Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore السرمدي والتاريخي في استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية - أبو يعرب المرزوقي

السرمدي والتاريخي في استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2022-06-22 15:42:38

Description: السرمدي والتاريخي في استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫––‬ ‫والمعنى العام هو ما يمكن بنقد التصديق والهيمنة يبين ال كوني في عناصر الرسالة‬ ‫الفاتحة والخاتمة أي المشترك بين الديني والفلسفي أي تحرير الإنسان من حيث هو‬ ‫إنسان ضد العبودية عامة وليس ضد عبودية بني إسرائيل‪ .‬فيكون الإصلاح المحمدي‬ ‫كما تبين لاحقا في القرآن هو تحرير الإنسانيةكلها من الطغيانين طغيان الطبيعة وطغيان‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فإن الثورتين ثورة نوح وثورة مسى كلتاهما لم تحقق الهدف ال كوني رغم‬ ‫أن ما جاء فيهما من إشارة إلى الشرط لبلوغ تلك الغاية هو الانتقال من خصوصية‬ ‫الرحم إلى كونيته ومن القبيلة على الإنسانية فإن دلالة التقنية والزرعة عامة في رسالة‬ ‫نوح ودلالة الهجرة والتحرر من السحر عامة لم تتضح في الفهم حينها‬ ‫وكان لا بد من وجود التحرير الابراهيمي لتتبين الدلالة ال كونية للتحرر من‬ ‫الميثولوجيا الطبعانية ومن وجود التحرير المحمدي لتتبين الدلالة ال كونية للتحرر من‬ ‫الميثولوجيا الانثنوغرافية‪.‬‬ ‫ل كن الجمع بين التحريرين يعني اكتشاف العلل التي تتوسط بين التحريرين في معناهما‬ ‫الذي لم ير الدلالتين المحررتين وهي موضوع الرسالة الخمسة المتوسطة بين نوح وموسى‪:‬‬ ‫فرسالة هود كان موضوعها طغيان المسيطرين على مفسدي توز يع مصدر الحياة‬ ‫الأول أي توز يع الثروة‪ :‬فالمستحوذون على الثروة يحولون دون العدل لانهم يعتبرون‬ ‫الفقراء عبيدا وسفهاء‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫––‬ ‫ورسالة صالح كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الثاني أي مفسدي‬ ‫توز يع الماء وقد اختارت الآية رمزا لما يبلغه الحرمان الذي لم يكن مقصورا على البشر‬ ‫وحدهم بل الحيوانات واختيرت اكثرها صبرا على الحرمان منه أي الناقة‪.‬‬ ‫ورسالة لوط كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الثالث أي مفسدي‬ ‫عدل التواصل أي الجنس لأن اللواط لا يبقي من الجنس إلا اللذة دون وظيفة‬ ‫التكاثر ما يعني أنه افساد للتواصل بمعنيين بين الجنسين أولا ثم بين الأجيال ثانيا‪.‬‬ ‫ورسالة شعيب كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الرابع أي‬ ‫مفسدي عدل التعاوض أي الكيل والميزان‪ .‬فالرسالة تذكر بالمطففين وأدوات‬ ‫التطفيف التي هي منه علامات الغش والخداع في التعاوض الذي يقتضيه التعاون‬ ‫والتبادل الذي يترتب على توز يع العمل‪.‬‬ ‫ويتوسط بين الأولين هود وصالح والأخيرين لوط وشعيب المبدأ المحرر الأول الذي‬ ‫مثلته رسالة إبراهيم الأول‪ .‬ل كن اكتشاف الدلالة ال كونية للتحرير الأول وقيس‬ ‫التحرير الثاني عليه لإضفاء ال كونية عليه هو إبراهيم الثاني أي محمد المخاطب في‬ ‫بالرسالة الأولى والأخيرة‪.‬‬ ‫فإذا جمعنا التحريرين في صورتهما غير الواعية بالبعد التحريري وأدواته العلمية‬ ‫والتقنية عند نوح والعملية والسياسية عند موسى وصعدنا إلى تأو يلهما الواعي في ما‬ ‫يمثل أداة التحرر من الطغيان الطبيعي والتاريخي في صورتهما الواعية عند إبراهيم‬ ‫ومحمد وجدنا‪:‬‬ ‫‪98‬‬

‫––‬ ‫الإحالة القرآنية إلى الخلق بنموذج ر ياضي وهو الذي يمكن بالر ياضيات الكلية من‬ ‫معرفة قوانين الطبيعة لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض‬ ‫والاحالة القرآنية على الأمر بنموذج سياسي وهو الذي يمكن من السياسيات الكلية‬ ‫من معرفة سنن التاريخ لتحقيق شروط الاستخلاف في الأرض‪.‬‬ ‫والتحرر من طغيان الطبيعة ومن طغيان الذي يكون بالعلم وتطبيقاته أي بالر ياضيات‬ ‫الكلية أداة للتعامل مع الطبيعة في الاستعمار في الأرض و يكون بالعمل وتطبيقاته‬ ‫أي بالسياسيات الكلية أداة للتعامل مع التاريخ في الاستخلاف في الأرض هما لب‬ ‫الرسالة الفاتحة والخاتمةكما يصفها القرآن‪:‬‬ ‫وقد لخصتها في المعادلة الوجودية التي هي عين الآية الثالثة والخمسين من فصلت كما‬ ‫شرحتها بالهرم الذي له قاعدة مربعة يخرج منها‪:‬‬ ‫بعدا الآفاق أي الطبيعة مجال الاستعمار في الأرض والتاريخ مجال الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫وبعدا الإنسان أي كيانه العضوي المتصل بالطبيعة وكيانه اللاعضوي المتصل بالتاريخ‪.‬‬ ‫وسنام الهرم هو ما بعد هذه الابعاد الأربعة وموحدها سواء كان مفارقا أو محايثا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وقد تقدمت فصلا مباشرة على الشورى التي تحدد آيتها الآية الثامنة والثلاثون طبيعة‬ ‫النظام السياسي وأسلوب الحكم ذي المرجعية الروحية الاستجابة للرب وذي الغاية‬ ‫التي تعالج كل أسباب الخلافات بين البشر أي الانفاق من الرزق‪.‬‬ ‫‪99‬‬

‫––‬ ‫وكلتاهما من الحواميم التي كما بينت في الفصل السابق تتعلق بدلالات الحياة والموت‬ ‫حدين للإنسان في عالمه الشاهد وفي عالمه الغيبي‪ .‬فتكون نسبتهما إلى الطبيعي هي حياة‬ ‫الدنيا المتناهية ونسبتها إلى غيب الطبيعة والتاريخ هي حياة الآخرة اللامتناهية‬ ‫وتكون الأولى موضوع النظر بالعلم ومثاله المشير إلى السرمدي في ما وراء عالم‬ ‫الشهادة أساس تطبيق الر ياضيات الكلية على التجربة الطبيعية أداة الاستعمار في‬ ‫الأرض وأساس تطبيق السياسيات الكلية على التجربة التاريخية أداة للاستخلاف‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫لذلك فسورة هود تضع بين الثورتين التحريريتين من طغيان الطبيعة ومن طغيان‬ ‫التاريخ متضمنة لعلل فشل الاستعمار في الأرض بسبب فساد سياسة الثروة والماء‬ ‫وفشل الاستخلاف في الأرض بسبب فساد سياسة الجنس والتعاوض‪.‬‬ ‫والعلاج هو الوصل بالماوراء ممثلا بثورة إبراهيم لأنه يصل الطبيعة والتاريخ وكيان‬ ‫الإنسان العضوي وكيانه اللاعضوي بالرب السرمدي الذي لا يأفل‪.‬‬ ‫ل كن ذلك كله لا يصبح رسالة واعية بالاستراتيجية القرآنية لتوحيد الإنسانية‬ ‫بالسياسة ال كونية التي تحقق هذه الثورات الوسيطة بين نوح وموسى بعد أن تصبح‬ ‫خطة لتحرير الثروة والماء والجنس والعدل في التعاوض من الاستبدادين بالعلم‬ ‫وتطبيقاته لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض وبالعمل وتطبيقاته لتحقيق شروط‬ ‫الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫––‬ ‫وذلك هو مضمون الرسالة الفاتحة والخاتمة مضمونها الذي هو لب القرآن ولحمته‬ ‫وسداه ولسوء الحظ فذلك ما أضافه فلاسفة الإسلام ل كونهم صاروا عبيدا لميثولوجيا‬ ‫‪ 12‬من الميتافيز يقا وعلماء الدين ل كونهم صاروا عبيدا لميثولوجيا التوراة‪.‬‬ ‫فالأولى حالت دونهم وفهم فصلت ‪ 53‬والشورى ‪ 38‬والعصر والبقرة ‪ 256‬والمائدة‬ ‫‪ 48‬وملخصها كلها في عرض هود لاستراتيجية تحقيق الثورتين في التاريخ الفعلي‪.‬‬ ‫وما حيل دون فهمه هو العلاج فيها وليس الظاهرة المعالجة‪ .‬فالحل الذي قدمه نوح‬ ‫والذي قدمه موسى هو جوهر القصة وليس الداء الذي عالجه‪:‬‬ ‫فلا الأول أوقف الطوفان بل نجا بعض الإنسانية منه بالسفينة والزراعة والتحرر من‬ ‫إيلاء الأهل عناية خاصة دون الجميع‪.‬‬ ‫ولا الثاني أوقف الطغيان السياسي بل نجا بعض الإنسانية من العبودية بالهجرة‬ ‫ومقاومة السحر الذي هو اعلام فرعون الفاسد‪.‬‬ ‫ومحمد تجاوز الحلين الظرفيين الخاصين بجماعة معينة في التاريخ إلى تطبيقهما بأقصى‬ ‫مداهما ال كوني بجعل الحلين كونيين ووضع نظر ية في النظر وتطبيقاته لعلاج العلاقة‬ ‫بالطبيعة والعمل وتطبيقاته لعلاج العلاقة بالشر يعة‪.‬‬ ‫وتلك هي الدولة ال كونية التي سعى إليها الإسلام والتي هي مستقبل الإنسانية وهي‬ ‫الهدف المشترك بين الفكرين الديني والفلسفي‪ .‬وذلك هو ما اعنيه باستراتيجية القرآن‬ ‫التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية عنوانا لقراءتي القرآن قراءة نسقية تبين بنيته‬ ‫العميقة التي ذهل عنها كل المفسرين‪.‬‬ ‫‪101‬‬

‫––‬ ‫– الفصل العاشر –‬ ‫تونس في ‪22.05.17‬‬ ‫الفصل الأخير أخصصه لما يحول دون دور المعادلة الوجودية وعملها أي بما‬ ‫يوطد نسيانها الناتج عن عدم الوصل بين الآفاق والأنفس وبينها وبين ما يتعالى‬ ‫على بعديهما كليهما فتسيطر الآفاق أي الطبيعة والتاريخ والأنفس أي الكيان‬ ‫العضوي والكيان الروحي أو اللاعضوي من الإنسان فلا يرى الإنسان آيات‬ ‫الله فيها‪.‬‬ ‫فيفقد من ثم كل علاقة بالمتعالي ولا تتبين له حقيقة القرآن‪ .‬وسنرى أن‬ ‫العلة هي تحر يف ثورة نوح وثورة موسى وما يتوسط بينهما من الرسالات‬ ‫وخاصة محاولة إبراهيم الأول وإبراهيم الثاني التذكير بالعلاج دون جدوى‪.‬‬ ‫لذلك فسأبدأ هذا الفصل الأخير بملاحظة هي عين خاتمة الفصل السابق‬ ‫ول كن من منطلق آخر اشرت إليه لما قابلت بين روايتين لقصة يوسف في‬ ‫التوراة المحرفة وقصة يوسف في القرآن الذي يصلح التحر يف بالتصديق‬ ‫والهيمنة‪ .‬فهو يصدق وجود يوسف والقصية ول كن ببان ما آل إليها تحر يفها‬ ‫وهو ما جعل الإصلاح القرآني يقلب دلالتها قلبا تاما إد يبين أن تحر يفها‬ ‫التوراتي هو آل بها إلى تحر يف اخطر هو تأسيس دين العجل الدي صار بديلا‬ ‫‪102‬‬

‫––‬ ‫من ثورة موسى فعم الاستبداد الفرعوني باستعمال أداتيه صراحة لاستعباد‬ ‫كل البشر لتحقيق ايديولوجية شعب الله المختار المسيطر على العالم بنوعي الربا‪:‬‬ ‫فمعدن العجل هو استعباد البشر بأداة التبادل التي صارت سلطانا على‬ ‫المتبادلين وهو معنى ربا الأموال ورمزه العملة التي تحولت إلى معدن العجل‪.‬‬ ‫وخوار العجل هو استعباد البشر بأداة التواصل التي صارت سلطانا على‬ ‫المتواصلين وهو معنى ربا الأقوال ورمزه الكلمة التي تحولت إلى خوار العجل‪.‬‬ ‫وهما أداتا النظام الأبيسيوقراطي الفرعوني الدي يستعبد بصورة كونية كل‬ ‫البشر بدلا من تحريرهم‪ .‬لذلك فلا بد من فهم قصة يوسف كما وردت في‬ ‫التحر يف التوراتي (السامري) حتى نفهم ما حصل في النقد القرآني‬ ‫للتحر يف وهي من السور التي تبدأ ب \"الر\" وتعني دور الرب الرقيب مثل كل‬ ‫السور التي تبدأ بها كما بينت ومنها هود التي شرحت علاقتها بالثورتين‬ ‫وتجاوزهما إلى ال كونية‪.‬‬ ‫ذلك أن المنزلة التي صارت ليهود مصر الذين حررهم موسى لم تكن مختلفة‬ ‫عن منزلة بقية المصر يين إذا صدقنا تطبيق فرعون لنصيحة يوسف كما ورد في‬ ‫الرواية التوراتية‪ .‬فإذا اخذنا الرواية القرآنية وقد روت أحداثا سابقة على رسالة‬ ‫موسى فهي تعتبر دحضا لرواية التوراة المحرفة في حالتي يوسف وموسى‪ .‬ومن‬ ‫‪103‬‬

‫––‬ ‫ثم فلا يمكن أن تكون رسالة موسى المحررة من العبودية مقصورة على اليهود‬ ‫لأن طغيان فرعون كان شاملا لكل المصر يين وليس مقصورا عليهم‪ .‬فلا‬ ‫أر يكم إلا ما أرى لم يقلها فرعون لليهود بل قالها لممثلي المصر يين كلهم في‬ ‫بلاطه‪.‬‬ ‫ومن ثم فتأو يل التحرير الموسوي القرآني يتعدى حصره في بني إسرائيل‬ ‫الناتج عن التحر يف ويشمل كل المصر يين الذين استخف بهم فرعون وسحرته‪.‬‬ ‫وال أمر لا يختلف عما يجري دائما‪ .‬فلكل الطغاة سحرتهم يسيطرون بهم روحيا‬ ‫على الشعوب بربا الأموال ماديا يسيطرون به على النخب وطبعا بوصفهم‬ ‫أدوات تساعد على السيطرة على الشعوب‪.‬‬ ‫والنخب التي تؤدي وظيفة تز يين الاستعباد الروحي هم السحرة والظاهرة‬ ‫كونية ل كنها اليوم صارت ممثلة بمن نراهم حولنا ولا نكتفي بقصتهم في‬ ‫ال كتب السماو ية‪ :‬فالمرتزقة من النخب التابعة من المثقفين والأكاديميين‬ ‫والإعلاميين يزينون الباطل ويزيدون الطغيان غلوا لأنهم يحولون بالتزييف‬ ‫الرذائل إلى فضائل وذلك هو ربا الأقوال‪.‬‬ ‫وكلنا يعلم أن القرآن لم يذكر حكمين هما الأشد بعد الشرك هما ربا الأموال‬ ‫الذي يحول أداة التبادل إلى سلطان على المتبادلين وربا الأقوال الذي يحول‬ ‫‪104‬‬

‫––‬ ‫أداة التواصل إلى سلطان على المتواصلين‪ .‬فالشرك يقدم عليهما لأنه أصلهما‪.‬‬ ‫وأصل دور أولهما في الثاني ودور ثانيهما في الأول‪ .‬ففساد النخب علته‬ ‫أصحاب الربا الأول وتبرير فساد الحكام علته أصحاب الربا الثاني‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة فالشرق ليس هو شيئا آخر غير المعنى العميق لهذين الدورين‪.‬‬ ‫فالحكام المتألهون ‪-‬مثل فرعون‪-‬هم المقصود بالشرك وما الأوثان إلا رموزهم‬ ‫ورموز النخب الخادمة لهم‪ .‬فالأوثان هي صور ملوكهم وصور أولياؤهم‬ ‫المزعومين صالحين وكلاهما متأله أحدهما بالسلطان على ربا الأول والثاني على‬ ‫ربا الاقوال‪.‬‬ ‫والآية ‪ 256‬من البقرة حددت شرط الإيمان وعلامته‪ .‬فأما شرطه فهو تبين‬ ‫الرشد من الغي تبينا شخصيا ما يعني حر ية المعتقد والتعدد (المائدة ‪ )48‬ليكون‬ ‫الإيمان خيارا وليس اضطرار‪ .‬وأما علامته فهي ال كفر بالطاغوت أي بالملوك‬ ‫المستبدين ورمزهم فرعون‪ .‬سورة آل عمران تبين أن التحر يف علته الحلف‬ ‫بين الحكام ورجال الدين الذين يحرفون الكلم عن مواقعه‪.‬‬ ‫وذلك هو دور مؤسسات الوساطة الروحية سواء كانت دينية مثل الكنائس‬ ‫أو لا دينية مثل الأحزاب الماركسية المسيطرة على الأفكار ومؤسسات‬ ‫‪105‬‬

‫––‬ ‫الوصاية السياسية التي كانت حكما بالحق الإلهي وصارت حكما بالتسلط المالي‬ ‫المعتمد على التزييف الإعلامي والترهيب المسلح‪.‬‬ ‫وقد سبق أن تكلمت على الإعلام وبينت بصورة نسقية كل أصنافه بحسب‬ ‫الوظيفة التي يؤديها والدافع الذي يجعله ملازما للإنسان حتى في غياب‬ ‫الوظيفة المحددة لأنه يتعلق الحاجة الدائمة للخروج من الذات والاستعلام حول‬ ‫كل شيء وفيه شيء من الهروب من الذات ونسيان ما فيها من \"ثقب اسود\"‬ ‫لا يطاق‪:‬‬ ‫• فهو الاشهار في التجارة‬ ‫• وهو الدعاية في السياسة‬ ‫• وهو الاعلام العلمي في البحث العلمي‬ ‫• وهو الاعلام الاستعلامي في المخابرات‬ ‫• وهو أخيرا حب الاستعلام حول كل شيء غريزة إنسانية‬ ‫والأخير هو الأصل دون تحديد لوظيفة نافعة عدى الخروج من الذات‬ ‫والاستخبار حول كل شيء لملء الوقت الذي لا يطاق من دون تله عنه باي‬ ‫شيء في حياة الإنسان إذ من دونه محرفا إلى تله دائم يكون الإنسان أمام‬ ‫المجهول المطلق والغيب المطلق حتى لو كان مؤمنا ناهيك عمن لا يؤمن فيكون‬ ‫‪106‬‬

‫––‬ ‫مخيرا بين الهروب من ذاته أو الاستسلام للفاتاليسم أو للقضاء والقدر‪ .‬وهو في‬ ‫كل الحالات من دون الهروب واللهو مخدرين وجوديين يكون وجها لوجه مع‬ ‫الموت إذ كل لحظة تمر هي حث السير نحو القبر‪.‬‬ ‫فكيف يمكن التحرر من تحر يف الإعلام بأصنافه الخمسة؟ فيكون كاذبا في‬ ‫الأربعة الأولى وتلك وظيفة النخب وهو ربا الاقوال الذي يعتبره الرب في‬ ‫القرآن أشد ما يمقته وهو في الغالب ناتج عن ربا الأموال الذي يحاربه الرب‬ ‫حربا صريحة‪ .‬وما أريده خاتمة لهذه المحاولة يمكن تقسيمه إلى ثلاث مسائل‪:‬‬ ‫الأولى هي كيف استطاع الغرب علاج هذا الداء مع الإدمان على‬ ‫استعماله خاصة في المستعمرات والتقليل من ضرره عنده بآلية التعددية التي‬ ‫تكون حصيلتها ممكنة من الحد من الضرر الذي يحصل في المستعمرات حيث‬ ‫يحولون دون التعددية الفعلية حتى بالديموقراطية الزائفة‪.‬‬ ‫الثانية هي لماذا لم يستطع المسلمون استعمال نفس العلاج وكيف يمكن أن‬ ‫يفرضوا على الأقل نفس الحل بما يقتضيه من شروط الاستقلال الفعلي من‬ ‫هيمنة العملاء من النخب والحكام بحيث إن تحرير الأوطان صار ضرورة‬ ‫وشرطه استعادة وحدة الاحياز الخمسة‪.‬‬ ‫‪107‬‬

‫––‬ ‫والثالثة هي هل يمكن تصور حلا آخر غير هذين اللذين يفعلان بتفاعلهما في‬ ‫الاتجاهين ما يجعل ضررهما ال كثير عندنا والقليل عندهم علتهما التبعية التي‬ ‫تحول دون تطبيق الحل القرآني الذي هو علاج لهذين التفاعلين كما يتبين من‬ ‫نظر ية ابن خلدون في علاقة وظائف الدولة من حيث هي قوامة نيابية‬ ‫بوظائف المجتمع المدني من حيث هو صاحب الأمر ومراقب القوامة‪.‬‬ ‫والحل الذي يقدمه الإسلام هو محاولة رد الإعلام كله بالأصناف التي‬ ‫دكرت إلى معايير سورة العصر الخمسة‪ .‬فحقيقته في التواصل انعكاس لحقيقته‬ ‫في التبادل خبرا عنه وحقيقته في التبادل انعكاس لحقيقته في التواصل تصديقا‬ ‫لوعده‪ .‬فيكون عين التعاكس بين التبادل والتواصل أي بين البشر من حيث‬ ‫علاقتهم بالاستعمار في الأرض ومن حيث علاقتهم بالاستخلاف‪.‬‬ ‫وهو معنى كونه خضوع الاعلام التابع الملازم للبحث العلمي شرطا في‬ ‫الرعاية التكوينية والتموينية والملازم للاستعلام السياسي شرطا في الحماية‬ ‫الداخلية والخارجية أن يكون صورة من الإيمان والعمل الصالح فرديا‬ ‫والتواصي بالحق والتواصي بالصبر جماعيا أي شرطي نظر ية النظر وتطبيقاتها‬ ‫وشروط حماية دوره في ثمرة الاستعمار في الأرض أي الثروة وشروط حمايتها‪.‬‬ ‫‪108‬‬

‫––‬ ‫ورمز الحل الأول عرفه ابن خلدون بقانونين‪ :‬وربط الحل الأول بنظر ية‬ ‫العمل وتطبيقاتها وشروط حماية دوره في ثمرة الاستخلاف في الأرض أي‬ ‫التراث وشروط حمايته‪ .‬ولا يتم ذلك من دون منع سيطرة الدولة على‬ ‫الاقتصاد ومنعها من تجاوز سهم المؤمنين في مالية الدولة المحدد شرعيا ومنعها‬ ‫من التحكم في الموازين والمكاييل ومعيار المعايير في التبادل والتعاوض أي‬ ‫العملة‪.‬‬ ‫ورمز الحل الثاني عرفه ابن خلدون بقانونين‪ :‬منع سلطة الدولة من السيطرة‬ ‫على التراث العلمي والعملي وتطبيقاتهما ومنعها من التحكم في الكلمة وشروط‬ ‫التواصل وذلك بالتر بية وبالحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقانون‬ ‫\"ساحة الحوار العام وحر ية الاعلام\"‪.‬‬ ‫ومثلما أن الحل الثاني يخضع شروط التعاوض لشروط التواصل ويحرر‬ ‫العملة من سلطان الدولة التنفيذي بالبنك المركزي وقانون سوق الثروة وحر ية‬ ‫المل كية وعدل التعاوض فكذلك ينبغي أن يحرر الكلمة من سلطان الدولة‬ ‫التنفيذي بما يشبه البنك المرزي وقانون سوق التراث وحر ية الفكر وصدق‬ ‫التواصل‪.‬‬ ‫‪109‬‬

‫––‬ ‫والأول يحكمه العدل في التعاوض والثاني يحكمه الصدق في التفاهم‪ .‬فيكون‬ ‫للتواصل ما للتبادل من موازين ومكاييل تحول دون الغش والخداع فيهما‪.‬‬ ‫وكلاهما يكون تحت رعاية التربية التي تحقق شروط ال كفاءة المهنية ضد الغش‬ ‫والنزاهة الخلقية التي تحول دون اللجوء إليه والحسبة بالوازع الذاتي الداخلي‬ ‫والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل الوازع الأجنبي أو الخارجي‪.‬‬ ‫والقضاء هو الحاسم وكلاهما تابع للخلافة وليس للسلطة في نظر ية الدولة التي‬ ‫يدافع عنها ابن خلدون وهي كانت أمرا واقعا مؤسسيا ل كن الخلافة نفسها‬ ‫صارت تابعة للسلطة لما فقدت شوكتها وشرعيتها فصارت ما يتبعها اسميا لأنه‬ ‫يستتبع معها‪ .‬وفي الحقيقة فإن القضاء هو السلطة الأعلى سواء في أنظمة‬ ‫الشعوب الحرة أو في أنظمة العشوب المضطرة‪.‬‬ ‫ففي الحالة الأولى يكون سلطانه مطبقا للقانون العادل‪.‬‬ ‫وفي الحالة الثانية يكون سلطانا مطلقا للقانون الجائر‪.‬‬ ‫لان وظيفته يحتاج إليها كلا النوعين من الأنظمة إذ حتى الباطل بحاجة‬ ‫لظاهر الشرعية القانونية وهو من جنس حاجة الإنسان للنفاق‪ :‬فالكاذب‬ ‫يحتاج إلى التصديق فيتظاهر بالصدق وذلك يصح على كل القيم فهي الغطاء‬ ‫‪110‬‬

‫––‬ ‫الذي يحتاج إليه الصادق والكاذب والخير والشرير والقبيح والحسن والقبيح‬ ‫عامة فالدميم يتجمل ويتمكيج ليبدو جميلا‪.‬‬ ‫الأول له علاقة بربا الأموال وكيف يتم علاجه بشكليه‪:‬‬ ‫الأول هو الربا بالمعنى التقليدي أي تحو يل العملة من أداة تبادل إلى سلطة‬ ‫على المتبادلين إما مباشرة بالربا أو بسياسة الأسعار والتلاعب بالعملة وبالتدخل‬ ‫في الخدمات والقاعدة الأساسية‪.‬‬ ‫والثاني هو الربا المتخفي في التعامل مع العملة ومع العدل في التعاوض سواء‬ ‫بين المواطنين أو بين الدولة وموظيفها في تحديد سلم الأجور بحسب مستو يات‬ ‫الحاجة إلى الأجراء وكفاءاتهم‪.‬‬ ‫والثاني له علاقة بربا الأقوال كيف يتم علاجه بشكليه‪:‬‬ ‫الأول هو الدعاية السياسة وهو ربا الأقوال بالمعنى التقليدي أي توظيف‬ ‫الكلمة للترويج للحكام بما لا يطبق الحقيقة وبما يعسر تصديق صاحبه إذ قلما‬ ‫يحقق الحكام وعودهم (ال كذب السياسي)‪.‬‬ ‫والثاني هو الاشهار التجاري أي توظيف الكلمة للترويج للبضاعة والخدمة بما‬ ‫لا يطابق الحقيقة (ال كذب التجاري والمعلوم أن ابن خلدون خصص ال كثير‬ ‫للكلام على اخلاق التجار)‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫––‬ ‫وعلاج ربا الأموال أيسر من علاج ربا الأقوال‪ .‬فكيف يتم علاج الثاني‬ ‫بشكليه ولماذا هو أعسر وهل يوجد علاج أفضل من علاج الأول‪ .‬لا اعتقد‬ ‫أنه يوجد حاليا لأنه قد يتحول إلى مراقبة للضمائر‪ .‬لذلك فلا بد من استيحاء‬ ‫علاج ربا الأموال لعلاجه والتعامل معهما بنفس الأسلوب‪ .‬فشكل نوعي‬ ‫الربا واحد في الحالتين سواء كان بالمعنى التقليدي في الدعاية أو بالمعنى‬ ‫التجاري في الاشهار وأساسهما التزييف وال كذب‪.‬‬ ‫فهو في الحالتين تحو يل الكلمة من أداة تواصل إلى سلطة على المتواصلين‬ ‫لتمرير الخداع‪ .‬وهو من ثم أداة سياسية فتاكة سرها في تزييف الحقيقة في‬ ‫التواصل مثل سر ربا الأموال في تزييف العملة في التبادل‪ .‬ذلك أن التواصل‬ ‫السياسي والتواصل التجاري كلاهما يقدم على أنه اطلاع المخاطب على الحقيقة‬ ‫حتى يختار على بينة وعلم‪ .‬فيكون جوهر العملية هادفا إلى عكس الغاية‪ :‬الغاية‬ ‫الاطلاع على الحقيقة والحاصل هو استبدالها بما يبدو حقيقة حتى تتم المغالطة‪.‬‬ ‫ل كن الخداع لا يكون مؤثرا إلا إذا بدا قابلا للتصديق‪ .‬فهو إذن بحاجة إلى‬ ‫نوع من المصداقية التي تخلط بالخداع حتى يحافظ على شيء من المصداقية‪.‬‬ ‫وهو ما يؤدي في الغاية إلى أن الصادقين لن يصدقهم أحد‪ .‬وبهذا المعنى‬ ‫‪112‬‬

‫––‬ ‫فالمصداقية تخضع لمنطق التجار الفاسدين وهو يعمل بمبدإ يقوله التجار بالعامية‬ ‫\"يمشي الجافل ويجي الغافل\"‪.‬‬ ‫فيجمد كل شيء في النهاية بمبدأ عامي ثان يقوله المواطن‪\" :‬خلي المشوم لا‬ ‫يجيك ما أشوم\" او \"اللي تعرفه خير من اللي ما تعرفاهش\"‪ .‬ولذلك فغالبا ما‬ ‫يكون المعارضين أكثر كذبا من الحكام‪ .‬فالحكام يحاولون المحافظة على شيء‬ ‫من المصداقية لأن يخافون من تكذيب الوقائع‪ .‬ل كن المعارضين يعلمون أن‬ ‫الوعود من نوع \"قيد على زرزح\"‪.‬‬ ‫‪113‬‬

–– 114