،‬اعتبرها قدوته ومضى قدمّا للأمام‪ ،‬وفي يوم كبقية الأيام‪ ،‬كان إلى أمه قد‬ ‫اشتاق‪ ،‬أرسل لها رسالة ووجهه يعلوه إشراق‪ ،‬هذا بعد أن طال الفراق‪ ،‬في سبيل‬ ‫الحلم نحو الآفاق‪ ،‬بعد إرسال الرسالة‪ ،‬قرر أن يفاجئها بعودته‪ ،‬أرادها أن تكون‬ ‫بصحبته‪ ،‬الحياة بعيداّ عنها أرهقته‪ ،‬فعاد إلى من حوته‪ ،‬وكانت درعه وعدّته‪ ،‬في‬ ‫حربه مع الحياة التي جرحته‪ ،‬لن أتحدث عن تفاجئها برؤيته‪ ،‬دائمّا ما تدرك ما يجول‬ ‫بخاطره‪ ،‬وما يخبئ في مكنونات نفسه‪ ،‬باركت له نجاحه وتخرجه‪ ،‬وبالحديث باشرت‬ ‫ملاطفته‪ ،‬مهما مرت العقود فسيبقى ابنها الودود‪ ،‬الذي إلى حضن أمه دوماّ يعود‪،‬‬ ‫لم يكن لصبرها حدود‪ ،‬أشارت للبذور التي غرسها قبل سنين وقالت‪ :‬انظر ما أجمل‬ ‫هذه الورود! كان فرحاّ بأن المراد تحقق‪ ،‬فصدم عندما لمح دموعّا في عينيها‬ ‫تترقرق‪ ،‬والابتسامة من ثغرها تسرق‪ ،‬فبادرته بالإجابة قائلة‪ :‬كلّ إلى حلمه يتسابق‪.‬‬ ‫في الآونة الأخيرة‪ ،‬شعر بأن خطباّ قد حل‪ ،‬فتصرفاتها معه بدأت تتبدل‪ ،‬كما أن‬ ‫حديثها قد بات أقل‪ ،‬قلبها المتعب تحتله عاصفة‪ ،‬نظرت إليه نظرة خاطفة‪ ،‬خانتها‬ ‫العبرة وقالت‪ :‬بّني‪ ،‬كم أنا آسفة‪ ،‬أراد مقاطعتها فأكملت قائلة‪ :‬أنت كنت م ّواساتي‪،‬‬ ‫والسبب في أن تستمر حياتي‪ ،‬وأنت تستحق كل تضحياتي‪ .‬الزمن ضعف أمامها‪ ،‬هي‬ ‫قاومت وقاومت حتى توقف قلبها عن الخفقان‪ ،‬كانت تعلم بأنه وقت الرحيل‪ ،‬كان‬ ‫لديها صبرّ وإيمان‪ ،‬هو لا يصدق‪ ،‬كيف أنها تجاهلت مرضها كما لو أنه في غياهب‬ ‫النسيان‪ ،‬للتو فقط شعر بطعم الفقدان المر‪ ،‬وهو في المنزل الذي عاشا فيه يتذكر‪.‬‬

‫لا تنظر إليّ هكذا‪ ،‬أنا لست بمذنب‪ ،‬هم المذنبون‪ ،‬أنا لست بسارق هم السارقون‪،‬‬ ‫السارق من يحتل أرضا‪...‬من يقتل شعبا‪...‬من يعدم أمة‪ ...‬ويثكل أما‪ ،‬السارق لا يخش‬ ‫الله السارق هو عدو لله‪ ،‬أما أنا فعبد لله‪ .‬السارق بلا دين ولا ضمير‪ ،‬وأنا لست هكذا‪،‬‬ ‫أنا حرمت والسارق ظفر‪ ،‬أنا جّعت واللص شبع‪ ،‬أنا جرحت وذاك من جرحني‪ ،‬أنا م ّت‬ ‫وذاك قاتلي‪ ،‬متّ حيا ‪ ...‬جسد بلا روح‪ ،‬سلبوني روحي التي كانت مزهرة‪ ،‬كانت جميلة‬ ‫ممطرة‪ ...‬معطاءة سخية‪ ...‬متعاونة قوية‪ ،‬ولما اغتصبت أصبحت هزيلة‪ ،‬أصبحت‬ ‫واهنة ضعيفة دمروها ‪ ...‬دمروا أرضي ودمروا حياتي ‪ ...‬أتعلم الآن أصبح السارق‬ ‫مكاني‪ ،‬إنه يعيش في بيتي‪ ،‬وأنا أعيش في الشارع‪ ،‬أنا ابن الأرض مشرّد وغاصبها‬ ‫هو المعز‪.‬‬ ‫أسئلة مهارات التفكير العليا‪:‬‬ ‫‪( .1‬لا تنظر إل ّي هكذا) بم توحي هذه العبارة؟‬ ‫‪ .2‬ماذا تعني لك فلسطين؟‬ ‫‪ .3‬كيف نستطيع الحفاظ على وطننا؟‬ ‫‪ .4‬زخر النص بالوصف‪ ،‬وضحي السبب؟‬ ‫‪ .5‬إن قيل لك أكتبّ رسالة إلى فلسطين الحبيبة‪...‬ماذا ستكتبين؟‬

‫ها هو ‪...‬هناك ينتظر نتيجة تحليله‪ ،‬ها هو أصبح كالفأر من بعد ما كان ذئبا‪ ،‬بل‬ ‫ثعلبا ماكرا‪ ،‬لم يترك إنسانا إلا وآذاه‪ ،‬كان جبارا عنيدا والآن ضعيفا واهنا‪ .‬ها قد أتت‬ ‫الممرضة وبدأت دقات قلبه تتسارع‪ ،‬ويده ترتعش‪ ،‬ها هو الخبر السيئ قد ّزفّ إليه‪،‬‬ ‫إنه مصاب بسرطان في الدم‪ ،‬ما إن علم بذلك حتى أغشي عليه‪.‬‬ ‫فتح عينيه بعد إغماء دام ساعة وتمتم‪ :‬ها قد بدأ العد التنازلي لأيامي الباقية‪،‬‬ ‫وها قد بدأت معاناتي‪ .‬ردت زوجته وفي صوتها شيء من الشفقة‪ :‬لا تقل هذا‪ ،‬ألست‬ ‫أنت ذلك الرجل الذي يهابه الجميع؟! قال‪ :‬لا‪ ...‬ليس بعد الآن‪ .‬أشفقت عليه تلك‬ ‫المسكينة وبدأت تبكي وتسيل دموعها‪ ،‬تذكرت أفعاله وتذكرت بطشه‪ ،‬تذكرت‬ ‫صفعاته المؤلمة التي لطالما احمرت وجنتيها بسببها‪ ،‬وتذكرت كلامه الذي كان‬ ‫يمزق قلبها‪ ،‬تذكرت دموعها التي أقرحت جفونها‪ ،‬أتعلمون لا يمر يوما دون أن‬ ‫تبكي‪ ،‬إنها دائمة الحزن وكل ذلك بسببه والآن هي تشفق عليه! وأخيرا ها قد عادت‬ ‫إلى الواقع وها هي الآن بين نارين نار العطف ونار الانتقام‪ ،‬إنها تشعر بشيء من‬ ‫الفرح بداخلها‪ ،‬يخبرها بأن الله انتقم لها وللناس الذين ظلمهم‪ ،‬وتشعر بمشاعر أخرى‬ ‫تحركها وهي مشاعر العطف والحنان فتقول لنفسها‪ :‬لا تشمتي‪ ،‬بل واسيه‪.‬‬ ‫مرت الأيام وهو يتعالج‪ ،‬ولكن دون أيّ تطور في صحته‪ ،‬بل كلما مرّ الوقت ساءت‬ ‫صحته وساءت نفسيته‪ ،‬وأخيرا ها هو يشعر بالندم وبدأ ضميره يأنبه‪ ،‬أنه يسترجع‬ ‫ذكرياته السيئة وأعماله الخبيثة يوما بعد يوم‪،‬‬

‫تتكون لغتنا العربية الجميلة من ثمانية وعشرين حرفا‪ ،‬تتميز لغة القرآن الكريم‬ ‫اللغة العربية الفصحى باحتوائها على حرف ليس له مثيل في أي لغة من اللغات‬ ‫الأخرى‪ ،‬ألا وهو حرف الضاد؛ لذلك فإن اللغة العربية تسمى لغة الضاد‪ ،‬وحرف الضاد‬ ‫هو الحرف الخامس عشر من حروف اللغة العربية وهو حرف شمسي‪.‬‬ ‫العربية لغة القرآن الكريم‪ ،‬وهي لغة نب ُّينا محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬واللغة‬ ‫العربية شاملة وصالحة للناس كافة‪ .‬في رحاب فصل الربيع اليانع نبت حرف الضاد في‬ ‫تربة خصبة‪ ،‬ت ّم تعهدها بالر ّي والرعاية من قبل هذا الجيل الواعي وتحت سقف‬ ‫المدارس والبيوت‪ ،‬شب واخضر في ربوع مجالس العلم وسيكون لهذا الثمر منظر‬ ‫جذاب ورائحة خلابة وطعم لذيذ مستساغ‪.‬‬ ‫فذاك الضابط يمتلك طاقات هائلة جبارة‪ ،‬وتلك الأضواء ملأت الكون بعبير الأمل‬ ‫وشعلة الإنجاز بفضل حقل التعليم‪ ،‬ومن هنا بدأت رحلة مفيدة عبر سطور هذا‬ ‫الحصاد حين تلاقت أصحاب حرف الضاد في مكان واحد‪.‬‬ ‫ضياء ضابط يمتلك روحا جميلة‪ ،‬يهب دائما لمساندة الجميع‪ ،‬رؤوف بالحيوانات‬ ‫وجميع المخلوقات الحية‪ ،‬وبينما كان ضياء يؤدي واجبه في عمله في وقت الضحى‬ ‫وتحت ضوء الشمس الدافئة‪ ،‬لمح ضفدعا مطروحا بدمائه على الأرض‪ ،‬سارع ضياء‬ ‫لإسعاف الضفدع الجريح‪ ،‬ضمد جراحه‪،‬‬

‫فتعافى الضفدع في غضون ساعتين من تلقيه مساعدة من الضابط اللطيف‪ ،‬عاد‬ ‫الضفدع إلى ضفة الماء؛ لاصطياد الحشرات الضارة فيضربها بلسانه الطويل ويضعها‬ ‫في فمه‪.‬‬ ‫عند انتهاء الضابط من عمله ذهب مباشرة للاطمئنان على حال الضفدع‪ ،‬وبينما‬ ‫هو يراقب الضفدع من بعيد لمحه يهرب من الضب والضجيج‪ ،‬ويختبئ في جحر ضيق‬ ‫لا ضوء فيه‪ ،‬وعندما أراد الرجوع ضاع عن البحيرة‪ ،‬فجعل ينق حتى هبّ ضياء مرة‬ ‫أخرى؛ لتقديم العون للمخلوق الضعيف‪ ،‬وأرجعه إلى البحيرة بسلام‪.‬‬ ‫وخلف ضفة البحيرة كان نضال يلتقط صورا للطبيعة‪ ،‬ويستكشف مستخدما‬ ‫التلسكوب‪ ،‬وبينما هو على هذا الحال إذ به يرى ما يدور ويحدث بين الضابط‬ ‫والضفدع‪ ،‬فهو موهوب في التصوير‪ ،‬مذي ّع وصحف ٌّي‪ ،‬نشر العمل الإنساني عبر‬ ‫التواصل الاجتماعي‪ ،‬وأقام لقاءّ مع الضابط ضياء مفتخرا بوجود طاقم شباب يسعى‬ ‫إلى خدمة الوطن‪ ،‬ويكرس ج ّل اهتمامه بالعمل الدؤوب والتضحية في وقت راحته‬ ‫في خدمة كل مخلوق حي يرزق على وجه الأرض‪.‬‬ ‫كانت كلمة الضابط نهاية اللقاء‪\" :‬المعلم هو الذي بذر ونثر زرعة العلم‪ ،‬وهو‬ ‫منبر العلم والعرفان‪ ،‬علمني المعلم حق الجار على جاره‪ ،‬علمني الرفق بالحيوان‪ ،‬كانت‬ ‫المدرسة تربية قبل تعليم‪ ،‬وها نحن ننهج ونسمو بالأخلاق الفاضلة‪ ،‬فالمدّرسة درع‬ ‫حصين وصمام أمان يلجن به عباب الحياة ولججها بنفس قوية لا تتصدع\"‪.‬‬

‫أف َتتحّ َك َلامي بق َو ّل َشفي ّع الأمة َصلى اللهّ َعّلَيهّ َوآلهّ و َسلم‪َ \" :‬يأتي َز َمانّ َعلى أمتي‬ ‫ال َقابضّ َعلَى دينهّ َكال َقابضّ َعلى َجم َرةّ من النار\"؛ َّصدق َّت َيا َرسو َلّ الله‪َ .‬ما ل َيّ َحتى‬ ‫أَن َع َّم في ال ُّدن َيا وفي آخ َرتي َجحيمّ َلاّ َيق َوى َعلَي ّه إن ّس َو َلّا َجان؟ َما ل َّي أَ َتخلى َعن‬ ‫فط َرت َّي التي فطرتّ َعلَي َها مذ ولدت‪ ،‬أَأَ َت َخلى عن دّيني! َعن َعا َداتي و َت َقاليدي! َعن‬ ‫َقنا َعاتي! َعن فكري! أَ َوّ َعن َرا َحتي! أ َنا َلّا أ َت َكل ّم عن المّج َت َمع لَم أَذكر َعا َدا َّت و َت َقالي َدّ‬ ‫المج َت َمع و َلاّ َقناعاَ َّت وفك َّر المج َت َمع َولَو أن َها هي َذات َهّا‪َ ،‬عجبا! َعجبا لأولَئ َّك الذي َنّ‬ ‫ي َحركه ّم المج َتم ّع َكي َف َما َشا َءّ و َمتى ما َشاء! َو َيظنُّّو َّن أَنّ ال َغالبي َّة دائما َعلى َصّ َواب‪،‬‬ ‫َويتبعو َنهم و َيتخذو َنهم قدوةّ وم َثالّا َيح َتذو َّن ّبه في ك ّل َت َفاصيل َح َياتهم‪ ،‬أَ َّولَوّ َكانوا‬ ‫َضالين؟‬ ‫َينظرّ لف َئت َيّ ال َبع ّض َنظ َر َةّ استص َغاّر َواستن َكارّ م َعلقي َّن‪\" :‬إلَى َم َتى َو َتن َقرضّ َهذ ّه‬ ‫الف َئ ّة ال َقدي َمةّ َو َتفكير َها ال َعتيق\"‪َ .‬يطلبو َّن مني َتغيي َرّ َش َكلّ لبسي‪ ،‬منّذ الق َدّ ّم‬ ‫والستّر رف َع ّة وحش َم ّة َو َف َخا َمة‪ ،‬لَكن ه َوّ َك َذل َّك لأَص َّحا ّب ال َم َقا َماتّ والعزة‪ ،‬للمسل َما ّت‬ ‫التقيات‪ ،‬لل َعفي َفاتّ َف َقط‪ .‬أَما َعن الرخي َصاتّ َفّه ّن َمن َيس َتهتر َّن بلبسهن‪َ ،‬تقّولو َّن َّو‬ ‫َما أد َرا َها بالق َدم‪ ،‬و أَقولّ لَكم َت َدبروا َمع َّي َقليلّا ّب َقولهّ َت َعالَى‪(( :‬قي َّل لَ َها ادخلي الصر َحّ‬ ‫ۖ َفلَما َرأَت ّه َحس َبت ّه لجةّ َو َك َش َفتّ َعن َسا َقّي َها ۖ )) َص َد َّق الل ّه ال َعلَ ُّّي ال َعظيم‪ .‬حي َّن‬ ‫َنقو ّل َك َش َ ّف َعن َشيء‪ ،‬تل َقائيا َنفه ّم أن ّه َكا َنّ م َغّطى أو م َخبأ‪َ ،‬وفي َهذ ّه الآ َية َي ّق ُّ ّص‬ ‫َعلَي َنا سب َحا َنهّ و َت َعالَى َما َج َرى َمع َمل َك ّة َس َبأ ال َمل َكّ ّة َبلقيس‪َ ،‬فالستّر َكا َّن من َعا َدّا ّت‬ ‫الملوكّ وال َمل َكاتّ والأعزاءّ َوال َعزي َزات‪.‬‬

‫َما َذا َعن ل َغتي‪َ ،‬حتى ال َع َربي َّة لَم َتسلَم منهم‪َ ،‬باتّوا َي َت َعلمو َّن ل َغا ّت وي َعلمّو َنّ‬ ‫أَب َنا َءهم‪َ ،‬لّا َضير‪َ ،‬لّا َضي َرّ في ال َت َعلُّم‪َ ،‬ف َك َما َنقو ّل (العلمّ نوّر َوال َجهلّ َظ َلا ّم)‪ ،‬لَكنّهم‬ ‫ب َت َعلُّمهم َه َذا َي َت َجا َهلو َّن ال َع َربية‪َ ،‬بل و َيس َعو َّن فّي َق َضائ َها‪َ ،‬ما لَكم َكي َ ّف َتف َقهّون!‬ ‫الل ّه َبتقديرّه و َج َلال ّه و َع َظ َمتهّ اص َط َفى ال َع َربي َّة دو َّن َغير َها واخ َتا َر َها وأن َز َّل ك َتا َبهّ‬ ‫باله َدى ل َيهد َينَا‪َ ،‬وال َبع ّض َب َدلاّ من الت َع ُّمقّ باللُّّ َغ ّة ال َع َربية و َم َعانيها ال َفصي َحة لّ َت َد ُّبرّ‬ ‫القرآنّ ال َكريم‪َ ،‬و َب َدلّا م َّن الافت َخاّر ب َها واعت َماد َها‪ ،‬ي َّساعدو َّن الغر َّب في َسحق َها‬ ‫َو َمحو َها‪.‬‬ ‫أَك َت َفوا ب َه َذا ال َقدّر من ال َت َخلُّف؟ َكلا‪َ ،‬طري َقةّ الأَّكل! َطري َقةّ أَكلي َلّا تعجبهم!‬ ‫َسألتهم‪َ \" :‬و َكي َ ّف َتأكلون؟\" َف َكا َّن َر ُّدهم‪\" :‬برقي‪َ ،‬نأكّ ّل بالشو َكةّ والسكي ّن َلاّ بال َيّ ّد ولا‬ ‫ال َي َدي ّن\"‪ .‬الأكلّ بال َي َدي ّن سنة‪ ،‬ولَم َتكنّ ل َتكو َنّ سنّ ّة إلاّ ومن َو َرائ َها َمغ َزى‪َ ،‬ذل َّك دين َيّ‬ ‫الذي َلّا َي ُّس ّن َشري َع ّة َو َلاّ فعلاّ دو َّن َمصلَ َحتنَا والذّي َتطلبو َنّ مني الت َخلي َعنهّ َو َكأن ّه‬ ‫لَم َيكن‪ ،‬الأكلّ بال َي َدينّ أك َثّر َفائد ّة و َن َظا َفةّ وص َحة‪َّ ،‬و َكيف َيكو ّن َذلك!؟ إن ّه ي َحفّّز‬ ‫إف َرا َّز الع َصا َراتّ ال َهضمي ّة في ال َمع َدة‪َ ،‬و َغير َها من الأس َبابّ التي َتج َع ّل َتنَاو َلّ ال ّط َعا ّم‬ ‫بال َي َدينّ أف َضل‪.‬‬ ‫َيقولو َنّ‪َ \" :‬غيري َعا َداتكّ و َع َلا َقات ّك الاجت َماعية\"‪ ،‬مّنذّ َم َتى َوالم َسمو َنّ بالمسلّمي َنّ‬ ‫ي َرافقو َّن ال َف َت َيات‪ ،‬أو المسل َما ّت ي َرافق َنّ الصبية‪ ،‬أ َهّ َذا َما َتأمروني به؟ َوالدي ّن َين َها َنا‬ ‫َعنه! أَ َو َلاّ َتعلَمو َنّ َأ ّن م َجر َّد جلو ّس ام َرأةّ َم َعّ َرج ّل َّخل َ ّف َبا ّب مغلَقّ في ّه إش َكالّ!‬ ‫أَأَف َع ّل ك ّل َذل َكّ لر َضا النا ّس َعني دو َنّ ر َضا َربّي! َو َما َين َفعني ر َضاهم؟ َيف َعلو َّن كلّ‬ ‫َذل َّك َوأك َثر بم َسمى \"الت َح ُّضرّ َوالت َط ُّور\" و َحقي َّق ّة َما ه َوّ إلاّ \" َت َخلُّ ّف و َت َده ُّورّ\"‪َّ .‬هذهّ أَ َنا‬ ‫و َهذ ّه َق َنا َعاتي وفكري َوالأَ َهم َه َذا هو ديني وب ّه أَف َتخّر‪.‬‬

‫يركضّجوليانّصاحبّالتسعةّأعوامّفيّالشوارعّالخالية‪ّ،‬بهيئتهّالمثيرةّللشفقة‪ّ،‬‬ ‫وبملابسهّغيرّالمهندمة‪ّ،‬ولاّيرىّأمامهّإلاّخيالّلوالدته‪ّ،‬الريحّالباردةّتلفح وجهه‪ّ،‬‬ ‫جاعلةّالدموعّتهربّبعيداّعنّوجنتيه‪ّ،‬لكنّهذاّلاّيهم‪ّ،‬يجبّأنّيصل‪ّ،‬فالتأخيرّ‬ ‫يعنيّفقدانهّلكلّشيءّيحبهّفيّهذاّالعالم‪.‬‬ ‫\"جوليان لقد تأخرت عن المدرسة هيا أسرع\"‪ ،‬كان ذلك صوت جوليا التي اعتادت‬ ‫أن توصل أخيها كل يو ّم إلى المدرسة‪ ،‬بعد لحظات وجدت شقيقها أو قصير القامة‬ ‫كما تسميه ينزل من الطابق الثاني حاملاّ حقيبته على ظهره وهو يتأفف‪ :‬لماذا‬ ‫عليكّ أن توصليني كل يومّ إلى المدرسة‪ ،‬ل َمّ لا توصلني أمي؟‬ ‫اقتربت منه راحت ترتب ياقته وهي تقول‪ :‬عزيزي القصير‪ ،‬أن َّت تعلم أنها تخرج‬ ‫مبكرا‪ ،‬فمكان عملها بعيد‪ ،‬ولا تريدها أن تصل متأخرة وتطرد صحيح!‬ ‫لم يعقب جوليان على حديث أخته‪ ،‬أو على نعتها إياه بالقصير‪ ،‬فاستشعرت انزعاجه‪،‬‬ ‫وسار أمامها متجهين إلى مدرسته‪.‬‬ ‫أوصلته جوليا إلى المدرسة سيراّ على الأقدام‪ ،‬قبل أن تتركه متجهةّ إلى الجامعة‪،‬‬ ‫ليتوجه إلى صفه مباشرة‪ ،‬ويجد الطلاب يتناقشون في موضوعّ يبدو ذا أهمية‬ ‫كبيرة‪ ،‬فهم يتحدثون عن تاري ّخ مميز‪ ،‬فتطلع إلى التقويم المعلق على الحائط‪،‬‬ ‫ووجد أنه الحادي والعشرين من مارس‪ ،‬بعد لحظات من التطلع للتقويم بشرود‪،‬‬ ‫اقترب منه صديقه ماريوس معيدّا إياه للواقع‪ :‬ماذا عنك جوليان؟‬

‫استفهم المعني‪ :‬لا أفهم‪ ،‬ماذا عني أنا؟‬ ‫ماريوس‪ :‬كنت أسألك عن الهدية التي تنوي تقديمها لأمك في هذا اليوم‪ ،‬لا تقل لي‬ ‫أنك لم تجهز واحدة‪.‬‬ ‫تنهد جوليان‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن!‬ ‫لكن ماذا؟ سأله ماريوس بعد أن صمت ليستدرك قائلّا‪ :‬لكن لا أعلم إن كانت ستقبلها‬ ‫فهي‪...‬‬ ‫قاطعه ماريوس‪ :‬وأي أ ّم تلك التي لن تقبل هديةّ من طفلها؟!! لا بد أنها ستسعد‪ ،‬لا‬ ‫تكن قلقاّ إلى هذا الحد‪.‬‬ ‫فلم يملك جوليان إلا أن ينحي أفكاره بعيدا‪ ،‬ويعزي نفسه بجرعةّ من الأمل‬ ‫والتفاؤل‪ ،‬مستأنفاّ دروسه بشك ّل طبيعي حتى ينتهي وقت الدوام‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬سرعان ما عاد جوليان إلى المنزل يحدوه الحماس‪ ،‬وقد قابل والدته على‬ ‫باب المنزل عائد ّة من عملها‪ ،‬فحياها بابتسامةّ عريضة وعيناه تشعان حماسّا وهما‬ ‫يدخلان‪.‬‬ ‫بعد لحظات وجدته يقف أمامها ويداه خلف ظهره‪ :‬أمي‪ ،‬ألا يبدو لكّ هذا اليوم‬ ‫مميزا؟‬ ‫أجابت ببساطة‪ :‬لا‪.‬‬ ‫فقال لها وخيبة الأمل بدأت تتسلل إلى نفسه‪ :‬إنه عيد الأم‪ ،‬كل عامّ وأن ّت بخير‪.‬‬ ‫وجدته يناولها صندوقاّ مزينّا بوروّد حمراء‪ ،‬فتحته لتجد داخله كوباّ خزفيّا نقشت‬ ‫عليه حروف اسمها جولييت بحرفية‪ ،‬كان متحمساّ لردة فعلها بعد أن صمتت لعدة‬ ‫ثوان قالت‪ :‬إنه جميلّ يا جوليان‪ ،‬أمسك‪ ،‬احتفظ به من أجلي‪ ،‬حان وقت ذهابي‬ ‫للعمل‪.‬‬

‫هل هذا كل شيء؟ ألا يمكنها أن تبدي ردة فعل أفضل تشعره بمدى حبه لها؟‬ ‫لتتجمع الدموع في عينيه ويتمكن الغضب من نفسه‪ ،‬فيقول مندفعاّ‪ :‬العمل ثم‬ ‫العمل‪ ،‬هذا قانونكّ المقدس‪ ،‬أن ّت نادراّ ما تعودين إلى لمنزل‪ ،‬ولم أسمعكّ يومّا‬ ‫تقولين كم تحبيني أو تهتمين لأمري‪ ،‬أنا المخطئ الذي قدمت لكّ الهدية‪.‬‬ ‫لم يسع الأم التي صدمها كلام ابنها أن ترد‪ ،‬وهو لم ينتظر سماع ردها‪ ،‬بل ركض‬ ‫إلى غرفته مغلقّا بابها بقوة‪ ،‬في الحين الذي وصلت فيه جوليا الأخت الكبرى للمنزل‬ ‫شاهدةّ على الجو المشحون بين الاثنين‪ ،‬فوقفت الأم قبالتها وهي تنبس‪ :‬هل‬ ‫تستطيعين أن تشرحي له الوضع الراهن؟ قبل أن تغادر جولييت إلى عملها‪.‬‬ ‫دخلت جوليا على أخيها الجالس في إحدى الزوايا‪ ،‬فنطقت من دون مقدمات‪ :‬لقد‬ ‫أخطأت‪ ،‬ما كان عليك ذلك‪ ،‬وأنت تعلم بهذا‪.‬‬ ‫وقف موجهّا إليها نظراتّ حارقة‪ :‬لا أنا لا أعلم أي شيء‪ ،‬هي تفضل العمل علينا‪ ،‬فلا‬ ‫تكذبي على نفسك وعلي‪.‬‬ ‫أجلسته على السرير بجوارها مستأنف ّة حديثها‪ :‬لطالما تجنبنا أنا وأمي إشعارك‬ ‫بالقلق‪ ،‬أردنا لك أن تعيش حيا ّة مسالم ّة تكمل خلالها دراستك من دون عوائق تحول‬ ‫بينك وبين تفوقك‪ ،‬وحين قرر والدي هجرنا اضطرت أمي للعمل‪ ،‬كنت صغيرّا ولا‬ ‫شك لدي أنك لن تتذكر ذلك اليوم المؤلم‪.‬‬ ‫قاطعها الأصغر ساخرّا‪ :‬إذّا فلنختصر ما تريدين قوله‪ ،‬تريدينني أن أعتذر إليها‬ ‫وتنتهي المشكلة‪ ،‬لكني لن أفعل‪ .‬صرخت فيه‪ :‬ل َّم أنت أنانيّ هكذا؟ أنت تريد أماّ‬ ‫تدللك طوال الوقت‪ ،‬في كل فرصةّ تسنح لها تقول لك كم أنها فخورةّ بك‪ ،‬لكن أمي‬ ‫ليست من هذه القماشة‪ ،‬هي لا تقول لأحّد أنها تحبه وتهتم لأمره‪ ،‬بل تثبت له ذلك‬ ‫بأفعالها وتضحياتها‪ ،‬تعمل في عدة أعما ّل جزئية‪ ،‬ليس لشيء إلا من أجلك‪ ،‬لكن من‬ ‫الواضح أنك أغلقت عينيك وقلبك ‪.‬‬

‫لم يعتقد أنه بكل هذه الحماقة‪ ،‬للتو أحس بما تعانيه‪ ،‬عيونها التي عاتبته بصمت‬ ‫حين غضب عليها نشبت كالسهم في قلبه‪ ،‬لكن اختلاق المشاكل أصعب من إصلاحها‪،‬‬ ‫فلا مشكلة في أن يؤجل اعتذاره لبعض الوقت‪ ،‬وقرر أن يلهي نفسه قليلاّ بمشاهدة‬ ‫التلفاز‪ ،‬حتى تعود والدته إلى المنزل في وقتّ متأخر‪ ،‬ومع كل هذا‪ ،‬لم تنفك عيناه‬ ‫عن التحديق في الفراغ‪ ،‬غير آبهّ بما يعرض على الشاشة‪ ،‬وفجأة‪ ،‬فتح عينيه على‬ ‫وسعهما‪ ،‬لا يصدق ما يراه‪ ،‬أليس هذا المحل الذي تعمل فيه والدته؟ لا يعقل أن‬ ‫يحترق‪.‬‬ ‫لم يأبه لنداءات جوليا‪ ،‬أو لأسئلتها‪ ،‬بل بدأ يستعرض في مخيلته أسوأ ما يمكن‬ ‫أن يحصل‪ ،‬فراح يركض جوليان‪ ،‬صاحب التسعة أعوام في الشوارع الخالية‪ ،‬بهيئته‬ ‫المثيرة للشفقة‪ ،‬وبملابسه غير المهندمة‪ ،‬ولا يرى أمامه إلا خيالاّ لوالدته‪ ،‬الريح‬ ‫الباردة تلفح وجهه‪ ،‬جاعلة الدموع تهرب بعيداّ عن وجنتيه‪ ،‬لكن هذا لا يهم‪ ،‬يجب‬ ‫أن يصل‪ ،‬فالتأخر يعني فقدانه لكل شيء يحبه في هذا العالم‪ ،‬هو قد أخطأ‪ ،‬يشعر‬ ‫كأنه في كابوس‪ ،‬لا يمكنه الاستيقاظ منه‪ ،‬ركض وركض‪ ،‬حتى وصل ليجد استنفار‬ ‫رجال الإطفاء‪ ،‬حاولوا أبعاده‪ ،‬فأبى‪ ،‬وبعد برهة رأى وجوههم المكفهرة وهم يحاولون‬ ‫إطفاء تلك النيران التي أحرقت كل ما في طريقها‪.‬‬ ‫لم يتمكن أي أحّد من العاملين في المتجر من النجاة‪ ،‬وقعت هذه الكلمات‬ ‫كالصاعقة على سمعه‪ ،‬ومع هذه الكلمات‪ ،‬توقف الزمن‪ ،‬وخرست الأصوات وانعدمت‬ ‫الحياة في نظره‪ ،‬فسقط على الأرض التي استقبلته برحابة‪ ،‬يشعر بالاختناق‪ ،‬متأثرّا‬ ‫بالدخان الذي غزا رئتيه‪ ،‬متأثراّ بالكلمات التي قطعت لديه الرغبة في الاستمرار‬ ‫والمضي قدمّا‪.‬‬ ‫تمنى ألا يفيق أبدا‪ ،‬لكن في النهاية فتح عينيه في الغرفة البيضاء‪ ،‬دخلت عليه‬ ‫ممرض ّة شابة وبرفقتها أخته التي هبت معانقةّ إياه‪ ،‬وهو بالمقابل‪ ،‬لم يحرك ساكنا‪،‬‬ ‫وإنما خرج صوته مبحوحّا وهو ينفجر بالبكاء‪ :‬أنا أريد أمي‪.‬‬

‫ساعدته جوليا على الوقوف‪ ،‬آخذ ّة إياه إلى خارج الغرفة‪ ،‬وعلى بابها انتابته الصدمة‪،‬‬ ‫هي لم تمت‪ ،‬هي لم تتركه وترحل‪ ،‬كيف هذا؟‬ ‫هذه التساؤلات بدت جلية على وجهه‪ ،‬ألقى بها بعيداّ حين وجد نفسه في حضنها‬ ‫وهو يراها تبكي لأول مرة‪ ،‬فمسح لها دموعها وهو يمطرها بالاعتذارات وعبارات‬ ‫الندم والحسرة‪ ،‬وحالما هدأت قليلاّ سألها‪ :‬لكن هناك قالوا لي أن لا أحد نجا من‬ ‫المتواجدين في المتجر؟‬ ‫لتبتسم وهي ترد عليه‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬مع الأسف كل العمال الذين كانوا هناك ماتوا‬ ‫بسبب الاختناق أو الحرق‪ ،‬لكني لم أكن هناك‪ ،‬وجدت أن سعادتك أهم لدي‪ ،‬فتركت‬ ‫العمل من أجل أن أقضيه معكما قبل اشتعال الحريق‪ ،‬ولولا الشجار الذي حدث لربما‬ ‫لم أكن هنا الآن‪ ،‬لقد أخطأت‪.‬‬ ‫قاطعها‪ :‬كلا‪ ،‬أنا من أخطأ‪ ،‬كنت متسرعّا وأنانيا‪ ،‬لم أقدر كل ما تبذلينه من أجلنا‪،‬‬ ‫يحق لي أن أفخر ب ّك يا أمي‪ ،‬تعملين ليلّا ونهارّا من أجلنا‪ ،‬ومن أجل مستقبلنا دون‬ ‫أن تشكي يوما‪ ،‬فأنتّ المرأة الحديدية‪.‬‬ ‫تدخلت جوليا بينهما‪ :‬والآن‪ ،‬بعد أن عادت الأمور إلى نصابها الصحيح‪ ،‬ألا أستحق أنا‬ ‫كذلك عناقاّ أيها القصير؟‬ ‫ختم جوليان بجملته المعهودة‪ :‬أنا لست قصيرّا‪.‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬بدأت أيامّ جديدة في حياة تلك العائلة الصغيرة‪ ،‬والتي لا غنى فيها لأحدّ‬ ‫دون سواه‪ ،‬سوء الفهم الذي حل بينهم‪ ،‬لم يزدهم إلا تماسكّا وحبّا لبعضهم‪ ،‬أما‬ ‫عمود تلك الأسرة‪ ،‬فبقيت كما هي صامدةّ شامخة‪ ،‬زنازين قلبها احتجزت حب ّولديها‬ ‫الكبير لها‪.‬‬

‫في تلك الرسائل القديمة من دار العجزة تصف معاناة تلك العجوز الباهتة‪ :‬كيف‬ ‫أبدأ؟ فصعوبة الشرح تجبرني على الصمت دائما‪ ،‬تلك الليلة أذكر جيدا كيف‬ ‫تحطمت‪ ،‬كيف بتر جزء من روحي بعد مماتك‪ ،‬كنت دائما أقول في نفسي‪ :‬ماذا‬ ‫لومتنا قبل أن نقول كل شيء؟ ماذا لو مات الذين نريد أن نقول لهم كل شيء؟ نفذ‬ ‫الحبر وغبرت الصحف كما تمزقت الكتب‪ ،‬في الغالب تتساءلون ما حال تلك الكلمات‬ ‫المبعثرة؟‬ ‫دعوني أخبركم‪ :‬ابنتي كانت تنوي أن تحقق حلمها وتحاط بآلافّ من المعجبين‪،‬‬ ‫تعبت لأجل ذلك سنوات‪ ،‬ولكن قاموا برفضها وانتهى بها الأمر من الطابق العاشر‪.‬‬ ‫في ذلك الطابق ركضت بنحوها لكنني لم أستطع مسك يدها‪ ،‬اعذروها لقد ظنت‬ ‫بأنها تستطيع الطيران لهذا ألقت بنفسها‪ ،‬فأنا لم أخبرها عن تلك البجعة السوداء‬ ‫التي تلاحقها حتى اقتلعت أجنحتها‪.‬‬ ‫في جنازتها ظللت أصفع نفسي حتى سقطت نائمة‪ ،‬عندما استيقظت لم أكن أرى‬ ‫شيئا‪ ،‬حتى ذلك السواد القاتم حرمت منه‪ ،‬فقد أصبت بخيبة من كل البشر‪ ،‬ذلك‬ ‫الكرب أعمى عينَي وحرق قلبي‪ ،‬كنت في كل يوم أصرخ صرخة ألم‪ ،‬أكاد بها أن أمزق‬ ‫أوداج قلبي كما سحقت نياطي‪ ،‬ترك ذلك أثارا وكدمات في روحي‪ ،‬فانطفاء ملاكي‬ ‫كان ذنبا أحمله أنا‪ ،‬ذهبت لغرفتها منهارة أبحث عن رسالتها لكنني وجدت تسجيل‬ ‫صوتها وهي تبكي قائلة‪\" :‬أخاف من نفسي حين أظل صامدة يا أمي أمام الأشياء‬ ‫القاسية‪ ،‬أخاف حين لا أبكي أمام الأشياء التي تستدعي للبكاء‪ ،‬وأخاف حين أصمت‬ ‫عن كل الضجيج الذي يحدث في صدري‪،‬‬

‫أخاف عندما أستقبل الصدمات بهدوء‪ ،‬أخاف من هذا الثبات لأنني أعلم أني‬ ‫سأنهار ولن أستطيع النهوض‪ ،‬أخاف يا أمي‪ ...‬أخاف!\"‪ ،‬في كلماتها رأيت عينيها‬ ‫الباكيتين تدمعان قصة لم تنهها السطور‪ .‬بعد مرور ثلاث سنوات لم يتحمل زوجي‬ ‫فراق ابنتنا فحلق معها في السماء تاركا إياي وحدي‪ ،‬مشهرا وحدتي وضياعي‪،‬‬ ‫فتبلدت تلك المشاعر جاعلة القلم يكمل رواء قصتي‪ ،‬فكتبت في عشقه كلمات أبكت‬ ‫كل العابرين‪،‬‬ ‫ليتك ظلي دون (ظ) فكيف يعجز حبك عني والزاء باء‪ ،‬هذه الكلمة حفرتها في‬ ‫حجرات قلبي ودفنتها في تراب عينَي‪ ،‬في كل كلمة أكتبها كان الماضي يطاردني‬ ‫وكأنه يريد موتي لكنه أراد فقط تعذيبي كان ذلك أشد من الموت نفسه‪ ،‬فأنا كنت‬ ‫دائما أضيء طريق المنزل‪ ،‬أما الآن لم يعد هناك منزل ولم أعد نجمة كالسابق‪.‬‬ ‫بالأمس راودني حلم جميل‪ ،‬كنت أرقص مع زوجي وابنتي‪ ،‬جميعنا بملابس بيضاء‬ ‫تحت المطر الهادئ‪ ،‬حتى كشفوا لي عن أسرار السماء وأخذوني معهم‪ ،‬نعم إنها‬ ‫النهاية التي انفنى عمري وأنا أنتظرها‪ .‬عندما قرأت قصة الجدة أدركت جيدا بأن‬ ‫ابتسامتها الدائمة كان عقابها حتى انطفأت وحلقت من عائلتها إلى المنزل الجميل‪.‬‬

‫آ ّه لأيامّ العاداتّ والتقاليد‪ ،‬كم اندثرت ولم تعد كما كانت ذات أهمية إلا عند القلة‬ ‫القليل! وخصوصا بعد انتشار مواقع التواص ّل الاجتماعي وبعد اجتيا ّح الثقافة‬ ‫الغربية على ثقافتنا‪ ،‬فكانت في البداية عاداتّ دخيل ّة إلى أن تقبلها البعض ولم‬ ‫ير َ ّض بها الآخر‪ ،‬وأصبح الناس يتناسون عادات العرب وتقاليدهم التي فيها الأصالة‬ ‫والكرم والنخوة والمروءة‪ .‬وفيها كذلك الحشمة والستر‪ ،‬فارتداء اللبس اللائق أصبح‬ ‫تفكيرا منغلقا ورجعيا وكله بسبب العادات الأجنبية‪ ،‬أما عن النصيحة فحاول‬ ‫إبقاءها في فمك دون البوح بها للطرف الآخر؛ لأنه سيرد وبكل برود‪\" :‬حرية شخصية\"‬ ‫ويا لها من جملة! هل يستوي كل شي ّء لأنه حرية شخصية؟ وهل عاداتنا وتقاليدنا‬ ‫تضرب عرض الحائط تحت مسمى الحرية الشخصية؟ وكذلك صلة الأرحام وزيارة‬ ‫الأقارب دوما وفي كل المناسبات هي من العادات المحببة والمليئة بالود‪ ،‬التي بدأت‬ ‫في الزوال لأسبا ّب عدة منها انتشار فايروس كورونا الذي ساعد على قطع حبال‬ ‫الوصل‪ ،‬وهل يجوز كل هذا؟ فلا يسأل المرء عن أخيه أو أحواله‪ ،‬ولا يعيره اهتما ّما‬ ‫حين يراه‪ .‬والعديد من العادات والطباع التي تتلاشى يوما بعد يوم دون اكتراث‬ ‫أحدهم‪ .‬لماذا نسمح بكل هذا ولا نعبأ بتغير أحوالنا؟ يجب علينا الحفاظ على كل ما‬ ‫نحمله من عاداتّ وتقاليد‪ ،‬وعدم تقبلّ زوالها ولا اختفائها من حياتنا‪ .‬يجب أن‬ ‫نمارسها دوما لتبق بيننا‪ .‬يجب أن ي َربى الجيلّ القادم على طباع آبائنا وما تعلموه‬ ‫من أجدادهم وأجداد أجدادهم‪ .‬والحفاظّ على عاداتنا مهما حيينا وحتى الممات‪.‬‬

‫لاّتضيعّوق َت َكّباللهوّواللع ّب‬ ‫باالّاستغلهّفايّقاراءةّالكاتبّ‬ ‫ابنّلنفس َكّمستقبلاّبالجدّوالتع ّب‬ ‫واماضّبجهد َكّلمعال َيّالرتابّ‬ ‫نتا َجّتعبا َكّ َسو َفّترىّفارتق ّب‬ ‫ان َتبهّقب َلّأنّتج َدّالوق َتّفيّهر ّب‬ ‫وانظارّإلىّالساماءّماّبيا َنّالسحبّ‬ ‫فالإلها َمّ َنجمّهناّوهناكّ َكالشه ّب‬ ‫ابحاث! وأطلقّالعانانّللمواهبّ‬ ‫فالوقتّأغلىّم َنّالألماسّوالذه ّب‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook