أبو يعرب المرزوقي أو في علل التطرف والعنف السياسيين الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 8 - -الفصل الثالث 16 - -الفصل الرابع 22 - -الفصل الخامس 29 -
-- كنت أبحث عن تفسير نسقي يعلل ما يسمى تطرفا وعنفا لدى المنتسبين إلى الأديان وإلى الفلسفات بكل أصنافهما لأن التفسير بتبادل التهم بين الشعوب فيه الكثير من التجني الناتج عن الجهل أحيانا وعن تزييف الحقائق غالبا .فلست مقتنعا بنسبة هذا السلوك إلى أي من المرجعيتين في ذاتها .واعتمادا على رؤية القرآن تبين لي أن الأمر ذو صلة بانحراف في نظرية القيمة والعمل وفي نظرية المعرفة والنظر. ومما أيد صحة الحدس الاولي الذي انطلقت منه أمران يتعلقان بتاريخ ظاهرة التطرف والعنف العلمانية الحديثة وما طرأ من تشكيك فلسفي بنظرية القيمة والعلم ونظرية المعرفة والنظر قبلها في أوروبا وبتاريخ ظاهرة التطرف والعنف الدينية الحديثة وما طرأ من تشكيك ديني بنفس النظريتين قبلهما. فظاهرة التطرف والعنف في الحالتين تلت تشكيك في المطلقات المعرفية والنظرية والقيمية والعملية في الحالتين وكانت رد فعل على هذا التشكيك لكأنها كانت تسابق الزمن قبل أن يحصل التغير الفعلي في مستوى الموقف من هذه المطلقات والخوف من الانتقال إلى نسبية الاجتهاد في المعرفة والجهاد في العمل. وقد وصلت إلى قناعة أحاول اثباتها وتتمثل في الانقلاب الذي قام به هيجل على فلسفة كنط في الغرب وما ترتب عليه من تعميم فلسفته وفلسفة ماركس الذي صارت إيديولوجيا عالمية صار الإسلاميون أنفسهم قائلين بها وإن بغير وعي كما يتبين من كلامهم على التدافع رؤية جدلية من جنس رؤية هيجل وماركس. وأقول إن الإسلاميين قد تبنوا الرؤية الجدلية الهيجلية أو الماركسية-وهما سيان من حيث البناء على الصراع سواء كان بين أرواح الشعوب (هيجل) أو بين الطبقات (ماركس) والأول صار يسمى صراع الحضارات وهو جامع بين الوجهين-يفعلون ذلك محاكاة غير واعية لأنهم لم يدركوا أنه يؤول إلى قانون انتخاب داروين الطبيعي. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- فمنطق التطرف والعنف ليس شيئا آخر غير ترجمة الانتخاب الطبيعي إلى حقيقته وهي البقاء للأقوى معيارا للصلاح أو للأهلية بالحياة لمن تبقي عليه حصيلة الصراع .وفي ذلك يتطابق راي التطرف والعنف العلماني الذي عرفته أوروبا وكل العالم الذي عمل بالمنطق الماركسي وراي من يسمى بالجهاديين عندنا. أهملوا ما حددته الآيات 43- 39بعد الآية 38من الشورى .فهذه تحدد طبيعة حكم الأحرار وأسلوبه ومدار الخلاف فيه حول العقد والرزق وتلك تحدد طبيعة العلاقات السلمية بين البشر في الداخل والخارج فتحررهم من الردود الناتجة عن العضب وتقصرها على الردع القادر على المعاملة بالمثل عند اللزوم ودون ظلم مع تقديم الدفع بالتي هي أحسن التي هي العفو مع المقدرة .وفي ذلك تحرير للإنسان من ردود الفعل التي تنكص به إلى التاريخ الطبيعي. وينبغي أن نرتب الأمرين .فالعنف والتطرف نوعان أولهما يعود إلى نسبة الإطلاق في رؤية القيمة والعمل وهو في الغالب عنف مادي أي فعلي .والثاني يعود إلى نسبة الإطلاق في رؤية المعرفة والنظر وهو في الغالب رمزي أي فكري .والثاني يؤسس للأول ويبرره في الغالب .وأعني أن العنيف يتصور ريته القيمية هي الحق المطلق ويعمل بها عملا عنيفا لفرضها ويؤسسها على تطرف في رؤيته المعرفية التي يعتبرها مطابقة للحقيقة في ذاتها ردا للوجود إلى إدراكه له. فيكون الإشكال في التطرف والعنف عين إشكالية نظرية العمل والقيمة Axiologie ونظرية النظر والمعرفة .Epistémologieومعنى ذلك أن الامر أعمق من المقابلة بين الرؤية الديني والرؤية العلمانية للسياسة لأن الأمرين متعلقان بما هو أعمق من السياسة: فله صلة بهذين الرؤيتين الوجوديتين للعلم والعمل .وأهمية هذا الاكتشاف قابليته للتطبيق الكوني وعدم اقتصاره على الظاهرة الحديثة للتطرف والعنف .فهو اكتشاف يفهمنا العنف بصنفيه: أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .1صنف عنف الغزو البدائي بين القبائل ومجموعاتها كما في حالة المغول وفي حالة الصليبية. .2وصنف عنف الغزو الاستعماري بين الدول ومجموعاتها كما في حالة الاستعمار الأوروبي. وقد أخذت أمثلة من نوعي العنف الذي حصل في تاريخنا بوصفنا ضحاياه لأن الغرب وحلفاؤه (مثل كل أقوياء العالم الحاليين كالهند والصين) وعملاؤه (مثل كل حكام العرب وذراعي الغرب في الإقليم أي إيران وإسرائيل) يتهموننا اليوم بكوننا أصل العنف والتطرف اللذين يجمعون بينهما تحت مسمى الإرهاب وجعلوه من خصوصيات الإسلام والمسلمين السنة بالذات مع علمهم بأن الظاهرة كونية. اخترت الأمثلة بهذه الصورة حتى أجمع بين الوجهين :وجه المنفعل ووجه الفاعل. فالمسلمون كانوا منفعلين بالإرهاب البدائي والإرهاب المتحضر في القرون الوسطى وفي التاريخ الحديث ويتهمون بأنهم الفاعلون في مقاومتهم لهذا الغزو العنيف والمتطرف ليكون الحكم مبنيا على الرؤيتين الدينية والفلسفية. ومزية الأمثلة أن المسلمين يصح عليهم كذلك أن نقلب الانفعال إلى فعل لأن الأوروبيين كانوا أيضا في وضع المنفعل بالعنف والتطرف الصادرين عنا قبل الصليبيات (أوروبا) وحتى بعدها (في البلقان) لأن جل رؤيتهم لنا صدرت عن هذه المرحلة التي كانت العلاقة فيها علاقة غاز بمغزو لا يمكن أن ينكرها من يريد علم الحقيقة دون انحياز لأحد طرفي الصراع التاريخي في خلال القرون الوسطى وحتى في التاريخ الحديث. فقصدي ليس معرفة من كان على حق ما دمت اعتقد أن الجميع لم يكن على صواب على الأقل عند النظر إلى الأمر من منطلق رؤية المعرفة والنظر طلبا للحقيقة (الاجتهاد) ورؤية القيمة والعمل تحقيقا لها (الجهاد) .ومعنى ذلك أن القضية أعمق من الحكم لهذا على ذاك أو لذاك على هذا بل المطلوب معرفة علة التطرف والعنف. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- ولهذه العلة فلن أهتم بطرفي النزاع بل بما جعله يكون متطرفا وعنيفا أيا كان الفاعل والمنفعل .ذلك أن القضية ليست بين الشعوب فحسب بل هي كذلك في الشعوب .فالعلاقة المتطرفة والعنيفة ليست بين غاز ومغز فحسب بل هي ضمن كل جماعة .فالعنف والتطرف العلماني والديني كلاهما داخلي وخارجي في آن. وكما هو معلوم فإني اعتقد أن القوانين التي ليست كلية ليست قوانين أصلا .ولا يعنيني الخصوصي .العنف والتطرف ملازم لكل الحضارات ولكل الأديان ولكل الفلسفات ومن ثم فعلته لا يمكن أن تنسب إلى أي منها بمعزل عن نسبته إلى البقية وإذن فالعلة مشتركة بينها جميعا وهي ما يعنيني مرضا أشخصه. لن أنسب إلى نفسي أكثر من سهمها في التشخيص .فهو تشخيص قراني ودوري فيه لا يتجاوز التنبيه إليه لأنه كان من ثمرات محاولتي قراءته قراءة فلسفية متحررة مما وقعت فيه علوم الملة من تحريف قلبت أمره ونهية في فهمه بأن جعلت الأمر نهيا (فصلت )53 والنهي أمرا (آل عمران )7فذهلت عن ثورتيه معرفيا وخلقيا. فلم تهتم بتعمير الأرض ولا بقيم الاستخلاف لامتناع الفصل بينهما من دون فشل ذريع إما في التعمير الذي يصبح تدميرا أو في الاستخلاف الذي يصبح اتلاف .وأذكر أني في حواري مع المرحوم الشيخ البوطي حول أزمة أصول الفقه حاولت أن أبين أن هذا القلب قد تم خاصة فيه رغم كونه مقدما حتى على أصول الدين لأنه متعلق برؤية القيمة والعمل في حين أن هذا متعلق برؤية المعرفة والنظر. وقد بينت أن أصول الفقه السني بخلاف الوهم خارجي ومعتزلي بالجوهر .وحتى يفهم القارئ قصدي فليذكر تاريخ نشأة هذين الموقفين الخارجي والمعتزلي. • فالأول كان خروجا في ساحة القتال على الجماعة. • والثاني كان خروجا في ساحة الجدال على الجماعة. • والاول تعلق بعمل الحكم. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- • والثاني بحكم العمل. كلاهما فصل ما خرج من أجله عن شرطيه أي السن الجمعي بقانون سورة العصر. فلو طبق نوعا الخروج في ساحة القتال بتحريف عمل الحكم بالشرع والخروج في ساحة الجدال بتحريف حكم النظر بالشرع وهو نفس التحريف أي الخروج على التواصي بالصبر في الأول والتواصي بالحق في الثاني والاول هو قانون الجهاد والثاني هو قانون الاجتهاد لما حصل الخروجان ولما وجد التطرف والعنف. فالتطرف العملي يسبق فيه العنف المادي وهو الخروج في ساحة القتال للخوارج بالمعنى الاصطلاحي .والتطرف النظري يسبق فيه العنف الرمزي وهو الخروج في ساحة الجدال للمعتزلة بالمعنى الاصطلاحي .الخروج الأول اعتزال الجهاد ضد التواصي بالصبر. والخروج الثاني اعتزال للاجتهاد ضد التواصي بالحق. وما كان من اعتزل الاجتهاد يطلب الحقيقة فعلا لما أغفل شرطه القرآني أي التواصي بالحق لان طلب الحقيقة ليس شيئا آخر غير اجتهاد الجماعة ليكون مؤمنا بحق .وما كان من اعتزل الجهاد يطلب الحق فعلا لما أغفل شرطه أي التواصي بالصبر لأن تحقيق الحق ليس شيئا آخر غير جهاد الجماعة ليكون عاملا صالحا. وللحقيقة واعترافا لذي الفضل بفضله فإن من نبهني إلى هذه الحقيقة هو ابن خلدون في فصل ولاية العهد من باب المقدمة الثالث عندما وضع نظرية عدم التأثيم لتجاوز معركة المفاضلة الباطنية بين الصحابة تفضيلا لعلي عليهم بدعوى المقابلة بين الحقيقة المطلقة والباطل المطلق .وقد تفطن إلى ان أن السياسي ينتسب إلى الاجتهاد وليس إلى المعرفة المحيطة ومن ثم فهو لا يخضع إلى منطق عدم التناقض والثالث المرفوع. فقد بين أن المسائل الاجتهادية ليس فيها من هو على صواب مطلق ومن هو على خطأ مطلق حتى لو سلمنا بقابليتها لتطبيق مبدأ عدم التناقض والثالث المرفوع .لكنه ينفي هذا التسليم .ولكن حتى لو سلمنا بذلك ففي هذه الحالة يمتنع أن نعلم من هو على حق ومن هو أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- على باطل بمعنى أن مشكل تعيين المخطئ والمصيب لا يطرح إلا بعديا وهو حكم على ما كان مجهولا في الماضي بما صار معلوما بعده. ولولا ذلك لما كان المخطئ في الاجتهاد مجازى إذا كان عن حسن نية إذ قبل الوصول إلى حصيلة الفعل يكون المرء مجتهدا في الحكم والمهم حينها هو مدى صدقه في طلب الحقيقة. ولذلك فالانقسامات التي ترتبت على خلافات الصحابة لم تكن بين صفين كما يوهمنا من يكذب عليهم .فهم في اجتهادهم الصادق قد انقسموا على الأقل إلى خمسة صفوف كما يحصل في أي جماعة افرادها ربوا على الحرية والصدق في الاجتهاد الذي هو شرط الجهاد بالقلب أو باللسان أو باليد بحسب مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يمثلان عين الالتزام بالموقف السياسي: .1صف علي. .2وصف المحترزين من موقفه دون أن يكونوا ميالين لمعاوية. .3وصف معاوية. .4وصف المحترزين من موقفه جون أن يكونوا ميالين لعلي. .5وصف الاحتراز الأعم كان ضد الخروجين على الإجماع في الصفين المتحاربين وفي الصفين المحترزين لأن الصفوف الأربعة لم تعمل بسورة العصر. لكن صف أصحاب هذا الاحتراز الأعم لم يكن صوتهم مسموعا أولا لقلتهم وثانيا لأن ثورة الإسلام في تأسيس التعددية مع ضرورة التواصي بالحق والتواصي بالصبر لم تكن يسيرة الفهم حينها .ولعلها ما تزال كذلك .وقد ظن الكثير أن اصحاب هذا الموقف كانوا قعودا ولم يكونوا أدرى بحقيقة الرؤية القرآنية للسياسي عامة .فالخطأ هو في ظن المحترزين من الأول مع الثاني والمتحررين من الثاني مع الأول .وهو كذب علته رد السياسي إلى ظاهرة تخضع لمنطق عدم التناقض والثالث المرفوع. والدليل هو أن حتى ابن خلدون الذي تفطن للإشكالية ووضع نظريته في عدم التأثيم لقلب صفحة الفتنة الكبرى وتسفيه الباطنية في تشويه الصحابة اكتفي باستعمالها لهذه أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- الغاية ولم يطورها لتصبح تأسيسا للتعددية السياسية لا تنتهي إلى هذه الصفوف الخمسة التي وصفت والتي ما تزال أكبر عائق في لحظة الأمة الراهنة. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- لست أشك في صدق المرحوم الشيخ البوطي عندما لم يقبل وصفي أصول الفقه بكونه معتمدا على الخروج في ساحة القتال (الخوارج) وعلى الخروج في ساحة الجدال (الاعتزال) لأن لم يفهم العلاقة بين التطرفين والعنفين في نظرية القيمة والعمل وفي نظرية المعرفة والنظر بمنطق المطابقة او الإنسان مقياس كل شيء. ولست واثقا من أن الكثير يمكن أن يغوص إلى الحد الذي يجله يدرك هذه العلاقات العميقة في ما طرأ على فهم نصوص القرآن وسنة الرسول في المعاملات بين البشر سواء كانت متعلقة بالتبادل وهو بالأساس شرط قيام الإنسان المادي أو متعلقة بالتواصل وهو بالأساس شرط قيام الإنسان الروحي. فالموقف الخارجي هو الذي ينبني على فعل الحكم الديني أو بصورة أدق على إطلاق الجهاد بمقياس الفهم الفردي لحكم القرآن في العمل والقيمة والموقف الاعتزالي هو الذي ينبني على حكم الفعل الديني أو بصورة أدق على إطلاق الاجتهاد بمقياس الفهم الفردي لحكمه في النظر والمعرفة :إلغاء التواصيين بالحق في الاجتهاد وبالصبر في الجهاد. ففي حالة الخروج في ساحة القتال على علي ألغى الخوارج التواصي بالصبر .وفي حالة الخروج في ساحة الجدال خروج من تلميذ على أستاذه ألغى المعتزلة التواصي بالحق .كلاهما تصور أن قيم العمل وحقائق النظر تقاس بالراي المفرد وليس بالبحث الاجتهاد والسعي الجهادي المتعدد والمتواصي طلبا للحق وتحقيقه. وليس بالصدفة أن كان جل الحركات الإسلامية التي تدعي الجهاد يؤول موقفها عادة إلى موقف الخوارج بدعوى علم الحقيقة الشرعية علما مطلقا بدلا من البحث عن الحلول التي يفرضها مبدأ عدم التأثيم السياسي بمنطق سورة العصر .وليس بالصدفة كذلك أن جل الحركات العلمانية التي تدعي الاجتهاد يؤول موقفها إلى موقف المعتزلة بدعوى علم الحقيقة العقلية علما مطلقا بدلا من البحث عن الحلول التي يفرضها مبدأ التعدد السياسي بمنطق الديموقراطية. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- وغالبا ما يكون أدعياء الموقف الثاني يدعون الحداثة وينحازون إلى أسوأ ما فيها أعني الاستبداد والفساد الفكري والسياسي للأنظمة التي هي توابع للاستعمار وذراعيه في الإقليم أي إيران وإسرائيل .وغالبا ما يدون أدعياء الموقف الأول يدعون الأصالة وينحازون إلى أسوأ ما فيها أعني الاستبداد والفساد الفكري والسياسي لأمراء الحرب الذين هم بدورهم بوعي أو بغير وعي جزء لا يتجزأ من استراتيجية الاستعمار لإبقاء الأمة في حرب أهلية أبدية هي السر في بقائها عاجزة دون الاستئناف الفعلي في التاريخ الحديث. وما كانوا ليفعلوا لو لم يكونوا معتقدين أن العمل والعلم الإنسانيين مطلقان وأن ما نعمله مطبق لما ينبغي أن يكون وأن ما نعلمه محيط بالموضوع .والموقفان منافيان لنظرية المعرفة والنظر (التواصي بالحق) ولنظرية القيمة والعمل (التواصي بالصبر) الواردتين في القرآن الكريم واللتين تلخصهما صورة العصر شرطا لصدق الإيمان وصلاح العمل. فيكون الخروج في ساحة القتال أساس التطرف والعنف المسلح بالسيف .ويكون الخروج في ساحة الجدال أساس التطرف والعنف المسلح بالقلم .وهما أصل الارهابين اللذين يتدثر أولهما باسم الوحي والثاني باسم العقل .والوحي والعقل كلاهما براء منهما لأن أساسهما سفسطائي .وهو اعتبار الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه :الخوارج استعملوها في العمل والشرع والمعتزلة في النظر والعقد. وهذه الظاهرة يسميها ابن خلدون-مرة أخرى نحن ندين له بالكثير-وهم رد الوجود إلى الإدراك (عند المعتزلة) وقياسا عليه يقع رد المنشود إلى الإرادة (عند الخوارج) وهو رد يؤسس لما يسميه حب التأله أو الطغيان المادي بالسيف والطغيان الرمزي بالقلم .والأول هو أساس الاستبداد السياسي والثاني هو أساس الاستبداد الفكري .وكلاهما يسيطر على المسلمين في الحكم والثقافة. الأمة يحكمها الخوارج (في العمل والتشريع) والمعتزلة (في النظر والعقد) أعني أنها تحكم باستبداد السيف وباستبداد القلم منذ الفتنة الكبرى (الباطنية) إلى اليوم بعد أن أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- زادت الطين بلة بسبب الفتنة الصغرى (العلمانية) .والمشكل هو أن من يعارضهم أصبح مضطرا لأن يعمل مثلهم والبقية هم ممن وصفت عند الكلام على علي ومعاوية .شعوبنا ما تزال في نفس الوضعية :حاكمان يتحاربان وصفان محترزان وصف خامس يريد أن يفهم خارج الصفوف الأربعة. وقد أصنف نفسي فأضعها في هذا الصف الخامس .وغالبا ما يكون الصف الخامس مجرد مشاهد لعله يكون شاهدا أمينا ومشخصا دقيقا لأدواء الامة .وعلى كل فالتشخيص ليس توارد خواطر بل هو يعود إلى أصل كل هذه الانحرافات التي إصلاحها شرط الاستئناف: رهان الأكسيولوجيا (نظرية القيمة) والإبستمولوجيا (نظرية المعرفة). وهذا يعني أن كل الفقهاء من حيث لا يدرون لا يمكن ألا يكونوا مؤسسين ومبررين للتطرفين والعنفين سواء كانوا فقهاء شريعة سماوية أو شريعة وضعية لان أحكام الأولين تقاس إلى أحكام الله التي يظنون أنفسهم عالمين وعاملين بها والثانين على أحكام الطبيعة التي يظنون أنفسهم عالمين وعاملين بها. والعلة أنهم لا يرون الفرق بين ما يعتبرونه مثالا يحتذى والاحتذاء .فإذا كان المحتذى مثالا أعلى وتوهم الإنسان ان الاحتذاء مطابق فهو قد \"تأله\" بالمعنى الخلدوني لمجرد توهمه أن الوجود قابلا للرد إلى إدراك الإنسان له .فهل يمكن أن يطابق عملنا أو علمنا شريعة الموجود الإلهي أو الطبيعي؟ كـل التطرف والعنف سواء كان باسم الوحي أو باسم العقل علته هذا الوهم في إمكان المطابقة ورد الوجود إلى إدراكنا له سواء كان معرفيا أو قيميا .وبهذا المعنى فكل أحكام القرآن الفقهية مثلا لا يمكن أن يطبقها الإنسان من دون أن يدعي أنه حائز على شروط الإحاطة التي للمشرع الإلهي مهما بلغ علمنا .ولست غافلا عن أمرين: .1الظن بأني بذلك أعطل أحكام الله. .2الظن بأني بذلك أنهي كل القانون الجنائي المبني على الشريعة. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- ودون أدنى سعي للدفاع عن نفسي فلنسأل القرآن في أكبر جريمتين كيف يطبق عليهما القرآن ما اسعى إلى بيانه :أليس الإسلام هو دين الله؟ أليست الحرابة أكبر جرم مضاعف؟ هل يوجد شيء لا يغفره الله غير الشرك والكفر بالرسالة الخاتمة؟ ومع ذلك فالقرآن لا يكتفي بوعد أصحاب الأديان الأخرى بالا يخافوا ولا يحزنون إذا أمنوا بالله وباليوم الآخر وعملوا صالحا (البقرة 62والمائدة )69؟ ألم يرجئ حتى المشركين للفصل بينهم وبين غيرهم إلى يوم الدين (الحج )17؟ ولنورد مثال الحرابة .ألا يأمر القرآن بإيقاف العقاب على المحارب إذا استسلم قبل قدرة الدولة عليه دون أن يلغي الحكم؟ أليس معنى هذا أن الله أعطانا نموذجا في جب التوبة ما قبلها لأن الهدف من التشريع هو حماية الجماعة وليس مجرد الانتقام من المجرمين ما يجعله يترك باب التوبة مفتوحا ما يقلل كلفة النظام والعدل؟ أكثر من ذلك ألم يكد القرآن يلغي عقوبة الإعدام التي تتعلق بقتل النفس من خلال التشجيع على العفو؟ وهل كان يبقي عليها لو لم يكن القصد تجنب عودة المسلمين للثأر ومعنى القصاص الذي تشرف عليه الدولة حياة لأنه يجنب تواصل القتل والاقتتال؟ ثم متى يفهم الفقهاء أن الحكم غير مقدار العقوبة؟ وقطع اليد ليس هو الحكم بل هو مقدار العقوبة .فالحكم هو السرقة جريمة .أما قطع اليد فهو مقدار العقوبة الاقصى .وإذا اعتبرت الظروف إما العامة أو الخاصة بالسارق يجعل الوصول إلى هذه المقدار من العقوبة شبه مستحيل .ولولا الخلط بين الامرين لما طبق القطع أصلا لأنه حد أقصى تخففه الظروف. لو لم يكن الفقه مبنيا على الخروجين كما وصفته في حواري مع الشيخ البوطي لكان أفضل ألف مرة من القانون الوضعي وذلك لعلتين: أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- أولا لأنه يجمع بين الوازعين الذاتي وهو ناتج عن الاعتقاد بأنه شرع الله والأجنبي وهو الاعتقاد بأنه لا يقتصر على العقاب بل جزاء الحسنات ضعف عقاب السيئات عشرة مرات. وكل ذلك يحد من السيئات (وخاصة الجرائم منها) ويشجع على الحسنات (وخاصة الفضائل منها) .لكن اعتماد الفقه على وهم قدرة قاضي الارض أن يكون مثل قاضي السماء أفسد القضاءين بأن اساء تأويل الاول وقاس عليه ما جعل الفقه مصدر التطرف والعنف ولذلك فجل الإرهابيين وراءهم فقهاء جهلة بالدين. وما قلته عن فقهاء الشرع السماوي يقال مثله وأكثر منه عن فقهاء الشرع الوضعي .وما يسمى بالتعزير شرح وضعي متنكر وهو أقبح منه لأنه ينكر طبيعته ويزعم أصلا دينيا ليس موجودا .ذلك أنه في الإسلام لا يوجد حكم الإعدام إلا في حالة قتل النفس عمدا وغياب العفو وكل حكم بالإعدام تعزيرا هو في الحقيقة تجن عن شرع الله لخدمة المستبدين والفسدة من الحكام. ولست أدعي علما في الفقه أو فلسفة .لكني أكتفي بالتحديد الصارم للمفهومات التي تستعمل بشيء من العمومية الغافلة عن التعريف السليم .فجل المعاني في علوم الملة مبهمة لأن منهج التعريف فيه شيء من التسرع الذي يفقد الحدود خاصة الجمع والمنع فيكون كله راجعا إلى المتشابه والجرأة على التأويل بخلاف ما تنهى عنه آل عمران .7وأكبر جرأة وأخطرها توهم التشريع في النوازل من جنس التشريع للتشريع حتى في القانون الوضعي فضلا عن القانون الشرعي. ففي التشريع للتشريع في القانون الوضعي ليس القاضي هو المشرع للتشريع الذي يستعمله .فتشريع التشريع له بعدان :بعد شرعية نص التشريع وهي خاضعة للأمانة المبدئية وللعدالة التطبيقية .وهو إذن ذو شرعيتين واحدة تتعلق بالمبادئ والقيم التي يتأسس عليها والثانية تتعلق بما لواضعها من سلطان يكون أصل السلطة سواء كان إنسانية (الشورى )38أو إلهية (لله الأمر بعد الخلق). أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- لكن شرعية الحكم في النوازل مختلف لأنه مبني على شرعية التشريع أي إن القاضي ليس هو واضع النص الذي يطبقه بل المطلوب الأمانة في التطبيق والعدل فيه وسلطانه لا يتحاوز الحكم لأنه ليس أصل النص ولا هو منفذه .فإذا ظن أنه مثل مشرع التشريع فهو يدعي سلطانا ليس له وإذا توهم أنه مثل المنفذ فهو كذلك يدعي سلطانا ليس له. لكنه له الحق في أن يقدح في شرعية التشريع إذا كان وضعيا بالعودة إلى أصل شرعية التشريع أي في القانون الوضعي :دستورية القانون الذي سيطبقه في حكمه في النوازل. ويمكن كذلك أن يجادل في تأويل النصوص الدينية بالاستناد إلى ما يشبه الدستور فيها أي إلى القرآن والسنة .لكنه في الحالة الثانية بخلاف الحالة الأولى لا يمكنه أن يزعم أن حكمه من جنس حكم الله فيخلط بين التشريع للنوازل العينية والتشريع للتشريع لخلطه بين وروده في أمثلة عينية تقدم كنماذج والأمثلة العينية التي يتصورها حكما في نوازل معينة. وذلك ما حدث في موقف الخوارج الذين تصرفوا بوصفهم قضاة في سلوك الخليفة الرابع بوصفهم قضاة عمل في فعل الحكم وموقف المعتزلة الذين تصرفوا بوصفهم قضاة نظر وعقد في حكم الفعل في سلوك معاوية .فكانوا بذلك بداية التحريف لسياسة الإسلام في التعامل المتحرر من الإرهابين العملي والنظري في كل تاريخ الأمة التي صارت بذلك مثل غيرها من الأمم ولم تستفد من ثورة الإسلام في الجهاد (الخروج) والاجتهاد (الاعتزال) لكأنهم لم يتدبروا سورة العصر وشروط الاستثناء من الخسر. لست أشك في أن القارئ المتسرع لا يرى العلاقة البعيدة بين خروج الخوارج في ساحة القتال وخروج المعتزلة في ساحة الجدال لأنه ينسى أن الأولين خرجوا في ساحة القتال باسم عمل الحكم (وهو موقف من سلوك الخليفة الرابع) وأن الثانين اعتزلوا أي خرجوا في ساحة الجدال باسم حكم العمل (وهو موقف من سلوك معاوية أو حكم الكبائر) .فكان الخروجان مؤسسـين التطرف والعنف في العمل والشرع عند الخوارج وفي النظر والعقد عند المعتزلة. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- لكن لو كان الخارجي صادق الإيمان وصالح العمل لعمل بالتواصي بالصبر ولما خرج .ولو كان المعتزلية صادق الإيمان وصالح العلم لعلم بالتواصي بالحق ولا اعتزل .الخروج نفي للمشاركة في التواصي بالصبر والاعتزال نفي للمشاركة في التواصي بالحق :كلاهما تأله وخرج عن الجماعة بإطلاق الجهاد والاجتهاد. ورغم أن الشافعي وما أدراك من الشافعي قد قال ما قال في سورة العصر فإنه لم يطبقها في تأسيس أصول الفقه .فقد ظن أن أحكام القرآن قابلة للتطبيق إنسانيا والعقل يوجب ألا يستثنى من ذلك حتى النبي نفسه لكونه لا يعلم الغيب والفقه لا يمكن أن يكون عادلا بإطلاق لأن الإنسان لا يعلم السرائر شرطا فيه .والرسول هو دون شك أقرب البشر لعلم شروط القضاء العادل كما وردت في القرآن وصفا ليوم الحساب .ويعلم أنها نماذج لتشرع للتشريع وليست تشريعا للنوازل ذاتها فيقاس عليها. وينبغي أن نفهم معنى الفرق بين \"التشريع للتشريع\" وبين \"التشريع للنوازل\" .فالأول يتعلق بشروط شرعية أي تشريع يضعه الإنسان لأن ما يضعه الله لا يحتاج لشروط الشرعية إذ الله هو أصل كل شرعية .شروط شرعية التشريع وضعت للإنسان حتى يكون ساعيا لتحقيق العدل بأمانة (النساء )58باعتباره حكما في النوازل بين البشر .والتشريع للنوازل مشروط بالتشريع للتشريع وهو على نوعين: .1التشريع الإجرائي وهو مقدم .2التشريع المضموني وهو متأخر. والتقديم والتأخير علته أن الخلل في الأول يحول دون الصواب في الثاني .ولذلك فما لم يضمن التشريع استقلال القاضي وحريته واحتكامه إلى ضميره ليكون أمينا للقيم وعادلا بين المتحاكمين فلا معنى للتشريع المضموني الذي يكون تأويله محكوما بما توفره الإجراءات من شروط استقلال القاضي وعلمه بحدود علمه وتبعيته وخضوعه لما يوضع له من حدود من قبل الاقوياء في الجماعة الذين لا يؤمنون لا بالأمانة ولا بالعدل فضلا عن شروط نفاذ الأحكام. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- وهنا لا بد من فهم معنى \"تلك حدود الله فلا تقربوها\" .فالحد حتى لغويا هو غاية الشيء أي ما نصل إليه نهاية له .فمن المنهي عن بلوغ تلك الحدود؟ توهموا أن المنهي هو المجرم وحده الذي يقربها .وطبعا بما أنها حدود فهو يقربها لكنه لا يبلغ إليها لأن الأجرام لا حد ومهما فعل فلن يستطيع الاقتراب من الممكن .والعدل أيضا لاحد له ومهما فعل القاضي لا يستطيع أن يقترب من العدل الممكن الذي حده هو عدل الله اللامتناهي. ومثلما أن الجريمة المطلقة اقتراب من حدود الله فالعدل المطلق اقتراب من حدود الله. وإذن فالنهي عن الاقتراب يشمل الوجهين .فحد العدل لا يتحقق إلا عندما يكون الحاكم اهو لله نفسه لأن شرطه لا يتوفر إلا له علما بسرائر المجرمين أولا وعملا بالقدرة المطلقة التي تجعل كل أعضائهم شاهدة عليهم .ولذلك فالنهي عن القرب من حدود الله ينطبق أيضا على القضاة والفقهاء لأنهم إذا طبقوا الحد الأقصى ينسون هذا النهي. فالحد الذي يقربونه محرم عليهم أيضا .إنه ليس حد الجريمة وحدها بل هو كذلك حد العدل المطلق الذي لا يتوفر لغير الله .ولا يمكن للقاضي الذي يقضي بقطع اليد ألا يكون مدعيا أنه علم الحقيقة بإطلاق ويعمل بالأحكام بإطلاق .وهذان هما الخطئان الناتجان توهم نفسه مقياس كل شيء مثل السوفسطائي والخارجي والمعتزلي .وتلك هي علة قل الرسول ثلاث القضاة في النار. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- قد يسارع القاري المتعجل فيظن أني بما قلت عن مقدمة ابن خلدون قد نكصت إلى القول بالإعجاز العلمي ما دمت أبدو وكأني اعتبر علمه موجودا في القرآن أو على الأقل مستمد منه .وهذه فرصة لتوضيح طبيعة معارضتي للقول بالإعجاز العلمي وقولي في آن إن القرآن يمثل الرؤية التي تحرر مما كان سائدا في الابستمولوجيا والاكسيولوجيا التي ورثها فكر المسلمين من ثقافة عصرهم التي هي يونانية مختلطة بالثقافة الدينية المتقدمة على الإسلام. ولكن قبل ذلك أسأل: أليس ما أبدعه ابن خلدون سابق على ما بينت دلالته القرآنية التي اكتشفتها بالانطلاق مما أمرت به الرؤية القرآنية في فصلت 53؟ وهل ادعيت أن هذا التأويل لمصادر فكر ابن خلدون كان بمعنى المضمون المعرفي وليس بمعنى المناخ الرؤيوي المحرر من الموروث السائد أو الرؤية التي جعلته يكتشف ما اكتشف في فلسفة التاريخ بالانطلاق من مفهوم الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" ومفهوم معاني الإنسانية القرآنيين؟ أفي هذا تقول على القرآن؟ وما الصلة بين اكتشاف ابن خلدون لفلسفة التاريخ الذي كما بينت ما يزال ناقصا وإلا لما احتجنا لتجاوزه والتفكير في خلدونية جديدة -وهو أمر طلبه هو نفسه في خاتمة المقدمة- والرؤية التي تفسر بحثي في منطلقاته وفي الرؤية التي جعلته يرى ما لم يره غيره: فرضيتي رؤية القرآن للإنسان والتاريخ. وفرضيتي ليست تحكمية .فابن خلدون بنفسه هو الذي عينها :ألم يقل إنه يريد أن يدرس العمران البشري والاجتماع الإنساني ليس من منطلق الأحكام السلطانية ولا من منطلق المدن المثالية بل من منطلق طبائع الأشياء وما فيها من قوانين وسنن؟ إنه تطبيق حرفي لفصلت 53أي آيات الله في الآفاق والأنفس وتجنب واع لتحريف آل عمران .7 أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- وآيات الله في الآفاق وفي الأنفس هل يمكن طلبها من شرح كلمات القرآن؟ ما يسمى بالإعجاز العلمي هو توهم اكتشاف قوانين بالاعتماد على شرح آيات القرآن أو شرح آيات القرآن في ضوء ما يكتشفه غيرنا للدلالة على سبق علمي لم نكتشفه ونتوهم أنه المقصود في ما ندعيه بالتحكم اللساني لتأويل النص. فلا أنا قلت إن ابن خلدون استخرج قوانين التاريخ وسننه من شرح ألفاظ القرآن ولا هو زعم ذلك .ما قلته هو أن ما توصل إليه ابن خلدون لا يمكن فهمه من دون وصله بالرؤية القرآنية للتاريخ إذا اعتبرنا هذه الرؤية لا تتبين حقيقتها-كما قالت فصلت -53إلا من خلال ما يرينه الله من آيات الآفاق والأنفس التي توجه إليها ابن خلدون في عمله الفكري وتحرر من تخريف المتكلمين والفلاسفة والفقهاء والمتصوفة الذين لم يتجاوزوا التعامل المقلوب معها ومع آل عمران ..7 لو كان علم ابن خلدون مستمدا من شرح الفاظ القرآن مثلهم لكان ما اكتشفه قد كان موجودا قبل اكتشافه وادعى أنه موجود في شرح هذه ألفاظ القرآن كما يفعل دعاة الاعجاز العلمي في خرافاتهم .لم نسمع بأحد منهم اكتشف قانونا علميا واحدا أو فلسفة ما انطلاقا من شرح الألفاظ بل كلهم يأخذون قانونا اكتشفه غيرهم بالبحث العلمي الجدي بعد ثم يتعسفوا على شرح ألفاظ القرآن حتى يجدوا فيها ما يشبهه توهما. وقد بينت أن هذا الوهم علته الظن أن القرآن فيه علم بالغيب في حين أن ما فيه هو إعلام بوجود الغيب واعلام بعجز الإنسان عن علمه وأن القرآن لا يمكن من ثم أن يكون رسالة موجهة إلى الإنسان ويتضمن ما هو نفسه يعلمه باستحالة علمه .فهذا يعني أن الرسالة لو كان فيها علم بالغيب لما بقيت رسالة إلى الإنسان .وما خرافة الراسخين في العلم سواء العقلي أو اللدني تمثل أكبر أكاذيب علمائنا :الآية السابقة من آل عمران تعني بالرسوخ في العلم النقيض التام لما تحايلوا لتأويلها حتى تكون أساسا لسلطانهم في التربية المؤسس لسلطان الطغاة في الحكم. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- وهذا التحيل جريمة في حق القرآن وفي حق الأمة .ففي حق القرآن هو ادعاء أن القرآن لم يأت لكي يجعلنا نجتهد لتعمير الأرض ولجعل ذلك التعمير بقيم الاستخلاف بل أمدنا بما يغنينا عن الاجتهاد في المعرفة (التواصي بالحق) والجهاد في العمل بها (التواصي بالصبر). بهذا الموقف الخاطئ يلغى التكليف من أصله. أما الجريمة في حق الأمة فلست بحاجة لشرحها :يكفي رؤية حالها منذ قرون .فلا هي قادرة على تعمير الارض ولا هي قادرة على اثبات جدارتها بالاستخلاف .فهي تابعة في العمارة .وهي كما بين ابن خلدون فاسدة معاني الإنسانية لأن تربيتها وحكمها يعتمدان على العنف ولا شيء غير العنف الأعمى والأصم .والمعلوم أن لجوء الإنسان إلى العنف مصدره أمران: • الأول هو الجهل بحقيقة القوانين والسنن التي تغني عنه سواء تعلق بالتعامل مع الطبيعة أو مع البشر لأنها تحقق التعمير بقيم الاستخلاف كما يحددها القرآن الكريم. • والثاني الارتجال الناتج على انتظار حدوث الأشياء والوقوف منها موقف من يرد الفعل العاجز عن \"الحيل\" التي تبدعها المعرفة لاستباقها واعداد شروط علاجها. وهذا هو ما يسمى العمل على جهل وكل عمل ليس على علم اضطراب وليس فعلا إنسانيا خاضعا لتفكير سابق ومساوق ولاحق للفعل .فالسابق يعد له استراتيجية والمساوق يعدلها خلال استعمالها واللاحق ينقدها لتغيير جذري إن لزم الأمر وبذلك يتقدم العلم والعمل في كل الحضارات الحية فرديا كان أو جماعيا. وذلك هو معنى التواصي بالحق اجتهادا لمعرفته ومعنى التواصي بالصبر جهادا لتحقيقه. وشرط ذلك أن يكون الإنسان مؤمنا وعاملا صالحا .ولا يمكن لذلك أن يحصل ما لم يكن الإنسان واعيا بأنه من دونه يكون في \"الخسر\" .والخسر هو معنى الرد أسفل سافلين أي ما دون أهلية الاستخلاف الذي خلق له الإنسان. ونحن المسلمين يعلمنا القرآن أن هذا الرد تجاوزه الإنسان بما تقصه علينا قصة اتمام آدم للكلمات التي تلقاها فعفا عنه ربه ومن ثم فليس عندنا ما عند المسيحيين من خطيئة موروثة أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- بل الإنسان فطريا خير وما الشر في حياته إلى نتيجة الجهل بما في فطرته من تجهيز يمكنه من التعمير الاستخلافي. والخطيئة الموروثة هي التي بنى عليها الفكر الديني المسيحي قصة المسيح ابنا للرب (آل عمران )79حتى يؤسسوا عليها نظرية الشفيع الذي قبل الموت من أجل البشرية والذي تمثله الوساطة الكنسية والوصاية السياسية (الحكم باسم الله أو المسيح بتشريع كنسي). وهذان التصوران هما علة العنفين. وهذه القصة تلطيف دون تغيير جوهري لنظرية شعب الله المختار .من ذلك أن أحد كبار العلماء في الرياضيات وكبار المنظرين للمسيحية -باسكال-زعم أن محمدا لا يمكن أن يكون رسولا لأنه ليس يهوديا .وهو ما يعني أن الله لا يتصل بالبشر إلى بتوسط اليهود بخلاف نظرية القرآن في الرسالات. فالقرآن يعتبر أن لكل أمة رسولا بلسانها وأن الرسالة الخاتمة تذكير الديني في كل دين وهي الإسلام الذي هو دين الله المرسوم في ما فطر عليه الإنسان من حيث هو إنسان بصرف النظر عن عرقه ولونه ودينه وجنسه وعصره بل الإنسان من حيث هو إنسان شهد بذلك وهو في ظهر أبويه (الأعراف .)173-172 ولهذه العلة تكلمت على تواز تام بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ في القرآن .والدليل القاطع في ذلك هو أن القرآن يعالج الامر في مستويين فضلا عن المسائل المتعلقة بالرسالة نفسها من حيث أبعادها الخمسة أي المرسل والمرسل اليه والرسول ومضمون الرسالة ومنهج التبليغ وهما العرض النقدي والبديل المحرر. فأما العرض النقدي فلا أحد يشكك في وجوده في القرآن إذ هو يستعرض كل الرسالات المتقدمة عليه ويحلل علل ما حال دونها والتحقق في التاريخ الفعلي للأمم التي تلقتها .وأما البديل فلا أحد يشكك في وجوده كذلك إذ القرآن لم يكتف بهذا النقد للأمم بل بين علل ما حصل واقترح تربية وحكما يتجنباها. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- والتربية والحكم اللذان يتجنبان ما حصل في التجارب السابقة من عوائق حالت دون نجاح الرسالات السابقة بتخليصهما مما جعلهما محرفين للرسالات وعنيفين .فالتحريف علته الأولى التربية بوجود الوساطة بين المؤمن وربه (الكنسية) فألغاها وعلته الثانية الحكم بوجود الوصاية بين المؤمن وأمره (أجهزة الدولة المتعالية على الجماعة) فألغاها. ولآخذ مثالا حيا من راهن تاريخنا :من ينظر إلى ما يفعله أي حاكم عربي يفهم ما أقصده بالعنف المادي المؤسس على العنف الروحي .لو أخذنا مثال أمير السعودية الحالي .فهو يبدو ساعيا للتخلص من وساطة كنسية وهابية ليعوضها بكنسية ليبرالية للانتقال من حكم باسم الله إلى حكم باسم الإنسان. فيبدو الأمر للجاهل وكأنه تطور كبير لأنه يحاكي ما ينسب إلى الغرب من انتقال حصل في القرنين السادس عشر والسابع عشر حيث حد من سلطان الكنيسة بالإصلاح الديني ومن سلطان الحكم باسم الله بالديموقراطية .لكنه في الحقيقة لم يصلح دينا ولم يحقق ديموقراطية بل ألغى اسم الله وأوهم أنه يعوضه باسم الإنسان. والعلة أنه جاهل بما يفعل .ذلك أن الإسلام ليس فيه سلطة كنسية للتربية ولا يحكم باسم الله للسياسة .فالتربية قانونها الإسلامي \"إنما أنت مذكر\" والحكم قانونه الإسلامي \"لست عليهم بمسيطر\" .ما فعله هو أنه صار \"بابا\" يفكر بدلا من الأمة وطاغية يحكم بدلا من الأمة :فلا هو أصيل ولا هو حديث. وقس عليه كل الحكام العرب ونخبهم التي تدعي الحداثة .لكنهم فضحوا طبيعة ما يجري .فهم لم يأخذوا من الغرب إلا البنية الخفية لنظامه والدعاية الكاذبة لجلي سطحها. فنظامه بخلاف ما يدعي ليس الحكم باسم الإنسان بديلا من الحكم باسم الله بل هو يحكم باسم دين العجل أي باسم المال الفاسد (معدن العجل) والاعلام الكاذب (خواره). وأفضل مثال على ذلك ما نراه بالعين المجردة في الولايات المتحدة عامة وفي انتخاب ترومب (وفي انتخاب فرنسا في عهد ساركوزي مثلا) .ولذلك فلا يمكن تصور انتخابات في أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- الغرب لا تعتمد على الأداتين الممثلتين لدين العجل :المال الفاسد (الذهب مسروق في عجل بني إسرائيل) والإعلام الافسد منه (خوار عجل بني إسرائيل). وكما أسلفت فالإسلام ألغى الوساطة في التربية سواء كان ذلك باسم النقل أو باسم العقل لأن ذلك هو أصل العنف التربوي المفسد لمعاني الإنسانية في الأذهان والوجدان. كما ألغى الوصاية في الحكم سواء كان ذلك بالحق الإلهي أو بالحق الإنساني المزعومين لأن ذلك هو أصل العنف السياسي المفسد لمعاني الإنسانية في الأعيان طبيعية كانت أو تاريخية .وهذان العاملان المفسدان لمعاني الإنسانية يتبين مفعولهما في الآفاق وفي الأنفس. كما يتبين عسر تحقيق ما سعى إليه الإسلام لتحقيق هذين الثورتين المحررتين من الوساطة والوصاية .فإبداع البديلين منهما هما عين السعي لتقيق مفهوم الإنسان كما عرفه ابن خلدون \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وصلت الآن إلى بيت القصيد من المحاولة :فالصراعان اللذان ولدا الأنواع الخمسة من التطرف والعنف أو من الثقافة الإرهابية-ليس عندنا وحدنا بل في كل الجماعات البشرية التي لم تفهم الرسالة الخاتمة-هما ما عالجه القرآن ليجعل البشر أخوة (النساء )1 ومتساوين ومتعارفين ولا يتفاضلون إلا بالتقوى (الحجرات :)13ثورة الإسلام الكونية. فمهمة الرسالة الختمة هي تحرير البشرية من الثقافة الإرهابية الكونية أعني ثقافة الكلام وثقافة الفلسفة في مسألة نظرية المعرفة المطابقة في النظر والعقد وتنافي بين الإيمان والعلم وثقافة الفقه والتصوف أو نظرية المطابقة في نظرية العمل والشرع وتنافي القانون والأخلاق بالوساطة والوصاية. فأما سلطة الوساطة في السلطان الروحي الذي يستعبد الإنسان بمعركة زائفة بين الكلام والفلسفة حول الإيمان والعلم وأما سلة الوصاية في السلطان السياسي الذي يستعبد الإنسان بمعركة زائفة بين الفقه والتصوف حول القانون والاخلاق والمستعمل لهم جميعا هو الاستبداد السياسي مصدر الإرهاب ببعديه .لماذا لا يمكن للمتكلم ألا يكون متطرفا وعنيفا ومن ثم مؤسسا للإرهاب أيا كانت فرقته؟ لعلتين متناقضتين: .1فهو أولا يدعي الكلام باسم الوحي زاعما أنه يدافع عنه بالعقل (هكذا يعرفون الكلام). .2لكنه يستند إلى مبدئين كلاهما ينفي الوحي من أصله: • قياس الغائب على الشاهد • والتأويل بمقتضاه. وفي الحقيقة \"كلمة\" الوحي في هذه الحالة لا معنى لها إلا اضفاء السلطة المزعومة دينية عالمة بالغيب حتى لا يكون لكلامه مضمونا معرفيا خالصا يقيم بما تقيم به المعرفة عامة بل من أجل أن تكون معرفته وكأنها الفهم الوحيد المطلق لهذا الوحي المزعوم متكلما في الغيب الذي يدركه بالقياس والتأويل. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- ذلك أنه يعلم أنه لو قدم كلامه على أنه اجتهاد معرفي خالص لما احتاج لجعله علما مطلقا يعتمد على تكفير غيره لأنه لا يوافقه عليه .ولا يوجد متكلم من أي فرقة لا يؤدي كلامه إلى تكفير بقية الفرق المتكلمة مثله .وهذا هو جوهر الصراع بين المتكلمين .والعلة إذن هي في اعتمادهم على ذينك المبدئين. ولنبدأ المبدأ الأول :قياس الشاهد على الغائب .لو كان الأمر متعلقا بالغيب لقبلناه رغم كونه عقيما لأنه لو كان الغائب مثل الشاهد من حيث المعلومية لكان معلوما في الشاهد ولا حاجة لقياسه عليه .فيكون هذا القياس اسناد المجهول على المعلوم بوجوه شبه زائفة لو كانت مؤثرة لما وجد فرق بينهما. فأي علم هذا الذي يكتفي برد المجهول إلى المعلوم؟ كيف سيتقدم إذا لم يكن محركه تبين الفروق التي توسع المعرفة بفهم المجهول وعلة كونه لا يرد إلى المعلوم السابق وإلا فإن العملية تصبح مجرد تعميم على وجوه شبه غير مؤثرة في معرفة أسرار الموجودات التي هي قوانين تحافظ على الفروق ولا تلغيها. ومع ذلك هبنا قبلنا بهذا المنهج ولنسأل السؤال الجوهري .فإذا كان القصد الدفاع عن الوحي كما يزعمون وكان الدين فيه علم يأتيه بالوحي ولا يمكن لأحد أن يصل إليه بالعقل بمن فيهم الأنبياء فمعنى ذلك أن الوحي يعرف بالغيب وليس بالغائب ولا يبقى فرق بينهما. فالغائب يمكن أن يصبح من الشاهد مثل توقع المستقبل فيفهمه الإنسان إذا جاء في الرسالة لأن ذلك من مستطاعه .لكن الغيب الوحي يقول عنه إنه محجوب بإطلاق فيتناقض لم تضمنت الرسالة منه شيئا لأنه سيكون مضمونا عديم الفائدة ما دام المرسل إليه لا يمكن أن يعلمه ولا أن يفهمه .الرسالة من المرسل (الله) إلى المرسل إليه (الإنسان) تفقد معناها وجدواها لأنها حينها تكون فاقدة لشرط مطلوبها. كل التحيل الكلامي هو \"خفة أصابع\" مثل السحرة الدجالين يقبلون بها الغيب إلى غائب ثم يقيسونه على ما يعلمونه من الشاهد إما بالسلب (بدعوى التنزيه) أو بالإيجاب (بدعوى أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- التفويض) .وفي الحالتين يكون الغيب قد رد إلى الغائب مع حذر محترم من المدرسة الثانية لأنها على الأقل تتحرز من الرد. أما المبدأ الثاني فلا أحتاج لطويل كلام عليه أي مبدأ التـأويل لأنه إذا تبين فساد قياس الغائب على الشاهد ليس في ذاته أولا من حيث بيان عدم جدواه في المعرفة العلمية حتى وإن كان يمكن أن يكون بداية فرضية تعدل باكتشاف خطئها بل في خفة الأصابع التي تجعل الغيب غائبا بالتحيل المعرفي دون سابق إعلام. لكن لا بد من الكلام فيه لبيان سر المهازل في الفرق الكلامية .فالقرآن لم يكتف بالقول إن الغيب محجوب حتى على الرسل بل هو خصص لمنع الاشتغال به آية تحذر من علتيه المتعلقة بنفسية صاحبه وبأثرها في المجتمعات البشرية قصدت آل عمران 7المتعلقة بالمتشابه والتأويل حيث يتبين التحيل الصريح في قراءتها. فالآية تصف نفسية المقدم على تأويل المتشابه بخاصيتين احداهما مرض في القلب (زيغ القلب) والثانية تنتج عليها وتؤدي إلى سلوك شرير في الجماعة (ابتغاء الفتنة) .وتذكر بأن المتشابه المتعلق بالغيب لا يقدر على تأويله إلا الله .ثم تعرف الرسوخ في العلم بالإيمان بالغيب وليس بالقدرة على تأويل المتشابه .ثم تصفهم بعكس ما وصفت به المؤول. فهي تنتهي بوصف الراسخين في العلم الذين يؤمنون بالغيب بأنهم من ذوي الالباب بمعنى أنهم قلوبهم برئيسة من الزيغ ويدركون العواقب أعني أنهم يتجنبون التأويل لأن قلوبهم سليمة ويعلمون أن تأويل المتشابه هو مصدر الفتنة في الجماعات البشرية. فكيف صارت الـ\"و\"في الآية عطفا ولم تبق استئنافا؟ قد يقول قائل لكن كلامك هذا إن قبلناه فهو لا يصح إلا على المتكلمين المؤولين ولا يصح على المتكلمين المفوضين .المفوضون حتى وإن رفضوا التأويل فهو لم يفرضوه إلا في حدود ما فيه من تعطيل .ومن ثم فهم بنحو ما يقبلون التماثل الوارد في كلام الله على نفسه مثلا من جنس \"والسؤال عنه بدعة\". أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- فهو نصف تأويل :يوجد شبه لكن احتراز ليس كمثله شيء يجعل السؤال عن كيف المماثلة بدعة .ويمكن أن نجد لهم عذرا لأن ما في القرآن مما يبدو مماثلة وكثرتها بين صفات الله وصفات الإنسان يجعل من العسير فهم الامر ليس مقارنة بين حدي العلاقة بل تعريف العلاقة من جنس دالات التبعية في الرياضيات. فعندما تسقط قيم \"س\" على قيم \"ص\" بقانون التبعية في الدالات الرياضية المهم ليس ما هي \"س\" ولا ما هي \"ص\" بل ما يكون عليه قانون الاسقاط بوصفه محددا لتغير القيم المتناسب بين س وص ويبقى س وص مجهولين لأن طبيعتهما إذا توهمناهما كائنين موجودين ليست موضوع علم بل هي حدا القانون. ولذلك فالدالة تكون دائما في شكل شرطية :إذا \"س\" كذا فـ‘ \"ص\" ستكون كذا بمقتضى قانون الدالة التي نريد معرفة ما يترتب عليها بمقتضى قانونها ويبقى المتغيران خانتين خاويتين تحددهما قيم تفرض لهما وموضوع العلم هو هذا أي مفعول هذا القانون وليس حقيقة الشيئين س وص وهما في حالتنا الإنسان والله .ومتقضى الدلالة هي أن الإنسان يعرف الله بالقياس إلى نفسه لكن ذلك لا يعني أن الله يقاس بمقياس الإنسان إلا عند الإنسان. وأي موجود يمكن أن يعتبر نفسه في مثل هذه العلاقة فيكون الله عند القط قطا مثلا وذلك من مهازل من يرد الوجود إلى أدراكه .لكن القرآن يقول إنه ليس كمثله شيء وإذن فلا مفر من فهم القصد بكلام القرآن على ا لله هذا الفهم المحرر من اعتباره واصفا ذاته بل هو يصف ما يمكن للإنسان أن يتخيلها عليه بالقياس إليه دون أن يكون ذلك علما بذاته. وخرافة ابن عربي الذي يدعي أن الكاف في \"كمثله\" ليست من عادات المقارنة في أساليب الكتابة العربية بل هي تعني أن مثله الذي هو الإنسان هو الذي ليس له مثيل في المثلية مع الله أي إنه المثيل الوحيد فيكون الله له مثيل هو الإنسان والإنسان لا مثيل له غير الله. وهذا خطأ لغوي وسوء أدب مع الله. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وذلك في ما يمكننا علمه علما إضافيا لنا وليس علما مطابقا لحقيقة الشيء في ذاته إذ لو اعتبرنا علمنا مطابقا لحقيقة الشيء في ذاته لكان ذلك يعني أننها اعتبرنا الغيب غائبا وليس غيبا وتوهمنا أننا مقياس كل شيء موجوده ومعدومه فكان موقفنا الموقف السوفسطائي الذي يعتبر الإنسان مقياسا مطلقا. والآن قد يقول قائل :حسن لنفرض أننا سلمنا لك ما تقول فكيف تعمم قولك على الفلاسفة كذلك ولا تكتف بالمتكلمين سواء كانوا من المعطلة أو من المفوضة؟ جوابي ما يقوله ابن رشد .أليس هو شيخ الشيوخ عند كاريكاتور الحداثة؟ لابد أن الجميع قرأ مناهج الأدلة في الرد على الكلام والأشعري منه خاصة. فخلافه مع المتكلمين ليس على التأويل ولا على قلب\"و\" آل عمران 7إلى عطفية بدلا من استئنافية بل على من الراسخ في العلم :هل هو المتكلم أم الفيلسوف. مشكل ابن رشد مع المتكلمين لا يتعلق بقياس الغائب على الشاهد ولا بالتأويل بل على من الراسخ في العلم .والكلام معه ليس في الدين بل في الفلسفة. ويصادف كلامي اليوم على المسألة اتمامي ترجمة ميتافيزيقا ارسطو-المعجزة حسب ابن رشد-ترجمته عن أول أهم ترجمة ألمانية كتبت في منتصف القرن التاسع لأكبر مؤلف في معجم ارسطو-هرمان بونيتس -ترجمة هدفها فهم طبيعة العقبات التي حالت دون ابن رشد ومن تقدم عليه تجاوز رؤاه وحلوله الأولية في تأسيس علم الطبيعة. فالجواب عن معنى \"الرسوخ في العلم\" بالمعنى الرشدي لا يوجد إلا في شرحه لمقالة اللام (المقالة )12من هذا الكتاب والذي بمقتضاه يعتبر ابن رشد تأويله تأويل راسخ في العلم بخلاف تأويل المتكلمين الذين دحضهم في مناهج الأدلة وأسسه على قرآن آل عمران 7 بالعطف لا بالاستئناف .ومجرد اعتبار إلهيات أرسطو ثمرة رسوخ في العلم دليل على أنه لا يقول بالرؤية القرآنية للرب الخالق والآمر رغم كونه فقيها وابن فقيه. وقد يكون ذلك ما يغري أدعياء الحداثة العرب بالإعجاب به فضلا عن خرافة إبن رشد اللاتيني حيث اعتبر تهم الكنيسة لابن رشد دليل ريادة لكان اتهام فقهائنا لأي فيلسوف أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- دليل رياده تنسب إليه .فلا توجد حقيقة علمية واحدة اليوم يمكن نسبتها إلى ابن رشد عدى خرافة «تأسيس» الفصل بين الديني والسياسي وهو كذبة لا وجود لها في المعلوم من نصوصه حتى وإن وجدت في تهم الكنيسة له ثنائية الحقيقة .وإليكـم التأسيس الضمني لكلام ابن رشد: .1علم أرسطو علم مطابق لحقيقة الموجود. .2من كان راسخا في علمه فهو راسخ العلم بالمعنى القرآني في آل عمران ( -7وهو في الحقيقة نقيضه تماما). .3إذن تأويله للمتشابه قابل للعطف على تأويل الله. .4ويمكن إذن أن يرد ما جاء في القرآن عن طريق الوحي إلى ما جاء في علم أرسطو عن طريق العقل. .5والنتيجة التي هي في الحقيقة المقدمة الضمنية هي العلم المحيط ممكن للإنسان والقول نظرية المعرفة المطابقة. وبين أن هذا استدلال مغالطي-سوفسطائي -لأنه لا شيء يثبت أن علم أرسطو مطابق للحقيقة ولا شيء يثبت أنه يوجد علم مطابق للحقيقة غير علم الله ولا شيء يثبت من ثم أن الرسوخ في العلم يكفي فيه حفظ مدونة أرسطو ولا حتى حفظ علوم الإنسان كلها وأخيرا فلا بد إذن أن يكون رد ما يسمونه نقلا إلى ما يسمونه عقلا بالتأويل أن يكون مؤسسات على هذه الخرافات وآيلا إلى التطرف والعنف. فالبقية المترتبة عليه بينة :إنها الموقف الذي لا يختلف عن موقف المتكلمين من حيث مآله إلى التطرف والعنف ضد المخالف .ولذلك فكل تخريف الرشديين العرب الجدد لا يقلون عنه تخلفا رغم دعاواهم بأنهم عقلانيون وديموقراطيون .يكفي أنهم يجهلون أنه لا يمكن الجمع بين القول بالمطابقة والإحاطة والقول بالديموقراطية :فمن دون التنسيب في أحكام العقل لا يمكن أن نؤسس المساواة في اعتماد أصوات المواطنين. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- فالبيعة الحرة في الانتخابات في الإسلام السني والانتخابات الحرة في الديموقراطية الحديثة لا فرق بين العالم والأمي :الشرط الوحيد سلامة المدارك والانتساب إلى الجماعة .لو كانت الحقيقة القيمية وحتى العلمية يقابل للعلم المحيط لاستحال فهم الشورى 38ومبدأ الاختيار في الرؤية السنية للحكم في مقابل الرؤية الباطنية (الغزالي فضائح الباطنية) والنظام الديموقراطي في الفكر الحديث. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- طبعا لم أقصد أن ابن رشد لم يكن ذا مذهب يدعو إلى التطرف والعنف بل أقصد أنه لا يمكن أن يكون مختلفا عمن يفعل لأن القول إن العلم محيط يقتضي أن المتكلم يدعي أنه مالك الحقيقة المطلقة .ومن يدعي ذلك لا يمكن أن يكون متسامحا مع أي راي آخر مخالف. وذلك مطلوبي :المشترك بين حدي الصراع النظري. تلك هي علة المقابلة بين الفقيه والمتصوف والمقابلة بين المتكلم والفيلسوف .وليس بالصدفة أن كان ابن رشد فيلسوفا متكلما وأن كان ابن عربي متصوفا فيلسوفا في المغرب وأن كان السهروردي فيلسوفا متصوفا وكان الرازي متكلما فلسوفا وكانوا أربعتهم غاية ما وصل إليه المأزق في القرن 6هـ12م. فهذا المربع -المغربي والمشرقي -كان تمام المدرسية التي تمثل عقم الفكر الكلامي والفلسفي والفقهي والصوفي الذي وصف الغزالي مدرسيتهم بـ\"ضيق الحوصلة\" رادا للوجود إلى ادراكهم مدللا على ذلك بمفهوم \"حد\" حتى وإن نكص دونه أعني مفهوم \"طور ماوراء العقل\" يبقي على الفرق بين الموجود والمعلوم. والمفهوم \"الحد\" الذي يبين أن المسافة بين المعلوم والموجود لامتناهية وهي ما يعنيه مفهوم الغيب المحجوب الذي اعتبر نكوص الغزالي عن دلالته العميقة صادرا عن مأزقين وقع فيهما اولهما الكشف الصوفي والثاني سحر السينوية أو الصلح بين المطابقتين الافلاطونية والأرسطية وتناعمه مع الكشف. فالصلح السينوي بين مثل أفلاطون المفارقة وصور أرسطو المحايثة-في نظرية الكليات القائمة في العناية الإلهية البديل من المادة الأرسطية جمعا بين وجود المثل وعدم مفارقتها لشيء ما فتكون العناية السينوية أشبه بالمادة الأرسطية وبالعدم الذي تقوم فيه ثوابت ابن عربي وهو معنى المفهوم الغريب :الله عين العالم -والكشف الصوفي سحرا الغزالي فنكص عن ثورته في تهافت الفلاسفة وحتى في المنقذ وأصبح بنحو ما مؤسسا للمدارس أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- الاربعة التي وصفت أعني الرشدية والابنعربية والسهروردية والرازوية أو المدرسية التي انتهت إلى أفق الشعوذة المسدود. ولا شيء يقتلني ضحكا أكثر من كلام كاريكاتور الحداثة على ابن رشد التنويري وابن عربي ذي الخيال المجنح والسهرودي المتنبي والرازي ذي البديع التفسيري .وكلهم في الحقيقة اكتفوا بوضع الشباك الحديدي الذي يسجن الفكر المبدع في خرافتين خلافهم فيها أسلوبي: .1فلك بطليموس .2ميتافيزيقا أرسطو. ومهما قيل في عبقريتهم وفي براعتهم فإنهم إلى حد كبير دون بطليموس في علم الرياضيات المترجم للسماء في معادلات ودون أرسطو في علم التحليلات المترجم للوجود في استعارات \"صناعوية\" أساسها محاولات فلكية لأودوقسس أحد تلاميذ أفلاطون المشهورين في علاج الأعداء الصماء وفي تنظيم حركات الفلك. وما تجده من تمجيد عند أدعياء الحداثة ومن تدارك عند أدعياء الاصالة الذين صاروا هم بدورهم يفاخرن بتراثنا الفلسفي فيه الكثير من المدح إما الناتج عن الجهل أو عن مركبات النقص وعدم الاعتراف بأن المشاركة في علوم الطبيعة لم يكن شيئا مذكورا وهو على كل حال لم يكن من إبداع الفلاسفة بل كان أصحابه علماء أكثر منهم فلاسفة وكانوا تلاميذ علماء يونان لا فلاسفة يونان. والعبرة هي التالية :قد يكون الإنسان حائزا على معلومات .لكنه ليس عالما لأن الفرق بين مبدع تلك المعلومات وحافظها لا يتناهى خاصة إذا كان بين المبدع والحافظ أو الراوي 15قرنا .لن تجد في علم ابن رشد وابن عربي مغربا والسهرودي والرازي مشرقا شيئا جديدا ذا بال بالقياس إلى بطليموس وأرسطو. ولست أقصد جدة في المضمون فحسب بل وكذلك في الشكل بل وخاصة في الشكل .فما أضافوه في المضمون خرافات لا علاقة لها بالعلم وخاصة السهروردي وابن عربي .وما أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- أضافوه في الشكل لا يتجاوز ما يشبه متون التفسير في العلوم الدينية وخاصة ابن رشد والرازي. ومن ثم فالمأزق والانسداد شبه مطلق .والعلة هي وهم المطابقتين الذي كان ضرره اقل في البدايات اليونانية لأن ما علموه كان يمكن أن يعتبر نهائيا ولم يتضح أنه تاريخي إلى لاحقا وخاصة في محاولات النقد الفلسفي الجدي الذي بدا مع الغزالي وبلغ الذروة مع ابن خلدون الذي لم يستطع إدخال التاريخ في المدونة الفلسفية إلا بإدخال التاريخية في المعرفة الفلسفية وإنهاء وهم المطابقتين. فطبيعي أن يتوقف البحث العلمي والاكتشاف إذا كان الباحث يصدق أن العلم كما قال الفارابي اكتمل منذ أرسطو ولم يبق إلا أن يتعلم ويعلم .فإذا كان الموجود قابلا للرد إلى إدراكنا وكان المنشود قابلا للرد إلى إرادتنا فما الذي يبقى ليكون موضوع بحث معرفيا أو موضوع سعي عمليا عدا رواية ما حصل؟ ولهذه العلة تحيرت عندما وجدت ابن خلدون ينفي هذين المطابقتين: .1فهو يرفض رد الوجود إلى الإدراك ومعركة المتكلمين والفلاسفة حول العلاقة بين الإيمان والعلم. .2وهو يرفض رد المنشود إلى الإرادة ومعركة الفقهاء والمتصوفة حول العلاقة بين القانون والاخلاق. وكان علي أن أفهم هذه الثورة. فهذه الثورة التي حررت الوجود من رده إلى الإدراك وحررت المنشود من رده إلى الإرادة أسست لتاريخية العلم والعمل وأبرزت موضوعا جديدا للمعرفة بثورة أبستمولوجية ترفض نظرية المعرفة المطابقة وموضوعا جديدا للعمل بثورة أكسيولوجية ترفض نظرية القيمة المطابقة .وللثورتين علاقة بالسابق واللاحق .وابدأ باللاحق وله بعدان: أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- .1موجب وهو الثورة الكنطية التي ميزت بين الوجود وإدراك الإنسان له رفضا لأبستمولوجية المطابقة المعرفية .وبين المنشود وإرادة الإسنان رفضا لاكسيولوجية المطابقة القيمية. .2وسالب تمثل في نكوص هيجل إلى ما قبل النقد الكنطي بفلسفته التي تقول بالمطابقة وتعتبر العالم واحدا وليس له ما يتعالى علية والتاريخ هو الحكم النهائي وما الماركسية إلا أثر ثانوي تعويضا لصراع ارواح الشعوب بصراع طبقاتها :علة نكبة حداثيينا. وأثني بالسابق وله بعدان كذلك .موجب هو العودة إلى الثورة الإسلامية في معينها الصافي ورمزه استعمال ابن خلدون لمفهومين ثورتين هما تعريف الإنسان بكونه \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" تحريرا له من الوسطاء والأوصياء ومفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" بسبب عنف التربية وعنف الحكم. وسالب هو نكوص الحركات الإسلامية بكل اصنافها إلى علوم الملة التي بينت طابعها المحرف فقها وتصوفا وكلاما وفلسفة .فإذا أضفنا أن الإسلاميين بخلاف الظاهر قد تهيجلوا وتمركسوا من حيث لا يعلمون لأن أهم مفهوماتهم السياسية هيجلية وماركسية وأبرزها مفهوم التدافع الذي هو عين الصراع الجدلي .وهكذا نعود إلى منطلقنا :التطرف والعنف اللذان يتحدان في الإرهاب ظاهرة كونية ما يتكلم عليه الإعلام والساسة هو سطحهما. أما عمقهما فهو كامن في مسألتين: .1مسألة نظرية المعرفة. .2مسالة نظرية القيمة. فإذا كان الإنسان متألها أي يدعي العلم المحيط والعمل الكامل فهو بالضرورة إرهابي السلوك .وهذا السلوك الإرهابي مشترك بين الفلسفة والدين ليس بذاتهما بل بما يفرض عليهما من توظيف ليصبحا أداتي سلطان الإنسان على الإنسان .فعندما يدعي علماء الدين أن لهم علما مطلقا متناسين أن ذلك مقصور على رب العباد يصبحون مصدرا للطغيان .ونفس الشيء عند علماء الفلسفة .وهذا هو سر الصراع بينهما. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- وما يعلل الصراع بين المتكلمين والفلاسفة هو إذن نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ومن ثم يحصل الصراع بينهما حول علاقة الإيمان والعلم وعلته فساد نظرية النظر المعرفة .وما يعلل الصراع بين الفقهاء والمتصوفة هو إذن نظرية القيمة القائلة بالمطابقة ومن ثم يحصل الصراع بينهما حول علاقة القانون بالأخلاق وعلته فساد نظرية العمل والقيمة :يشتركون في العلة. والاشتراك في العلة الذي يخفونه له علة أعمق هو أن الجميع يحاول أن يدعي المستحيل معرفيا وقيميا حتى يصبح لها سلطان على الناس ليس بعلمه بل ما يزعمه له من إحاطة بما لا يعلم وليس بعمله بل ما يزعمه له من تمام بما لا يعمل .وهذا هو مفهوم التأله الذي يرجعه ابن خلدون إلى الاستبداد والعنف. وقد أبدع ابن خلدون لما وازن بين التربية العنيفة والحكم العنيف واعتبر الأمرين متعلقين بالعنف فعلا وانفعالا بمعنى أنه يبين أن عنف المستبد سببه فساد معاني الإنسان في المعنِف والمعنَف وهذا التضايف بين الفعل والانفعال بفهمنا قوله تعالى في القرية التي حق عليها القول فيدمرها تدميرا. فتدمير القرية تدميرا تدمير ذاتي بمعنى أن الله جعل فيها ما دلالة \"حق عليها القول\" أي إن حصول شروط الحكم فيها تحققت فتدمرت بذاتها .فالحرب بين الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي في لحظتنا الإسلامية الحالية عامة والعربية خاصة علتها هذه الانواع الخمسة من الإرهاب الداخلي الموظف خارجيا. فالمتكلم يسهم في ثقافة إنتاج الإرهابي لأنه متطرف وعنيف بمعرفة زائفة .والفيلسوف مثله يسهم في ثقافة إرهابية ولنفس العلة ولولا ذلك لما جعلا الإيمان والعلم في صدام دائمين .والفقيه مثلهما يسهم في ثقافة إرهابية ولنفس العلة لأنه متطرف وعنيف بقيم زائفة .والمتصوف مثلهم يسفهم في ثقافة الإرهاب لنفس العلة ولولا ذلك لما جعلا القانون والأخلاق في صدام دائمين .وموظفهم جميعا هو المستبد الفاسد بسياسة جاهلية وشيطانية. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- فليس الإيمان من حيث هو إيمان ولا العلم من حيث هو علم بالمتنافيين .المتنافي هو مصدره وهم العلم محيطا وخاليا من الإيمان ووهم ما به يتجاوز الإيمان العلم أي الإيمان بوجود الغيب الذي ينفيه من يدع العلم المحيط وما يتجاوز الإيمان العلم هو علم الغيب فلا يكونا متفقين إلا على علة ما بينهما من سوء تفاهم هو على الصراع بينهما وليس علة التنافي بين الإيمان والعلم .ونفس الشيء يقال عن الصدام بين الفقيه والمتصوف بخصوص القانون والأخلاق. والمستبد بسياسة جاهلية وشيطانية يوظفهم جميعا لأنه هو بدوره مستبد به من قبل حماته المباشرين أي المافيات الداخلية وهو رئيسها أو دميتها ثم ذراعي حماته من المافيات الخارجية فضلا عن الحماة غير المباشرين .وبالتدقيق في حالتنا العربية فالذراعان هما إيران وإسرائيل حماة الأنظمة العميلة وروسا وأمريكا حماة الحماة في الإقليم .والنخب هي الأربعة التي وصفت وخامسها الحكام. وبذلك فقد نقلت الإشكالية من مجرد التلاوم بين النخب لكأن الامر متعلق بمسائل تنتسب إلى أحوال النفوس وليس متعلقا بمسائل أعمق منها بكثير وهو ليس خاصا بنا كعرب أو كمسلمين بل هو تابع لـ\"سن\" معينة في النضوج الروحي والعقلي للأفراد والجماعات التي لم تع دلالة سورة العصر. وغاية قولي في هذه المحاولة أن كل الثورة الإسلامية الكونية التي تحتاج إليها الإنسانية يمكن استخراجها من فهم عميق لسورة العصر المحررة التي حددت شروط الاستثناء من الخسر وهو ما يترتب على التربية والحكم العنيفين المؤلدين اللذين يمثلان التطرف والعنف وينتجانه. وإذا اجتمع التطرف والعنف النظريين والعملين حصلت ثقافة الإرهاب فعلا ورد فعل ويكون ذا شكل داخلي في نفس الجماعة وحربا أهلية خاصة بجماعة معينة وذا شكل خارجي بين الجماعات وهو كذلك حرب أهلية في الجماعة الإنسانية كلها :وهذا هو التعريف الأمثل للعولمة المقصورة على المادي من وجود الإنسان فهي جوهر الإرهاب الكوني .وهو واحد سواء أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- طبق في الداخل أو في الخارج لأن القرآن يعتبر البشر اخوة من نفس واحدة(النساء)1 ومتساوين متعارفين إذ لا يتفاضلون إلى بالتقوى (الحجرات :)13الإسلام. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 40
Pages: