أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
هذا بحث كتب خلال مقام الأستاذ بماليزيا .نعيد نشر بعضه لصلته بما عرضناه في فصول إصلاحعلوم الملة الخمسة أو بصورة أدق لصلة صورة الإسلام فيه بما ينتج عن أمراض علوم الملة وتصورمفكري الأمة لمنزلتها ولعقدها إزاء من صار يعد مثالا أعلى .وفيه فصلان يليها الهوامش والتعليقات التي يتكون منها جهاز البحث.إن الاتصال المبدئي بين الدين والدنيا في الاسلام صار بفعل الاغتصابين (اغتصاب العلماء للسلطةالروحية واغتصاب الامراء للسلطة الزمانية) مجرد كلام لا يعبر عن حقيقة فعلية في تاريخالمسلمين .وما يزعم من انفصال مبدئي بينهما عند المسيحيين صار بفضل تحرر المسيحيين منالاغتصابين كلاما لا يعبر عن حقيقة فعليه في تاريخهم كذلك .فالدولة الغربية الحديثة لم تفصلالدين عن الدولة كما يزعم السطحي من المفكرين بل هي افتكت كل وظائف الدين من الكنيسة ولم تبق لها إلا الكلام في الدين.فأسئلة الحياة الجوهرية صارت جزءا من الحياة الثقافية العامة ثم هي أخدت منها مسؤوليةالتربية والتعابير الروحية عن التجربة الوجودية والرعاية الاجتماعية خاصة .وحتى العلاج الروحي في خلوة الاعتراف عوضته الدولة الحديثة بالاعتراف على كرسي المحلل النفسي .ولا نعني بهذه الاشارة ما قصده بعض المصلحين الذين وجدوا مسلمين من دون اسلام في أوروباواسلاما من دون مسلمين في أرض الاسلام .فليس لمثل هذا كلام من معنى .لا يمكن للمرء أن يكون مسلما من دون اسلام .ولا يمكن للإسلام أن يكون اسلاما من دون مسلمين.وإذن فالظاهرة أعمق من هذا الهراء .وإنما قيل مثل هذا الكلام لتبرير ايديولوجيةالاصلاحيين المعتمدة على التحديث بتقليد الغرب في مظاهر حضارته دون أصولها العميقة التيبقيت مجهولة عند مفكري الاصلاح الأول .فكان أن اجتمع الداءان في عملية الاصلاح الموالية بسبب 81
هذا التبرير السخيف لأخذ مظاهر حضارة دون فهم عللها فضلا عن عدم فهم علل حال الحضارة التي يراد إصلاحها بهذا الخيار: داء الحضارة الاسلامية ببعث الروح في التحالف بين السلطتين المغتصبتين الروحية والسياسية.وداء الحضارة الغربية الحديثة بأخذ شمولية التنوير الغربي ومحاولة المطابقة بينه وبين قيم الإسلام. 1فكل الحركات الاصلاحية حافظت على خاصية الاغتصابين من التراث الاسلامي وأضافت إليهماخاصية التنوير الشمولي من التراث الغربي الحديث الذي اعتبروه اسلاما من دون مسلمين! لكن ماحصل في الحقيقة التاريخية هو أن الاسلام من حيث هو ممارسة روحية حية في كل أوجه الحياة العمرانية والتي حاولنا في غير موضع حصرها في ضروب القيم الخمسة قتله الاغتصابان :- 1اغتصاب السلطة التشريعية بإعادة تكوين سلطة روحية منفصلة عن إرادة الامة الدينية مؤلفة مما يسمى العلماء- 2واغتصاب السلطة التنفيذية بإعادة تكوين سلطة زمانية منفصلة عن إرادة الامة السياسية مؤلفة مما يسمى الأمراء .فالدين الإسلامي بوجهيه ما بعد التاريخي (المثل العليا العقدية الشرعية) والتاريخي (محاولاتتحقيقها الفعلي أو السياسة) انقلب إلى ممارسة خارجية ليس للمؤمن فيها مجاهدة حية .صار المسلمصار خاضعا لأوامر العلماء وتعليماتهم في حياته الروحية .وتحولت السياسة ببعدها المشرئب إلى مابعد التاريخ وببعدها الساعي إلى التحرر من ضرورات التاريخ إلى ممارسة خارجية ليس للمواطن فيها مشاركة حية .فالمواطن صار خاضعا لأوامر الأمراء وتعليماتهم .وبذلك لم يعد بين المسلمين مؤمن (بسببطغيان من يسمون بالعلماء) أو مواطن (بسبب طغيان من يسمون بالأمراء) لفقدان الوازع الذاتي الذي تحول إلى وازع خارجي بمصطلح ابن خلدون. 1والغريب أن هذه المطابقة هي عين ما يقول به هيجل .فهو يعتبر الدين الاسلامي دين العقل الميتافزيقي المجرد الذي يصحر الوجود حاصرا كلالاسلام في آراء احدى فرقه أي الجهمية وغايتها الباطنية كما هو بين من عرضه لتاريخ الفلسفة الاسلامية التي لا يعتبر ممثلا لها إلا هذا النوع منالكلام لانه يعود بها إلى الواحد الشرقي المجرد .ولما كنت لا أتصور أحدا من أوائل المصلحين قرأ هيجل أو فهمه حتى لو تصورناه قرأه فإن الفرضيةالمعقولة الوحيدة هي نسبة التطابق إلى أن المصلحين كانوا ميالين إلى الحل الاعتزالي الجهمي وغايته الباطنية التي تعتبر الدين مجرد ايديولوجيا سياسية لسوق الجماهير سوق معبد البعير! 82
وقد عرف ابن خلدون هذه الظاهرة ببعديها السياسي والتربوي عند المقابلة بين الاحكام السلطانية والأحكام التعليمية من جهة والاحكام الشرعية في المجالين من جهة ثانية فقال:\"فقد تبين أن الاحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها أجنبي .وأما(الاحكام) الشرعية فغير مفسدة للبأس لان الوازع فيها ذاتي .ولهذا كانت الاحكام السلطانيةوالتعليمية مما يؤثر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم وخضد الشوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم .والدو بمعزل عن هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السلطان والتعليم والآٍداب\" .2والمعلوم أن ابن خلدون لا يعني أن كل الاحكام السياسية والتربوية من حيث هي سياسية وتربويةمفسدة للبأس بل هو يقصر ذلك عليها عندما يكون الوازع فيها خارجيا بالقهر والعسف .لذلك فهوقد قابل طابع أحكامهما الخارجي بالأحكام الشرعية التي هي ذاتية .غير أن التعليم في المجتمعالاسلامي بحكم استحواذ النخبة الدينية عليه جعل التربية الدينية هي بدورها تربية لا تحصل إلابالقهر والعسف .فجمعها نوع التعليم مع الاحكام السلطانية وتعاضد الاغتصابان اللذان أشرناإليهما :في جملة واحدة قتل الاسلام من حيث هو وازع ذاتي بنوع الحكم السياسي وبنوع التربية الدينية .فلم يقتصر مآل الأمر بالمسلم إلى فقدان صفات المسلم الحقيقية فحسب بل هو فقد معاني الانسانية كما قال ابن خلدون : \"ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم: - 1سطا به القهر وضيق على النفس انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل.- 2وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الايدي بالقهر عليه. - 3وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا.- 4وفسدت معاني الانسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله وصار عيالا على غيره في ذلك.- 5بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى انسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين . 2انظر ابن خلدون المقدمة دار الكتاب اللبناني بيروت ط 3.في .1967ص .222 83
وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف .واعتبره فيمن يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به .وتجد ذلك فيهم استقراء\"3فمن هم المسلمون الذين وجدهم رجال الإصلاح بدون اسلام في دار الاسلام ووجدوهم في الغرببدون اسلام؟ إن ما يقصدونه هو بالذات عين الداء .فالإسلام الذي يتحدثون عن غيابه هناكوحضوره هنا بغيابه عند المسيحيين وبحضوره عند المسلمين لا يمكن أن يكونوا قد قصدوا به السلوكالنابع من القناعة الذاتية أو الوازع الذاتي بلغة ابن خلدون بل هو سلطان الفقهاء على العامة.وإلا لما فهمنا كيف يكون الاوروبيون مسلمين بدون اسلام ويكون الاسلام بدون مسلمين في ارضالاسلام؟ ما الذي غاب عند الاوروبيين لينفي عنهم الاسلام وما الذي حضر عندهم ليعدوا مسلمين؟وما الذي حضر عند المسلمين ليثبت لهم الاسلام وما الذي غاب لينفي عنهم كونهم مسلمين؟ كيف يمكن الفصل بين الدين وممارسته في الحالتين :فإما أن يصح الواحد من الحكمين أو الآخر .إذا كان ما لأجله نفي وجود الاسلام في بلاد الغربهو عينه ما لأجله نفي وجود المسلمين في بلاد الاسلام كان معنى ذلك الوحيد حصر الاسلام في الاسلامالرسمي كما يحدده الفقهاء .وإذا كانت أوروبا فيها مسلمون وأرض الاسلام ليس فيها مسلمون كانمعنى ذلك الوحيد هو أن صفة الاسلام الحقيقي هي ممارسة قيم الاسلام .فيكون الاسلام موزعا بينفهمين متناقضين ويكون فكر الاصلاحيين مترددا بينهما وعاجزا عن فهم حقيقة الداء التي وصفه ابن خلدون في الفقرتين اللتين أوردنا .والغريب أن نفس هذا الفكر ينتهي إلى ح ٍل ضميره أن تحقيق التطابق بين عقيدة المسلمينوسلوكهم ينبغي أن يكون بتخلقهم بأخلاق الاوروبيين (وكان ينبغي أن يكون الحل بالنسبة إلىالاوروبي باعتقاد معتقدات المسلمين .لكنهم لم يبحثوا القضية لأنها ليست مطلبهم) .وحتى يتبينسخف هذا الفهم فينبغي أن نستنتج منه أن مسلمي الصدر قد كانوا على الاخلاق الأوروبية لأنهمكانوا يمارسون الاسلام حقا وذوي عقيدة اسلامية رسمية .وإلا لكان اسلام الصدر اسلاما من دون مسلمين! وهذا الموقف السطحي جاهل بأمرين: 3انظر ابن خلدون المقدمة ،ص1043-1042 .84
-1أحدهما فلسفي قد نفهم غفلتهم عنه لبعد غوره -2والثاني تاريخي لا يمكن أن يغفل عنه انسان مهما كان ضعيف الفرقان والوجدان .فأما الامر الفلسفي فهو كون المثل عامة والاسلامية خاصة (لأنها تتضمن دعوى الكونية الخاتمةأي إنها ليست مثلا لزمن معين) لا يمكن أن تتحقق في سلوك قوم مهما قاربوا التمام بمن في ذلك أهل عصر الرسول :لذلك لم يخل القرآن من نقد الكثير من سلوكهم .والقصد أن المرء لا يمكن أن يكون مسلما بالتقليد سواء قلد الصدر أو قلد الاوروبيين بل هو لايكون مسلما حقا إلا بالاشرئباب الدائم إلى مثل الاسلام في طوقه إلى استكمال ذاته من ذاته .أماإذا تصورنا قيم الاسلام قد تحققت في زمن ما في ماضينا أو في حاضر الغرب فإن جعل المرء مسلمايصبح مقصورا على تقليد ذلك الزمن .وذلك هو جوهر الاغتراب الروحي والذي يمكن ان يعدالسمة الجوهرية لما يمكن ان يسمى موت التجربة الروحية .لذلك كانت الحركة الاصلاحية مترددة بين تقليدين:من دون روح الصدر الحية ولا روح أوروبا أي انعدام الاشرئباب النابع من الذات أو الوازع الذاتي بلغة ابن خلدون .وأما الامر التاريخي فيمكن صوغه في شكل سؤال :كيف يزعمون أن الاوروبيين يمارسون قيمالاسلام من دون اسلام؟ فهبنا سلمنا بأنهم أفاضل في تعاملهم فيما بينهم وهو أمر لا نسلمه إلا جدلا-ومن عاش في أوروبا مثلي يعلم ذلك يقين العلم-ايكون ما يمارسه الأوروبيون في بلدانهم لا يدحضهما يمارسونه في كل بلدان العالم الأخرى؟ أم إن ما يفعله الاوروبيون في العالم ينبغي أن يغض عنهالطرف لكونه ليس موجها لمن هم في منزلة البشر المقصورة عليهم؟ كيف يتغاضى المصلحون الأوائلعلى ما تفعله اوروبا ببلدانهم لمجرد أن بعضها حماهم من بعضها ليستعمله في مناوراته السياسية 4؟ 4من عجائب الدهر أنك تسمع البعض يقيس تلاعب بعض المستعمرين بهم في مناوراته مع منافسيه من المستعمرين على بلادهم يقيسون ذلكبهجرة الرسول وأصحابه .شتان بين الثرى والثريا .فالهجرة كانت في توجهها إلى الخارج حملة اعلامية وفي توجهها إلى المدينة تأسيس دولة الاسلام.هذا فضلا عن كون القصة نفسها تبدو غير قابلة للتصديق على الاقل بالشكل الذي تقص به .فليت شعري كيف يكون النجاش ي قادرا على فهمالآيات التي قرئت عليه في مريم ولا تجد اليوم من حكام العرب من هو قادر على فهم الخطيب الذي تكلم في حضرته إلى الحد الموصوف في القصةفضلا عن تذوق فصاحته والاستمتاع بها؟ أما اللجوء السياس ي المزعوم فهو قبول اختياري لدور الدمية في مخططات المستعمر من أجل طموحسياس ي وهو في أفضل الحالات عند من يمكن تنزيههم عن العمالة بحث عن راحة شخصية لا غير .فلا أتصور فرنسا تقبل بالعروة الوثقى لو لم 85
ولما كان ذلك ينفي الطابع الكوني للقيم التي يمارسونها بات حالهم ليس أفضل من حالنا .وليسالغرض أن نخفف من مسؤوليتنا الخلقية بل الهدف بيان الطابع الكوني للازمة الخلقية الانسانية.فسلوك الأوروبيين الاستعماري يبين أنهم أكثر منها كذبا وغشا وخداعا خاصة عندما يتكلمون عنالرسالة التحضيرية وحقوق الانسان .بل إن كل ذلك عندهم أكبر .فكذبنا وخداعنا وغشنا كلها ذات أشكال بدائية ليست بعيدة الغور وأثرها لا يتجاوز الفعل الحيني .لكن مصائب العالم الحالي كلها ناتجة عن ثنائية سلوكهم الخلقي في جميع مجالات القيم :الذوقية(ينهبون فنون العالم) والرزقية (ينهبون العالم) والنظرية (يتنكرون لفضل غيرهم من الامم فيتاريخ المعرفة) والعملية (سياستهم العنصرية والاستعبادية) والوجودية (وهذا بيت القصيد لأنهعلة الادواء السابقة كلها :يؤلهون الانسان الغربي تطبيقا لنظرية الشعب المختار بستار بنوة عيسىللرب) .فإذا أراد المصلحون أن يجعلونا هكذا فعلى الاقل كان ينبغي أن يقولوا إنهم يريدون أنيجعلوا المسلمين شركاء في سلطان ابليس على الكون أي سلطان الفساد في الارض والطغيان على المستضعفين :ليس ذلك من الاسلام في شيء .فالأوروبيون عامة ومستعمرتاهم (روسيا بالماركسية سابقا وأمريكا بالبروتستنتية) خاصة يبدونفي الداخل ذوي قيم وبحدود شديدة النسبية (وهو أمر لا يعلمه من لم يعش في الغرب مدة طويلةولم يتشرب ثقافتهم بعمق وكلا الامرين لسوء الحظ غائب عند مفكري الاصلاح) لم يعجب بهاالمصلحون إلا لسوء الفهم .لكنهم مع غيرهم كواسر ليس عندهم إلا الغدر والكذب والنفاق .وحتىفيما بينهم :فما يحدث في القتال الدائم (ويسمى اقتصاد سوق) وفي الحروب الداخلية (في القرنينالأخيرين كل الحروب كانت أوروبية حتى عندما تعم العالم أو تندلع خارج أوروبا ويكفي دليلا مابين الهند وباكستان أو ما بين اسرائيل والعرب أو كل ما يجري في الشرق الاقصى من الصين إلى اليابان وما بينهما وما دونهما من الدويلات) .وهم يسمون ذلك كله سياسة واقعية ومصلحة دولة Raison d’Etat:كل العالم عندهم جوهيم.والعلة أن القيم ليست عندهم من جنس الوازع الذاتي الذي يتكلم عليه ابن خلدون أو القيم التييتكلم عليها كنط أو الاحكام الروحية التي يتكلم عليها الاسلام وإلا لكانت مثلا كونية لا يتوقفالعمل بها عند الحدود القومية .إنما هي في الحقيقة حيل للعيش معا في مجتمع عانى من الحروبتكن تؤدي وظيفة في تنافسها مع انجلترا على مصر وباقي الوطن العربي .والامر الآن لم يعد محتاجا للتدليل :يكفي السماع لتلفزة المستقبل في لندن .وهي ليست شاذة إلا بكون أصحابها بلغت بهم الوقاحة إلى حد عدم اخفاء طبيعة دورهم في العمالة للداخل والخارج على حد سواء. 86
الأهلية فوصلت مافياته المتصارعة إلى قناعة بعدم جدوى التخادع الداخلي لتكوين مافية متجهة إلىخداع العالم الخارجي :وهذا يسمى موديس فيفندي (Modus vivendiحال تعايش) وليس حياة سلمية تحكمها القيم.ويمكن فهم ذلك بمقارنة السياسة الداخلية لأي بلد غربي مع سياسته الخارجية .فكل حروبالعالم الثالث الحالية بذرات زرعوها هم بل أكثر من ذلك هم الذين يغذونها بالفنيين وبالأسلحة.والمعلوم أن ذلك كله يحصل بالتأييد الشعبي حتى لا يتصور الناس أننا نتكلم على النخبة السياسيةالتي قد تكون هي الوحيدة المقصودة .فكل الإبادات الجماعية في العالم الثالث هي ثمرة سياساتهمإما خلال الاستعمار أو بعد ما يسمى بالاستقلال الذي هو استعمار اذكى يطبق سياستهم بأيدي مناستعملوه من أبناء البلد .وكل ذلك يقع لإرضاء حاجات شعوبهم التي تفرض عليهم بآليةالديموقراطية المزعومة ترضيتهم على حساب الشعوب الاخرى ولو بإبادتها ليستأثروا بثرواتأرضها :وسنرى شيئا فشيئا كلما ازداد شح الثروات كما هي الحال الآن بالنسبة إلى الطاقة سنرى شعوب الغرب تطالب حكوماتها بغزو العالم الثالث للتغلب على الندرة المتزايدة .فكيف يغفل المصلحون هذا ويتصورون الغرب يحيا بقيم شبيهة بقيم الاسلام؟ أيكون الاسلام قائلابحصر مفعول القيم في الأهل أم هو يعتبرها كونية تعم كل الكائنات فضلا عن البشر؟ أيكونالمصلحون هم أنفسهم جاهلين بقيم الاسلام؟ أم إنهم في الحقيقة يعالجون القضية بمنطق السياسيالواقعي والتخلي عن منطق القيم الاسلامية والعلمية لان همهم الوحيد هو استعادة ح ٍظ من السلطانيقاسمون به الأمراء الجدد سلطانهم الامراء الذين بدأ الغرب يزرعهم بدءا بمصر في ذلك الوقت:أليس محمد علي نفسه من الاوروبيين؟ ألا ينطبق عليه عندئذ الجمع بين سلوك المسلم الذي وجودوهفي أوروبا والاسلام الذي وجدوه في دار الاسلام فيكون قد جمع الصفتين اللتين يبحث عن جمعهما المصلحون؟لم يهتم المصلحون بكون الارغام أو الوازع الخارجي هو عين الداء الذي تعاني منه البشرية فيالعالم كله سواء تعين ذلك خارج بلدان أصحابه أو فيها .إنه داء كوني لذلك فعلاجه لا يمكن أنيكون إلا كونيا :لذلك كانت الرسالة الخاتمة خاتمة وكونية .فهي خاتمة لتختم كل سلطان روحي أوزماني فوق الجماعة .وهي كونية لتحرر الانسانية بالتعارف من هذا الازدواج الذي يجعل القيمخاضعة لحدود التقاليد الخاصة بشعب دون شعب .إنه داء كوني لا يتميز شكله عندنا عن شكله عندهم إلا بكونه متوجها إلى الداخل لعجزه عن التوجه إلى الخارج . 87
فهل نريد للإسلام أن يصبح تقاليد شعب أو جماعة شعوب أم هو رسالة كونية؟ لكن مفكريالاصلاح الذين يتصورون الدين هذا التصور لا بد أن يكونوا منطلقين من موقف فقهي يجد الحلفي الوازع الخارجي والتقليد المزدوج (للصدر وللغرب) من أجل تحقيق التحالف بين العلماء والامراءمنطلقا للإصلاح المزعوم في دار الإسلام .5وها نحن نرى كيف كانت الغاية .فقد تعملق الوازعالخارجي للإسلام الرسمي وتقزم الاعتناق الذاتي للإسلام الصادق6فبات المسلمون عديمي الحياةالروحية التي حصرت في مظاهرها .وأكبر العلامات فقدان القدرة على الابداع في كل المجالات مادية كانت أو روحية :وذلك ما كان علينا بيانه لسبر أغوار فكر الإصلاحيين.C.Q.F.D. 5لذلك فليس بالصدفة أن تكون كل الحركات الاسلامية ذات تنظيم عسكري وفاش ي وأن يكون كل ما وصل منها إلى الحكم وصل إليه بالعنف وبالانقلاب العسكري .وذلك بين في حالتي الشيعة والسنة ولا حاجة لمزيد التوضيح. 6قد يفهم المتعجل أن ذلك دعوة للتصوف .ولن يقول ذلك إلا من لم يفهم أهمية نفي السلطان الروحي والاستغناء عن خرق العادات للدلالة علىصدق الرسالة وختم الوحي حتى لا يزعم أحد أن له علما لدنيا غير العلم الممكن لكل البشر .لذلك فكل من يتصورنا نرى الحل في المهرب الصوفييجهل حقيقة التصوف وتاريخه على الأقل عندنا .فتاريخيا ليس التصوف عندنا بأقل ارغاما خارجيا من الفقه .الفرق الوحيد أن الفقه يستعملالوسائل المادية للإرغام والتصوف يستعمل الوسائل الرمزية لإرغام أعتى .كل التخريف الصوفي حول الكرامات والوساطة ليس إلا وسيلة رمزيةلإفقاد الامة عقلها وتحويلها إلى دمى تساق من الخارج من قبل أصحاب الكرامات والخوارق والوسطاء .لذلك فضرر سلطان الفقهاء هين بالقياسإلى ضرر سلطان المتصوفة .إنهم جوهر السلطان الروحي الذي أفسد الاسلام وأعاده إلى ما جاء ثورة عليه .بل إن الفقهاء لم يركنوا إلى هذا النوعمن الفساد إلا بسبب التنافس مع المتصوفة على سوق الجماعة بعد أن صيروها عامة .أما التصوف فطبيعته أنه بمجرد تجاوزها مرحلة مجاهدةالتقوى والاستقامة (وهما درجات التدين الصادق) يتحول إلى ذروة النفاق الساعي إلى ادعاء علم مستحيل وتصرف في الاكوان أكثر استحالة(وهما درجتا التدين الكاذب أو التصوف المذموم) فيكون بين خليتين :إما غر مخادع لنفسه أو ابليس ماكر يخادع الناس .ولا يمكن أن يكونالمتصوف جاهلا بامتناع هذا العلم الذي يدعيه .فهو إن لم يعلمه من نص القرآن فلا أقل من أن يكون قد علمه من محاولة تحقيق ثمراته:فأقص ى ما وجدته في كتاباتهم هو –كما أثبت ذلك ابن خلدون بعد الغزالي الذي لسوء الحظ عاد فوقع في نفس الاخطاء -مبتذلات الفكر الفلسفيفي الافلاطونية المحدثة وبعض ما نتج عنها وعن الفكر التنجيمي التي من جنس أسرار المصريين .من هنا نفهم أهمية نفي السلطان الروحي والاستغناء عن خرق العادات للدلالة على صدق الرسالة وختم الوحي حتى لا يزعم أحد أن له علما لدنيا غير العلم الممكن لكل البشر. 88
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 14
Pages: