المشروع لا ينسبه إلى نفسه بل إلى الله جل وعلا .وصحيح أن كل المؤمنين يعتقدون ذلك لأن القرآن لا يمكن ان يكون انتاج بشر أيا كان.لكن الله أعطى لمحمد شيئا آخر معه هو ما به صار القرآن روح أمة تتجاوز العرب لتجمعكل البشر بالقوة وبالتدريج الكثير منهم بالفعل لتحقيق الرسالة .والله نفسه قال ذلك فيالآيتين 105و 106من الإسراء :السنة التي هي تعليم الرسول القولي والفعلي نقلتالقرآن مما وراء التاريخ إلى التاريخ :فصار الحديث عن أحداث ماضي التجربة الإنسانية الروحية بمقتضى المتعالي حدثا يؤسس لمستقبل الإنسانية.فقد حددت الآيتان العلاقة بين القرآن والسنة التي هي قراءة القرآن على الناس علىمكث من بشير بثمرات الأفق القرآني الجديد ونذير من تحريفه .السنة هي إذن تعليمقولي وفعلي لبعدي القرآن الكريم :النقد الجذري للتحريفات التي عرفها تاريخ البشرية الروحي والبناء الجذري للإصلاحات الواجبة.وهذا المشروع احتاج إلى رجال نماذج لتعيين الأفق المتعالي في التاريخ فترجموه إلىحقيقة تاريخية واقعة :فحدد الصديق قلب جغرافيته وحدد الفاروق بداية تاريخه حددذو النورين وحدة مرجعيته وتمكن معاوية من حسم الحرب الأهلية أو الفتنة الكبرى فأسسبدايات دولته الفعلية .ذلك هو أفق التأصيل لكنه لن يحقق هدفه أو الاستئناف ما لميترجم بما يجعله محققا لمقتضى العصر فيكون نفس المشروع الذي ينمي فضائله ويزيده كونية.ولأعد الآن إلى الابداعين مقومي السيادة .فالقدرة المستقلة تكون تابعة لإرادةالجماعة ومعرفتها وحياتها ووجودها ومتبوعة منها إذا كانت تابعة .فقدرة العرب تابعة:اقتصادها وثقافتها ليسا تابعين لإرادة الأمة ولمعرفتها ولحياتها ولوجودها بل هي تابعة لغيرها إنها فساد واستبداد لخدمة حام.والحامي -رمز الاستضعاف والاستتباع-لأنه ذكي يوهم خدمه قوليا بأنهم أرباب دولةذات سيادة لكنه فعليا وبسبب حاجتهم لحمايته هو صاحب الحل والعقد .وحتى يضمن بقاء 50 46
الحال لا بد من منع كل إمكانية لبناء انتاج مادي (اقتصاد) ورمزي (ثقافة علمية وذوقية) تحقق شروط الاستقلال فيعمق التبعية.ومرة أخرى سآخذ مثالين من تونس ومصر .كيف ازدادت التبعية في الانتاجالمادي(الاقتصاد)وفي الإنتاج الرمزي (الثقافة)فصارت بنيوية يعسر التحرر منها. وصيرورتها بنيوية تعني أمرين:-1المجالات الهشة والخدمات الدنيا التي تخضع لشهوات السيد ورفاهية متقاعديه مثل السياسة الشعبية.-2وقتل شرط الانتاج المحقق للحماية (السلاح) والرعاية (الغذاء) :البحث العلميوحتى يتحقق ذلك لا بد من جعل الإرادة والمعرفة والحياة والوجود كلها تابعة لمن يستتبع المركز الذي هو الإبداعان المادي والرمزي شرطا السيادة.وهنا نفهم دور الافق التأصيلي :فاستتباع الإرادة والمعرفة والحياة والوجود يمر مباشرةبعوامل الفتنة بين البشر وهي تعود إلى هذه العناصر الأربعة .فخلافات الإرادة والمعرفةوالحياة والوجود يمكن جعلها متنافية مع العيش المشترك لتكوين جماعة قادرة على الإبداعين المادي والرمزي شرطي السيادة.من هنا كانت الفتن طائفية (الرؤى) أو حيوية (العنصرية) أو معرفية (العلوم) أوسياسية (الطبقية) وهي العوائق التي يحرمها الإسلام لتوحيد الأمة .لكن هذه الخلافاتالتي تصبح فتنا هي في الحقيقة نتيجة لسياسة ثمرات الانتاجين أو بصورة أدق لأثرهما على القسط من السلطة التي تعود إلى الثروة.ولهذه العلة فسياسة المال في الجماعة أو إنتاج الثروة وتوزيعها هما المحدد الرئيس للأفقالمساعد على بناء الجماعة القادرة أو الحائل دونه .سياسة الانتاج المادي والرمزي فيترجمته المالية التي هي اساس كل سلطة هي جوهر السياسة التي يقدم فيها أفق التأصيل رؤية يمكن أن تحرر البشر.ويمكن أن تحررهم من علل الفتنة الخمس :من الإرادة والمعرفة والقدرة والحياةوالوجود أي السياسة والعلم والاقتصاد والفن والرؤى الدينية والفلسفية .فتحرير البشر 50 47
من الطائفية والعنصرية والدغمائية والطبقية يتم بفضل العدل في سياسة الثروة التي هي اساس السلطة تحقق السلم في الجماعة وبين الجماعات.طبعا نحن نتحدث عن مثل الافق الذي يقول به التأصيلي وطبعا فالواقع يمكن أن يناقضالمثال حتى وإن كان لا يستطيع الغاء أثره .وإليك هذا المثال .فإذا آمنا بأن البشر اخوة(النساء )1وأنهم لا يتفاضلون إلا بالتقوى (الحجرات )13وكان أمر السلطة للجماعةتحسمه بالشورى أمكن تحقيق السلم .لذلك وضعت الآية 38من الشورى ادارة الشأن العام(السلطة) بيد الجماعة بين الشرطين الروحي (استجابوا لربهم) والمادي (أنفقوا من الرزق).رموز الانحطاطين بمعيار أصناف النخب (اثنان من كل صنف مطبق على كاريكاتوري التأصيل والتحديث) كافية لفهم الوضع في تونس وقس عليها بقية العرب. والقصد بالانحطاطين: ▪ انحطاط حضارتنا الذي أوصلنا إلى الاستعمار الغربي ▪ وانحطاط الحداثة التي صارت إيديولوجيا استعمار العالم ومنه دار الإسلام ورموز الأولى تدعي التأصيل بأخذ الانحطاط الذاتي نموذجا للانبعاث. ورموز الثانية تدعي التحديث بأخذ انحطاط الحداثة -الاستعمار -نموذجا للتحديث.لذلك فما يجري من صدام حضاري وراء ما يقدم على أنه تنافس سياسي سلمي وحربي في آن ليس إلا مهزلة الحرب بين كاريكاتورين من الأصالة والحداثة. والنخب تنقسم إلى خمسة أصناف: .1نخبة الإرادة أو الساسة .2ونخبة المعرفة أو العلماء .3ونخبة القدرة أو الاقتصاديون .4ونخبة الحياة أو الفنانون 50 48
.5ونخبة الوجود للرؤى.وما أظن أحدا بحاجة لضرب أمثلة من نخب الانحطاط الذاتي فهم من عاد بالحضارة الإسلامية إلى الجاهلية متصورا أنها متعينة في قيمها بعد الانحطاط.فهؤلاء هم أداة الانظمة العميلة التي حولت دار الإسلام إلى محميات غربية تبرر الانحطاط باسم الإسلام البريء مما أدى إليه من نكوص إلى الجاهلية. ما يحتاج إلى تمثيل هو رموز النخب الثانية التي تدعي التحديث:فمن ساستها مليشيات علمائها واقتصادييها وفنانيها وأصحاب الرؤى فيها خدمة لسيدها؟وهم يشتركون في خاصية هي مفارقة ثابتة تتمثل في ادعاء أنهم هم أصل ثورة الشباب في تونس لكنهم حلفاء كل أعدائها في تونس وفي اقطار العرب الاخرى.فهم من صف السيسي وبشار وصالح والحوثي وإيران ويبحثون عمن يؤدي دورهم في تونس لكنهم يستمدون أوراق التوت من ادعاء أبوة الثورة ومعاداة التطبيع.ورغم كفاية هذه الخاصية لبيان من أقصد بنخبة الحداثة الكاريكاتورية لكن لا بد من أمثلة معينة من أصنافهم الـخمسة بعد عودتي إن شاء الله من السفر.ولأساعد القاري ليضرب أمثلة بنفسه :فهم يحالفون اهل الفتنة الكبرى (الملالي) وأهل الفتنة الصغرى (الانظمة العسكرية) ويمولهم الجامع بين الفتنتين.والجامع بين الفتنتين هما نوعا الانظمة العربية العسكرية والقبلية التي تخشى الحداثة والأصالة المستقلتين وتقبلان على الكاريكاتورين منهما.القارئ مهما كان خالي الذهن من خلفيات الوضعية يمكنه بالجمع بين هذين الخاصيتين أن يشير بالإصبع للمقصودين فهما تعريف بالوصف الدال على الاسم.ولأوضح :يتكلمون على القرآن بعلم زائف وعلى الفن بأسقط عباراته وعلى الاقتصاد بالتهريب وعلى المعرفة بالإيديولوجيا وعلى الإرادة بالعمالة .يكفي؟كنت أنوي تقديم شهادة حية على مآل السلك الجامعي .لكني عدلت فما يجري مغن أكثر. 50 49
لم يعد من حل إلا الصمت .إذا كانت رأس القرطلة خامج فلا فائدة من الكلام .وأنا أطبق رأس القرطلة على أصناف النخب الخمسة التي أعرف بها قيام الأمم. ولست أحجم عن مواصلة هذه التغريدات عن الشهادة هروبا من المعركة. فما حصل في حياتي أن هربت من الواجب.وكل الزملاء في الجامعة بينت لهم الأحداث أنهم عاندوا دون فائدة .فالفكر ليس موضة بل هو منهجية معرفية والتزام خلقي .وهذان أبعد شيء عن الموضة. فلماذا أحجم اذن؟الاحجام عن مواصلة الكلام على أدعياء الحداثة ودعاواهم حب الوطن لتعليل حربهم على من يسمونهم بالظلاميين :حادثة القروي كافية.فمن يصدق أن ابا فقد ابنه الوحيد يمكن أن يستغل اسمه بعدوى عمل الخير فيحوله إلى رأسمال تجاري يردده كل ليلية وكأنه من الزهاد بإخراج مفضوح؟وأما التخلي عن الشهادة فعلته أني بت واثقا بأنه لا أحد يمكن أن يصدق أحدا في شهادته :فالحقيقة هي آخر شيء يقبل التصديق في بلاد كل شيء فيها مزيف.ولما كنت مازلت \"على نياتي\" فإن الحل الوحيد هو الا أواصل المشاركة في هذه اللعبة بوجهيها اللذين أتخلى عنهما فال ّصغار علاجه الوحيد الاحتقار. 50 50
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search