–– والمعنى العام هو ما يمكن بنقد التصديق والهيمنة يبين ال كوني في عناصر الرسالة الفاتحة والخاتمة أي المشترك بين الديني والفلسفي أي تحرير الإنسان من حيث هو إنسان ضد العبودية عامة وليس ضد عبودية بني إسرائيل .فيكون الإصلاح المحمدي كما تبين لاحقا في القرآن هو تحرير الإنسانيةكلها من الطغيانين طغيان الطبيعة وطغيان التاريخ. وبهذا المعنى فإن الثورتين ثورة نوح وثورة مسى كلتاهما لم تحقق الهدف ال كوني رغم أن ما جاء فيهما من إشارة إلى الشرط لبلوغ تلك الغاية هو الانتقال من خصوصية الرحم إلى كونيته ومن القبيلة على الإنسانية فإن دلالة التقنية والزرعة عامة في رسالة نوح ودلالة الهجرة والتحرر من السحر عامة لم تتضح في الفهم حينها وكان لا بد من وجود التحرير الابراهيمي لتتبين الدلالة ال كونية للتحرر من الميثولوجيا الطبعانية ومن وجود التحرير المحمدي لتتبين الدلالة ال كونية للتحرر من الميثولوجيا الانثنوغرافية. ل كن الجمع بين التحريرين يعني اكتشاف العلل التي تتوسط بين التحريرين في معناهما الذي لم ير الدلالتين المحررتين وهي موضوع الرسالة الخمسة المتوسطة بين نوح وموسى: فرسالة هود كان موضوعها طغيان المسيطرين على مفسدي توز يع مصدر الحياة الأول أي توز يع الثروة :فالمستحوذون على الثروة يحولون دون العدل لانهم يعتبرون الفقراء عبيدا وسفهاء. 97
–– ورسالة صالح كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الثاني أي مفسدي توز يع الماء وقد اختارت الآية رمزا لما يبلغه الحرمان الذي لم يكن مقصورا على البشر وحدهم بل الحيوانات واختيرت اكثرها صبرا على الحرمان منه أي الناقة. ورسالة لوط كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الثالث أي مفسدي عدل التواصل أي الجنس لأن اللواط لا يبقي من الجنس إلا اللذة دون وظيفة التكاثر ما يعني أنه افساد للتواصل بمعنيين بين الجنسين أولا ثم بين الأجيال ثانيا. ورسالة شعيب كان موضوعها طغيان المسيطرين على مصدر الحياة الرابع أي مفسدي عدل التعاوض أي الكيل والميزان .فالرسالة تذكر بالمطففين وأدوات التطفيف التي هي منه علامات الغش والخداع في التعاوض الذي يقتضيه التعاون والتبادل الذي يترتب على توز يع العمل. ويتوسط بين الأولين هود وصالح والأخيرين لوط وشعيب المبدأ المحرر الأول الذي مثلته رسالة إبراهيم الأول .ل كن اكتشاف الدلالة ال كونية للتحرير الأول وقيس التحرير الثاني عليه لإضفاء ال كونية عليه هو إبراهيم الثاني أي محمد المخاطب في بالرسالة الأولى والأخيرة. فإذا جمعنا التحريرين في صورتهما غير الواعية بالبعد التحريري وأدواته العلمية والتقنية عند نوح والعملية والسياسية عند موسى وصعدنا إلى تأو يلهما الواعي في ما يمثل أداة التحرر من الطغيان الطبيعي والتاريخي في صورتهما الواعية عند إبراهيم ومحمد وجدنا: 98
–– الإحالة القرآنية إلى الخلق بنموذج ر ياضي وهو الذي يمكن بالر ياضيات الكلية من معرفة قوانين الطبيعة لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض والاحالة القرآنية على الأمر بنموذج سياسي وهو الذي يمكن من السياسيات الكلية من معرفة سنن التاريخ لتحقيق شروط الاستخلاف في الأرض. والتحرر من طغيان الطبيعة ومن طغيان الذي يكون بالعلم وتطبيقاته أي بالر ياضيات الكلية أداة للتعامل مع الطبيعة في الاستعمار في الأرض و يكون بالعمل وتطبيقاته أي بالسياسيات الكلية أداة للتعامل مع التاريخ في الاستخلاف في الأرض هما لب الرسالة الفاتحة والخاتمةكما يصفها القرآن: وقد لخصتها في المعادلة الوجودية التي هي عين الآية الثالثة والخمسين من فصلت كما شرحتها بالهرم الذي له قاعدة مربعة يخرج منها: بعدا الآفاق أي الطبيعة مجال الاستعمار في الأرض والتاريخ مجال الاستخلاف فيها. وبعدا الإنسان أي كيانه العضوي المتصل بالطبيعة وكيانه اللاعضوي المتصل بالتاريخ. وسنام الهرم هو ما بعد هذه الابعاد الأربعة وموحدها سواء كان مفارقا أو محايثا فيها. وقد تقدمت فصلا مباشرة على الشورى التي تحدد آيتها الآية الثامنة والثلاثون طبيعة النظام السياسي وأسلوب الحكم ذي المرجعية الروحية الاستجابة للرب وذي الغاية التي تعالج كل أسباب الخلافات بين البشر أي الانفاق من الرزق. 99
–– وكلتاهما من الحواميم التي كما بينت في الفصل السابق تتعلق بدلالات الحياة والموت حدين للإنسان في عالمه الشاهد وفي عالمه الغيبي .فتكون نسبتهما إلى الطبيعي هي حياة الدنيا المتناهية ونسبتها إلى غيب الطبيعة والتاريخ هي حياة الآخرة اللامتناهية وتكون الأولى موضوع النظر بالعلم ومثاله المشير إلى السرمدي في ما وراء عالم الشهادة أساس تطبيق الر ياضيات الكلية على التجربة الطبيعية أداة الاستعمار في الأرض وأساس تطبيق السياسيات الكلية على التجربة التاريخية أداة للاستخلاف فيها. لذلك فسورة هود تضع بين الثورتين التحريريتين من طغيان الطبيعة ومن طغيان التاريخ متضمنة لعلل فشل الاستعمار في الأرض بسبب فساد سياسة الثروة والماء وفشل الاستخلاف في الأرض بسبب فساد سياسة الجنس والتعاوض. والعلاج هو الوصل بالماوراء ممثلا بثورة إبراهيم لأنه يصل الطبيعة والتاريخ وكيان الإنسان العضوي وكيانه اللاعضوي بالرب السرمدي الذي لا يأفل. ل كن ذلك كله لا يصبح رسالة واعية بالاستراتيجية القرآنية لتوحيد الإنسانية بالسياسة ال كونية التي تحقق هذه الثورات الوسيطة بين نوح وموسى بعد أن تصبح خطة لتحرير الثروة والماء والجنس والعدل في التعاوض من الاستبدادين بالعلم وتطبيقاته لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض وبالعمل وتطبيقاته لتحقيق شروط الاستخلاف فيها. 100
–– وذلك هو مضمون الرسالة الفاتحة والخاتمة مضمونها الذي هو لب القرآن ولحمته وسداه ولسوء الحظ فذلك ما أضافه فلاسفة الإسلام ل كونهم صاروا عبيدا لميثولوجيا 12من الميتافيز يقا وعلماء الدين ل كونهم صاروا عبيدا لميثولوجيا التوراة. فالأولى حالت دونهم وفهم فصلت 53والشورى 38والعصر والبقرة 256والمائدة 48وملخصها كلها في عرض هود لاستراتيجية تحقيق الثورتين في التاريخ الفعلي. وما حيل دون فهمه هو العلاج فيها وليس الظاهرة المعالجة .فالحل الذي قدمه نوح والذي قدمه موسى هو جوهر القصة وليس الداء الذي عالجه: فلا الأول أوقف الطوفان بل نجا بعض الإنسانية منه بالسفينة والزراعة والتحرر من إيلاء الأهل عناية خاصة دون الجميع. ولا الثاني أوقف الطغيان السياسي بل نجا بعض الإنسانية من العبودية بالهجرة ومقاومة السحر الذي هو اعلام فرعون الفاسد. ومحمد تجاوز الحلين الظرفيين الخاصين بجماعة معينة في التاريخ إلى تطبيقهما بأقصى مداهما ال كوني بجعل الحلين كونيين ووضع نظر ية في النظر وتطبيقاته لعلاج العلاقة بالطبيعة والعمل وتطبيقاته لعلاج العلاقة بالشر يعة. وتلك هي الدولة ال كونية التي سعى إليها الإسلام والتي هي مستقبل الإنسانية وهي الهدف المشترك بين الفكرين الديني والفلسفي .وذلك هو ما اعنيه باستراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية عنوانا لقراءتي القرآن قراءة نسقية تبين بنيته العميقة التي ذهل عنها كل المفسرين. 101
–– – الفصل العاشر – تونس في 22.05.17 الفصل الأخير أخصصه لما يحول دون دور المعادلة الوجودية وعملها أي بما يوطد نسيانها الناتج عن عدم الوصل بين الآفاق والأنفس وبينها وبين ما يتعالى على بعديهما كليهما فتسيطر الآفاق أي الطبيعة والتاريخ والأنفس أي الكيان العضوي والكيان الروحي أو اللاعضوي من الإنسان فلا يرى الإنسان آيات الله فيها. فيفقد من ثم كل علاقة بالمتعالي ولا تتبين له حقيقة القرآن .وسنرى أن العلة هي تحر يف ثورة نوح وثورة موسى وما يتوسط بينهما من الرسالات وخاصة محاولة إبراهيم الأول وإبراهيم الثاني التذكير بالعلاج دون جدوى. لذلك فسأبدأ هذا الفصل الأخير بملاحظة هي عين خاتمة الفصل السابق ول كن من منطلق آخر اشرت إليه لما قابلت بين روايتين لقصة يوسف في التوراة المحرفة وقصة يوسف في القرآن الذي يصلح التحر يف بالتصديق والهيمنة .فهو يصدق وجود يوسف والقصية ول كن ببان ما آل إليها تحر يفها وهو ما جعل الإصلاح القرآني يقلب دلالتها قلبا تاما إد يبين أن تحر يفها التوراتي هو آل بها إلى تحر يف اخطر هو تأسيس دين العجل الدي صار بديلا 102
–– من ثورة موسى فعم الاستبداد الفرعوني باستعمال أداتيه صراحة لاستعباد كل البشر لتحقيق ايديولوجية شعب الله المختار المسيطر على العالم بنوعي الربا: فمعدن العجل هو استعباد البشر بأداة التبادل التي صارت سلطانا على المتبادلين وهو معنى ربا الأموال ورمزه العملة التي تحولت إلى معدن العجل. وخوار العجل هو استعباد البشر بأداة التواصل التي صارت سلطانا على المتواصلين وهو معنى ربا الأقوال ورمزه الكلمة التي تحولت إلى خوار العجل. وهما أداتا النظام الأبيسيوقراطي الفرعوني الدي يستعبد بصورة كونية كل البشر بدلا من تحريرهم .لذلك فلا بد من فهم قصة يوسف كما وردت في التحر يف التوراتي (السامري) حتى نفهم ما حصل في النقد القرآني للتحر يف وهي من السور التي تبدأ ب \"الر\" وتعني دور الرب الرقيب مثل كل السور التي تبدأ بها كما بينت ومنها هود التي شرحت علاقتها بالثورتين وتجاوزهما إلى ال كونية. ذلك أن المنزلة التي صارت ليهود مصر الذين حررهم موسى لم تكن مختلفة عن منزلة بقية المصر يين إذا صدقنا تطبيق فرعون لنصيحة يوسف كما ورد في الرواية التوراتية .فإذا اخذنا الرواية القرآنية وقد روت أحداثا سابقة على رسالة موسى فهي تعتبر دحضا لرواية التوراة المحرفة في حالتي يوسف وموسى .ومن 103
–– ثم فلا يمكن أن تكون رسالة موسى المحررة من العبودية مقصورة على اليهود لأن طغيان فرعون كان شاملا لكل المصر يين وليس مقصورا عليهم .فلا أر يكم إلا ما أرى لم يقلها فرعون لليهود بل قالها لممثلي المصر يين كلهم في بلاطه. ومن ثم فتأو يل التحرير الموسوي القرآني يتعدى حصره في بني إسرائيل الناتج عن التحر يف ويشمل كل المصر يين الذين استخف بهم فرعون وسحرته. وال أمر لا يختلف عما يجري دائما .فلكل الطغاة سحرتهم يسيطرون بهم روحيا على الشعوب بربا الأموال ماديا يسيطرون به على النخب وطبعا بوصفهم أدوات تساعد على السيطرة على الشعوب. والنخب التي تؤدي وظيفة تز يين الاستعباد الروحي هم السحرة والظاهرة كونية ل كنها اليوم صارت ممثلة بمن نراهم حولنا ولا نكتفي بقصتهم في ال كتب السماو ية :فالمرتزقة من النخب التابعة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين يزينون الباطل ويزيدون الطغيان غلوا لأنهم يحولون بالتزييف الرذائل إلى فضائل وذلك هو ربا الأقوال. وكلنا يعلم أن القرآن لم يذكر حكمين هما الأشد بعد الشرك هما ربا الأموال الذي يحول أداة التبادل إلى سلطان على المتبادلين وربا الأقوال الذي يحول 104
–– أداة التواصل إلى سلطان على المتواصلين .فالشرك يقدم عليهما لأنه أصلهما. وأصل دور أولهما في الثاني ودور ثانيهما في الأول .ففساد النخب علته أصحاب الربا الأول وتبرير فساد الحكام علته أصحاب الربا الثاني. وفي الحقيقة فالشرق ليس هو شيئا آخر غير المعنى العميق لهذين الدورين. فالحكام المتألهون -مثل فرعون-هم المقصود بالشرك وما الأوثان إلا رموزهم ورموز النخب الخادمة لهم .فالأوثان هي صور ملوكهم وصور أولياؤهم المزعومين صالحين وكلاهما متأله أحدهما بالسلطان على ربا الأول والثاني على ربا الاقوال. والآية 256من البقرة حددت شرط الإيمان وعلامته .فأما شرطه فهو تبين الرشد من الغي تبينا شخصيا ما يعني حر ية المعتقد والتعدد (المائدة )48ليكون الإيمان خيارا وليس اضطرار .وأما علامته فهي ال كفر بالطاغوت أي بالملوك المستبدين ورمزهم فرعون .سورة آل عمران تبين أن التحر يف علته الحلف بين الحكام ورجال الدين الذين يحرفون الكلم عن مواقعه. وذلك هو دور مؤسسات الوساطة الروحية سواء كانت دينية مثل الكنائس أو لا دينية مثل الأحزاب الماركسية المسيطرة على الأفكار ومؤسسات 105
–– الوصاية السياسية التي كانت حكما بالحق الإلهي وصارت حكما بالتسلط المالي المعتمد على التزييف الإعلامي والترهيب المسلح. وقد سبق أن تكلمت على الإعلام وبينت بصورة نسقية كل أصنافه بحسب الوظيفة التي يؤديها والدافع الذي يجعله ملازما للإنسان حتى في غياب الوظيفة المحددة لأنه يتعلق الحاجة الدائمة للخروج من الذات والاستعلام حول كل شيء وفيه شيء من الهروب من الذات ونسيان ما فيها من \"ثقب اسود\" لا يطاق: • فهو الاشهار في التجارة • وهو الدعاية في السياسة • وهو الاعلام العلمي في البحث العلمي • وهو الاعلام الاستعلامي في المخابرات • وهو أخيرا حب الاستعلام حول كل شيء غريزة إنسانية والأخير هو الأصل دون تحديد لوظيفة نافعة عدى الخروج من الذات والاستخبار حول كل شيء لملء الوقت الذي لا يطاق من دون تله عنه باي شيء في حياة الإنسان إذ من دونه محرفا إلى تله دائم يكون الإنسان أمام المجهول المطلق والغيب المطلق حتى لو كان مؤمنا ناهيك عمن لا يؤمن فيكون 106
–– مخيرا بين الهروب من ذاته أو الاستسلام للفاتاليسم أو للقضاء والقدر .وهو في كل الحالات من دون الهروب واللهو مخدرين وجوديين يكون وجها لوجه مع الموت إذ كل لحظة تمر هي حث السير نحو القبر. فكيف يمكن التحرر من تحر يف الإعلام بأصنافه الخمسة؟ فيكون كاذبا في الأربعة الأولى وتلك وظيفة النخب وهو ربا الاقوال الذي يعتبره الرب في القرآن أشد ما يمقته وهو في الغالب ناتج عن ربا الأموال الذي يحاربه الرب حربا صريحة .وما أريده خاتمة لهذه المحاولة يمكن تقسيمه إلى ثلاث مسائل: الأولى هي كيف استطاع الغرب علاج هذا الداء مع الإدمان على استعماله خاصة في المستعمرات والتقليل من ضرره عنده بآلية التعددية التي تكون حصيلتها ممكنة من الحد من الضرر الذي يحصل في المستعمرات حيث يحولون دون التعددية الفعلية حتى بالديموقراطية الزائفة. الثانية هي لماذا لم يستطع المسلمون استعمال نفس العلاج وكيف يمكن أن يفرضوا على الأقل نفس الحل بما يقتضيه من شروط الاستقلال الفعلي من هيمنة العملاء من النخب والحكام بحيث إن تحرير الأوطان صار ضرورة وشرطه استعادة وحدة الاحياز الخمسة. 107
–– والثالثة هي هل يمكن تصور حلا آخر غير هذين اللذين يفعلان بتفاعلهما في الاتجاهين ما يجعل ضررهما ال كثير عندنا والقليل عندهم علتهما التبعية التي تحول دون تطبيق الحل القرآني الذي هو علاج لهذين التفاعلين كما يتبين من نظر ية ابن خلدون في علاقة وظائف الدولة من حيث هي قوامة نيابية بوظائف المجتمع المدني من حيث هو صاحب الأمر ومراقب القوامة. والحل الذي يقدمه الإسلام هو محاولة رد الإعلام كله بالأصناف التي دكرت إلى معايير سورة العصر الخمسة .فحقيقته في التواصل انعكاس لحقيقته في التبادل خبرا عنه وحقيقته في التبادل انعكاس لحقيقته في التواصل تصديقا لوعده .فيكون عين التعاكس بين التبادل والتواصل أي بين البشر من حيث علاقتهم بالاستعمار في الأرض ومن حيث علاقتهم بالاستخلاف. وهو معنى كونه خضوع الاعلام التابع الملازم للبحث العلمي شرطا في الرعاية التكوينية والتموينية والملازم للاستعلام السياسي شرطا في الحماية الداخلية والخارجية أن يكون صورة من الإيمان والعمل الصالح فرديا والتواصي بالحق والتواصي بالصبر جماعيا أي شرطي نظر ية النظر وتطبيقاتها وشروط حماية دوره في ثمرة الاستعمار في الأرض أي الثروة وشروط حمايتها. 108
–– ورمز الحل الأول عرفه ابن خلدون بقانونين :وربط الحل الأول بنظر ية العمل وتطبيقاتها وشروط حماية دوره في ثمرة الاستخلاف في الأرض أي التراث وشروط حمايته .ولا يتم ذلك من دون منع سيطرة الدولة على الاقتصاد ومنعها من تجاوز سهم المؤمنين في مالية الدولة المحدد شرعيا ومنعها من التحكم في الموازين والمكاييل ومعيار المعايير في التبادل والتعاوض أي العملة. ورمز الحل الثاني عرفه ابن خلدون بقانونين :منع سلطة الدولة من السيطرة على التراث العلمي والعملي وتطبيقاتهما ومنعها من التحكم في الكلمة وشروط التواصل وذلك بالتر بية وبالحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقانون \"ساحة الحوار العام وحر ية الاعلام\". ومثلما أن الحل الثاني يخضع شروط التعاوض لشروط التواصل ويحرر العملة من سلطان الدولة التنفيذي بالبنك المركزي وقانون سوق الثروة وحر ية المل كية وعدل التعاوض فكذلك ينبغي أن يحرر الكلمة من سلطان الدولة التنفيذي بما يشبه البنك المرزي وقانون سوق التراث وحر ية الفكر وصدق التواصل. 109
–– والأول يحكمه العدل في التعاوض والثاني يحكمه الصدق في التفاهم .فيكون للتواصل ما للتبادل من موازين ومكاييل تحول دون الغش والخداع فيهما. وكلاهما يكون تحت رعاية التربية التي تحقق شروط ال كفاءة المهنية ضد الغش والنزاهة الخلقية التي تحول دون اللجوء إليه والحسبة بالوازع الذاتي الداخلي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل الوازع الأجنبي أو الخارجي. والقضاء هو الحاسم وكلاهما تابع للخلافة وليس للسلطة في نظر ية الدولة التي يدافع عنها ابن خلدون وهي كانت أمرا واقعا مؤسسيا ل كن الخلافة نفسها صارت تابعة للسلطة لما فقدت شوكتها وشرعيتها فصارت ما يتبعها اسميا لأنه يستتبع معها .وفي الحقيقة فإن القضاء هو السلطة الأعلى سواء في أنظمة الشعوب الحرة أو في أنظمة العشوب المضطرة. ففي الحالة الأولى يكون سلطانه مطبقا للقانون العادل. وفي الحالة الثانية يكون سلطانا مطلقا للقانون الجائر. لان وظيفته يحتاج إليها كلا النوعين من الأنظمة إذ حتى الباطل بحاجة لظاهر الشرعية القانونية وهو من جنس حاجة الإنسان للنفاق :فالكاذب يحتاج إلى التصديق فيتظاهر بالصدق وذلك يصح على كل القيم فهي الغطاء 110
–– الذي يحتاج إليه الصادق والكاذب والخير والشرير والقبيح والحسن والقبيح عامة فالدميم يتجمل ويتمكيج ليبدو جميلا. الأول له علاقة بربا الأموال وكيف يتم علاجه بشكليه: الأول هو الربا بالمعنى التقليدي أي تحو يل العملة من أداة تبادل إلى سلطة على المتبادلين إما مباشرة بالربا أو بسياسة الأسعار والتلاعب بالعملة وبالتدخل في الخدمات والقاعدة الأساسية. والثاني هو الربا المتخفي في التعامل مع العملة ومع العدل في التعاوض سواء بين المواطنين أو بين الدولة وموظيفها في تحديد سلم الأجور بحسب مستو يات الحاجة إلى الأجراء وكفاءاتهم. والثاني له علاقة بربا الأقوال كيف يتم علاجه بشكليه: الأول هو الدعاية السياسة وهو ربا الأقوال بالمعنى التقليدي أي توظيف الكلمة للترويج للحكام بما لا يطبق الحقيقة وبما يعسر تصديق صاحبه إذ قلما يحقق الحكام وعودهم (ال كذب السياسي). والثاني هو الاشهار التجاري أي توظيف الكلمة للترويج للبضاعة والخدمة بما لا يطابق الحقيقة (ال كذب التجاري والمعلوم أن ابن خلدون خصص ال كثير للكلام على اخلاق التجار). 111
–– وعلاج ربا الأموال أيسر من علاج ربا الأقوال .فكيف يتم علاج الثاني بشكليه ولماذا هو أعسر وهل يوجد علاج أفضل من علاج الأول .لا اعتقد أنه يوجد حاليا لأنه قد يتحول إلى مراقبة للضمائر .لذلك فلا بد من استيحاء علاج ربا الأموال لعلاجه والتعامل معهما بنفس الأسلوب .فشكل نوعي الربا واحد في الحالتين سواء كان بالمعنى التقليدي في الدعاية أو بالمعنى التجاري في الاشهار وأساسهما التزييف وال كذب. فهو في الحالتين تحو يل الكلمة من أداة تواصل إلى سلطة على المتواصلين لتمرير الخداع .وهو من ثم أداة سياسية فتاكة سرها في تزييف الحقيقة في التواصل مثل سر ربا الأموال في تزييف العملة في التبادل .ذلك أن التواصل السياسي والتواصل التجاري كلاهما يقدم على أنه اطلاع المخاطب على الحقيقة حتى يختار على بينة وعلم .فيكون جوهر العملية هادفا إلى عكس الغاية :الغاية الاطلاع على الحقيقة والحاصل هو استبدالها بما يبدو حقيقة حتى تتم المغالطة. ل كن الخداع لا يكون مؤثرا إلا إذا بدا قابلا للتصديق .فهو إذن بحاجة إلى نوع من المصداقية التي تخلط بالخداع حتى يحافظ على شيء من المصداقية. وهو ما يؤدي في الغاية إلى أن الصادقين لن يصدقهم أحد .وبهذا المعنى 112
–– فالمصداقية تخضع لمنطق التجار الفاسدين وهو يعمل بمبدإ يقوله التجار بالعامية \"يمشي الجافل ويجي الغافل\". فيجمد كل شيء في النهاية بمبدأ عامي ثان يقوله المواطن\" :خلي المشوم لا يجيك ما أشوم\" او \"اللي تعرفه خير من اللي ما تعرفاهش\" .ولذلك فغالبا ما يكون المعارضين أكثر كذبا من الحكام .فالحكام يحاولون المحافظة على شيء من المصداقية لأن يخافون من تكذيب الوقائع .ل كن المعارضين يعلمون أن الوعود من نوع \"قيد على زرزح\". 113
–– 114
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118