Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شروط الاستئناف أو استراتيجية جبر الكسور الحضارية- أبو يعرب المرزوقي

شروط الاستئناف أو استراتيجية جبر الكسور الحضارية- أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-08-18 18:23:36

Description: شروط الاستئناف أو استراتيجية جبر الكسور الحضارية- أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫شروط الاستئناف‬ ‫أو استراتيجية جبر ال كسور‬ ‫الحضا رية‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪7 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪13 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪19 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪25 -‬‬ ‫‪-‬الفصل السادس‪31 -‬‬ ‫‪-‬الفصل السابع‪37 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫انشغلت كثيرا باغتيال الشهيد خاشقجي لأني رأيت فيه تحولا كيفيا في الحرب الاهلية‬ ‫العربية بين الشعوب التي ثار شبابها بجنسيه من أجل الحرية والكرامة بصورة عامة دون‬ ‫نسب حزبي معين قبل أن يتحول النسب الحزبي إلى أحد المعيقات والنخب الحزبية ومن‬ ‫وراءها لإذكاء الحرب الأهلية في كل قطر عربي‪.‬‬ ‫فاجتمعت حربان أهليتان بين الأحزاب في كل قطر وبين الاقطار وكلتاهما تجمع بين‬ ‫المحركات الذاتية والتحريك الخارجي بمستوياته التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬التدخلات الذاتية بين العرب‬ ‫‪ .2‬وتدخلات الذراع الإيرانية‬ ‫‪ .3‬وتدخلات الإسرائيلية‬ ‫‪ .4‬وتدخلات المستعمر السابق‬ ‫‪ .5‬وتدخلات القوتين والعملاء العرب ووراء الذراعين ووراء الثورة المضادة‪.‬‬ ‫وقد حاولت أثبات الطابع الكيفي المنتظر نتيجة لاغتيال الشهيد خاشقجي لأنه ضرب‬ ‫الحلقة الأولى في مقتل في لحظة استهدافها لخط الدفاع الأخير في عملية الاستئناف‬ ‫الإسلامي‪ :‬كان القصد من اغتياله ضرب نظام تركيا قلب المحافظة على الثورة فإذا به‬ ‫يتحول إلى ضرب نظام السعودية قلب الثورة المضادة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة اعتبرت هذا الانقلاب الذي لم يخطط له أحد بل كان قاضيا على كل تخطيط‬ ‫عند أصحاب الثروة المضادة الثلاثة (أنظمة السعودية والإمارات ومصر) بوصفهم دمى‬ ‫للتدخلات التي وصفت من مكر الله الخير لأن ما يحصل فيفسد مكر الأشرار دون أن يكون‬ ‫مخططا له من قبل الأخيار فيه مكر إلهي دون شك‪.‬‬ ‫إذ لا يمكن أن يدعي أحد ‪-‬وعلى كل فالأتراك لم يدعوه‪-‬أن النظام التركي له يد في‬ ‫استجلاب خاشقجي إلى القنصلية السعودية فيكون هو الذي أراد للحادثة أن تقع على‬ ‫أرضه‪ .‬والدور التركي يقتصر على حسن التصرف للاستفادة من الأمر وهنا يمكن الكلام‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫على دور تركي بالاستسناح الذي هو جوهر الحكمة السياسية‪ :‬أي التقاط الفرصة‪ .‬ورغم‬ ‫أن الاستسناح هو التقاط ما توفره السوانج باعتبارها فرصا تطرأ دون سابق توقع فإنه غير‬ ‫ممكن ممن لا يتوفر لديه شرطان قدر المستطاع‪:‬‬ ‫‪ .1‬الاستعداد المسبق للممكن في حدود المتوقع وهو دائما ناقض مهما حاولنا الإحاطة لأن‬ ‫الممكن لا متناه والعلم به باللامتناهي مستحيل‪.‬‬ ‫‪ .2‬العمل على علم في تحويل رد الفعل إلى فعل بفضل نظام للعمل يجعل الاجهزة العاملة‬ ‫ذات كفاءة وخلق ويجمعهما حب الوطن والأمة‪.‬‬ ‫والشرط الأول يتعلق باستراتيجية الحماية بمعنى أن الدولة محصنة استعلاميا إذ من دون‬ ‫ذلك كان يمكن للوفد الإجرامي الذي اغتال خاشقجي أن يمر وكأنه وفد سياحي لولا اليقظة‬ ‫الاستخباراتية التركية وهي استراتيجية حمائية في الدول ذات القيادة المخلصة لوطنها‬ ‫بخلاف استعلامات العرب ضد شعوبها‪.‬‬ ‫والشرط الثاني أو العمل المنظم للأجهزة فأساسه ما يشبه جهاز الرصد الحساس الذي‬ ‫يتابع تحركات الأعداء المعلومين وغير المعلومين تطبيقا للآية ‪ 60‬من الأنفال التي حددت‬ ‫الأعداء بأنواعهم الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬اعداء الأمة‬ ‫‪ .2‬وأعداء الله‬ ‫‪ .3‬ثم ‪2+1‬‬ ‫‪ .4‬ثم ‪1+2-4‬‬ ‫‪ .5‬ثم وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم‪.‬‬ ‫وقد لا يفهم القارئ الفرق بين الأول والمؤلف من الأول والثاني والفرق بين الثاني‬ ‫والمؤلف من الثاني والأول‪ .‬لكن الفرق بين ولذلك فهي خمسة أنواع من العداوة مختلفة‪.‬‬ ‫فيمكن أن يعادي الأمة من ليس هو عدو الله ويمكن أن يعادي الله من ليس هو عدو الامة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولذلك فالأمة لا تحارب من لم يحاربها لأنه كافر مثلا بل يشترط الإسلام ألا تحارب إلا من‬ ‫يحاربها من الأعداء وتترك ما بينه وبين ربه‪.‬‬ ‫لكن ما يعنيني هو \"وآخرون لا تعلمونهم\"‪ .‬وهنا يكمن الاستعداد للامتوقع‪ .‬وهو ذروة‬ ‫الحيطة‪ .‬فيكون جوهر الحماية متمثلا في هذه الحيطة لأن جوهر العلم هو الاستعداد للعمل‬ ‫على علم ومن ثم فهو لا يتعلق بالموضوع المستهدف المعين بل بما يجعل الإنسان مستعدا لأي‬ ‫موضوع فيكون من جنس المناعة العضوية‪.‬‬ ‫وبصورة أدق العلم من جنس التطعيم لتحفيز المناعة العضوية‪ :‬فلكأن الامم تجهز نفسها‬ ‫للحماية بالتمارين والتدريب على التصدي للأخطار والأعداء دون تعيين للخطر والعدو‬ ‫تعيينا مطلق الدقة بل هي تحفز القدرة على رد الفعل الذي ينقلب بسرعة إلى فعل وهو‬ ‫ما حصل في حادثة اغتيال خاشقجي‪.‬‬ ‫ولأختم هذا التعليق بالقول إن هذه الحادثة كان يمكن أن تنجح فتمر دون أن تقلب على‬ ‫أصحابها لو لم يحدث قبلها معجزة أخرى من جنسها وهي إفشال الشعب التركي للانقلاب‪.‬‬ ‫فلو لم يتم تطهير الاجهزة الاستعلامية التركية بعد فشل الانقلاب لوجد من يساعد على‬ ‫نجاح مؤامرة القنصلية‪.‬‬ ‫لذلك فقد اعتبرت إفشال مؤامرة القنصلية وحسن العلاج من قبل الأجهزة التركية دليلا‬ ‫مطمئنا على نجاح عملية التطهير أو بصورة أدق على تمام إفشال الانقلاب وهو ما جعلني‬ ‫اعتبر ما حصل تحولا كيفيا ليس في الحرب الاهلية العربية وحدها بل وفي سلامة النظام‬ ‫السني الوحيد الصامد في الاقليم‪.‬‬ ‫ودون أن أقلل من حكمة القيادة ووعي الشعب التركي الذي استعاد طموحه وثقته بذاته‬ ‫وخاصة اعتزازه بهويته فإن اعتقد أن ذلك فيه الكثير من التوفيق الإلهي الذي يتعدى‬ ‫كل إمكانية نسبة ما فيه مما يلامس الإعجاز فيحول دون عدم فهمه وكأنه تأييد إلهي‬ ‫للاستئناف ونجاح الثورة ضد أعدائها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ذلك أن المؤامرات ضد تركيا تكاد تكون لا متناهية‪ .‬فواضح أن الانظمة العربية العميلة‬ ‫والذراعين وداعميهما وأحياء الطائفية والعرقية كلها تركز على الإطاحة بآخر خط دفاع‬ ‫سني فيه حتى يستكملوا ما خططوا له منذ الحرب العالمية الأولى وتبين لهم أنه لم ينجح‬ ‫في منع الاستئناف الذي يسعون لوأده‪.‬‬ ‫ولهذه العلة وصفت ما نتج عن هذا التحول الكيفي بعبارة \"نصر من الله وفتح قريب\"‬ ‫ولذلك لم أعلق على ما جري مؤخرا في تونس‪ .‬فهذه أمور صارت ثانوية‪ :‬الثورة المضادة‬ ‫ضربت في مقتل لأن قلبها هو النظام السعودي والبقية توابع إذ ما كان لها من أثر علته ما‬ ‫لها من سلطان على الأمير الأحمق‪.‬‬ ‫كل المفاعيل الثانوية في اليمن وليبيا وتونس ومصر وسوريا ستبدأ في فقدان الدلالة بمجرد‬ ‫أن تتفاعل نتائج هذا الانقلاب الذي وصفت‪ :‬لن يوقف شيء بعد الآن تحرر تركيا من‬ ‫الخوف من دقة الوضع المحيط بها لأن ضمور مفاعيل الثورة المضادة في محيطها لن يبقيها‬ ‫رهن الاضطرار إلى مهادنة إيران وروسيا‪.‬‬ ‫وأقصى ما يمكن أن تفعله أنظمة الثورة المضادة هو الانكماش ولو لمدة وهي كافية لكي‬ ‫تحقق الثورة الاستئناف بشكل شبيه ببدايتها أعني بالاحتجاج السلمي الذي لم يعد يمكن‬ ‫للأنظمة العميلة الرد عليه بالعنف إما لأنها لم يعد لها القدرة المادية علية (بشار وحفتر‬ ‫ودمى تونس) أو بسب الوضع الداخلي‪.‬‬ ‫فالسعودية والإمارات ومصر والعراق وحتى إيران لن يبق أي منها بمنأى عن موجة للربيع‬ ‫شبيهة بموجته الأولى عندنا‪ :‬والدليل القاطع هو انحلال عقدة الألسن في السعودية‪ .‬لم‬ ‫يعد بوسع شبابها المتعلم بجنسيه أن يسكت وإذا حلت عقدة الألسن فإن إيقاف الثورة‬ ‫الشبابية يصبح مستحيلا‪ .‬عموم الربيع ينهي الثورة المضادة‪.‬‬ ‫وتلك هي علة تركي الاحداث وعودتي إلى المسائل الأساسية في الفكر الفلسفي وعلاقته‬ ‫بشروط الاستئناف‪ .‬ذلك أن همي الفلسفي قلبه وغايته هما فهم علل الانحطاط الذي مرت‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫به الأمة وشرط الاستئناف بالخروج من الانحطاطين الذاتي وما ورثه العملاء من الحداثة‬ ‫أعني انحطاطها أي الإيديولوجيا الاستعمارية‪.‬‬ ‫وأول شروط العلاج هو ما سميته بـ\"جبر الكسور\" في حضارتنا‪ :‬كيف أصل بين الماضي‬ ‫بوجهيه أي بأحداثه وأحاديثه عن ذاته والمستقبل بوجهيه أي بأحاديثه وأحداثه وما‬ ‫يحصل بينها أربعتها في الحاضر الذي هو مرجل يغلي في شكل حرب أهلية عربية وإسلامية‬ ‫واقليمية ودولية جعلتنا قلب العالم الانفعالي‪.‬‬ ‫وكان ينبغي ‪-‬على الأقل بالمنظور الذي ورثناه من النشأة الاولى لتاريخ الإسلام ومن‬ ‫الرؤية القرآنية للتاريخ الكوني في بعديه الدنيوي والمتعالي عليه ‪-‬أن نكون مركز العالم‬ ‫الفاعلي وليس الانفعالي‪ .‬والسؤال الجوهري هو‪ :‬كيف نستعيد الدور الفاعل فنتحرر من‬ ‫الدور المنفعل في نظام العالم؟‬ ‫ولست غافلا على أن أحداث الماضي مضت ولا يمكن تغييرها وأن أحداث المستقبل لم‬ ‫تحصل بعد ولا يمكن إلى توقع ما ينبغي أن تكون عليه ليتحقق الاستئناف صار المشكل كله‬ ‫متعلقا بحديثيهما‪ .‬جبر الكسور يعني إعادة تأويل أحداث الماضي بمراجعة أحاديثه‬ ‫مراجعة تبني أحاديث المستقبل لجعل أحداثه فاعلة‪.‬‬ ‫ولا يمكن تحقيق ذلك من دون تعيين المقصود بالأحاديث التي تتذكر الأحداث التي مضت‬ ‫والأحاديث التي تتوقع الأحداث التي لم تحصل بعد فإن مراجعة الذكرى والتوقع هما‬ ‫جوهر الاستراتيجية الفكرية التي تعيد تأويل الأحداث بصورة تمكن من فهم علل الانتقال‬ ‫من الفاعلية إلى الانفعالية لقلبه وعكسه‪ .‬وهذه الأحاديث هي علوم الملة الخمسة‪:‬‬ ‫الأصل فيها جميعا أو تفسير القرآن وفروعه الأربعة‬ ‫• اثنان عمليان عما الفقه والتصوف‬ ‫• واثنان نظريان عما الكلام والفلسفة‪.‬‬ ‫ولا أنسى العلوم المساعدة أو ما يسمى بعلوم الأداة وهي كذلك خمسة‪:‬‬ ‫• اللسان والتاريخ‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• والمنطق والرياضيات‬ ‫• واصلها جميعا أو الوسميات (السيميوتكس)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لو كان الامر مقصورا على علاج الأحاديث الخاصة بنا ‪-‬وهي عشرة كما بينت‪-‬لكانت‬ ‫المهمة على عسرها قابلة للإنجاز النسبي‪ .‬لكنها تقتضي قبل ذلك علاج قضية أهم من دون‬ ‫علاجها يستحيل فهم طبيعة جبر الكسر المطلوب‪ .‬فاعتبار الأمر متعلقا بالخصوصيات ينافي‬ ‫الفلسفي وخاصة الديني في الفهم القرآني‪.‬‬ ‫لست معنيا بالنظر في مسالة الأحاديث وجبر الكسور بوصفهما خاصين بحضارتنا لأني من‬ ‫حيث فهمي للفلسفي ومن حيث اعتقادي الإسلامي لا أعتبر هذه المسائل مسائل تتقابل فيها‬ ‫الحضارات بالتقابل بين الخصوصيات بل بالتسابق نحو الكونيات‪ :‬الإسلام يعتبر البشر أخوة‬ ‫(النساء ‪.)1‬‬ ‫ولا يكتفي باعتبارهم اخوة (النساء ‪ :1‬من نفس واحدة) بل هو يعتبرهم متساوين‬ ‫كذلك ولا يتفاضلون إلا بالتقوى بمعنى أن التفاضل بين البشر \"خلقي‪-‬قانوني\" لأن تقوى‬ ‫الله تعني احترام القيم الخلقية وصيغها القانونية أو الشرعية‪ .‬ومن ثم فهم مطالبون‬ ‫بالتعارف معرفة ومعروفا بوصفهم بشرا لا غير (شعوب وقبائل)‪.‬‬ ‫فالحجرات ‪ 13‬تدعوهم بصفتين انثروبولوجتيين (شعوبا وقبائل) ولا تدخل العامل‬ ‫الديني أو العرقي أو الجنسي مكتفية بنوع الانتظام الجمعي الأنثروبولوجي الطبيعي وهو‬ ‫تعدد يعتبره القرآن من آيات الله ومنه الالوان واللغات والثقافات التي لا تفرق بين تنوع‬ ‫يحافظ على الكليات المشتركة‪.‬‬ ‫ومن علامات الاقتصار على ذلك عنوان مقدمة ابن خلدون‪ :‬فهو سمى علمه الجديد \"علم‬ ‫العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنساني\"‪ .‬ومن ثم فرغم تركيز كلامه على الحضارة‬ ‫الإسلامية فإنها تمثل عينة ومثال من الإنساني وليست هي الإنساني عامة ومن ثم فما‬ ‫يدرسه فيها هو الكلي الإنساني وليس ما هو خاص بالمسلمين‪.‬‬ ‫فدور المحدد الجغرافي المناخي وما يترتب عليه من الموقف الواعي بشروط القيام‬ ‫وتفاعلهما فيه الاتجاهين من الأول إلى الثاني ومن الثاني إلى الأول والحصيلة تكون‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الجماعات البشرية بداعي التعاون على سد الحاجات والحماية وهما بعدا الباب الأول من‬ ‫المقدمة أمر كوني في كل جماعة بشرية‪.‬‬ ‫والشكل الاول من العمران البشري أو العمران البدوي وما فيه من \"نحل عيش\" ليس‬ ‫خاصا بالمسلمين بل هو كوني ولعل أبرز مثال هو مفهوم \"العرب\" الذي ظنه الكثير متعلقا‬ ‫بالعرب كعرق في حين أن القصد هو مفهوم انثروبولوجي يصف اقصى البداوة في كل شعوب‬ ‫الأرض بديل ضم الأكراد‪ :‬الصحراء والإبل‪.‬‬ ‫والانتقال من العمران البدوي إلى العمران الحضري يقتضي بينهما تكون الدول وهو‬ ‫مشروط بتطور \"نحل العيش\" لأن الدول تعني الوصول إلى مستوى معين من الاكتفاء في سد‬ ‫الحاجات وفي الحماية حتى يتحقق للاستقرار فتتكون الدولة والمدينة‪ .‬وهذا كله كوني‬ ‫كمطلب وكأساليب علاج‪ .‬فيحصل العمران الحضري‪.‬‬ ‫والعمران الحضري يلتقي فيه غاية العمران البدوي وبداية العمران الحضري أو غاية‬ ‫الاعتماد على الانتاج الطبيعي في الاول وبداية الاعتماد على الإنتاج الصناعي في الثاني‬ ‫وهما كذلك ظاهرتان كونيتان وليستا خاصتين بجماعة معينة إلا من حيث الأساليب‪.‬‬ ‫والنتيجة البابان الأخيران للاقتصاد وللعلوم‪.‬‬ ‫وهكذا فالمقوم العام موضوع الباب الاول (شروط نشأة الجماعات الطبيعية والثقافية)‬ ‫ثم المقومات الخمسة المتفرعة عنه‪:‬‬ ‫• العمران البدوي بغلبة نحل العيش التابعة للطبيعة (الباب ‪)2‬‬ ‫• تليها تكون الدول (الباب‪)3‬‬ ‫• المدن أو العمران الحضري بغلبة النحل العيش التابعة للصناعة (الباب ‪)4‬‬ ‫• عن ذلك الاعتماد على الإنتاج الإنساني الصناعي (الباب ‪)5‬‬ ‫• والانتاج العلمي العائد على كل ما تقدم بنظريات وتطبيقاته وأدواته (الباب ‪6‬‬ ‫والأخير)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكل هذه المقومات كونية وليس فيها خصوصي إلا الظرفيات‪ .‬وكل من يركز على‬ ‫الظرفيات لا يفهم المحددات التي أبحث عن جبر كسورها فلا يدرك طبيعة مطالبي‬ ‫الفلسفية‪ .‬ولو كنت ممن يجرون وراء الموضة الفلسفية أو ممن يتدرعون بالخصوصيات‬ ‫لسهل أمر ما أصبح يعتبر مصعد الشهرة في المناخ الثقافي العربي المسموم‪ .‬لكني آليت على‬ ‫نفسي فهم أسرار انحطاطنا الذي لا ينكره إلا من يواصل الكذب على نفسه‪ :‬السر ليس‬ ‫طارئا بل هو في علوم الملة نفسها وفي اكتفائها بالمباشر‪.‬‬ ‫وهو الآن يجمع بين نوعي الانحطاط‪ :‬فكاريكاتور التأصيل يعتبر إحياء ما كان سبب‬ ‫الانحطاط سبيلا للخروج منه وكاريكاتور التأصيل يعتبر استيراد ما صار سبب الانحطاط‬ ‫سبيلا للخروج منه‪ .‬ومن هنا الحرب الأهلية بين الكاريكاتورين لتوهم الخصوصيات‬ ‫الأسلوبية جوهر المقومات الحضارية في الحالتين‪.‬‬ ‫فالحضارتان الإسلامية والغربية ليستا حضارتين بما فيهما مما يتميز به المسلم عن الغربي‬ ‫ولا الغربي عن المسلم بل هما تكونان سويتين بما هو كلي يشترك فيه المسلم والغربي أي‬ ‫بالإنساني وهو ما يسميه ابن خلدون \"معاني الإنسانية\" وهما ينحطان بمجرد فساد هذه‬ ‫المعاني بنفس المصطلح الخلدوني‪.‬‬ ‫وبشيء من التبسيط يمكن القول إن ما به تكون الأمم قوية وما به تصبح ضعيفة كلي‬ ‫ولا يختلف من حضارة إلى حضارة ولا من لحظة من تاريخ نفس الحضارة إلى لحظة أخرى‬ ‫من تاريخها‪ .‬وسر القوة هو صلاح معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون وسر الضعف هو فساد‬ ‫معاني الإنسانية بنفس اللغة‪.‬‬ ‫ولذلك فابن خلدون قبله ابن تيمية وقبلهما جزئيا الغزالي مهدوا لي الطريق للبحث في‬ ‫جبر الكسور التي تعاني منها حضارتنا في ما في أحاديثها عن أحداث ماضيها التي مضت وفي‬ ‫أحاديثها عن أحداث مستقبلها التي لم تقبل بعد وخاصة لاكتشاف السر في فساد معاني‬ ‫الإنسانية وعلاجهما الكونيين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذا كان حديثنا عن أحداثنا ماضيهما ومستقبلهما في خضم حاضرهما يعود إلى أصلين‬ ‫هما القرآن والفلسفة اليونانية وما بينهما من تفاعل في الاتجاهين وأثرهما في علوم الملة‬ ‫الغائية الخمسة وفي علومها الأداتية الخمسة فإن موضوع البحث ومجاله يقتضي ضرورة‬ ‫البحث العميق في الأصلين وتفاعلهما في الاتجاهين‪.‬‬ ‫وهذه النتيجة في طلب المسالك إلى علل المهالك في حضارتنا هي التي فرضت على بحثي‬ ‫بروز المدرسة النقدية ‪-‬الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪-‬باعتبارها تمثل السبق الذي لا‬ ‫يمكن نكرانه والذي كان من واجبي الاعتراف لها بالفضل في ما أوحت لي به من مجال بحث‬ ‫لعلاج أدواء الأمة بـمنظور جديد‪.‬‬ ‫ولا يمكنني أن أكون ناكر جميل هذه المدرسة فأخضع للخوف من إرهاب الحداثيين العرب‬ ‫الذين يزعمون التفلسف وهم أجهل خلق الله بالفلسفة المحيطة بحضارتنا أعني المتقدمة‬ ‫عليها (اليونانية) أو المتأخرة عنها (الاوروبية)‪ .‬فالفلسفة اليونانية القديمة وتأثيرها‬ ‫السابق والفلسفة الغربية الحديثة وتأثيرها اللاحق على أهمية دورهما لا ينبغي أن يتحولا‬ ‫إلى علة التشويه النسقي بمجرد جعلهما معيار تقويم‪.‬‬ ‫فعندي أن معيار التقويم لا ينبغي أن يستمد من خصوصيات مزعومة لأي من هذه التجارب‬ ‫الحضارية الثلاث ما تقدم على ازدهار حضارتنا وما تلاه بل هو الكلي فيها جميعا وهو ذو‬ ‫صلة بالإشكالية الابستمولوجية والإشكالية الأكسيولوجية المتجاوزتين للخصوصيات لأن‬ ‫الفلسفي والديني لا يرد إلى الفلكلوري في الحضارات بل هو الإنساني الكوني فيها وهو لا‬ ‫يتجلى إلا بوصفه التداركات المتوالية بين الحضارات المتخاصبة‪.‬‬ ‫فيكون التدارك المتبادل والتخاصب سر التراكم الحضاري الكوني الذي يوحد الإنسانية‬ ‫لئلا تبقى أرخبيل جزر حضارية منغلق بعضها عن بعضها‪ .‬وأهم خاصية في حضارتنا أنها‬ ‫حضارة التخاصب شبه المطلق بين كل الحضارات التي تقدمت عليها والتي عاصرتها من‬ ‫منطلق مبدئي صريح في القرآن الكريم الذي يؤمن بالأخوة البشرية (النساء ‪ )1‬وبحصر‬ ‫التفاضل بين البشر في التقوى دون تمييز عرقي أو ديني أو جنسي (الحجرات ‪.)13‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لذلك فما أطلبه ليس الخصوصيات الحضارية والفكرية في مرحلة التاريخ التي كان الدور‬ ‫الأول فيها للمسلمين بل وجوه التدارك في المسألتين الابستمولوجية والأكسيولوجية وما‬ ‫ترتب عليها من تخاصب مع ما تقدم عليه وما تلاه لتحديد الدور وإحياء الطموح لدى شباب‬ ‫الأمة بجنسيه في السعي لتحقيق شروط الاستئناف‪.‬‬ ‫وكم يضحكني كلامهم ودعواهم أني أطلب المستقبل من الماضي وأني ماضوي لأني اهتم‬ ‫بالغزالي وابن تيمية وابن خلدون بخلاف دعواهم الاهتمام بالمستقبل‪ .‬فأهم فلاسفة الغرب‬ ‫الذين يدعون الكلام في فكرهم ‪-‬بجهالة مضحكة‪-‬يستمدون حداثتهم وما بعدها مما قبل‬ ‫سقراط ومن الميثولوجيا اليونانية‪.‬‬ ‫وطبعا فلأنهم يجهلون أن ما بعد الحداثة التي يباهون بكلامهم الصحفي فيها أكثر عودة‬ ‫لما قبل سقراط والميثولوجيا مما يخطر على عقول العصافير الحداثية العربية فإنهم‬ ‫يتصورون أنفسهم استقباليين ويعتبرون بنفس الجهل والدغمائية من يراجع موقف فكرنا‬ ‫من الفلسفة اليونانية لتجاوز خصوصياتها دليلا على تخلف صاحبه‪.‬‬ ‫فالغزالي جزئيا وابن تيمية وابن خلدون بصورة أتم لم يكونوا يبحثون عن خصوصية‬ ‫إسلامية أو عربية بل كانوا يحاولون تجاوز الشكل اليوناني من الفكر ‪-‬وهو خليط بين‬ ‫الارسطية والأفلاطونية يجمع بينهما القول بالمطابقة‪-‬لطلب ما يعتبرونه أكثر كلية وتعبيرا‬ ‫عن وعي العقل بذاته وبحدوده‪.‬‬ ‫فكان أهم إنجاز حققوه هو تحرير العقل الإنسان من القول بنظرية المعرفة المطابقة التي‬ ‫كانت مشتركة بين الكلام والفلسفة وخاصة بعد أن تم الخلط بينهما من حيث المضامين‬ ‫والمناهج كما بين ذلك ابن خلدون في ما حاولنا شرحه في الفصول السبعة التي خصصناها‬ ‫لهذه الإشكالية وحوائل فهم ثورته‪.‬‬ ‫وعندما يتخلص الفكر من وهم المطابقة يراجع ذاته باستئناف قراءة حديثه عن أحداث‬ ‫ماضيه المذكورة ليصوغ حديث أحداث مستقبله المتوقعة‪ .‬فالفكر الإنساني لا يتقدم نحو‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أحاديث تصوغ أحداث المستقبل إلا بقدر ما يتأخر لمراجعة أحاديث الماضي حول أحداثه‪:‬‬ ‫ذلك ما يغيب على أغبياء الحداثة العربية‪.‬‬ ‫وهذه هي العملية التي أسميها جبر الكسور‪ .‬الكسور اليوم هي بين ماضينا أحداثه‬ ‫وأحاديثه حولها ومستقبلنا أحادييه وأحداثه التالية عنها‪ .‬فالحاضر الغامض بما فيه من‬ ‫حرب أهلية بأبعادها التي وصفت في الفصول السابقة لا يمكن علاجها باستراتيجية واعية‬ ‫تقود علمنا على علم من دون جبر الكسور‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لم يكن بالوسع مواصلة النهج الذي اعتمدت عليه المدرسة النقدية العربية‪-‬الغزالي‬ ‫وابن تيمية وابن خلدون‪-‬والاكتفاء بالرد على مواقف بمواقف ‪-‬على أصحاب العلوم الغائية‬ ‫الخمسة وبعض العلوم الأداتية وخاصة المنطق‪-‬من دون تجاوز المباشر إلى غير المباشر‬ ‫المشترك بين المواقف المتقابلة في الصفين‪.‬‬ ‫كان لا بد من الانتقال إلى مستوى أرفع وأكثر تجريدا مستوى غير مباشر يحدد طبيعة‬ ‫الأرضية المشتركة التي يقف عليها الصفان في تقابل المواقف حتى يتجاوز الكلام المقابلة‬ ‫بين نقلي عقلي وبين ديني فلسفي إلى إشكالية واحدة هي الواحد في الديني وفي الفلسفي‬ ‫والذي يعلل بعدم الوعي به طبيعة المعركة‪.‬‬ ‫وما ساعدني في ذلك أمر قد لا يخطر على البال‪ :‬عندما كنت طالبا في دار المعلمين العليا‬ ‫صادف أن اغرمت بفكر هيجل في نفس الوقت الذي كانت أطالع بصورة نسقية الفلسفة‬ ‫اليونانية وخاصة أرسطو وأفلاطون‪ .‬لم أكن معنيا بالفلسفة العربية وعلوم الملة رغم أني‬ ‫عنيت سطحيا بخصومة التهافتين بين الغزالي وابن شد‪.‬‬ ‫كنت أعجب من محاولات المثالية الألمانية تجاوز الإضافة الكنطية التي تمثلت في صوغ‬ ‫التحرر من القول بنظرية المعرفة المطابقة التي كانت أساس الفلسفة الحديثة الضمني ولم‬ ‫تصل إلى صوغها الابستمولوجي وغايتها الاكسيولوجية إلا في نقد العقل الخالص واستعماله‬ ‫العملي عند كنط‪.‬‬ ‫النكوص الهيجلي هو الذي كان سبب حيرتي الفلسفية‪ :‬فقد بدا بنحو ما وبخلاف الظاهر‬ ‫عودة إلى الفكر المدرسي الوسيط والفكر المتقدم على الفلسفة اليونانية الكلاسيكية التي‬ ‫تدعي القطع مع ما قبل سقراط وتقابل بين العقلي واللاعقلي أو بين الفلسفي واللوغوس‬ ‫من جهة والديني والميتوس من جهة ثانية‪.‬‬ ‫انبهاري بهيجل حماني من الموضة الماركسية‪ .‬لم أستسغ السطحية التي كان عليها فكر‬ ‫الماركسيين عامة والعرب منهم على وجه الخصوص‪ .‬والماركسية غزت أبناء جيلي من الطلبة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكنت أجد في الهيجلية نوعا من \"ميكانيسم\" الحماية الذاتية‪ :‬لا أخرج من موضة الحداثة‬ ‫عامة دون أن أكون ماركسيا‪.‬‬ ‫وهو بنحو انجاز لعسر استثناء الذات من المناخ الطالبي العام بصورة قد تؤول على أنها‬ ‫انزواء انطوائي خاصة وموضة الحركات الإسلامية في الحياة الجامعية لم تكن قد نشأت‬ ‫بعد وما أظني كنت سأنتمي إليها لو كانت موجودة بالشكل الذي وجدت عليه لاحقا والذي‬ ‫لم يكن ليجذبني لا بأدبياته ولا خاصة بطابعة السياسي المباشر لأن ميلي الغالب هو الفكر‬ ‫غير المباشر أو النظر المجرد والانشغال في بكبار المفكرين القدامى (اليونان‪ :‬أفلاطون‬ ‫وارسطو) والمحدثين (ديكارت وهيجل)‪.‬‬ ‫وكنت حينها من محبي كتب صاحب المقولة المشهورة \"الماركسية هي أفيون المثقفين\" (ريمون‬ ‫هارون أول باحث اجتماع عرف الفرنسيين بعلم الاجتماع الألماني) ردا على المقولة‬ ‫الماركسية الأشهر \"الدين أفيون الشعوب\"‪ .‬فكوني من أبناء البادية من أسرة ذات ثقافة‬ ‫دينية جعلني الفكر الماركسي رفضا مبدئيا‪.‬‬ ‫لكن الرفض المبدئي لم يكن ذا أسس فلسفية كافية حتى لا يكون معقدا إزاء زعم المادية‬ ‫الجدلية نظرية علمية‪ .‬ويمكن القول إن كل ما تلا ذلك بما فيه محاولة التحرر من الانبهار‬ ‫بهيجل ورفض المنطق الجدلي نفسه نتج عن هذه العلاقة بالموضة التي كانت مسيطرة على‬ ‫جيلي‪ :‬موضة الماركسية والقومية‪.‬‬ ‫وفي الجملة فإن الكسور التي أتكلم على جبرها لم تبق كسورا خارج ذاتي فحسب بمعنى‬ ‫أني لم أكن أشعر بأنه لا وجود لما ربيت عليه في البادية ولما أعيشه في الجامعة مع زملائي‬ ‫في الاعيان الفعلية وما اعيشه في الكتب أو الأعيان الرمزية العارضة للتراثين الإسلامي‬ ‫والغربي الحديث بل في ذاتي نفسها‪.‬‬ ‫الأمر يتعلق بجبر الكسور في ذاتي بين ذاتي التي ربيت اسلاميا على ثقافة تقليدية في‬ ‫الأسرة والبادية وثقافة جديدة لا يوجد ما يصلها بالأولى خاصة وهي بالفرنسية وفي في‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لحظة كان فيها كبار الأستاذة الفرنسيين هم المتعدون بتكويننا‪-‬ميشال فوكو مقيما في تونس‬ ‫والبقية زائرين ولا يقلون عنه منزلة‪.‬‬ ‫ولا مخرج من ذلك إلا بمشروع فيه طموح الشباب وجنون الإرادة التي تتصور الممكن‬ ‫حاصلا في شكل أحلام قلما تتحقق‪ .‬لكنها دافعة إلى شيء من اخذ التحدي بجدية‪ .‬فكان‬ ‫التشخيص يقتضي العودة إلى الجذور‪ :‬الفلسفة اليونانية والقرآن وما يترتب على تفاعلهما‬ ‫في ثقافة المسلمين وصلة ذلك بالغرب الحديث‪.‬‬ ‫هي إذن مغامرة انطلقت من الغرب الحديث إلى \"الغرب\" القديم (كما صورته‬ ‫إيديولوجيا الغرب الحديث زعما بأنه ابن اليونان وفي قطيعة مع حضارة الإسلام) فكي‬ ‫كماشة بينهما الحضارة الإسلامية التي تعيش لحظة تعثر تحول دونها واستعادة الثقة‬ ‫بالنفس لتحقيق شروط الاستئناف‪.‬‬ ‫فصار مشكل جبر الكسور في ذاتي له نظير في ذات الحضارة العربية الإسلامية أو هكذا‬ ‫عشته منذئذ إلى اليوم أي من ‪ 1968‬سنتي الجامعية الثانية في كلية العلوم الإنسانية وفي‬ ‫دار المعلمين العليا إلى اليوم‪ .‬فكانت المغامرة مع الفلسفة اليونانية وعلومها وشروحها‬ ‫العربية دراسة ثم تدريسا (الرياضيات عند أفلاطون وأرسطو واقليدس)‪.‬‬ ‫ولم يكن اختيار هذا الثالوث بالصدفة‪ :‬فالكسر الذي تعاني منه الحضارة العربية‬ ‫الإسلامية كان متعلقا بما في علوم الملة الغائية من حوائل دون علوم الآلة فيها ليس في‬ ‫استعمالها البسيط فيها بل في ما غاب من استعمالها لجعل الأمة تتجاوز ثقافة الأقوال إلى‬ ‫ثقافة الأفعال تحقيقا لقيام الإنسان‪.‬‬ ‫ففي ثقافتي التقليدية (أسرتي تكوينها إسلامي تقليدي) لم نكن نجهل أن الإنسان‬ ‫يعرفه القرآن بكونه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها‪ .‬والعلوم الأدوات (اللغة والتاريخ‬ ‫والمنطق والرياضيات والوسميات أو السيميوتكس) هي التي يمكن لشكلها البسيط أن‬ ‫ينحصر في الأقوال والمعقد أن يحقق الأفعال‪ :‬وهذا هو الغائب‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫علوم الملة كلها بما فيها الفلسفة كانت دون الانتقال من الشكل البسيط الذي لا يتجاوز‬ ‫الاقوال إلى الشكل المعقد الذي يعالج الأفعال‪ :‬وتلك هي بؤرة الانتقال من العصور‬ ‫الوسطى إلى العصور الحديثة أو الفرق بين ما توقف دونه إبداع حضارتنا وما تجاوزته به‬ ‫الحضارة الغربية الحديثة‪.‬‬ ‫ولذلك فأول بحث فلسفي حقيقي كان حول منزلة الرياضيات في علوم أرسطو‪ .‬وأول‬ ‫درس في الأبستمولوجيا قمت به في الجامعة بداية من ‪ 1983‬كان شكل العلم الأول أو الشكل‬ ‫الإقليدي والشروح العربية التي تعلبت بكتاب الأصول الإقليدية وتطبيقاته‪ .‬ثم تلته‬ ‫دروس حول البصريات عند اليونان والعرب‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أني لم أعنى قط بالعلوم الدينية الغائية الأربعة الباقية‪ :‬التفسير والفقه‬ ‫والتصوف والكلام‪ .‬اقتصرت على الفلسفة‪ .‬وما هالني هو أني لم أجد فيلسوفا عربيا من‬ ‫الكندي إلى ابن رشد يمكن أن ننسب إليه إضافة تتجاوز الشكل الأرسطي والاقليدي‬ ‫باعتبارهما علمين وصفهما الفارابي بكلمته الشهيرة‪.‬‬ ‫فقد قال الفارابي في كتاب الحروف حول اكتمال العلم \"لم يبق إلا أن يعلم ويتعلم\"‬ ‫لتأسيس نظريته في الملة أو الدين أو فلسفة العمل‪ .‬وهنا بدأ البحث في تأثير مثل هذا‬ ‫القول الذي هو أساس كل شروح ابن رشد‪ :‬رفض كل ما تم بين أعمال أرسطو وشروحه هو‬ ‫بوصفه انحرافا عن المعرفة العلمية الصحيحة ومن ثم الدعوة للعودة إلى المتن الأرسطي‬ ‫علما نهائيا‪.‬‬ ‫عندئذ بدأت أتساءل‪ :‬ما الشيء الذي يجعل الفلاسفة يقولون بهذه الرؤية فينطلقون‬ ‫منها ليعتبروا ذلك علما بالحقيقة ويعتبروا أنفسهم راسخين في العلم (ما يقوله ابن رشد في‬ ‫رده على المتكلمين‪ :‬مناهج الأدلة) رسوخا يبرر عطفهم على الله في قدرة التأويل (آل‬ ‫عمران ‪ )7‬لرد النقل إلى العقل بلغة عصرهم؟‬ ‫وهذا السؤال يلازمه سؤال عن الموقف المقابل‪ :‬ما الذي يحول دون رد النقل إلى العقل‬ ‫أو ما الذي ينتج عن رفض عطف علم الراسخين في العلم على علم الله من حيث هو قدرة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫على تأويل المتشابه (آل عمران ‪ )7‬أو من حيث هو وعي بحدود العقل وطبيعة علاقته‬ ‫بالوجود‪ :‬مطابقة أو عدم مطابقة‪.‬‬ ‫عندئذ بدأت المغامرة الثانية‪ :‬النظر في علوم الملة الأخرى أي في التفسير وفي الكلام وفي‬ ‫الفقه وفي التصوف انطلاقا من بداية أولية كانت في الخصومة الغزالية الرشدية أو في‬ ‫التهافتين‪ .‬ففيهما بدأت معركة المطابقة وعدم المطابقة أو الوعي بالمسافة اللامتناهية بين‬ ‫الوجود والإدراك‪.‬‬ ‫فهذا الوعي بلا تناهي المسافة بين الوجود والإدراك هو بداية المدرسة النقدية التي‬ ‫تمثل بداية التحرر من الرؤية الفلسفية اليونانية ومحاولة تأسيس رؤية فلسفية متجاوزة‬ ‫لها ليس بمنطلق عقدي ديني بل بمنطلق ابستمولوجي فلسفي‪ :‬ما الذي يجعل أساس بداية‬ ‫الفلسفة اليونانية موضع سؤال فلسفي أرقى؟‬ ‫لا شك أن الدافع الأول ديني‪ .‬واقصد أن الغزالي وابن تيمية وابن خلدون كان لهم‬ ‫دافع ديني لطرح هذا السؤال الابتسمولوجي‪ .‬لكن العلاج بالتدريج بدأ يفقد الاقتصار‬ ‫على الدافع الديني ويتحول إلى دافع ابستمولوجي يوصد العلاج الفلسفي لمسألة التوحيد‬ ‫بين الوجود وإدراكه العقلي الذي هو أساس الفلسفة اليونانية‪.‬‬ ‫وهنا انقلبت الأمور‪ :‬لم يعد الدين الدافع لهذا هذا السؤال مصدرا للدغمائية بل صار‬ ‫محررا منها وتبينت الحقيقة وهي أن الفلسفة تأسست على فكرة دغمائية تخلط بين شرط‬ ‫البداية البسيطة للمعرفة العلمية‪-‬اعتبار المدارك الحسية وتنسيقها العقلي كافيين للعلم‬ ‫مع توهمه علما محيطا استنادا إلى القول بمطابقة الإدراك لموضوعه‪ -‬وحقيقة المعرفة‬ ‫العلمية عندما تصبح واعية بكل شروطها‪ .‬فوهم المطابقة مفيد للبداية وضار بالغاية‪.‬‬ ‫ومن هنا بدأت أراجع علوم الملة وأدرسها في ضوء تساؤلات المدرسة النقدية أعني خاصة‬ ‫ابن تيمية وابن خلدون لأن الغزالي الذي كان صاحب الانطلاقة نكص وتصور أن الفلسفة‬ ‫السينوية والكشف الصوفي يخلصانه من الشك فيجيبان عن سؤاله الجوهري‪ :‬حقيقة طور‬ ‫ما وراء العقل أو المسافة بين الوجود والإدراك‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حددنا نوعي الكسور التي يعتبر جبرها شرطا في الاستئناف الذي يعيد للأمة دورها في‬ ‫التاريخ العالمي لأن أمة كانت نشأتها الأولى كونية لا يمكنها أن تعتبر نفسها قد استأنفت‬ ‫دورها إذ لم تكن نشأتها الثانية بعد الانحطاط الذاتي الذي مرت به على الأقل بمستوى‬ ‫نشأتها الأولى ولا يكفي للخروج من انحطاطها تبنى انحطاط من استعمرها فتتبعه‪.‬‬ ‫لا بد أن يكون دورها المستأنف على الأقل بمستوى دورها الأول ما يعني أن البداية في‬ ‫الاستئناف هي جبر الكسور الذي جعله يفقد جذوته فلم يستطع الصمود أمام منافسيه عليه‬ ‫بشيء فشل في تحقيقه ولا يمكنه من دون تداركه أولا وتجاوز من تجاوزه بما لم يتحقق‬ ‫عنده ثانيا أن يستأنف دورا كونيا‪.‬‬ ‫تلكما هما المقدمتان اللتان بنيت عليهما محاولة فهم وقوع الحضارة الإسلامية بين فكي‬ ‫كماشة يمكن وصف الاولى بكونها الحضارة القديمة في نهاياتها والحضارة الحديثة في‬ ‫بداياتها فتكون الرؤية الإسلامية‪-‬القرآن‪ -‬التي هي قلب هذه الحضارة أساس هذا الدور‬ ‫ويكون التعامل معها علة الانحطاط‪.‬‬ ‫ومن هنا استنتجت أن جبر الكسور يقتضي مراجعة هذا التعامل في ضوء تفاعل التعامل‬ ‫مع القرآن في ضوء العلاقة بفكي الكماشة ما تقدم عليه وما تلاه وحصر التعامل في نوعي‬ ‫الكسور‪ :‬النظري العقدي والعملي الشرعي والأول بوصفه علاج العلاقة العمودية وما‬ ‫وراءها والثاني علاج العلاقة الأفقية وما وراءها‪.‬‬ ‫والمعلوم أن القصد بالعلاقة العمودية هو علاقة الجماعة بالطبيعة لسد حاجات قيامها‬ ‫المادي بعلم قوانينها وتطبيقاتها والقصد بالعلاقة الافقية هو علاقة الجماعة بالتاريخ لسد‬ ‫حاجات قيامها الروحي بعلم سننه وتطبيقاتها‪ .‬والسد الأول هو تعمير الأرض والثاني هو‬ ‫الاستخلاف في الأرض باصطلاح القرآن‪ .‬فنكون بذلك قد شخصنا الكسور التي نريد جبرها‬ ‫فاعتبرناها متعلقة بعلل الفشل في تعمير الأرض وفي الاستخلاف‪ .‬وبذلك يكون العمل بحثا‬ ‫هادفا إلى‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬ما علل الفشل في النظر والعقد اللذين جعلا علاج العلاقة العمودية يفشل؟‬ ‫‪ .2‬ما علل الفشل في العمل والشرع اللذين جعلا علاج العلاقة الافقية يفشل؟‬ ‫وفضيلة هذا التشخيص هو أنه يشير إلى ظاهرتين ما تزالان قائمتين حتى بعد قرنين‬ ‫من محاولات الاستئناف في كل بلاد الإسلام وخاصة في العربي منها‪ .‬فلا تزال مجتمعاتنا‬ ‫عاجزة عن علاج علاقة الجماعة بالطبيعة والتاريخ علما بقوانين الاولى وسنن الثاني‬ ‫وتطبيقهما لها لسد الحاجات المادية والروحية‪.‬‬ ‫والمراجعة التي تعلقت بالنظر والعقد أوصلتنا إلى البحث في تحريف الدستور التربوي‬ ‫والعلمي اللذين حددهما القرآن وكان يمكن أن يخرجا الأمة من الكماشة بين نهاية الفكر‬ ‫القديم وبداية الفكر الحديث فيهما والمراجعة التي تعلقت بالعمل والشرع أوصلتنا إلى‬ ‫البحث في الدستور السياسي والخلقي‪.‬‬ ‫فكان ينبغي إذن أن أبحث في الدستور التربوي والعلمي الذي وصفه القرآن وفي‬ ‫التحريفات التي بنيت عليها علوم الملة الغائية الخمسة أعني التفسير والعلمين النظريين‬ ‫الفلسفة والكلام والعلمين العمليين التصوف والفقه وبيان علل فسادها في علاج العلاقة‬ ‫العمودية شرط تعمير الأرض في حضارتنا‪.‬‬ ‫وكان ينبغي أن أبحث في الدستور السياسي والخلقي الذي وصفه القرآن وفي التحريفات‬ ‫التي بنيت عليها أعمال الملة الغائية الخمسة أعني تطبيقات هذه العلوم في تنظيم حياة‬ ‫الجماعة بصورة تجعلها بحق جماعة مستخلفة وبيان علل فسادها في علاج العلاقة الافقية‬ ‫شرط الاستخلاف في حضارتنا‪.‬‬ ‫والغاية من هذه البحوث الخروج من العلاج التعويضي بالكذب على النفس من خلال‬ ‫الكلام في فضل المسلمين على غيرهم مبالغة في إطراء الذات أو في فضل غيرهم عليهم‬ ‫مبالغة في ذمها والذهاب مباشرة إلى علل الانحطاط الذاتي أولا وعلل محاولات تبني‬ ‫الحداثة في شكلها المنحط أعني إيديولوجية الاستعمار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فوضعنا الحالي هو الوضع الذي يمثله الكاريكاتوران والحرب الاهلية التي يؤججانها‪:‬‬ ‫كاريكاتور التأصيل بأحياء أمراض الماضي ظنا أنها شرط الأصالة وكاريكاتور التحديث‬ ‫بتبني أمراض الحاضر ظنا أنها شرط الحداثة فيكون كلا الحزبين لا يطلب القيم والسنن‬ ‫الكونية شرطا للعلاج بل تنافي الخصوصيات‪.‬‬ ‫وهكذا تبين أن كلا الكاريكاتورين واحد‪ .‬لا يختلفان في شيء‪ :‬فكلاهما ينسب النجاح‬ ‫الموهوم إلى خصوصية ما يتبناه ويعلل الفشل بخصوصية خصمه وكلاهما لا يجد أدنى كونية‬ ‫إنسانية في كلتا الرؤيتين موجبها وسالبها بمعنى المشترك في النظر والعقد وفي العمل والشرع‬ ‫لعلاج العلاقتين إيجابا أو سلبا‪.‬‬ ‫وبدلا من الدخول في خصام مع الكاريكاتورين فضلت قبل تحديد موقفي منهما أن أبحث‬ ‫أولا في دلالة النظر والعقد بمنظور فلسفي وبمنظور ديني قرآني وما يمكن أن يعتبر كليا‬ ‫في الرؤيتين القرآنية والفلسفية وما يترتب على كليته من دور في علاج العلاقة العمودية‬ ‫بين الإنسان والطبيعة‪.‬‬ ‫وفضلت قبل تحديد موقفي منهما أن أبحث ثانيا في دلالة العمل والشرع بمنظور فلسفي‬ ‫وبمنظور ديني قرآني وما يمكن أن يعتبر كليا في الرؤيتين القرآنية والفلسفية وما يترتب‬ ‫على كليته من دور في علاج العلاقة الافقية بين الإنسان والإنسان‪ .‬وها نحن أمام إشكالية‬ ‫الدستورين الإبستمولوجي والأكسيولوجي‪.‬‬ ‫تبين أن المسألتين هما من طبيعة ابستمولوجية ‪-‬نظرية المعرفة‪-‬وأسكيولوجية‪-‬نظرية‬ ‫القيمة‪-‬في الرؤيتين القرآنية والفلسفية عندما نتحرر من الكاريكاتورين ونجعل مطلبنا‬ ‫متعلقا بما هو كلي وليس بما هو خصوصي في فعاليات الإنسان النظرية العقدية والعملية‬ ‫الشرعية باعتباره معمرا للأرض ومستخلفا فيها‪.‬‬ ‫وحتى لا يكون شيء في كلامي من الضمائر المسكوت عنها سأبدأ بتعليل الجمع بين النظر‬ ‫والعقد في علاج العلاقة العمودية وبين العمل والشرع في علاج المسألة الأفقية واعتبار‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الأولى مسألة ابستمولوجية والثانية مسألة أكسيولوجية لأن أساس هذه الضمائر كلها هو‬ ‫نفي التعارض الوهمي بين الديني والفلسفي على أساس القول بالمطابقة والعلم المحيط‪.‬‬ ‫وهذا النفي بين من خلال الجمع بين النظر والعقد لأن القائلين بالتعارض يتوهمون أن‬ ‫الفلسفي عقلي خال من العقدي والعقدي خال لا عقلي خال من العقلي وعادة ما يعبر‬ ‫أصحابه عن ذلك بالمقابلة نقلي عقلي‪ .‬وهذه النقلة من عقلي لا عقلي إلى عقلي نقلي هي‬ ‫الانزلاق الوهمي عند مزيف العقلانيين‪.‬‬ ‫ويزداد التزييف عندما يدعون رد المنقول إلى المعقول بالتأويل قيسا للغائب على الشاهد‬ ‫خلطا بين الغائب والغيب‪ .‬فهذا ينتهي في الغاية إلى أن الديني لا يختلف عن الفلسفي إلا‬ ‫بالعبارة التي تجعله قابلا للتبليغ للعامة ومن ثم إلا بما فيه من غير عقلي أي بالإيديولوجي‪:‬‬ ‫ليس اعترافا بوحدتهما العميقة الناتجة عن الاعتراف بعدم القدرة على الإحاطة بل برد‬ ‫أحدهما إلى الثاني الذي يظن محيطا للقول بالمطابقة‪.‬‬ ‫وإذا كنت أنسب إلى ابن تيمية العبقرية الفلسفية الفريدة في عصره فلأنه لم ينقد‬ ‫المنطق بمعنى الجدل في مضمون التحليلات الأوائل بل هو اهتم ببيان أن أساس التحليلات‬ ‫الأواخر هو رد الوجود إلى الإدراك ومن ثم العودة اللاواعية للرأي السوفسطائي القائل‬ ‫بالإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه‪ :‬أدرك ما اعتمد عليه الوهم البارمينيدي‬ ‫الموحد بين الوجود والنوس وافتراض الثاني محيطا ونسبته إلى الإنسان‪.‬‬ ‫وبهذا فسر العبارة الشهيرة مع توسيعها‪ :‬من \"تمنطق فقد تزندق في النظر\" وزاد‬ ‫\"وتقرمط في العمل\"‪ .‬والقصد أنه رد الوجود إلى الإدراك في النظر واستنتج منه نفي كل‬ ‫ما يتجاوز الإدراك الإنساني وهو النفي الذي جعل كل الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة‬ ‫يعتبرون كل ما لا يطابق علمهم الذي ظنوه محيطا ينبغي رده إليه بالتأويل لأنه مجرد‬ ‫ظاهر حقيقته هي الباطن الذي يعلمونه إما بالعقل أو بالكشف‪.‬‬ ‫ومن له دراية بالفرق بين المنطقين التحليلي والمتعالي بالمعنى الكنطي فإن النقد التيمي‬ ‫يتعلق بما يناظر الثاني وجديده فيه وليس في الأول لأن كل ما أروده بخصوصه كان معلوما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويشترك فيه كل من تكلم على المنطق الأرسطي رغم أنه حاول رد المنطق إلى الحساب‬ ‫الرياضي وهو بنحو ما فيه بعض الجدة‪ :‬حاول رد كل العلاقات المنطقية إلى علاقة اللزوم‬ ‫والتلازم‪.‬‬ ‫وما أضفته إلى محاولات المدرسة النقدية هو أني بينت أن الفلسفي من حيث هو فلسفي‬ ‫أساسه عقدي هو بدروه وفيه ما هو نقلي تماما كالديني الذي له نفس البنية‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالنقلي في الفلسفي هو موضوعه والعقلي هو شكله‪ :‬ولولا ذلك لاستغنى العلم‬ ‫العقلي عن التجربة الفعلية‪.‬‬ ‫‪ .2‬والنقلي في الديني هو موضوعه والعقلي هو شكله‪ :‬ولولا ذلك لاستغنى العلم‬ ‫الديني عن التعليل المنطقي‪.‬‬ ‫وما ليس بقابل للإدراك العقلي فيهما كليهما هو استحالة رد الوجود إلى الإدراك‪.‬‬ ‫والوعي بهذه الاستحالة هو التغير الأبستمولوجي الأساسي الذي يدين به الفلسفي للديني‬ ‫هو هذه النقلة من القول بالمطابقة إلى القول بامتناعها‪ .‬وقد صار هذا الوعي فلسفيا عندما‬ ‫تجاوز الاستناد إلى مجرد العقد بوجود الغيب إلى بيان امتناع الإحاطة في العلم بالعلم نفسه‬ ‫لما أصبح العقل الإنسان واعيا بحدوده‪.‬‬ ‫فيكون الديني الذي يرفض ريد الوجود إلى الإدراك قد سبق ابستمولوجيا الفلسفي‬ ‫الذي لم يصل إلى هذه الحقيقة إلا مؤخرا بعد أن تبين أن ما نعلمه من الوجود يبقى دائما‬ ‫صورة عنه وليس هو إياه‪ .‬ولولا ذلك لاستحال أن يكون العلم ذا تاريخ‪ .‬كل لحظة من‬ ‫لحظات علمنا هي خطوة في تجويد صورتنا عن الموضوع‪.‬‬ ‫وإذن فالجمع بين النظر والعقد يفيد أنه لا توجد قضية منفصلة عن الموقف القضوي إلا‬ ‫فرضيا‪ :‬فالمفروض أن تكون كل قضية مسبوقة بموقف قضوي يبين درجة العقد في‬ ‫مضمونها‪ :‬لكأنك تقول أعتقد أن كذا هو كذا وفي ذلك أمران معرفي وخلقي‪ .‬فمعرفيا أصف‬ ‫درجة علمي وخلقيا أتواضع فلا أدعي الإحاطة بالموضوع‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ونفس الأمر في الجمع بين العمل والشرع‪ .‬فعادة نتكلم على العمل في الفلسفة وعلى‬ ‫الشرع في الدين‪ .‬لكن العمل في الفلسفة غير قابل للتصور من دون تشريعات صورة‬ ‫لتنظيمه‪ .‬والتشريع في الدين غير قابل للتصور من دون عمل مادة لفعل التنظيم‪ .‬الجمع‬ ‫في الحالتين هدفه التصريح بالمضمر فيهما كليهما‪.‬‬ ‫وعندما نصرح بالمضمر في النظر والعقد نكتشف أن الفلسفة بوهم المطابقة لم تذكر ما‬ ‫ليس بعقلي في قضاياها أعني المضمون فسمت معرفتها بالعقلية وقابلتها بنسبة النقل إلى‬ ‫الدين‪ .‬لكنها هي بدروها مضمونها نقلي‪ :‬فالموضوع ليس عقليا بل هو صورة منقولة عن‬ ‫موضوع الإدراك العقلي‪.‬‬ ‫وعندما نصرح بالمضمر في العمل والشرع نكتشف أن الفلسفة بوهم المطابقة الأولى في‬ ‫النظر والمطابقة الثانية في العمل لم تذكر ما ليس بعقلي في قضاياها العملية أعني فعل‬ ‫التشريع المشروط في كل عمل‪ .‬فالتشريع فعل إرادة وهو تعبير عن المعطى اللاعقلي في‬ ‫العمل وخاصة عند تعدد الإرادات وتنافسها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكانت النتيجة شديدة العمق والتعقيد لأن الكسور كانت على نوعين وكلاهما يمثل علة‬ ‫الانحطاط الذاتي وما ترتب عليه من الوقوع تحت الوصاية الاستعمارية ووراثة الانحطاط‬ ‫المستورد‪ .‬فاجتمع على الأمة الانحطاطين الذاتي والموروث عن الحقبة الاستعمارية‪:‬‬ ‫‪ .1‬أولا الكسور لم تبق من نوع واحد أي بين ماضينا وحاضرنا في علاقة بالغرب المتقدم‬ ‫عليها والمتأخر عنا بل يوجد نوع آخر وهو أخطر وهو الأول وعلة الثاني‪.‬‬ ‫‪ .2‬النوع الثاني الأخطر هو العائق الأكبر لتحقيق شروط الاستئناف وهو متعلق بعلوم الملة‬ ‫ذاتها وبصورة أفعالها لدى المستأنفين‪.‬‬ ‫ولأزد الأمر وضوحا‪ .‬فبالمقارنة مع الغرب غاب ما سميته بؤرة أو نوع الكسور الأول أي أن‬ ‫شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها المعرفية والخلقية فقدت في الحضارة‬ ‫الإسلامية وتلك هي علة الانحطاط أو فساد معاني الإنسانية بالمصطلح الخلدوني‪ :‬العجز‬ ‫في علاج العلاقة بالطبيعة والعلاقة بالتاريخ‪.‬‬ ‫لكن الأخطر هو نوع الكسور الثاني‪ :‬فالتصور الساذج الذي يقابل بين عصر الراشدين‬ ‫وكل ما تلاه وخرافة المقابلة بين الخلافة الراشدة والملك العضوض يجعل جبر الكسور‬ ‫التاريخية في الوقائع وليس في علومها أمرا مستحيلا ما يعجل هذه الرؤية تهدم الموجود باسم‬ ‫المنشود المستحيل‪.‬‬ ‫فما كان مستحيل البقاء بعد الراشدين سيكون من باب أولى مستحيل الاستعادة بعد ‪14‬‬ ‫قرنا‪ .‬ومن السذاجة الكلام على المقابلة بين الخلافة والملك العضوض بوصفهما مقابلة بين‬ ‫مثال أعلى مستحيل التحقيق وتاريخ فعلي مستحيل الإلغاء ومن ثم فلا يمكن جبر كسر بين‬ ‫مثال خيالي وواقع فعلي في تاريخ أمة‪.‬‬ ‫كانت بداية البحث طلب جبر الكسور المعرفية فصارت غايته الجمع بين نوعين من جبر‬ ‫الكسور وأصلهما الواحد ثم تفاعلهما في الاتجاهين‪ .‬وكل ما حاولته علوم الملة ‪-‬من خلال‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الحوار مع الشيخ البوطي في ازمة أصول الفقه مثلا بثقافة قانونية حديثة‪-‬ثم خاصة منذ‬ ‫بداية تفسير القرآن يخص النوع الأول‪.‬‬ ‫لكن النوع الثاني هو اكتشاف طبيعة الكسر في العلاقة بين ما تقدم على الفتنة الكبرى وما‬ ‫تلاها وخاصة في الفكر السني لأن الفكر الشيعي لم يعش الأزمة بل هو شرعنها مبدئيا في‬ ‫حين أن السنة شرعنتها واقعيا ورفضت تشريعها المبدئي ما جعل أقوالها في واجب الشرعية‬ ‫مخالفة لأفعالها في أمرها الواقع‪.‬‬ ‫فلا شيء أكثر دلالة على سذاجة عدم فهم الحلين اللذين حصلا بعد الفتنة الكبرى‬ ‫ومحاولة قراءة التاريخ وكأنه يمكن تصور السياسة دون أخلاق والاخلاق دون سياسة فيكون‬ ‫العصر الراشدي عصر ملائكة وما بعده عصر شياطين ومحاولة التخلص من ‪ 14‬قرنا‬ ‫شيطانية للعودة إلى ثلث قرن ملائكي‪.‬‬ ‫وهو ما يغيب كل عيوب العصر الراشدي وكل فضائل العصر الموالي في حين أن التاريخ لا‬ ‫يمكن أن يكون بهذه الحدية‪ .‬وهذه الصورة هي الرؤية الباطنية والشيعية التي بدون‬ ‫تبناها الفكر السني دون وعي وخاصة في المرحلة الإصلاحية منذ منتصف القرن التاسع‬ ‫عشر‪ .‬وهما سذاجة وسطحية غير معقولتين‪.‬‬ ‫ونظير هذه السذاجة والسطحية هو توهم الديموقراطية الغربية ملائكية حتى صار‬ ‫بعضهم يزعم أنه يجد الإسلام دون مسلمين في الغرب ومسلمين دون إسلام في الشرق‪ .‬وهي‬ ‫من علامات الانبهار السخيف لبعض الفقهاء الذين لم يدرسوا الغرب وطبيعة السياسي‬ ‫عامة أيا كانت طبيعة الأنظمة‪ :‬كانوا ككل بدوي يزور المدينة لأول مرة‪.‬‬ ‫وفضلا عن كونهم لم يروا وضع العمال مثلا في ذلك الوقت ‪-‬من قرأ آداب انجلترا في‬ ‫القرن التاسع عشر يعلم ما يندى له الجبين في الغرب ذاته‪ -‬واكتفوا بما رأوه في صالونات‬ ‫بعض من كان لهم بهم علاقة ضيافة فالغريب أن هؤلاء المنبهرين جاؤوا إلى الغرب دون‬ ‫أن يكون ذهنهم خاليا من بشاعات الاستعمار وفظاعاته في بلادهم ما يعني أنهم الأخلاق‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عندهم مقصورة على المعاملات في الغرب وليست شاملة للسلوك الإنساني عامة فيه أو‬ ‫خارجه كما يقتضي ذلك المفهوم الإسلامي للأخلاق‪.‬‬ ‫وبذلك تصبح فضائل من أقام شروط بقاء دولة الإسلام بما تقتضيه مقومات الفعل‬ ‫السياسي في الظرفيات التي مرت بها خلال أربعة حروب أهلية وخلال حرب عالمية للفتح‬ ‫رذائل بالقياس إلى نفاة مقومي الدولة التي لا تقول بالوساطة (سلطة روحية) ولا‬ ‫بالوصاية (سلطة الحكم بالحق الإلهي)‪ :‬الدولة السنية‪.‬‬ ‫ولست أدعي أن الإصلاحيين كانوا قد صاروا باطنية لكنهم كانوا سذجا متصورين الأخلاق‬ ‫قابلة للفصل عن السنن السياسية أو أن السياسة قابلة للفصل عن السنن الخلقية حتى لو‬ ‫اقتضت الحالات الاستثنائية جعلها تبدو أحيانا وكأنها غير ملزمة بها الزاما صارما (والمسألة‬ ‫تقديرية)‪ .‬ذلك أن الدولة من حيث هي دولة بحاجة إلى فاعليتين مادية هي الشوكة‬ ‫ومعنوية هي الشرعية‪ .‬وفي حالات الاضطراب الشوكة تتقدم دائما بشرعية استثنائية على‬ ‫الشرعية العامة‪.‬‬ ‫النجاح في التغلب على أربعة حروب أهلية لتأسيس الامبراطورية الاسلامية التي نحن‬ ‫ثمرتها معجزة ينبغي أن يفاخر بها المسلمون لا أن يلعنوها بسذاجة المقابلة بين المثال‬ ‫والواقع أو بخبث الباطنية التي تقابل بين علي وبقية الصحابة ولا تتوقف عند الحرب على‬ ‫بني أمية‪ :‬هذا عين الغباء والسذاجة‪.‬‬ ‫لذلك فلا بد من اعتبار ما حدث بالتوصيف الدستوري القانوني‪ :‬ما حدث هو الانتقال من‬ ‫أحكام الدستور القرآني التي تعمل في الظروف العادية إلى أحكام استثنائية موجودة في‬ ‫القرآن أيضا تستعمل في الظروف غير العادية أو في ما يسمى بظروف الطوارئ‪ :‬الحاجة‬ ‫إلى هذا الحل بأساس الضرورة تبيح المحظور‪.‬‬ ‫لكن الفقهاء جعلوا القانون الاستثنائي قانونا عاما‪ :‬فردة الفرد لا تقتضي القتل لكنها‬ ‫كانت تفرض عليه بدلا من الزكاة دفع الجزية إذا كان قد اختار دينا آخر وبقي في حماية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الدولة الإسلامية أعني العودة إلى المبدأ العام في الوضع القانوني لغير المسلم ممن لا‬ ‫يطالب بالزكاة بل بالجزية‪.‬‬ ‫وبلغتنا الحديثة يمكن أن يبقى مواطنا وعليه دفع الضريبة ككل مواطن غير مسلم مثل‬ ‫أهل الذمة وكل الأقليات الدينية لأن الحج ‪ 17‬لا تقتصر على اهل الكتاب بل تشمل‬ ‫الصابئة والمجوس وحتى الذين أشركوا لأنها تؤسس للإرجاء في الفصل بين الأديان إلى يوم‬ ‫الدين‪ .‬ولا يمكن اعتبار هذه الآية منسوخة بالحالات الاستثنائية‪.‬‬ ‫فالمبدأ العام هو حرية المعتقد والمرتد له هذا الحق ولا يوجد في القرآن حكم دنيوي عليه‪.‬‬ ‫لكن الظرف الذي جعل الردة فيها مس بقيام أركان الدولة هو الذي ألجا ابا بكر لاستعمال‬ ‫\"الضرورة تبيح المحظور\"‪ :‬فاستعمل القوة لفرض منع الردة لأنها جماعية أولا وتمس أحد‬ ‫أركان قيام الدولة أعني الزكاة ثانيا‪.‬‬ ‫والمشكل إذن ليس بين عهدين ملائكي وشيطاني بل بين ظرفيتين‪ :‬مستقرة وحروب أهلية‪.‬‬ ‫ومثلها حدثت حرب الردة‪ .‬فلو قلنا إن أبا بكر لم يكن ملزما بتطبيق القانون بما يقتضيه‬ ‫الظرف أي ظرف إقامة أركان الدولة بالحرب على من خرج عليها لما وجدت دولة الاسلام‬ ‫أصلا‪ .‬وقياسا عليه فمعاوية رجل دولة مكن بإعادة وحدة الأمة حتى حققت شرطي‬ ‫السيادة‪.‬‬ ‫فقبل عبد الملك بن مروان كانت سيادة دولة الإسلام منقوصة‪ .‬فلا لغة القرآن كانت لغة‬ ‫الدولة والحضارة الإنسانية (العالم الروحي) ولا عملتها كانت عملة الاقتصاد العالمي‪:‬‬ ‫كانت لغة البلاد المفتوحة وعملتها هما ما تعمل به دولة الإسلام‪ .‬ويكفي الدولة الأموية‬ ‫أنها حققت تحرير الإقليم من الاستعمار البيزنطي والاستعمار الفارسي بصورة نهائية‬ ‫وحاسمة وجعل لغة القرآن لغة الإدارة والعلوم وعملة الإسلام علمة الاقتصاد في كل العالم‬ ‫الذي حررته منهما‪.‬‬ ‫وكل اللاعنين للدولة الأموية هم من بقايا الباطنية والكسروية ومن بقايا الصليبية‬ ‫والقيصرية وكل الإسلاميين الذين يقابلون بين العصرين الراشدي والأموي بصورة تجانس‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المقابلة الشيعية والباطنية لا يدركون حقيقة التلازم بين الوجهين في السياسة والتاريخ‪:‬‬ ‫الشوكة والشرعية بتقديم وتأخير‪.‬‬ ‫كان ينبغي أن يبدأ عرضي بالكسور المتعلقة بعلوم الملة لا بأعمالها‪ .‬لكن ذلك ما كان ليفيد‬ ‫لأن الغرض هو بيان أخطاء حركة الاستئناف التي بانطلاقها من هذا الموقف العملي تصورت‬ ‫أن إحياء علوم الملة يمكن أن يكون كافيا لتحقيق شروطه وهي لا تعلم أنها هي علة امتناعه‬ ‫بسبب الكسور التي فيها‪.‬‬ ‫وسبق أن بينت طبيعة الكسور التي فيها والتي هي القبول باعتبار ما كان في القرآن من‬ ‫أحكام للظروف الاستثنائية التي يصدق عليها حكم الضرورة التي تبيح المحظور جعلوها‬ ‫الأصل وتحول الأصل إلى فرع بمبدأ عجيب وهو أن\" الخاص ينسخ العام\" في التشريعات‪:‬‬ ‫نسوا أنه ينسخه في ظرفه فحسب‪.‬‬ ‫لم يفهموا أن الخاص ينسخ العام نسخا خاصا وليس عاما‪ .‬من ذلك أن حالة الطوارئ‬ ‫تنسيخ مؤقتا بعض أحكام الدستور ‪-‬التضييق من الحريات مثلا‪-‬لكن هذا التضييق بحكم‬ ‫خاص ينسخ العام لا يصبح نسخا عاما للعام‪ .‬مثال ذلك أن أكل الميتة مباح عند الضرورة‬ ‫وحتى شرب الخمر‪ .‬وبزوال الضرورة يعود الحكم العام‪.‬‬ ‫وهذا ينطبق على ما يسمى بآية السيف‪ .‬فهي ضرورة تبيح المحظور في حدود بقاء‬ ‫الضرورة‪ .‬لكن الحكم العام هو الآيات العامة التي تتعلق بالإرجاء في الفصل بين الأديان‬ ‫واعتراف الإسلام بـها جميعا باعتبار تعددها شرطا في التسابق في الخيرات (المائدة ‪.)48‬‬ ‫وقس عليها ما سواها من الآيات التي تتعلق بالظروف الاستثنائية‪.‬‬ ‫إلى حد الآن تكلمت على الفتنة الكبرى وما ترتب عليها‪ .‬لم نزل نعاني اليوم ما ترتب‬ ‫عليها وعلى الموقف الساذج الذي تبنته السنة بتأثير من التشيع مع فارق بسيط هو ما يطبقه‬ ‫هو على ملائكية علي يطبقونه هم على الصحابة كلهم ويشتركون في شيطنة من عداهم‪.‬‬ ‫والتشيع يفعل بخبث وهم بسذاجة وحمق‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لكن هذا الكسر العملي تضاعف بسبب الفتنة التي سميتها صغرى‪ :‬فتنة العلمانية‬ ‫اليعقوبية التي يقول بها أدعياء الحداثة العرب‪ .‬ومما يثبت عدم جدية أصحابها أنهم‬ ‫متحالفون مع الثيوقراطية الشيعية في الحرب الإيديولوجية وحتى العسكرية على السنة في‬ ‫الإقليم صلة بين أهل الفتنتين الكبرى والصغرى‪.‬‬ ‫والمهم في محاولتي ليس هذا اللقاء بين الفتنتين بل ما اكتشفته من بنية عميقة بين النظام‬ ‫الثيوقراطي الذي حصلت باسمه الفتنة الكبرى سابقا (وصاية آل البيت على المسلمين)‬ ‫والنظام الأنثروبوقرطي الذي تحصل حاليا باسمه الفتنة الصغرى (وصاية العلمانيين على‬ ‫المسلمين) وهما تفعلان معا متحالفتين في راهن تاريخنا‪ :‬هي الأبيسوقراطية أو دين العجل‪.‬‬ ‫فالابيسيوقراطية (دين العجل) تحدد البنية العميقة للثيوقراطية (الحكم باسم الله)‬ ‫وللانثروبوقراطية (الحكم باسم الإنسان) من حيث هي بنية عميقة للنظامين هذين تصلنا‬ ‫مباشرة بنوع الكسور الأول أي الكسور النظرية أو المعرفية‪ :‬فالعجل يرمز لأداتي الاستعباد‬ ‫الحديث‪ :‬معدنه للعملة وخواره للكلمة‪.‬‬ ‫والعملة هي رمز الفعل المطلق لأنها هي التي تمكن من التبادل المطلق في الجماعة وهي‬ ‫رمز القيمة المادية دون أن تكون ذات قيمة في ذاتها‪ .‬والكلمة هي فعل الرمز المطلق لأنها‬ ‫هي التي تمكن من التواصل المطلق في الجماعة ويه رمز المعنى الرمزي دون أن يكون لها‬ ‫معنى في ذاتها‪.‬‬ ‫وبهما يسيطر الإنسان على الإنسان بدنه وروحه من خلال السيطرة على حاجاته وعلى‬ ‫فكره‪ .‬فالبنك يمثل سلطان العلمة والإعلام يمثل سلطان الكلمة وكل استعباد للإنسان من‬ ‫الإنسان أداته العملة أو الكلمة أو كلاهما كالحال في العالم كله وخاصة في الدكتاتوريات‬ ‫التي تحكمنا لأنها سلطان عبيد على عبيد‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حددنا نوعي الكسور التي يعتبر جبرها شرطا في الاستئناف الذي يعيد للأمة دورها في‬ ‫التاريخ العالمي لأن أمة كانت نشأتها الأولى كونية لا يمكنها أن تعتبر نفسها قد استأنفت‬ ‫دورها إذ لم تكن نشأتها الثانية بعد الانحطاط الذاتي الذي مرت به على الأقل بمستوى‬ ‫نشأتها الأولى ولا يكفي للخروج من انحطاطها تبنى انحطاط من استعمرها فتتبعه‪.‬‬ ‫لا بد أن يكون دورها المستأنف على الأقل بمستوى دورها الأول ما يعني أن البداية في‬ ‫الاستئناف هي جبر الكسور الذي جعله يفقد جذوته فلم يستطع الصمود أمام منافسيه عليه‬ ‫بشيء فشل في تحقيقه ولا يمكنه من دون تداركه أولا وتجاوز من تجاوزه بما لم يتحقق‬ ‫عنده ثانيا أن يستأنف دورا كونيا‪.‬‬ ‫تلكما هما المقدمتان اللتان بنيت عليهما محاولة فهم وقوع الحضارة الإسلامية بين فكي‬ ‫كماشة يمكن وصف الاولى بكونها الحضارة القديمة في نهاياتها والحضارة الحديثة في‬ ‫بداياتها فتكون الرؤية الإسلامية‪-‬القرآن‪ -‬التي هي قلب هذه الحضارة أساس هذا الدور‬ ‫ويكون التعامل معها علة الانحطاط‪.‬‬ ‫ومن هنا استنتجت أن جبر الكسور يقتضي مراجعة هذا التعامل في ضوء تفاعل التعامل‬ ‫مع القرآن في ضوء العلاقة بفكي الكماشة ما تقدم عليه وما تلاه وحصر التعامل في نوعي‬ ‫الكسور‪ :‬النظري العقدي والعملي الشرعي والأول بوصفه علاج العلاقة العمودية وما‬ ‫وراءها والثاني علاج العلاقة الأفقية وما وراءها‪.‬‬ ‫والمعلوم أن القصد بالعلاقة العمودية هو علاقة الجماعة بالطبيعة لسد حاجات قيامها‬ ‫المادي بعلم قوانينها وتطبيقاتها والقصد بالعلاقة الافقية هو علاقة الجماعة بالتاريخ لسد‬ ‫حاجات قيامها الروحي بعلم سننه وتطبيقاتها‪ .‬والسد الأول هو تعمير الأرض والثاني هو‬ ‫الاستخلاف في الأرض باصطلاح القرآن‪ .‬فنكون بذلك قد شخصنا الكسور التي نريد جبرها‬ ‫فاعتبرناها متعلقة بعلل الفشل في تعمير الأرض وفي الاستخلاف‪ .‬وبذلك يكون العمل بحثا‬ ‫هادفا إلى‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬ما علل الفشل في النظر والعقد اللذين جعلا علاج العلاقة العمودية يفشل؟‬ ‫‪ .2‬ما علل الفشل في العمل والشرع اللذين جعلا علاج العلاقة الافقية يفشل؟‬ ‫وفضيلة هذا التشخيص هو أنه يشير إلى ظاهرتين ما تزالان قائمتين حتى بعد قرنين من‬ ‫محاولات الاستئناف في كل بلاد الإسلام وخاصة في العربي منها‪ .‬فلا تزال مجتمعاتنا عاجزة‬ ‫عن علاج علاقة الجماعة بالطبيعة والتاريخ علما بقوانين الاولى وسنن الثاني وتطبيقهما‬ ‫لها لسد الحاجات المادية والروحية‪.‬‬ ‫والمراجعة التي تعلقت بالنظر والعقد أوصلتنا إلى البحث في تحريف الدستور التربوي‬ ‫والعلمي اللذين حددهما القرآن وكان يمكن أن يخرجا الأمة من الكماشة بين نهاية الفكر‬ ‫القديم وبداية الفكر الحديث فيهما والمراجعة التي تعلقت بالعمل والشرع أوصلتنا إلى‬ ‫البحث في الدستور السياسي والخلقي‪.‬‬ ‫فكان ينبغي إذن أن أبحث في الدستور التربوي والعلمي الذي وصفه القرآن وفي التحريفات‬ ‫التي بنيت عليها علوم الملة الغائية الخمسة أعني التفسير والعلمين النظريين الفلسفة‬ ‫والكلام والعلمين العمليين التصوف والفقه وبيان علل فسادها في علاج العلاقة العمودية‬ ‫شرط تعمير الأرض في حضارتنا‪.‬‬ ‫وكان ينبغي أن أبحث في الدستور السياسي والخلقي الذي وصفه القرآن وفي التحريفات‬ ‫التي بنيت عليها أعمال الملة الغائية الخمسة أعني تطبيقات هذه العلوم في تنظيم حياة‬ ‫الجماعة بصورة تجعلها بحق جماعة مستخلفة وبيان علل فسادها في علاج العلاقة الافقية‬ ‫شرط الاستخلاف في حضارتنا‪.‬‬ ‫والغاية من هذه البحوث الخروج من العلاج التعويضي بالكذب على النفس من خلال‬ ‫الكلام في فضل المسلمين على غيرهم مبالغة في إطراء الذات أو في فضل غيرهم عليهم‬ ‫مبالغة في ذمها والذهاب مباشرة إلى علل الانحطاط الذاتي أولا وعلل محاولات تبني‬ ‫الحداثة في شكلها المنحط أعني إيديولوجية الاستعمار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فوضعنا الحالي هو الوضع الذي يمثله الكاريكاتوران والحرب الاهلية التي يؤججانها‪:‬‬ ‫كاريكاتور التأصيل بأحياء أمراض الماضي ظنا أنها شرط الأصالة وكاريكاتور التحديث‬ ‫بتبني أمراض الحاضر ظنا أنها شرط الحداثة فيكون كلا الحزبين لا يطلب القيم والسنن‬ ‫الكونية شرطا للعلاج بل تنافي الخصوصيات‪.‬‬ ‫وهكذا تبين أن كلا الكاريكاتورين واحد‪ .‬لا يختلفان في شيء‪ :‬فكلاهما ينسب النجاح‬ ‫الموهوم إلى خصوصية ما يتبناه ويعلل الفشل بخصوصية خصمه وكلاهما لا يجد أدنى كونية‬ ‫إنسانية في كلتا الرؤيتين موجبها وسالبها بمعنى المشترك في النظر والعقد وفي العمل والشرع‬ ‫لعلاج العلاقتين إيجابا أو سلبا‪.‬‬ ‫وبدلا من الدخول في خصام مع الكاريكاتورين فضلت قبل تحديد موقفي منهما أن أبحث‬ ‫أولا في دلالة النظر والعقد بمنظور فلسفي وبمنظور ديني قرآني وما يمكن أن يعتبر كليا‬ ‫في الرؤيتين القرآنية والفلسفية وما يترتب على كليته من دور في علاج العلاقة العمودية‬ ‫بين الإنسان والطبيعة‪.‬‬ ‫وفضلت قبل تحديد موقفي منهما أن أبحث ثانيا في دلالة العمل والشرع بمنظور فلسفي‬ ‫وبمنظور ديني قرآني وما يمكن أن يعتبر كليا في الرؤيتين القرآنية والفلسفية وما يترتب‬ ‫على كليته من دور في علاج العلاقة الافقية بين الإنسان والإنسان‪ .‬وها نحن أمام إشكالية‬ ‫الدستورين الإبستمولوجي والأكسيولوجي‪.‬‬ ‫تبين أن المسألتين هما من طبيعة ابستمولوجية ‪-‬نظرية المعرفة‪-‬وأسكيولوجية‪-‬نظرية‬ ‫القيمة‪-‬في الرؤيتين القرآنية والفلسفية عندما نتحرر من الكاريكاتورين ونجعل مطلبنا‬ ‫متعلقا بما هو كلي وليس بما هو خصوصي في فعاليات الإنسان النظرية العقدية والعملية‬ ‫الشرعية باعتباره معمرا للأرض ومستخلفا فيها‪.‬‬ ‫وحتى لا يكون شيء في كلامي من الضمائر المسكوت عنها سأبدأ بتعليل الجمع بين النظر‬ ‫والعقد في علاج العلاقة العمودية وبين العمل والشرع في علاج المسألة الأفقية واعتبار‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الأولى مسألة ابستمولوجية والثانية مسألة أكسيولوجية لأن أساس هذه الضمائر كلها هو‬ ‫نفي التعارض الوهمي بين الديني والفلسفي على أساس القول بالمطابقة والعلم المحيط‪.‬‬ ‫وهذا النفي بين من خلال الجمع بين النظر والعقد لأن القائلين بالتعارض يتوهمون أن‬ ‫الفلسفي عقلي خال من العقدي والعقدي خال لا عقلي خال من العقلي وعادة ما يعبر‬ ‫أصحابه عن ذلك بالمقابلة نقلي عقلي‪ .‬وهذه النقلة من عقلي لا عقلي إلى عقلي نقلي هي‬ ‫الانزلاق الوهمي عند مزيف العقلانيين‪.‬‬ ‫ويزداد التزييف عندما يدعون رد المنقول إلى المعقول بالتأويل قيسا للغائب على الشاهد‬ ‫خلطا بين الغائب والغيب‪ .‬فهذا ينتهي في الغاية إلى أن الديني لا يختلف عن الفلسفي إلا‬ ‫بالعبارة التي تجعله قابلا للتبليغ للعامة ومن ثم إلا بما فيه من غير عقلي أي بالإيديولوجي‪:‬‬ ‫ليس اعترافا بوحدتهما العميقة الناتجة عن الاعتراف بعدم القدرة على الإحاطة بل برد‬ ‫أحدهما إلى الثاني الذي يظن محيطا للقول بالمطابقة‪.‬‬ ‫وإذا كنت أنسب إلى ابن تيمية العبقرية الفلسفية الفريدة في عصره فلأنه لم ينقد‬ ‫المنطق بمعنى الجدل في مضمون التحليلات الأوائل بل هو اهتم ببيان أن أساس التحليلات‬ ‫الأواخر هو رد الوجود إلى الإدراك ومن ثم العودة اللاواعية للرأي السوفسطائي القائل‬ ‫بالإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه‪ :‬أدرك ما اعتمد عليه الوهم البارمينيدي‬ ‫الموحد بين الوجود والنوس وافتراض الثاني محيطا ونسبته إلى الإنسان‪.‬‬ ‫وبهذا فسر العبارة الشهيرة مع توسيعها‪ :‬من \"تمنطق فقد تزندق في النظر\" وزاد \"وتقرمط‬ ‫في العمل\"‪ .‬والقصد أنه رد الوجود إلى الإدراك في النظر واستنتج منه نفي كل ما يتجاوز‬ ‫الإدراك الإنساني وهو النفي الذي جعل كل الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة يعتبرون كل ما‬ ‫لا يطابق علمهم الذي ظنوه محيطا ينبغي رده إليه بالتأويل لأنه مجرد ظاهر حقيقته هي‬ ‫الباطن الذي يعلمونه إما بالعقل أو بالكشف‪.‬‬ ‫ومن له دراية بالفرق بين المنطقين التحليلي والمتعالي بالمعنى الكنطي فإن النقد التيمي‬ ‫يتعلق بما يناظر الثاني وجديده فيه وليس في الأول لأن كل ما أروده بخصوصه كان معلوما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويشترك فيه كل من تكلم على المنطق الأرسطي رغم أنه حاول رد المنطق إلى الحساب‬ ‫الرياضي وهو بنحو ما فيه بعض الجدة‪ :‬حاول رد كل العلاقات المنطقية إلى علاقة اللزوم‬ ‫والتلازم‪.‬‬ ‫وما أضفته إلى محاولات المدرسة النقدية هو أني بينت أن الفلسفي من حيث هو فلسفي‬ ‫أساسه عقدي هو بدروه وفيه ما هو نقلي تماما كالديني الذي له نفس البنية‪:‬‬ ‫• فالنقلي في الفلسفي هو موضوعه والعقلي هو شكله‪ :‬ولولا ذلك لاستغنى العلم العقلي‬ ‫عن التجربة الفعلية‪.‬‬ ‫• والنقلي في الديني هو موضوعه والعقلي هو شكله‪ :‬ولولا ذلك لاستغنى العلم الديني‬ ‫عن التعليل المنطقي‪.‬‬ ‫وما ليس بقابل للإدراك العقلي فيهما كليهما هو استحالة رد الوجود إلى الإدراك‪ .‬والوعي‬ ‫بهذه الاستحالة هو التغير الأبستمولوجي الأساسي الذي يدين به الفلسفي للديني هو هذه‬ ‫النقلة من القول بالمطابقة إلى القول بامتناعها‪ .‬وقد صار هذا الوعي فلسفيا عندما تجاوز‬ ‫الاستناد إلى مجرد العقد بوجود الغيب إلى بيان امتناع الإحاطة في العلم بالعلم نفسه لما‬ ‫أصبح العقل الإنسان واعيا بحدوده‪.‬‬ ‫فيكون الديني الذي يرفض ريد الوجود إلى الإدراك قد سبق ابستمولوجيا الفلسفي الذي‬ ‫لم يصل إلى هذه الحقيقة إلا مؤخرا بعد أن تبين أن ما نعلمه من الوجود يبقى دائما صورة‬ ‫عنه وليس هو إياه‪ .‬ولولا ذلك لاستحال أن يكون العلم ذا تاريخ‪ .‬كل لحظة من لحظات‬ ‫علمنا هي خطوة في تجويد صورتنا عن الموضوع‪.‬‬ ‫وإذن فالجمع بين النظر والعقد يفيد أنه لا توجد قضية منفصلة عن الموقف القضوي إلا‬ ‫فرضيا‪ :‬فالمفروض أن تكون كل قضية مسبوقة بموقف قضوي يبين درجة العقد في‬ ‫مضمونها‪ :‬لكأنك تقول أعتقد أن كذا هو كذا وفي ذلك أمران معرفي وخلقي‪ .‬فمعرفيا أصف‬ ‫درجة علمي وخلقيا أتواضع فلا أدعي الإحاطة بالموضوع‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ونفس الأمر في الجمع بين العمل والشرع‪ .‬فعادة نتكلم على العمل في الفلسفة وعلى الشرع‬ ‫في الدين‪ .‬لكن العمل في الفلسفة غير قابل للتصور من دون تشريعات صورة لتنظيمه‪.‬‬ ‫والتشريع في الدين غير قابل للتصور من دون عمل مادة لفعل التنظيم‪ .‬الجمع في الحالتين‬ ‫هدفه التصريح بالمضمر فيهما كليهما‪.‬‬ ‫وعندما نصرح بالمضمر في النظر والعقد نكتشف أن الفلسفة بوهم المطابقة لم تذكر ما‬ ‫ليس بعقلي في قضاياها أعني المضمون فسمت معرفتها بالعقلية وقابلتها بنسبة النقل إلى‬ ‫الدين‪ .‬لكنها هي بدروها مضمونها نقلي‪ :‬فالموضوع ليس عقليا بل هو صورة منقولة عن‬ ‫موضوع الإدراك العقلي‪.‬‬ ‫وعندما نصرح بالمضمر في العمل والشرع نكتشف أن الفلسفة بوهم المطابقة الأولى في‬ ‫النظر والمطابقة الثانية في العمل لم تذكر ما ليس بعقلي في قضاياها العملية أعني فعل‬ ‫التشريع المشروط في كل عمل‪ .‬فالتشريع فعل إرادة وهو تعبير عن المعطى اللاعقلي في‬ ‫العمل وخاصة عند تعدد الإرادات وتنافسها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بعد التخلص من هذا التعارض الزائف بين النظر والعقد يزول الصراع الساذج بين المتكلم‬ ‫والفيلسوف في المسألة النظرية التي تنتج عن المقابلة بين العلم والإيمان إذ لا يمكن الفصل‬ ‫بينهما إلا بسبب هذا الاضمار الناتج عن القول بنظرية المعرفة المطابقة المؤدية إلى وهم‬ ‫العلم المحيط والعمل المطلق‪.‬‬ ‫وبعد التخلص من هذا التعارض الزائف بين العمل والشرع يزول الصراع الساذج بين‬ ‫الفقيه والمتصوف في المسألة العملية التي تنتج عن المقابلة بين الأخلاق والقانون إذ لا يمكن‬ ‫الفصل بينهما إلى بسبب هذا الإضمار الناتج عن القول بنظرية العمل المطابقة المؤدية إلى‬ ‫وهم العمل المطلق والعلم المحيط‪.‬‬ ‫واليوم نفس هذين الصراعين صارا غالبين على الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي إذ‬ ‫كلاهما قائل بنظرية المعرفة المطابقة وبنظرية العمل المطلق ولا أحد منهما يرى أن اعتبار‬ ‫علمه محيطا وعمله مطلقا دليل سذاجة ابستمولوجية وجلافة قيمية وأن الوجود لا يرد إلى‬ ‫الإدراك وأن التاريخ لا يرد إلى الإرادة‪ :‬فاللامعلوم واللامراد في مجرى الأحداث‬ ‫الطبيعية والتاريخية غالبان على المعلوم والمراد فيهما‪.‬‬ ‫ولو أخذ الناس بعين الاعتبار هذه الحقائق لقلت الحماقات ولتوصلت الإنسانية إلى شرطي‬ ‫الوجود السلمي بين الافراد والجماعات‪ :‬حينها تصبح سورة العصر دستور الإنسانية أعني‬ ‫الوعي بشروط الاستثناء من الخسر وفروعها أي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق‬ ‫والتواصي بالصبر‪.‬‬ ‫فالمعرفة الإنسانية اجتهادية بـالجوهر وتقتضي التواصي بالحق والعمل الإنساني جهادي‬ ‫بـالجوهر ويقتضي التواصي بالصبر وأنه لا علم بلا عقد حتى لو كان فرضيا ولا عمل بدون‬ ‫شرع حتى لو كان وضعيا‪ .‬وما هو ثابت في الحالتين هو الجمع بين النظر والعقد في المسألة‬ ‫الابستمولوجية (ما بعد العلم أو نظرية المعرفة) والجمع بين العمل والشرع في المسألة‬ ‫الأكسيولوجية (ما بعد العمل أو نظرية القيمة)‪ .‬وليس صحيحا أن العقد والشرع نقليان‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فحسب (صورة الديني المشوهة) وأن النظر والعمل عقليان فحسب (صورة الفلسفي‬ ‫المشوهة)‪.‬‬ ‫فلا يوجد علم عقلي من دون تجربة وهي النقلي في العقلي‪ .‬ولا يوجد عقد ديني من دون‬ ‫صورة عقلية وهي العقلي في النقلي‪ .‬ولا يوجد نظر من دون عقد هو منطلقه ولو على وجه‬ ‫الفرض‪ .‬ولا يوجد عمل من دون شرع هو منطلقه ولو على وجه الوضع‪ .‬ومن ثم فعلة‬ ‫الانحطاط هي الجهل بهذه الحقائق أو تجاهلها‪.‬‬ ‫بعد الحسم في تعليل الانحطاط الذاتي وهو الغالب على كاريكاتور التأصيل من نخبنا تأتي‬ ‫الحاجة إلى الحسم في تعليل الانحطاط المستورد وهو الغالب على كاريكاتور التحدث من‬ ‫نخبنا‪ .‬وهذا النوع الثاني هو الأعسر‪ .‬ذلك أن نقد فاقد السلطان الفعلي أيسر من نقد‬ ‫صاحبه‪ :‬وهؤلاء لهم سند السلطان العالمي‪.‬‬ ‫من اليسير أن تجادل في حجج ممثلي الماضي بكل يقين‪ .‬لكن من العسير أن تجادل حجج‬ ‫من يتصورون أنفسهم ممثلي المستقبل بكل يقين‪ .‬كيف تجادل من يعتبر استيراد الحداثة‬ ‫الغربية حلا وهي الحل السائد في العالم كله شرقه وغربه؟ لكنهم مثلهم مثل كاريكاتور‬ ‫التأصيل لا يمثلون ما يتكلمون باسمه‪.‬‬ ‫فكاريكاتور التحديث من النخب العربية مثلهم مثل كاريكاتور التأصيل منها لا يمثلون‬ ‫الحداثة الأبستمولوجية والأكسيولوجية بل إيديولوجيا الحداثة الاستعمارية تمثل هؤلاء‬ ‫لإيديولوجيا الاصالة الابستمولوجية والأكسيولوجية‪ :‬كلاهما يمثل نظام الدعاة والاعلام‬ ‫الإيديولجي في فضائيات العرب‪.‬‬ ‫ومضمون خطابهما بين للجميع‪ :‬كلاهما مدار خطابه دعوة لرؤية إيديولوجية جوهرها‬ ‫الحرب على الثاني وتحميله علل الوضع العربي الراهن معتبرا نفسه صاحب الحل السحري‬ ‫المعتمد على قشور الأصالة عن التأصيلي وقشور الحداثة عند التحديثي بوصفه وسيطا‬ ‫روحيا ووصيا سياسيا على الأمة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويمكن القول إن الحرب الاهلية العربية الحالية بين الثورة والثورة المضادة أو بين \"فقراء‬ ‫العرب\" الذين بدأت عندهم ثورة الشباب و\"اغنياء العرب\" الذين بدأت عندهم الثورة‬ ‫المضادة تمثل بداية الخروج من هذه الظاهرة لما حصل من انفراط عقد الكاريكاتورين‬ ‫بتوزيع جديد‪.‬‬ ‫فالشعوب العربية انقسمت نخبها بين حكم بكاريكاتور الأصالة وحكم بكاريكاتور الحداثة‬ ‫وهو ما غطى على النخب التي تحاول التحرر من الكاريكاتورين فأصبحت المعركة ضمن‬ ‫الإصالة بين الكاريكاتور والسعي للتخلص منه وضمن الحداثة بين الكاريكاتور والسعي‬ ‫للتخلص منه‪.‬‬ ‫لكن السعي للتخلص من كاريكاتور الأصالة لا يمكن أن يكون بكاريكاتور الحداثة والتخلص‬ ‫من كاريكاتور الحداثة لا يمكن أن يكون بكاريكاتور الأصالة‪ .‬وكلاهما يدعي ذلك هدفه‬ ‫فتصبح الدعويان تأسيسا لحرب حول قشور التأصيل والتحديث‪ .‬لذلك فالثورة لم تفرز‬ ‫بعد المتخلصين من كاريكاتور الحداثة بأصالة متخلصة من كاريكاتورها‪ .‬والعكس في الثورة‬ ‫المضادة‪ :‬تلك أزمة الحرب الاهلية العربية‪.‬‬ ‫فالثورة أعطى الشعب قيادتها للحركات الإسلامية رغم علمه أنها ليست مستعدة لها لا من‬ ‫حيث المؤهلات الفنية ولا حتى من حيث المقومات الخلقية‪ .‬فهي ما زالت تعاني من كاريكاتور‬ ‫التأصيل وغلاته فيها وحولها يحاربونها أكثر من كاريكاتور الحداثة بل وهو السند الحقيقي‬ ‫لكاريكاتور الحداثة إما بقصد أو بغباء‪ .‬ما تم في مصر وما يجري في تونس علته هذه‬ ‫الظاهرة وهي عامة في كل البلاد التي عرفت الربيع العربي‪.‬‬ ‫والثورة المضادة في السعودية وفي الإمارات قائدتيها نجد كاريكاتور الحداثة يقدم على‬ ‫أنه سعي للتخلص من كاريكاتور الحداثة وفيه نفس الظاهرة بمعنى أن كاريكاتور التأصيل‬ ‫أو الجامية هي التي تؤيد الحرب على الإسلام باسم كاريكاتور الحداثة كما في مقارنة‬ ‫ليبرالي غبي صاحب المنشار بأتاتورك‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الحرب الأهلية العربية الحالية بين صف الثورة وصف الثورة المضادة هي إذن وفي آمن‬ ‫معركة الفرز بين الكاريكاتورين التحديثي والتأصيلي المتحالفين ضد الحرية والكرامة‬ ‫والوعي بضرورة التحديث المتحرر من الانحطاط المستورد والتأصيل المتحرر من الانحطاط‬ ‫الذاتي والشروع في تحقيق شروط الاستئناف الفعلي‪.‬‬ ‫والدليل القاطع على أنها تمثل البداية الفعلية لتحقيق شروط الاستئناف مضاعف‪:‬‬ ‫فالثورة المضادة أولا والثورة ثانيا وإن بالتدريج كلتاهما تجاوزت الحدود التي فرضها‬ ‫الاستعمار فصارت ظاهرة شاملة لكل بلاد العرب‪ .‬والشمول بدأ قلبيا بانتشار أفكار الثورة‬ ‫ثم صار فعليا برد فعل الثورة المضادة عليها‪.‬‬ ‫ومن ثم فالثورة والثورة المضادة كلتاهما تجاوزت الحدود القطرية ولم تعد تعترف بها‬ ‫لكأنها تحررت مما فرضه الاستعمار على بلاد العرب رغم أن الثانية من أدواته وصارت‬ ‫الأفعال والأقوال متجاوزة لحدود الأقطار وهو ما يمثل مرحلة اساسية في الاستئناف لأن ما‬ ‫كان مجرد أماني‪ -‬جامعة الأنظمة العربية‪-‬بدأ يصبح فعليا جامعة الشعوب العربية في حركة‬ ‫الشعوب ضد الأنظمة العربية وسياساتها في معركة الحرية والكرامة التي صارت حربا أهلية‬ ‫شاملة للإقليم كله‪.‬‬ ‫وما كان الحيز الجغرافي يصبح شاملا لو لم يكن الحيز التاريخي هو الذي عاد ليصبح محرك‬ ‫تجاوز الحدود القطرية التي حاولت الدول القطرية التي هي محميات استعمارية منذ‬ ‫إسقاط الخلافة وافقاد الأمة الوعي بوحدتها الحضارية بمحاولة خلق شرعية لكل محمية‬ ‫تفصلها عن الوحدة التاريخية‪ :‬وبذلك يتم إحياء وحدة الحيزين الجغرافي والتاريخي‪.‬‬ ‫واحياء وحدة الحيز التاريخي تستعيد فاعلية التراث بفاعلية وحدة الزمان الثقافي‬ ‫واحياء وحدة الحيز الجغرافي تستعيد فاعلية الثروة بفاعلية وحدة المكان الاقتصادي‬ ‫فيصبح الحل بالأحياز الأربعة ‪-‬الجغرافيا والاقتصاد والتاريخ والثقافة‪-‬بداية الحل‬ ‫المحقق لشروط التحديث الأصيل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والتحديث الأصيل هو الذي يعني جعل المستقبل على الأقل مساوي في الطموح للماضي‬ ‫بمعنى أن الأمة يصبح لها طموح الدور الكوني الذي يضاهي على الأقل دورها في نشأتها‬ ‫الأولى‪ .‬وهذا الموقف الوجودي هو الذي تمر به كل الأمم العظيمة التي تستأنف تاريخها‬ ‫بطموح حده الأدنى عظمة ماضيها‪.‬‬ ‫وهذه السنة شبه قانون كوني سواء بالنسبة إلى توحيد الشعوب التي تفتت (كما حدث في‬ ‫الغرب‪ :‬وحدة ألمانيا وإيطاليا أو في الشرق‪ :‬وحدة الصين والهند) أو إلى توحيد ما يتجاوز‬ ‫الدول القطرية كما في أوروبا حاليا‪ .‬وهذه الظاهرة تقتضي ما يشبه الحرب الاهلية‬ ‫بمستوييها القومي والمتجاوز للقومية‪.‬‬ ‫ويمكن الجزم دون مجازفة بأن العرب اليوم بل والإقليم يعيش مخاضا من هذا الجنس‪.‬‬ ‫وطبعا فهو مخاض يفيد في آن عكسه بمعنى أنه في صراع مع محاولات تسعى لتفتيت الأقطار‬ ‫والإقليم‪ .‬وبذلك أصل إلى الأمر الثاني‪ .‬فما يجري بين العرب اليوم يجري ليس لهم‬ ‫وحدهم بل هو موجه كذلك إلى الأقوام الذين كان لهم دور كبير في دولة الإسلام وخاصة‬ ‫موجبه لأن هذا الدور نوعان واحد لها وآخر عليها‪:‬‬ ‫• فالـموجب لها وهو دور بناة دولة الإسلام وهم أربعة أقوام‪ :‬العرب هم المؤسسون‬ ‫والأتراك هم المحافظون إلى بداية القرن الماضي وبينهم شعبان عظيمان كانا مسهمين في‬ ‫التأسيس والحفظ أعني الأكراد في المشرق والأمازيغ في المغرب‪.‬‬ ‫• والسالب عليها ويمثله من رفض تجاوز الشعوبية والطائفية وأهم هؤلاء كانوا من ذوي‬ ‫النزعة الباطنية التي يمثلها الغلو الشيعي وبقايا مقدمات هلا الدولة الفاطمية وبقاياها‬ ‫خاصة بعد أن انفرط عقدها لما قضى عليها صلاح الدين الأيوبي‪.‬‬ ‫وليس من شك في أن الكثير من الشعوب الأخرى أسهمت إيجابا في دولة الإسلام وفي حماية‬ ‫بيضته‪ .‬لكن دورها متأخر وهو تابع لدور الشعوب الأربعة التي ذكرت ويندرج ضمنه‬ ‫بمواصلته وتطويره‪ .‬كما أن الذين أسهموا في الحرب عليه من داخله كانوا تابعين‬ ‫للشعوبيات والطائفيات ولا زلنا نرى دورهم المحالف لكل أعداء الإسلام‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪41‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الديناميتان ظاهرتين عديمتي الدلالة في مسار السعي للاستئناف‪ .‬فأن يستعيد الشعب‬ ‫التركي‪ -‬وإن بالتدريج‪ -‬ذاته واعتزازه بحضارته الإسلامية ليس أمرا يمكن ألا يكون‬ ‫ملحوظا في أي محاولة لفهم دلالات تاريخ الأمة الراهن‪ .‬فقيادات الثورة والمهجرون لم‬ ‫يجدوا صدرا حنونا إلا في تركيا‪.‬‬ ‫ولا أعتقد أن منجزات شعب تركيا وتغلبه على المؤامرات التي يشيب لها الولدان وقدرته‬ ‫على التصدي لها بوحدة شعبية لا مثيل لها ومواقف شعوب الإقليم التي لم تعد تنطلي عليها‬ ‫أكاذيب الأنظمة العميلة ودور ذراعي الاستعمار في الإقليم ‪-‬إيران وإسرائيل ومن‬ ‫وراؤهما‪-‬من الأمور التي يستهان بها لفهم ارهاصات الاستئناف الذي لا مرد له بحول الله‬ ‫وعونه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪42‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪43‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook