أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 61116212732
معضلة المعضلات التي جعلت التشيع ينكص للوساطة والوصاية رسميا ويجعلهما مقوميالدين والتسنن ينكص إليهما خفية في الأفعال ويواصل القول بنفيهما في الأقوال لا يمكنتفسيرها بمجرد إرادة النكوص لكأن أصحابها-وإن كان ذلك ممكن وموجود-شياطين أرادوا استمداد سلطة بتحريف الإسلام.بل ينبغي أن نعترف بأن الأمر موضوعيا حقا وأن الاستغناء عن الوساطة الروحيةوالوصاية السياسية ليست بالأمر الهين وهو غير ممكن من دون بديل شديد التعقيد لميكن بالوسع تحقيقه من البداية رغم أن السنة تنسب الاستغناء عنه للخلفاء الراشدين والشيعة تعتبر ذلك كفرا بما تنسبه لآل البيت.وأكثر من هذا فالسنة لا تنسبه إلى الخلفاء الراشدين بمن فيهم الخليفة الرابع بل هيتصف ذلك بكونه سلوكا فيه إشارة إلى معنى الاستغناء عن الوساطة والوصاية وهو بالأساسما اعتمد في التواصل بين المتفرغين للمعرفة والمكلفين بالسياسة بالتواصل الدائم مع الجماعة باعتبار الأمر والنهي فرض عين.وإذن فهم قد كانوا وإن بصورة لم تصل إلى مستوى التنظير الصريح والتحول إلىمؤسسة كانوا يعلمون طبيعة البديلين ما هما .لكن ما أسميه وساطة ووصاية ليس في وجودمن يختص في المعرفة ومن يكلف بالسياسة بل عدم التمييز بين ضرورة تقسيم العمل فيهما وبين اعتبار ذلك كافيا لإلغاء فرض العين فيهما.فمعرفة القانون لا تجعل صاحبها سلطة سياسية ومعرفة النصوص الدينية لا تجعل صاحبهاسلطة روحية وهما لا تغنيان اي مواطن عن معرفة الضروري من القانون في حياته السياسيةوالمدنية والمؤمن عن معرفة الضروري من الدين في حياته الروحية والدنيوية .وهنا نفهم البديل ما هو.البديل ليس نفي التخصص في القانون والتخصص في معرفة المرجعية الروحية للجماعةبوصفهما جزءا من تقسيم العمل في الجماعة بل هي تنفي أن يصبح هذان التخصصانأبو يعربالمرزوقي 1 الأسماء والبيان
مصدرا لسلطة سياسية وروحية تلغي واجب المواطن السياسي وواجب المؤمن الروحي :كونه ذاتا فاعلية بذاتها فيهما معا وليس منفعلا بهما.ولهذه العلة اعتبرت الوجه الموجب هو الحرية الروحية والحرية السياسية أما الوجهالسالب فهو التحرير من هذين الدورين للوسيط والوصي اللذين يلغيان واجب المواطنوالمؤمن في أن يكون ذاتا سياسية وذاتا معرفية لا تقتصر على الروحي كمعرفة نصية بل به شرطا في العلاقتين العمودية والافقية.وبعبارة ذات دلالة يفهمها الجميع :تحرير الإنسان من سلطة الوساطة الروحية ومن سلطةالوصاية السياسية تلغيان \"ايبسو فاكتو\" عبارة الكريهة بين الخاصة والعامة وبين الرسوخفي العلم المزعوم رسوخا فيما يتجاوز المعرفة بعالم الشهادة والاحاطة بما يعتبر القرآن تأويله مقصورا على الله.فيكون أصل المعضلة كله هو دعوى البعض أنهم قادرون على معرفة الغيب بقيسه عالمالشهادة .ولهذا الوهم مصدران :أحدهما يزعم الكشف والعلم اللدني والثاني يزعمالمعرفة العقلية مطابقة لحقيقة الشيء على ما هو عليه .لذلك ورغم خصامهما عامة فإنهما يجتمعان في كل رؤية كل باطني حتى وإن قدم اللدنية.وأعتقد أن أول من تفطن لهذا الاجتماع عند الباطنية والتعليمية هو حجة الإسلام فيكتابه فضائح الباطنية عندما بين ان المقدمات التي تنبني عليها الرؤية الباطنية للقرآنوخاصة نظرية التأويل التي لم أر أحدا فضحها مثله واحدة في دعوى العلم اللدني والعقلي إذ يزعمان العلم المحيط بالغيب.ومن يدرك هذه الفطنة الغزالية يفهم علة اعتباري إياه مؤسس الخطوة الأولى لتجاوزالفلسفة القديمة ونظرية المعرفة المطابقة بمفهومه الثوري الذي سماه \"طور ما وراء العقل\"حتى وإن عاد لاحقا وكأنه نسي ما بينه في الفظائع فاعتبره -ربما-لم يقله صراحة أنه الكشف الصوفي.فنفهم حينئذ لماذا صار الغزالي سينويا إذ كما بين ابن خلدون فابن سينا كأنه لم ينستكوينه الباطني في شبابه عندما قال قولته الشهيرة في الحاجة إلى ما يشبه القطب أوأبو يعربالمرزوقي 2 الأسماء والبيان
النبوة شرطا في وجود التشريع وهي قولة دحضها ابن خلدون في المقدمة بالعقل والتجربة التاريخية.ومن يقرا كتاب الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد دون أن يكون له نباهة الغزالي هذهيظن الكتاب نصرة للسنة السلفية ضد الأشعرية .لكنه في الحقيقة كما بين ذلك ابن تيميةلاحقا وله ما للغزالي من النباهة وأكثر فيه علامتا التطابق بين دعويي اللدنية والعقلية والعلم المحيط :إنه إلجام العوام.فاستنتج ابن تيمية منه أنه ينفي أن يوحد غيب محجوب على الفلاسفة -بل هو ذهب فيكلامه على كلام الله أن الفلاسفة مثل الرسل ينفث الله في روعهم وحيا يقولونه عقليا-وأنه من ثم يعتبر الخاتم لم يبلغ الحقيقة بل أخفى على العامة ما ينصح الفلاسفة بإخفائه ويتهم المتكلمين بالتشغيب على الشرع.وبهذا المعنى فالرشديون العرب الجدد -مثلهم مثل المعتزلة العرب الجدد-متخلفون حتىبالقياس إلى الغزالي لأنهم أولا يعتقدون أنهما يمثلان العقلانية وأن علمهم علم بالأشياءعلى ما هي عليه وأن معارضيهم ظلاميون وأنهم هم أي الرشديين والمعتزلة الجدد تنويريون مثل ابن رشد والمعتزلة.ويتوهمون أن هذا الموقف الأيديولوجي تفلسفا ثم يصطف معه الحداثي الماركسي الذييدعي المقابلة بين النص والواقع ويحاول الولوج إلى الواقع من دون كل التراث الذييتوهمه نصوصا وليست مناظير لما يسميه الواقع الذي لا يدركه على ما هو عليه أحد إلا الله إن آمن به.والاعجب في ذلك كله أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم خاصة وأن غيرهم عامة وأنهم سلطةعلمية وأن فكرهم هذا يمكن أن يكون مخرجا من التخلف في حين أن سر كل تخلف هو هذهالسذاجة الفلسفية التي تعتبر الواقع هو ما تؤسس عليه المادية الجدلية رؤيتها ولا يرون أنها رؤية وليس واقعا.وقد ربيت أجيال وأجيال بهذه الرؤى الساذجة التي تصورت الفلسفة والفكر اللذينيتجاوزان المباشر من الأمور التي لا فائدة منها وأن الارتماء المباشر في العمل بما هو جاهزأبو يعربالمرزوقي 3 الأسماء والبيان
من الايديولوجيات والتبسيط الصحفي تنويرا وتحديثا مغنيين عن أعماق العلاقتين العمودية مع الطبيعة والافقية مع التاريخ.وليس للفكر والعقل والتنوير والإبداع وهلم جرا من حقيقة ثابتة غير التي تمثل عصرالغوص في هذين العلاقتين غوصا يترجم في استرماز هو بالقياس إلى ما يسمى عقلا وفكرامثل الماء بالنسبة إلى الحياة البحرية .فإذا كان ماء الفكر بركة آسنة فالحصيلة هي ما نرى من نكوص إلى بسيط الايديولوجيات.ولهذه العلة فلا فرق عندي بين نوعي الكاريكاتور الذي يدعي التأصيل والذي يدعيالتحديث لأن الخلط بين الإسلام ومآله في عصر الانحطاط والخلط بين الحداثة ومآلها فيعصر الاستعمار لا يختلفان في شيء :كلاهما يخلط بين ما يتكلم باسمه وقشوره التي يظنها مغنية عن استنطاق بذوره.ولذلك فعندما تسمعهم يتكلمون على الاحتكام للواقع تدرك أنهم من حيث لا يعلمونيعترفون بأنهم غارقون في القشور إلى الأذقان :فالواقع عندهم هو الامر الواقع الذي هوظاهر الموجود فيعودون منه على أنه حقيقة الموجود ويجعلونه عين المنشود فتقلب العلاقة ويصبح الحاصل هو الواجب :منطق التقليد.كلاهما سلفي بالمعنى المقيت .فالسلف عندهم فقد دلالة الريادة بالإبداع .إنه السابقبمعنى المتقدم في الزمان الذي ينبغي محاكاته لتقدمه فيه .لكن التقدم بمعنى الريادة هوالتقدم في نظام الامر نفسه من حيث صلته المباشرة بالبذور وما فيها من إبداع خلاق. والاستوحاء للإبداع وليس للتقليد.ومن ثم فسؤال البذور يشبه ما يسميه الغزالي إزالة الرمال عن المنبع حتى يفتح مجرىالماء من الينبوع وليس الاندفان في الرمال التي توقف السيل وتغرق في الجمود :قشورالاصالة وقشور الحداثة .تلك هي المعركة التي تدور بين الكاريكاتورين والتي لا يمكن الاستئناف من دون تشخيصها مرضا يعالج.والعلاج الذي يسكن الأعراض ليس علاجا وإن كان ربما ضروريا في مرحلة البحث عنالتشخيص لمعرفة علل الداء والشروع في بيان طبيعة المرض وكيفية فشوه في بدن الحضارةأبو يعربالمرزوقي 4 الأسماء والبيان
وتعطيل ما به يحقق الإنسان وظيفتيه مستعمرا في الارض ومستخلفا أعني ما يعطل قدرته على علاج العلاقتين.ولا يمكن القيام بذلك من دون وضع نظريات تحدد مسار التعليل أو مسارب الفشوالمرضي في جسم الكيان الحضاري للجماعة .وأعتقد أني قد تقدمت في ذلك وعلي الآن أنأبين كيف يتم التحرر من العطالة التي حالت دون المسلمين وعلاج العلاقتين العمودية والأفقية للحماية والرعاية الذاتيين مقومي السيادة.أبو يعربالمرزوقي 5 الأسماء والبيان
من عجائب عمل الفكر الإنساني أن كل لحظة من حاضره باعتباره في أفول دائم أو فيصيرورة دائمة وسيلان أبدي الثابت الوحيد فيه هو انشداده المضاعف الذي يشبه أبشعطريقة في التعذيب لدى المجتمعات الوحشية التي تشده إلى فرسين في اتجاهين متقابلين: فهو ممزق بين تذكر الماضي وتوقع المستقبل.لكن هذا الانشداد إلى تذكر الماضي وتوقع المستقبل الذي يجري مع الحاضر الذي لايتوقف لا يمزق الإنسان بل هو عين حياته التي هي تجعل الحاضر محيطا بالماضي والمستقبلبفضل الاسترماز :ومعنى ذلك أن الحدين الماضي والمستقبل موصولان بفضل أنظمة الترميز التي تجعل الأنسان يطفو على الزمان.وهذه الحقيقة الانثروبولوجية (بالمعنى الفلسفي وليس بمعنى العلم الوضعي أي نظريةالإنسان كما نقول ثيولوجيا أي نظرية الله وكسمولوجيا أي نظرية العالم وبسيكولوجيا أينظرية النفس إلخ )..هي التي ينساها أدعياء محاكمة النصوص بالواقع .فدون الإنسان وهذا الواقع المزعوم كل التاريخ الإنساني.أو بصورة أدق كل الاسترماز الذي يترجم مقدار نفاذ الإنسان إلى اسرار الطبيعةوقوانينها (العلاقة العمودية) وأسرار التاريخ (العلاقة الافقية) أو التبادل والتواصل بينالإنسان والعالم الطبيعي والعالم التاريخي أي المبدعات الرمزية وتطبيقاتها وهي نفاذ إلى ما نسميه الواقع وحجاب دونه في آن.ولهذه العلة اعتبرت الزمان التاريخي بخلاف الزمان الطبيعي مخمس الابعاد وليسمثلثها :فهو ماضي الاحداث والأحاديث التي تدور حولها أو الاسترماز بكل أصنافه (العلميوالأدبي وحتى الخرافة والايديولوجيا) وهو أحاديث حول المستقبل بنفس المعاني تعد للأحداث التي لم تحدث بعد .وذلك هو الحاضر.الحاضر هو إذن أحداث الماضي وأحاديثه وأحاديث المستقبل وأحداثه وهو لحظة سيالةلا تتوقف مشدودة إلى البعدين من الماضي في الحاضر ومن المستقبل فيه .وما لم يندركأبو يعربالمرزوقي 6 الأسماء والبيان
علاقة الحدثين من خلال الحديثين ومن خلال الاحتكام المتبادل بينهما فإن كل كلام على وعي بالحاضر تخريف وتجديف.وقد يبدو في ذلك شبه دور (ساركل فيسيو) لأن محاكمة الحديث بالحدث أو الحدثبالحديث قد يعني أن الوصل إلى أحدهما من دون الثاني ممكن .وإذا كان ذلك مستحيلافي الطبائع فمن باب أولى أنه مستحيل في الشرائع .ففي الطبائع يمكن القول إن الحدث موضوعي ويوجد خارج الذات نعود إليه دون ما قيل حوله.بمعنى أننا نتصور قابلية الفصل بين الموضوعي والذاتي في الطبيعة .ونتصور أن الأمريتعلق بالطبيعة في ذاتها وليس بما كان يراه منها أصحاب الحديث حولها .وهنا لا بد منالتذكير بأهم فكرة في فلسفة هيدجر :فهو ركز على الفرق بين مفهوم الطبيعة في العلوم الحديثة ومفهومها في الفلسفة القديمة.وأذكر أني قبل ذهابي إلى ماليزيا درست ميتافيزيقا أرسطو في طبيعياته-السماعالطبيعي -واعتمدت النصين الفرنسي والألماني وبعض فهومها الحديثة فكان أن حدثت ليمفاجأة لم أكن اتوقعها :قارنت محاولة هيدجر في ترجمة أحد نصوص أرسطو مع الترجمة العربية فوجدتهما شديدتي التطابق من هذا الوجه.وأعني أن القراءة الفينومينولوجية التي اعتمدها هيدجر في ترجمة نص أرسطو (منالسماع) أقرب إلى الترجمة العربية من الترجمات الفرنسية التي لم تتنفطن لهذا المعنىالمختلف لمفهوم الطبيعة بوصفها قوة ذاتية للانفتاح الوجودي الذاتي أشبه بالإبداع الفني والجمالي من الآلية المادية.ومن ثم فحديث الماضي عن حدثه يعسر فصله عنه ومع ذلك فنحن نحاكم الحديثبالحدث والحدث بالحديث في كلامنا على الماضي .وعندما نطبق ذلك على التاريخ فنحننضيف حديثا يرجح بعض الأحاديث على بعضها فيكون تأويلا لتأول ولا يتوقف التأويل الذي هو في الحقيقة تعبير تحكيم المستقبل في الماضي.وهي حقيقة بنى عليها ابن خلدون نظرية المقدمة كلها :ففي الباب الأول اعتبر ابنخلدون الاسترماز بكل أشكاله وخاصة البدائية ليس شيئا آخر غير التعبير عن الخوف منأبو يعربالمرزوقي 7 الأسماء والبيان
المستقبل ومحاولة توقعه .ومنه الكهانة وحتى النبوات فضلا عن العلوم :ترميز يعبرعن توقع الإنسان لمعضلة علاقتيه العمودية والافقية.وبهذا المعنى فتخليص علاقة الإنسان بالعالم من جرعة سحرية استرمازية مستحيل --Entzauberungغاية المادية العلمانية فيكون حدس ابن خلدون أعمق من نظريةماكس فيبر لأن العلمانية لها نفس النزعة لكنها سحر اللامتناهي الزائف أو التراكم الكمي في العالم بدل العمق الكيفي لما وراء العالم.سحر الحداثة هو العلم الخيالي أو الإيمان بالتقدم التكنولوجي الذي يتصور لا متناهياوعلاجا لنفس الخوف الذي تكلم عليه ابن خلدون :توقع المستقبل والتحكم فيه سواءبالسحر الرمزي أو بالسحر التكنولوجي .ومعنى ذلك أن ما كان ينسبه الإنسان البدائي إلى الرب ينسبه الإنسان الحديث إلى الإنسان.لكن الممكن المطلق في الحالتين مستحيل ومن ثم فهو انشداد الحاضر إلى المستقبل في ضوءالحكم على الحاصل من الممكن بممكن التحصيل وهو إذن وعي بما ينتج عن فاعلية الإنسانفي التاريخ أي عما ينتج عن ذوقه دافعا وعلمه أداة في علاقتيه بالطبيعة وبالتاريخ ومن في علاقته بذاته فهما واستعمالا.لا أنكر أن فيما أقول الكثير من التعقيد والغموض ليس لأني -كما أدعى أحد القراءحاول فهم ترجمتي لفينومينولوجيا هوسرل وعجز-فظنني عييا لا أحسن العربية-وهوالافصح ولم يتهم نفسه بالجهل أو حتى بعدم التواضع في الحكم على ما يجهل فيجادل في أهلية هذه الترجمة لجائزة الشيخ زايد (.)2012وأفهم جيدا أن الفلسفة لا تتعلم من الجرائد .وأن الكلام فيها ككل فن له شروط دونأن يدل ذلك على أن من لا يفهمها ينقصه الذكاء فلعله في مجال اختصاصه ممن لا يشقلهم غبار .لذلك ففي ما ليس مشتركا من الواجبات لا بد من الاختصاص :فما عدى الروحي والسياسي ليس فرض عين بل فرض كفاية.فالروحي والسياسي من مقومات كيان الإنسان وليس من وظائفه كجزء من جهاز تقسيمالعمل في الجماعة .كل إنسان من حيث هو إنسان لا يقوم كيانه من دون حريته الروحيةأبو يعربالمرزوقي 8 الأسماء والبيان
والسياسة ومن دون حقه في ممارستهما بحرية بوصفه مؤمنا ومواطنا .وعندما أقول مؤمنا فلست أعني مؤمنا بدين فقد يكون مؤمنا بلا دين.ذلك أن الإيمان يمكن أن يكون موجبا أو سالبا .فمن لا يؤمن بالدين يؤمن بالدنيا أوبالطبيعة أو بلا شيء فيكون مؤمنا بالعدمية .والحرية الروحية تعني أنه له ذلك الحق لأنالقرآن يعرف ذلك سلبا بتعريف الإيمان الديني ثمرة لتبين الرشد من الغي .فيكون عكسه أيضا حرية مثله إذ قد لا يتبين له.وتكون ذاته متقومة بالحريتين الروحية (ولو سلبا) والسياسية (ولو سلبا) لأنه يمكن ألايقوم بواجبه السياسي فلا يهتم بالشأن العام ويمكن ألا يقوم بواجبه الروحي فلا يهتمبالدين .وهذان النوعان لا يسلبان الإنسان من المواطنة ولا الروح .يبقى مواطنا وذا روح والله أعلم بسريرته.ورغم أني أرفض فهم القرآن بما يسمونه أسباب النزول فإن الحادثة المتصلة بالآية256من البقرة شديدة الدلالة :اب نصراني أسلم واراد أن يكره ابنيه على الإسلام.فنهاه الرسول عن ذلك ونزلت الآية {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} الدلالة: لو لم يتبين الرشد من الغي لكان الإكراه ممكنا.ومعنى ذلك أنه إذا كان الرسول ليس مكلفا بالإكراه بل مكلفا بإيقافه بإزالة شرطهالسابق وهو عدم تبين الرشد فإن الآية التي تقول له \"فذكر إنما أنت مذكر لست عليهمبمسيطر\" تحول دون كل إكراه في الدين بعد التذكير :وهو معنى ثورة الحرية الروحية التي انسبها الإسلام .وعكسها نكوص فقهي خطير.ولهذه العلة اعتبرت عكسها ناتجا عن تعطيل الدستورين المعرفي والسياسي :وكان أساسالتعطيل هو حالة الطواري التي تستند إلى مبدأ الضرورات تبيح المحظورات .فالفتنةالكبرى أدت إلى حروب أهلية كان يمكن أن تقضي على دولة الإسلام .فكان طبيعيا أن تستعمل القوانين الاستثنائية وأن يعطل الدستورانالظاهرة طبيعية وهي مشهودة قديما وحديثة .ما ليس طبيعيا هو بقاؤها 14قرنا .وماليس طبيعيا اليوم خاصة هو بقاء العرب والمسلمين استثناء في العالمين :ما يزالون في نكوصهمأبو يعربالمرزوقي 9 الأسماء والبيان
رغم أن الإنسانية كلها شرعت في تطبيق الحريتين اللتين هما جوهر الإسلام .مازلنا تحت الوساطة الروحية والوصاية السياسية.والأدهى أن الوساطة والوصاية كلتاهما مضاعفة :وساطة وصاية داخلية من الانظمةونخبها ووساطة ووصاية خارجية من حماتهما المباشرين ومن ذراعيهما :كل عربي اليوميعيش تحت وصاية المستبدين ووساطة الطبالين من النخب وهؤلاء تحت وصاية المستعمر ووساطة نخبه مباشرة وبتوسط الذراعين إيران وإسرائيل.أبو يعربالمرزوقي 10 الأسماء والبيان
والآن فما القصد بنبط الينبوع؟مثاله الاعلى هو جوهر الأسلوب القرآني في النبط من خلال الوصل بين مفهومين للنقد:نقد التاريخ الروحي ونقد التاريخي السياسي للإنسانية والوصل بينهما وصلا في الاتجاهين أو أثر كل منهما في الثاني مع أصل واحد سميته المعادلة الوجودية.حتى نقرب المعنى ثم سنعود إليه لتحليله بالدقة اللازمة من خلال أسلوب القرآن في نبطالينبوع فلنأخذ مثال اي علم حصلت فيه أزمة كبرى تقتضي إعادة التأسيس أو مراجعةالمبادئ الأساسية التي بنى عليها .فهو حتما أمام العلاقة التي تكملنا عليها بخصوص أبعاد زمانيته أو تكوينيته كعلم.فتكون لحظته الراهنة أو لحظة الأزمة الكبرى لحظة الوصل بين البداية والغايةوالأولى هي حدث البداية وحديثها وما ترتب عليهما فيه والثاني هي حديث الغاية وماينتظر مما يترتب عليها كحدث .ولا يطلب حل الازمة بتجاوزها إلا من هذين الالتفاتين لماضيه ولمستقبله في علاج أزمة حاضره.والجامع بين الالتفاتين بوصفهما دائمي الحضور في الحاضر الذي لا يبقى ما بين الماضيوالمستقبل بل ما يحيط بهما لكأنه هو البداية وهو الغاية وكل ما يصل بينهما بوصفه الوعيالحي للفن أو للعلم أو لأي تراث وقع نبط ينبوعه أو أزيل ما يحول دون سيلان نسغ الحياة فيه :إنه الاسترماز الدائم.وقد اشار ابن سينا لظاهرة جنيسة هي أن الإنسان يعلم أنه يعلم أنه يعلم بغير نهايةأي إن كل وعي يعود على نفسه ليكون وعي الوعي ويتكرر الامر بغير نهاية وتلك هيحياة الفكر .ويشبهها في الظاهرة اللسانية قابلية كل كلام للعودة على ذاته ليكون كلاما على كلام بغير نهاية :الحاضر وعي محيط بهما.الاسترماز بمعنى طلب الرمز وبمعنى جعل الشيء مرموزا أو مترجما رمزيا بلغة صناعيةاو طبيعية هو جوهر هذه العملية التي تمثلها الظاهرة التي أشار إليها ابن سينا في الفكرأبو يعربالمرزوقي 11 الأسماء والبيان
ويمكن أن تشير إليها نظرية معنى المعنى في اللسان .فكل عبارة انتقل مضمونها من منزلة المرموز إلى منزلة الرمز.مثال ذلك إذا قلت \"أقدم رجلا وأؤخر أخرى\" فالدلالة هي هذا الفعل الذي يقوم بهالمتردد .لكن فعل المتردد المرموز في هذه العبارة يتحول إلى رمز فعل التردد عامة .فيكونالتردد في المشي دالا على التردد عامة مدلولا والتردد عامة يمكن أن يصبح دالا على صفة نفسية خلقية للمتردد وهكذا...وبهذا المعنى فما يسمى بالواقع الموضوعي في لحظة ما من إدراكنا لموضوع المعرفة مثلاليس إلا لحظة من الاسترماز في نسبة هذا التوالي في دلالة العبارات وفي الوعي بالوعي فيالكلام على الكلام ويبقى ما نسميه واقعا من جنس الافق الذي يتقدم بقدر تقدمنا نحوه وتقريبا بنفس المسافة.ولو رسمنا الافق الذي نراه عندما نقف فنثبت كما ثبتنا وضعنا في المكان ثم نذهب إليهفسنجده قد غادر ذلك المكان وأنه لم يكن شيئا بل كان أفقا ثبتناه في سعينا إليه وهو غيرثابت أصلا بل هو متضايف مع سعينا إليه وتلك هي نسبتنا إلى كل ما نسميه واقعا نسعى إلى الإمساك به.وقد أعتبر نفسي راجما بالغيب إذا قلت إن مفهوم الآفاق في فصلت 53له هذه الدلالةلكني سأكتفي بالقول إني أفهمه بهذا المعنى لأن الآية لم تقل إننا نتبين حقيقة القرآن فيالآفاق بل فيما يرينه الله فيها من آياته :الآفاق هي التي بنيت عليها نظرية المعادلة الوجودية :وهي خمسة آفاق وأنفس.وعندما أجمع بين الآفاق والانفس فلأنهما يتضمنان نفس المضمون لأن الآفاق هي ما فيالأعيان والأنفس منها وهي ما في الأنفس والآفاق منها .وهي جوهر الواقع الذي لا نستطيعالإمساك به حتى وإن كان القدرة على استرمازه :إنها عناصر المعادلة الوجودية الخمسة.أعني القطبان الله والإنسان ثم العلاقة المباشرة بينهما الوسيطان بينهما أي الطبيعةوالتاريخ بوصفهما هما الآفاق والأنفس اللذان يدركهما الإنسان ولا يدرك ذاته والله إلاأبو يعربالمرزوقي 12 الأسماء والبيان
بوصفهما ما بعدهما بمعنى أن الإنسان ككائن طبعي يعلم ذاته ولا معنى أنه يعلم ويعي وذلك هو منطلقه للقطب الثاني :اللهألغاز الوجود خمسة :الإنسان ذاته والله والطبيعة والتاريخ والعلاقة بين القطبين اللهوالإنسان مباشرة وبتوسط الطبيعة والتاريخ .وهي ألغاز نستطيع استرمازها ولن نتوقفعن استرمازها وهو الدلالة الفعلية لمعنى علمه الأسماء والبيان وتبقى ألغازا محيرة نتعامل معها بما نراه من الآيات فيها.والآيات فيها تقبل الرد إلى النظام إما نظام قوانين الطبائع أو نظام سنن الشرائع -والشرائع لا اقصد بها الشريعة بل هي ما الأمر المتضايف مع الخلق .والفرق بين الطبيعةوالتاريخ ما كان ليوجد لولا ثنائية الخلق والامر لأن الأول هو نظام الضرورة (الطبيعة) والثاني نظام الحرية (التاريخ).وهذان النظامان يصحبهما نظامان ينتجان عن تفاعليهما هما نظام فعل الطبيعة وفيالتاريخ ونظام فعل التاريخ في الطبيعة والنظام الأسمى هو نظام المعادلة أو العلاقة بينالقطبين الله والإنسان .ولو لم يكن الإنسان قادرا على إدراك الأنظمة لاستحال استرمازها ولو كان محيطا لاستغنينا عما لا يرد إليه.وما لا يرد إلى استرمازنا هو الوجود عامة ووجود القطب الأول الذي يعتبر كل ما عداهمن خلقه وخاضعا لأمره أي الله الذي لا يخلو منه وعي اي إنسان لأن من يدعي الإلحاد لايخلو وعيه منه ونفيه ليس له بل لكونه غير محايث في الطبيعة (سبينوزا) أو في التاريخ (هيجل) أي نوعي وحدة الوجود.ولأنه لا يوجد وعي إنساني يخلو من هذه المقومات الخمسة :الله والإنسان والطبيعةوالتاريخ والعلاقة بين الله والإنسان مباشرة وغير مباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخاعتبرت المعادلة الوجودين عين بنية الوعي الإنساني وهي في آن عين كيانه العضوي (من الطبيعة) والروحي (من التاريخ) :الآفاق والأنفسوهذه البنية معقدة في كل واحد من هذه المقومات الخمسة :فكل واحد منها بيننا وبينهعلاقة ذات طبقات متراكبة لا ندري طبيعة ما بينها وما يصلها بعضها بالبعض :عندي رمزأبو يعربالمرزوقي 13 الأسماء والبيان
له دلالة تحيل على ما أدركه من موجود له وجود غير ما أدركه ويجمع ذلك كله معنى أني أدرك :وهو لغز الالغاز كيف لي ذلك؟لكن الأعجب من ذلك أني بفضل الرمز الدال على ما أدرك من موجود غير إدراكي لهأستطيع أن اتواصل مع غيري وأن أتبادل معه سواء كان غيري إنسانا مثلي أو أي موجودآخر بما في ذلك موجودات الطبيعة :فأنا اتبادل معها المعلومات أساليها فتجيبني بما أنتظره منها أو بعكسه أو تتجاهلني.أسألها بما يسميه ابن تيمية مقدرات ذهنية وتجيبي بما يسميه تجربة الموجود الخارجيالذي يطابق أو لا يطابق تقديراتي الذهنية فيكون بذلك قد أجابني أيجابا أو سلنا وهوتبادل معلومات ومن ثم فشرطه التواصل مع الموجودات بما فيها الطبيعية التي ليست إنسانية بالضرورة :علاج العلاقة العمودية.أما التبادل والتواصل مع البشر فمفروغ منه رغم أنه يتضمن ما لا يقدر من سوء التفاهمومما لا ينقال ولذلك فالتبادل والتواصل هو بدوره ظاهرة طبيعية وخاصة مع الطبيعةوالإنسان بلغة الذوق والتماس العضوي كما في العلاقة بين المغتذي والغذاء وبين الجنسين: فالتبادل والتواصل حينها هو رمز نفسه.فالذوق الأصلي رامز ذاته هو الذي يحركني بما يوقظه في من الشهوة المباشرة ترمزيعضوي سواء كانت الشهوة غذائية أو جنسية والذوق المسترمز يحركني إلى ما صار رمزاللذوق الاصلي وهو مصدر كل الفنون والعلوم لأنه يعتمد آليات البلاغة في الوصل بينهما: الاستعارة والكناية وآليات فعلهما.وفاعلية الذوق الاصلي هي دائما مما لا ينقال لأنها تعاش مباشرة وما يقال عنها لا يتعلقبها بل بما يرمز إليها في المستوى الثاني من فاعليتها كما تعوض الكلمة المعنى والعملة القيمةوالرمز عامة المرموز .ولهذه العلة يمكن للتواصل أن يتم دون لسان ويمكن للألسن أن تترجم بوسيط متقدم.واللسان حتى عند الحضور لا يستغني عنها وهي عادة تعتبر لغة الجسد المباشرة ما يعنيأنه بخلاف ما يظن ليس نظام اللسان هو الذي يحدد نظام الوجود حتى وإن كان أحدأبو يعربالمرزوقي 14 الأسماء والبيان
تجلياته .في الوجود خطاب يتوجه إلينا ليس بوصفنا ناطقين فحسب بل بوصفنا في تبادل وتواصل أعم اللسان أحد تجلياته.وهذا التبادل والتواصل الأعم هو حضور المعادلة الوجودية في وعي كل إنسان :ومعنىذلك أن كل إنسان يسبح في هذه المعادلة كأنها الماء بالنسبة إلى السمك وهي تسبح فيهأيضا كأنه المحل الذي يتحيز فيه هذا الماء في حركة أبدية وذلك هو الينبوع الذي ينبغي نبطه وتسرح مجرى السيل فيه :الحياة.أبو يعربالمرزوقي 15 الأسماء والبيان
أعود إلى نبط الينبوع :ضربت مثال سلوك المعرفة العلمية الذي لا يبدو جليا إلا عندماتقع في أزمة كبرى تؤدي إلى استبدال البرادايم وأحيانا إلى ثورة كاملة من جنس الأولىالتي يبدأ بها كل علم والتي سماها كنط بالانقلاب الكوبرنيكي :وهو يعني أن المعرفة تغادر موقف المستقرئ لما يسمى واقعا.فسمى الموقف البديل بموقف القاضي الذي يحقق مع \"الواقع\" بمعنى أنه ما يظهر منه للإدراك بأدواته التي هي أجهزة علمية من نوعين: .1استرمازي ويتمثل في الفرضيات النظرية .2وتقني ويتمثل في أدوات الإدراك التي يصنعها العلم لتقوية جهاز الإدراك الطبيعي وخاصة البصر والسمع بفضل البصريات والسمعياتوكلنا يعلم دور صاحب علم المناظر -ابن الهيثم-الذي طور نظريات إقليدس وبطليموسليبدع أجهزة تطورت لاحفا وصارت من أدوات تقدم علم الفلك بالقياسات الدقيقة التيجعلت الانتقال من فلك بطليموس إلى فلك كوبرنيكوس بقلب العلاقة بين بالشمس والأرض ومن هنا استعارة كنط لمفهوم الانقلاب.والنظامان البطلمي والكوبرنيكي رياضيان لكن الثاني ابسط من الأول وأكثر نجاعةتفسيرية وقد مثل ذلك خروجا من أزمة استرمازية وتجريبية :فمن خصائص الاسترمازالعلمي البحث عن العبارات الأبسط لتفسير الظاهرات والتجارب الادق للمفاضلة بينها. وهذه الامثلة كافية للانتقال إلى الغرض. والغرض من المحاولة مضاعف: .1بيان أن القرآن نبط للينبوع وأن النبط استعمل نفس الطريقة ما يعني أن القرآناستراتيجية لعلاج ازمة علاجا حاسما يستحق اسم العلاج النهائي ومن ثم فالرسالة خاتمةوهي التذكير الأخير بمعنى أنها نموذج كل نبط ممكن بعدها دون حاجة لرسالة سماوية أخرى.أبو يعربالمرزوقي 16 الأسماء والبيان
.2وهو الغرض النهائي من المحاولة :كيف نبط الينبوع الذي سد طريق سيلان ماءالحياة منه بسبب التعطيلين اللذين تعلقا بالدستور السياسي والدستور المعرفي ومن صارالنظر والعمل عقيمين لا يمكنان من علاج علاقة الإنسان بالطبية وعلاقته بالإنسان بوهم الاكتفاء بالعبادات علاقة مباشرة بالله.وإذا كان الإسلام يعتبر العبادة الأسمى هي المعرفة بالله وكانت المعرفة به تمر حتمابمدعاته فإن تسعة أعشار العبادة قد ضاعت من المسلمين لأنهم تركوا الشرط الأول لقيامالعابد أعني الاستعمار في الأرض وتوهموا أن الاستخلاف ممكن لمن لا يستطيع الاستعمار في الأرض لتكون مطية للآخرة.ومن لم يمتط الدنيا بشروطه الامتطاء أي العلم وتطبيقاته العلمية سيمطيه كل منيمتطيها قبله وأكثر منه .فيكون عبدا لسيد الارض ولا يستطيع أن يتحرر ليكون عبدالرب العباد :فكل من يفقد شروط الحرية في الدنيا لا يمكن أن يدعي أن له إمكانية التفرغ لشروط الحرية الروحية معيار الأحكام في الأخرى.لكن بصرف النظر عن إيمان المخاطب بما يقول القرآن فإن الفضيلة والاخلاق شبهمستحيلة لمن يغرق في التبعية لأنه سيكون رهن من يستتبعه إما لأنه مسيطر على شروطحياته المادية أو على شروط ما صار يعتبره من مكملات سعادته الدنيوية ومن فهو سيضطر لأن يكون منافقا ومطيعا مثل أي عبد لسيده.لذلك فما أقوله في الامر لا علاقة له بالوعظ والإرشاد أو بالدعوة الدينية بل هو بيانأن الدين في ذلك وخاصة الإسلام لا يقول شيئا آخر غير ما تقوله الحكمة التاريخية:فالشعوب الغارقة في الحاجات الاولية تكون ذليلة ومستبعدة وهو ما يجعل التحرر من استعباد الطغاة وفسادهم شبه مستحيل.ولذلك فقد جعل الطغاة الفقر والحاجة والمرض من شروط الخنوع لاستبدادهموفسادهم :لأن الإنسان ينكص إلى الحيوان فيغرق في معركة الحياة العضوية ولا يمكنه أنيسمو إلى الحياة الروحية حتى لو صلى وصام وتذرع لربه ليلا نهارا لأنه عصاه فيما كلفه به أي أن يعمر الارض بقيم الاستخلاف.أبو يعربالمرزوقي 17 الأسماء والبيان
ومرة أخرى فالإنسان لا يشعر حقا بالفقر إلى الله إلا إذا تحرر من الفقر لغيره .والفقرللغير مضاعف :هو نتيجة إهمال العلاج المناسب للعلاقة العمودية بالطبيعة ونتيجة إهمالالعلاج المناسب للعلاقة الأفقية .وعدم إهمالهما هو الشرط الضروري لتحرر من الفقر لغير الله دون أن يكون كافيا.والإنسان المادي ليس الذي يحقق شروط الاستعمار في الأرض وهي كما أسلفت شرطالتحرر من عبادة غير الله بل من يكتفي بها فيكون دائم الفقر لغير الله :وهؤلاء همالمرضى الذين يعبدون ما يسميه هيجل باللامتناهي الفاسد ممن لا يشبع فيبقى دائما عبد المادة .وهذا مرض خلقي وروحي.لكن الإنسان السوي الذي يطلب شروط الحرية الروحية من الخضوع لوسيط روحيوالحرية السياسية من الخضوع لوصي سياسي هو الإنسان الذي يستثنيه القرآن من الخسرفيفهم معنى الإيمان والعمل الصالح وهما جوهر العبادة ومثله الجماعة المؤلفة من أمثاله يستثنون من الخسر بالتواصيين.والخسر ليس مفهوما دينيا فحسب بل هو كذلك مفهوم فلسفي وهو يعني عدم الوعي بمايتهدد كيان الإنسان من التبعية لحاجته المادية وحاجته الروحية فيكون بسبب ذلك عبدالغير الله فلا يكون إنسانا حرا بل هو عبد تابع لإنسان آخر إن كان فردا ولجماعة أخرى إن كان جماعة :وتلك هي حالنا كعرب.وهدف النبط الذي قام به القرآن والذي نريد استئنافه من خلال فهم استراتيجيةالقرآن في تحقيق انسياب ماء الحرية الروحية والسياسية للإنسان كإنسان دون اعتبارللعنصر وللطبقة وللجنس (الرجل والمرأة) هو تحقيق انسياب الحرية والكرامة مقومي الإنسان باعتباره مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها.وبلغة فلسفية وهي مطابقة للغة القرآن :الإنسان من دون الحرية الروحية والحريةالسياسية عبد وليس إنسانا ومعنى ذلك أنه لم يفقد الإنسانية بالقوة-أي إمكانية أن يثورليسترد حريته وكرامته -لكنه فاقد لها بالفعل أي إنه بسبب غرقه في مطالب الدنيا التي لم يعمل على توفيرها بصبح عبدا لصاحبها.أبو يعربالمرزوقي 18 الأسماء والبيان
والتحقيق الفعلي لهذا المعنى من التحرر الروحي (الإرادة والعلم والقدرة والحياةوالوجود) وما يترتب عليه من التحرر السياسي بمعنى عدم الخضوع لطاغية يسيطر علىإرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده التي هي عين قيامه كإنسان هو معنى الثورة الإسلامية التي جعلت الإسلام دين الإنسانية كلها.وبهذا المعنى فالقرآن بوصفه علاجا لأزمة كونية حول رؤية الإنسان لذاته هواستراتيجية تحرير الإنسانية من العبودية الروحية (الوساطة) والسياسية (الوصاية) علىاساس مبدأين صريحين أولهما هو مبدأ الأخوة الإنسانية التامة (النساء )1ونفي التفاضل بين البشر باستثناء التقوى (الحجرات .)13والتفاضل بالتقوى عند الله يعني أن البشر متساوون ومطالبون التعارف معرفة ومعروفاولا فرق بين الأعراق ولا الطبقات ولا الجنس ومن ثم فهو تحرر يكون فيه الإنسان كفردذاتا روحية وسياسية وكجماعة ذاتية الأمر تسوسه بالشورى بينها :وذانك هما الدستوران اللذان عطلا ونبطنا لتسريح مجراهما.الينبوع أو النبع الذي نريد إزالة الرمال التي سدت مجراه هو إذن حقيقة الإنسانفلسفيا وهي عين حقيقته دينيا على الاقل في الإسلام :أنه ذات حرة روحيا قادرة علىالنظر والعمل المستقلين وحرة سياسيا أي إنها سيدة نفسها لا تخضع لوصية سلطان بينها وبين ربها .وهما الدستوران اللذان سننبطهما.والنبط عادة يعني حفر الآبار .ونحن في لحظة علينا فيها أن نحفر الآبار التي غاضماؤها وجف نسغها ولم تعد تؤهل المسلم لأن يحقق شروط العلاقة العمودية بالطبيعة إذحتى خيرات بلاده يستخرجها غيره وهو يكتفي بحراسة مصالح مستعبدة الذي هو غفير عند حاميه :العربي يعاني من عبودية مركبة.وكلما كانت هذه العبودية مكرسة كلما زاد كلام ادعياء الكلام باسم إغراقا في محاولةتدجين ما في الإسلام من واجب الثورة على أسبابها للحيلولة دون علاجها بأسبابها :فعلمهملا صلة له بشروط العلاقتين بالطبيعة وبالتاريخ بل هو يجعلون المهمة الدينية مقصورة على الوعظ والإرشاد.أبو يعربالمرزوقي 19 الأسماء والبيان
ويزعمون رفض العلمانية وهم في الحقيقة علة العلمنة المستوردة :فعندما تجعل الدينمبعدا من شروط التحرر الروحي والسياسي والتي هي ما وصفت وأنت تعلم أنه لا يمكنلجماعة أن تبقى حرة بمجرد الوعظ والإرشاد فأنت تفرض عليهم التبعية لمن تعتبرهم أعداء الدين :فتكون أعدى أعدائه دون وعي.فأنت نزعت سلاح الجماعة لحماية ذاتها فجعلتها محمية وأنت منعت الجماعة من رعايةذاتها فجعلتها مرعية ثم تتساءل عما صار عليه المسلمون من ذل وهوان الكل يتصارع عليهموهم في غيبوبة لكأن الامر لا يتعلق بشروط وجودهم الخمسة :جغرافيتهم وثمرتها وتاريخهم وثمرته ومرجعيتهم الروحية.أبو يعربالمرزوقي 20 الأسماء والبيان
لما ضربت مثال طريقة العلم للخروج من أزماته الكبرى تكلمت على عمل إنساني لتوضيعالعلاقة بين أبعاد الزمان الخمسة في كل عمل إبداعي إنساني ينتسج خلال تاريخه بنوع منالعودة الواعية على الذات خلال الازمة التي يعيشها في الحاضر ليعالجها في ضوء مراجعة الماضي واستراتيجية المستقبل.وأعلم أنه سيعاب علي قيس استراتيجية الإسلام لإخراج الإنسانية من أزمتها الوجوديةعلى عمل إنساني لكأني في ظنهم أشكك في إلهية الرسالة واعتبرها مجرد اجتهاد إنسانيمن جنس الاجتهاد الذي وصفت في المثال المستمد من تاريخ تطور المعرفة العلمية بل وكل عمل إنساني.بل أكثر من ذلك سيقال إنك تتناقض :فمن جهة أولى ترفض علم الكلام لأنه يؤولالمتشابه ولأنه يقيس الغيب على الشهادة (ظنا أن الغيب مجرد غائب) وها أنت تقيساستراتيجية الرسالة على استراتيجية مراجعة الماضي والتخطيط للمستقبل في أي عمل إنساني وخاصة في تاريخ العلوم.وأخيرا والأدهى ها أنت تستمد معرفة مباشرة من القرآن وتدعي أن القرآن ينهانا عنطلب العلم من شرح نصه بل يوجهنا أمرا للنظر فيما يرينه الله من آياته في الآفاق والانفسوينهانا عن تجاوز ذلك لتأويل المتشابه والكلام في الغيب .وهذا الأدهى هو منطلقي في الكلام على الغرضين.والغرضان من البحث هما-1 :ما استراتيجية القرآن في إخراج الإنسانية من أزمتهاالوجودية وهي أزمة كونية -2كيف يمكن أن نستأنف دور الإسلام والمسلمين في التاريخبتحرير هذه الاستراتيجية مما ران عليها من قشور أخفت اللب وكادت تأتي عليه لولا وعد الله بعزه دينه وجعل أهله شاهدين على العالمينوليس في هذه المحاولة الاجتهادية أدنى دعوى بكوني مصلح القرن فلست مختصا في العلومالدينية ولا أحمل اسم عالم بمعنى المتكون من علوم الملة حتى أزعم ذلك .كل ما في الامرأبو يعربالمرزوقي 21 الأسماء والبيان
أني اعتقد أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي دون أن ينفي معجزات الأنبياء لم يدع معجزة عدى معجزة النظام بدلا من خرقه.فكل حججه مستمدة من النظام الطبيعي أو من النظام التاريخي والنظامان يوجدان فيكيان الإنسان ومن ثم فهو يعتبر تبين حقيقته يكون من خلال ما يريه الله للإنسان منآياته في هذين النظامين خارج الإنسان وفي الإنسان بوصف كيانه مؤلفا منهما ويقوم بعلاقته بهما .وإذن فالمرجعية هي عالم الشهادة.أما كلامه على ما وراء العالمين الطبيعي والتاريخي وحقيقة علاقة القطبين الله والإنسانمن حولهما فذلك هو مجال الغيب والمتشابه وليس هو مجال الكلام على الاستراتيجيةالقرآنية التي تهدف إلى إخراج الإنسانية من أزمتها الوجودية التي سنصف والتي كانت الرسالة التذكير الاخير بشروط تجاوزها.وهو ما يعني ألا أتناقض لأني أتكلم إلى فيما اعتبره القرآن من عالم الشهادة ووجهالإنسان إلى الاعتبار به للخروج من أزمته الوجودية وبين طبيعة تعطيل الدستورين بالنصالصريح الذي لا يحتاج إلى قيس غيب بشاهد له شاهد ودائم الشهود والشهادة على ذاته ما يعني أنه خاضع لمخمس الزمان.والخضوع لمخمس الزمان هو جوهر كيان الإنسان لأن وجوده مضاعف :فهو وجودي عينيله القدرة على إدراك ذاته العينية والكلي الذي يجمعها بالنوع والجنس إلى أن يصل إلىالوجودي عامة وهو خاصية الاسترماز التي لولاها لما خرج الإنسان من عينيته لكي يرى ما يتجاوز ذاته من حوله.فأي إنسان يعلم أن وجوده العيني نقطة في المكان ولحظة في الزمان .فكيف له أن يتجاوزتعينه النقطي واللحظي إلى تصور العالم مكانه وزمانه وعدم الرضا بتناهيه فلا يهدأ إلىبعد أن يضع عالما وراءه لا نهاية له ولا سواء كان ذلك خيالا أو حقيقة والبت بين الخيال والحقيقة قضية إيمان محض.ومثلما أن التاريخ مضاعف بأحداثه وأحاديثه حول أحداثه بسبب الاسترماز فالطبيعةكذلك مضاعفة بأحداثها وأحاديثها بسبب الاسترماز .وعلاقة الإنسان بذاته لها هذهأبو يعربالمرزوقي 22 الأسماء والبيان
الابعاد الاربعة دائما وهي تتحد في كيانه وبهما يتجاوز النقطة المكانية واللحظة الزمانية فيصبح كيانه بحد ذاته عين التجريد النظري.والكيان المجرد في الإنسان هو الاسترماز وهو ما به يستحضر العالم كله ويتجاوزه إلى ماورائه ليصبح في مواجهة مباشرة مع القطب الثاني وهي مواجهة وجودية فعلية تشبه مايسمى دليل التمانع :لكأن الإنسان في هذا التجاوز يود لو يكون القطب الاول فيورباخيا: الإنسان خلق الله.وفي هذه النظرة شيء من الصحة :فالإنسان هو خالق صورته عن الله لأنه لا يستطيعتصوره إلى بمقياسه الذاتي على ذاته أو ما يسمى بالانتروبومورفيسم .أي القياس علىالإنسان .وعندما تقرأ صفات الله في القرآن فإن الإنسان سواء كان أميا أو متعلما لا يفهمها إلا بهذا المعيار باحتراز ليس كمثله شيء.وتلك هي علة النهي عن تأويل المتشابه :كل الكلام على ما وراء العالمين الطبيعيوالتاريخي من المتشابه وهو إذن ليس موضوع كلامنا .سنكتفي عما ذكر به القرآن الإنسانيةحتى تحقق شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف معتبرا ذلك هو موضوع اختبار أهلية الإنسان لما كلف به وهو عين كيانه.فيكون الفيوبارخيون قوما يخلطون بين تصور الإنسان لله وبين الله .يردون الوجود إلىالإدراك وهذا ينتج عن وهم نظرية المعرفة التي تدعي المطابقة التامة بين الإدراكوالوجود وتزعم أنها تعلم الشيء على ما هو عليه لكأن الشيء مخلوقا للعلم أو لكأن الوجود مطلق الشفافية والإدراك مرآة أمينة.ونقض هذا الوهم هو الدستور القرآني الاول :في الوجود غيب محجوب والعلم الإنسانيليس محيطا به ومن ثم فالعلم اجتهاد دائم والمهم فيه البحث الصادق عن آيات الله في الآفاقوالأنفس لعلاج العلاقتين العمودية والافقية وعدم الزعم بأنه محيط بالوجود فضلا عما ورائه من الغيب المحجوب.وهذا هو التذكير الأول بعلة تعطيل الدستور المعرفي .وعليه يبنى التذكير ويخص العملوليس النظر والعلم .فالإنسان الناظر يستمد وهم السلطان الروحي بمن وهم العلم المطلقأبو يعربالمرزوقي 23 الأسماء والبيان
والإنسان العامل يستمد وهم السلطان المادي من وهم القدرة المطلقة .فيعطل الدستور السياسي :ومنهما الوساطة والوصاية.فتكون الوساطة الروحية ناتجة عن وهم العلم المحيط لدى الوسطاء وهي كذبة هدفهااستمداد سلطان من علم محيط مزعوم يدعي صاحبه العصمة الامر الذي لم يدعه الرسوللكونه اعتبر نفسه معصوما في التبليغ وليس في الاجتهاد وإلا لكان اعتماده على الشورى في السياسة والحرب من العبث.وتكون الوصاية السياسية ناتجة عن وهم العمل المحيط وهي كذبة هدفها استمداد سلطانمن عمل محيط مزعوم يدعي صاحبه العصمة في الأمر الذي لم يدعه الرسول لكونه اعتبرنفسه في تبليغ قيم العمل ولم يدع أن عمله مطلق بل كان يستشير وزرائه في الفترة القصيرة التي حكم فيها دولة.وهذا هو معنى أن اخلاق الرسول هي أخلاق القرآن أي إنه كان المثال العيني للعملبالدستورين المعرفي والسياسي وبهذا المعنى فيمكن اعتبار الرسول الخليفة الراشد الأولوهو نموذج الخلفاء الراشدين من بعده :لا أحد منهم عطل الدستورين بل كلهم كانوا يعتبرون أنفسهم مجتهدين ويستشيرون الجماعة.لا أحد منهم ادعى العصمة في العلم أو في العمل بل كلهم كانوا يعتبرون أنفسهم مجتهدينفي النظر ومجاهدين في العمل بقدر الاستطاعة وعملا بشروط الاستثناء من الخسر التيحددتها سورة العصر :أي الوعي بعلل الخسر والسعي لتجنبها بقيم اربعه تنتج عن هذا الوعي وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصيان.فإذا كان الأمر كذلك فيكف يعطل الدستوران في تاريخ البشرية فيكون ذلك مصدرالأزمة الوجودية التي هي في الحقيقة ما سماه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\"؟ كيفيفسد الدستور المعرفي والدستور السياسي فيصبحان مصدر إفقاد الإنسان معاني إنسانيته فيقع في الخسر :يرد أسفل سافلين.الجواب يأتي من قراءة القرآن بوصفه عملية مراجعة لماضي الإنسانية وتخطيط لمستقبلهابما يمكن أن أسميه -واعتذر عن هذا الاسم ولعله مما يسمى عيب المهنة-فلسفة الدينأبو يعربالمرزوقي 24 الأسماء والبيان
وفلسفة التاريخ :فهو مراجعة لتحديد الديني في الأديان كلها-المعلوم منها فيه ( 5الحج )17موضوع المراجعة والقرآن هو المراجع.لكن المراجعة لا تقتصر على فلسفة الدين لتحديد الديني في الأديان بل هي كذلكمراجعة لفلسفة التاريخ لتحديد السياسي في السياسات التي صنعت تاريخ الإنسانية .لذلكفكل كلام على رسالة سابقة يصحبها كلام على ثمراتها السياسية وخاصة على معارضاتها السياسية في التاريخ الفعلي للجماعة.والتداخل بين الفلسفتين الدينية والتاريخية متداخلتان كما تبين آية هلاك القرى وصلابين الديني الخلقي والسياسي الاقتصادي وما يترتب على البعدين الديني والسياسي منخلل في القرآن فيحق عليها القول فتدمر بذاتها لأن الله وضع قوانين في الطبيعة وفي التاريخ لصلاحها ونقائضها لطلاحها.فإذا محصنا الامر اكتشفنا أن علة فساد معاني الإنساني كما حددها القرآن تكمن فيبعدي السياسة أي الحكم والتربية وهذه تفسد بسبب الطغيان النظري المبني على كذبةالعلم المحيط وذاك يفسد بسبب الطغيان العملي المبني على كذبة العمل المحيط. وبفسادهما يصبحان عنيفين فيفسدان معاني الإنسانية.وما حاجتهما للعنف إلا لأنهما كاذبان فيضطران لفرض كذبهما بالعنف لأن الطاغوتالسياسي في الحكم هو الاستبداد والفساد في الجهاد وفي التربية هو الاستبداد والفسادالاجتهاد فيتحالف طاغوتان جعل القرآن الإيمان مشروطا بالكفر بهما (البقرة :)256 تبين الرشد يحرر فيغني عن العنف (الإكراه).وأخيرا فالقرآن مليء بالكلام على قرب نهاية حياة الدنيا للإنسانية كلها ما يعني أنالماضي هو من بدايتها إلى نزول القرآن والمستقبل هو من نزول القرآن إلى أن يتحقق فيالتاريخ الفعلي ليكون المؤمنون به شهداء على العالمين .وإذن فالمستقبل كله هو طريق وعي الإنسانية بما ذكرت به لتؤمن طوعا.وذلك يغني عن العنف في الحكم وفي التربية ويطبق مبدأ النساء ( 1الاخوة) والحجرات(13التعارف معرفة ومعروفا والمساواة) ويزل علل الصراع بين البشر سواء كان المصدرأبو يعربالمرزوقي 25 الأسماء والبيان
معرفي عقدي (المائدة )48وعلل الصراع بينهم على أسباب العيش والعدل الاجتماعي (الشورى :)38الحكم والرزق أمر الجماعة بالشورى.هذه هي استراتيجية القرآن لتوحيد البشرية وإخراجها من الأزمة الوجودية التي تنكرمقومات الذات الإنسانية المكرمة والحرة روحيا وسياسيا .ولما كانت الأزمة الوجودية حينهامتمثلة في سيطرة امبراطوريتين كلتاهما تعتمد على الوساطة والوصاية بدأ التاريخ الإسلامي بالتصدي لهما :فارس وبيزنطة.لسوء الحظ لم يكف الفصل للمرور إلى الكلام في الغرض الثاني لذلك فسأضطر لمواصلةالبحث فأختم الغرض الاول واتكلم في الثاني آملا ألا يطول الامر فيتجاوز فصلين علىالاقصى .وبذلك أكون قد أجبت عما سألت عنها بقدر الاستطاعة آملا أن يكون ذلك بداية فهم للمراجعة الواجبة شرطا للاستئناف.أبو يعربالمرزوقي 26 الأسماء والبيان
بينت أني لا أتناقض في كلامي على القرآن فأنهي عن خلق وآتي مثله :لا أتكلم في الغيبولا أقيسه على الشاهد ولا أول المتشابه مثل الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والمتصوفة فيماسميته بعلوم الملة الزائفة بل أميز بين الكلام وفعل إشارة والكلام كعلم بالمشار إليه :القرآن رسالة تذكير.ولن أبالغ إذا قلت إنه ليس فلسفة دين وتاريخ فسحب بل إن فلسفة الدين فيه أصللأربع فلسفات وردت فيه في شكل الإشارة التذكيرية وليست بديلا مما يمكن لهذه الفلسفاتان تصل إليها عندما تطبق أمر الإشارة بالبحث العلمي في الآفاق والانفس ونهيها عن تأويل المتشابه والراسخ في العلم منته.ولأن أدعياء الرسوخ في العلم صاروا المتجرئين عما نهى عنه القرآن نتجت العلوم الزائفةالتي حالت دون الأمة والعبادة الحقة التي هي طلب حقيقة القرآن في الآيات التي يرينهاالله في الآفاق والانفس وليس في شرح النصوص وادعاء علم الغيب بوهم نظرية المطابقة لديهم جميعا.وهذا الوهم يعود إلى \"و\" في آل عمران 7إذ جعلهم إياها عطفية يعني أنهم يعتبرونالراسخين في العلم -سواء كان عقليا أو لدنيا-يضاهي علمهم علم الله إذ من دون الإحاطةلا يمكن أن يدعي إنسان أن علمه بالوجود مطابق لحقيقة الوجود مطابقة مطلقة تجعله يقول إنه يعلمه على ما هو عليه.فما معنى التمييز بين الإشارة التذكيرية في القرآن وعلم المشار إليه الذي زعم موجودافيه وزعم أدعياء الرسوخ في العلم الوصول إليه بالعقل (فلاسفة) أو بالكشف (متصوفة)والمتكلمون والفقهاء يسلمون نفس المعنى وإن لم يكن مما يصرحون به وإلا لما ادعوا استخراج الفقهين الأكبر والاصغر من النص.فالكلام فقه أكبر بمعنى أنه يدعي علما بالعقائد أوضح مما جاء منها في القرآن والفقهعلما بالشرائع أوضح مما جاء في القرآن :وما جاء في القرآن في الحالتين إيمان وليس علماأبو يعربالمرزوقي 27 الأسماء والبيان
والإيمان يقبل كما هو كل محاولة لتعليله كما يفعل المتكلمون والفقهاء يفسده ويهمل الأساسي فيه أي مضمون البقرة .177ولنعد إلى موضوعنا :ما هي الفلسفات الأربع المتفرعة عن فلسفة الديني في الأديان كماتتبين من نقد القرآن وتفكيكه لتجربة الإنسانية الروحية؟ إنها فلسفة الطبيعة وفلسفةالنظر وفلسفة التاريخ وفلسفة العمل .وفلسفة الطبيعة وفلسفة التاريخ غاية وفلسفة النظر وفلسفة العمل أداة لتحصيلها.وكل هذه الفلسفات إشارية للمعلوم وليست معرفية لمضمونه أعني لقوانينه .ولنضربأمثلة :فالإشاري في فلسفة الطبيعة القرآنية أمران الطبيعة ذات نظام والنظام الطبيعيمن طبيعة رياضية .وهو يستمد مقدماته استدلاله من \"النظام\" بوصفها بدائل من معجزات الأنبياء السابقين التي وصفها بكونها للتخويف.والإشاري في فلسفة التاريخ أمران كذلك :التاريخ ذو نظام والنظام من طبيعة سياسيةخلقية (الحكم والتربية) وهو يستمد كذلك مقدمات لاستدلاله من النظام بنفس المعنىالذي رأيناه في الطبيعة .والإشاري في نظرية النظر والعقد هو وجهة البحث ومنهجه ودور المدارك فيه مع التواصي بالحق لأنه جهد جماعي.والإشاري في نظرية العمل والشرائع فضلا عما تقدم في النظر يكون فيه الجهد العمليجهادا والتواصي تواصيا بالصبر الذي يكمل التواصي بالحق .لكنه الفلسفتين النظريةوالعملية ليستا إلا فلسفة الأداتين اللتين هما يعالج الإنسان شروط الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها.وهو ما يجعلهما جوهر الديني في الأديان لأن الإنسان كمكلف وكعابد (مفهوم الاستخلافبجمع بين المعنيين) لا يحاسب إلا على استعمال نظره وعمله لتحقيق شروط مهمته علىأفضل وجه وهو واجب الوسيلة وليس واجب الغاية بمعنى أن الإنسان مطالب بوسع اجتهاده وجهادة وصدقه فيهما وليس مسؤولا عن النتيجة.لذلك فمهما مخضت هذه الفلسفات التي تشير إلى المطلوب وشروطه دون أن تعينه لأنهموضوع اجتهاد الإنسان وجهاده مع خلوص النية والصدق في النظر والعمل بمنطق الإيمانأبو يعربالمرزوقي 28 الأسماء والبيان
والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر لا يتضمن ما يغني عن البحث العلمي والإنجاز العملي الإنسانيين.فيكون التذكير الأخير مقصورا على تحرير الإنسان من الوساطة المعطلة بعنفها للحريةالروحية شرط العلم والعمل والوصاية السياسية التي تفرض بالعنف الباطل بدل الحقفيتم الاستعباد الفعلي بعد الاستعباد الرمزي ويجتمع الاستعبادين أو الطاغوتين تماما كما تصفهم آل عمران :حلف الطاغوتين.وما أشبه اليوم بالبارحة :فلما نزل القرآن الكريم -كما يتبين من رسائل الرسول الخاتمإلى ملوك عصره وكما يتبين من جواب رسول جيش المسلمين على سؤال قائد الجيشالفارسي-كان الإنسانية تعاني من الوساطة والوصاية في الامبراطوريتين السائدتين حينها فيما أصبح دار الإسلام لاحقا.ونحن اليوم -وأقصد بنحن الشعوب الاربعة التي أنشأت وحافظت على قلب دار الإسلامأعني العرب والاتراك والأمازيغ والاكراد-في نفس الوضعية ولكن بخلاف المرة الاولى:لم نكن موجودين بصفتنا الحالية في هذه الدار التي أصحبت دارنا بل كان من يريد استعادتها الآن هو صاحبها قبل الإسلام.لذلك فما اصفه لا يخضع لمنطق التاريخ يعيد نفسه الواهي لما بينت من الفرق :لما بداناتطبيق ثورتي الحرية الروحية والحرية السياسية لم يكن وجود فيما يسمى قلب دارالإسلام ولم تكن الشعوب الأربعة التي ذكرتها مسلمة ولا ساهمت في تحريرها من سلطان فارس وبيزنطة السياسي والروحي.ولذلك فمعركة اليوم غير معركة الأمس :في الامس كانت عملية تحرير من العبوديتينالروحية (الوساطة) والسياسية (الوصاية) وفي معركة اليوم أصبحت عملية استردادلهذين العبوديتين .الواحد في الوضعتين ليس طبيعة المعركة بل طبيعة المشاركين فيها. والرهان اليوم هو منع هذا الاسترداد بالاستئناف.والشعوب الذين ذكرتهم بما يشبه التسمية العرقية لم يكونوا يعون أنفسهم بهذا المعنىالمقيت الذي يعرف الإنسان بالعرق بل كانوا يعرفون أنفسهم بكونه حملة رسالة كونية هيأبو يعربالمرزوقي 29 الأسماء والبيان
الإسلام وبكونهم هم مسلمين قبل أي شيء آخر .لذلك فهذا التعريف السائد هو من أسباب ضعف الامة وبداية تخريب وحدتها الروحية.ولو كان الامر مقصورا على ما يحدث في الإقليم الذي هو قلب دار الإسلام محل تحديدمصير الحضارة الإسلامية فحسب لما اعتبر أزمة وجودية كونية ولما صح أن أتكلم علىضرورة استلهام ثورة الإسلام الأولى نموذجا للاستئناف ثورته التي نحن مكلفون باستئنافها بمعنى الشهادة على العالمين.ما أزعمه ليس مجرد إيمان ديني بل هو أيضا ملاحظة تاريخية نراها بالعين المجردة:البشرية اليوم تعيش أزمة وجودية كونية كانت في نشأة الحضارة الإسلامية مجرد توقعطرد أزمة إقليمية ستصبح كونية إن لم تعمل بالإشارات القرآنية وها هي قد أصبحت فعلات مستعبدة روحيا وسياسيا بعكس ايديولوجيتها.وهذا هو المعنى العميق للعولمة فهي كونية تعميم العبودية الروحية والسياسية على جميعالبشرية باسم مخادع هو الحرية الروحية والسياسية في الأذهان والعبودية الروحيةوالسياسية في الاعيان :فمن يحكم ومن يربي في العالم اليوم هم أصحاب العجل الذهبي بالسيطرة على الإنتاجين الاقتصادي والثقافي.ورمز السيطرة الاقتصادية هو مادة العجل (ذهب أي البنك والشركات الغابرة للقارات)ورمز السيطرة الثقافية هو خوار العجل (الايديولوجيا وما يناظر هوليوود) والجميع صارعبدا للبنوك وللشركات ولسلطان خفي يتحكم في قيام الإنسان الروحي والمادي أي الوسطاء والاوصياء في دين العجل الذهبي.وهذه حجتي الأساسية في استعمال مفهوم كاريكاتور الحداثة ومفهوم كاريكاتور الأصالة:كلاهما من حيث لا يعلم أعاد الوساطة والوصاية .والأول خلط بين كاريكاتوره عن الإسلاموالإسلام والثاني خلط كاريكاتوره عن الحداثة والحداثة .فالاستعمار والعولمة أي غايته استعباد روحي وسياسي مناف للإنسانية.وقيم الإنسانية التي هي حقيقة الإنسان كما يعرفها القرآن قبل أن تحرفه قراءات مايسمى بعلوم الملة في عصر الانحطاط يؤيدها فكر فلاسفة الحداثة قبل أن تتحول إلىأبو يعربالمرزوقي 30 الأسماء والبيان
ايديولوجيا استعمارية اقتصاديا وثقافيا بصورة تعيد نفس التحريف الديني بعد أن علمن وصار دين العجل الذهبي بمادته وخواره.أبو يعربالمرزوقي 31 الأسماء والبيان
تحددت الأزمة الوجودية الكونية فهل لدينا شروط المهمة؟إذا قسنا المسلمين اليوم بالقياس إلى من يحرك هذه الآلة الجهنمية التي تستعبدالإنسانية بإلغاء الحريتين الروحية والسياسية مع الاعلاء من أيديولوجيتهما في الثقافة التنويمية لماكياج للعبودية :معاني الإنسانية ألغاها الوسطاء والأوصياء.والاعتراض يبدو وجيها وهو اعتراض يباهي به محقرو الإسلام والمسلمين من كاريكاتورالحداثة العربية خاصة لأن المسلمين الآخرين لم تبلغ الوقاحة عندهم هذا الاستهتار الدالعلى خفة العقل وبلادة الذهن عند من يتوهمون أنسهم حداثيين وهم أكثر تخلفا ممن يتصورون أنفسهم يقاومون جهلهم وظلاميتهم. ومن علامات عماء البصيرة الذي يعانون منه أمران لا يغفل عنهما عاقل: .1إذا كان المسلمون والإسلام ليسوا تحديا جديا للعبودية الجديدة روحيا وسياسيا أو العولمة فلماذا يحاربهم كل هؤلاء الأعداء؟ .2فلنقس نسبة قوتنا إلى ما كان يمثل أزمة الوجود في النشأة الاولى بنسبة قوتنا اليوم إلى نظرائهم.وحتى تكون المقارنة منصفة فلا ينبغي أن نقتصر على الحاصل بالفعل من اسباب القوةلأننا بينا سابقا أن العلاج له التفاتان من الحاضر إلى الماضي ومن الحاضر إلى المستقبلوالحاضر محيط بالبداية والغاية .فيكون تقدير القوة ذا صلة بالبداية التي قد تمكن من تقدير الغاية .كذلك يحسب الأعداء قوتنا.فاستراتييجيوهم يقولون :ماذا لو استأنف المسلمون دورهم ولهم شروط الاستئناف كلها(جغرافيا وثمرتها اي الثروة الممكنة وتاريخيا وثمرته أي التراث الممكن ومرجعيا أي الفلسفات التي ذكرت)؟وكيف نحول دون ذلك ونحن نعلم أنه ممكن وأنه إذا حصل فسلطاننا على العالم قد يهدد؟أبو يعربالمرزوقي 32 الأسماء والبيان
ذلك أن استراتيجييهم ليسوا أغبياء مثل أدعياء الحداثة عندنا الذين يعتقدون أنعسل أيديهم من الإسلام -وهم أقلية تافهة لا وزن لها بين المسلمين-يعني أن الإسلاموحضارته من الماضي ولا مستقبل لهما في تاريخ العالم في حين أنه حاليا بؤرة عالمية لتحديد شروط النظام العالمي الجديد.فهل بالصدفة تخسر أمريكا مليارات المليارات من الدولارات لتحارب في افغانستان وفيالعراق وفي الصومال وهلم جرا ..لو لم يكن استراتيجيوها يعلمون أنهم من دون السيطرةعلى دار الإسلام من مندناو إلى المغرب لا يمكنهم أن يبقوا قوة عالمية أولى ومن ثم فحربهم علينا دليل فهم لمنزلتنا في العالم.وهل الاستراتيجية التي ستردعهم يمكن أن تكون غير تبينهم أن هزيمتنا مستحيلة وأنهميمكن إن واصلوا هذه الحساب فهم سيسقطون بأسرع مما يتصورون لأننا قد لا نكون قادرينعلى الانتصار عليهم وهم لن يقدروا كذلك على السيطرة على جغرافيتنا وثمرتها وتاريخنا وثمرته وخاصة على مرجعيتنا الإسلام.وطبعا فلا الصين ولا الهند ولا البرازيل وكل القوى الصاعدة ستنتظر أمريكا حتى تفرغمنا لتستفرد بثروات دار الإسلام وممراتها حتى تكون قادرة على المنافسة مع عماليق العصرالقادم ومن ثم فلا مفر لاستراتيجييها من التخلص من وهم معاملة الإسلام كما فعلوا مع الشيوعية.فهو ليس إيديولوجيا نخبة يمكن شراؤها بل هو عقيدة شعوب كلما حورب ازداد قوةوهبهم نجحوا فاغروا بعض الحمقى والمراهقين من حكام بعض العرب وخاصة في الخليجفيغيروا البرامج التعليمية .لن تكون النتيجة مهما فعلوا أفضل مما حصل في تركيا وفي تونس :كلا الشعبين ازدادوا تعلقا بالإسلام.والأهم من ذلك كله -وهو ما يغفلون عنه-أن شباب الغرب نفسه لم يعد مقتنعا بدينالعجل الذهبي لا بمادته (سلطان البنك) ولا بخواره (سلطان هوليوود) بل صاروا أميللحياة الحرية الروحية والحرية السياسية وساعين إلى الثورة على هذين السلطانين الروحي (الإيديولوجيا) والسياسي (القوة المادية).أبو يعربالمرزوقي 33 الأسماء والبيان
ولهذا التبرم الشبابي في الغرب ضد العولمة سلطان البنوك والبورصات والشركات العابرةللقارات والسلط الخفية للمافيات وللوبيات فيه كثير مما يغريهم بالثورتين الإسلاميتين:الحرية الروحية ضد الوساطة وإن تعلمنت وضد الوصاية السياسة وإن تظاهرت بالديموقراطية المزيفة لأن المال هو المحدد فيها.ولهذه العلة فاستراتيجية الاستئناف ينبغي أن تأخذ لذلك كله في الحسبان وأن تكونرسالة كونية بقيم القرآن ليس كما آلت إليه في علوم الملة المحرفة بل كما هي قبل أن يفسدهاتعطيل الدستورين وتحول الفتح الذي كان يهدف إلى تحرير البشر من عبادة العباد إلى استعمار يستبعد العباد.ولأذكر مرة أخرى أن وزن الامم لا يقاس بالموجود فحسب بل وكذلك بالممكن لموجودهاإذا طابق منشودها كيف يصبح وهو قوتها بالقوة والتي تحسب في تقدير أوزان الأمم علىالأقل في الاستراتيجيات بعيدة المدى عند الشعوب التي تتنافس على العالم وعلى دورها في نظامه.وهذا ما ينساه أدعياء الحداثة من النخب التي لا ترى من التاريخ إلا الراهن دون أنتدرك علل راهنيته التي دائما ما يذكر من الماضي وما يتوقع من المستقبل .في الثلث الاولمن 1800كتب هيجل في غاية فصله عن المحمدية أن الإسلام خرج من التاريخ وعادة إلى سبات الشعوب المتخلفة.لو كان هيجل بيننا الآن أو حتى في نهاية القرن الثامن عشر لاستحى من نفسه .فالتاريخكذبه مرتين :لمن ينته عامة وتاريخ الإسلام استؤنف بأكثر مما يتخيل من العنفوان والقوةالغربية التي تصورها سيدة العالم في نهاية التاريخ أي ليس بعدها بعد قد أفلت وخاصة الآن ونحن على عتبه نظام عالمي جديد.لم يعد الشرق الأقصى مجالا تباع فيه المخدرات بقوة المدافع بل صار من كان يستعمرهيخطب وده .ولا شيء يمنع المسلمين أن يحققوا ما حققته الصين وأكثر .كل ما في الامر هوما نطلبه هنا :نبط المعين حتى ينسكب في العروق عنفوان الحياة التي أفسد معاني الإنسانية فيها العنفان التربوي والسياسي.أبو يعربالمرزوقي 34 الأسماء والبيان
ولما كان العنفان قد نتجا عن تعطيل الدستور المعرفي (علما ومنهجا) وتعطيل الدستورالسياسي (حكما وتربية) فإن الاستراتيجية صارت واضحة :وهي بدأت عفوية في ثورةشباب الأمة بجنسيه طلبا للحرية والكرامة ثم بالتدريج وبسبب غباء الثورة المضادة ستنتقل إلى الموجة الثانية فتستكمل شروط التحرير.فعقبات التحرر تبينت نابعة من نقص التحرير :لا وجود لدولة عربية بل وإسلاميةواحدة مستقلة وليس لأي منها شروط الاستقلال التي هي ليست مقصورة على إرادة النحبةالحاكمة فحسب بل هي متعلقة بما فرضه الاستعمار على أحياز كيانها من شروط تحول دون شروط السيادة.وبذلك نصل إلى المفتاح الأساسي للاستراتيجية التي تحكم تنافس الشعوب والحضاراتعلى شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها .ومشكل المشاكل في نخبتنا بنوعيها التيتدعي التأصيل والتي تدعي التحدث سواء كانت في الحكم أو في المعارضة هو الغفلة عن هذا المفتاح الابدي.وقوة استراتيجيي الغرب تتمثل في فهم هذا المفتاح الذي كان ولا يزال مفتاح شرطيقيام الدول :شرط القدرة على الحماية والقدرة على الرعاية الذاتية من خلال حيازةشروطها الجغرافية والتاريخية والرؤيوية أو المرجعية المؤسسة للحضارة .والجغرافية مضاعفة والتاريخية مضاعفة فتكون خمسة أحياز.ولما كانت كل استراتيجية في هذا التنافس ذات وجهين :تعظيم أحياز الذات وتقزيم أحيازالمنافس .فتفهم كيف أن أمريكا تتكون من خمسين دولة وليس ولاية كما في الترجمة العربيةوأن اوروبا شرعت في محاكاتها وستسمى الولايات المتحدة الأوروبية وهلم جرا لكنه يفتتون أي دولة إسلامية لتصبح محمية.والجغرافيا هي مصدر الثروة الحقيقية بما فيها من خامات وبما تحتله من موقع فيجغرافية العالم والحركة فيه برا وبحرا وجوا .والتاريخ هو مصدر التراث الحقيقي بمافيه من مبدعات حضارية علمية وفنية وبما يحتله في تاريخ العالم والحركة فيه (انتقال التراث الإنسان بفضله) والمرجعية هي روح الجماعة.أبو يعربالمرزوقي 35 الأسماء والبيان
ولا يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يشكك في أن ما لدى المسلمين من ذلك لا يضاهيهموجود أي حضارة أخرى فهي جغرافيا وتاريخيا ببعديهما كليهما قلب العالم مكانه وزمانهوهي أصيلة بخلاف دل حضارات الغرب ولا يماثلها في الأصالة إلا حضارات الشرق الاقصى.خذ لك مثال أوروبا ناهيك عن امريكا التي هي من فضلات أوروبا والعالم :مادا فيها هومنها؟ لاشي كل شيء فيها بني على كذبة .لا علاقة للجرمان الغول باليونان ولا بروما لأنهمهم أهماج أوروبا الشمالية أطاحوا بروما ونحن إذن أقرب إلى اليونان منهم وتراثهم لم يصلهم إلى بفضلنا.ولا شيء يصلهم بالمسيحية فهي ينت أرضنا ولم تصبح أوروبية إلى بسب الاستعمارالروماني وقد بينت أنه لا علاقة بالأوروبيين الحاليين .ومن فأقدم تاريخ روحي(الاديان) وحضاري (العلوم والفلسفة) من الشرق الذي صار إسلاميا ولم يقطع مع ماضي الإقليم إلى بثورته التي هي تحرير لتجاوز أزمته.وختاما فإن المرجعية القرآنية هي المرجعية الدينية التوحيدية في تاريخ الاديانالإنسانية سواء كانت طبيعية أو منزلة التي تعتبر نفسها موجهة إلى الإنسانية كلها.فاليهودي لشعب واحد أو لنقل لقبيلة واحدة والمسيحية تتمة لها ولم تصبح عالمية إلا بعد إصلاح بولس في رسائله لغير اليهود.واديان الشرق الاقصى الطبيعية ليست كونية بل هي خاصة بشعوبها وتعتبر بالأحرىاجتهادا إنسانية هدفها الاساسي سياسي والروحي فيها تابع للسياسي والدنيوي .وإذن فدورالمسلمين بات مطلوبا كونيا سواء طلبوه هم أو تخلوا عنه .الإنسانية لن تتحرر من العولمة إلا بفضل الإسلام أو ما يشبهه.الحاجة موجودة والمكان خال ممن يشغله وهو إذن ينادي المسلمين لكي يشهدوا علىالعالمين .لكن ذلك لن يتاح لهم من دون أن ينبطوا الينبوع فيعيدوا للإسلام نظارته التيتتثمل في ثورتيه الروحية والسياسية .وهو ما لا يمكن أن يتحقق بلعوم الملة المحرفة ولا بأعمالها في عصر الانحطاط :ثورة الاستئناف.أبو يعربالمرزوقي 36 الأسماء والبيان
أبو يعربالمرزوقي 37 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 40
Pages: