--من التجارب التي كانت ضرورية لتجاوزها والعودة إلى الأصول لإعادة قراءتها القراءة التي تمكن من تحقيق شروط قيام الإنسان.ولست أول من بادر .فما كان الغزالي يكتب فضائح الباطنية وإحياء علوم الدين لو لميكن قد فهم طبيعة الانحراف .وما كان ابن تيمية يشذ عن كل علماء عصره لو لم يكن قدفهم طبيعة الأزمة .وأخيرا ما كان ابن خلدون يحدث المنعرج الحاسم لو لم يكن قد عمل بفصلت 53وآل عمران .7ولو كنت أحتمي بهؤلاء لأمرر ما اقول لما قلت ما لم يقولوه :لا أحد منهم وضع شكوكاصريحة على علوم الملة بل سكتوا .وسكوتهم ليس علامة على رضاهم بل لأن الظرف لمينضج بعد لتكون الأمة في فجر الاستئناف .كتبوا وهم يائسون لأنهم كانوا يعايشون عصر الانحطاط الخانق ويبحثون عن مخارج حينية.أما نحن اليوم فقد لاح لنا فجر الاستئناف :شبابنا بدأ يغير التاريخ ويطلب تطبيق دستورالقرآن المبني على الحريتين الروحية والسياسية في النظر والعمل لتحقيق شروط الاستعمارفي الأرض بقيم الاستخلاف .صحيح أن ذلك لا يبدو للعين المجردة .لكن من كان ذا بصيرة يفهم أن الأمة تستأنف دورها فعلا.قد أكون الخطاف الذي يعلن عن الربيع .لكن الشباب سبقني فهو شرع في تنفيذه فنقلالأمة من كاريكاتور التأصيل بتقليد ما كان علة الانحطاط الذاتي لماضينا ومن كاريكاتورالتحديث بتقليد ما كان علة الانحطاط المستورد من المستعمر إلى حقيقة التأصيل والتحديث المطابقين كلية قيم القرآن وعولمته.وكلية قيم القرآن وعولمته اساسهما النساء 1والحجرات 13والحريتان :الحرية الروحيةأو العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه والحرية السياسية أو العلاقة غير المباشرة بينهما عنطريق العلم بالطبيعة والتاريخ والعمل بثمرات هذا العلم لتعمير الارض بقيم الاستخلاف: جوهر ثورة الإسلام.أبو يعرب المرزوقي 98 الأسماء والبيان
--وحتى يفهم القارئ القصد من هذه المحاولة فعليه الا يخلطها برأي العروي أو طه حسينمن قبله أو بتخريف العلمانيين والليبراليين العرب الذين يتصورون أن نقد تراثنا يعنيرمي الطفل مع ماء استحمامه .الطفل هنا هو المرجعية القرآنية والسنية وماء الاستحمام هو كل محاولات فكرنا الماضية.فالطفل يبقى الأصل والماء تجارب مضت هي مما نعتز به ونعتبر أنفسنا ورثته الذينيتجاوزونه بفضله :ففي تاريخ المعرفة والعلوم الأخطاء من شروط التجاوز والتقدم.وشرط الاستئناف تجاوز انقلابين عملي (تعطيل الدستور السياسي وفرض حالة الطوارئ) وعلمي (تعطيل الدستور المعرفي والتخريف حول الغيب).وأستطيع القول الآن أن محاولات التجاوز ليست جديدة بل هي كانت موازية لمحاولاتالتعطيل :كل من انتسب إلى المدرسة النقدية في تاريخ فكرنا من أهل السنة وخاصة منكان يعتبر في نظر العلمانيين والليبراليين العرب الحاليين رجعيين هم في الحقيقة ثوار على هذين الانقلابين على ثورتي الإسلام.لكن ثورتهم لم تتجاوز مرحلة رد الفعل .لم يبدأ الفعل حقا إلا مع ابن تيمية في النظروابن خلدون في العمل :كلاهما انتقل إلى مرحلة بناء البديل لتجاوز نظرية المعرفةالمطابقة عند الاول ولتجاوز نظرية العمل المطابق عند الثاني .فالنظر المطابق والعمل المطابق كلاهما مما يختص به الله.ما يطلب من الإنسان ليس العلم المطابق ولا العمل المطابق بل الاجتهاد في النظر والجهادفي العمل لتحقيق شروط المهمتين اللتين يعتبر الإنسان مكلفا بهما لإثبات أهليته للاستخلاف:الحرية الروحية والحرية السياسية هما اساس الاجتهاد والجهاد ونفيهما هو الوساطة الروحية والوصاية السياسية.لذلك فابن تيمية أعاد النظر في فلسفة النظر فأدرك أن العلم الإنساني مشدود إلىالمطلق دون أن يكون مطلقا بل كل معرفة قابلة للتجاوز وكل تصور وراءه تصور أتم منهأبو يعرب المرزوقي 99 الأسماء والبيان
--دون أن يكون الأتم .ومثله أدرك ابن خلدون أن العمل الإنسان جهاد قابل للتجاوز وكل عمل وراءه عمل أتم منه دون أن يكون الأتم.فينتج عن ذلك أن الاهم في النظر والعمل هو تاريخهما أو منطق تطورهما خلال تحقيقالإنسان لمهمتيه في عالم الشهادة سعيا يختبر به أهلية الأنسان للاستخلاف في تعمير الارضبقيمه وذلك هو التكليف أو الأمانة التي حملها الإنسان .وهذا هو مجال العلم والعمل: فصلت 53أمرا وآل عمران 7نهيا.لم يبق بعد الآن إلى أن ابين أن الآفاق والأنفس التي يرينا الله فيها آياته الدالة علىحقيقة القرآن هي عالم الشهادة ببعديه الطبيعي والتاريخي وهما مجال البحث عن العلاقةغير المباشرة بين الإنسان وربه خليفة له في الارض وصلتها بالعلاقة المباشرة بينهما كما تذكر بها الرسالة الخاتمة.أبو يعرب المرزوقي 100 الأسماء والبيان
--وهنا يأتي دور مقدمة ابن خلدون :فلكأنه طبق فصلت 53فطلب حقيقة مجال الأمرالإلهي الذي يوجهنا إليها القرآن في تعلقه بالخلق المأمور في القرآن من الآفاق والأنفس:الإنسان فردا وجماعة .وخلال هذا الطلب لكأنه اهتدى إلى دلالة الشورى 38التي تعين مجال البحث عن تطبيق الإنسان مصيبا ومخطئا فيها.فهو ينطلق من مفهوم الاستخلاف في الدنيا بمعنييه عند من يحقق الأهلية ومن لا يحققهاليدرس سنن العمران البشري والاجتماع الإنساني (بداية الشورى 38الاستجابة إلىالرب) ويجعل مدار الاختبار كله حول مفهوم عميق أبدعه ابن خلدون ليغير كل العلوم العملية صاغ به غاية الآية :الإنفاق من الرزق.فقد جعل مدار علم العمران البشري والاجتماع الإنساني وسننه السياسية كما تعينت فيالتاريخ الإنساني كله يدور حول هذا المعنى بعد أن سماه باسم أبدعه وبه نتبين حقيقةالشرائع التي يرينها الله في آياته في الآفاق والانفس\" :نحلة المعاش\" .وهي ذات بعدين عمودي وأفقي.فنحلة المعاش علاقة عمودية بين البشر والطبيعة أو الارض التي منها المعاش وعلاقةأفقيهة بين البشر تبعا للعلاقة الاولى وما يتعلق بها من تبادل بينهم ومن تواصل حول ذلكالتبادل سلما وحربا .وقد أحصى أشكال هذه النحلة وحدد دورها بوصفها اساس تصنيف أنواع العمران والاجتماع.وقد لا يصدق القارئ أني ما فهمت منزلة الاقتصاد والملكية وارتباط كل المعاني القرآنيةبهما إلا بفضل هذا المفهوم الثوري الذي وضعه ابن خلدون .وما فهمت علاقته بأساسالعلاقة الأفقية بين البشر أعني كل ما يتعلق بالزواج وعلاقة المرأة بالرجل ونظرية الارث إلا بفضل ابن خلدون.أبو يعرب المرزوقي 101 الأسماء والبيان
--وأهم شيء كان يحيرني هو أن اساس القانون الجنائي الذي يوجه إليه القرآن فلسفةالحق يجعل حماية الملكية أهم حتى من حماية النفس البشرية .فحدها وخاصة إذا كانتعنيفة (الحرابة) لا تسامح فيه في حين أن حد قاتل النفس فيه تشجيع على المسامحة فجل جرائم القتل تتعلق بخلافات حول الحقوق والمنازل.وقد ميز ابن خلدون بين العمران البدوي والعمران الحضري بالاعتماد على معيار نحلةالمعاش التي صنفها إلى خمسة أنواع اثنان للأول واثنان للثاني والوسطى هي أساسالانتقال من الاول إلى الثاني :فالوسطى هي نحلة المعاش المعتمدة على الزراعة لأنها بداية الاستقرار نشأة الدولة.وما تقدم على نحلة المعاش المعتمدة على الزراعة نوعان كلاهما يميز البداوة :جني منتجالطبيعة والرعي وهما مجال الترحال .وما يليها نوعان هما نحلة المعاش المعتمد علىالصناعة وعلى التجارة .وعندما تنشأ الدولة في المرحلة الوسطى توجد الشرائع المنتظمة وجودها المتعين في مؤسسات وقوانين.ودراسة هذه التكوينية هي مجال البحث في آيات الله المتعلقة بالفقه وتأصيله أو بالقانون(الوازع الأجنبي أي الذي يأتي من خارج الذات) وبالأخلاق (الوازع الذاتي أي الذي يأتيمن الضمير) .ذلك هو أحد العلوم التي يكتشفها ابن خلدون في دراسة التاريخ خبرا عن العمران البشري والاجتماع الإنساني.من يدرس القانون الوضعي يتصور أن القانون الجنائي لا علاقة له بالقانون المدني ولابالقانون الأسري ولا بالقانون العام بنوعيه (الإداري والدستوري) لكن القرآن دون أنيتضمن هذه الأنواع بجزئياتها يوجهنا إلى مجالات البحث فيها وخاصة إلى طبيعة العلاقة بينها ومن ثم إلى نظام الشرائع عامة.لكن الشرائع التي يمكن الوصول إليها بالبحث العلمي فيما وجهنا القرآن إليه محلا لآياتهالتي تتعين في الآفاق والأنفس قوانين وسننا لا يحتوي عليها القرآن بل التاريخ الإنسانيأبو يعرب المرزوقي 102 الأسماء والبيان
--ببعدي التشريع فيه :كوازع أجنبي أو الاحكام السلطانية وكوازع ذاتي أو الأحكام الخلقية والروحية الفطرية.ولذلك جمعت فصلت 53بين الآفاق أي الطبيعة والتاريخ والأنفس أي ما يناظرهما فيالفطرة نابعا من الضمير ولذلك فالرسالة تذكير بموجود في ذات الإنسان وليس إنشاءلمعدوم فيها .ومن لم يفهم هذا المعنى من القرآن الكريم طبيعي ألا يقوم بالبحث العلمي المأمور به قرآنيا فيتجرأ على آل عمران .7وكل من يفعل ذلك ينسى أن اختبار أهلية الإنسان للخلافة هو نفسه الوجود الدنيوي فيالمنظور القرآني .فقصة الاستخلاف تبين أن إنزال آدم فيه ما يشبه الرد على التحديالإبليسي :ادعى أن آدم ليس أهلا للاستخلاف فلم يأتمر بأمر السجود .وعتاة التصوف يعتبرون ذلك فتوة لا يسجد صاحبها لغير الله.وهذا الكلام يبدو من جنس الأساطير لأنه تعبير رمزي عن حقائق وجودية يثبتها تاريخالإنسان والحضارة لأن مدار حياة البشر في عمرانهم وفي اجتماعهم هو الاستعمار في الأرضبقيم الاستخلاف إثباتا أو نفيا .والأول أساسه النساء 1والحجرات 13والثاني اساسه دين العجل الذهبي أي العبودية لغير الله.ومن حسن حظي أني عشت إلى لحظة من تاريخ البشرية صارت فيها هذه المقابلة بينرؤية الإسلام للإنسانية ورؤية العجل الذهبي بمعدنه وخواره لها يصبحان مناط كلالخلافات في الجماعة البشرية مسلمة كانت أو غير مسلمة وهي معركة حاسمة في مصير الإنسانية وفي دور شهادة المسلمين على العالمين.وكنت واثقا من أن موقف المدافعين عن فقه عصور الانحطاط وتأصيله سيعتبرون هذاالمنظور علة كافية لاخراجي من الملة وقد سبق المرحوم البوطي أبا قتادة رغم اتزانه وتهورأبي قتادة ومن لف لفه ممن أفسدوا ثورة الشباب بتفاقه يشبه ما كان يرد به ابن رشد على الغزالي ظنا أن علم القدامى مطلق.أبو يعرب المرزوقي 103 الأسماء والبيان
--ولم أضحك في حياتي أكثر مما حصل عندما قرأت تعليق أبي قتادة على هذه التغريدات.يريدنا أن نتداوى بطب ابن سينا وأن نسير حياتنا بفقه كان علة كل ما حل بالأمة مننكبات .فلا فرق عندي بين من يفسد المعارضة -وهو منهم -ومن يفسد الحكام من الدعاة الذي يتصورون التشقيق اللفظي علما.القرآن يقول صراحة أن تبين الحق يكون بما يرينه من آيات في الآفاق والانفس وهميعكسون فلا يقومون بالبحث العلمي فيهما بل يكتفون بشرح الألفاظ :خرافة الاعجازالعلمي .وبكل وقاحة يزعم أن الراسخين في العلم علمهم من جنس علم الله في التأويل فيعطفه عليه.هؤلاء المخرفون أفسدوا ثورتي الإسلام الروحية والسياسية ويريدون فرض الاستبدادالروحي لمن يسمونهم علماء والاستبداد المادي لمن يسمونه أمراء .والجمع بين العلماءوالامراء يسمونهم أولي الأمر .من ولاهم؟ الاقتتال بين أمراء الحرب وليس إرادة الامة التي تختار بحرية من يمثل إرادتها.لو كان العلم يكفي فيه تعلم العربية لكنا نحن اسياد العالم لكثرة المتقعرين في التشقيقاتاللفظية العربية .ما فتحت تفسيرا من التفاسير للقرآن الكريم إلا وأكاد أتقيأ مما يحتويعليه من ثرثرة لا علاقة لها برسالة خاتمة تعرف نفسها بكونها تذكيرا بالفطرة ودعوة لرؤية آيات الله في الآفاق والأنفس.وآياته في الآفاق والانفس تتعلق بالخلق وبالأمر .والرسالة تقول لنا إن آيات الآفاقوالأنفس رياضية تجريبية في الخلق وسننية تجريبية في الأمر .ومن ثم فلا يمكن وضع علمالطبائع وعلم الشرائع من دون البحث العلمي في الرياضيات وتطبيقاتها التجريبية وفي السياسيات وتطبيقاتها التجريبية.وإذا كان الله وهو الخالق يقدم قوانين الخلق على قوانين الامر -الربوبية-فإنه منالغريب أن تسمع إنسانا يدعي الرسوخ في العلم يقلب العلاقة بين الخلق والامر فيأمر منأبو يعرب المرزوقي 104 الأسماء والبيان
--دون العلم بحقائق ما يريد تنظيمه بالأمر .التشريع أمر حول موجود وأفعال الإنسان. فكيف نشرع لما نجعل حقيقته؟فالله يقضي على علم بالمقادير .ومن هنا نفهم ثنائية القضاء والقدر .فهو لا يخلق تحكمابل بعلم وهو لا يأمر تحكما بل بمد المأمور بشروط قابلية التكليف بحكم كونه لا يكلف نفسهاإلى وسعها .لذلك فالأمر بما هو تشريع ينظم الوجود مشروط بالعلم بالوجود الذي يراد تنظيمه استنادا لمقومات كيانه.لذلك فأكبر عائق لنهوض الامة واستئناف دورها الكوني هم هؤلاء العلماء المزيَفونوالمزيِفون .القرآن والسنة موجهان لعلم الشرائع (السياسيات تربية وحكما) والطبائع(رياضيات وتجربة) ولا يتضمنان علم التشريع الذي هو ما نعلمه بآيات الله في الآفاق والأنفس اي في الطبيعة والتاريخ وفي الفطرة.أبو يعرب المرزوقي 105 الأسماء والبيان
--وصلنا الآن إلى بيت القصيد .لنفهم ما فهمه الفاروق .لو كان لم يعمل بفصلت 53أمراوبآل عمران 7نهيا لتأسيس علم الشرائع لظن قد عطل حكم السرقة وناقض الرسولالاكرم الذي بين أنه قاطع يد السارق حتى لو كان فاطمة الزهراء .ذلك أن الرسول بخلاف غيره كان الاعلم بشروط تطبيق الحدود وعلم صحابته.القالبين لمعنى فصلت 53أمرا ولمعنى آل عمران 7نهيا يتجاهلون اجتهاد الفاروق فيفهمونالحدود فهم بوكو حرام وداعش وليس فهم الامة قبل أن يعطل الدستور السياسي والدستورالمعرفي بوصايا القرآن والسنة .وسأقبل جدلا أنهم على حق ولنحاول فهم حلهم لقضايا الأمة حاليا :فقرروا قطع يد السراق. عندئذ أطرح الأسئلة ليس لهم حل: من سيكون القاطع؟ وكم عدد المقطوع أيديهم؟إذا كان أكبر اللصوص هم الحكام وحاشيتهم من النخب فهم سيقطعون أيدي من جوعوهمحتى يرضوا الدجالين ممن يتصورون الشريعة هي قطع الايدي .فيكون السارق الاكبر مضحيا بالسارق الاصغر الذي هو من جوعه فاستسرقه. ألا يكون الرسول في كلامه على الملك العضوض قد قصد ذلك ونبه إليه؟هل نقبل أن يصبح الفقه وتأصيله مجرد أداة لخدمة أغراض منافية لثورتي الإسلام أيالحرية الروحية والحرية السياسية حتى يكون المؤمن مؤمنا وعاملا صالحا والامة متواصية بالحق ومتواصية بالصبر؟ هل نحن كذلك؟ ما الفرق بين فقهاء أمراء الحرب وفقهاء حكام المحميات العربية مثلا؟ هل منهم من يمكن أن يدعي أنه يعمل بشرع الله؟أبو يعرب المرزوقي 106 الأسماء والبيان
--لكن \"العلماء\" المزعومين والدعاة هل يتجاوز دورهم الفصام بين الاقوال والأفعال مغلبينمنطق الضرورات تبيح المحظورات فيجعلون الشريعة مجرد غطاء يبرر حكام الطغاة من النوعين؟وهبنا تصورنا ثورة من قلة مخلصة لا ينطبق عليها هذا الوصف فلا يكون أمراء حرب ولا حكام محميات هل يمكن للشريعة الإسلامية أن تقطع أيدي ثلاثة أرباع الشعب المسلم؟فالتسارق هو المناخ العام في المجتمع إذ ليس من الضروري أن تكون السرقة عينية :فالغش والاحتكار والتطفيف كلها سرقات خفية.لكن الأهم من ذلك كله هو أن كل وظائف الدولة العشرة مبينة على أكثر من السرقةفهي حرابة :فإذا من بيده سلطان الدولة ولو جزئيا يستعمله سلاحا للتغطية على فسادهواستبداده :فالقضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع والاستعلامات جلها وفي بعض بلاد العرب كلها تعيش من عرق الامة وتخدم عكس دورها.والأمر لا يتوقف عند وظائف الحماية الخمسة هذه بل يتعداها لوظائف المجتمع الاهليالخمسة أيضا فالتربية النظامية والتربية الاجتماعية والإنتاج الثقافي والإنتاج الاقتصاديوالبحث العلمي كل ذلك هو وظائف الرعاية التي تعمل بعكس دورها وإلا لما انحططنا ولكنا في قمة الهرم الدولي.والوظائف العشر تعمل عكس دورها ومن ثم فهي تسرق أجرها مقابل عمل لم تقم بهبل قامت بعكسه فصارت الامة تدفع اجر من يعمل على تخريب وظائفها والتخريب هو دائمالصالح الأعداء الذين يستفيدون من هشاشة الامة التي يريد لها الإسلام أن تسود العالم فصارت مسودة بأراذله وأخبث البشر.الحثالة ممن يسمون أنفسهم فقهاء المعارضين للحكام باسم الإسلام في الحركات التيتدعي الجهاد يتصورون دولة طالبان وداعش وبوكو حرام هي الدولة الإسلامية .وهي فيالحقيقة النقيض المطلق لنظرية الدولة الإسلامية كما حاولت بيان حقيقتها ظنا أن حفظ بعض المتون البالية علما للشرائع.أبو يعرب المرزوقي 107 الأسماء والبيان
--ولا فرق بينهم وبين الفقهاء الذين يبررون سلوك حكام المحميات .أولئك هم مبرروسلوك أمراء الحرب باسم الإسلام الذي شوهوه وهؤلاء هم مبررو سلوك أمراء المحمياتالتي اقتطعوها من دار الإسلام لتصبح مجرد قواعد لإمبراطورية مغول الغرب :الولايات المتحدة الأمريكية.وهذان النوعان من الفقهاء المزعومين يمثلون شبه كنسية تضيع الحرية الروحية بوساطةتنويمية للشعوب أساسها تحريف الرسالة التي أتت للتحرير وليس للتزوير .الوساطةالروحية تبرر الوصاية الاستبدادية لحكام المحميات باسم الدين أو باسم الفقه ولأمراء الحرب الذين يدعون المعارضة بنفس الاستبداد.والنوعان أخطر على الرسالة وثورتيها أي الحريتين الروحية والسياسية من كل طغاةالعالم وحتى من الاستعمار وعملائه لأن هؤلاء يضاعفون قوة مقاومة العدوان بقيم الإسلاموأولئك يشوهونها فيسهمون في إضعافها ويكادون يبررون هروب الشباب إلى العلمانية والإلحاد بتخريفهم ونفي التطور العلمي.والاخطر من ذلك كله هو أن رؤيتهم للمعرفة هي سر التخلف الذي نزع كل الأدواتوالأسلحة التي تمكن الأمة من حماية ذاتها ورعايتها .لو أضعت كل حياتك في تقليب ألفاظالقرآن والحديث لما حققت أدنى أداة أو سلاح لتحقيق مقومات الحماية والرعاية وفي ذلك نفي للأنفال 60ليس بعده نفي.فالإنسان كلف بتعمير الارض بقيم الاستخلاف .ومن كان جاهلا بقوانين الطبيعة وبسننالتاريخ استحالت عليه أن يحقق شروط التعمير فضلا عن قيم الاستخلاف .ومعنى ذلك أننالم ننحط صدفة بل لأننا تركنا توجيه فصلت 53وتحذير آل عمران 7فعكسناهما :تركنا عالم الشهادة مجهولا وخرفنا حول عالم الغيب.توهم أدعياء الرسوخ في العلم عكس ما وصفتهم به آل عمران 7واستبدلوا الإيمان بالغيببدعوى علم عطفوه على علم الله وهو عندي عين الكفر بكل القرآن لأن علم الإنسان ليسأبو يعرب المرزوقي 108 الأسماء والبيان
--محيطا كعلم الله حتى يكون الراسخون مثله قادرين على تأويل المتشابه :فهذا دليل مرض القلب وابتغاء الفتنة.وما \"يقهرني\" حقا هو تخريف القائلين بالإعجاز العلمي .لو صح أن القرآن يحتوي علىهذا الاعجاز وكان الوصول إليه بشرح النصوص لكان أصحاب هذا الوهم أول الكاشفينعلى اسرار الكون الطبيعي والتاريخ ولغزوا المجرات واستخرجوا من الارض ما فيها منالثروات ولما كان منا متسولون حماية ورعاية ولكانوا هم الرواد لا ينتظرون اكتشاف غيرناثم يدعون وجوده بعده في تفاسيرهم الوهمية .وهم من حيث لا يعلمون يجعلون حقائقالقرآن تاريخية لأنه لا يوجد علم نهائي بل كل ا لعلوم في تطور دائم .فهل ما يدعونوجوده في القرآن يصبح كاذبا بعد أن يتجاوزه العلم؟ الدجالون فسروا القرآن ببطليموس.وإذا كانت الطبائع لا تعلم بشرح النصوص فمن باب أولا ألا تعلم الشرائع به .فالشرائعأكثر تعقيدا من الطبائع ومن ثم فعلمها أعسر .وإذا كانت الطبائع لا تعلم إلا بالإبداعالرياضي والتجربة المادية فإن الشرائع تضيف إليها بسبب ما فيها من طبائع الابداع السياسي والتجربة الخلقية.ومن يجهل هذه الشروط المضاعفة لعلم الطبائع ولعلم الشرائع لا يحق له أن يبدى رايافي الفقه وفي تأصيله .فالإنسان كائن طبيعي (على الاقل بمادة بدنه) وتاريخي (على الأقلبمادة عقله) وهو يعرف فردا وجماعة بعلاقة عمودية مع الطبيعة (مصدر زاده المادي) وعلاقة أفقيه مع التاريخ (مصدر زادة الروحي)واستعماره في الارض مشروط بإنتاجه لهذين الزادين وهما ما يطلبه القرآن منه تكليفايؤهله للاستخلاف إذا هو حققه بقيم الاستخلاف كما حددها القرآن في النساء ( 1الاخوةالبشرية) وفي الحجرات ( 13المساواة بين البشر) وشرط ذلك الحريتان الروحية والسياسية ليختبر المكلف بعلمه وعمله. وهذا هو مناط أحكام أفعال العباد وهو مجال اختبار أهلية آدم وأبنائه للخلافة:أبو يعرب المرزوقي 109 الأسماء والبيان
-- .1والقرآن فيه دستور سياسي للتربية والحكم بتوجيه الإنسان نحو شروط الحياة المنظمة في استعمار الارض .2ودستور معرفي لتوجيهه نحو العمل على علم. والاول حددته الشورى 38والنساء 57والثاني فصلت 53وآل عمران .7والتحديد التوجيهي هو الهداية التذكيرية للإنسان حتى يستعمل ما جهز به فطرياللتعامل مع الطبيعة والتاريخ بما له من إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود تؤهله لأن ينجحفي الاختبار جوهر الحياة الدنيا مطية للحياة الأخرى .ذلك هو مفهوم الرسالة الخاتمة والشاملة للإنسانية وشرط الشهادة عليها.ذلك ما افهم من الرسالة الخاتمة وثورتيها أي الحرية الروحية علاقة مباشرة بين المؤمنوربه والحرية السياسية علاقة غير مباشرة بينه وبين ربه لأنها تمر بعالم الشهادة الطبيعيوالتاريخي الذي اختباره يكون في ما يعلمه وما يعمله للتعامل معهما تعميرا للأرض بقيم الاستخلاف لحساب يوم الدين.أبو يعرب المرزوقي 110 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 111 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114