أبو يعرب المرزوقي سر الأسماء والبيان
هذا نص كتبه مؤلف خيالي (يعبر عن موقف طلبة الاستاذ أبي يعرب) تعليقا على ردودبعض الليبراليين الخليجيين على مقال الأستاذ ابي يعرب حول موقف البليهي من الحضارةالغربية وتبجيله لها على ما عداها .وقد نشر مباشرة بعد ردودهم على مقاله الذي نشربعد حواراته المشار إليه فيه منذ ما يقرب من عقدين نعيد نشره إذ قد يفيد في الحد من الشوفينية المناطقية بين النخب العربية( .نشر في مجموعة عبد العزيز قاسم) تعليقا على مقالة أبو يعرب المرزوقي (آرية دونها آرية هتلر) بقلم :د.عبد الله الراجحي (شخصية خيالية)لعله من المفيد أن يشير المرء إلى أن الاعتذار لمثل المواقف التي عبر عنها الأستاذ البليهيفي مكاشفاته والمدافعين عنها في ردودهم على الأستاذ أبي يعرب المرزوقي في مقاله \"آريةدونها آرية هتلر\" فيذكر بما سبق لأبي يعرب أن أثبته في أحد كتبه أعني إحدى الثوابت فيمسار نخبنا الفكري التي انبهرت بالغرب على طول الوطن العربي وعرضه .فالمعلوم أن هذهالنخب قد تصورت مجرد التطبع بطباع الفرنجة الظاهرية يكفي لكي يتحقق التحديثالحقيقي متناسين نظرية ابن خلدون الشهيرة حول العلاقة بين تغيير الظاهر وتغيير الباطن في محاكاة المغلوب للغالب.فلا شيء يمكن أن يعاب على هذه الظاهرة ما دامت من الثوابت العمرانية .كل النخبالعربية كررت بحسب توالي التقاء أقطارهم بالغرب ظاهرة الانبهار والتأثر السطحي ولمتتحرر منه إلا بالتدريج لما تعرفت على الغرب حقا وفهمت أن التحديث مغامرة فريدة النوع لا يمكن فيها لمحاكاة المظاهر أن تكون مؤثرة: 10 1
.1فبداية الظاهرة كانت عند نخب الشام بسبب التأثير المسيحي والمسألة الشرقيةمنذ ما قبل عصر الاستعمار المباشرة :لكن الشام وخاصة لبنان لا يزال طائفيا حتى النخاع ولم يصبح ديموقراطيا إلا في الكلام الصحفي وثرثرة المقاهي. .2ثم تلت نخب مصر بسبب هجرة بعض النخب الأولى وبسبب بداية النهضة فيهاقبل غيرها من أقاليم الوطن :لكن قصور الباشوات قبل ما يسمى بالثورة ثم فجور الاثرياء الجدد بعدها لم يجعلا مصر أوروبية رغم أوهام طه حسين. .3ثم تلت نخب المغرب العربي الذي كان الاستعمار فيه توطينيا وأكثر تأثيرا مماحصل في أي إقليم عربي آخر .لكن أحلام ثورات التحرير ذهبت هباء وعاد المغرب العربيإلى غطيط العروشية والقبلية والجهوية والديموقراطية الورقية بحيث إن بلاد المغرب تقدمت حتى على الغرب في النصوص وهي لم تزل في \"البعبوص\". .4ثم تلت نخب الخليج العربي التي صارت بلادها تعتمد على الحماية المباشرةللأمريكان بعد فعلة صدام في الكويت :وما أظن التجربة ستكون أفضل مهما تعالت العماراتوناطحت السحب .فلا يمكن لأمة أن تصبح حرة وديموقراطية إذا كان الناس جميعا عالة على الدولة التي توزع فتات ما يبقى من طفرة البترول ولا تدري ما العمل بعدها. .5وأخيرا تلت نخب الخليج الباقية بعد فعلة ابن لادن وهجمة الاستعمار الثقافي علىالسعودية المعقل الأخير للصمود الثقافي .فقد ينهار جدار الصد والصمود ولا يتحقق شيءمهما تغنى البعض بالليبرالية في الكلام ركوبا للموجة الاعلامية وعاش على قيم الحقيقة القبلية.وفي خلال كلامي مع الأستاذ أبي يعرب ذكرت له ما يدور من حوار أثارته أخت فاضلة فيموقع ليبرالي سعودي حول مقاله \"آرية دونها آرية هتلر\" .واستأذنته في أن أعلق علىالدعاوى التي ذكرها لم يعالجها فلم ير مانعا لكنه اعتبر ذلك مضيعة للوقت ففهمت الإشارة .فالمعلوم أن الأستاذ أبا يعرب قد أشار في نصه إلى خمس دعاوى هي: .1الدعوى الأولى :تتعلق بمفهوم الغرب دوره في الحضارة الإنسانية واستثناء الأمم الأخرى منها. 10 2
.2الدعوى الثانية :تتعلق بالإستراتيجية التقليدية في التمييز بين المسلمين والإسلامحتى نعود إلى القولة الشهيرة بوجود إسلام بغير مسلمين في ومسلمين بغير إسلام في الشرق. .3الدعوى الثالثة :تتعلق بتحديات الحاضر العربي الإسلامي ومن ثم بأهم محركات التاريخ الإنساني. .4الدعوى الرابعة :تعلق بمفهوم الحضارة والخلط بين مظاهرها وأعماقها ومن ثم بسطحية هذا الفهم للغرب والشرق على حد سواء. .5الدعوى الأخيرة :وهي أصل كل هذه الدعاوى هي النظرية التي توصل إليهاهتلر لكونه منطقيا في استدلاله وأغفلها البليهي ربما لأنه أدرك بلاهة القول بها :إنها التفسير العنصري للتاريخ الإنساني.لكن ما اطلعت عليه من آراء أدلى بها بعض المدافعين عن البليهي رافضين الاستماعلدعوة الأخت لمناقشة الأفكار بدل التهجم على الأشخاص لم يجد نفعا .ولعلهم محقونومعذورون :فمن الصعب أن يجد المرء في كلام الأستاذ البليهي أفكارا يدافع عنها إذ إن ماورد في مكاشفاته شعارات تجدها في أدبيات المنبهرين بالغرب منذ بداية النهضة إلى الآن.ولما كان الأستاذ أبو يعرب لم يعالج من الدعاوى إلا الدعويين الأولى والثانية مكتفيابتحريرهما لكونهما المؤطرتين للإشكالية ولما كان قصده صريحا بأنه لن يتجاوز ذلك الحدلأن العينة كافية واعتبر اقتراحي بعلاجها مضيعة للوقت فقد رأيت من واجبي أن أقدمبعض الملاحظات حول هذا الحوار وما رأيته فيه من سوء التفاهم .ولست أفعل دفاعا عنأستاذي لاستغنائه عمن يدافع عنه بل غايتي أن أشرح ما غاب عن الأخوة والأخوات منمقاصد أبي يعرب وأن أدعو للمنافحين عن \"فيلسوفهم\" البليهي إلى النقاش الفكري الذيلا يكتفي بالدفاع عن الشعارات بالشعارات .فلعل ذلك يغني الأمة عن كلام المنافقينللبليهي الذين يوهمون الأمة العربية الإسلامية بأن لها مفكرين رواد كما فعلت في غير ميدان الفكر من الأمجاد الكاذبة عند التحديثيين. 10 3
فأغلب المنبهرين بالغرب لا يعرف منه إلا البهرج ومن ثم فمعرفته ليست معرفة حقيقة.لذلك تراهم يخلطون بين أضواء هوليوود أو دعاية الحرب النفسية على الأمم المغلوبةوحقيقة الغرب التي لا تبعد كثيرا عن أي عمران آخر فيه الخير والشر وفيه الفضائلوالرذائل وهو ليس بأحسن حال إلا لعلل لا علاقة لها بما يتصورونه من التفسيراتالوهمية .لكن الأدهى من ذلك هو تصورهم أن استيراد أنماط العيش يمكن أن يكون بديلامن تعلم سر القوة الحقيقية بخلاف ما فعلت كل الأمم التي بدأت النهضة بعدنا وحققتشروطها وبقينا يوما بعد يوم نزداد تخلفا بسبب ذهنية الخواجات التي سيطرت على نخبنا الفكرية والسياسية قلبا للقوانين حتى صارت التوالي مقدمات.سأعلق على ما اطلعت عليه من مواقف حول ما كتبه الأستاذ أبو يعرب في كلامه علىالدعويين الأولين لأفهم ذهنية هذه النخب العربية التي تزايد على الجميع في الكلام علىالتحديث وهي تستبدل السلفية الشرقية بالسلفية غربية ويتصورون أنفسهم ثوارا وهم لايختلفون إلا بنوع السلف الذي ينتسبون إليه :إنهم يمضغون مبتذلات التحديث الغربي دونفهم وإلا لعلموا أن ما يدعون إليه تجاوزه الغرب منذ قرن وبدأ يبحث عن حلول أخرى بعدأن بزه غيره في سر قوته أعني ما لا يخطر على بال الليبراليين العرب كما يتبين من تقارير التنمية التي يصدعون بها آذاننا. ردود فعل عجيبةلست أدري لماذا لم ينتبه الأخوة والأخوات المتوددون للأستاذ البليهي ربما لما له من جاه.فالناس لا يمكن أن يصبحوا بين عشية وضحاها ملائكة يدافعون بهذه الحماسة عن الفكر.من الصعب التسليم بأن العمل لوجه الله بات الخلق السائد في الدنيا .تعليقي لن يتجاوز العناصر التالية:فأولا كل من يقرأ نص أبي يعرب يجد أنه قد حاول مرتين على الأقل أن يعتذر لموقفالأستاذ البليهي معللا موقفه بحال الحضارة العربية الإسلامية الحالية وحرصه علىاستنهاض الهمم .فيكون بذلك قد قدم القصد الحسن اعتذارا عن مواقف الأستاذ البليهيالمفرطة التي يحط بها من كل الحضارات وليس من الحضارة العربية وحدها مستثنيا من 10 4
حكمه حضارة واحدة هي الحضارة الغربية .وقد اقتصر كلام الأستاذ أبو يعرب على تفنيدكلامه بعد أن رده إلى تأثير كذبتين اختلقهما الغرب الحديث ليوجد لنفسه أصلا متقدما على الحضارة العربية الإسلامية التي كان في صراع معها منذ العصور الوسطى إلى الآن.فبخصوص الكذبة الأولى بين الأستاذ أبو يعرب بالاعتماد على أكبر فليسوفين يونانيينصلة الحضارة اليونانية بما قبلها في مجال المؤسسات التربوية وأدوات التعبير المعرفي وفي العلوم والفلسفة اليونانية.وبخصوص الكذبة الثانية اكتفي الأستاذ أبو يعرب بالإحالة على الأستاذ رشدي راشد الذي بين دور ما قبلها وخاصة دور علوم المسلمين في مجال العلوم والفلسفة الحديثين.والمعلوم أنه لم يعد أحد ممن يوثق في علمه يشكك في أن حصر الحضارة في الغرب قديمهوحديثه نتج عن كذبتين وليس عن حقيقتين تؤيدهما الوثائق والوقائع .فالمعجزة اليونانيةالقديمة والمعجزة الأوروبية الحديثة كلتاهما كذبة لم يعد أحد من الغربيين أنفسهميصدقها .لكن ما العمل مع الأستاذ البليهي وأمثاله هداهم الله حتى وإن كان عذرهم هو ما نعاني منه فعلا من انحطاط لا يجادل فيه أحد أيضا؟والأخطر من ذلك -وهو ما لم يغص فيه أبو يعرب بخلاف عادته لكون المقالة كانت شبههزلية-هو الظن بأن ال ُمثل يمكن أن تتعين في شكل تاريخي محدد .ذلك أنه لو تم ذلكلأصبحت أوثانا :أي إن الأستاذ البليهي خاصة وكل الليبراليين العرب من حيث لا يدرونهم في الحقيقة سلفية غربية تصارع سلفية إسلامية .والحصيلة أنهم بقوا سلفيين حتىالنخاع :كانوا وهابيين فصاروا بوشيين .ولا فرق عندي بين أن تكون سلفيا إسلاميا أو سلفياأمريكيا :فأنت في الحالتين تخلط بين المثال الأعلى والوثن الذي صنعته منه وظننته تحقيقاله في حين أن المثل لا تتحقق بل ما يتحقق هو السعي الدائم لتحقيقها أي المغامرة التاريخية التي هي خاصة بالأمم أمة أمة دائما.فأنت في الحالتين السلفيتين قد وثنت المثل وجعلتها متحققة فعلا ولم يبق إلا أن تحاكيها:فما الفرق بين أن التقليد والتقليد أم إن القردية أفضل من الببغائية؟ لا فرق بين دفاعالسلفية الأهلية عن اللحية والعقال والدفاع عن حلق اللحية وتعويض العقال بالقبعة .إن 10 5
الدفاع عن عدم اللحية وعدم العقال فضلا عن الدفاع عن القبعة أو البرنيطة كالحالعند صاحب الذي عافت نفسه مواصلة القراءة إن ذلك ليس ثورة ولا فكر ولا تقدم بل هواستبدال تقليد بتقليد .وأصحاب الموقفين كلاهما لم يفهموا بعد أن التاريخ تراجيديا إبداع وليس مهزلة تقليد.فعندما نتكلم على الماضي وخاصة على الصدر فلا ينبغي أن يكون القصد محاكاة ما فعلوابل محاكاة قدرتهم على الفعل فنكون مثلهم فاعلين وليس محاكين لأفعالهم .لذلك بين أبويعرب الفرق بين السنة والسن وبين الجماعة والجمع :فالمطلوب أن نسن سننا وأن نجمعجماعات لا أن نحاكي سننا وجماعة .فنوحد الأمة بأن نبدع مستقبلها كما وحدها القدامى بأن أبدعوا مستقبلها الذي صار ماضينا.وثانيا لم يكن هم الأستاذ أبو يعرب الدفاع عن الحضارة العربية الإسلامية حتى يتهمهأحد المتفاقهين بالصحونجية بل كان قصده البين من كلامه رفض التشويه الذي يلحقبمفهوم الحضارة عامة من حيث هي إنسانية أسهمت فيها كل الأمم التي يذكر التاريخ دورهاويتناساه الأستاذ البليهي بحيث إنه لما تحدث عن الاكتشافات الأساسية التي تستند إليها كلحضارة (الحرف والرقم والدولة والتربية والأمة) لم ينسب ذلك إلى المسلمين وإلا لصحعليه النهي عن خلق والإتيان بمثله بل هو يتكلم على كل الحضارات القديمة وخاصةحضارة ما بين النهرين وحضارة حوض النيل فضلا عن حضارات الشرق الأقصى التي لم يتكلم عليها لأنه ليس من عادته الكلام في لا يعلم.وثالثا كل قارئ موضوعي لا يجد في نص أبي يعرب اتهاما للأستاذ البليهي بشيء فضلاعن أن يكون قد قصده بصفته سعوديا أو عربيا أو مسؤولا كبيرا أو مفكرا كبيرا كان أوصغيرا فيلسوفا كان أو فقيها .ولعلي أسمح لنفسي بالسؤال عن سر العظمة المنسوب إلىالأستاذ البليهي ما هو :فهل مجرد التعيين في مجلس الشورى والترويج للشعارات يكفيليكون المرء فيلسوفا؟ ما مقدار اطلاعه على التراث الفلسفي؟ وماذا كتب بالمعنى الأكاديميأو حتى بالمعنى الإبداعي؟ هل من يطلع على بعض الجرائد في الطب يصبح طبيبا عند أهل 10 6
هذا المنتدى فيحق له أن يبقر بطون الناس فضلا عن بقر بطون الحضارات وتزعم الإصلاح في المعقل الأخير لصمود حصانة الأمة؟ومع ذلك فقد كان كلام الأستاذ المرزوقي مقصورا على ما قرأ وفهم من المسائل الاثنتيعشرة التي وردت في الحلقة الأولى من المكاشفة لا يعدوها أعني بمقتضى ما قصر عليهقوله في المقارنة بين الآريتين مقارنة بينت أن هتلر كان أكثر تواضعا من الأستاذ البليهيعندما حاول حصر علامات الإنسانية في الآريين .كل ما عدى شعاراته التي يظنها المدافعونعنه فكرا لا يعني أبا يعرب لذلك فقصده لم يتجاوز بيان خصائص الموقف الذي تصدر عنهاالأقوال التي قرأنا عنها جميعا في المكاشفات وفي حدود اختصاص أبي يعرب لم يتجاوزه قيد أنملة.تلك هي علة المقارنة مع قولة هتلر .فالهدف كان بيان اللوازم التي تتلو على قول البليهيلو منطقيا مثل الآريين الذين يعجب بهم ولا يتصف بأهم صفة يزعمونها لأنفسهم وينفيهابعضهم عن غيرهم فيزايد البليهي عليه بأن يسلم لهم بذلك أعني العقل المنطقي الصارموالدقيق :كان عليه أن يقول بما قال به هتلر أعني ألا يعتبر إنسانا من لا تتعين فيه صفاتالإنسان المقومة أعني الإنتاج الحضاري بكل أشكاله .لذلك أورد أبو يعرب الشكل المنطقي الذي يلزم عنه القول بما قال به هتلر.ورابعا فإن كل من يحاول أن يزعم أن كلام الأستاذ أبي يعرب على أثر الاكتشافات التيتتأسس عليها كل حضارة ودعواه بأن كل ما جاء بعدها هو من ثمراتها وليس بديلا منهايحط من قدرها لم يكن للحط من شأن الخالف باسم السالف بل لبيان التكامل بينهما بلوتأسيس اللاحق على السابق حتما بحيث إن حلقات الإبداع الإنساني لا تتفاضل ما دامت جميعا متكاملة .وإذا حق لنا أن نفاضل فالمتقدم أفضل من المتأخر لعلتين:أولا لأنه كان أعسر اكتشافا بسبب كون البدايات هي دائما الأصعب في أي مجال كان لو أنصف هؤلاء المعلقين.وثانيا لأن اللاحق مدين للسابق بوجوده بإطلاق والسابق غير مدين للاحق بالوجود بل بالاكتمال .وشتان بين الأمرين. 10 7
وإني لأعجب من الأخ صاحب البرنيطة الذي لم يستطع أن يتقدم في القراءة بعد الفقرةالتي انتخبها .وهو معذور فلعل البرنيطة حجبت النور عن عينيه إذ أدناها لتحميه منشمس الجزيرة العربية التي رمته فيها الأقدار .لكنه لو درس الدور الذي أدته حلقةالوصل بين التاريخين القديم والحديث أعني ما يسمى بالعصر الوسيط في العلوم والممارساتالنظرية والعملية لعلم أن الحداثة التي ألبسته البرنيطة حصلت حينها حتى وإن كان قطافها لم يحن إلا بعدها.كما أعجب من الأخ الذي يتعالم بالكلام على الكمبيوتر مدعيا أن أبا يعرب يتكلم فيمالا يعلم .وقد يكون هذا الأخ علامة العصر في المصر لأنه استعمل حاسوبا أكثر تعقيدا منحاسوب أبي يعرب بسبب القدرات المالية أو لعله زار معمل الحواسيب وأبو يعرب لم يفعللأن معامل الكمبيوتر لم تكن موجودة في البلاد الغربية لما كان يدرس فيها ولم يتحقق شيءمنها في تونس بعد لسوء حظنا فضلا عن كون أبي يعرب تقدمت به السن ولعله فقد حب الاطلاع فلم يعد يزور المعامل لينبهر بالمظاهر.لكني أشك أن يكون هذا المعلق على علم بدور الرياضيات والمنطق في وظائف الكمبيوترفلا يفهم أن الحاسوب قد اكتشف منذ اليوم الذي وضع فيه المنطق ذي القيمتين أعني منذأرسطو بل ومنذ أن كان المصريون يعالجون مسائل القسمة بالطرح ومسائل الضرب بالجمعوالقاعدة الثنوية رغم اكتشافهم القاعدة العشرية والستينية أو منذ أن اكتشف أهل مابين النهرين قانون فيثاغورس ونظرية المنازل والمنزلة الخالية للتعبير عن الصفر أو منذأن صورن العرب المنطق الأرسطي والرياضيات اليونانية وأن كل أجهزة الحساب الآلي لم تنتظر ما يتصوره أسمى من العلوم والأديان.لو كان علامة العصر هذا يفهم حقا في الكمبيوتر لعلم أن الجهاز الصيني للعملياتالحسابية المعقدة حاسوب حتى وإن كان لا يعمل بسرعة الضوء .ولتعلم يا أخي أنه لا يقولمثل كلامك إلا منبهر ساذج لا يفهم شيئا في العلم والدين والتقنية حتى لو كان فنيا في تبديل قطع الكمبيوترات المستوردة أو حتى تاجر كبيوترات. 10 8
وأخيرا فإن ما يكاد المرء يموت منه ضحكا هو الكلام على صعود المرزوقي على أكتافالبليهي .الجاه السياسي لا علاقة له بالعلم ولا بالفلسفة وهو على كل حال خلب تذروهالرياح مثله مثل رمال الصحراء .إنه ليس مما يهتم به أبو يعرب .لكني أظن والله أعلمأنه علة هذا التودد من جماعة تعتبر الريادة الفكرية لعبة أطفال في متناول من يكاد يتهجأالعربية فضلا عن لغات العلوم والفلسفة .فالتاريخ الإنساني كله رواد الفكر فيه يعدونعلى الأصابع .والمعلوم أن أبا يعرب لا يزعم لنفسه ريادة ولا يمانع في أن يزعمها لنفسهمن تكفيه بعض المفردات العامية مثل شعارات التقدمية والليبرالية والعلموية والتنويريةوهلم جرا من اللوبان الذي رمى به الفكر الغربي في مزابله منذ قرنين ليتلقفها أمثال المادحين لمكاشفات البليهي.والعجيب أن مرددي هذه الشعارات لا يعملون أن ما تحيل عليه من الحقائق كان منثمرات عهود لم تكن فيها هذه الشعارات ذات معنى :فكل هذه القيم كانت ثمرات أوربا ماقبل الحديثة أو أوروبا التحديث في ما بين القرون الثالث عشر والسابع عشر .وهي علىكل حال ليست شروطا للحداثة بخلاف ما صدعت به آذاننا تقارير التنمية العربية كما يتبين من التجربتين الناجحتين المعروفتين تاريخيا أعني:في الحداثة الغربية أولا حيث كانت الثورتان العلمية-التقنية والاقتصادية الثقافيةمتقدمتين على الثورتين السياسية والاجتماعية في أوروبا بمراحل تحققها المتوالية في انجلترا وفرنسا وألمانيا.وفي حداثة الشرق الأقصى ثانيا بنفس الترتيب السابق مع الامتياز بكون ذلك مشهودالنا لأنه يجري الآن وليس من تاريخ القرون الأربعة الفارطة بمراحل التحقق في اليابان والصين والهند والنمور.ولعل ما حصل في أقاليم الوطن العربي يتكرر كما أسلفت :نخب الجزيرة التي انفتحتعلى الغرب في آخرة المراحل من لقاء العرب بالغرب لا بد أن يمروا بما مر به غيرهم مننخب الشام والنيل والمغرب .إنها سنة لا محيد عنها .وستمر السورة ونعود إلى التوازن بعدالانبهار الأول وعندها يمكن الكلام على دورنا ودور غيرنا ومن ثم التأسيس للتعاون 10 9
البشري دون تفاخر بين الأمم :فلا فضل لأعجمي على عربي إلا بالعمل والجهد معيارا للإبداع الحضاري نقيسه على معيار التقوى الديني.وسأسمح لنفسي بإضافة ملاحظتين أوجههما للمعجبين بفيلسوفهم البليهي لعل الثانيةمنهما تمكنهم من اختبار شجاعته هل هي مقصورة على الأقوال أم إنها مشفوعة بالأفعالوالأولى تمكنهم من تحديد مقدار فهمه لمنطق كلامه عن دور التأثير الثقافي في مصائر الأمم:الأولى تتعلق بالزعم إن الأمم تنتجها ثقافتها .فهذا لعمري من قلب العلاقة بين العلةوالمعلول حتى وإن كان التاريخ الإنساني علله دورية .فالثقافة التي هي نتاج الأجيالالسابقة تسهم في إنتاج الأجيال اللاحقة دون شك .لكن أيا كان دور الثقافة في التأثيرفإنها تبقى منتج الأمم لا العكس :لو صحت النظرية القائلة إن الثقافة هي التي تنتج الأمملكان ذلك يعني الحتمية الثقافية ولأصبحت الدعوة للتحرر من الأشكال الثقافية ممتنعة.الثقافة العربية الحالية أغلبها أنتجه الانحطاط وسعي الأمة للخروج منه هو الذي سينتج الثقافة المقبلة وليس العكس.الثانية تتعلق بالزعم إن الليبرالية هي السبيل الوحيدة لخروج المسلمين مما هم فيه.فهذه كلمة حق أريد بها باطل .فأولا لليبرالية ثلاثة مستويات فأيها يعني صاحبنا :هل هيالليبرالية الاقتصادية؟ وهذه ليست موجودة في الخليج فحسب بل إن الاقتصاد فيها مطلقالحرية حتى إن الدولة نفسها تكاد تكون شركة خاصة للمشرفين عليها .وهل هي الليبراليةالسياسية؟ أعني التداول على الحكم بالأسلوب الديموقراطي :هل يجرؤ الأستاذ البليهيعلى القول بهذا؟ أيكون ضد الملكية وهو عضو في إحدى مؤسساتها؟ وهل هي الليبراليةالقيمية؟ أعني أن يكون الإنسان مطلق الحرية في التشريع القيمي فلا يكون فوق شرعالإنسان شرعا إلهيا؟ فهذا لا يعمل به حتى الأمريكان حتى إن القائلين به يعدون يسارامتطرفا وما كان لأحد منهم أن يحصل على الأغلبية للحكم لو قال به صراحة .أفيكون أخونا البليهي يساريا متطرفا بالمعنى الأمريكي للكلمة ؟ 10 10
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 16
Pages: