Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore نظرية عدم التأثيم أو في علل التطرف والعنف السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

نظرية عدم التأثيم أو في علل التطرف والعنف السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-05-21 19:19:25

Description: نظرية عدم التأثيم أو في علل التطرف والعنف السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫أو في علل التطرف والعنف‬ ‫السياسيين‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪8 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪16 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪22 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪29 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫كنت أبحث عن تفسير نسقي يعلل ما يسمى تطرفا وعنفا لدى المنتسبين إلى الأديان وإلى‬ ‫الفلسفات بكل أصنافهما لأن التفسير بتبادل التهم بين الشعوب فيه الكثير من التجني‬ ‫الناتج عن الجهل أحيانا وعن تزييف الحقائق غالبا‪ .‬فلست مقتنعا بنسبة هذا السلوك إلى‬ ‫أي من المرجعيتين في ذاتها‪ .‬واعتمادا على رؤية القرآن تبين لي أن الأمر ذو صلة بانحراف‬ ‫في نظرية القيمة والعمل وفي نظرية المعرفة والنظر‪.‬‬ ‫ومما أيد صحة الحدس الاولي الذي انطلقت منه أمران يتعلقان بتاريخ ظاهرة التطرف‬ ‫والعنف العلمانية الحديثة وما طرأ من تشكيك فلسفي بنظرية القيمة والعلم ونظرية‬ ‫المعرفة والنظر قبلها في أوروبا وبتاريخ ظاهرة التطرف والعنف الدينية الحديثة وما طرأ‬ ‫من تشكيك ديني بنفس النظريتين قبلهما‪.‬‬ ‫فظاهرة التطرف والعنف في الحالتين تلت تشكيك في المطلقات المعرفية والنظرية والقيمية‬ ‫والعملية في الحالتين وكانت رد فعل على هذا التشكيك لكأنها كانت تسابق الزمن قبل أن‬ ‫يحصل التغير الفعلي في مستوى الموقف من هذه المطلقات والخوف من الانتقال إلى نسبية‬ ‫الاجتهاد في المعرفة والجهاد في العمل‪.‬‬ ‫وقد وصلت إلى قناعة أحاول اثباتها وتتمثل في الانقلاب الذي قام به هيجل على فلسفة‬ ‫كنط في الغرب وما ترتب عليه من تعميم فلسفته وفلسفة ماركس الذي صارت إيديولوجيا‬ ‫عالمية صار الإسلاميون أنفسهم قائلين بها وإن بغير وعي كما يتبين من كلامهم على التدافع‬ ‫رؤية جدلية من جنس رؤية هيجل وماركس‪.‬‬ ‫وأقول إن الإسلاميين قد تبنوا الرؤية الجدلية الهيجلية أو الماركسية‪-‬وهما سيان من حيث‬ ‫البناء على الصراع سواء كان بين أرواح الشعوب (هيجل) أو بين الطبقات (ماركس)‬ ‫والأول صار يسمى صراع الحضارات وهو جامع بين الوجهين‪-‬يفعلون ذلك محاكاة غير‬ ‫واعية لأنهم لم يدركوا أنه يؤول إلى قانون انتخاب داروين الطبيعي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فمنطق التطرف والعنف ليس شيئا آخر غير ترجمة الانتخاب الطبيعي إلى حقيقته وهي‬ ‫البقاء للأقوى معيارا للصلاح أو للأهلية بالحياة لمن تبقي عليه حصيلة الصراع‪ .‬وفي ذلك‬ ‫يتطابق راي التطرف والعنف العلماني الذي عرفته أوروبا وكل العالم الذي عمل بالمنطق‬ ‫الماركسي وراي من يسمى بالجهاديين عندنا‪.‬‬ ‫أهملوا ما حددته الآيات ‪ 43- 39‬بعد الآية‪ 38‬من الشورى‪ .‬فهذه تحدد طبيعة حكم‬ ‫الأحرار وأسلوبه ومدار الخلاف فيه حول العقد والرزق وتلك تحدد طبيعة العلاقات‬ ‫السلمية بين البشر في الداخل والخارج فتحررهم من الردود الناتجة عن العضب وتقصرها‬ ‫على الردع القادر على المعاملة بالمثل عند اللزوم ودون ظلم مع تقديم الدفع بالتي هي‬ ‫أحسن التي هي العفو مع المقدرة‪ .‬وفي ذلك تحرير للإنسان من ردود الفعل التي تنكص به‬ ‫إلى التاريخ الطبيعي‪.‬‬ ‫وينبغي أن نرتب الأمرين‪ .‬فالعنف والتطرف نوعان أولهما يعود إلى نسبة الإطلاق في‬ ‫رؤية القيمة والعمل وهو في الغالب عنف مادي أي فعلي‪ .‬والثاني يعود إلى نسبة الإطلاق‬ ‫في رؤية المعرفة والنظر وهو في الغالب رمزي أي فكري‪ .‬والثاني يؤسس للأول ويبرره في‬ ‫الغالب‪ .‬وأعني أن العنيف يتصور ريته القيمية هي الحق المطلق ويعمل بها عملا عنيفا‬ ‫لفرضها ويؤسسها على تطرف في رؤيته المعرفية التي يعتبرها مطابقة للحقيقة في ذاتها ردا‬ ‫للوجود إلى إدراكه له‪.‬‬ ‫فيكون الإشكال في التطرف والعنف عين إشكالية نظرية العمل والقيمة ‪Axiologie‬‬ ‫ونظرية النظر والمعرفة ‪ .Epistémologie‬ومعنى ذلك أن الامر أعمق من المقابلة بين‬ ‫الرؤية الديني والرؤية العلمانية للسياسة لأن الأمرين متعلقان بما هو أعمق من السياسة‪:‬‬ ‫فله صلة بهذين الرؤيتين الوجوديتين للعلم والعمل‪ .‬وأهمية هذا الاكتشاف قابليته‬ ‫للتطبيق الكوني وعدم اقتصاره على الظاهرة الحديثة للتطرف والعنف‪ .‬فهو اكتشاف‬ ‫يفهمنا العنف بصنفيه‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬صنف عنف الغزو البدائي بين القبائل ومجموعاتها كما في حالة المغول وفي حالة‬ ‫الصليبية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وصنف عنف الغزو الاستعماري بين الدول ومجموعاتها كما في حالة الاستعمار‬ ‫الأوروبي‪.‬‬ ‫وقد أخذت أمثلة من نوعي العنف الذي حصل في تاريخنا بوصفنا ضحاياه لأن الغرب‬ ‫وحلفاؤه (مثل كل أقوياء العالم الحاليين كالهند والصين) وعملاؤه (مثل كل حكام العرب‬ ‫وذراعي الغرب في الإقليم أي إيران وإسرائيل) يتهموننا اليوم بكوننا أصل العنف والتطرف‬ ‫اللذين يجمعون بينهما تحت مسمى الإرهاب وجعلوه من خصوصيات الإسلام والمسلمين السنة‬ ‫بالذات مع علمهم بأن الظاهرة كونية‪.‬‬ ‫اخترت الأمثلة بهذه الصورة حتى أجمع بين الوجهين‪ :‬وجه المنفعل ووجه الفاعل‪.‬‬ ‫فالمسلمون كانوا منفعلين بالإرهاب البدائي والإرهاب المتحضر في القرون الوسطى وفي‬ ‫التاريخ الحديث ويتهمون بأنهم الفاعلون في مقاومتهم لهذا الغزو العنيف والمتطرف ليكون‬ ‫الحكم مبنيا على الرؤيتين الدينية والفلسفية‪.‬‬ ‫ومزية الأمثلة أن المسلمين يصح عليهم كذلك أن نقلب الانفعال إلى فعل لأن الأوروبيين‬ ‫كانوا أيضا في وضع المنفعل بالعنف والتطرف الصادرين عنا قبل الصليبيات (أوروبا) وحتى‬ ‫بعدها (في البلقان) لأن جل رؤيتهم لنا صدرت عن هذه المرحلة التي كانت العلاقة فيها‬ ‫علاقة غاز بمغزو لا يمكن أن ينكرها من يريد علم الحقيقة دون انحياز لأحد طرفي الصراع‬ ‫التاريخي في خلال القرون الوسطى وحتى في التاريخ الحديث‪.‬‬ ‫فقصدي ليس معرفة من كان على حق ما دمت اعتقد أن الجميع لم يكن على صواب على‬ ‫الأقل عند النظر إلى الأمر من منطلق رؤية المعرفة والنظر طلبا للحقيقة (الاجتهاد)‬ ‫ورؤية القيمة والعمل تحقيقا لها (الجهاد)‪ .‬ومعنى ذلك أن القضية أعمق من الحكم لهذا‬ ‫على ذاك أو لذاك على هذا بل المطلوب معرفة علة التطرف والعنف‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولهذه العلة فلن أهتم بطرفي النزاع بل بما جعله يكون متطرفا وعنيفا أيا كان الفاعل‬ ‫والمنفعل‪ .‬ذلك أن القضية ليست بين الشعوب فحسب بل هي كذلك في الشعوب‪ .‬فالعلاقة‬ ‫المتطرفة والعنيفة ليست بين غاز ومغز فحسب بل هي ضمن كل جماعة‪ .‬فالعنف والتطرف‬ ‫العلماني والديني كلاهما داخلي وخارجي في آن‪.‬‬ ‫وكما هو معلوم فإني اعتقد أن القوانين التي ليست كلية ليست قوانين أصلا‪ .‬ولا يعنيني‬ ‫الخصوصي‪ .‬العنف والتطرف ملازم لكل الحضارات ولكل الأديان ولكل الفلسفات ومن ثم‬ ‫فعلته لا يمكن أن تنسب إلى أي منها بمعزل عن نسبته إلى البقية وإذن فالعلة مشتركة بينها‬ ‫جميعا وهي ما يعنيني مرضا أشخصه‪.‬‬ ‫لن أنسب إلى نفسي أكثر من سهمها في التشخيص‪ .‬فهو تشخيص قراني ودوري فيه لا‬ ‫يتجاوز التنبيه إليه لأنه كان من ثمرات محاولتي قراءته قراءة فلسفية متحررة مما وقعت‬ ‫فيه علوم الملة من تحريف قلبت أمره ونهية في فهمه بأن جعلت الأمر نهيا (فصلت ‪)53‬‬ ‫والنهي أمرا (آل عمران ‪ )7‬فذهلت عن ثورتيه معرفيا وخلقيا‪.‬‬ ‫فلم تهتم بتعمير الأرض ولا بقيم الاستخلاف لامتناع الفصل بينهما من دون فشل ذريع‬ ‫إما في التعمير الذي يصبح تدميرا أو في الاستخلاف الذي يصبح اتلاف‪ .‬وأذكر أني في‬ ‫حواري مع المرحوم الشيخ البوطي حول أزمة أصول الفقه حاولت أن أبين أن هذا القلب‬ ‫قد تم خاصة فيه رغم كونه مقدما حتى على أصول الدين لأنه متعلق برؤية القيمة والعمل‬ ‫في حين أن هذا متعلق برؤية المعرفة والنظر‪.‬‬ ‫وقد بينت أن أصول الفقه السني بخلاف الوهم خارجي ومعتزلي بالجوهر‪ .‬وحتى يفهم‬ ‫القارئ قصدي فليذكر تاريخ نشأة هذين الموقفين الخارجي والمعتزلي‪.‬‬ ‫• فالأول كان خروجا في ساحة القتال على الجماعة‪.‬‬ ‫• والثاني كان خروجا في ساحة الجدال على الجماعة‪.‬‬ ‫• والاول تعلق بعمل الحكم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• والثاني بحكم العمل‪.‬‬ ‫كلاهما فصل ما خرج من أجله عن شرطيه أي السن الجمعي بقانون سورة العصر‪.‬‬ ‫فلو طبق نوعا الخروج في ساحة القتال بتحريف عمل الحكم بالشرع والخروج في ساحة‬ ‫الجدال بتحريف حكم النظر بالشرع وهو نفس التحريف أي الخروج على التواصي بالصبر‬ ‫في الأول والتواصي بالحق في الثاني والاول هو قانون الجهاد والثاني هو قانون الاجتهاد لما‬ ‫حصل الخروجان ولما وجد التطرف والعنف‪.‬‬ ‫فالتطرف العملي يسبق فيه العنف المادي وهو الخروج في ساحة القتال للخوارج بالمعنى‬ ‫الاصطلاحي‪ .‬والتطرف النظري يسبق فيه العنف الرمزي وهو الخروج في ساحة الجدال‬ ‫للمعتزلة بالمعنى الاصطلاحي‪ .‬الخروج الأول اعتزال الجهاد ضد التواصي بالصبر‪.‬‬ ‫والخروج الثاني اعتزال للاجتهاد ضد التواصي بالحق‪.‬‬ ‫وما كان من اعتزل الاجتهاد يطلب الحقيقة فعلا لما أغفل شرطه القرآني أي التواصي‬ ‫بالحق لان طلب الحقيقة ليس شيئا آخر غير اجتهاد الجماعة ليكون مؤمنا بحق‪ .‬وما كان من‬ ‫اعتزل الجهاد يطلب الحق فعلا لما أغفل شرطه أي التواصي بالصبر لأن تحقيق الحق ليس‬ ‫شيئا آخر غير جهاد الجماعة ليكون عاملا صالحا‪.‬‬ ‫وللحقيقة واعترافا لذي الفضل بفضله فإن من نبهني إلى هذه الحقيقة هو ابن خلدون‬ ‫في فصل ولاية العهد من باب المقدمة الثالث عندما وضع نظرية عدم التأثيم لتجاوز معركة‬ ‫المفاضلة الباطنية بين الصحابة تفضيلا لعلي عليهم بدعوى المقابلة بين الحقيقة المطلقة‬ ‫والباطل المطلق‪ .‬وقد تفطن إلى ان أن السياسي ينتسب إلى الاجتهاد وليس إلى المعرفة‬ ‫المحيطة ومن ثم فهو لا يخضع إلى منطق عدم التناقض والثالث المرفوع‪.‬‬ ‫فقد بين أن المسائل الاجتهادية ليس فيها من هو على صواب مطلق ومن هو على خطأ مطلق‬ ‫حتى لو سلمنا بقابليتها لتطبيق مبدأ عدم التناقض والثالث المرفوع‪ .‬لكنه ينفي هذا‬ ‫التسليم‪ .‬ولكن حتى لو سلمنا بذلك ففي هذه الحالة يمتنع أن نعلم من هو على حق ومن هو‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫على باطل بمعنى أن مشكل تعيين المخطئ والمصيب لا يطرح إلا بعديا وهو حكم على ما كان‬ ‫مجهولا في الماضي بما صار معلوما بعده‪.‬‬ ‫ولولا ذلك لما كان المخطئ في الاجتهاد مجازى إذا كان عن حسن نية إذ قبل الوصول إلى‬ ‫حصيلة الفعل يكون المرء مجتهدا في الحكم والمهم حينها هو مدى صدقه في طلب الحقيقة‪.‬‬ ‫ولذلك فالانقسامات التي ترتبت على خلافات الصحابة لم تكن بين صفين كما يوهمنا من‬ ‫يكذب عليهم‪ .‬فهم في اجتهادهم الصادق قد انقسموا على الأقل إلى خمسة صفوف كما‬ ‫يحصل في أي جماعة افرادها ربوا على الحرية والصدق في الاجتهاد الذي هو شرط الجهاد‬ ‫بالقلب أو باللسان أو باليد بحسب مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يمثلان‬ ‫عين الالتزام بالموقف السياسي‪:‬‬ ‫‪ .1‬صف علي‪.‬‬ ‫‪ .2‬وصف المحترزين من موقفه دون أن يكونوا ميالين لمعاوية‪.‬‬ ‫‪ .3‬وصف معاوية‪.‬‬ ‫‪ .4‬وصف المحترزين من موقفه جون أن يكونوا ميالين لعلي‪.‬‬ ‫‪ .5‬وصف الاحتراز الأعم كان ضد الخروجين على الإجماع في الصفين المتحاربين وفي‬ ‫الصفين المحترزين لأن الصفوف الأربعة لم تعمل بسورة العصر‪.‬‬ ‫لكن صف أصحاب هذا الاحتراز الأعم لم يكن صوتهم مسموعا أولا لقلتهم وثانيا لأن ثورة‬ ‫الإسلام في تأسيس التعددية مع ضرورة التواصي بالحق والتواصي بالصبر لم تكن يسيرة‬ ‫الفهم حينها‪ .‬ولعلها ما تزال كذلك‪ .‬وقد ظن الكثير أن اصحاب هذا الموقف كانوا قعودا‬ ‫ولم يكونوا أدرى بحقيقة الرؤية القرآنية للسياسي عامة‪ .‬فالخطأ هو في ظن المحترزين من‬ ‫الأول مع الثاني والمتحررين من الثاني مع الأول‪ .‬وهو كذب علته رد السياسي إلى ظاهرة‬ ‫تخضع لمنطق عدم التناقض والثالث المرفوع‪.‬‬ ‫والدليل هو أن حتى ابن خلدون الذي تفطن للإشكالية ووضع نظريته في عدم التأثيم‬ ‫لقلب صفحة الفتنة الكبرى وتسفيه الباطنية في تشويه الصحابة اكتفي باستعمالها لهذه‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الغاية ولم يطورها لتصبح تأسيسا للتعددية السياسية لا تنتهي إلى هذه الصفوف الخمسة‬ ‫التي وصفت والتي ما تزال أكبر عائق في لحظة الأمة الراهنة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لست أشك في صدق المرحوم الشيخ البوطي عندما لم يقبل وصفي أصول الفقه بكونه‬ ‫معتمدا على الخروج في ساحة القتال (الخوارج) وعلى الخروج في ساحة الجدال‬ ‫(الاعتزال) لأن لم يفهم العلاقة بين التطرفين والعنفين في نظرية القيمة والعمل وفي‬ ‫نظرية المعرفة والنظر بمنطق المطابقة او الإنسان مقياس كل شيء‪.‬‬ ‫ولست واثقا من أن الكثير يمكن أن يغوص إلى الحد الذي يجله يدرك هذه العلاقات‬ ‫العميقة في ما طرأ على فهم نصوص القرآن وسنة الرسول في المعاملات بين البشر سواء كانت‬ ‫متعلقة بالتبادل وهو بالأساس شرط قيام الإنسان المادي أو متعلقة بالتواصل وهو بالأساس‬ ‫شرط قيام الإنسان الروحي‪.‬‬ ‫فالموقف الخارجي هو الذي ينبني على فعل الحكم الديني أو بصورة أدق على إطلاق‬ ‫الجهاد بمقياس الفهم الفردي لحكم القرآن في العمل والقيمة والموقف الاعتزالي هو الذي‬ ‫ينبني على حكم الفعل الديني أو بصورة أدق على إطلاق الاجتهاد بمقياس الفهم الفردي‬ ‫لحكمه في النظر والمعرفة‪ :‬إلغاء التواصيين بالحق في الاجتهاد وبالصبر في الجهاد‪.‬‬ ‫ففي حالة الخروج في ساحة القتال على علي ألغى الخوارج التواصي بالصبر‪ .‬وفي حالة‬ ‫الخروج في ساحة الجدال خروج من تلميذ على أستاذه ألغى المعتزلة التواصي بالحق‪ .‬كلاهما‬ ‫تصور أن قيم العمل وحقائق النظر تقاس بالراي المفرد وليس بالبحث الاجتهاد والسعي‬ ‫الجهادي المتعدد والمتواصي طلبا للحق وتحقيقه‪.‬‬ ‫وليس بالصدفة أن كان جل الحركات الإسلامية التي تدعي الجهاد يؤول موقفها عادة إلى‬ ‫موقف الخوارج بدعوى علم الحقيقة الشرعية علما مطلقا بدلا من البحث عن الحلول التي‬ ‫يفرضها مبدأ عدم التأثيم السياسي بمنطق سورة العصر‪ .‬وليس بالصدفة كذلك أن جل‬ ‫الحركات العلمانية التي تدعي الاجتهاد يؤول موقفها إلى موقف المعتزلة بدعوى علم‬ ‫الحقيقة العقلية علما مطلقا بدلا من البحث عن الحلول التي يفرضها مبدأ التعدد السياسي‬ ‫بمنطق الديموقراطية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وغالبا ما يكون أدعياء الموقف الثاني يدعون الحداثة وينحازون إلى أسوأ ما فيها أعني‬ ‫الاستبداد والفساد الفكري والسياسي للأنظمة التي هي توابع للاستعمار وذراعيه في‬ ‫الإقليم أي إيران وإسرائيل‪ .‬وغالبا ما يدون أدعياء الموقف الأول يدعون الأصالة‬ ‫وينحازون إلى أسوأ ما فيها أعني الاستبداد والفساد الفكري والسياسي لأمراء الحرب‬ ‫الذين هم بدورهم بوعي أو بغير وعي جزء لا يتجزأ من استراتيجية الاستعمار لإبقاء‬ ‫الأمة في حرب أهلية أبدية هي السر في بقائها عاجزة دون الاستئناف الفعلي في التاريخ‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫وما كانوا ليفعلوا لو لم يكونوا معتقدين أن العمل والعلم الإنسانيين مطلقان وأن ما‬ ‫نعمله مطبق لما ينبغي أن يكون وأن ما نعلمه محيط بالموضوع‪ .‬والموقفان منافيان لنظرية‬ ‫المعرفة والنظر (التواصي بالحق) ولنظرية القيمة والعمل (التواصي بالصبر) الواردتين‬ ‫في القرآن الكريم واللتين تلخصهما صورة العصر شرطا لصدق الإيمان وصلاح العمل‪.‬‬ ‫فيكون الخروج في ساحة القتال أساس التطرف والعنف المسلح بالسيف‪ .‬ويكون الخروج‬ ‫في ساحة الجدال أساس التطرف والعنف المسلح بالقلم‪ .‬وهما أصل الارهابين اللذين يتدثر‬ ‫أولهما باسم الوحي والثاني باسم العقل‪ .‬والوحي والعقل كلاهما براء منهما لأن أساسهما‬ ‫سفسطائي‪ .‬وهو اعتبار الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه‪ :‬الخوارج استعملوها في‬ ‫العمل والشرع والمعتزلة في النظر والعقد‪.‬‬ ‫وهذه الظاهرة يسميها ابن خلدون‪-‬مرة أخرى نحن ندين له بالكثير‪-‬وهم رد الوجود‬ ‫إلى الإدراك (عند المعتزلة) وقياسا عليه يقع رد المنشود إلى الإرادة (عند الخوارج) وهو‬ ‫رد يؤسس لما يسميه حب التأله أو الطغيان المادي بالسيف والطغيان الرمزي بالقلم‪ .‬والأول‬ ‫هو أساس الاستبداد السياسي والثاني هو أساس الاستبداد الفكري‪ .‬وكلاهما يسيطر على‬ ‫المسلمين في الحكم والثقافة‪.‬‬ ‫الأمة يحكمها الخوارج (في العمل والتشريع) والمعتزلة (في النظر والعقد) أعني أنها‬ ‫تحكم باستبداد السيف وباستبداد القلم منذ الفتنة الكبرى (الباطنية) إلى اليوم بعد أن‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫زادت الطين بلة بسبب الفتنة الصغرى (العلمانية)‪ .‬والمشكل هو أن من يعارضهم أصبح‬ ‫مضطرا لأن يعمل مثلهم والبقية هم ممن وصفت عند الكلام على علي ومعاوية‪ .‬شعوبنا ما‬ ‫تزال في نفس الوضعية‪ :‬حاكمان يتحاربان وصفان محترزان وصف خامس يريد أن يفهم‬ ‫خارج الصفوف الأربعة‪.‬‬ ‫وقد أصنف نفسي فأضعها في هذا الصف الخامس‪ .‬وغالبا ما يكون الصف الخامس مجرد‬ ‫مشاهد لعله يكون شاهدا أمينا ومشخصا دقيقا لأدواء الامة‪ .‬وعلى كل فالتشخيص ليس‬ ‫توارد خواطر بل هو يعود إلى أصل كل هذه الانحرافات التي إصلاحها شرط الاستئناف‪:‬‬ ‫رهان الأكسيولوجيا (نظرية القيمة) والإبستمولوجيا (نظرية المعرفة)‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن كل الفقهاء من حيث لا يدرون لا يمكن ألا يكونوا مؤسسين ومبررين‬ ‫للتطرفين والعنفين سواء كانوا فقهاء شريعة سماوية أو شريعة وضعية لان أحكام الأولين‬ ‫تقاس إلى أحكام الله التي يظنون أنفسهم عالمين وعاملين بها والثانين على أحكام الطبيعة‬ ‫التي يظنون أنفسهم عالمين وعاملين بها‪.‬‬ ‫والعلة أنهم لا يرون الفرق بين ما يعتبرونه مثالا يحتذى والاحتذاء‪ .‬فإذا كان المحتذى‬ ‫مثالا أعلى وتوهم الإنسان ان الاحتذاء مطابق فهو قد \"تأله\" بالمعنى الخلدوني لمجرد‬ ‫توهمه أن الوجود قابلا للرد إلى إدراك الإنسان له‪ .‬فهل يمكن أن يطابق عملنا أو علمنا‬ ‫شريعة الموجود الإلهي أو الطبيعي؟‬ ‫كـل التطرف والعنف سواء كان باسم الوحي أو باسم العقل علته هذا الوهم في إمكان‬ ‫المطابقة ورد الوجود إلى إدراكنا له سواء كان معرفيا أو قيميا‪ .‬وبهذا المعنى فكل أحكام‬ ‫القرآن الفقهية مثلا لا يمكن أن يطبقها الإنسان من دون أن يدعي أنه حائز على شروط‬ ‫الإحاطة التي للمشرع الإلهي مهما بلغ علمنا‪ .‬ولست غافلا عن أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الظن بأني بذلك أعطل أحكام الله‪.‬‬ ‫‪ .2‬الظن بأني بذلك أنهي كل القانون الجنائي المبني على الشريعة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ودون أدنى سعي للدفاع عن نفسي فلنسأل القرآن في أكبر جريمتين كيف يطبق عليهما‬ ‫القرآن ما اسعى إلى بيانه‪ :‬أليس الإسلام هو دين الله؟‬ ‫أليست الحرابة أكبر جرم مضاعف؟‬ ‫هل يوجد شيء لا يغفره الله غير الشرك والكفر بالرسالة الخاتمة؟ ومع ذلك فالقرآن‬ ‫لا يكتفي بوعد أصحاب الأديان الأخرى بالا يخافوا ولا يحزنون إذا أمنوا بالله وباليوم‬ ‫الآخر وعملوا صالحا (البقرة ‪ 62‬والمائدة ‪)69‬؟‬ ‫ألم يرجئ حتى المشركين للفصل بينهم وبين غيرهم إلى يوم الدين (الحج ‪)17‬؟‬ ‫ولنورد مثال الحرابة‪ .‬ألا يأمر القرآن بإيقاف العقاب على المحارب إذا استسلم قبل قدرة‬ ‫الدولة عليه دون أن يلغي الحكم؟‬ ‫أليس معنى هذا أن الله أعطانا نموذجا في جب التوبة ما قبلها لأن الهدف من التشريع‬ ‫هو حماية الجماعة وليس مجرد الانتقام من المجرمين ما يجعله يترك باب التوبة مفتوحا ما‬ ‫يقلل كلفة النظام والعدل؟‬ ‫أكثر من ذلك ألم يكد القرآن يلغي عقوبة الإعدام التي تتعلق بقتل النفس من خلال‬ ‫التشجيع على العفو؟‬ ‫وهل كان يبقي عليها لو لم يكن القصد تجنب عودة المسلمين للثأر ومعنى القصاص الذي‬ ‫تشرف عليه الدولة حياة لأنه يجنب تواصل القتل والاقتتال؟‬ ‫ثم متى يفهم الفقهاء أن الحكم غير مقدار العقوبة؟‬ ‫وقطع اليد ليس هو الحكم بل هو مقدار العقوبة‪ .‬فالحكم هو السرقة جريمة‪ .‬أما قطع‬ ‫اليد فهو مقدار العقوبة الاقصى‪ .‬وإذا اعتبرت الظروف إما العامة أو الخاصة بالسارق‬ ‫يجعل الوصول إلى هذه المقدار من العقوبة شبه مستحيل‪ .‬ولولا الخلط بين الامرين لما طبق‬ ‫القطع أصلا لأنه حد أقصى تخففه الظروف‪.‬‬ ‫لو لم يكن الفقه مبنيا على الخروجين كما وصفته في حواري مع الشيخ البوطي لكان‬ ‫أفضل ألف مرة من القانون الوضعي وذلك لعلتين‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أولا لأنه يجمع بين الوازعين الذاتي وهو ناتج عن الاعتقاد بأنه شرع الله والأجنبي‬ ‫وهو الاعتقاد بأنه لا يقتصر على العقاب بل جزاء الحسنات ضعف عقاب السيئات عشرة‬ ‫مرات‪.‬‬ ‫وكل ذلك يحد من السيئات (وخاصة الجرائم منها) ويشجع على الحسنات (وخاصة‬ ‫الفضائل منها)‪ .‬لكن اعتماد الفقه على وهم قدرة قاضي الارض أن يكون مثل قاضي‬ ‫السماء أفسد القضاءين بأن اساء تأويل الاول وقاس عليه ما جعل الفقه مصدر التطرف‬ ‫والعنف ولذلك فجل الإرهابيين وراءهم فقهاء جهلة بالدين‪.‬‬ ‫وما قلته عن فقهاء الشرع السماوي يقال مثله وأكثر منه عن فقهاء الشرع الوضعي‪ .‬وما‬ ‫يسمى بالتعزير شرح وضعي متنكر وهو أقبح منه لأنه ينكر طبيعته ويزعم أصلا دينيا ليس‬ ‫موجودا‪ .‬ذلك أنه في الإسلام لا يوجد حكم الإعدام إلا في حالة قتل النفس عمدا وغياب‬ ‫العفو وكل حكم بالإعدام تعزيرا هو في الحقيقة تجن عن شرع الله لخدمة المستبدين‬ ‫والفسدة من الحكام‪.‬‬ ‫ولست أدعي علما في الفقه أو فلسفة‪ .‬لكني أكتفي بالتحديد الصارم للمفهومات التي‬ ‫تستعمل بشيء من العمومية الغافلة عن التعريف السليم‪ .‬فجل المعاني في علوم الملة مبهمة‬ ‫لأن منهج التعريف فيه شيء من التسرع الذي يفقد الحدود خاصة الجمع والمنع فيكون كله‬ ‫راجعا إلى المتشابه والجرأة على التأويل بخلاف ما تنهى عنه آل عمران ‪ .7‬وأكبر جرأة‬ ‫وأخطرها توهم التشريع في النوازل من جنس التشريع للتشريع حتى في القانون الوضعي‬ ‫فضلا عن القانون الشرعي‪.‬‬ ‫ففي التشريع للتشريع في القانون الوضعي ليس القاضي هو المشرع للتشريع الذي‬ ‫يستعمله‪ .‬فتشريع التشريع له بعدان‪ :‬بعد شرعية نص التشريع وهي خاضعة للأمانة‬ ‫المبدئية وللعدالة التطبيقية‪ .‬وهو إذن ذو شرعيتين واحدة تتعلق بالمبادئ والقيم التي‬ ‫يتأسس عليها والثانية تتعلق بما لواضعها من سلطان يكون أصل السلطة سواء كان إنسانية‬ ‫(الشورى ‪ )38‬أو إلهية (لله الأمر بعد الخلق)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لكن شرعية الحكم في النوازل مختلف لأنه مبني على شرعية التشريع أي إن القاضي‬ ‫ليس هو واضع النص الذي يطبقه بل المطلوب الأمانة في التطبيق والعدل فيه وسلطانه لا‬ ‫يتحاوز الحكم لأنه ليس أصل النص ولا هو منفذه‪ .‬فإذا ظن أنه مثل مشرع التشريع فهو‬ ‫يدعي سلطانا ليس له وإذا توهم أنه مثل المنفذ فهو كذلك يدعي سلطانا ليس له‪.‬‬ ‫لكنه له الحق في أن يقدح في شرعية التشريع إذا كان وضعيا بالعودة إلى أصل شرعية‬ ‫التشريع أي في القانون الوضعي‪ :‬دستورية القانون الذي سيطبقه في حكمه في النوازل‪.‬‬ ‫ويمكن كذلك أن يجادل في تأويل النصوص الدينية بالاستناد إلى ما يشبه الدستور فيها أي‬ ‫إلى القرآن والسنة‪ .‬لكنه في الحالة الثانية بخلاف الحالة الأولى لا يمكنه أن يزعم أن‬ ‫حكمه من جنس حكم الله فيخلط بين التشريع للنوازل العينية والتشريع للتشريع لخلطه‬ ‫بين وروده في أمثلة عينية تقدم كنماذج والأمثلة العينية التي يتصورها حكما في نوازل‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫وذلك ما حدث في موقف الخوارج الذين تصرفوا بوصفهم قضاة في سلوك الخليفة الرابع‬ ‫بوصفهم قضاة عمل في فعل الحكم وموقف المعتزلة الذين تصرفوا بوصفهم قضاة نظر وعقد‬ ‫في حكم الفعل في سلوك معاوية‪ .‬فكانوا بذلك بداية التحريف لسياسة الإسلام في التعامل‬ ‫المتحرر من الإرهابين العملي والنظري في كل تاريخ الأمة التي صارت بذلك مثل غيرها من‬ ‫الأمم ولم تستفد من ثورة الإسلام في الجهاد (الخروج) والاجتهاد (الاعتزال) لكأنهم لم‬ ‫يتدبروا سورة العصر وشروط الاستثناء من الخسر‪.‬‬ ‫لست أشك في أن القارئ المتسرع لا يرى العلاقة البعيدة بين خروج الخوارج في ساحة‬ ‫القتال وخروج المعتزلة في ساحة الجدال لأنه ينسى أن الأولين خرجوا في ساحة القتال باسم‬ ‫عمل الحكم (وهو موقف من سلوك الخليفة الرابع) وأن الثانين اعتزلوا أي خرجوا في ساحة‬ ‫الجدال باسم حكم العمل (وهو موقف من سلوك معاوية أو حكم الكبائر)‪ .‬فكان الخروجان‬ ‫مؤسسـين التطرف والعنف في العمل والشرع عند الخوارج وفي النظر والعقد عند المعتزلة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لكن لو كان الخارجي صادق الإيمان وصالح العمل لعمل بالتواصي بالصبر ولما خرج‪ .‬ولو‬ ‫كان المعتزلية صادق الإيمان وصالح العلم لعلم بالتواصي بالحق ولا اعتزل‪ .‬الخروج نفي‬ ‫للمشاركة في التواصي بالصبر والاعتزال نفي للمشاركة في التواصي بالحق‪ :‬كلاهما تأله‬ ‫وخرج عن الجماعة بإطلاق الجهاد والاجتهاد‪.‬‬ ‫ورغم أن الشافعي وما أدراك من الشافعي قد قال ما قال في سورة العصر فإنه لم يطبقها‬ ‫في تأسيس أصول الفقه‪ .‬فقد ظن أن أحكام القرآن قابلة للتطبيق إنسانيا والعقل يوجب‬ ‫ألا يستثنى من ذلك حتى النبي نفسه لكونه لا يعلم الغيب والفقه لا يمكن أن يكون عادلا‬ ‫بإطلاق لأن الإنسان لا يعلم السرائر شرطا فيه‪ .‬والرسول هو دون شك أقرب البشر لعلم‬ ‫شروط القضاء العادل كما وردت في القرآن وصفا ليوم الحساب‪ .‬ويعلم أنها نماذج لتشرع‬ ‫للتشريع وليست تشريعا للنوازل ذاتها فيقاس عليها‪.‬‬ ‫وينبغي أن نفهم معنى الفرق بين \"التشريع للتشريع\" وبين \"التشريع للنوازل\"‪ .‬فالأول‬ ‫يتعلق بشروط شرعية أي تشريع يضعه الإنسان لأن ما يضعه الله لا يحتاج لشروط‬ ‫الشرعية إذ الله هو أصل كل شرعية‪ .‬شروط شرعية التشريع وضعت للإنسان حتى يكون‬ ‫ساعيا لتحقيق العدل بأمانة (النساء ‪ )58‬باعتباره حكما في النوازل بين البشر‪ .‬والتشريع‬ ‫للنوازل مشروط بالتشريع للتشريع وهو على نوعين‪:‬‬ ‫‪ .1‬التشريع الإجرائي وهو مقدم‬ ‫‪ .2‬التشريع المضموني وهو متأخر‪.‬‬ ‫والتقديم والتأخير علته أن الخلل في الأول يحول دون الصواب في الثاني‪ .‬ولذلك فما‬ ‫لم يضمن التشريع استقلال القاضي وحريته واحتكامه إلى ضميره ليكون أمينا للقيم‬ ‫وعادلا بين المتحاكمين فلا معنى للتشريع المضموني الذي يكون تأويله محكوما بما توفره‬ ‫الإجراءات من شروط استقلال القاضي وعلمه بحدود علمه وتبعيته وخضوعه لما يوضع له‬ ‫من حدود من قبل الاقوياء في الجماعة الذين لا يؤمنون لا بالأمانة ولا بالعدل فضلا عن‬ ‫شروط نفاذ الأحكام‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهنا لا بد من فهم معنى \"تلك حدود الله فلا تقربوها\"‪ .‬فالحد حتى لغويا هو غاية الشيء‬ ‫أي ما نصل إليه نهاية له‪ .‬فمن المنهي عن بلوغ تلك الحدود؟‬ ‫توهموا أن المنهي هو المجرم وحده الذي يقربها‪ .‬وطبعا بما أنها حدود فهو يقربها لكنه‬ ‫لا يبلغ إليها لأن الأجرام لا حد ومهما فعل فلن يستطيع الاقتراب من الممكن‪ .‬والعدل أيضا‬ ‫لاحد له ومهما فعل القاضي لا يستطيع أن يقترب من العدل الممكن الذي حده هو عدل‬ ‫الله اللامتناهي‪.‬‬ ‫ومثلما أن الجريمة المطلقة اقتراب من حدود الله فالعدل المطلق اقتراب من حدود الله‪.‬‬ ‫وإذن فالنهي عن الاقتراب يشمل الوجهين‪ .‬فحد العدل لا يتحقق إلا عندما يكون الحاكم‬ ‫اهو لله نفسه لأن شرطه لا يتوفر إلا له علما بسرائر المجرمين أولا وعملا بالقدرة المطلقة‬ ‫التي تجعل كل أعضائهم شاهدة عليهم‪ .‬ولذلك فالنهي عن القرب من حدود الله ينطبق‬ ‫أيضا على القضاة والفقهاء لأنهم إذا طبقوا الحد الأقصى ينسون هذا النهي‪.‬‬ ‫فالحد الذي يقربونه محرم عليهم أيضا‪ .‬إنه ليس حد الجريمة وحدها بل هو كذلك حد‬ ‫العدل المطلق الذي لا يتوفر لغير الله‪ .‬ولا يمكن للقاضي الذي يقضي بقطع اليد ألا يكون‬ ‫مدعيا أنه علم الحقيقة بإطلاق ويعمل بالأحكام بإطلاق‪ .‬وهذان هما الخطئان الناتجان‬ ‫توهم نفسه مقياس كل شيء مثل السوفسطائي والخارجي والمعتزلي‪ .‬وتلك هي علة قل‬ ‫الرسول ثلاث القضاة في النار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫قد يسارع القاري المتعجل فيظن أني بما قلت عن مقدمة ابن خلدون قد نكصت إلى القول‬ ‫بالإعجاز العلمي ما دمت أبدو وكأني اعتبر علمه موجودا في القرآن أو على الأقل مستمد‬ ‫منه‪ .‬وهذه فرصة لتوضيح طبيعة معارضتي للقول بالإعجاز العلمي وقولي في آن إن القرآن‬ ‫يمثل الرؤية التي تحرر مما كان سائدا في الابستمولوجيا والاكسيولوجيا التي ورثها فكر‬ ‫المسلمين من ثقافة عصرهم التي هي يونانية مختلطة بالثقافة الدينية المتقدمة على‬ ‫الإسلام‪.‬‬ ‫ولكن قبل ذلك أسأل‪:‬‬ ‫أليس ما أبدعه ابن خلدون سابق على ما بينت دلالته القرآنية التي اكتشفتها بالانطلاق‬ ‫مما أمرت به الرؤية القرآنية في فصلت ‪53‬؟‬ ‫وهل ادعيت أن هذا التأويل لمصادر فكر ابن خلدون كان بمعنى المضمون المعرفي وليس‬ ‫بمعنى المناخ الرؤيوي المحرر من الموروث السائد أو الرؤية التي جعلته يكتشف ما اكتشف‬ ‫في فلسفة التاريخ بالانطلاق من مفهوم الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي‬ ‫خلق له\" ومفهوم معاني الإنسانية القرآنيين؟‬ ‫أفي هذا تقول على القرآن؟‬ ‫وما الصلة بين اكتشاف ابن خلدون لفلسفة التاريخ الذي كما بينت ما يزال ناقصا وإلا لما‬ ‫احتجنا لتجاوزه والتفكير في خلدونية جديدة ‪-‬وهو أمر طلبه هو نفسه في خاتمة المقدمة‪-‬‬ ‫والرؤية التي تفسر بحثي في منطلقاته وفي الرؤية التي جعلته يرى ما لم يره غيره‪:‬‬ ‫فرضيتي رؤية القرآن للإنسان والتاريخ‪.‬‬ ‫وفرضيتي ليست تحكمية‪ .‬فابن خلدون بنفسه هو الذي عينها‪ :‬ألم يقل إنه يريد أن‬ ‫يدرس العمران البشري والاجتماع الإنساني ليس من منطلق الأحكام السلطانية ولا من‬ ‫منطلق المدن المثالية بل من منطلق طبائع الأشياء وما فيها من قوانين وسنن؟ إنه تطبيق‬ ‫حرفي لفصلت ‪ 53‬أي آيات الله في الآفاق والأنفس وتجنب واع لتحريف آل عمران ‪.7‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وآيات الله في الآفاق وفي الأنفس هل يمكن طلبها من شرح كلمات القرآن؟ ما يسمى‬ ‫بالإعجاز العلمي هو توهم اكتشاف قوانين بالاعتماد على شرح آيات القرآن أو شرح آيات‬ ‫القرآن في ضوء ما يكتشفه غيرنا للدلالة على سبق علمي لم نكتشفه ونتوهم أنه المقصود‬ ‫في ما ندعيه بالتحكم اللساني لتأويل النص‪.‬‬ ‫فلا أنا قلت إن ابن خلدون استخرج قوانين التاريخ وسننه من شرح ألفاظ القرآن ولا هو‬ ‫زعم ذلك‪ .‬ما قلته هو أن ما توصل إليه ابن خلدون لا يمكن فهمه من دون وصله بالرؤية‬ ‫القرآنية للتاريخ إذا اعتبرنا هذه الرؤية لا تتبين حقيقتها‪-‬كما قالت فصلت ‪-53‬إلا من‬ ‫خلال ما يرينه الله من آيات الآفاق والأنفس التي توجه إليها ابن خلدون في عمله الفكري‬ ‫وتحرر من تخريف المتكلمين والفلاسفة والفقهاء والمتصوفة الذين لم يتجاوزوا التعامل‬ ‫المقلوب معها ومع آل عمران ‪..7‬‬ ‫لو كان علم ابن خلدون مستمدا من شرح الفاظ القرآن مثلهم لكان ما اكتشفه قد كان‬ ‫موجودا قبل اكتشافه وادعى أنه موجود في شرح هذه ألفاظ القرآن كما يفعل دعاة الاعجاز‬ ‫العلمي في خرافاتهم‪ .‬لم نسمع بأحد منهم اكتشف قانونا علميا واحدا أو فلسفة ما انطلاقا‬ ‫من شرح الألفاظ بل كلهم يأخذون قانونا اكتشفه غيرهم بالبحث العلمي الجدي بعد ثم‬ ‫يتعسفوا على شرح ألفاظ القرآن حتى يجدوا فيها ما يشبهه توهما‪.‬‬ ‫وقد بينت أن هذا الوهم علته الظن أن القرآن فيه علم بالغيب في حين أن ما فيه هو‬ ‫إعلام بوجود الغيب واعلام بعجز الإنسان عن علمه وأن القرآن لا يمكن من ثم أن يكون‬ ‫رسالة موجهة إلى الإنسان ويتضمن ما هو نفسه يعلمه باستحالة علمه‪ .‬فهذا يعني أن‬ ‫الرسالة لو كان فيها علم بالغيب لما بقيت رسالة إلى الإنسان‪ .‬وما خرافة الراسخين في العلم‬ ‫سواء العقلي أو اللدني تمثل أكبر أكاذيب علمائنا‪ :‬الآية السابقة من آل عمران تعني‬ ‫بالرسوخ في العلم النقيض التام لما تحايلوا لتأويلها حتى تكون أساسا لسلطانهم في التربية‬ ‫المؤسس لسلطان الطغاة في الحكم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذا التحيل جريمة في حق القرآن وفي حق الأمة‪ .‬ففي حق القرآن هو ادعاء أن القرآن‬ ‫لم يأت لكي يجعلنا نجتهد لتعمير الأرض ولجعل ذلك التعمير بقيم الاستخلاف بل أمدنا بما‬ ‫يغنينا عن الاجتهاد في المعرفة (التواصي بالحق) والجهاد في العمل بها (التواصي بالصبر)‪.‬‬ ‫بهذا الموقف الخاطئ يلغى التكليف من أصله‪.‬‬ ‫أما الجريمة في حق الأمة فلست بحاجة لشرحها‪ :‬يكفي رؤية حالها منذ قرون‪ .‬فلا هي‬ ‫قادرة على تعمير الارض ولا هي قادرة على اثبات جدارتها بالاستخلاف‪ .‬فهي تابعة في‬ ‫العمارة‪ .‬وهي كما بين ابن خلدون فاسدة معاني الإنسانية لأن تربيتها وحكمها يعتمدان‬ ‫على العنف ولا شيء غير العنف الأعمى والأصم‪ .‬والمعلوم أن لجوء الإنسان إلى العنف‬ ‫مصدره أمران‪:‬‬ ‫• الأول هو الجهل بحقيقة القوانين والسنن التي تغني عنه سواء تعلق بالتعامل مع‬ ‫الطبيعة أو مع البشر لأنها تحقق التعمير بقيم الاستخلاف كما يحددها القرآن الكريم‪.‬‬ ‫• والثاني الارتجال الناتج على انتظار حدوث الأشياء والوقوف منها موقف من يرد‬ ‫الفعل العاجز عن \"الحيل\" التي تبدعها المعرفة لاستباقها واعداد شروط علاجها‪.‬‬ ‫وهذا هو ما يسمى العمل على جهل وكل عمل ليس على علم اضطراب وليس فعلا إنسانيا‬ ‫خاضعا لتفكير سابق ومساوق ولاحق للفعل‪ .‬فالسابق يعد له استراتيجية والمساوق يعدلها‬ ‫خلال استعمالها واللاحق ينقدها لتغيير جذري إن لزم الأمر وبذلك يتقدم العلم والعمل‬ ‫في كل الحضارات الحية فرديا كان أو جماعيا‪.‬‬ ‫وذلك هو معنى التواصي بالحق اجتهادا لمعرفته ومعنى التواصي بالصبر جهادا لتحقيقه‪.‬‬ ‫وشرط ذلك أن يكون الإنسان مؤمنا وعاملا صالحا‪ .‬ولا يمكن لذلك أن يحصل ما لم يكن‬ ‫الإنسان واعيا بأنه من دونه يكون في \"الخسر\"‪ .‬والخسر هو معنى الرد أسفل سافلين أي ما‬ ‫دون أهلية الاستخلاف الذي خلق له الإنسان‪.‬‬ ‫ونحن المسلمين يعلمنا القرآن أن هذا الرد تجاوزه الإنسان بما تقصه علينا قصة اتمام آدم‬ ‫للكلمات التي تلقاها فعفا عنه ربه ومن ثم فليس عندنا ما عند المسيحيين من خطيئة موروثة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بل الإنسان فطريا خير وما الشر في حياته إلى نتيجة الجهل بما في فطرته من تجهيز يمكنه‬ ‫من التعمير الاستخلافي‪.‬‬ ‫والخطيئة الموروثة هي التي بنى عليها الفكر الديني المسيحي قصة المسيح ابنا للرب (آل‬ ‫عمران ‪ )79‬حتى يؤسسوا عليها نظرية الشفيع الذي قبل الموت من أجل البشرية والذي‬ ‫تمثله الوساطة الكنسية والوصاية السياسية (الحكم باسم الله أو المسيح بتشريع كنسي)‪.‬‬ ‫وهذان التصوران هما علة العنفين‪.‬‬ ‫وهذه القصة تلطيف دون تغيير جوهري لنظرية شعب الله المختار‪ .‬من ذلك أن أحد‬ ‫كبار العلماء في الرياضيات وكبار المنظرين للمسيحية ‪-‬باسكال‪-‬زعم أن محمدا لا يمكن أن‬ ‫يكون رسولا لأنه ليس يهوديا‪ .‬وهو ما يعني أن الله لا يتصل بالبشر إلى بتوسط اليهود‬ ‫بخلاف نظرية القرآن في الرسالات‪.‬‬ ‫فالقرآن يعتبر أن لكل أمة رسولا بلسانها وأن الرسالة الخاتمة تذكير الديني في كل دين‬ ‫وهي الإسلام الذي هو دين الله المرسوم في ما فطر عليه الإنسان من حيث هو إنسان بصرف‬ ‫النظر عن عرقه ولونه ودينه وجنسه وعصره بل الإنسان من حيث هو إنسان شهد بذلك‬ ‫وهو في ظهر أبويه (الأعراف ‪.)173-172‬‬ ‫ولهذه العلة تكلمت على تواز تام بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ في القرآن‪ .‬والدليل‬ ‫القاطع في ذلك هو أن القرآن يعالج الامر في مستويين فضلا عن المسائل المتعلقة بالرسالة‬ ‫نفسها من حيث أبعادها الخمسة أي المرسل والمرسل اليه والرسول ومضمون الرسالة ومنهج‬ ‫التبليغ وهما العرض النقدي والبديل المحرر‪.‬‬ ‫فأما العرض النقدي فلا أحد يشكك في وجوده في القرآن إذ هو يستعرض كل الرسالات‬ ‫المتقدمة عليه ويحلل علل ما حال دونها والتحقق في التاريخ الفعلي للأمم التي تلقتها‪ .‬وأما‬ ‫البديل فلا أحد يشكك في وجوده كذلك إذ القرآن لم يكتف بهذا النقد للأمم بل بين علل‬ ‫ما حصل واقترح تربية وحكما يتجنباها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والتربية والحكم اللذان يتجنبان ما حصل في التجارب السابقة من عوائق حالت دون نجاح‬ ‫الرسالات السابقة بتخليصهما مما جعلهما محرفين للرسالات وعنيفين‪ .‬فالتحريف علته‬ ‫الأولى التربية بوجود الوساطة بين المؤمن وربه (الكنسية) فألغاها وعلته الثانية الحكم‬ ‫بوجود الوصاية بين المؤمن وأمره (أجهزة الدولة المتعالية على الجماعة) فألغاها‪.‬‬ ‫ولآخذ مثالا حيا من راهن تاريخنا‪ :‬من ينظر إلى ما يفعله أي حاكم عربي يفهم ما أقصده‬ ‫بالعنف المادي المؤسس على العنف الروحي‪ .‬لو أخذنا مثال أمير السعودية الحالي‪ .‬فهو‬ ‫يبدو ساعيا للتخلص من وساطة كنسية وهابية ليعوضها بكنسية ليبرالية للانتقال من حكم‬ ‫باسم الله إلى حكم باسم الإنسان‪.‬‬ ‫فيبدو الأمر للجاهل وكأنه تطور كبير لأنه يحاكي ما ينسب إلى الغرب من انتقال حصل‬ ‫في القرنين السادس عشر والسابع عشر حيث حد من سلطان الكنيسة بالإصلاح الديني ومن‬ ‫سلطان الحكم باسم الله بالديموقراطية‪ .‬لكنه في الحقيقة لم يصلح دينا ولم يحقق‬ ‫ديموقراطية بل ألغى اسم الله وأوهم أنه يعوضه باسم الإنسان‪.‬‬ ‫والعلة أنه جاهل بما يفعل‪ .‬ذلك أن الإسلام ليس فيه سلطة كنسية للتربية ولا يحكم‬ ‫باسم الله للسياسة‪ .‬فالتربية قانونها الإسلامي \"إنما أنت مذكر\" والحكم قانونه الإسلامي‬ ‫\"لست عليهم بمسيطر\"‪ .‬ما فعله هو أنه صار \"بابا\" يفكر بدلا من الأمة وطاغية يحكم بدلا‬ ‫من الأمة‪ :‬فلا هو أصيل ولا هو حديث‪.‬‬ ‫وقس عليه كل الحكام العرب ونخبهم التي تدعي الحداثة‪ .‬لكنهم فضحوا طبيعة ما‬ ‫يجري‪ .‬فهم لم يأخذوا من الغرب إلا البنية الخفية لنظامه والدعاية الكاذبة لجلي سطحها‪.‬‬ ‫فنظامه بخلاف ما يدعي ليس الحكم باسم الإنسان بديلا من الحكم باسم الله بل هو يحكم‬ ‫باسم دين العجل أي باسم المال الفاسد (معدن العجل) والاعلام الكاذب (خواره)‪.‬‬ ‫وأفضل مثال على ذلك ما نراه بالعين المجردة في الولايات المتحدة عامة وفي انتخاب‬ ‫ترومب (وفي انتخاب فرنسا في عهد ساركوزي مثلا)‪ .‬ولذلك فلا يمكن تصور انتخابات في‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الغرب لا تعتمد على الأداتين الممثلتين لدين العجل‪ :‬المال الفاسد (الذهب مسروق في عجل‬ ‫بني إسرائيل) والإعلام الافسد منه (خوار عجل بني إسرائيل)‪.‬‬ ‫وكما أسلفت فالإسلام ألغى الوساطة في التربية سواء كان ذلك باسم النقل أو باسم العقل‬ ‫لأن ذلك هو أصل العنف التربوي المفسد لمعاني الإنسانية في الأذهان والوجدان‪.‬‬ ‫كما ألغى الوصاية في الحكم سواء كان ذلك بالحق الإلهي أو بالحق الإنساني المزعومين‬ ‫لأن ذلك هو أصل العنف السياسي المفسد لمعاني الإنسانية في الأعيان طبيعية كانت أو‬ ‫تاريخية‪ .‬وهذان العاملان المفسدان لمعاني الإنسانية يتبين مفعولهما في الآفاق وفي الأنفس‪.‬‬ ‫كما يتبين عسر تحقيق ما سعى إليه الإسلام لتحقيق هذين الثورتين المحررتين من‬ ‫الوساطة والوصاية‪ .‬فإبداع البديلين منهما هما عين السعي لتقيق مفهوم الإنسان كما عرفه‬ ‫ابن خلدون \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلت الآن إلى بيت القصيد من المحاولة‪ :‬فالصراعان اللذان ولدا الأنواع الخمسة من‬ ‫التطرف والعنف أو من الثقافة الإرهابية‪-‬ليس عندنا وحدنا بل في كل الجماعات البشرية‬ ‫التي لم تفهم الرسالة الخاتمة‪-‬هما ما عالجه القرآن ليجعل البشر أخوة (النساء ‪)1‬‬ ‫ومتساوين ومتعارفين ولا يتفاضلون إلا بالتقوى (الحجرات ‪ :)13‬ثورة الإسلام الكونية‪.‬‬ ‫فمهمة الرسالة الختمة هي تحرير البشرية من الثقافة الإرهابية الكونية أعني ثقافة‬ ‫الكلام وثقافة الفلسفة في مسألة نظرية المعرفة المطابقة في النظر والعقد وتنافي بين الإيمان‬ ‫والعلم وثقافة الفقه والتصوف أو نظرية المطابقة في نظرية العمل والشرع وتنافي القانون‬ ‫والأخلاق بالوساطة والوصاية‪.‬‬ ‫فأما سلطة الوساطة في السلطان الروحي الذي يستعبد الإنسان بمعركة زائفة بين الكلام‬ ‫والفلسفة حول الإيمان والعلم وأما سلة الوصاية في السلطان السياسي الذي يستعبد الإنسان‬ ‫بمعركة زائفة بين الفقه والتصوف حول القانون والاخلاق والمستعمل لهم جميعا هو‬ ‫الاستبداد السياسي مصدر الإرهاب ببعديه‪ .‬لماذا لا يمكن للمتكلم ألا يكون متطرفا وعنيفا‬ ‫ومن ثم مؤسسا للإرهاب أيا كانت فرقته؟ لعلتين متناقضتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهو أولا يدعي الكلام باسم الوحي زاعما أنه يدافع عنه بالعقل (هكذا يعرفون‬ ‫الكلام)‪.‬‬ ‫‪ .2‬لكنه يستند إلى مبدئين كلاهما ينفي الوحي من أصله‪:‬‬ ‫• قياس الغائب على الشاهد‬ ‫• والتأويل بمقتضاه‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة \"كلمة\" الوحي في هذه الحالة لا معنى لها إلا اضفاء السلطة المزعومة دينية‬ ‫عالمة بالغيب حتى لا يكون لكلامه مضمونا معرفيا خالصا يقيم بما تقيم به المعرفة عامة بل‬ ‫من أجل أن تكون معرفته وكأنها الفهم الوحيد المطلق لهذا الوحي المزعوم متكلما في الغيب‬ ‫الذي يدركه بالقياس والتأويل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ذلك أنه يعلم أنه لو قدم كلامه على أنه اجتهاد معرفي خالص لما احتاج لجعله علما مطلقا‬ ‫يعتمد على تكفير غيره لأنه لا يوافقه عليه‪ .‬ولا يوجد متكلم من أي فرقة لا يؤدي كلامه‬ ‫إلى تكفير بقية الفرق المتكلمة مثله‪ .‬وهذا هو جوهر الصراع بين المتكلمين‪ .‬والعلة إذن‬ ‫هي في اعتمادهم على ذينك المبدئين‪.‬‬ ‫ولنبدأ المبدأ الأول‪ :‬قياس الشاهد على الغائب‪ .‬لو كان الأمر متعلقا بالغيب لقبلناه رغم‬ ‫كونه عقيما لأنه لو كان الغائب مثل الشاهد من حيث المعلومية لكان معلوما في الشاهد ولا‬ ‫حاجة لقياسه عليه‪ .‬فيكون هذا القياس اسناد المجهول على المعلوم بوجوه شبه زائفة لو‬ ‫كانت مؤثرة لما وجد فرق بينهما‪.‬‬ ‫فأي علم هذا الذي يكتفي برد المجهول إلى المعلوم؟‬ ‫كيف سيتقدم إذا لم يكن محركه تبين الفروق التي توسع المعرفة بفهم المجهول وعلة كونه‬ ‫لا يرد إلى المعلوم السابق وإلا فإن العملية تصبح مجرد تعميم على وجوه شبه غير مؤثرة‬ ‫في معرفة أسرار الموجودات التي هي قوانين تحافظ على الفروق ولا تلغيها‪.‬‬ ‫ومع ذلك هبنا قبلنا بهذا المنهج ولنسأل السؤال الجوهري‪ .‬فإذا كان القصد الدفاع عن‬ ‫الوحي كما يزعمون وكان الدين فيه علم يأتيه بالوحي ولا يمكن لأحد أن يصل إليه بالعقل‬ ‫بمن فيهم الأنبياء فمعنى ذلك أن الوحي يعرف بالغيب وليس بالغائب ولا يبقى فرق بينهما‪.‬‬ ‫فالغائب يمكن أن يصبح من الشاهد مثل توقع المستقبل فيفهمه الإنسان إذا جاء في‬ ‫الرسالة لأن ذلك من مستطاعه‪ .‬لكن الغيب الوحي يقول عنه إنه محجوب بإطلاق فيتناقض‬ ‫لم تضمنت الرسالة منه شيئا لأنه سيكون مضمونا عديم الفائدة ما دام المرسل إليه لا يمكن‬ ‫أن يعلمه ولا أن يفهمه‪ .‬الرسالة من المرسل (الله) إلى المرسل إليه (الإنسان) تفقد معناها‬ ‫وجدواها لأنها حينها تكون فاقدة لشرط مطلوبها‪.‬‬ ‫كل التحيل الكلامي هو \"خفة أصابع\" مثل السحرة الدجالين يقبلون بها الغيب إلى غائب‬ ‫ثم يقيسونه على ما يعلمونه من الشاهد إما بالسلب (بدعوى التنزيه) أو بالإيجاب (بدعوى‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫التفويض)‪ .‬وفي الحالتين يكون الغيب قد رد إلى الغائب مع حذر محترم من المدرسة الثانية‬ ‫لأنها على الأقل تتحرز من الرد‪.‬‬ ‫أما المبدأ الثاني فلا أحتاج لطويل كلام عليه أي مبدأ التـأويل لأنه إذا تبين فساد قياس‬ ‫الغائب على الشاهد ليس في ذاته أولا من حيث بيان عدم جدواه في المعرفة العلمية حتى‬ ‫وإن كان يمكن أن يكون بداية فرضية تعدل باكتشاف خطئها بل في خفة الأصابع التي تجعل‬ ‫الغيب غائبا بالتحيل المعرفي دون سابق إعلام‪.‬‬ ‫لكن لا بد من الكلام فيه لبيان سر المهازل في الفرق الكلامية‪ .‬فالقرآن لم يكتف بالقول‬ ‫إن الغيب محجوب حتى على الرسل بل هو خصص لمنع الاشتغال به آية تحذر من علتيه‬ ‫المتعلقة بنفسية صاحبه وبأثرها في المجتمعات البشرية قصدت آل عمران ‪ 7‬المتعلقة بالمتشابه‬ ‫والتأويل حيث يتبين التحيل الصريح في قراءتها‪.‬‬ ‫فالآية تصف نفسية المقدم على تأويل المتشابه بخاصيتين احداهما مرض في القلب (زيغ‬ ‫القلب) والثانية تنتج عليها وتؤدي إلى سلوك شرير في الجماعة (ابتغاء الفتنة)‪ .‬وتذكر‬ ‫بأن المتشابه المتعلق بالغيب لا يقدر على تأويله إلا الله‪ .‬ثم تعرف الرسوخ في العلم بالإيمان‬ ‫بالغيب وليس بالقدرة على تأويل المتشابه‪ .‬ثم تصفهم بعكس ما وصفت به المؤول‪.‬‬ ‫فهي تنتهي بوصف الراسخين في العلم الذين يؤمنون بالغيب بأنهم من ذوي الالباب بمعنى‬ ‫أنهم قلوبهم برئيسة من الزيغ ويدركون العواقب أعني أنهم يتجنبون التأويل لأن قلوبهم‬ ‫سليمة ويعلمون أن تأويل المتشابه هو مصدر الفتنة في الجماعات البشرية‪.‬‬ ‫فكيف صارت الـ\"و\"في الآية عطفا ولم تبق استئنافا؟‬ ‫قد يقول قائل لكن كلامك هذا إن قبلناه فهو لا يصح إلا على المتكلمين المؤولين ولا يصح‬ ‫على المتكلمين المفوضين‪ .‬المفوضون حتى وإن رفضوا التأويل فهو لم يفرضوه إلا في حدود‬ ‫ما فيه من تعطيل‪ .‬ومن ثم فهم بنحو ما يقبلون التماثل الوارد في كلام الله على نفسه مثلا‬ ‫من جنس \"والسؤال عنه بدعة\"‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فهو نصف تأويل‪ :‬يوجد شبه لكن احتراز ليس كمثله شيء يجعل السؤال عن كيف المماثلة‬ ‫بدعة‪ .‬ويمكن أن نجد لهم عذرا لأن ما في القرآن مما يبدو مماثلة وكثرتها بين صفات الله‬ ‫وصفات الإنسان يجعل من العسير فهم الامر ليس مقارنة بين حدي العلاقة بل تعريف‬ ‫العلاقة من جنس دالات التبعية في الرياضيات‪.‬‬ ‫فعندما تسقط قيم \"س\" على قيم \"ص\" بقانون التبعية في الدالات الرياضية المهم ليس ما‬ ‫هي \"س\" ولا ما هي \"ص\" بل ما يكون عليه قانون الاسقاط بوصفه محددا لتغير القيم‬ ‫المتناسب بين س وص ويبقى س وص مجهولين لأن طبيعتهما إذا توهمناهما كائنين موجودين‬ ‫ليست موضوع علم بل هي حدا القانون‪.‬‬ ‫ولذلك فالدالة تكون دائما في شكل شرطية‪ :‬إذا \"س\" كذا فـ‘ \"ص\" ستكون كذا بمقتضى‬ ‫قانون الدالة التي نريد معرفة ما يترتب عليها بمقتضى قانونها ويبقى المتغيران خانتين‬ ‫خاويتين تحددهما قيم تفرض لهما وموضوع العلم هو هذا أي مفعول هذا القانون وليس‬ ‫حقيقة الشيئين س وص وهما في حالتنا الإنسان والله‪ .‬ومتقضى الدلالة هي أن الإنسان‬ ‫يعرف الله بالقياس إلى نفسه لكن ذلك لا يعني أن الله يقاس بمقياس الإنسان إلا عند‬ ‫الإنسان‪.‬‬ ‫وأي موجود يمكن أن يعتبر نفسه في مثل هذه العلاقة فيكون الله عند القط قطا مثلا‬ ‫وذلك من مهازل من يرد الوجود إلى أدراكه‪ .‬لكن القرآن يقول إنه ليس كمثله شيء وإذن‬ ‫فلا مفر من فهم القصد بكلام القرآن على ا لله هذا الفهم المحرر من اعتباره واصفا ذاته‬ ‫بل هو يصف ما يمكن للإنسان أن يتخيلها عليه بالقياس إليه دون أن يكون ذلك علما بذاته‪.‬‬ ‫وخرافة ابن عربي الذي يدعي أن الكاف في \"كمثله\" ليست من عادات المقارنة في أساليب‬ ‫الكتابة العربية بل هي تعني أن مثله الذي هو الإنسان هو الذي ليس له مثيل في المثلية مع‬ ‫الله أي إنه المثيل الوحيد فيكون الله له مثيل هو الإنسان والإنسان لا مثيل له غير الله‪.‬‬ ‫وهذا خطأ لغوي وسوء أدب مع الله‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وذلك في ما يمكننا علمه علما إضافيا لنا وليس علما مطابقا لحقيقة الشيء في ذاته إذ لو‬ ‫اعتبرنا علمنا مطابقا لحقيقة الشيء في ذاته لكان ذلك يعني أننها اعتبرنا الغيب غائبا‬ ‫وليس غيبا وتوهمنا أننا مقياس كل شيء موجوده ومعدومه فكان موقفنا الموقف‬ ‫السوفسطائي الذي يعتبر الإنسان مقياسا مطلقا‪.‬‬ ‫والآن قد يقول قائل‪ :‬حسن لنفرض أننا سلمنا لك ما تقول فكيف تعمم قولك على‬ ‫الفلاسفة كذلك ولا تكتف بالمتكلمين سواء كانوا من المعطلة أو من المفوضة؟‬ ‫جوابي ما يقوله ابن رشد‪ .‬أليس هو شيخ الشيوخ عند كاريكاتور الحداثة؟‬ ‫لابد أن الجميع قرأ مناهج الأدلة في الرد على الكلام والأشعري منه خاصة‪.‬‬ ‫فخلافه مع المتكلمين ليس على التأويل ولا على قلب\"و\" آل عمران ‪ 7‬إلى عطفية بدلا من‬ ‫استئنافية بل على من الراسخ في العلم‪ :‬هل هو المتكلم أم الفيلسوف‪.‬‬ ‫مشكل ابن رشد مع المتكلمين لا يتعلق بقياس الغائب على الشاهد ولا بالتأويل بل على‬ ‫من الراسخ في العلم‪ .‬والكلام معه ليس في الدين بل في الفلسفة‪.‬‬ ‫ويصادف كلامي اليوم على المسألة اتمامي ترجمة ميتافيزيقا ارسطو‪-‬المعجزة حسب ابن‬ ‫رشد‪-‬ترجمته عن أول أهم ترجمة ألمانية كتبت في منتصف القرن التاسع لأكبر مؤلف في‬ ‫معجم ارسطو‪-‬هرمان بونيتس‪ -‬ترجمة هدفها فهم طبيعة العقبات التي حالت دون ابن رشد‬ ‫ومن تقدم عليه تجاوز رؤاه وحلوله الأولية في تأسيس علم الطبيعة‪.‬‬ ‫فالجواب عن معنى \"الرسوخ في العلم\" بالمعنى الرشدي لا يوجد إلا في شرحه لمقالة اللام‬ ‫(المقالة ‪ )12‬من هذا الكتاب والذي بمقتضاه يعتبر ابن رشد تأويله تأويل راسخ في العلم‬ ‫بخلاف تأويل المتكلمين الذين دحضهم في مناهج الأدلة وأسسه على قرآن آل عمران ‪7‬‬ ‫بالعطف لا بالاستئناف‪ .‬ومجرد اعتبار إلهيات أرسطو ثمرة رسوخ في العلم دليل على أنه لا‬ ‫يقول بالرؤية القرآنية للرب الخالق والآمر رغم كونه فقيها وابن فقيه‪.‬‬ ‫وقد يكون ذلك ما يغري أدعياء الحداثة العرب بالإعجاب به فضلا عن خرافة إبن رشد‬ ‫اللاتيني حيث اعتبر تهم الكنيسة لابن رشد دليل ريادة لكان اتهام فقهائنا لأي فيلسوف‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫دليل رياده تنسب إليه‪ .‬فلا توجد حقيقة علمية واحدة اليوم يمكن نسبتها إلى ابن رشد‬ ‫عدى خرافة «تأسيس» الفصل بين الديني والسياسي وهو كذبة لا وجود لها في المعلوم من‬ ‫نصوصه حتى وإن وجدت في تهم الكنيسة له ثنائية الحقيقة‪ .‬وإليكـم التأسيس الضمني‬ ‫لكلام ابن رشد‪:‬‬ ‫‪ .1‬علم أرسطو علم مطابق لحقيقة الموجود‪.‬‬ ‫‪ .2‬من كان راسخا في علمه فهو راسخ العلم بالمعنى القرآني في آل عمران ‪( -7‬وهو في‬ ‫الحقيقة نقيضه تماما)‪.‬‬ ‫‪ .3‬إذن تأويله للمتشابه قابل للعطف على تأويل الله‪.‬‬ ‫‪ .4‬ويمكن إذن أن يرد ما جاء في القرآن عن طريق الوحي إلى ما جاء في علم أرسطو‬ ‫عن طريق العقل‪.‬‬ ‫‪ .5‬والنتيجة التي هي في الحقيقة المقدمة الضمنية هي العلم المحيط ممكن للإنسان‬ ‫والقول نظرية المعرفة المطابقة‪.‬‬ ‫وبين أن هذا استدلال مغالطي‪-‬سوفسطائي‪ -‬لأنه لا شيء يثبت أن علم أرسطو مطابق‬ ‫للحقيقة ولا شيء يثبت أنه يوجد علم مطابق للحقيقة غير علم الله ولا شيء يثبت من ثم‬ ‫أن الرسوخ في العلم يكفي فيه حفظ مدونة أرسطو ولا حتى حفظ علوم الإنسان كلها وأخيرا‬ ‫فلا بد إذن أن يكون رد ما يسمونه نقلا إلى ما يسمونه عقلا بالتأويل أن يكون مؤسسات‬ ‫على هذه الخرافات وآيلا إلى التطرف والعنف‪.‬‬ ‫فالبقية المترتبة عليه بينة‪ :‬إنها الموقف الذي لا يختلف عن موقف المتكلمين من حيث مآله‬ ‫إلى التطرف والعنف ضد المخالف‪ .‬ولذلك فكل تخريف الرشديين العرب الجدد لا يقلون‬ ‫عنه تخلفا رغم دعاواهم بأنهم عقلانيون وديموقراطيون‪ .‬يكفي أنهم يجهلون أنه لا يمكن‬ ‫الجمع بين القول بالمطابقة والإحاطة والقول بالديموقراطية‪ :‬فمن دون التنسيب في أحكام‬ ‫العقل لا يمكن أن نؤسس المساواة في اعتماد أصوات المواطنين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فالبيعة الحرة في الانتخابات في الإسلام السني والانتخابات الحرة في الديموقراطية‬ ‫الحديثة لا فرق بين العالم والأمي‪ :‬الشرط الوحيد سلامة المدارك والانتساب إلى‬ ‫الجماعة‪ .‬لو كانت الحقيقة القيمية وحتى العلمية يقابل للعلم المحيط لاستحال فهم الشورى‬ ‫‪ 38‬ومبدأ الاختيار في الرؤية السنية للحكم في مقابل الرؤية الباطنية (الغزالي فضائح‬ ‫الباطنية) والنظام الديموقراطي في الفكر الحديث‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫طبعا لم أقصد أن ابن رشد لم يكن ذا مذهب يدعو إلى التطرف والعنف بل أقصد أنه لا‬ ‫يمكن أن يكون مختلفا عمن يفعل لأن القول إن العلم محيط يقتضي أن المتكلم يدعي أنه‬ ‫مالك الحقيقة المطلقة‪ .‬ومن يدعي ذلك لا يمكن أن يكون متسامحا مع أي راي آخر مخالف‪.‬‬ ‫وذلك مطلوبي‪ :‬المشترك بين حدي الصراع النظري‪.‬‬ ‫تلك هي علة المقابلة بين الفقيه والمتصوف والمقابلة بين المتكلم والفيلسوف‪ .‬وليس بالصدفة‬ ‫أن كان ابن رشد فيلسوفا متكلما وأن كان ابن عربي متصوفا فيلسوفا في المغرب وأن كان‬ ‫السهروردي فيلسوفا متصوفا وكان الرازي متكلما فلسوفا وكانوا أربعتهم غاية ما وصل إليه‬ ‫المأزق في القرن ‪6‬هـ‪12‬م‪.‬‬ ‫فهذا المربع ‪-‬المغربي والمشرقي‪ -‬كان تمام المدرسية التي تمثل عقم الفكر الكلامي‬ ‫والفلسفي والفقهي والصوفي الذي وصف الغزالي مدرسيتهم بـ\"ضيق الحوصلة\" رادا للوجود‬ ‫إلى ادراكهم مدللا على ذلك بمفهوم \"حد\" حتى وإن نكص دونه أعني مفهوم \"طور ماوراء‬ ‫العقل\" يبقي على الفرق بين الموجود والمعلوم‪.‬‬ ‫والمفهوم \"الحد\" الذي يبين أن المسافة بين المعلوم والموجود لامتناهية وهي ما يعنيه مفهوم‬ ‫الغيب المحجوب الذي اعتبر نكوص الغزالي عن دلالته العميقة صادرا عن مأزقين وقع فيهما‬ ‫اولهما الكشف الصوفي والثاني سحر السينوية أو الصلح بين المطابقتين الافلاطونية‬ ‫والأرسطية وتناعمه مع الكشف‪.‬‬ ‫فالصلح السينوي بين مثل أفلاطون المفارقة وصور أرسطو المحايثة‪-‬في نظرية الكليات‬ ‫القائمة في العناية الإلهية البديل من المادة الأرسطية جمعا بين وجود المثل وعدم مفارقتها‬ ‫لشيء ما فتكون العناية السينوية أشبه بالمادة الأرسطية وبالعدم الذي تقوم فيه ثوابت‬ ‫ابن عربي وهو معنى المفهوم الغريب ‪ :‬الله عين العالم‪ -‬والكشف الصوفي سحرا الغزالي‬ ‫فنكص عن ثورته في تهافت الفلاسفة وحتى في المنقذ وأصبح بنحو ما مؤسسا للمدارس‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الاربعة التي وصفت أعني الرشدية والابنعربية والسهروردية والرازوية أو المدرسية التي‬ ‫انتهت إلى أفق الشعوذة المسدود‪.‬‬ ‫ولا شيء يقتلني ضحكا أكثر من كلام كاريكاتور الحداثة على ابن رشد التنويري وابن‬ ‫عربي ذي الخيال المجنح والسهرودي المتنبي والرازي ذي البديع التفسيري‪ .‬وكلهم في‬ ‫الحقيقة اكتفوا بوضع الشباك الحديدي الذي يسجن الفكر المبدع في خرافتين خلافهم فيها‬ ‫أسلوبي‪:‬‬ ‫‪ .1‬فلك بطليموس‬ ‫‪ .2‬ميتافيزيقا أرسطو‪.‬‬ ‫ومهما قيل في عبقريتهم وفي براعتهم فإنهم إلى حد كبير دون بطليموس في علم الرياضيات‬ ‫المترجم للسماء في معادلات ودون أرسطو في علم التحليلات المترجم للوجود في استعارات‬ ‫\"صناعوية\" أساسها محاولات فلكية لأودوقسس أحد تلاميذ أفلاطون المشهورين في علاج‬ ‫الأعداء الصماء وفي تنظيم حركات الفلك‪.‬‬ ‫وما تجده من تمجيد عند أدعياء الحداثة ومن تدارك عند أدعياء الاصالة الذين صاروا‬ ‫هم بدورهم يفاخرن بتراثنا الفلسفي فيه الكثير من المدح إما الناتج عن الجهل أو عن‬ ‫مركبات النقص وعدم الاعتراف بأن المشاركة في علوم الطبيعة لم يكن شيئا مذكورا وهو‬ ‫على كل حال لم يكن من إبداع الفلاسفة بل كان أصحابه علماء أكثر منهم فلاسفة وكانوا‬ ‫تلاميذ علماء يونان لا فلاسفة يونان‪.‬‬ ‫والعبرة هي التالية‪ :‬قد يكون الإنسان حائزا على معلومات‪ .‬لكنه ليس عالما لأن الفرق‬ ‫بين مبدع تلك المعلومات وحافظها لا يتناهى خاصة إذا كان بين المبدع والحافظ أو الراوي‬ ‫‪ 15‬قرنا‪ .‬لن تجد في علم ابن رشد وابن عربي مغربا والسهرودي والرازي مشرقا شيئا‬ ‫جديدا ذا بال بالقياس إلى بطليموس وأرسطو‪.‬‬ ‫ولست أقصد جدة في المضمون فحسب بل وكذلك في الشكل بل وخاصة في الشكل‪ .‬فما‬ ‫أضافوه في المضمون خرافات لا علاقة لها بالعلم وخاصة السهروردي وابن عربي‪ .‬وما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أضافوه في الشكل لا يتجاوز ما يشبه متون التفسير في العلوم الدينية وخاصة ابن رشد‬ ‫والرازي‪.‬‬ ‫ومن ثم فالمأزق والانسداد شبه مطلق‪ .‬والعلة هي وهم المطابقتين الذي كان ضرره اقل‬ ‫في البدايات اليونانية لأن ما علموه كان يمكن أن يعتبر نهائيا ولم يتضح أنه تاريخي إلى‬ ‫لاحقا وخاصة في محاولات النقد الفلسفي الجدي الذي بدا مع الغزالي وبلغ الذروة مع ابن‬ ‫خلدون الذي لم يستطع إدخال التاريخ في المدونة الفلسفية إلا بإدخال التاريخية في المعرفة‬ ‫الفلسفية وإنهاء وهم المطابقتين‪.‬‬ ‫فطبيعي أن يتوقف البحث العلمي والاكتشاف إذا كان الباحث يصدق أن العلم كما قال‬ ‫الفارابي اكتمل منذ أرسطو ولم يبق إلا أن يتعلم ويعلم‪ .‬فإذا كان الموجود قابلا للرد إلى‬ ‫إدراكنا وكان المنشود قابلا للرد إلى إرادتنا فما الذي يبقى ليكون موضوع بحث معرفيا أو‬ ‫موضوع سعي عمليا عدا رواية ما حصل؟‬ ‫ولهذه العلة تحيرت عندما وجدت ابن خلدون ينفي هذين المطابقتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهو يرفض رد الوجود إلى الإدراك ومعركة المتكلمين والفلاسفة حول العلاقة بين‬ ‫الإيمان والعلم‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهو يرفض رد المنشود إلى الإرادة ومعركة الفقهاء والمتصوفة حول العلاقة بين‬ ‫القانون والاخلاق‪.‬‬ ‫وكان علي أن أفهم هذه الثورة‪.‬‬ ‫فهذه الثورة التي حررت الوجود من رده إلى الإدراك وحررت المنشود من رده إلى الإرادة‬ ‫أسست لتاريخية العلم والعمل وأبرزت موضوعا جديدا للمعرفة بثورة أبستمولوجية ترفض‬ ‫نظرية المعرفة المطابقة وموضوعا جديدا للعمل بثورة أكسيولوجية ترفض نظرية القيمة‬ ‫المطابقة‪ .‬وللثورتين علاقة بالسابق واللاحق‪ .‬وابدأ باللاحق وله بعدان‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬موجب وهو الثورة الكنطية التي ميزت بين الوجود وإدراك الإنسان له رفضا‬ ‫لأبستمولوجية المطابقة المعرفية‪ .‬وبين المنشود وإرادة الإسنان رفضا لاكسيولوجية المطابقة‬ ‫القيمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وسالب تمثل في نكوص هيجل إلى ما قبل النقد الكنطي بفلسفته التي تقول بالمطابقة‬ ‫وتعتبر العالم واحدا وليس له ما يتعالى علية والتاريخ هو الحكم النهائي وما الماركسية إلا‬ ‫أثر ثانوي تعويضا لصراع ارواح الشعوب بصراع طبقاتها‪ :‬علة نكبة حداثيينا‪.‬‬ ‫وأثني بالسابق وله بعدان كذلك‪ .‬موجب هو العودة إلى الثورة الإسلامية في معينها الصافي‬ ‫ورمزه استعمال ابن خلدون لمفهومين ثورتين هما تعريف الإنسان بكونه \"رئيسا بطبعه‬ ‫بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" تحريرا له من الوسطاء والأوصياء ومفهوم \"فساد معاني‬ ‫الإنسانية\" بسبب عنف التربية وعنف الحكم‪.‬‬ ‫وسالب هو نكوص الحركات الإسلامية بكل اصنافها إلى علوم الملة التي بينت طابعها المحرف‬ ‫فقها وتصوفا وكلاما وفلسفة‪ .‬فإذا أضفنا أن الإسلاميين بخلاف الظاهر قد تهيجلوا‬ ‫وتمركسوا من حيث لا يعلمون لأن أهم مفهوماتهم السياسية هيجلية وماركسية وأبرزها‬ ‫مفهوم التدافع الذي هو عين الصراع الجدلي‪ .‬وهكذا نعود إلى منطلقنا‪ :‬التطرف والعنف‬ ‫اللذان يتحدان في الإرهاب ظاهرة كونية ما يتكلم عليه الإعلام والساسة هو سطحهما‪.‬‬ ‫أما عمقهما فهو كامن في مسألتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬مسألة نظرية المعرفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬مسالة نظرية القيمة‪.‬‬ ‫فإذا كان الإنسان متألها أي يدعي العلم المحيط والعمل الكامل فهو بالضرورة إرهابي‬ ‫السلوك‪ .‬وهذا السلوك الإرهابي مشترك بين الفلسفة والدين ليس بذاتهما بل بما يفرض‬ ‫عليهما من توظيف ليصبحا أداتي سلطان الإنسان على الإنسان‪ .‬فعندما يدعي علماء الدين‬ ‫أن لهم علما مطلقا متناسين أن ذلك مقصور على رب العباد يصبحون مصدرا للطغيان‪ .‬ونفس‬ ‫الشيء عند علماء الفلسفة‪ .‬وهذا هو سر الصراع بينهما‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وما يعلل الصراع بين المتكلمين والفلاسفة هو إذن نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ومن ثم‬ ‫يحصل الصراع بينهما حول علاقة الإيمان والعلم وعلته فساد نظرية النظر المعرفة‪ .‬وما‬ ‫يعلل الصراع بين الفقهاء والمتصوفة هو إذن نظرية القيمة القائلة بالمطابقة ومن ثم يحصل‬ ‫الصراع بينهما حول علاقة القانون بالأخلاق وعلته فساد نظرية العمل والقيمة‪ :‬يشتركون‬ ‫في العلة‪.‬‬ ‫والاشتراك في العلة الذي يخفونه له علة أعمق هو أن الجميع يحاول أن يدعي المستحيل‬ ‫معرفيا وقيميا حتى يصبح لها سلطان على الناس ليس بعلمه بل ما يزعمه له من إحاطة بما‬ ‫لا يعلم وليس بعمله بل ما يزعمه له من تمام بما لا يعمل‪ .‬وهذا هو مفهوم التأله الذي‬ ‫يرجعه ابن خلدون إلى الاستبداد والعنف‪.‬‬ ‫وقد أبدع ابن خلدون لما وازن بين التربية العنيفة والحكم العنيف واعتبر الأمرين‬ ‫متعلقين بالعنف فعلا وانفعالا بمعنى أنه يبين أن عنف المستبد سببه فساد معاني الإنسان في‬ ‫المعنِف والمعنَف وهذا التضايف بين الفعل والانفعال بفهمنا قوله تعالى في القرية التي حق‬ ‫عليها القول فيدمرها تدميرا‪.‬‬ ‫فتدمير القرية تدميرا تدمير ذاتي بمعنى أن الله جعل فيها ما دلالة \"حق عليها القول\"‬ ‫أي إن حصول شروط الحكم فيها تحققت فتدمرت بذاتها‪ .‬فالحرب بين الكاريكاتورين‬ ‫التأصيلي والتحديثي في لحظتنا الإسلامية الحالية عامة والعربية خاصة علتها هذه الانواع‬ ‫الخمسة من الإرهاب الداخلي الموظف خارجيا‪.‬‬ ‫فالمتكلم يسهم في ثقافة إنتاج الإرهابي لأنه متطرف وعنيف بمعرفة زائفة‪ .‬والفيلسوف‬ ‫مثله يسهم في ثقافة إرهابية ولنفس العلة ولولا ذلك لما جعلا الإيمان والعلم في صدام‬ ‫دائمين‪ .‬والفقيه مثلهما يسهم في ثقافة إرهابية ولنفس العلة لأنه متطرف وعنيف بقيم‬ ‫زائفة‪ .‬والمتصوف مثلهم يسفهم في ثقافة الإرهاب لنفس العلة ولولا ذلك لما جعلا القانون‬ ‫والأخلاق في صدام دائمين‪ .‬وموظفهم جميعا هو المستبد الفاسد بسياسة جاهلية وشيطانية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فليس الإيمان من حيث هو إيمان ولا العلم من حيث هو علم بالمتنافيين‪ .‬المتنافي هو مصدره‬ ‫وهم العلم محيطا وخاليا من الإيمان ووهم ما به يتجاوز الإيمان العلم أي الإيمان بوجود‬ ‫الغيب الذي ينفيه من يدع العلم المحيط وما يتجاوز الإيمان العلم هو علم الغيب فلا يكونا‬ ‫متفقين إلا على علة ما بينهما من سوء تفاهم هو على الصراع بينهما وليس علة التنافي بين‬ ‫الإيمان والعلم‪ .‬ونفس الشيء يقال عن الصدام بين الفقيه والمتصوف بخصوص القانون‬ ‫والأخلاق‪.‬‬ ‫والمستبد بسياسة جاهلية وشيطانية يوظفهم جميعا لأنه هو بدوره مستبد به من قبل حماته‬ ‫المباشرين أي المافيات الداخلية وهو رئيسها أو دميتها ثم ذراعي حماته من المافيات‬ ‫الخارجية فضلا عن الحماة غير المباشرين‪ .‬وبالتدقيق في حالتنا العربية فالذراعان هما‬ ‫إيران وإسرائيل حماة الأنظمة العميلة وروسا وأمريكا حماة الحماة في الإقليم‪ .‬والنخب‬ ‫هي الأربعة التي وصفت وخامسها الحكام‪.‬‬ ‫وبذلك فقد نقلت الإشكالية من مجرد التلاوم بين النخب لكأن الامر متعلق بمسائل تنتسب‬ ‫إلى أحوال النفوس وليس متعلقا بمسائل أعمق منها بكثير وهو ليس خاصا بنا كعرب أو‬ ‫كمسلمين بل هو تابع لـ\"سن\" معينة في النضوج الروحي والعقلي للأفراد والجماعات التي لم‬ ‫تع دلالة سورة العصر‪.‬‬ ‫وغاية قولي في هذه المحاولة أن كل الثورة الإسلامية الكونية التي تحتاج إليها الإنسانية‬ ‫يمكن استخراجها من فهم عميق لسورة العصر المحررة التي حددت شروط الاستثناء من‬ ‫الخسر وهو ما يترتب على التربية والحكم العنيفين المؤلدين اللذين يمثلان التطرف‬ ‫والعنف وينتجانه‪.‬‬ ‫وإذا اجتمع التطرف والعنف النظريين والعملين حصلت ثقافة الإرهاب فعلا ورد فعل‬ ‫ويكون ذا شكل داخلي في نفس الجماعة وحربا أهلية خاصة بجماعة معينة وذا شكل خارجي‬ ‫بين الجماعات وهو كذلك حرب أهلية في الجماعة الإنسانية كلها‪ :‬وهذا هو التعريف الأمثل‬ ‫للعولمة المقصورة على المادي من وجود الإنسان فهي جوهر الإرهاب الكوني‪ .‬وهو واحد سواء‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫طبق في الداخل أو في الخارج لأن القرآن يعتبر البشر اخوة من نفس واحدة(النساء‪)1‬‬ ‫ومتساوين متعارفين إذ لا يتفاضلون إلى بالتقوى (الحجرات ‪ :)13‬الإسلام‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬