Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore TAUHID STAM

TAUHID STAM

Published by Madzani Nusa, 2021-07-26 10:11:43

Description: TAUHID STAM

Search

Read the Text Version

‫والكافر ينكر كفره‪ ،‬فيأمر الله جوارحه أن تشهد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بل ويشهد أي ًضا سمعهم وأبصارهم وجلودهم‪.‬‬ ‫ ولا يشغله سبحانه محاسبة أحد بل يحاسب الجميع م ًعا‪ ،‬حتى يظن كل فرد أنه‬ ‫المحاسب وحده‪.‬‬ ‫ كيفية الحساب‪ :‬من الحساب اليسير والعسير‪ ،‬ومنه السر والجهر‪ ،‬وقد يكون بالعدل‪ ،‬أو‬ ‫بالفضل‪ ،‬وذلك على حسب الأعمال‪.‬‬ ‫ حكمة الحساب‪ :‬إظهار تفاوت المراتب في الكمال‪ ،‬وفضائح أهل النقص‪ ،‬وفي ذلك ترغيب‬ ‫للناس في الحسنات‪ ،‬وزجر عن السيئات‪.‬‬ ‫والحساب ثابت بالكتاب والسنة والإجماع‪ ،‬فمنكره كافر‪.‬‬ ‫والأدلة عليه كثيرة‪ :‬فمن القرآن يقول‪ :‬سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة النور‪ .‬الآية‪.24 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة الانشقاق‪ .‬الآية‪.12-7 :‬‬ ‫‪39‬‬

‫ويقول أي ًضا‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ ومن السنة يقول ﷺ‪« :‬ل ُتؤد َّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة ا َل ْل َحاء(‪)2‬‬ ‫من الشاة ال َق ْرن َاء»(‪)3‬ويقول أي ًضا‪« :‬لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه‪،‬‬ ‫وعن علمه في َم عمل‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وعن جسمه فيم أبلاه (»‪)4،‬والنصوص‬ ‫فى هذا الباب كثيرة ج ًّدا‪.‬‬ ‫المناقشة‬ ‫‪ 1 .1‬ما معنى البعث‪ ،‬وما الدليل عليه؟‬ ‫‪2.2‬هل يبعث من مات في البحار غرق ًا‪ ،‬أو في النار حرق ًا؟ وما دلليلك؟‬ ‫‪ 3 .3‬للحشرأنواعأربعة‪،‬اذكرها‪.‬وهلهولجميعالمخلوقات؟وضحذلك‪.‬‬ ‫‪4.4‬ما المقصود بالحساب شرع ًا؟ ولمن يكون؟ وما أنواع الخلق بالنسبة له؟‬ ‫‪5.5‬اذكر الأدلة على الحساب من الكتاب والسنة مع بيان الحكمة منه‪.‬‬ ‫(‪ ) 3‬أخرجه المسلم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 4‬أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة البفرة‪ .‬الآية‪.284 :‬‬ ‫(‪ )2‬الجلحاء‪ :‬التي لا قرن لها‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫اليوم الآخر‬ ‫‪9‬‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫َح ٌّق َف َخ ِّف ْف َيا َر ِحي ُم وا ْس ِع ِف‬ ‫‪َ - 76‬وا ْل َي ْو ُم ا ْل ِخ ْر ُث َّم َه ْو ُل ال َم ْو ِق ِف‬ ‫ اليوم الآخر هو يوم القيامة‪ ،‬وأوله من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى على الصحيح‪ ،‬وقيل إلى‬ ‫أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار‪.‬‬ ‫ وسمي باليوم الآخر؛ لأنه متص ٌل بآخر أيام الدنيا‪ ،‬وإن كان ليس منها‪ ،‬و ُيس َّمى هذا اليوم‬ ‫بالقيامة أي ًضا وذلك لقيام الناس فيه من قبورهم وقيام حجتهم عليهم‪.‬‬ ‫ وقد تعددت أسماء هذا اليوم؛ لكثرة ما فيه من أحداث‪ ،‬وأشهر هذه الأسماء‪ :‬اليوم الآخر‬ ‫والقيامة والقارعة والحاقة‪.‬‬ ‫ المراد بهول الموقف‪ :‬ما ينال الناس فيه من الشدائد لطول الوقوف‪ ،‬قيل‪ :‬إ َّنه كألف سنة مما‬ ‫تعدون قال‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وقيل أي ًضا إنه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة السجدة‪ .‬الآية‪.5 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة المعارج‪ .‬الآية‪.4 :‬‬ ‫‪41‬‬

‫ولا تنافي بين الخبرين؛ لأن المقصود طول المدة‪ ،‬والعدد لا مفهوم له‪ ،‬أو أن اليوم يختلف باختلاف‬ ‫أحوال الناس‪ ،‬فيرى الكفار أنه كخمسين ألف‪ ،‬ويرى الفساق أنه كألف سنة‪ ،‬ويرى غيرهم أنه‬ ‫فترة يسيرة‪ ،‬حتى ليرى المؤمن أنه أخف من صلاة مكتوبة كما جاء في بعض الأخبار‪.‬‬ ‫هول الموقف‪:‬‬ ‫وفى هذا اليوم يشتد الهول على الناس‪ ،‬وتقترب الشمس من الرؤوس ويغرق العصاة والكفار في‬ ‫عرقهم المنتن‪ ،‬فمنهم من يكون ال َعر ُق إلى كعبيه أو إلى ركبتيه أو إلى حقويه(‪)1،‬ومنهم من يلجمه‬ ‫العرق إلجا ًما‪ ،‬وقد أخبرنا ﷺ «أن الناس يحشرون في ذات اليوم حفا ًة عرا ًة ُغ ْرلاً (»‪)2،‬فعجبت‬ ‫عاثشة وسألت‪ :‬أينظر بعضهم إلى عورة بعض؟ فأجابها عليه السلام بقوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)4( )3‬‬ ‫ ومن الأهوال أي ًضا سؤال الملائكة عن التفريط في الأعمال‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫وكشهادة الألسنة والأرجل وغيرها‪ ،‬ولكن لا ينال ش ٌئ مما ُذ ِكر الأنبيا َء والصالحين؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪ ) 4‬متفق عليه‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )5‬سورة الصافات‪ .‬الآية‪.24 :‬‬ ‫(‪ )1‬إلى وسط جسده أي خصره‪.‬‬ ‫(‪ ) 6‬سورة الأنبياء‪ .‬الآية‪.103 :‬‬ ‫(‪ )2‬غرلا أي لخلقتهم وهم صغار قبل الختان‪.‬‬ ‫(‪ ) 3‬سورة عبس‪ .‬الآية‪.37 :‬‬ ‫‪42‬‬

‫ واليوم الآخر حق لا مرا َء فيه‪ ،‬كما أقر بثبوته جميع الأديان‪.‬‬ ‫ الأدلة على اليوم الآخر‪ :‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ومن هذه الأدلة أي ًضا‪:‬‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ حكم الإيمان باليوم الآخر‪ :‬الإيما ُن باليوم الآخر رك ٌن من الإيمان‪ ،‬فلا ُي ْق َب ُل الإيما ُن بدونه‪،‬‬ ‫وعلى ذلك فمنكره كافر‪.‬‬ ‫(‪ ) 3‬سورة هود‪ .‬الآية‪.105 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة لقمان‪ .‬الآية‪.33 :‬‬ ‫‪43‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة آل عمران‪ .‬الآية‪.106 :‬‬

‫علامات يوم القيامة ‪:‬‬ ‫علامات اليوم الآخر‪ :‬علامات ُص ْغرى‪ ،‬و ُأ ْخرى كبرى‪.‬‬ ‫أولا ‪ :‬الصغرى‬ ‫ أولها مبعث خاتم المرسلين‪‬؛ حيث يقول‪«:‬بعثت أنا والساعة كهاتين‪ ،‬وضم بين السبابة‬ ‫والوسطى»(‪)1.‬‬ ‫ ومنها ظهور المعاصي وانتشارها‪ ،‬وتطاول الحفاة العراة في البنيان كما جاء في حديث‬ ‫جبريل حينما سأل عن الساعة‪ .‬فقال ﷺ ‪«:‬ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكني أخبرك‬ ‫عن أشراطها ‪ ...‬إلخ»(‪)2.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الكبرى‬ ‫ وهناك علامات كبرى قريبة ‪ :‬منها ما أخرجه مسلم عن حذيفة قال‪«:‬اطلع النبي ﷺ علينا‬ ‫ونحن نتذاكر فقال‪ :‬ما تذاكرون؟ قالوا‪ :‬نذكر الساعة‪ .‬قال‪ :‬إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات‪،‬‬ ‫فذكر الدخان‪ ،‬والدجال‪ ،‬والدابة‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها‪ ،‬ونزول عيسى بن مريم ﷺ‪ ،‬ويأجوج‬ ‫ومأجوج‪ ،‬وثلاثة خسوف‪ ،‬خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب‪ ،‬وآخر ذلك‬ ‫نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم»(‪)3.‬‬ ‫المناقشة‬ ‫‪ 1.1‬ما اليوم الآخر‪ ،‬وما أشهر أسمائه؟‬ ‫‪ 2 .2‬اذكر بعض أهوال القيامة‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬ماحكمالإيمانباليومالآخر؟وماحكممنكره؟معذكرالدليل‪.‬‬ ‫‪4.4‬لليوم الآخر علامات صغرى وعلامات كبرى‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬ ‫(‪ ) 3‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫الشفاعة‬ ‫‪10‬‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫ُ َم َّمــ ٍد ُمـ َقـ َّد ًمــا َل َتـ ْمنَـ ِع‬ ‫‪َ - ٧٧‬و َوا ِجـ ُب َش َفـا َع ُة ال ُم َشـ َّف ِع‬ ‫َي ْش َف ْع َك َم َق ْد َجا َء ِف الأَ ْخ َبا ِر‬ ‫‪َ - 7 8‬و َغ ْ ُي ُه ِم ْن ُم ْر َت َض الأَ ْخ َيا ِر‬ ‫َفلا ُت َك ِّف ْر ُمـ ْؤ ِمــنَـا بِـا ْلـ ِو ْز ِر‬ ‫‪ - 7 9‬إِ ْذ َجائِ ٌز ُغ ْف َرا ُن َغ ْ ِي ا ْل ُك ْفـ ِر‬ ‫تعريف الشفاعة‪:‬‬ ‫ الشفاعة لغ ًة‪ :‬الوسيلة والطلب‪ ،‬واصطلا ًحا‪ :‬هي سؤال الخير من الغير‪ ،‬وقد تنسب‬ ‫الشفاعة إلى الله سبحانه‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فيكون معناه قبول الشفاعة أو العفو‪ ،‬وله سبحانه أن يعفو عمن اعترف له بالوحدانية ولمحمد‪-‬‬ ‫عليه السلام‪-‬بالرسالة‪ ،‬ولم يعمل خي ًرا قط‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الزمر‪ .‬الآية‪.44 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.48 :‬‬ ‫‪45‬‬

‫أدلتها‪:‬‬ ‫وقد ورد ذكر الشفاعة في القرآن الكريم في مواض َع مختلف ٍة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫ ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ويقول على لسان الكفار‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫شفاعة النبي ﷺ‬ ‫ وهناك شفاعة‪ :‬قد تنسب إلى نبينا ﷺ و َ ْت َت ُّص به وهي الشفاعة العظمى‪.‬‬ ‫ وقد تكون الشفاعة له ولغيره من الأنبياء والصالحين‪ ،‬قال رسول الله ﷺ‪« :‬لكل نب ّي دعوة‬ ‫قد دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاع ًة لأمتي»‪ .‬أخرجه الشيخان عن أنس ‪ ،‬وذكر ﷺ‬ ‫«أنه ُأ ْع ِطي خم ًسا لم يعطهن أح ٌد قبله‪ ،‬ومنها الشفاعة»(‪)4.‬‬ ‫ والشافع‪:‬هوطالبالخيرمنالغيرللغير‪،‬وال ُم َش َّفع‪:‬مقبولالشفاعة‪،‬وأولمنيشفعيومالقيامة‬ ‫نبينا ﷺ‪ ،‬فقد روى الشيخان أنه أول شافع ومشفع (‪)5.‬‬ ‫(‪ )4‬متفق عليه‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 5‬أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب‪.‬‬ ‫(‪ ) 1‬سورة طه‪ .‬الآية‪.109 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.255 :‬‬ ‫(‪ )3‬سورة الأعراف‪ .‬الآية‪.53 :‬‬ ‫‪46‬‬

‫ُم َش َّف ِع‪ ،‬وشفاعت ُه أو ُل شفاع ٍة مقبولة‪،‬‬ ‫أول شافع‪ ،‬وهو أول‬ ‫فهو‬ ‫ فقد اختص ﷺ بأمور ثلاثة‪:‬‬ ‫ولعل هذا هو المقام المحمود‪ ،‬الذي‬ ‫الأنبياء والصالحين‪،‬‬ ‫من‬ ‫وبذلك َي ْف َت ُح با َب الشفاع ِة لغيره‬ ‫وعد‪-‬سبحانه‪-‬به نبيه في قوله‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أو هو أو ُل المقا ِم المحمود‪ ،‬وآخ ُر ُه استقرا ُر أه ِل الجنَّة في الجنة وأه ِل النا ِر في النار‪.‬‬ ‫والشفاعة أنواع‪:‬‬ ‫‪ 1.1‬الشفاعةالعظمى‪،‬لمينكرهاأحدمنالمسلمين‪.‬‬ ‫‪ 2 .2‬شفاعتهعليهالسلامفيإدخالفريقالجنةبغيرحساب‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬شفاعتهفيرفعدرجاتبعضالمؤمنين‪،‬وقديشفعلغيره‪‬فيرفعالدرجاتكذلك‪.‬وهذه‬ ‫الشفاعات موضع اتفاق بين علماء الكلام‪.‬‬ ‫‪ 4.4‬الشفاعة لمرتكب الكبيرة‪ ،‬الذي مات دون توبة بأن لا يدخل النار أصل ًا‪ ،‬أو أن يخرج من النار‬ ‫بعد أن ُأ ْد ِخ َله َا‪.‬‬ ‫وقد أثبت هذا النوع من الشفاعة أه ُل السنة‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الإسراء‪ .‬الآية‪.79 :‬‬ ‫‪47‬‬

‫ أما المعتزلة فقد أنكروه حيث يرون وجوب تعذيب أهل الكبائر‪ ،‬كما أنكره الخوارج‬ ‫الذين يحكمون بالكفر على مرتكب الكبيرة ويوجبون تخليده في النار‪ ،‬والحق مع أه ُل السنة‪،‬‬ ‫فقو ُل الله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫صريح في إثبات هذا الرأي‪ ،‬فلم ُي َع ّلق سبحانه المغفرة على توبة‪ ،‬وإنما علقها على المشيئة‪ ،‬أما إذا‬ ‫تاب‪ ،‬فهناك وعد آخر بقبول التوبة‪ ،‬ووعد الكريم لا يتخلف‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫شبهة وردها‪:‬‬ ‫ قيل‪ :‬إن قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫يدل على عدم وجود شفاعة يوم القيامة‪.‬‬ ‫ و ُر َّد هذا الكلام بأن المقصود بهم الكفار‪ ،‬الذين اعترفوا بقوله‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪ )3‬سورة المدثر‪ .‬الآية‪.48 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 4‬سورة المدثر‪ .‬الآية‪.46 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.48 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الشورى‪ .‬الآية‪.25 :‬‬ ‫‪48‬‬

‫وكذلك قوله سبحانه على لسان الكفار يوم القيامة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ أما قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫فقد استثنى من ذلك عموم الشفاع ِة‪ ،‬فإذنه سبحانه في قوله‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وقد أمر الله رسوله بأن يستغفر للمؤمنين‬ ‫(‪)4‬‬ ‫والاستغفار شفاعة‪ ،‬وقد روي أنه عليه السلام قال‪«:‬شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»‪)5(.‬‬ ‫شفاعة غير الأنبياء‪:‬‬ ‫ وليست الشفاعة قاصرة على الأنبياء‪ ،‬بل قد يشفع الأولياء‪ ،‬والصالحون‪ ،‬والعلماء‬ ‫العاملون‪ ،‬والشهداء‪ ،‬والملائكة‪ ،‬ك ّل على قدر درجته ومنزلته عند الله‪-‬سبحانه‪-‬؛ ويتفضل‬ ‫سبحانه بالإذن بالشفاعة لمن َشاء ويقبل شفاعتهم‪ ،‬وشفاعة الملائكة على الترتيب‪ ،‬فأولهم جبريل‪،‬‬ ‫وآخرهم التسعة عشر مل ًكا التي على النار‪.‬‬ ‫(‪ )4‬سورة محمد الآية‪.19 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )5‬أخربه الترمذي‪ ،‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الشعراء‪ .‬الآية‪.101-99 :‬‬ ‫‪49‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.48 :‬‬ ‫(‪ ) 3‬سورة طه‪ .‬الآية‪.109 :‬‬

‫المناقشة‬ ‫‪ 1 .1‬عرف الشفاعة لغة واصطلا ًحا‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬للنبي ﷺ عدة شفاعات اذكرها‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬كيف ترد على من أنكر الشفاعة مستد ًل بقوله‪ -‬تعالى‪ :-‬؟‬ ‫‪4.4‬هل يشفع الصالحون والعلماء لغيرهم؟ وضح هذا الموضوع‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪11‬‬ ‫الحسنات والسيئات‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫َوال َح َسنَا ُت ُضو ِع َف ْت بِا ْل ِف ْع ِل‬ ‫‪َ -80‬فال َّسيِ َئا ُت ِعنْ َد ُه بِا ْلِ ْثل‬ ‫تعريف الحسنات‬ ‫جمع حسنة‪ ،‬وهي ما يمدح فاعلها شر ًعا‪ ،‬وسميت حسنة؛ لحسن وجه فاعلها‪.‬‬ ‫والمراد بالحسنة‪:‬‬ ‫المقبولة الأصلية التي عملها العبد‪ ،‬أو ما في حكمها‪ ،‬كما إذا تص ّدق شخص عن شخص آخر‬ ‫بصدقة‪ ،‬ووهب له ثواب هذه الصدقة‪.‬‬ ‫ فخرج «بالمقبولة» المردودة‪ ،‬بنحو رياء فلا ثواب فيها أص ًل‪ ،‬وخرج «بالأصلية» الحاصلة‬ ‫بالتضعيف‪ ،‬فلا تضاعف ثانية‪ ،‬وخرج «بالتي عملها العبد‪ ،‬أو ما في حكمها» الحسنة التي ه َّم‬ ‫بها‪ ،‬ولم يعملها‪ ،‬فتكتب واحدة من غير تضعيف‪.‬‬ ‫مضاعفة الحسنات من خصائص هذه الأمة‪:‬‬ ‫ وأقل مراتب التضعيف عشر‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الأنعام‪ .‬الآية‪.160 :‬‬ ‫‪51‬‬

‫وقد ُت َضاعف إلى «سبعين‪ ،‬أو سبعمائة ضعف‪ ،‬أو إلى أضعاف كثيرة»‪ ،‬لا يعلمها إلا الله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ وتتفاوت مراتب التضعيف تب ًعا للتفاوت‪ ،‬والإخلاص‪ ،‬وحسن النية‪ ،‬أما إذا ه ّم بحسنة‬ ‫فلم يعم ْلها‪ ،‬فإنها تكتب حسنة واحدة من غير مضاعفة‪ ،‬وكذلك إذا عزم على معصية ثم تركها‬ ‫تكتب له حسنة‪.‬‬ ‫تعريف السيئات‪:‬‬ ‫جمع سيئة‪ ،‬وهي‪ :‬ما يذم فاعلها شر ًعا‪ ،‬وهي‪ :‬ما يذم فاعلها شرعا‪ ،‬صغيرة كانت‪ ،‬أو كبيرة‪،‬‬ ‫وسميت سيئة؛ لأن فاعلها ُي َساء عند المقابلة عليها يوم القيامة‪.‬‬ ‫والمراد بالسيئة‪:‬‬ ‫التي عملها العبد حقيقة‪ ،‬كأن يكون َس َّب شخص ًا‪ ،‬أو َع َّق والديه مث ًل‪ ،‬أو ما في حكمها‪ ،‬كأن‬ ‫يكون ظلم أح ًدا في دنياه فيؤخذ من سيئات المظلوم و ُت ْط َرح على الظالم‪ .‬أما من فعل سيئة‪ ،‬فإنها لا‬ ‫تضاعف‪ ،‬بل تحسب عليه سيئة واحدة قال‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.261 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة الآنعام‪ .‬الآية‪.160 :‬‬ ‫‪52‬‬

‫التوبة‬ ‫‪12‬‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫َصـ ْغي َر ُة َكــبِي َر ٌة َفـالــ َّثــا ِ ِن‬ ‫‪ُ - 8 1‬ث َّم ال ُّذ ُنو ُب ِع ْن َد َنا ِق ْس َ ِمن‬ ‫َو َل ا ْنتِ َفا َض إِ ْن َي ُع ْد لِل َحـا ِل‬ ‫‪ِ - 82‬منْه ال َم َتا ُب َوا ِج ٌب ِف ال َحا ِل‬ ‫َو ِف ا ْل َق ُبو ِل َر ْأ ُ ُيم َق ْد ا ْخ َت َل ِْف‬ ‫‪َ - 83‬لكِ ْن ُ َي ِّد ُد َت ْو َب ًة َلِا ا ْق َ َت ْف‬ ‫التوبة‪:‬‬ ‫لغة‪:‬مطلقالرجوع‪،‬وكذلكالمتاببمعنىالتوبة‪،‬واصطلا ًحا‪:‬هيمااستجمعثلاثةأركان‪:‬الإقلاع‬ ‫عن الذنب‪ ،‬والندم على فعله‪ ،‬والعزم على ألا يعود‪ ،‬فل ْو لمْيقلع‪ ،‬أو لم يندم‪ ،‬أو عزم على العود فليس‬ ‫بتائب‪.‬هذاإنلمتتعلقالمعصيةبالآدمي‪،‬فإنتعلقتبهفلهاركنرابعوهوردالمظلمةإلىذلكالآدمي‪،‬‬ ‫أوتحصيلالبراءةمنه‪،‬ومنشروطهاأي ًضاصدورهاقبلالغرغرةقبيلالموتيقولسبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ومن شروطها أي ًضا أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬ ‫ وعدم صحة التوبة عند الغرغرة بالنسبة للكافر والعاصي هو رأي الأشاعرة‪ ،‬وقد نسب إلى‬ ‫الماتريدية أن توبة العاصي عند الغرغرة مقبولة‪ ،‬وتوبة الكافر غير مقبولة‪ ،‬وروي العكس‪ .‬والحق‬ ‫رأي الأشاعرة‪ ،‬فالآية صريحة‪ ،‬ولم تفرق بين الكافر والعاصي في عدم قبول التوبة عند الغرغرة‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.18 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫شروط التوبة‪:‬‬ ‫ وبناء على هذا‪ ،‬فإن شروط التوبة خمسة بالنسبة لحقوق الله‪ ،‬وستة بالنسبة لحقوق الآدميين‪:‬‬ ‫‪ 1 .1‬الإقلاع عن الذنب‪.‬‬ ‫‪2 .2‬الندم على فعله‪.‬‬ ‫‪3 .3‬العزم على عدم العودة إليه‪.‬‬ ‫‪4 .4‬رد المظالم إلى أهلها ء وهو خاص بالحق الآدمي‪.‬‬ ‫‪5 .5‬أن تكون التوبة قبل الغرغرة‪.‬‬ ‫‪ 6 .6‬أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬ ‫وجوب التوبة‪:‬‬ ‫ والتوبة واجبة فو ًرا على من ارتكب ذن ًبا‪ ،‬سواء كان صغي ًرا أم كبي ًرا‪ ،‬فتأخير التوبة ذنب‬ ‫آخر‪ ،‬ويتفاوت هذا الذنب باعتبار التأخير‪.‬‬ ‫ وعند المعتزلة يتعدد الذنب بالتراخي‪ ،‬فتتراكم الذنوب‪ ،‬وتزيد كلما تأخر في التوبة‪.‬‬ ‫ أما دليل وجوب التوبة‪ :‬فشرعي عند الأشاعرة‪ ،‬وهو قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وعند المعتزلة يثبت الوجوب بالعقل؛ لأن العقل يدرك حسنها فيوجبها‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة النور‪ .‬الآية‪.31 :‬‬ ‫‪54‬‬

‫حكم من عاد إلى الذنب بعد التوبة‪:‬‬ ‫يرى المعتزلة‪ :‬أن فعل الذنب بعد التوبة منه ينقض التوبة‪ ،‬فيعود ذنبه الذي تاب منه بعوده إليه‪،‬‬ ‫فشرط صحة التوبة عندهم أ ّل يعاود الذنب بعد التوبة‪.‬‬ ‫وعند الصوفية‪ :‬معاودة الذنب بعد التوبة أقبح من «سبعين» ذن ًبا بلا توبة‪ ،‬وهما رأيان ضعيفان‪.‬‬ ‫أما اهل السنة‪ :‬فيرون أن العود إلى الذنب لا ينقض التوبة‪ ،‬ما دام عاز ًما عند التوبة على عدم‬ ‫العود‪ ،‬وعليه إن وقع في الذنب مرة أخرى أن يج ّدد توبة أخرى وهكذا‪ ،‬فلا يضر إلا الإصرار‬ ‫على المعاصي‪.‬‬ ‫ واستدل أهل السنة على ما ذهبوا إليه ببعض الأدلة منها قوله تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وهم الذين يتوبون كلما أذنبوا‪ ،‬ويقول في وصف المؤمنين‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ومن هذه الأدلة أي ًضا قوله ﷺ‪«:‬والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا‪ ،‬لذهب الله بكم ولجاء بقوم‬ ‫يذنبون‪ ،‬فيستغفرون الله‪ ،‬فيغفر لهم»(‪)3.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.222 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة آل عمران‪ .‬الآية‪.135 :‬‬ ‫‪55‬‬

‫آراء العلماء في قبول التوبة‪:‬‬ ‫ هل يجب على الله تعالى أن يقبل توبة التائب‪ :‬ذهب أهل السنة إلى أن الله يتفضل بقبول‬ ‫التوبة إذا استجمعت شرائطها؛ حيث يقول‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ويقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫فهذا وعد كريم‪ ،‬ووعد الكريم لا يتخلف‪ ،‬وإنما ندعو بقبولها خوفا من أن تكون شروطها غير‬ ‫متحققة من الإخلاص‪ ،‬وحسن النية‪.‬‬ ‫ وتوقف إمام الحرمين والقاضي أبو بكو الباقلاني من أهل السنة‪ ،‬فلم يقطعا بالقبول‪ ،‬بل هي‬ ‫معلقة بالمشيئة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن قوله تعالى‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫دليل محتمل بمعنى أنه يقبلها إن شاء وإلا َفلا‪.‬‬ ‫ وذهبت المعتزلة إلى أن الله تعالى يجب عليه أن يقبل توبة عباده إن تابوا‪ ،‬وكانت توبتهم‬ ‫مستجمعة للشروط‪ ،‬وهذا كلام فيه تطاول على الله تعالى‪.‬‬ ‫(‪ )3‬سورةالشوري‪ .‬الآية‪.25 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.17 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورةالشوري‪ .‬الآية‪.25 :‬‬ ‫‪56‬‬

‫ وقد أجمعوا على أن توبة الكافر مقبولة بمشيئته؛ بدليل قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وهذا يؤيد رأي الأشعري؛ إذ لا فرق بين الكافر وبين المؤمن العاصي في قبول التوبة‪ ،‬بل العاصي‬ ‫أولى بالقبول إذا تحققت شروطها‪.‬‬ ‫ ولا يخفى أن توبة الكافر بتركه الكفر وبإيمانه‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الأنفال‪ .‬الآية‪.38 :‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪13‬‬ ‫الذنوب كبائر وصغائر‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫صغائ ٌر وجا الوضوء يك ِّف ُر‬ ‫‪ - 84‬وباجتنا ٍب للكبائر ُتغف ُر‬ ‫تعريف الكبائر والكبيرة‪:‬‬ ‫ هي الذنوب العظيمة التي وضع لها الشارع ح ًّدا في الدنيا‪ ،‬أو تو ّعد صاحبها بالعذاب‬ ‫الأليم‪ ،‬أو ُو ِص َف بالفسق‪ ،‬أو بلعنة الله ورسوله‪ ،‬وأعظمها الشرك‪ ،‬وقد بين‪ ‬بعض الكبائر‪،‬‬ ‫حيث يقول‪«:‬اجتنبوا السبع الموبقات أي‪ :‬المهلكات قيل‪ :‬يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله‪،‬‬ ‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي ح ّرم الله إلا بالحق‪ ،‬وأكل الربا وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪،‬‬ ‫وقذف المحصنات الغافلات(»‪ )،1‬وهناك من الكبائر غير هذه السبع كثير (مع تفاوت مراتبها)‪،‬‬ ‫كالكذب‪ ،‬والغيبة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬وعقوق الوالدين‪.‬‬ ‫تعريف الصغائر‪:‬‬ ‫ أما الصغائر فهي‪ :‬ما ليس فيه حد فيها الدنيا‪ ،‬ولا توعد بعذاب في الآخرة‪.‬‬ ‫و ُتعطىالصغائرحكمالكبائربالإصرارعليهاوالتفاخربها‪،‬أماإنفعلهامنغيرنيةالعودفهيصغائر‪.‬‬ ‫ وبعد أن علمنا أن الذنوب «صغائر‪ ،‬وكبائر» وهو الرأي الصحيح‪ ،‬نجد أن هناك من خالف‬ ‫في هذه المسألة‪:‬‬ ‫‪ 1 .1‬فخالفالمرجئة؛حيثذهبواإلىأنالذنوبكلهاصغائرلاتضرمرتكبهامادامعلىالإسلام‪.‬‬ ‫‪2.2‬وخالف أيضا الخوارج؛ حيث ذهبوا إلى أن الذنوب كلها كبائر‪ ،‬وأن كل كبيرة كفر‪.‬‬ ‫‪ 3 .3‬وثالث ذهب إلى أن الذنوب كلها كبائر‪ ،‬نظ ًرا لعظمة َم ْن ُع ِ َص بها َأي‪ :‬الله ‪ ،‬ولكن لا‬ ‫َي ْك ُفر مرتكبها‪ ،‬كما قالت الخوارج‪ ،‬إلا بما هو ك ُف ٌر كسجود لصنم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬متفق عليه‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫مك َفرات الذنوب‪:‬‬ ‫يك ّفراللهالذنببفعلبعضالصالحات‪،‬كالوضوء‪،‬والعمرة‪،‬وصلةالرحم‪،‬وال َّص َدقة‪،‬يقولسبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فالسيئات كالأمراض‪ ،‬والحسنات دواء لها‪ ،‬وتغفر الذنوب باجتناب الكبائر‪ ،‬كما يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ وقد اتفق المسلمون على أن التكفير يترتب على الاجتناب‪ ،‬فقد َو َع َد سبحانه بذلك‪ ،‬ووعده‬ ‫لا يتخلف‪.‬‬ ‫ ثم اختلفوا هل هذا الترتيب قطعي أم ظني؟ فذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين والمعتزلة‪:‬‬ ‫إلى أنه قطعي؛ لأنه ثبت بدليل قطعي‪ ،‬وهو قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وذهب أئمة الكلام إلى أنه ظني؛ لاحتمال تعلقه على المشيئة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.31 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة هود‪ .‬الآية‪.114 :‬‬ ‫‪59‬‬ ‫(‪ )2‬سورة النساء‪ .‬الآية‪.31 :‬‬

‫أما الكبائر‪:‬‬ ‫فمنها ما يتعلق بالله وحده‪ ،‬وهو ُي ْغ َف َر بالتوبة‪ ،‬وأشد الذنوب المتعلقة به سبحانه الكفر‪ُ ،‬ي ْغ َف ُر‬ ‫بالتوبة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فغيره أولى بالمغفرة فضل ًا منه سبحانه‪.‬‬ ‫ هذا كله في الذنوب المتعلقة بحقوق الله تعالى‪ ،‬أما الذنوب المتعلقة بالناس‪ ،‬فلا بد من ر ّد‬ ‫المظالم إلى أهلها‪ ،‬فمن تاب وعزم على ر ّد المظالم‪ ،‬ولم يستطع‪ ،‬ثم مات‪ ،‬وهو صادق النية‪ ،‬أرضى‬ ‫الله عنه أصحاب هذه المظالم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورةالأنفال‪ .‬الآية‪.38 :‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪14‬‬ ‫حكم مرتكب الكبيرة‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫فـ َأ ْمـ ُر ُه ُم َفــ َّو ٌض لِ َر ِّب ِه‬ ‫‪ - 85‬و َمـ ْن َي ُمـ ْت ولم ُيتِ ْب مــن ذنبِ ِه‬ ‫َكبِي َر ًة ُث َّم ال ُخ ُلو ُد ُ ّم َتنَ ْب‬ ‫‪َ - 8 6‬و َوا ِج ٌب َت ْع ِذي ُب َب ْع ٍض ا َرت َك ْب‬ ‫مذهب أهل السنة‪:‬‬ ‫ أولاً‪َ :‬م ْن مات قبل أن يتوب من الصغائر‪ ،‬فالأمر فيها موكول إلى الله‪-‬سبحانه‪-‬إن شاء‬ ‫غفر‪ ،‬وإن شاء ع َّذب‪.‬‬ ‫ ثان ًيا‪ :‬يرى أهل ال ُّسنَّة‪ :‬أ َّن َم ْن مات قبل أن يتوب من الكبائر‪ ،‬فأمره مفوض إلى الله‪ ،‬إن شاء‬ ‫غفر له‪ ،‬وإن شاء أدخله النار دون خلود فيها‪ ،‬وهذا مفهوم من عموم قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورةالنساء‪ .‬الآية‪.116 :‬‬ ‫‪61‬‬

‫أما المعتزلة‪:‬‬ ‫فيرون أن مرتكب الكبيرة‪ ،‬الذي مات دون أن يتوب منها‪ ،‬لا بد من خلوده في النار؛ وهذا رأي‬ ‫يخالف صريح القرآن والسنة‪ ،‬فقوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫صريح في جواز المغفرة بدون توبة‪ ،‬ويقول ‪« :‬من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»‪« ،‬فقال أبو ذر‪:‬‬ ‫وإن زنى‪ ،‬وإن سرق؟ قال»‪« :‬وإن زنى‪ ،‬وإن سرق»‪« ،‬فأعاد أبو ذر سؤاله ثلاثا‪ ،‬والرسول يرد‬ ‫بنفس الرد‪ ،‬ثم قال في الثالثة‪« »:‬وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر»(‪)2 .‬‬ ‫وفي تخليد مرتكب الكبيرة في النار‪ ،‬تسوية بينه وبين الكفار‪ ،‬مع أن الله خاطب العصاة بوصف‬ ‫الإيمان كما في قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫هل يجب تحقق الوعيد؟‬ ‫بمعنى آخر‪ ،‬هل يجب أن يعذب الله بعض العصاة ليتحقق وعيده فيمن تو ّعد؟ يعني يعذب بعض‬ ‫القتلة‪ ،‬وبعض الزناة‪ ،‬وبعض شاربي الخمر؟‬ ‫ يقول الماتريدية‪ :‬نعم‪ ،‬إنه يجب تعذيب بعض العصاة؟ ليتحقق الوعيد‪.‬‬ ‫ ويقول الأشاعرة‪ :‬إنه لا يجب تعذيب أحد‪ ،‬بل تجوز المغفرة لجميع المؤمنين‪ ،‬وهذا بنا ٌء على‬ ‫المذهب من أنه يجوز تخلف الوعيد‪ ،‬وإن كان لا يجوز تخلف الوعد‪.‬‬ ‫ وقد رأى الشيخ «عبد السلام بن إبراهيم اللقاني» أن المقصود بالأمة أمة الدعوة‪ ،‬فتشمل‬ ‫الكفار‪ ،‬والذين لم يستجيبوا‪ ،‬فيجوز أن يكون البعض المعذب على بعض الكبائر من الكفار‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لخلود العصاة في النار‪ ،‬فلا يقول به أهل السنة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورةالحجرات‪ .‬الآية‪.9 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪62‬‬ ‫(‪ ) 1‬سورةالنساء‪ .‬الآية‪.116 :‬‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫ والحاصل أن الناس على قسمين‪ :‬مؤمن وكافر‪ ،‬فالكافر مخ ّلد في النار إجما ًعا‪ ،‬والمؤمن على‬ ‫قسمين‪ :‬طائع وعاص‪ ،‬فالطائع في الجنة إجما ًعا‪ ،‬والعاصي على قسمين‪ :‬تائب وغير تائب‪ ،‬فالتائب‬ ‫في الجنة إجما ًعا‪ ،‬وغير التائب في المشيئة‪ ،‬وعلى تقدير عذابه فإنه لا يخ ّلد في النار‪.‬‬ ‫المناقشة‬ ‫‪ 1 .1‬اختص الله أمة محمد  بمضاعفة الحسنات فما مراتب التضعيف‪ ،‬مع ذكر الدليل‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬تتنوع الذنوب إلى صغائر وكبائر‪ ،‬فما مفهوم كل واحد منهما‪ .‬وما دليل انقسامها؟ وما‬ ‫المقصود بالكبائر؟ وما أمثلتها؟‬ ‫‪ 3 .3‬للتوبة النصوح أركان‪ ،‬فما هي؟‬ ‫‪ 4.4‬اختلف العلماء فيمن عاد إلى الذنب بعد التوبة منه‪ .‬وضح الخلاف بالتفصيل‪.‬‬ ‫‪ 5 .5‬قال صاحب الجوهرة‪.‬‬ ‫ ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه‬ ‫ ما المقصود بالقول السابق‪ ،‬وهل هناك خلاف في هذا‪ .‬وما حكم مرتكب الكبيرة عند ‬ ‫ أهل السنة؟ وما أدلتهم؟ ومن المخالف لهم؟وما رأيهم؟‬ ‫‪ 6.6‬ب ّي المذاهب في تحقق وعد الله‪ ،‬ووعيده‪ .‬مع تحديد المذهب الصحيح‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫َك َم ِم َن ال ُق ْرآ ِن َن َّصا ُع ِر َفا‬ ‫‪15‬‬ ‫صحائف الأعمال‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫‪َ - 7 8‬و َوا ِج ُب َأ ْخ ُذ ال ِع َبا ِد ال ُّص ُح َفا‬ ‫المراد بصحف الأعمال‪:‬‬ ‫ صحف الأعمال‪ :‬هي التي س ّط َر ْت فيها الملائك ُة ك َّل ما يفعله المرء في الدنيا‪.‬‬ ‫ وقيل‪ :‬إن لكل يوم صحيفة‪ ،‬كما َو َر َد‪« :‬ما من م ُومن إلا وله كل يوم صحيفة‪ ،‬فإذا طويت‬ ‫وليس فيها استغفار طويت‪ ،‬وهي سوداء مظلمة‪ ،‬واذا طويت‪ ،‬وفيها استغفار طويت‪ ،‬ولها نور‬ ‫يتلألأ‪ ،‬فإذا كان يوم الحساب‪ُ ،‬وصلت هذه الصحف بعضها ببعض حتى تكون صحيفة واحدة»‪)1(.‬‬ ‫ وقيل‪ :‬إن هناك من ينسخ هذه الصحف المتعددة في صحيفة واحدة؛ فالكتاب الذي يعطى‬ ‫لصاحبه كتاب واحد فيه كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬كما يقول الله ‪ ‬سبحانه وتعالى‪ ،‬على لسان المجرمين‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬ذكره النسفي‪ ،‬لم يرو هذا الحديث في شيء من كتب السنة‪.‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورةالكهف‪ .‬الآية‪.49:‬‬ ‫‪64‬‬

‫ أما بالنسبة لطريقة أخذ الكتاب‪ :‬فإن المؤمن يأخذ كتابه بيمينه إكرا ًما له‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ أما الكافر‪ ،‬فإنه يأخذه بشماله من وراء ظهره‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ وإعطاء الكتب ليس خا ًّصا بالأمة الإسلامية‪ ،‬بل هو عام فى جميع الأمم‪ ،‬لكل من وجب عليه‬ ‫الحساب‪ ،‬أما من عافاه الله من الحساب‪ ،‬كالأنبياء‪ ،‬ومن أكرمهم الله بإدخالهم الجنة بغير حساب‪،‬‬ ‫فليس هناك حاجه لإعطائهم كتبهم‪ ،‬وسيكون على رأس من يدخلون الجنة بغير حساب من غير‬ ‫الأنبياء أبو بكر ‪ ‬كما ورد‪.‬‬ ‫ ولكن َم ْن يدفع الصحف للعباد‪ :‬ورد أن ِري ًحا ُت َط ِّ ُي الكتب من خزانة تحت العرش‪ ،‬فلا تخطئ‬ ‫صحيفة عنق صاحبها‪ ،‬كما ورد أن كل شخص يدعى فيعطى كتابه‪ ،‬فالريح ُت َط ّيها‪ ،‬والملائكة‬ ‫يسلمونها لأصحابها بأيمانهم إن كانوا مؤمنين‪ ،‬وبشمائلهم ومن وراء ظهورهم إن كانوا كافرين‪.‬‬ ‫‏ أما المؤمن العاصي‪ ،‬فقد اختلفت الأقوال فى شأنه‪ ،‬ولم يقل أحد بأخذه بشماله‪ ،‬وتو ّقف‬ ‫البعض عن الحكم‪ ،‬والصحيح أنه يأخذ ُه بيمينه‪ ،‬لأنه مؤمن‪ ،‬كما جزم بذلك الإمام الماوردي‪،‬‬ ‫وهو المشهور‪.‬‬ ‫ ‏‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪ ) 3‬سورة الانشقاق‪ .‬الآيات‪.12-7 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الحاقة‪ .‬الآية‪.19 :‬‬ ‫‪65‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة الحاقة‪ .‬الآية‪.25 :‬‬

‫ الدليل على هذه المسأله‪ :‬قد ثبت أخذ صحائف الأعمال بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والإجماع‪،‬‬ ‫يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وقال ‏ ‪:‬‬ ‫ حكم الإيمان بثبوت صحائف الأعمال‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافر‪ ،‬لما سبق من الأدلة‪.‬‬ ‫ وكيف يقرأ كتابه وقد يكون أم ًّيا؟ وما هي اللغة التي تكتب بها‏الصحف‪ ،‬وللناس لغات‬ ‫شتى‪ ،‬ولهجات مختلفة؟‬ ‫ قيل إن القراءة ليست مقصودة بحقيقتها‪ ،‬بل ذلك مجاز عن العلم ‪ ،‬فتعرض عليه أعماله‬ ‫(‪)2‬‬ ‫بصورة سريعة يدرك فيها كل شيء ‪ ،‬فيقول‪ :‬‬ ‫والراجح أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق فيه القدرة على القراءة‪ ،‬والفهم؛ ليقيم عليه‬ ‫الحجة‪ ،‬وقيل إن هناك من لم يقرأ ذهو ًل ودهشة من القبائح التي فيه‪ ،‬و ُن َف ِّو ُض علم هذه الأمور‬ ‫إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو أعلم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الإسراء‪ .‬الآيتان‪.14-13 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الكهف‪ .‬الآية‪.49 :‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪16‬‬ ‫الوزن والميزان‬ ‫قال النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫َف ُتو َز ُن ال ُك ُت ُب‪ ،‬أ ْو الأ ْع َيا ُن‬ ‫‪َ - 8 8‬و ِم ْث ُل َه َذا ال َو ْز ُن َوالمِي َزا ُن‬ ‫ يكون الوزن لمن ُيعطى الكتاب استعدا ًدا للحساب‪ ،‬وأما من ُأعفوا من الحساب‪ ،‬فلا‬ ‫يعطون صح ًفا‪ ،‬ولا ُتوزن لهم أعما ٌل‪.‬‬ ‫ وعملية الوزن والتقدير تحتاج إلى آلة يكون بها الوزن‪ ،‬وهي الميزان‪.‬‬ ‫صفة الميزان‪:‬‬ ‫ وقيل‪ :‬في وصف الميزان‪ ،‬إ َّن له قصبة وكفتين ولسا ًنا‪ ،‬كهيئة موازين الدنيا‪.‬‬ ‫‏ويكون ثِ َق ُل الميزان وخفته على هيئته في الدنيا‪ ،‬وقيل عكس ذلك‪ ،‬فيصعد الثقيل إلى أعلى‪ ،‬ويهبط‬ ‫الخفيف إلى أسفل‪ ،‬أخ ًذا من قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫والأولى التفويض في هذه التفاصيل‪ ،‬وهل هو ميزان واحد‪ ،‬أو موازين متعددة لكل شخص‬ ‫ميزان‪ ،‬أو لكل عمل ميزان؟ أقوال مختلفة‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة فاطر‪ .‬الآية‪.10 :‬‬ ‫‪67‬‬

‫ وهل توزن أعمال الكفار‪ ،‬أو يكفي الكفر ليدخلهم النار؟ وقد ّيكون للكافر حسنات‬ ‫وسيئات غير الكفر‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فلا بد من وزن حسناتهم وسيئاتهم فيرجح الكفر ويلقى في النار‪ ،‬أما قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أي ناف ًعا يعود عليهم بنعيم‪ ،‬أو تخفيف العذاب‪.‬‬ ‫آراء العلماء في الميزان‪:‬‬ ‫‏ أما المعتزلة فقد ف ّسوا‪ :‬الميزان بالعدالة المطلقة‪ ،‬وجعلوا الميزان رم ًزا لها‪ ،‬وليس هناك ‪ -‬في‬ ‫رأيهم ‪ -‬ميزان حقيقي‪ ،‬وشبهتهم في ذلك أن الأعمال مما ليس له ثقل حتى توزن‪.‬‬ ‫ أما أهل السنة‪ :‬فيرون أن حمل هذه النصوص على ظاهرها وحقيقتها‪ ،‬أولى من تأويلها‬ ‫وصرفها ‪ ،‬فالحقيقة ممكنة‪ ،‬بأن تصورالمعاني صو ًرا حسية لها وزن‪ ،‬أو أن توزن نفس الصحف‪،‬‬ ‫ويشهد لذلك حديث البطاقة‪ ،‬الذي رواه الترمذي والذي ُذكر فيه‪ ،‬أنه ُيؤ َتى بشخص ُينشر عليه‬ ‫تسعة وتسعون سج ًل‪ ،‬يعترف بكل ما فيها من سيئات‪ ،‬ثم توضع في كفة حسناته بطاقة‪ ،‬فيها‬ ‫كلمة التوحيد فتطيش السجلات‪ ،‬وهذا لرجل أراد الله له الخير‪ ،‬أو ُتوزن الأشخا ُص أنفسهم‪،‬‬ ‫وقد وردت آثار تشهد لكل رأي من هذه الآراء‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة فصلت‪ .‬الآية‪.46 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الكهف‪ .‬الآية‪.105 :‬‬ ‫‪68‬‬

‫‏دليل الوزن والميزاث‪:‬‬ ‫ ورد إثبات الوزن والميزان في الكتاب والسنة‪ ،‬وأجمعت عليهما الأمة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ويقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ويقول‪:‬‏ ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ حكم الإيمان بالوزن والميزان‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافر‪ ،‬لما م ّر من أدلة‪.‬‬ ‫ الحكمة من الوزن‪ :‬إظهار العدالة الإلهية المطلقة‪ ،‬وطمأنة المؤمنين‪ ،‬وانذار المجرمين ‪،‬‬ ‫وإقامة ال ُح ّجة على المخالفين‪.‬‬ ‫(‪ )3‬سورة القارعة‪ .‬الآيات‪.11-6 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الأعراف‪ .‬الآيتان‪.9-8 :‬‬ ‫‪69‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة الأنبياء‪ .‬الآية‪.47 :‬‬

‫ُم ُرو ُر ُهم َف َسا ِلٌ ُو ُمنْ َتلِ ْف‬ ‫‪17‬‬ ‫الصراط‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫‪َ - 8 9‬ك َذا ال ِّ َصا ُط َفا ْل ِع َبا ُد ُ ْم َتلِ ْف‬ ‫ والصراط لغة‪ :‬الطريق الواضح الصحيح‪ ،‬وفي الاصطلاح‪ :‬جسر ممدود على متن جهنم ترده‬ ‫جميع الخلائق‪ ،‬ما عدا طائفة من الكفار‪ُ ،‬ي َع َّجل بإلقائهم في جهنم من الموقف مباشرة‪.‬‬ ‫‏ ويسير على الصراط من يدخل الجنة بغير حساب‪ ،‬والكل صامت لا يتكلم إلا الأنبياء‬ ‫يقولون‪ :‬اللهم س ّلم س ّلم‪.‬‬ ‫‏ وقد اشتبه الأمر على المعتزلة‪ ،‬فظنوا أن هناك تعار ًضا في الأوصاف‪ ،‬ولذلك لم يعترفوا‬ ‫بالصراط على حقيقته المشهورة‪ ،‬بل صرفوه عن ظاهره وقالوا‪ :‬المراد به الأدلة الواضحة‪ ،‬فليس‬ ‫هناك صراط حقيقي ممدود على متن جهنّم يم ّر عليه الناس‪.‬‬ ‫‏ أما أهل السنة فيرون أ ّنه ليس هناك ما يدعو إلى هذا التأويل‪ ،‬وصرف النصوص عن ظاهرها‪،‬‬ ‫لأن الحقيقة ممكنة‪ ،‬واختلاف الأوصاف في الضيق والسعة يمكن فهمه باعتبارالمارين عليه حسب‬ ‫أعمالهم التي تنير لهم‏الطريق‪ ،‬فالعصاة يش ّق عليهم المرور حتى يبدو أمامهم الطريق ض ِّي ًقا حا ًّدا‪،‬‬ ‫والصالحون يع ُبون بفض ٍل من الله‪ ،‬فيرون الطريق أمامهم واس ًعا سه ًل‪.‬‬ ‫‏ وهذا ما ورد أي ًضا أن الناس يختلفون في المرور على الصراط‪ ،‬فمنهم من يجتازه َك َط ْر ِف العين‪،‬‬ ‫ومنهم من يم ّر كالبرق الخاطف‪ ،‬أو كالريح العاصف‪ ،‬أو كالطير‪،‬أو كالجواد السابق‪ ،‬ومنهم من‬ ‫يجتازه سع ًيا أو مش ًيا‪ ،‬ومنهم من يحبو حبوا‪ ،‬وإنما كان ذلك التفاوت حسب التفاوت في الأعمال‬ ‫الصالحة والسيئة‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫ دليل ثبوت الصراط‪ :‬أنه قد ورد ذكره في القرآن الكريم‪ ،‬حيث يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫كما ورد في السنة الصحيحة ذكر الصراط وأوصافه‪ ،‬يقول ‪« :‬ثم ُي ْ َض ُب الجسر على جهنم‪،‬‬ ‫وتحل الشفاعة‪ ،‬ويقولون اللهم سلم سلم‪ ،‬قيل يا رسول الله‪ ،‬وما الجسر؟ قال َد ْح ٌض مزلة فيه‬ ‫خطاطيف» (‪)2.‬‬ ‫‏ وورد أي ًضا أن الملائكة تقوم على جانبيه‪ ،‬وكذلك الكلاليب التي تأخذ العصاة‪ ،‬فتلقي‬ ‫بهم في النار‪ ،‬وأن فيه طريقين‪ ،‬فأهل السعادة يسلكون طريق اليمين‪ ،‬وأهل الشقاء يسلكون‬ ‫طريق ال ِّشمال‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ ‏اختلف المفسرون في قوله تعالى‪:‬‬ ‫والأظهر أنه الصراط‪ ،‬فجميع الخلائق َت ِر ُد جهنم بمرورهم فوق الصراط حتى الأنبياء‪ ،‬والشهداء‬ ‫والصالحون‪ ،‬فينجوا هؤلاء‪ ،‬وتأخذ الكلاليب العصاة فتلقيهم في النار‪.‬‬ ‫‏ وما ورد في تفاصيله‪ ،‬نف ّوض علمه إلى الله ‪-‬تعالى‪. -‬‬ ‫ ‏الخلاصة‪ :‬أن جميع المؤمنين يعترفون بالصراط في الجملة‪ ،‬والمعتزلة منهم يصرفون النصوص‬ ‫عن ظاهرها‪ ،‬ويرون أن المقصود الطريق‪ ،‬أو الأدلة الواضحة‪.‬‬ ‫ حكم الإيمان بالصراط‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافرلما سبق من الأدلة‪ ،‬أما منكر هذا التفصيل‬ ‫فليس بكافر‪ ،‬ولا فاسق‪.‬‬ ‫الحكمة من الصراط‪ :‬إظهار فرح المؤمنين‪ ،‬وحسرة الكافرين‪.‬‬ ‫‏ ‬ ‫(‪ ) 3‬سورة مريم‪ .‬الآيتان‪.72-71 :‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الفاتحة‪ .‬الآية‪.6 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫المناقشة‬ ‫‪1.1‬ما المقصود بصحائف الأعمال؟ وكيف يأخذها العباد؟ وما دليل ذلك؟ وما حكم الإيمان‬ ‫بها؟ وما حكم منكرها؟‬ ‫‪2.2‬ما حكم الإيمان بالوزن والميزان يوم القيامة؟ وكيف نفهم قوله تعالى ‪:‬‬ ‫؟‬ ‫‪3.3‬ما المقصود بالصراط يوم القيامة؟ وما دليله؟ وكيف نفهم التفاصيل الواردة فيه؟ وكيف‬ ‫يختلف العباد في المرور عليه؟ وما حكم الإيمان به؟ وما حكم منكر ذلك؟‬ ‫‪72‬‬

‫‪18‬‬ ‫الحوض‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫َح ْت ٌم َك َم َق ْد َجا َء َنا ِف النَّ ْقـ ِل‬ ‫‪ - 90‬إِي َم ُننَا بِ َح ْو ِض َخ ْ ِي ال ُّر ْس ِل‬ ‫بِ َع ْه ِد ِه ْم َو ُق ْل ُي َذا ُد َم ْن َط َغ ْوا‬ ‫‪َ - 9 1‬ي َنا ُل ُ ْش ًبا ِم ْن ُه َأ ْقـ َوا ٌم َوفـوا‬ ‫تعريفه‪:‬‬ ‫ قيل في تعريفه‪ :‬هو جسم مخصوص كبير متسع الجوانب يكون على الأرض المبدلة قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫عند ما يشتد الموقف بالناس‪ ،‬يظهر الله ‪ -‬سبحانه‪ -‬كرامة هذه الأمة‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬فتكون لرسولها‬ ‫الشفاعة العظمى فى إنهاء الموقف‪ ،‬ثم يكون أتباعه أ ّول َم ْن يمرون على الصراط‪ ،‬ثم يخصهم الله‬ ‫سبحانه بخاصة أخرى يشربون منه‪ ،‬فلا يظمأون أب ًدا‪.‬‬ ‫‏ وقد ورد في الصحيحين أن رسول الله  قال‪« :‬حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء‪ ،‬ماؤه أبيض‬ ‫مناللبن‪،‬وريحهأطيبمنالمسك‪،‬وكيزانهأكثرمننجومالسماءمنشربمنهفلايظمأأب ًدا»‪)2(.‬‬ ‫ وهذا الحوض بهذه الأوصاف من خصائص رسولنا ‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة إبراهيم‪ .‬الآية‪.48 :‬‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬ ‫‪73‬‬

‫ وقيل‪ :‬لكل نبى حوض‪ ،‬يرده من آمن به‪ ،‬كما ورد عن الحسن مرفو ًعا‪« ،‬أن لكل نبي حو ًضا‪،‬‬ ‫وهو قائم على حوضه‪ ،‬وبيده عصا يدعو من عرفه من أمته‪ ،‬ألا وإنهم يتباهون أي ّهم أكثر تب ًعا‪ ،‬وإني‬ ‫لأرجو أن أكون أكثرهم تب ًعا»‪)1(.‬‬ ‫ والأحاديث الواردة في الحوض كثيرة ج ًّدا تكاد تكون متواترة‪ ،‬وكلها مجمعة على نسبة‬ ‫الحوض إلى النبي ‪ ،‬وإن اختلفت في وصفه‪ ،‬ففي بعض الروايات أنه مسيرة شهر‪ ،‬وفي البعض‬ ‫الآخر أنه مسيرة شهرين‪ ،‬وبعضها مثل المسافة بين مكة وأيلة‪ ،‬وقيل كالمسافة بين عدن وعمان‪ ،‬أ ْو‬ ‫بين صنعاء والمدينة‪ ،‬أ ْو ب ْي المدينة وبيت القدس‪ ،‬والمقصود من كل ذلك أنه واسع لحد كبير‪.‬‬ ‫ ‏ولقد أدى هذا الاختلاف في صفة الحوض ببعض المعتزلة إلى إنكاره‪ ،‬وأولوه بأنه نوع‬ ‫من رضوان الله ونعمه‪ ،‬وليس هناك ما يمنع أن يكون رضوان الله بهذه الصورة التي وردت في‬ ‫الأحاديث‪ ،‬وليس هناك أي ًضا ما يدعو إلى صرف هذه النصوص عن ظاهرها ما دامت الحقيقة‬ ‫ممكنة‪ ،‬وهذا هو الحق‪ ،‬وهو رأي أهل السنة‪.‬‬ ‫‏ أما مكانه‪ :‬فلم يرد في السنة الصحيحة تحدي ٌد له‪ ،‬وقداختلفت الأقوال فيه‪ :‬فهناك من يقول‬ ‫إنه قبل الصراط؛ ليشرب منه المؤمنون‪ ،‬بعد خروجهم من القبور ِع َطا ًشا‪.‬‬ ‫ ‏وفريق آخر يرى أن موضعه بعد الصراط قبل الجنة‪ ،‬والناس في حاجة إلى الشرب منه في هذا‬ ‫الموضع‪ ،‬لأنهم يقفون بعد الصراط ليتحللوا من المظالم فيما بينهم‪.‬‬ ‫‏ وفريق ثالث يرى أن هناك حوضين لنبينا ‪ ،‬أحدهما قبل الصراط‪ ،‬والآخر بعده‪ ،‬ولا‬ ‫حرج على فضل الله‪.‬‬ ‫‏ وهذا الحوض يشرب منه المؤمنون‪ ،‬أما الكفار والمرتدون الذين أحدثوا وغ َّيوا وب َّدلوا بعده‬ ‫ ف ُيطردون عنه‪ ،‬فلا يشربون كما في الحديث الصحيح‪ ،‬وأما عصاة المؤمنين فالصحيح أنهم‬ ‫ُيمنعون أو ًل عقا ًبا لهم ثم يباح لهم الشرب منه‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬أخرجه ابن أبي الدنيا‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪19‬‬ ‫الإيمانبالعرشوالكرس ّيوالقلمواللوحالمحفوظ‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫والكـاتبون اللــو ُح ك ٌّل ِحـ َكــ ُم‬ ‫‪َ -92‬والعر ُش وال ُك ْر ِ ُّس ثم ال َق َل ْم‬ ‫َيِـ ْب عــليــك أيهــا الإنســا ُن‬ ‫‪-93‬لا لاحـتيــا ٍج وبهـا الإيـما ُن‬ ‫يجب الإيمان بهذه الأمور السمعية وهي‪:‬‬ ‫‪1 .1‬العرش‪:‬‬ ‫وهو جسم عظيم نوراني علوي‪ ،‬فوق العالم‪ ،‬تحمله ملائكة أربعة في الدنيا‪ ،‬وثمانية في الآخرة‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ 2 .2‬الكرسي‪:‬‬ ‫وهو جسم عظيم نوراني تحت العرش‪ .‬فوق السماء السابعة‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الحاقة‪ .‬الآية‪.17 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.255 :‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪ 3 .3‬القلم‪:‬‬ ‫ وهو جسم عظيم نوراني خلقه الله‪ .‬وأمره أن يكتب ما كان‪ ،‬وما يكون إلى يوم القيامة‪ .‬كما ورد‬ ‫في السنة المطهرة‪.‬‬ ‫‪4 .4‬الكاتبون‪:‬‬ ‫ وهم الملائكة الكتبة‪ .‬منهم من يكتب أفعال العباد‪ ،‬ومنهم من يكتب من اللوح المحفوظ في‬ ‫صحف الملائكة لتنفيذها‪.‬‬ ‫‪5 .5‬اللوح المحفوظ‪:‬‬ ‫ وهو جسم كتب فيه القلم بإذن الله ما كان وما يكون إلى يوم القيامه قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ وهذه الأمور الغيبية خلقها الله ل ِح َكم تقصر عقولنا عن إدراكها‪ ،‬وليست لحاجة الله إليها‪ .‬فلم‬ ‫يخلق العرش للارتقاء‪ ،‬ولا الكرس َّي للجلوس‪ ،‬ولا القلم لاستحضار ما غاب عن علمه تعالى‪ ،‬ولا‬ ‫الكاتبين ولا اللوح لضبط ما يخاف نسيانه‪.‬‬ ‫‏حكم ال ِإيمان بما سبق‪:‬‬ ‫‏ يجب على المكلف الإيمان بكل ما سبق من‪ :‬عرش وكرسي‪ ،‬وكتبة‪ ،‬ولوح‪ ،‬كغيرها من الأمور‬ ‫السمعية الثابتة بالأدلة من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة البروج‪ .‬الآية‪.22-21 :‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة يس‪ .‬الآية‪.12 :‬‬ ‫‪76‬‬

‫َل َت ِ ُل َِلا ِح ٍد ذي ِج َّن ْه‬ ‫‪20‬‬ ‫ُم َع َّذ ٌب ُم َن َّع ٌم مهما َب ِق َي‬ ‫الجنة والنار‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫‪ - 94‬وال َّنا ُر َح ٌّق ُأو ِجد ْت َكال َجنَّه‬ ‫‪َ - 9 5‬دا ُر ُخـ ُلو ٍد لل َّس ِعي ِد وال َّش ِقي‬ ‫تعريفه الجنة‪:‬‬ ‫ الجنة في اللغة‪ :‬البستان‪ ،‬وفي الاصطلاح‪ :‬دار الثواب التي أعدها لله للمؤمنين‪ ،‬لتكون دار‬ ‫إقامة خالدة مؤ َّبدة ُم َع َّدة للسعداء‪ ،‬الذين فارقوا الدنيا على الإيمان‪.‬‬ ‫درجات الجنة‪:‬‬ ‫ والجنة درجات بعضها فوق بعض‪ ،‬أفضلها الفردوس‪ ،‬وهي أعلاها‪ ،‬وتليها جنة «عدن»‪،‬‬ ‫ثم «جنة الخلد»‪ ،‬ثم «النعيم»‪ ،‬ثم «المأوى»‪« ،‬ودار السلام»‪« ،‬ودار الجلال» فهي سبع‪ ،‬وكلها‬ ‫متصلة بمقام الوسيلة‪ ،‬والدرجة الرفيعة؛ لينعم أهل الجنة جمي ًعا بمشاهدة المصطفى  ‪.‬‬ ‫‏ وقيل‪ :‬إن الجنات أربع فحسب‪ ،‬أخ ًذا من قوله سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وهما جنة النعيم‪ ،‬وجنة المأوى ثم يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وهما عدن والفردوس‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنها جنة واحدة تتفاوت درجاتها‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة الرحمن‪ .‬الآية‪.٤٦:‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة الرحمن‪ .‬الآية‪.٦٢:‬‬ ‫‪77‬‬

‫تعريف النار‪:‬‬ ‫ والنار في اللغة‪ :‬جسم لطيف محرق‪ ،‬وفي الاصطلاح‪ :‬دار العذاب ال ُم َع َّدة للعصاة‪ ،‬والنار‬ ‫دركات‪ :‬أعلاها جهنم لعصاة المؤمنين‪ ،‬وتحتها «لظى»‪ ،‬ثم «الحطمة»‪ ،‬ثم «السعير»‪ ،‬ثم «سقر»‪،‬‬ ‫ثم «الجحيم»‪ ،‬ثم «الهاوية»‪.‬‬ ‫ وقيل‪ :‬هي نار واحدة تختلف طبقاتها‪ ،‬وشدة العذاب فيها‪ ،‬كما يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وجود الجنة والنار‪:‬‬ ‫يرى البعض أن الجنة والنار غير موجودتين الآن‪ ،‬وهو ليس بصواب‪ ،‬كيف وقد أخبر الله ‪-‬‬ ‫سبحانه‪ -‬عن إعداد الجنة والنار‪ ،‬وكونهما دار ْي ثواب وعقاب في كثير من آي القرآن الكريم‪،‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وقال أي ًضا‪:‬‬ ‫(‪)3( )1‬‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪ )3‬سورة الكهف الآيتان‪٠٧ :‬‏ا‪٠٨ ،‬‏ا‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )4‬سورة الأحزاب الآية‪٦٤ :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬الآية‪٤٥ :‬ا‪.‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة مريم‪ .‬الآية ‪.63‬‬ ‫‪78‬‬

‫فجمهور المسلمين يرى أنهما موجدتان الآن‪ ،‬استنا ًدا لهذه الآيات‪ ،‬وغيرها الكثير‪.‬‬ ‫‏ وبناء على ما سبق‪ ،‬فإ ّن الجنة‪ ،‬والنار حقيقتان‪ ،‬د ّل على وجودهما القرآن والسنة وإجماع‬ ‫الأمة‪ ،‬ولم يصرح بإنكارهما إلا بعض الفلاسفة بنا ًء‏على مذهبهم في البعث‪.‬‬ ‫‏ واستدل المعتزلة على عدم وجود الجنة والنار الآن‪ ،‬بأنه لا داعي لوجودهما الآن‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫أخرى قد ذكر الله أن َع ْرض الجنة كعرض السماء والأرض‪ ،‬فكيف يتصور وجودهما الآن؟‬ ‫‏ والرد على هذه الشبه يسير؛ لأن ملك الله تعالى ليس محدو ًدا بهذه ‏السماوات السبع‬ ‫والأراضين حتى لا يجد مكا ًنا للجنة والنار‪.‬‬ ‫‏ أما الحكمة من إعدادهما منذ خلق السماوات والأرض‪ ،‬فلا يعلمها إلا الله سبحانه‪.‬‬ ‫ ‏مكان الجنة والنار‪ :‬لم ير ْد ن ّص صريح بتعيينه‪ ،‬ويرى كثير من الصحابة أن الجنة فوق السماوات‬ ‫السبع‪ ،‬وتحت العرش‪ ،‬وأن النار تحت الأرضين السبع‪ ،‬والح ّق تفويض علم ذلك لله‪.‬‬ ‫‏ خلود الجنة والنار‪ :‬نصوص القرآن صريحة في استمرار الجنة والنار وعدم فنائهما‪ ،‬في كثير‬ ‫من الآيات يذكر سبحانه الخلود على وجه التأبيد؛ ليد ّل على استمرار البقاء‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة النساء‪ .‬الآية‪ ٢٢ :‬‏‪١‬‬ ‫‪79‬‬

‫ويقول في حق الكافرين‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ولا يشذ عن هذا الإجماع غير الجهمية‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬بفنائهما بعد النعيم والعذاب‪.‬‬ ‫‏ والخلود فى النار خاص بالكافرين‪ ،‬أما عصاة المؤمنين فإنهم يخرجون منها ويدخلون الجنه‬ ‫فيخلدون فيها‪.‬‬ ‫ ‏والمؤمنون هم السعداء والمخلدون فى الجنة‪ ،‬والكفار هم الأشقياء والمخلدون في النار‪،‬‬ ‫وهم المقصودون بقوله سبحانه ‏‪ :‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة الاحزاب‪ .‬الآيتان‪٦٥ ،٦٤ :‬‏‪.‬‬ ‫(‪ ) 2‬سورة هود‪ .‬الآيات‪٠٦ :‬‏ا ‪٠٨ -‬‏ا‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫ أما جزاء غر المك ّلفين‪ :‬إن كانوا من أولاد المؤمنين‪ ،‬فالراجح أنهم في الجنة‪ ،‬وأما غيرهم‬ ‫فقيل في الجنة‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬ ‫ ‏وفي الجنة من أنواع النعيم (ما لا عين رأت‪ ،‬ولا أذن سمعت‪ ،‬ولا خطر على قلب بشر) كما‬ ‫ورد في مسلم أو في البخاري‪.‬‬ ‫ وكذلك في عذاب النار فيها من الأهوال ما لا يعلمه إلا الله‪ ،‬ويكفي أن وقودها‬ ‫الناس والحجارة‪.‬‬ ‫‏ ولذلك أمرنا النبي ‪ ‬أن نستعيذ بالله من النار وأن نسأله الجنة‪.‬‬ ‫المناقشة‬ ‫‪1.1‬ما المقصود بحوض نبينا محمد ؟ وما مذهب أهل السنة فيه؟ وما دليلهم؟ وهل هو‬ ‫قبل الصراط أو بعده؟ وضح ذلك‪.‬‬ ‫‪2.2‬لماذا أنكر المعتزلة وجود حوض النبي ‪ ،‬وما مذهب أهل السنة والجماعة في إثباته؟‬ ‫وما أدلتهم؟‬ ‫‪3.3‬ع ِّرف ك ًّل من‪ :‬العرش‪ ،‬الكرسي‪ ،‬القلم‪ ،‬اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪4.4‬ما حكم الإيمان بهذه المخلوقات؟ وما دليل كل منها؟ وما حكم منكر وجودها؟‬ ‫‪5.5‬عرف الجنة والنار لغة واصطلا ًحا‪.‬‬ ‫‪6.6‬قيل‪ :‬إن الجنات سبع فما هي؟‬ ‫‪81‬‬

‫‪21‬‬ ‫الآثار المترتبة على الإيمان بالسمعيات‪:‬‬ ‫أو ًل‪ :‬الملائكة‪:‬‬ ‫‏للإيمان بالملائكة أثر كبير في حياة المسلم‪ ،‬من ذلك‪:‬‬ ‫‪1.1‬تقوية شعور المسلم بعظمة الله تعالى‪ ،‬وقد اتضح ذلك من صفاتهم ووظائفهم التي تفيد ما لهم‬ ‫من قدرات وصفات عظيمة‪ ،‬ومع هذا فالملائكة جند من جنود الله تنفذ أوامر الله‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪2.2‬توضيح مركز الإنسان الكبير في الكون وأهميته في الحياة‪ ،‬فالملائكة الذين هم أشد من‬ ‫الإنسان قوة قد أمروا بالسجود لآدم عليه السلام‪ ،‬وسخروا لتدبير أمور حياتنا في الدنيا‬ ‫والقيام بشئوننا في الآخرة‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬يدفع الإنسان إلى التشبه بهم في الطاعة والمداومة على عمل الصالحات‪.‬‬ ‫‪4.4‬يدفع المرء إلى الاستحياء من الله تعالى وذلك ليقين الإنسان بأن الملائكة تتغشاه في مجالسه‬ ‫وتتولى كتابة أعماله‪ ،‬يتعاقبون عليه في صحوه وغفلته فلا يقدم على خطأ أومعصية‪.‬‬ ‫‪5.5‬يستشعر الإنسان بإيمانه بالملائكة الأُنس وعدم الوحشة أو الاستسلام لليأس ليقينه بأن هناك‬ ‫ملائكة يقومون على حفظه ورعايته بأمر من الله تعالى‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة التحريم‪ .‬الآية‪.6:‬‬ ‫‪82‬‬

‫ثانيا‪ :‬عموم السمعيات‪:‬‬ ‫للإيمان باليوم الآخر وسائر السمعيات آثار فكرية ونفسية وخلقية منها‪:‬‬ ‫‪1.1‬فكر ًّيا‪ :‬من يؤمن بالحياة الأخرى يجد‪ :‬تفسير الكثير من ظواهر الحياة الإنسانية التي يدرك‬ ‫معناها من خلال إيمانه باليوم الآخر وما فيه‪.‬‬ ‫‪2.2‬نفس َّيا‪ :‬يزرع الإيمان باليوم الآخر في نفس المسلم شعو ًرا بالرضا والطمأنينة والقناعة‪،‬‬ ‫نظ ًرا ليقينه في العدالة الإلهية المطلقة‪ ،‬فيصبر ويتحمل ما يلاقيه من شدائد ومحن في الحياة‪،‬‬ ‫فتتحقق سعادته في السراء والضراء على السواء‪ ،‬بخلاف غير المؤمن بالحياة الآخرة‪ ،‬فإنه لا‬ ‫يقوى على مجابهة ما يقع فيه من محن ويكون بين قلق ويأس وإحباط قد يؤدي إلى ما نراه من‬ ‫محاولات إنهاء حياته بالانتحار‪.‬‬ ‫‪ُ 3.3‬خ ُل ِق ًّيا‪ :‬يعمل الإلمام باليوم الآخر على الالتزام بالقيم الأخلاقية لدى الإنسان المؤمن؛ لأنه‬ ‫يوقن بأن ما يقدمه في حياته الدنيا سيحاسب عليه في الآخرة‪ ،‬و ِمن ثم يكون حرص المؤمن‬ ‫على الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة التي سيجزى عليها أمام الله تعالى‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ويقول سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.223 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬الآية‪.272 :‬‬ ‫‪83‬‬

‫‪22‬‬ ‫الكليات الخمس التي أوجب الشرع حفظها‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫َو ِم ْث ُل َها َع ْق ٌل َو ِع ْر ٌض َق ْد َو َج ْب‬ ‫‪َ - 9 6‬و ِح ْف ُظ ِدي ٍن ُث َّم َن ْف ٍس َما ْل َن َس ْب‬ ‫ لقد أ ْوجب الشارع على كل إنسان المحافظ َة على خمس َة أمور‪ ،‬والتي تسمى بالكليات الخمس‪،‬‬ ‫وقيل ِس ٌّت‪ ،‬وإنما سميت بالكليات؛ لأنه يتفرع عليها أحكام كثيرة؛ ولأنها وجبت في كل م ّلة‪.‬‬ ‫‏والكليات الخمس هي‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والمال‪ ،‬والنسب‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعرض‪.‬‬ ‫أو ًل‪ :‬الدين‪ :‬الدين هو ما شرعه الله لعباده من الأحكام‪ ،‬والمراد بحفظه صيانته عن الكفر ‬ ‫‏ ‬ ‫وانتهاك حرمة المحرمات‪ ،‬كأن يفعل المحرمات غير مبا ٍل بحرمتها ‪ ،‬وانتهاك وجوب ‬ ‫ ‬ ‫الواجبات‪ ،‬كأن يترك الواجبات غير مبال بوجوبها‪ ،‬ولحفظ الدين شرع القتال‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‏ثان ًيا‪ :‬النفس أي‪ :‬نفس بشرية ذك ًرا‪ ،‬أو أنثى‪ ،‬كبي ًرا‪ ،‬أو صغي ًرا‪ ،‬عاق ًل‪ ،‬أو غير عاقل‪ ،‬ولحفظ ‬ ‫ النفس شرع القصاص‪.‬‬ ‫ ثال ًثا‪ :‬المال‪ :‬وهو كل ما يح َّل تملكه شر ًعا‪ ،‬ولحفظه شرع حد السرقة‪.‬‬ ‫ راب ًعا‪ :‬النسب‪ :‬والمراد به الارتباط الذي يكون بين الوالد وولده‪ ،‬ولحفظه شرع حد الزنا‪.‬‬ ‫ ‏ خام ًسا‪ :‬العقل‪ :‬وهومناط التكليف‪ ،‬ولحفظه شرع حد شرب الخمر‪ ،‬والدية لمن أذهبه بجناية ‪.‬‬ ‫ ‏ساد ًسا‪ :‬العرض‪ :‬والمراد به موضع المدح والذم من الإنسان‪ ،‬ولحفظه شرع حد القذف‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪23‬‬ ‫المعلوم من الدين بالضرورة‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫ِم ْن ِدينِ َنا ُي ْق َت ُل ُك ْف ًرا َل ْيس َح ْد‬ ‫‪َ -9 7‬و َم ْن َلِ ْع ُلو ٍم َ ُضو َر ًة َج َح ْد‬ ‫َأ ْو ا ْست َبـا َح َك ْال ِّز َنا َف ْل َت ْس َمــ ِع‬ ‫‪َ - 98‬و ِم ْث ُل َه َذا َم ْن َن َفى ُلِ ْج َمـ ٍع‬ ‫ المعلوممنالدينبالضرورةهو‪:‬مايعلمهخواصالمسلمين‏وعوامهم‪،‬وذلككوجوبالصلاة‪،‬‬ ‫وحرمةالزنا‪.‬‬ ‫‏ حكم منكر المعلوم من الدين بالضرورة‪ :‬كافر‪ ،‬لأن جحده مستلزم لتكذيب النبي ‪،‬‬ ‫وذلك بعد إقامة الحجة عليه‪.‬‬ ‫ ‏واخ ُتلف فيمن أنكر شي ًئا ُأجمع عليه إجما ًعا قطع ًّيا‪ ،‬فقيل يكفر‪ ،‬والراجح أنه لا يكفر إلا إذا‬ ‫كان معلو ًما من الدين بالضرورة‪ ،‬وعليه فالمعول عليه في القضية هو المعلوم من الدين بالضرورة‪،‬‬ ‫وليس شي ًئا آخر‪.‬‬ ‫ ‏واعتقاد إباحة محرم معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬يشمل الكبائر والصغائر كالكذب مث ًل‪،‬‬ ‫ويشمل ما كان تحريمه لعينه‪ ،‬مثل الزنا‪ ،‬وما كان تحريمه لعارض‪ ،‬كصوم يوم العيد‪ ،‬فإن تحريمه‬ ‫لعارض‪ ،‬وهو الإعراض عن ضيافة الله – تعالى‪ ،-‬وخالف في ذلك البعض ‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫الإمامة‬ ‫‪24‬‬ ‫َقا َل النَّاظِ ُم ‪:‬‬ ‫بِال َّ ْش ِع َفا ْع َل ْم لا بِ ُح ْك ِم ال َع ْق ِل‬ ‫‪َ - 9 9‬و َوا ِج ُب َن ْص ُب إِ َمـا ٍم َع ْد ِل‬ ‫َفـ َل َتـــ ِز ْغ َعــ ْن َأ ْمــ ِر ِه ال ُم َبين‬ ‫‪َ -1 00‬ف َل ْي َس ُر ْك ًنا ُي ْع َت َق ْد ِف ال ِّدي ِن‬ ‫َفــالل ُه َيــ ْك ِفينَــا َأ َذا ُه َو ْحــ َد ُه‬ ‫‪ - 101‬إِ َّل بِ ُكـ ْف ٍر َفـا ْنبِ َذ ّن َعـ ْهـ َده‬ ‫‪ - 102‬بِ َغ ْ ِي َهـ َذا لا ُي َبا ُح َ ْص ُفــ ُه‬ ‫َو َل ْي َس ُي ْعـ َز ُل إِ ْن ُأ ِزي َل َو ْص ُفـ ُه‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫ قضية الإمامة(الحكم) من القضايا الكلية التي وضع الإسلاملها أصو ًلعامة وترك للمسلمين‬ ‫تفاصيلها وذلك أنه اشترط للحكم بعد الالتزام بتنفيذ شرع الله أن يقوم على ثلاثة مبادئ‪ :‬العدل‪،‬‬ ‫والشورى والطاعة لأولي الأمر فيما أحب المؤمن أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‪.‬‬ ‫‏ ولما انتقل الرسول  إلى الرفيق الأعلى لم يش ْر على شخص بعينه‪ ،‬أو لأسرة بعينها لتولي‬ ‫الخلافة من بعده مما يدل على أن أمر المسلمين في هذه القضية موكول إلى الأمة تختار من تراه كف ًؤا‬ ‫من المسلمين‪ ،‬ليتولى أمرها ولقد كانت البيعة التي تمت لأبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة‬ ‫بيعة حرة من غير عه ٍد ووصية أو ن ّص عليه‪.‬‬ ‫‏معنى الإمامة ‪ :‬هي رئاسة عامة في الدين والدنيا‪.‬‬ ‫والإمامة من المصالح العامة‪ ،‬وليس الإيمان بها من أركان الدين‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫حكم تنصيب إمام عدل‪ :‬واجب على الأمة‪ ،‬عند عدم النص من الله‪ -‬تعالى‪ ،-‬أو رسوله على‬ ‫شخص معين‪ ،‬أو عدم الاستخلاف من الإمام السابق‪ ،‬وهذا الوجوب بالشرع‪ ،‬وليس بالعقل ‪،‬‬ ‫كما زعمت المعتزلة‪.‬‬ ‫ ومن الوجوه الدالة على نصب الإمام‪ :‬أن الشارع أمر بإقامة الحدود‪ ،‬وسد الثغور‪ ،‬وتجهيز‬ ‫الجيوش‪ ،‬وهذا لا يتم إلا بإمام يرجعون إليه‪ ،‬وفي تنصيب الإمام رفع ضرر عن المسلمين‪ ،‬ورفع‬ ‫الضرر واجب شر ًعا‪.‬‬ ‫ ولا فرق بين وجوب نصب الإمام في زمن الفتنة وغيره‪.‬‬ ‫‏ ويأتي هنا سؤال‪ ،‬لماذا يذكر علماء التوحيد الإمامة في كتب التوحيد‪ ،‬وهي ليست من‬ ‫أركان الإيمان؟‬ ‫‏ غالبا يذكر علماء الكلام الإمامة في كتبهم؛ لبيان حكمها‪ ،‬وللرد على أهل البدع والأهواء‬ ‫الذين جعلوا الإمامة من أصول الدين‪ ،‬كالرافضة وغيرهم‪ ،‬ولما ترتب على هذا الأمر من قدحهم‬ ‫في الخلفاء الراشدين‪،‬‏وغلوهم في أئمتهم ‪.‬‬ ‫شروط الإمام‪:‬‬ ‫‪1.1‬الإسلام‪ :‬لأن الكافر لا يراعي مصالح المسلمين الدينية والدنيوية‪.‬‬ ‫‪2.2‬البلوغ‪ :‬لأن الصبي لا يلي من أمر نفسه شيئا‪ ،‬فمن باب أولى‏لا يلي من أمر غيره شيئا‪.‬‬ ‫‪3.3‬العقل‪ :‬لأن المجنون كالصبي‪.‬‬ ‫‪4.4‬الحرية‪ :‬لأن الرقيق مشغول بأمر سيده‪ ،‬ولأنه مستحقر في أعين الناس‪.‬‬ ‫‪5.5‬عدم الفسق‪ :‬لأن الفاسق لا يوثق به في أمره ونهيه ‪ ،‬والمراد كونه‏عد ًل‪ ،‬ولو في الظاهر فقط‪.‬‬ ‫ ويجب على الأمة طاعة الإمام‪ ،‬ولكن في حدود الشرع‪ ،‬فإذا أمر بمحرم‪ ،‬أو مكروه لا تجب‬ ‫طاعته‪ ،‬وإذا أمر بمباح‪ ،‬وكان فيه مصلحة للمسلمين فتجب طاعته‪.‬‬ ‫ ‏ما الذي يوجب خلعه؟ الذي يوجب خلعه كفره‪ ،‬أو أمره بكفر‪ ،‬أو أن يوجد منه ما يوجب‬ ‫اختلال أحوال المسلمين ‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪25‬‬ ‫الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫َقا َل النَّا ِظ ُم ‪:‬‬ ‫َو ِغ ْي َب ًة‪َ ،‬و َخـ ْصـ َلـ ًة َذ ِمـيـ َمــ ْه‬ ‫‪َ - 103‬و ْأ ُم ْر بِ ُع ْر ٍف َوا ْجتِنَب َنــ ِمي َمــ ْه‬ ‫َو َكـالمِ َرا ِء َوال َجـ َد ْل َفـا ْعـ َتـ ِم ِد‬ ‫‪َ - 1 04‬كا ْل ُع ْج ِب‪َ ،‬والكِ ْ ِب‪َ ،‬و َدا ِء ا َل َس ِد‬ ‫َحـلِيـ َف ِحـ ْلـ ٍم َتـابِ ًعا لِل َح ِّق‬ ‫‪َ - 1 05‬و ُكـ ْن َكم َا َكــا َن ِخ َيــا ُر ال َخ ْلـ ِق‬ ‫َو ُك ُّل َ ٍّش ِف ابتِ َدا ِع َم ْن َخـ َل ْف‬ ‫َمـا ُأبِي َح ا ْفـ َع ْل َو َد ْع َما َلْ ُي َب ْح‬ ‫‪َ - 106‬ف ُكـ ُّل َخـ ْ ٍي ِف ا ِّت َبا ٍع َمـ ْن َسـ َل ْف‬ ‫َو َجـانِ ِب ا ْلبِ ْد َعـ َة ِمَّ ْن َخـ َل َفـا‬ ‫‪َ - 1 07‬و ُكـ ُّل َهـ ْد ٍي لِـلنَّبِي َقـ ْد َر َجـ ْح‬ ‫‪َ - 1 08‬ف َتــابِــ ِع ال َّصـالِ َح ِمَّ ْن َســ َل َفـا‬ ‫ المعروف هو‪ :‬ما عرف الشرع خيره‪ ،‬وطلبه على سبيل الندب‪ ،‬أو الوجوب‪.‬‬ ‫والمنكر هو‪ :‬ما أنكره الشرع‪ ،‬ونهى عن فعله على سبيل الكراهة‪ ،‬أو التحريم‪.‬‬ ‫ دليل وجوبهما‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإجماع الأمة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ ) 1‬سورة آل عمران‪ .‬الآية‪104:‬‏‪.‬‬ ‫‪88‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook