-- فعلة المآسي التي آلت إليها العولمة الملازمة للتاريخ البشري من بدايته وليست ظاهرة جديدة هي هذا الفصل الذي يفسد ا لطبيعة والحضارة بجعل البشر يحيون في مناخ الحرب الأهلية الدائمة على الثروة بتعليل يؤسسونه في التراث الذي يحولها من غاية إلى أداة فيكون ذلك علة تلويث الطبيعة وتلويث التاريخ ومعهما كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي. لذلك فالقرآن يرجع فشل البشر ية في رعاية ذاتها وعالمها وفي حمايتهما إلى هذا الفصل بين شروط الاستعمار في الأرض الذي تحول إلى علة ما بينهم من حرب أهلية دائمة بسبب غياب شروط الاستخلاف فيها الذي تحول إلى علة حب التأله عندهم بحيث إن البعض يطغى بقوة السلطة السياسية والبعض يطغى بقوة السلطة التقنية. فيكون القرآن درسا للعلاقة بين فلسفة الديني الذي يهدف إلى السمو بالإنسان وفلسفة التاريخي الذي يشده إلى الاخلاد إلى الأرض والهدف بغاية تحرير الديني والفلسفي في آن من هذين التحر يفين ببيان المشترك بينهما باعتباره شرطا للعيش المشترك السلمي بينهم. 47
-- وإذن فالقرآن يعرض مشروعا واستراتيجية سياسية يستعيضان عن التأسيس ما بعد الطبيعي لعلاقة الإنسان بالإنسان ولعلاقته بالعالم بالتأسيس المابعد تاريخي الذي يحقق سمو الإنسان إلى أهلية الاستخلاف. فتصبح الفلسفة السياسية مبنية على نظر ية في العمل وفي النظر تسعى إلى تحقيق هي المشروع الاستراتيجي الذي يوحد الإنسانية ليحررها من الحرب الأهلية الناتجة عن الاستعمار في الأرض المنفصل عن قيم الاستخلاف فيها .وهذا المشروع الاستراتيجي ينقل الفكر الإنساني من التأسيس على الميتافيز يقا Méta- physiqueإلى التأسيس على الميتااثيقا .Meta-éthique وبهذا المعنى فالقرآن ما بعد أخلاق يؤسس لشروط وحدة الإنسانية برؤ ية تحررها من وهم العلم المطلق والعمل التام المؤديين إلى تأله الإنسان وتوهم نفسه رب ال كون وهو ما يجعله مفسدا في الأرض وسافكا للدماء .ومن ثم فهو يجعل العلم اجتهادا وليس معرفة مطلقة والعمل جهادا وليس قيما تامة. وكلاهما مشدود إلى مثال أعلى يجعل الاستعمار في الأرض لتحرير الإنسان من الحاجة المادية وليس للطغيان فتكون الثروة للتحرير من الحاجة وليست علة للفساد في الأرض وسفك الدماء فيتحرر الإنسان من العاجل السياسي في الأعيان استعمارا للأرض بفضل الآجل الموجود في الأذهان وهو الإيمان بقيم 48
-- الاستخلاف حتى يزول الفصل بين شرطي سلامة المقومين الملازمين للوجود الإنساني المتحرر من التلويثين: فالاستعمار في الأرض غايته الآجلة هي شرط قيامه الروحي لأنه من دونه يصبح عبدا للحاجة في غياب شروط قيامه العضوي فيخلد إلى الأرض فيصبح كالكلب دائم اللهيف سواء حملت عليه أو لم تحمل .وكل صراع بين البشر علته هذا الاخلاد بسبب نسيان قيم الاستخلاف. والاستخلاف في الأرض غايته الآجلة هي شرط قيامه العضوي لأنه من دونه يصبح عبدا للتنازع الدائم على ثمرة الاستعمار في الأرض فتزول فائدة الاستعمار في الأرض لأنها تذهب بالتنافس إلى تلويث الطبيعة والتاريخ وإلى الحروب الدائمة على الأمانة في شروط الرعاية والعدل في شروط الحماية. والأمانة في شروط الرعاية حفظ للحقوق والعدل في شروط الحماية قوامة لحفظ العيش المشترك السلمي منعا للظلم المؤدي إلى خراب العمران .لذلك فقد عرفت القرآن بكونه استراتيجية توحيد الإنسانية التي تعينت في نموذج تطبيقي هو منطق السياسة المحمدية التي تعتبر المعمورة دولة واحدة هي التي تسعى السياسة التي تؤمن بكونية القيم المادية (التي تحكم الاستعمار في الأرض) والروحية (التي 49
-- تحكم الاستخلاف فيها) واحدة لا فرق فيها بين ما يطبق منها في الأمة الجزئية (أمة شعب من الشعوب) أو في الأمة الكلية (الإنسانيةكلها). وما أخصص له هذا الفصل هو بيان المقصود بمنطق السياسة المحمدية التي تطبق هذه الاستراتيجية على الإنسانيةكلها وتجعلها غاية الفتح من حيث هو تحرير البشر من عبادة العباد بعبادة رب العباد دون اكراه ولا عنف إلا في حالة منع المخاطبين بها السماح باستعمال منطق القرآن السياسي الذي يجعل قوة المنطق بدلا من منطق القوة ل كنه لا يتخلف عن استعمال منطق القوة إذا منع استعمال قوة المنطق :وللمنطقين نفس الاسم فيه أي \"سلطان\" شرعية المنطق و\"سلطان\" شوكة القوة. وذلك هو مضمون القرآن وما يختلف به عن الرسالات التي تستعمل المعجزات الخارقة للعادات بديلا من سلطان المنطق ومنطق السلطان وهما أداتا السياسة من حيث هي ميتااثيق أي تحقيق فعلي للقيم الخلقية في تاريخ الإنسانية بمعياري الأمانة لشروط القوامة التي تعمل بقيم الاستخلاف في الأرض والعدل لشروط الرعاية التي تعمل بقيم الاستعمار في الأرض. ولست اشك في أن تحليلي للآية 38من الشورى التي تبين هذا العلاج الاستراتيجي الذي يجعل السياسي من حيث هو سياسي أداة استراتيجية في مشروع 50
-- توحيد الإنسانية القرآني لن يرضى عنه لا الإسلامي التقليدي ولا الحداثي الذي هو أكثر منه تقليدية بخلاف ما يتوهم عن حداثته وتنويره .فالفرق الوحيد بينهما يتمثل في: أن الأول يقلد مرحلة الانحطاط من حضارتنا التي جعلت الشورى حكرا على من تسميهم اهل الحل والعقد ومن تسميهم أولى الأمر وجعلها غير ملزمة للثانين برأي الأولين فضلا عن تغييب دور الجماعة في ما هو فرض عين في القرآن ال كريم بكونهم مستخلفين كلهم ومن واجبهم القيام بدورهم في الشورى المقررة. وأن الثاني يقلد مرحلة الانحطاط من الحضارة الغربية .وهي مرحلة بدأت مع هيجل الذي تصور رؤ ية الإسلام متنافية مع تأسيس الدول المستقرة. واكتملت ماركس فصارت السياسة أسفل السافلين وخاصة عند اليسار العربي الذي جعلها من مقدسات الأميين من المنتسبين إلى أقصاه بالأقوال وهم من اقصى اليمين بالأفعال. ورغم أن تحليل نص الآية لا يمكن أن يجادل فيه من له علم بطبيعة الأنظمة في الممارسة وبطبيعة الفكر في النظر المحددين لطبيعتهما قبل نزول القرآن والمسيطرين على الإقليم قبل فتحه إذ هو قد كان مستعمرات تتقاسمهما فارس وبيزنطة بتراث فلسفي يوناني وروماني وبمعتقدات دينية مجوسية ومسيحية. 51
-- ل كني مع ذلك أواصل تقديم الدلالة الصريحة فيها والمحددة لطبيعة الحكم واسلوبه بمصطلحات رومانية و يونانية مع تأسيسها مرجعيا على مبدأ قرآني هو أساس الاستخلاف المحدد لمعنى الإنساني وغائيا على مبدأ قرآني هو أساس الاستعمار في الأرض المحدد لعلاج ما قد يفسده. فأما المبدأ الأول هو الاستجابة إلى الرب و يعني أن مرجعية الحكم هي الإيمان بأن أساسه متعال على الأمر الواقع بالأمر الواجب وهو الاستجابة لدلالة الاستخلاف أي مراعاة القيم المتعالية التي تحددها: الآية 1من النساء (الأخوة البشر ية التي تعتبر رحما كونيا مقدما على الرحم الجزئي هوا النسب العضوي المباشرة في الأسرة والقبيلة والشعب المعين تقدم الربوبية الواحدة على الألوهية المتحددة بتعدد الأديان التي يعرضها القرآن عرضا نقديا بمنطق التصديق في ما هو كوني والهيمنة على ما هو جزئي مناف لل كونية). والآية 13من الحجرات (التعدد والتنوع من اجل التعارف معرفة ومعروفا بين البشر المتساو يين لأن التفاضل الوحيد المقبول هو التقوى أي الاستجابة إلى الرب تحقيقا لقيم الاستخلاف) وما يترتب على الأخوة والمساواة هو جعل الحكم رعاية وحماية محققا لشروط هذه الاستجابة ,وذلك بأن يكون الأمر أمر الجماعة من حيث طبيعته وبأن يكون أسلوب إدارته هو الشورى بينهم سواء كانوا 52
-- مسلمين أو غير مسلمين لأن غيرهم وإن كان فهمه للألوهية مختلف عن الربوبية فإن المعنيين واحد في الإسلام لتطابقه مع الدين عند الل ِّه كما يعرضه القرآن ال كريم. وعندئذ يكون هدف الحكم المحافظة على هذين المبدأين بعلاج ما قد يهددهما أي الاستعمار في الأرض بما يتنافى مع قيم الاستخلاف وهو هدف واحد سواء كان البشر مسلمين أو غير مسلمين لأن الفرق حينئذ لا يكون في الأمر نفسه بل في الوعي به وتسميته. إذ إن الأديان الطبيعية وإن بدت ملحدة أو وثنية فهي تؤمن بأن القيم لها أصل متعال سواء كان محايثا أو مفارقا وهي من ثم لا تخلط بين القيم من حيث حصولها بما هو امر واقع وواجب تحصيلها بما هو أمر واجب. فإذا حللنا الآية 38تبين أن طبيعة الحكم جمهور ية واسلوبه ديموقراطي .وقدر عرفت الآية الطبيعة بمصطلح روماني \"راس بوبليكا=امر الجماعة\" .وعرفت الأسلوب بمصطلح يوناني \"ديموقراطية=شورى بينهم\" .وجعلت الاستجابة إلى الرب (الاستخلاف وقيمه) أساس لهذا النظام والانفاق من الرزق غاية له (الاستعمار في الأرض). 53
-- فلا بمعنى للاستجابة إلى الرب في هذه الحالة إلا نسبة هذه الرؤ ية لرب متعال هو الذي تنسب إليه قدسية القوانين التي تجعل الأمر أمر الجماعة طبيعة وإدارته بشوراهم أسلوبا :وتلك هو ثمرة استخلافها. ولا معنى ل \"ومما رزقناهم ينفقون\" -والمسلمون يعلمون القصد بنسبة الرزق إلى الرب تحديد وجوه الانفاق منهكما هو بين من البقرة 177لعلل اجتماعية للرعاية ولعلل دفاعية للحماية :وتلك هي ثمرة الاستعمار في الأرض. ل كن مقلدي هيجل صدقوا ما توهمه عندما ادعى في فينومينولوجيا الروح أنه وصل إلى العلم المطلق وادعى في فلسفة الدين أنه وصل إلى العمل المطلق. والأولى نكوص في نظر ية المعرفة إلى القول برد الوجود إلى الإدراك كما تحدده فلسفته الميتافيز يقية. القائلة بأن العقلي واقعي وبأن الواقعي عقلي موحدا بين تصورين كلاهما يصادر على معرفته ومعرفة ما يناظره دون أدنى دليل فينتهي إلى نفي ما يتجاوز عقله مدعيا تجاوز النقد ال كنطي الذي فيه شيء من الاعتراف بما يتعالى على عقل الإنسان ويشبه الغيب. ومن قلد منهم ماركس صدقوا ما توهمه عندما ادعى أنه أعاد الهيجلية إلى وضع سليم ل كي تمشي على رجليها بدلا من رأسها بتقديم المادي على الروحي 54
-- بعكس هيجل قاصدا أن الطبيعة لا يتعالى عليها شيء وضعا لنظر ية المادية الجدلية وجوديا والمادية التاريخية حضار يا. وينتهي إلى أن كل ما لا يطابق نظريته إيديولوجيا فيكون له نفس الموقف الوجودي الهيجلي ول كن بسلب ما يضفيه هيجل على الروح وفلسفة الدين .فلا الليبرالي المقلد لهيجل ولا الشيوعي المقلد لماركس يمكن أن يفهم ما أحاول بيانه عندما نتحرر من القول بالعلم المحيط بجعل المعرفة اجتهادا ومن العمل التام بجعل القيمة جهادا كما تبين لكل من فهم دلالة تاريخية المعرفة العلمية والقيمة العملية في تاريخ الحضارات الإنسانية. وهي حقيقة وصل إليها الدين قبل الفلسفة فصارت مشتركة بينهما بعد بلوغها الرشد في تجاوز الميتافيز يقا القائلة بالعلم المطابق والعمل التام بفضل المدرستين النقديتين العربية (الغزالي من تلاه) والجرمانية (كنط من تلاه). و يترتب عليها تحدد أخلاق التعامل بين البشر وبينهم وبين شروط بقائهم في عالم يحتاج مثلهم إلى الرعاية والحماية مما قد يترتب على كذبة الإنسان على نفسه إذ ينسب إليها ما لا قدرة عليه وهو ما يسميه ابن خلدون \"حب التأله\" أي الزعم بأن للإنسان علما محيطا وعملا تاما. 55
-- وحتى نحرر الفلسفة السياسية من هذا المرض الذي ينتج عن حب التاله سأعرض ما يدل على أ ن الإسلام قد حدد مقوماتها وذلك بعرض الحجج التي استنتجتها من فكر أكبر علماء الإسلام بخصوص الرؤ ية السياسية للسياسي من حيث الطبيعة والأسلوب لأداء الوظائف وأعني: • الغزالي • وابن تيمية • وابن خلدون وتنز يلهم بين من تقدم على الرؤ ية الإسلامية ومن تأخر عنها في تاريخ الفكر السياسي الفلسفي والديني في المعلوم من تاريخ الفكر السياسي .وسأبدأ بالغاية من البحث كله انطلاقا من طبيعة الخلاف بين الرؤ ية التي كانت علة الحروب الأهلية التي ترتبت على الفتنة ال كبرى فحالت دون التطبيق السليم لهذه الرؤ ية. وستكون البداية بيان الغزالي معنى التحرر من الوساطة الروحية والوصاية السياسية في الفكر الباطني والغاية بيان ابن خلدون لأصناف الحكم بمقتضى العقل والنقل لكأنه يجمع بين رأي العلماء الثلاثة وبين مناط كلامهم فيها. فيكون كتاب فضائح الباطنية للغزلي وكتاب السياسة الشرعية لابن تيمية وكتاب المقدمة لابن خلدون ثلاثتها افضل ترجمة للرؤ ية القرآنية وأكبر دليل على التحرر 56
-- من الفكر السياسي اليوناني الروماني والتحر يف الشيعي للإسلام أصلا للفتنة ال كبرى. وسيكون البحث في رآهم مقصورا على عرض للفكرة المركز ية من النصوص الممثلة لفكرهم النصوص التي اعتبرها مرجعية في مجال الفلسفة السياسية الإسلامية. فهذه الفلسفة تجعل السياسي متعلقا باستراتيجية تحقيق شروط الرعاية ببعديها وأصلها وتحقيق استراتيجية الحماية ببعديها وأصلها .وهي رؤ ية تقطع نهائيا مع الفلسفة اليونانية والتقاليد الشرقية في آن أعني جوهر الرؤ ية القرآنية لل كونية الإنسانية بمعياري الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشر من الحجرات وما يترتب عليهما منه نظام للقوامة السياسية فرض كفاية تابعة للقوامة الجماعية فرض عين في الآية الثامنة والثلاثين من الشورى. ولما كنت قد خصصت لهذه النصوص المرجعية العديد من البحوث السابقة فأكتفي بالإحالة إلى النصوص واصحابها واكتفي بذكر الفكرة المركز ية التي أنسبها إلى أصحابها لأركز هنا على دلالة تصنيف ابن خلدون لأنظمة الحكم التي تقطع نهائيا مع الرؤ ية اليونانية. 57
-- وتؤسس لنظر ية في الحكم تلخص أفكار كل هؤلاء العلماء المترجمين للرؤ ية القرآنية للحكم من حيث هو قوامة نيابية تتصف بدور وحيد هو دور الحكم فتكون الآية الثامنة والخمسون من النساء هي المبدأ الجامع المانع لوظائف الحكم والدولة: • الغزالي والمبدأ العام :المقابلة بين الوصية والاختيار • ابن خلدون والمبدأ العام :علاقة السياسي بالعقائد • ابن تيمية والمبدأ العام :رد السياسي إلى دور الح َكم • ابن خلدون والمبدأ العام :كما ورد في تصنيف الأنظمة ل كن ذلك يقتضي أن أقدم على هذه المسائل الأربع بيان ما تمت معه القطيعة في التاريخ الفعلي للسياسي وفي التاريخ القولي لنظريته أي مع الممارسات التي كانت سائدة لما نزل القرآن والنظر يات التي كان تعللها وتحللها بوصفها علمها. فيكون الفصل مؤلفا من خمس مسائل بإضافة المبدل منه الشرقي (فارس خاصة) واليوناني (بيزنطة خاصة) قبل البديل الإسلامي. وذلك بخلاف الرؤ ية الديموقراطية الغربية الحديثة التي هي في الحقيقة توسيع لمفهومها اليوناني (بضم العبيد بعد ما يزعم من تحريرهم) توسيعا محدودا في القبيلة التي صارت تسمى أمة وحصرا في ما يجري داخلها. 58
-- مع استعباد الخارج كله بتحو يل شعوبهكلها إلى مستعمرات للأمم التي تدعي الفضل على من سواها ممن البشر فتجعلهم عبيد مافيات هذه الديموقراطيات القبلية بتوسط عملائهم في الجماعات التي استعمروها. لذلك كانت الديموقراطية الغربية الحديثة فاشية خارج أقطارها لان ما تزعمه من قيم تقصره على قبيلتها دون سواها في المعمورة وما تتكلم عليه منها مقصور على الداخل والمعمول به في المستعمرات هو ضديدها .وذلك هو القصد بكونها ذات عقلية قبلية فاقدة لل كونية التي يقول بها الإسلام. 59
-- تونس في :2022.04.26 ينبغي الانطلاق في دراسة المسائل الخمس التي تدور حول ما يملأ خانات بنية الدولة المجردة من تحديد هذه البنية التي تعتبر من ثوابت ما بعد الأخلاق القرآنية البديل المتكامل مع ما بعد الطبيعة الفلسفية .ذلك أن المشترك ال كوني بين الديني والفلسفي بهو المقوم الجوهري للاستراتيجية السياسية من حيث هي طلب شروط بقاء الإنسان من حيث هو إنسان جهز عضو يا وروحيا بأدوات معرفة ونظر وأدوات تقييم وعمل يستعملهما لتحقيقها. ومن ثم فهذا المشترك هو ما لا يمكن أن تخلو منه حضارة وهو غاية وجود الدولة بما هي بنية مجردة ملازمة لوجود الجماعات البشر ية مهما كانت بدائية بحيث يكون تاريخها الحضاري عين ملئها بالقيمين حتى وإن لم يتحقق الملء المناسب إذ يمكن أن يكون ملأ تغلب عليه عوامل افسادها أو ملأ تغلب عليه عوامل إصلاحها .ولا تخلو مراحل التاريخ من التداول بين لحظات تكون فيها الغلبة لهذه أو لتلك. لذلك فالتصنيف اليوناني الذي يعتمد عدد المشاركين في الحكم وقيمهم لا يكفي ولا يطابق ما يجري في التاريخ الفعلي ولا في الأساس النظري للتصنيف 60
-- بمقتضى هذين المعنيين وكأنهما قابلان لأن ينفصلا في الجماعات البشر ية أولا بحيث تحصل المنظومة المسدسة التي يعرضها الفكر السياسي بضرب العدد واحد واقلية واغلبية في قيمتي الفضيلة والرذيلة. فأولا لا يمكن أن يحكم الواحد ولا ال كثرة إلا في الظاهر لأن الحكم ككل وظائف العمل الإنساني يخضع لتقاسم العمل ومن ثم فهو دائما فرض كفاية مثل أي عمل تحتاج إليه الجماعات .وثانيا لا بد من الواحد رمزيا ولا بد من القلة فعليا ولا بد من حيازتهما على شروط الظهور بمظهر الأغلبية حتى يتمكنا من الحكم وأن تحضر هذه بالأغلبية بالفعل في اذهان الطامحين من المعارضين فيستعدون لتغيير هذه القناعة تلك هي علة التداول على الحكم بالأسلوب العنيف قبل العقد الديموقراطي أو بالأسلوب اللطيف بعده حيث تكون الأغلبية ليست الغالبة بالسلاح بل بالناخبين. وهو الملء الذي درسه علماء الإسلام واستخرجوه من القرآن وشهادة التاريخ دون التفطن إلى بنية الدولة المجردة رغم أنها بينة من تحديد أصناف القوامة التي تملأ خاناتها القابلة للتحديد بصورة مجردة إذا انطلقنا من تحديد الوظائف التي لا غنى عنها في قيام الجماعات .فيكون ذلك منطلقا تجريبيا يسنده منطلق يقبل الرد إلى المعادلة الوجودية لقيام العمران البشري والاجتماع الإنساني والتي 61
-- خصصت لها عدة محاولات خلال شرح مضمون الآية 57من سورة فصلت. فهي تقول إن الل ِّه يرينا آياته: في الآفاق :أي في الطبيعة وفي التاريخ اللذين هما محل الآفاق وفي الأنفس :أي في كيان الانسان العضوي وفي كيانه الروحي وهما محل الأنفس نتبين حقيقة القرآن :أي إن ما نراه في هذه المحال الأربعة هي الحقيقة التي يقدمها القرآن بشهادة الل ِّه نفسه على ذلك :أي إن قوانين الطبيعة وسنن التاريخ خارج الإنسان وفي كيانه هي التي تثبت أن الرسالة موجهة إلى الإنسان من حيث هو إنسان المجهز بأدوات معرفتها نظر يا وتقييمها لتحقيق عمليا لتحقيق شروط استعماره في الأرض وشروط استخلافه فيها. فما هي هذه البنية المجردة التي تتجلى في الآيات التي يريها الل ِّه للإنسان حتى يتبين له أن القرآن حق كما جاء في الآية؟ إنها ما تعالجه مؤسسات الدولة المجردة بوصفها وظائف القوامة التي تحرص شروط الرعاية وشروط الحماية اللتين لا يمكن قيام الجماعات البشر ية من دونها .وهي مناظرة للآفاق وللأنفس لكأنها مناظرةكيان الإنسان العضوي والروحي لما يسد حاجاتهما في العالم. 62
-- ويمكن أن نعتبر بعضها مناظرا لموضوع التشريح في كيان الموجودات الحية وبعضها مناظرا لموضوع وظائف الأعضاء فيه لكأن الجماعة مجموعة متقومة تقوم الفرد الإنساني بما يشبه ما يحقق شروط قيام الإنسان العضوي في علاقته بمحيطيه الطبيعي التاريخي رعاية تكوينية وتموينية وحماية داخلية وخارجية. وبذلك تكون البنية المجردة للدولة مؤلفة من خمس مستو يات لا يمكن ان يخلو منها عمران بشري واجتماع إنساني بلغة ابن خلدون .ولا تتمايز الجماعات بهذه المستو يات من حيث الشكل بل بما تجعله مضمونا لها أعني بنظام القوامة واسلوبه سواء كان التداول فيه عنيفا قبل الانتقال إلى التداول الديموقراطي أو لطيفا بعده: المقوم الأول: هو المرجعية الموحدة وتتعلق بما يضمن شروط الرعاية بمستو ييها التكويني المضاعف والتمويني التمويني المضاعف وأصلها اربعتها أي البحث والاعلام العلميان وشروط الحماية بمستو ييها الداخلي المضاعف والخارجي المضاعف وأصلها اربعتها الي الاستعلام والاعلام السياسيان .فالشروط تعود إلى هذين الأصلين وتطبيقاتهما والاستعلام والاعلام السياسيان وتطبيقهما في الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. 63
-- المقوم الثاني: هو القوى السياسية التي تتقدم لتحقيق هذه الشروط بالترشح للقوامة العامة نيابة عن الجماعة والقوامة الخاصة التي تتبعها بحسب تفرع الوظائف التي ذكرنا وهي غالبا ما تتعدد بتعدد الرؤى في الجماعة ل كنها لا تعدو الخمسة الممكنة التي تتداول على قوامة الحكم وقوامة المعارضة :التي تطور شروط الرعاية بمستو ييها المضاعفين واصلها بفضل ما تضمنه شروط الحماية بمستو ييها المضاعفين واصلها والتي تطور شروط الحماية بمستو ييها المضاعفين واصلها بفضل ما تضمنه شروط الرعاية بمستو ييها المضاعفية وأصلها ومن ثم فلا يكون الاستعمار في الأرض ولا الاستخلاف فيها سو يين أي ضامنين للعيش المشترك السلمي في نفس الجماعة وبين الجماعات من دون هذا التفاعل في الاتجاهين. وهذا التفاعل يجعل كلا منهما شرطا في الثاني بحيث يحصل التعاون والتبادل والتعاوض العادل في استعمار الأرض والتفاهم والتواصل الصادق في الاستخلاف فيها فتصبح كل جماعة قادرة على العيش المشترك السلمي وتصبح الإنسانيةكلها قادرة على العيش المشترك السلمي. المقوم الثالث: 64
-- هو الدستور الذي يكون في الغالب عرفيا وهو مجموعة القوانين والسنن التي تمثل عقدا بين الجماعة ثم بينها وبين القيمين على الشأن العام حكما ومعاركة بالتداول نيابة عن الجماعة فرض كفاية مع الخضوع لمراقبتها ومحاسبتها فرض عين على الجماعة. المقوم الرابع: هو القوامة السياسة على الشأن العام حكما ومعارضة قوامة عامة نيابة عن الجماعة التي نالت الأغلبية وفي الحكم والجماعة التي نالت الأقلية في المعارضة وما يتفرع عنهما في قوامات فرعية بحسب مستو يات الرعاية التكوينية والتموينية والحماية الداخلية والخارجية وأصليهما. المقوم الخامس والأخير: هو الجماعة من حيث توز يع والتبادل الذي يقتضي التعاوض العادل وفي تحقيق توز يع العمل في التواصل الذي يقتضي التفاهم الصادق وتلك هي الوظائف العشر التي إذا صارت تابعة للقيمين على الدولة تصبح فاشية وتفقد الجماعة حر يتها وكرامتها .فالدولة قيمة على حراسة القانون والأخلاق في التكوين بمستوييه والتموين بمستوييه وأصلها أربعتها أي البحث والإعلام العلمي وتطبيقاتهما وقيمة على حراسة القانون والأخلاق في الحماية الداخلية بمستويها 65
-- (القضاء والأمن) والخارجية بمستو ييها (الدبلوماسية والدفاع) واصلها اربعتها أي الاستعلام والاعلام السياسي .والآن بوسعنا أن نتكلم في المسائل التي ختمنا بها الجزء الأول من هذا الفصل الخامس. لماذا اعتبر هذه البنية مجردة ولماذا لا تكون إلا كونية وثابتة لا تتغير في المكان ولا في الزمان وقد اعتمدها ابن خلدون لما جعل وجود الجماعة ذاته علاجا لحاجتين هما العمران البشري لسد الحاجات والاجتماع الإنساني للأنس بالعشير. وهو يعتمد في ذلك على فهم ضمني لما سميته المعادلة الوجودية التي صاغتها الآية 57من فصلت لأنه لا يمكن أن يعتبر الطبيعة خاضعة لقانون ر ياضي لقوله إن كل شيء خلفناه بقدر والتاريخ لقوله إنه خاضع لسنن لا تتبدل ولا تتحول وعليهما يبني كل أدلته على الوحدانية؟ إنها أشبه بالبنية المجردة لوظائف الكائن الحي التي هي كونية وثابتة في كل الأحياء مهما تغيرت الأعضاء التي تحققها .وهذا القياس على الظاهرات الحية لا يعني أن البنية المجردة للدولةكائن حي بل القصد التمثيل للقصد بالبنية المجردة. ورغم انها من جنسها فهي ليست مثلها ل كونها متقدمة عليها وشارطة لها شرطها لحياة الحضارات الإنسانية من ادناها إلى اسماها. 66
-- وليس التراتب بين الحضارات بقابل للرد إلى فروق عرقية ولا حتى ثقافية بين البشر بل هي تقبل ا لتفسير بالتطور في مراحل الملء بالقيمين بمقتضى الوعي بضرورة تنظيم سد الحاجات بنوعيها .فتتعين البنية المجردة بمقتضى التدرج في هذا الملء الذي ينتج عن توز يع العمل في الجماعة .فتملأ خلاياها المجردة أو المؤسسات و يصبح كيان الدولة المجرد عينيا لأن فاعليته تتجلى في القوامة التي تتلو تقسيم العمل لما تختار الجماعة القيمين الذين ينوبونها في أداء وظائف الدولة. حينها يتم تحديد نظام الحكم المتغير والمناظر لتغير الأعضاء في الكيان الحي مع بقاء الوظائف ثابتة .وإني اعتبرها كذلك لأن أصلها هو عين شروط البقاء العضوي والبقاء الروحي للجماعات سواء كان ذلك بوعي منها أو بغير وعي وذلك على النحو التالي: فلو رتبنا شروط البقاء العضوي للإنسان خاصة ولأي كائن حي لوجدناها بترتيبها بحسب تأثير فقدانها على البقاء لكانت كالتالي :الأول الهواء والثاني الماء والثالث الغذاء والرابع الدواء والأخير سر تحقيقها الجمعي أي الوفاء للطبيعة مصدرها والتاريخ مصدر القدرة على توفيرها وهو مشروط بالولاء للجماعة لان الرعاية والحماية تقتضيان: 67
-- تقسم العمل للتعاون والتبادل والتعاوض العادل في سد الحاجات المادية وهو القصد بالعمران البشري بلغة ابن خلدون والاستعمار في الأرض بلغة القرآن وتقسيم العمل للتفاهم والتواصل والتعايش السلمي لسد الحاجات الروحية وهو القصد بالاجتماع الإنساني بلغة ابن خلدون والاستخلاف في الأرض بلغة القرآن. ولو رتبنا شروط البقاء الروحي للإنسان خاصة ولكل ما يمكن تصوره قريبا منه من الحيوانات لوجدناها بترتيب تأثير فقدانها لكانت كالتالي :الأول هو الحر ية والثاني هو ال كرامة والثالث هو المل كية والرابع هو المشاركة في الأمر والأخير هو الولاء للمجتمع المدني والمجتمع السياسي .وشروط البقاء الروحي ليست أقل أهمية في حياة البشر بل هي مقدمة على شروط البقاء المادي لأن الإنسان من بين كل الكائنات الحية يمكن أن يضحي بحياته العضو ية من اجل حياته الروحية أي ما يؤمن به من قيم. والمجتمع المدني كما أسلفنا هو انتظام البشر في المؤسسات الوسطى أي الاسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والجماعةككل وتتحدد بمرجعيتها الحضار ية ومنها تتكون العلاقة بالأحياز التي هي المكان والزمان ومفعول المكان في الزمان أي التراث 68
-- ومفعول الزمان في المكان أي الثروة والجامع بين هذه الاحياز هو كيان الجماعة في المعمورة أي حصتها من جغرافيتها ومن تاريخها. والمجتمع السياسي كما أسلفنا هو القوى السياسية التي تتخلق إليها الجماعة المدنية استعدادا لقوامتها فتكون وظيفتها (القبائل أو الأحزاب الطامحة في حكم الجماعة بحسب تطور المجتمعات) مؤسسات تكوين القيمين في أبعاد القوامة الخمسة أي في التعبير عن إرادة الجماعة وعن رؤ يتها وفي تحقيقها بالعلم وتطبيقاته التقنية أداتيا وبالعمل وتطبيقاته القيمية غائيا والحصيلة هي القدرة الجماعية على سد الحاجات المادية (الاقتصاد) والحاجات الروحية (الثقافة). وبذلك تكون الحصيلة عند جمع هذه المستو يات الأربع هي أصلها كلها أعني كون الإنسان مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها ومجهزا بما يمكن من الاستعمار وهي المعرفة وتطبيقاتها التقنية وبما يمكن من الاستخلاف وهي العمل وتطبيقاته القيمية .وكل هذه العناصر كونية والخصوصي فيها قد يكون إما فلكلور يا واسلوبيا أو مجرد تداول تاريخي بحسب توفر الظروف المناخية التي تحقق هذه المستو يات فلا تتمايز الشعوب بها بل ربما بالسبق إليها لا غير ل كنها جميعا لا تقوم إلا بها. 69
-- والتناظر بين المقوم الأول (مرجعية الرعاية والحماية) والمقوم الأخير (وظائف الجماعة في تحقيق شروط الرعاية وشروط الحماية) هو المقومان الأولان لقاعدة الهرم الذي تمثله الدولة من حيث هي بنية مجردة في مستوى القيام المادي والروحي .فمرجعية الجماعة بداية تناظر وظائفها غاية وكلما حصل الفصل بينهما انهار البناء كله ولا تبقى الجماعة جماعة لأنها تصبح ذرات فاقدة للاحم المؤسس بداية وللغاية منه غاية. والتناظر بين المقوم الثاني (القوى السياسية) والمقوم الرابع (نظام القوامة المؤلف من الحكم والمعارضة) هما المقومان الثانيان لقاعدة الهرم الذي تمثله الدولة من حيث هي بنية مجردة في مستوى قوامة الرعاية والحماية .فقوى الجماعة السياسية تناظر وظائفها التي هي القوامة بالفعل أو الحكم والقوامة بالقوة أو المعارضة سواء كان التداول على الحكم عنيفا قبل الديموقراطية أو لطيفا بعدها. وما بين المقومين الأولين أي المرجعية والجماعة والمقومين الأخيرين أي القوى السياسية والقوامة يوجد العقد الذي يصل الأولين موضوع التناظر الأول بالأخيرين موضوع التناظر الثاني وصلا عرفيا أو مكتوبا وهو القصد بالدستور الذي يحدد معايير ما قبله من تناظر ومقيم ما بعده من تناظر وعلاقة الماقبل بالمابعد .وهو الحكم الأعلى في كيان الدولة المجرد الذي يتعين بمقتضى شروط 70
-- التداول السلمي أو الحربي بين القوى السياسية التي هي دائما في تنازع على أهلية تمثيل إرادة الجماعة. وتكون القوامة مؤلفة من قيمين يحرسون الرعاية بأبعادها الخمسة والحماية بأبعادها الخمسة يرأسهم قيم هو الذي تختاره الجماعة طوعا في الديموقراطية وكرها قبلها وتكلفه فرض كفاية بتعيين إرادتها في اختيار القيمين المختصين في كل مجالات الرعاية والحماية تحت رقابة الجماعة ومحاسبتها لهم وله لأن المبدأ يبدأ دائما لا طاعة في معصية الل ِّه ورسوله أي في معصية الشر يعة المتعلقة بالمرجعية أعني شر يعة الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. و يكون الرئيس صاحب السلطة الممثلة لإرادة الجماعة التنفيذية بمشاركة السلطة التشر يعية التي لا تخلو منها جماعة سواء كان نظام التداول فيها طوعيا أو كرهيا لمدة معينة تحت رقابتها ومحاسبتها .فحتى الفاشيات لها سلطة تشر يعية غير السلطة التنفيذية حتى وإن كانت خفية وهي ما يسمى الدولة العميقة وهي في الغالب مافيات .وتجمع هذه السلطة سلطة الأصلين أي البحث والإعلام العلميين لأنهما أساس الرعاية خاصة والاستعلام والاعلام السياسيين لانهما أساس الحماية خاصة. 71
-- ل كن سلطة مالية الدولة التي هي مثل الدم في البدن هي المغذي لكل ما سبق ينعكس فيها الأمر إذ ينبغي أن تصبح السلطة التنفيذية أكثر تقيدا بدور السلطة التشر يعية بخلاف الحالة الأولى إذ فتكون الأولو ية لنواب الشعب لتقيد التصرف في المالية إلا في الحالات الطارئة والظرفية .ولا فرق في ذلك بين ما يجري في نظام التداول الطوعي وما يجري في نظام التداول ال كرهي لأن الحاجة إلى سرعة القرار تقتضي أن يكون السائل الممكن من العمل بيد من بيده التنفيذ. ولا بد من تحرير أداة التبادل أي العملة وأداة التواصل أي الكلمة من تحكم سلطة التنفيذ في نظامي القوامة التداولية الطوعي وال كرهي لأنهم كلتيهما يتقدم فيهما حاجة القرار لشرعية الدولة على شوكتها فيقدم التشر يع الجلي في الأولى والخفي في الثانية على التنفيذ .و يعني تقديم الشرعية على الشوكة في التشر يع وتقديم الشوكة على الشرعية في التنفيذ يكفي لفهمه أن نراجع وظائف الرعاية ووظائف الحماية حتى نجد أمرا عجيبا حقا: ففي الرعاية التكوينية نجد بعدين أحدهما يمثل الشرعية والوازع الذاتي وهو السائد على التربية المدرسية والثاني يمثل الشوكة والوازع الأجنبي وهو السائد على التربية الاجتماعية التي تترتب على ثمرة التربية الأولى ل كنها تقيم بمعيار الرعاية 72
-- التموينية أي إن ثمرة التربية تعير بما تحققه من انجاز في الاقتصاد والثقافة أي في التمو ين. وفي الحماية الذاتية نجد بعدين أحدهما يمثل الشرعية والوازع الذاتي وهو السائد على القضاء الوطني والدولي والثاني يمثل الشوكة والوازع الأجنبي وهو السائد على الأمن التي تترتب على ثمرة القضاءين الوطني والدولي ل كنها تقيم بمعيار الحماية الأمنية الداخلية والخارجية أي إن ثمرة القضاءين تعير بما يتحقق من انجاز في الأمن الداخلي والخارجي. كما ينبغي أن يكون الاعلام في الأصلين أي في البحث العلمي وفي الاستعلام مؤطرين تأطيرا يحمي أسرار قوة الدولة لأن البحث والعلمي والاستعلام السياسي ليست وظيفتهما الأعلام بصورة مطلقة بل الاعلام الذي يحمي أسرار قوة الدولة لتجنب امرين خطيرين في العلاقات الدولية: الأول هو التسابق الذي يؤدي إلى سرقة الاسرار العلمية وهي أساس الرعاية والاسرار الاستعلامية وهي أساس الحماية .وتلك هي علامات القوامة الناجحة باعتبارها حراسة سر السيادة وهو نجاح لا يتحقق من دون استراتيجية تكون حذرة وتعمل ب \"أعدوا لهم ما استطعتم من قوة\": 73
-- مع التخلي عن المقابلة بين رعايتين تربو ية وطنية ودولية وتموينية وطنية ودولية المتنافية مع وحدة الإنسانية وكونية القيم التي تقتضي التعاون والتبادل العادل والتفاهم والتواصل الصادق. ومع التخلي عن المقابلة بين حمايتين داخلية وخارجية أي بين قضاءين وطني ودولي بنفس القوانين والقيم وبين أمنين وطني ودولي لنفس العلة أي التعاون والتبادل العادل والتفاهم والتواصل الصادق. وهذا لم يحصل إلا في الشر يعة الإسلامية التي تعتبر الدولة متأسسة على قيم كونية هي قيم الاستخلاف في السلم وفي الحرب على حد سواء .وهذا يعني أن البشر ية حتما ستنتهي إلى نفس الرؤ ية بعد أن تبين لها أن العولمة الملازمة للوجود الإنساني منذ التاريخ القديم تعاني من الفصل بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها وهو الفصل الذي يجعل الاستعمار في الأرض علة للحرب الاهلية الوطنية العالمية في كل المجتمعات البشر ية ويحول دون العيش السلمي المشترك .ل كن الحل هو تقاسم الثروة والتراث اللذين هما ثمرة جهد الإنسانية المتراكم وليس ثمرة جهد أمة دون أمة 74
-- فيتم التحرر من توز يع الثورة الطبيعية والتراث الإنساني المحرر من التغالب وصراع القوى في الحروب الأهلية وصدف توزعهما في المعمورة توزعا غير عادل فيكون علة للمزيد من الحروب والامتيازات التي لم تترتب على فروق الجهد الذاتي للشعوب والأفراد. 75
–– والآن سأبدأ علاج المسائل الخمس التي هي موضوع هذا الفصل بترتيب مختلف عن تحديدها السابق الذي كان ذا صلة بتاريخ ظهورها وليس بتاريخ علاجها الفلسفي في الفكر السياسي الإسلامي الذي حقق فيها ثورة ال كونية ومكن من صوغ شرط الوصول إلى ضرورة التمييز بين البنية المجردة ال كونية للدولة التي لا تخلو منها أي حضارة للدولة والبنية العينية التي لها تكوينية تاريخية بحسب نضوج الحضارات وتكوينيتها التاريخية. وقد أرجع ابن خلدون هذه التكوينية إلى ما سماه \"نحل العيش\" المتوالية والتي بدايتها ما تتميز به البداوة الأقصى ونهايتها ما تتميز به الحضارة الأقصى بينهما تبادل التأثير بين النوعين من نحل العيش المتعددة فيهما وفي ما بينهما من تفاعل داخلي وخارج ،فالبداوة تفعل في الحضارة والحضارة تفعل في البداوة .والفعلان مختلفان تماما. وهما في نفس الجماعة يمثلان شبه تفاعل داخلي بين الطبيعي والتاريخي بغلبة الأسلوب الخصوصي لتلك الجماعة .ل كنهما يمثلان شبه تفاعلي خارجي بين الطبيعي والتاريخي بغلبة أسلوب الغالب على الساحة الدولية والسيطرة على فنون الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. فالبداوة تؤثر في الحضارة بما فقدته الحضارة من العنفوان العضوي وأفضل مثال هو منزلة الرجل الأسود في أوروبا وخاصة في منظور نسائها ول كن حتى في منظور رجالها جنسيا ور ياضيا خاصة وحتى في الطابع المرح للحياة أي كانت الوضعية وهو المصدر الأساسي للفنون الشعبية في العالم كله. 76
–– والحضارة تؤثر في البداوة بما تسعى إليه من فنون المائدة والسرير الذي تحاول إضافته إلى ما فقدته الحضارة يكون مآلها فقدانه هي بدروها لأن ما تتميز به الحضارة هو ضياع العنفوان العضوي والحيوي في كيان الإنسان .ولهذه العلة فالأغنياء من البدو سرعان ما يقعون في ما يؤدي إلى قتل ما لأجله تكون البداوة مرغوبا فيها فيسقطون في المجون والمخدرات وخاصة المنشطات الجنسية. وهذه الفروق لا علاقة لها بالأعراق بل هي ناتجة عن علتين احداهما بيولوجية بسبب شبه غياب للمؤثر الحضار ية والثاني العكس حضار ية بسبب شبه غياب المؤثر البايولوجي: فالبداوة بسبب نحلة العيش البدوي تكون عناصر الحياة الخمسة فيها اقل خضوعا لما يترتب على الحضاري من افساد طابعها الطبيعي وهي الهواء والماء والغذاء والدواء والولاء للجماعة .لذلك فما يبقى من المواليد يبقى أساسا بالمناعة الطبيعية فيحصل فيها ما يشبه بالانتخاب الطبيعي. والحضارة بسبب نحلة العيش الحضري تكون عناصر الحياة الخمسة فيها أكثر خضوعا لما يترتب غياب الطبيعي فيكثر فيها افساد الهواء والماء والغذاء والدواء والولاء للجماعة. لذلك فقد يبقى من المواليد ما لا يعتمد على المناعة الطبيعية فيحصل ما يشبه توقف الانتخاب الطبيعي. ومن لم يلحظ الظاهرتين وما يترتب على تفاعلهما في وجود العنفوان العضوي وغيابه لا يمكن أن يحلل المحددات التي من المفروض أن تكون مطلوب علم الاجتماع الذي من واجبه دراسة علاقة الطبيعة بالحضارة أو علاقة الطبيعة بالتطبع في الاتجاهين لأن 77
–– موضوعه يجمع بين ما ينتسب إلى البايولوجيا وإلى السيميولوجيا أي علاقة العضوي بالرمزي في الجماعات والافراد وذلك هو معنى تأسيس علم الاجتماع على علم الانثروبولوجيا أي على علم الإنسان من حيث هو جامع بين العضوي والروحي. والإطار يكون في هذه الحالة إطار التكيف الإنسان مع أحياز وجوده الخمسة أي الجغرافيا الطبيعية وتاريخ فعل البشر وأثر الأولى في الثاني أي انتاج التراث العلمي والفني والذوقي واثر الثاني فيا الأولى أي انتاج الثورة المادية والرمزية وأخيرا أصل ذلك كله وهو العلاقة بين آيات الآفاق وآيات الانفس التي تجعل بقاء الإنسان رهن بقاء العالم الطبيعي والتاريخي مناسبين لسد حاجاته المادية والروحية .ولهذه العلة جعل ابن خلدون هذه الظاهرات موضوع الباب الأول من المقدمة. فالعلاقة بين شروط الاستعمار في الأرض أو العمران البشري وشروط الاستخلاف فيها أو الاجتماع الإنساني هما موضوع ثورته في فلسفة التاريخ والاجتماع .وسأنطق من المشترك بين الغاية والبداية في كل الحالات المتعلقة بما حصل فيها من انتقال مما تقدم على الإسلام إلى ما صار ممكنا بفضله أي بفضل تحرير الإنسان كان سائدا قبله أي من الوساطة ال كنسية بين المؤمن وشأنه الروحي والوصاية السياسية بين المؤمن وشأنه السياسي في الحكم بالحق الإلهي. والغاية هي دلالة الانتقال من التصنيف اليوناني للأنظمة إلى تصنيف ابن خلدون وما يترتب عليه من ضرورة التمييز بين تصنيف الأنظمة المتعددة بمعيار أصناف القوامة 78
–– وتصنيفها بمعيار نوع العصبية وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم .فتصنيف أنظمة الحكم في الرؤ ية القرآنية للفلسفة السياسية له علاقة بمقومي الدولة أي بالشرعية وبالشوكة لعلاقتهما بمقومي الإنسان (الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها). و يقتضي ذلك فهم الفرق بين التصنيف الخلدوني والتصنيف الأفلاطوني والأرسطي للأنظمة السياسية وما تتضمنه من تصنيف للقوى السياسية التي تتداول على الحكم والمعارضة في المدرسة النقدية العربية تصنيفها المعتمد على علم الاجتماع والتاريخ الحضاري بالمقارنة مع التصنيف اليوناني عند افلاطون وارسطو المعتمد على علم النفس والعلم الطبيعي. فالحقيقة السياسية التي ثبتناها هي أن السياسة لا يمكن ألا تكون مؤلفة من حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية سواء كان ذلك بروح التداول السلمي كما يحدث في الديموقراطيات أو بروح التداول الحربي كما يحدث في الدكتاتور يات لأنه لا يمكن تصور جماعة خالية من المنافسة على الحكم بالفعل بمنطق القوة الطبيعية أو بمنطق القوة المعنو ية. ولا يمكن فهم هذه المعاني إذا لم نميز بين البنية المجردة للدولة والدولة المتعينة في القيمين عليها .وهي بالمعنى الأول ذات معنو ية ل كنها تصبح بالقيمين وكأنها ذات فيز يائية. وسأبدأ بالكلام عليها من حيث هي ذات معنو ية لأحدد العناصر التي تتألف منها البنية ونظام تألفهما وحقيقةكونها ثابتة لا تتغير لأنها مناظرة لشروط بقاء الفرد والجماعة الجزئية والجماعة الكلية أي الإنسانيةكلها من حيث هي مستعمرة في الأرض ومستخلفة 79
–– بها بما جهزت به من أدوت التعامل مع الطبيعة والتاريخ خارج كيانها وفي كيانها لأن الإنسان أيضا هو حصيلة اللقاء بين الطبيعة والتاريخ .وبهذا المعنى فهي تتألف من: من مؤسسات وظيفتها القوامة على الرعاية التكوينية ببعديها التربوي والاجتماعي والتموينية ببعديها الداخلي والخارجي وبأصلها جميعا أي البحث والإعلام العلميين لأن الوظائف الأربع هذه شرط تحقيقها هو العمل على علم بقوانين الطبيعة وبسنن التاريخ وبمقتضى التقييم الذي يعير كل شيء في ضوء الاستجابة إلى هذه الحاجيات. والمقابلة اليونانية بين النظر الخالص والنظر المطبق مثلا شديد النسبية لأنه يعود إلى الخلط بين العاجل والأجل من دور العلم في سد الحاجات وليس إلى ما له بها علاقة وما لا علاقة له بها .ومعنى ذلك أن النظر ية هي نوع من المخزون الآجل يعد لسدا الحاجات التي ستظهر لاحقا لما تتطور العلاقة بين الإنسان والعالم الطبيعي والتاريخي وليست مطلوبة لذاتها إلا بهذا المعنى وليس بمعنى خلوها من حاجة العمل إليها. والتمييز اليوناني مفيد حتى لا يقتصر البحث العلمي على المباشر من الحاجات فيكون وكأنه مطلق الاستقلال عنها .ل كنه ليس مطلق الاستقلال عنها ابدا .فالحاجات هي بدورها متطورة وذات تكوينية هي التي بمقتضاها وضع ابن محركا للتاريخ كله مفهوم نحلة العيش محددة لكل ما عداها من أنشطة الإنسان المعرفية والقيمية في علاقة باستعماره في الأرض واستخلافه فيها وهي علاقة هي جوهر البنية المجردة ال كونية والثابتة البنية الجامعة لمؤسسات قوامة وظيفتها القوامة على الرعاية وعلى الحماية :وتلك هي الدولة المجردة. 80
–– وكلا النوعين من المؤسسات أي مؤسسات وظائف الجماعة لتحقيق شروط الرعاية وشروط الحماية التي لا يمكن أن يخلو منها وجود أي جماعة إنسانية والتي في إطارها تندرج البنية المعينة للقيمين الذين تختارهم الجماعة طوعا او كرها لتمثيل إرادتها تمثيلا ينقل البنية المجردة من الذاتية المعنو ية إلى الذاتية الطبيعية وذلك هو المحدد للأنظمة الحكم والمعاركة. كما أن الحقيقة السياسية التي ثبتناها هي أن السياسة من حيث هي قوامة الشأن العام لا يمكن أن تكون للواحد ولا للكل بل هي دائما لأقلية ككل عمل يستند إلى فرض ال كفاية بمقتضى توز يع العمل في الجماعة وغالبا ما تكون مستندة إلى عصبية حائزة على الثروة وعلى أدوات حمايتها أي قوة السلاح مع قوة القانون أو قانون القوة. ما يعلمه اليونان هو أنظمة القوامة أو الأنظمة السياسية ل كن معنى بنية الدولة المجردة التي لا تكون إلا كونية وواحدة وهي ثابتة لا تتغير لم ترد في نظر ية الدولة اليونانية لأن الدولة غير أنظمة ملء خاناتها بأنظمة القوامة عليها .فهي بالنسبة إلى الجماعة من حيث هي جماعة من جنس قيام الفرد العضوي والروحي: والبنيتان مجردتان وتتعينان عندما يتطور العمران البشري والاجتماع الإنساني فيقسم العمل ليتحدد موضوع القوامة أي حراسة الجماعة لوظائف الرعاية ولوظائف الحماية حراسة يكون القيمون فيها نوابا يمثلون إرادة الجماعة فرض كفايةكما في تقسيم الاعمال 81
–– الأخرى و يكون القيمون تحت رقابة الجماعة ومحاسبتها سواء كان التنويب طوعا او كرها إذ حتى في هذه الحالة فالتداول يكون عنيفا و يعبر عن رفض الجماعة بقاء من يقوم بالقوامة قيما لان غيره افتكها منها بقانون القوة وهو ما يصبح عند الانتقال إلى التنويب الطوعي خاضعا لقوة القانون. ومثلما أن المجتمع المدني يتألف من المؤسسات الوسطى بين الفرد والأمة أي الأسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والجماعة فإن المجتمع السياسي يتألف من القوى السياسية التي تتنافس على قوامة وظائف المجتمع المدني التي تحرسها وظائف القوى السياسية من حيث هي المنتجة للقيمين الذين ترشحهم الأمة لنياتها في تحقيق غاياتها طوعا أو كرها .ففي كل أمة لا بد من وجود القوى السياسية. ولا بد من أن تنقسم إلى حاكم ومعارض حتى قبل الوصول إلى التداول السلمي على السطلة في الديموقراطية وإلا لما فهمنا كيف أن من بيده الحكم يفقده لما يتغلب عليه غيره من معارضيه .وإذن فهذه القسمة تكون خاضعة إما للتداول اللطيف أو للتداول العنيف لأن القيمين يخضعون لتوالي الأجيال ككل كائن حي مهما عمر :لا يمكن لاي عصبية أن تبقى مسيطرة دائما بل إن غيرها من العصبيات تنتهي بافتكاك الحكم منها بمنطق المطاولةكما بين ابن خلدون. ومعنى ذلك أن التداول حتمي سواء كان لطفيا أي سلميا أو عنيفا أي حربيا .والفرق بين الديموقراطيات والفاشيات هو الفرق بين نوع التداول السلمي الطوعي ونوع الحربي ال كرهي ،ولا علاقة لذلك للأعراق أو للطبقات أو للأجناس بل هو ثمرة النضوج 82
–– التاريخي لأنماط التعايش بين البشر .وإلى الآن الحاصل هو الطوعي داخل الديموقراطيات وال كرهي داخل الفاشيات ل كن التداول حاصل في الحالتين إما بمنطق قانون القوة العضو ية أو بمنطق قانون القوة الروحية. والصراع سياسي في الحالتين الأول نموذجه بايولوجي اذ التداول يكون بين الحياة والموت الجيليين بمنطق الاقتتال والثاني نموذجه رمزي إذ التداول بيكون بين الحكم بالفعل والحكم بالقوة بين الحاصلين على الأغلبية الطوعية والأقلية الطوعية في الجماعة دون اقتتال .ل كن الحاصل في الديموقراطيات الغربية هو الجمع بين المنطقين لأن خارج الأول من جنس داخل الثانية. وهي إذن ديموقراطية في الداخل وفاشية في الخارج :كل بلد غربي فاشي في الخارج حتى إذا كان ديموقراطيا في الداخل ويسعى لجعل أهل المستعمرات خارج دائرة الديموقراطية ما أمكن له ذلك .وقد يلجأ إلى تنصيب الديموقراطية الموجية فيها للخداع. وذلك هو الفرق بين الديموقراطية الغربية والشورى القرآنية التي تختلف عما أولها عليه العلماء إذ جعلوها شورى الأمراء مع العلماء دون أن يكون لهؤلاء دور النواب ودون أن يكون لشوراهم دور القرار. 83
–– تونس في 2022.04.28 كيف نفهم الابتعاد عن هذه الرؤ ية الإسلامية التي عرضتها في الفصل السابع وعودة الوضع الذي كان سائدا المجال التي حرره الفتح الإسلامي من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي ومن البداوة والقبلية فنكص المسلمون إليها كلها وصار ما يسيطر على تاريخ الأمة في مجرى التاريخ الفعلي في الأحداث بخلاف ما كان عليه مجرى التاريخ القولي في الأحاديث؟ لن أطيل الكلام في ذلك لأني عالجته سابقا وخاصة خلال الرد على خرافة نفي عبد الرازق وجود نظر ية الدولة الإسلامية في الماضي ونفي حلاق إمكان وجود الدولة الإسلامية في المستقبل .ذلك أن تحول الخلافة إلى الخضوع: لفكر فارس بهجرة عاصمتها أولا إلى احدى مستعمراتها (العراق :بسبب نقل على لعاصمة الخلافة من المدينة إلى العراق) ولفكر بيزنطة بهجرة عاصمتها إلى احدى مستعمراتها (سور يا :بسبب نقل معاو ية للعاصمة من العراق إلى الشام) 84
–– وحدهما كافيتان للدلالة على طبيعة النظامين اللذين سيطرا على دولة الإسلام في الأفعال وبقائها مقصورة على الأقوال .ولما كانت الأقوال مقصورة إما على الرؤ ية الإسلامية في مستوى النظر في مرجعياتها دون فعلها وكان نفس الامر من نفس الطبيعة في الرؤ ية الفلسفية. فإن البحث في الفلسفة السياسة بقي إما بمعناها الروماني أو بمعناها اليوناني بحيث إن الصراع الكلامي والصراع الفلسفي لم يتجاوز الجدل القولي في الرؤيتين الدينية والفلسفية دون علاقة بما يجري في السياسة الفعلية التي بقيت إما فارسية أو بيزنطية نظر ية الحكم :الجمهور ية الرومانية والديموقراطية اليونانية. وبذلك صار حال الرؤ ية الإسلامية مقصورا على جدل المتكلمين والفلاسفة نظر يا وجدل الفقهاء والمتصوفة عمليا وكلا الجدلين لا يتجاوزان الاقوال إلى الأفعال .وبقيت دولة الإسلام معلقة مثلها مثل دولة الفلاسفة لتواصل السياسة الفعلية على الشكل الفارسي والبيزنطي. طبعا مع تأثير لا يمكن نكرانه لدور القرآن والسنة الذي يغير بالتدريج البطيء ثقافة الشعوب التي بدأت تمر إلى الفعل لأن التربية كانت تتضمن شيئا من الأقوال بوصفها كلاما على ما يعاب على الأفعال :طلاق شبه تام بين الأفعال والاقوال. 85
–– ل كن السيطرة الفعلية ظلت بيد من بيدهم الأفعال فكانوا مواصلين لتقاليد الإقليم وتلك هي علةكونها بقيت تابعة ولم تحقق ما يمكن تحقيقه من مثل الرؤ ية الثور ية التي مثلها الإسلام. فبقيت لأنها عديمة النظام الجامع بين شروط الاستعمار في الأرض وشروط الاستخلاف فيها .وتلك هي علة بقائها في حرب أهلية دائمة لعدم تجاوز مرحلة البداوة التي حذر منها القرآن ال كريم .فكان أن اجتمعت البداوة القبيلة وحضارة فارس وحضارة بيزنطة في الأفعال ومثل القرآن والسنة في الأقوال دون الأفعال السياسية. ل كنها بفضل التربية سيطرت على الأفعال الاجتماعية والمدنية إلى أن صار بعض المبدعين قادرين على منافسة الثقافتين الفارسية والبيزنطية في التنظير حتى تمكنوا من تجاوز الرؤيتين الفارسية والبيزنطية والتحرر ليس منهما فحسب بل شرعت حضارة الإسلام في تحرير الحضارة الإنسانية كلها بالغوص في الأسس الإسلامية التي تتجاوز الممارسة والنظر ية اللتين كانتا سائدتين في مستعمرات فارس وبيزنطة وجاهلية العرب. 86
–– كيف صار المسلمون بعد وفاة الرسول أمام ثلاث خيارات :فارس وبيزنطي وقبلي .ل كن المسيطر هو ما حدث بعد الحرب الاهلية الثانية التي تلت مقتل عثمان .وهي خيار تحت مظلة فارسية (الرمز خيار العراق) وخيار بيزنطي (الرمز خيار سور يا). لذلك كان الكلام في نظام الحكم بالقياس إليهما بالتقابل مع الرؤ ية القرآنية هو ما يثبته شاهد من فضائح الباطنية وكيف يتصور السنة التحرر من علة الحرب الاهلية التي نشأت عن الفتنة ال كبرى. نص الغزالي( :كتابي آفاق النهضة العربية دار ا لطليعة بيروت 1999 ص )143-142.من (فضائح الباطنية ص 177- 175 .نشرة عبد الرحمن بدوي القاهرة الدار القومية للطباعة والنشر )1964 \"فإن قيل بم تنكرون على من يقول :لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار. فإذا بطل الاختيار ثبت النص؟ قلنا نعم لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار .ونحن نقول مهما بطل النص ثبت الاختيار. 87
–– وقولهم إن الاختيار باطل لأنه لا يمكن اعتبار كافة الخلق ولا الاكتفاء بواحد ولا الحكم بتقدير عدد معين بين الواحد والكل .فهذا جهل بمذهبنا الذي نختاره ونقيم البرهان على صحته. والذي نختاره أنه نكتفي بشخص واحد يعقد البيعة للإمام مهما كان ذلك الواحد مطاعا وذا شوكة لا تطال ومهما كان مال إلى جانب مال بسببه الجماهير ولا يخالفه من لا يكترث بمخالفته. فالشخص الواحد المتبوع المطاع الموصوف بهذه الصفة إذا بايع كفى إذ في موافقه موافقة الجماهير .فإن لم يحصل هذا الغرض إلا لشخصين أو ثلاثة فلا بد من اتفاقهم .وليس المقصود اعيان المبايعين وإنما قيام شوكة الإمام بالاتباع والاشياع .وذلك يحصل بكل مستول مطاع. ونحن نقول :لما بايع عمر أبا بكر -رضيا لل ِّه عنهما-انعقدت الإمامة له بمجرد بيعته ول كن للتتابع الايدي إلى البيعة بسبب مبادرته .ولو لم يبايعه غير عمر وبقي كافة الخلق مخالفين أو انقسموا انقساما متكافئا لا يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت الإمامة. 88
–– فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن والظواهر على المبايعة فإن المقصود الذي طلبنا له الإمامة جمع شتات الآراء في مصطدم تعارض الاهواء. ولا تتفق الإرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة رأي واحد إلا إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدته وترسخت في النفوس رهبته ومهابته. ومدار جميع ذلك على الشوكة ولا تقوم الشوكة إلا بموافقة الأكثرين من معتبري الزمان\". خصصت لهذا النص دراسة مستوفية سابقا .لذلك سأكتفي بالإشارة إلى مسألة واحدة فيه وهي مسألة ضرورة ما قد يترتب على قراءته بأخذ كل مرحلة من مراحل الاستدلال الوارد فيه لإثبات القصد بالاختيار البديل من الوصية بعزلها عن بقية المراحل في نسق متكامل يحدد مفهوم الاختيار وما يترتب عليه وما يحوج إليه. فإذا لم نقرأ نص الغزالي بوصفه نسقا لا يقبل الفصل بين عناصره فقد يفهم وكأنه مع دكتاتور ية الفرد وليس مع ما سميته الديموقراطية ال كونية التي لا بد فيها من الشرعية والشوكة والقيم ال كونية. 89
–– في مقابل الرؤ ية القائلة بالوصية بحجة استحالة تطبيق الحل اليوناني لعسر الحلول الثلاثة أي الواحد وال كثير والقليل مع أضافة استحالة تحديد القليل المتوسط بين الواحد والكل لأنه لا متناهي إلا بصورة تحكمية. جوابه يرفض الوصاية ويثبت الاختيار ويدحض الاعتراض على الحل اليوناني الذي يقدم بديلا منه شديد التميز .فالواحد يكفي إذا كان مطاعا ل كن دليل كونه مطاعا هو حصوله إلى الأغلبية. وإذا كان الواحد لا يكفي فيمكن أن يكون أكثر من واحد يكون عددهم كافيا لتحقيق ما لم يحقق الواحد .وهذا مفهوم يقرب من معنى الحزب ويختلف عن المعنى اليوناني لحكم القلة الثر ية أي الأليغارشية. هو حل يعني التعاون بين مجموعة من البشر ليست بالضرورة من الأثر ياء بل من المطاعين الحاصلين على الأغلبية لاتصافهم بالمهابة والرهبة اللتين تفيدان الشوكة الشرعية لأن المهابة ثمرة القوة الخلقية والرهبة ثمرة القوة بالمعنى السياسي والعسكري الكافيتين لتحقيق مدار الحكم كله على الشوكة الشرعية. المثال الذي ضربه يثبت هذا القصد بوضوح لأن عمر لم يكن من الأثر ياء بل كان من معتبري الزمان .ومن هنا يكون المعيار هو الانتساب إلى معتبري الزمان 90
–– بمعيار غير مقصور على الثروة بل قد يكون معتمدا على الوصفين اللذين ذكرهما الغزالي و يعتبرهما شرط الحصول على الأغلبية. وحتى يكتمل النسق فلا بد من أن تكون ثمرة ذلك تحصيل الأغلبية التي تحول دون المنازعة على الحكم والشرط أن يكون الجامع لشروط الحكم قادرا على تحقيق ما يمكن من الشرط الأساسي في الشوكة أن \"تتفق الإرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة رأي واحد إلا إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدته وترسخت في النفوس رهبته ومهابة. فيكون الحكم شرطه الموجب هو تحقيق العيش المشترك السلمي وشرطه السالب هو الحيلولة دون الحرب الأهلية التي قد تنجر عن التكافؤ في القوة بين الحاكم والمعارض لحكمه: \" فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن والظواهر على المبايعة فإن المقصود الذي طلبنا له الإمامة جمع شتات الآراء في مصطدم تعارض الأهواء\". فمن لا يفهم أن الغزالي قد وصف بصورة شديدة الطرافة الحل الديموقراطي وصفا يقر فيه الحاجة إلى الشوكة بصورة تثبت أن الجمع بينها وبين الشرعية يجعل 91
–– الثورة في الفلسفة السياسية متأصلة في فكر علماء المدرسة النقدية .وهي مستمدة من القرآن جمعا بين: ما يرد إلى الوازع الذاتي عند المؤمنين ذوي النظام السياسي القائل بالاختيار بديلا من الوصاية السياسية على الابدان والوساطة التربو ية على الأرواح في الأنظمة التي كانت مسيطرة في مستعمرات فارس وبيزنطة. والحاجة إلى الوازع الخارجي لعدم كفاية الوازع الذاتي وحده .فتوحيد الجماعة ناهيك عن توحيد الإنسان يقتضي في آن الاعتراف بتعدد الآراء مع عدم ضمان عمل الوازع الذاتي عند الجميع وهو العلة الوحيدة في القرآن للجمع بين المساواة بين البشر وحصر التفاضل بينهم بالتقوى عند الل ِّه. 92
–– تونس في :2022.04.30 وسأبدأ هذا الفصل بملاحظتين أولاهما أخصصها للغزالي الذي تكلمت على دوره في الفصل الثامن .والثانية أخصصها لعلاقتي به وكيف صار منطلق جل محاولاتي الفكر ية في الفلسفة النظر ية وفي الفلسفة العملية. فهو عندي أفضل من يمكن من فهم حقيقة الثورة التي حدثت في الحضارة الإسلامية من خلال نقد الميتافيز يقا لتأسيس فلسفة النظر التي تقطع مع ما كان سائدا في تلقي الفلسفة النظر ية بشكلها السينوي ونقد الفلسفة العملية بشكلها الباطني .فكان بذلك مؤذنا بفجر مدرسة النقد الإسلامية التي أسسها بكتابيه اللذين أهمل دورهما بسبب جمود الفلسفة وتوظيفها الإيديولوجي بعده: الأول هو تهافت الفلاسفة الذي قطع مع فلسفة النظر والابستمولوجيا القائلة بالمطابقة والإحاطة من منطلق التمييز بين العلمي ونموذجه المنطقي والر ياضي والميتافيز يقي الذي لا يتجاوز التعبير عن خيارات عقدية تعرض رؤ ية للوجود والعالم ليس لها ما للعلم من شروط المعرفة ذات البناء القابل للتصديق والتكذيب العقليين حتى يكون علميا يمكن أن يحصل على اجماع العقلاء وقادرا على تحمل امتحان التجربة العلمية. 93
–– والثاني هو فضائح الباطنية الذي أعاد النظر في فلسفة العمل والأكسيولوجيا من منطلق تمييز القيمي ونموذجه السياسي بالاختيار قبالة السياسي الذي يكون نموذجه الوصية التي تعبر عن خيارات عقدية ليس لها ما للديني من شروط العمل ذي بالبناء المطابق لما جهز له الإنسان من قدرات تجعله حرا وكريما أي غنيا عن الوسيط بينه وبين ربه في أدراك منزلته ودوره وعن الوصي بينه وبين أمره ليكون حاكم نفسه. وما يعنينا في هذه المحاولة هو هذا الوجه الثاني أعني النقلة من السياسة التي لا يكون فيها الإنسان حاكم نفسه غنيا عن الوسيط والوصي إلى السياسة التي تحقق له حريته وكرامته بجعله مشاركا في اختيار من يحكمه نيابة عن إرادة الأمة بتكليف منها سواء كانت جماعة جزئية أو كل الإنسانية .وتلك هي ال كونية الإنسانية التي يكون بهذا المعنى حكمها جمهور يا الطبيعة ديموقراطي الأسلوب وهو المعنى العميق للآية الثامنة والثلاثين من الشورى. وقد بينت أن طبيعة الحكم جمهور ية لأن كلمة أمرهم لو ترجمناها إلى اللاتينية وعوضنا الضمير هم بما يحيل عليه أي الجماعة المستجيبة لربها لكان ذلك يفيد بكامل الدمة معنى راس بوبليكا .كما بينت أن أسلوب الحكم ديموقراطي لأن كلمة شورى بينهم بنفس إحالة الضمير هو لو ترجمناها إلى اليونانية لكان ديموقراطيا. فإذا أضفنا أن الغاية هي ما تنتهي به الآية أي ومما رزقناها ينفقون تعني في القرآن أن الرزق الذي يحصله الإنسان من الاستعمار في الأرض يعود في الحقيقة إلى الخالق وأن لهذا الرزق مجالات انفاق هي التي يحددها القرآن في الآية مائة وسبعة وسبعين من 94
–– البقرة .ولا شيء في حكم الإنسان لنفسه من حيث هو إنسان كونيا باعتباره حرا مسؤولا وكريما عزيزا من دون هذه الشروط التي حددتها الآية خاصة إذا لم نحرف امرين: الأول ألا نعوض المبدأ الاستجابة إلى الرب بما يفيد حصر الرب في أحد الأديان إذ لو قصد الل ِّه ذلك لاستعمل الل ِّه وليس الرب الذي هو الل ِّه بالنسبة المسلمين ل كن غير المسلم يمكن أن يفصل بينهما ولذلك تعدد الآلة ولا يمكن أن يتعدد الرب .والقرآن يعتبر تعدد ه الآلهة هو علة الخلاف بين الأديان وهو امر الحسم فيه مرجأ إلى يوم الدين. وذلك شرط التسابق في الخيرات وتبين الرشد من الغي شرطا في حر ية الإيمان الذي ينقل من الفصل بين المعنيين إلى التوحيد بينهما عند الوصل إلى الوحدانية خلال تبين الرشد من الغي. الثاني الا نعتبر الحكم جزءا من العقيدة من حيث كونه فن الأدوات والطرق التي يوصل إليها الاجتهاد لعلاج المصلحة الاجتماعية بلغة ابن خلدون أي الرعاية والحماية أو بلغة سورة قريش الاستعار ية لاهم ما يرمز إلى الرعاية وما يرمز إلى الحماية سلبيا أي الجوع والخوف .فالرعاية تشمل كل ما يحفظ كيان الإنسان العضوي وهو ثمرة الاستعمار في الأرض والحماية تشمل كل ما يحفظ كيان الإنسان الروحي وهو ثمرة الاستخلاف فيها. وسأقدم الكلام على علاقتي به على كلامي عليه في ما قد يظن سيرة ذاتية ل كنه في الحقيقة سيرة جيل كامل ممن عاصر ما حوربت به محاولات الاستئناف في الحضارة 95
–– العربية الإسلامية الحالية .ومعنى ذلك أني وإن بدوت متكلما على ذاتي فإني في الحقيقة أصف ما كان مسيطرا على محاولات تحرير الأكاديمي العربي من التبعية الناتجة عن عدم التمييز بين شروط الاستئناف الواثق أصحابه من دور حضارته في التاريخ الإنساني قبالة الاكتفاء بتصور التحديث القشري كافيا لاستعادة دورها المستقل. ففي ما يخص علاقتي بالغزالي وجه الغرابة فيها أنها بدأت بما لا يكاد يصدقه من يعلم موقفي من ابن رشد منذ بداية درسي للفلسفة الذي مكنني من التمييز بين الشعارات الحداثو ية عند النخب العربية وشروط التحديث المستقل .فقد بدأت علاقتي بالغزالي عن طر يق ابن رشد لما كلفني المرحوم الغنوشي-استاذنا في الفلسفة الإسلامية بالجامعة- بإعداد عرض حول كتابه مناهج الأدلة في عقائد الملة. ففيه تأكدت أن ما كان يعاني منه فكرنا الماضي من انبهار بالفلسفة وعلم الكلام القديمين له شبهكبير بما كنت لا أطيفه مما أعايشه من نفس الانبهار بالفلسفة والكلام الحديثين: كل ما في الأمر أن هيجل وماركس عوضا أفلاطون وارسطو. فقد كان انقسام النخبة إلى اليعقوبية والماركسية بدعوى الفكر النهائي والحديث لا يختلف في شيء عما نقده الغزالي من الباطنية في شكليها الفلسفي والكلامي لأن الماركسية عوضت ما يزعمونها فلسفة وإن بالسلب التاريخي واليعقوبية عوضت ما يزعمونه كلاما وإن بالسلب العلماني .وذلك ما مثل الدافع العميق إلى دراسة الغزالي والتخلي عن 96
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152