Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore المعركة الحاسمة مع سلطان الاخطبوط الشيطاني – أبو يعرب المرزوقي

المعركة الحاسمة مع سلطان الاخطبوط الشيطاني – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-06-22 16:33:00

Description: لما كتبت سنة 2007 مقالة في دور إسرائيل في حكم العرب ومعارضتهم، كان هدفي بيان مدى سلطانها على النخب السياسية العربية. ولم أطرح أهم سؤالين.
فتغلغل نفوذ إسرائيل في النخب الحاكمة والمعارضة ومن يتبعهما من بقية النخب الفكرية والاقتصادية والفنية والرؤيوية، ليس صدفة. ولا بد من تعليله.
وفي علاقة من هذا الجنس، لا بد من طلب العلة إما في أحد حدي العلاقة أو فيهما معا. وغالبا ما يكون سهم كل منهما متعلقا بقدر الفاعلية والانفعالية.

Search

Read the Text Version

‫لما كتبت سنة ‪ 2007‬مقالة في دور إسرائيل في حكم العرب ومعارضتهم‪ ،‬كان هدفي بيان مدى‬ ‫سلطانها على النخب السياسية العربية‪ .‬ولم أطرح أهم سؤالين‪.‬‬‫فتغلغل نفوذ إسرائيل في النخب الحاكمة والمعارضة ومن يتبعهما من بقية النخب الفكرية‬ ‫والاقتصادية والفنية والرؤيوية‪ ،‬ليس صدفة‪ .‬ولا بد من تعليله‪.‬‬‫وفي علاقة من هذا الجنس‪ ،‬لا بد من طلب العلة إما في أحد حدي العلاقة أو فيهما معا‪.‬‬ ‫وغالبا ما يكون سهم كل منهما متعلقا بقدر الفاعلية والانفعالية‪.‬‬ ‫فيكون مجال السؤالين هو‪:‬‬‫ما سر قوة إسرائيل‪-‬وهي دويلة صغيرة من المفروض ألا تكون ذات سلطان دولي‪-‬حتى‬ ‫تكون سيدة من يسودون على النخب العربية؟‬‫وما سر ضعف العرب بحيث صارت كل نخبهم الحاكمة والمعارضة تدين ببقائها في الحكم‬ ‫والمعارضة‪ ،‬بفضل توسط إسرائيل لدى حماتهم ومما يحتمون؟‬ ‫سؤالان‪.‬‬‫والسؤالان ليسا يسيرين‪ ،‬ذلك أنهما يفترضان سؤالين آخرين متقدمين عليهما‪ ،‬وشرطي‬ ‫إمكان حصولهما‪:‬‬ ‫‪ -‬أولا ما طبيعة سلطان إسرائيل على النخب الغربية؟‬‫‪ -‬وثانيا‪ ،‬ما سر حاجة النخب العربية للحماية والوساطة الإسرائيلية‪ ،‬وأحيانا التدخل‬ ‫عسكريا بالتهديد أو بالفعل‪ ،‬كما حدث في علاقة سوريا بالأردن سابقا؟‬‫والسؤالان الأولان يمكن أن يقتصرا على بحث العلاقة إقليميا بين العرب وإسرائيل‪ .‬لكن‬‫السؤالين المؤسسين لهما‪ ،‬يتجاوزانهما لدور إسرائيل في الغرب‪ .‬وما كان يفصل بين‬ ‫‪51‬‬

‫المستويين‪ ،‬هو الحصانة الدينية التي ظلت مانعة دون نفوذ إسرائيل في المسلمين بمثل ما لها‬ ‫في الغرب منذ الإصلاح الديني المسيحي‪.‬‬‫وقد يتوهم أعداء الديموقراطية أن السر في سلطان إسرائيل‪ ،‬هو تشتت سلطة القرار‬ ‫الناتج عنها‪ .‬وأن الأنظمة الاستبدادية أكثر قدرة على منع التغلغل‪.‬‬‫فينسب الكثير من ذوي الفكر التبسيطي افكار التحرر حتى في الثورة الفرنسية إلى تأثير‬ ‫يهودي وماسوني‪ .‬لكان الأنظمة المستبدة متحررة من هذا النفوذ‪.‬‬‫وبدلا من البحث في سر النفوذ‪ ،‬يكتفون بنسبة آثاره لمؤامرة ماسونية خفية في حين أن ما‬ ‫يجري له علل بينة تراها العينة المجردة وأسئلتنا تتعلق بها‪.‬‬‫ولكلامنا عليها صلة مباشرة بما بين الأحداث الجارية حاليا في بلاد العرب‪ ،‬وبحثنا في‬ ‫التراث‪ ،‬وما أدت إليه العلوم الزائفة من نزع أسلحتهم كلها‪.‬‬‫فالعلوم الزائفة اغتذاء بما لا يسمن ولا يغني من جوع‪ .‬فتفقد فاعلية التراث ليتراكم‬ ‫لغو الكلام فلا تبدع شروط الاستعمار في الأرض‪ :‬تصبح أمة عزلاء‪.‬‬‫فالعلوم الزائفة والأعمال العابثة‪ ،‬لا تحقق السلطان على الطبائع ولا على الشرائع‪ .‬إنها‬ ‫سلطان إيديولوجي على الأذهان‪ ،‬مشفوع بالعجز في علاج الأعيان‪.‬‬‫وفي النهاية‪ ،‬يصبح التراث جله وقد يكون كله مقصورا على فاعلية الرمز التنويمي‬ ‫(وظيفة ما يسمى علماء) في خدمة الاستبداد والفساد للهيمنة على العباد‪.‬‬‫لكأني بدأت أجيب عن السؤال الثاني قبل الأول‪ :‬سؤال السر في حاجة النخب العربية‬ ‫للحماية والرعاية من المستعمر والحاجة إلى الوساطة الاسرائيلية‪.‬‬‫وذلك فعلا ما أردته‪ :‬فهذه الإشكالية أيسر من الأولى‪ .‬ثم هي فاقعة لصلتها المباشرة بما‬ ‫يحدث حاليا في الخليج‪ :‬انقلاب السعودية والحرب على قطر‪.‬‬‫فواضح أن دور اسرائيل مضاعف‪ :‬اجتمعت حاجة ترامب لحماية لوبياتها ضد عزل‬ ‫محتمل‪ ،‬وحاجة صبيان الخليج للسلطة جعلت أمريكا تغامر على ما لا تقدر عواقبه‪.‬‬‫واجتماع الحاجتين يبين طبيعة السلطان الخفي الذي تستفيد منه إسرائيل‪ ،‬وإن لم تفعل‬ ‫شيئا لمجرد توهم أنها \"على كل شيء قديرة\" بشبه تأليه لقدرتها‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫كل حكام العرب وحتى معارضيهم‪ ،‬هم في وضعية ترامب أو أكثر‪ :‬ليس لهم شروط‬ ‫الشرعية التي تجعلهم ذوي قيام ذاتي مستغن عن حماية مستعمر ووساطة مافيا‪.‬‬‫وعندنا دليل مضاد‪ :‬فعندما أراد أصحاب السلطان الخفي لي ذراع الجنرال ديجول‪ ،‬كلنا‬ ‫يعلم ماذا فعل وكيف استطاع أن يغير سياسة فرنسا تغييرا جذريا‪.‬‬‫فلو لم يكن رجل دولة بحق وذا شرعية‪ ،‬لما استطاع أن يقاوم النفوذ الصهيوني في فرنسا‪.‬‬ ‫والجميع يعلم أن جل أحزابها مخترقة بهذا النفوذ السرطاني‪.‬‬‫أرفض التفسير السطحي بالمؤامرة ‪-‬رغم أنها تسمية مناسبة للحصيلة التي تخفي‬ ‫فواعلها‪ -‬لذلك فسأطلب التعليل العقلي العميق في حالتي الاقليم والعالم‪.‬‬‫والتفسير ينبغي أن يكون كليا فلا يميز بين الحالتين‪ ،‬وإلا فهو ليس تفسيرا علميا‪ :‬وهو‬ ‫يعتمد على خمسة أسس‪ ،‬أصلها كلها الاساس الانثروبولوجي العام‪.‬‬‫فكل سلطان على الإنسان إذا لم يكن صادرا منه على ذاته‪ ،‬يكون‪ ،‬بالسلطان على ما فيه‪،‬‬ ‫قادرا على السلطان على ذاته‪ :‬أي ضعف الإنسان بما هو إنسان‪.‬‬‫فالإنسان يصدر منه العدوان أو يخضع للعدوان بنفس التعليل‪ :‬ضعفه‪ .‬الفرق بين‬ ‫الحالتين هو الوعي بالضعف الدافع لاستباقه بالعدوان أو إلى الاستسلام إليه‪.‬‬‫ولهذه العلة‪ ،‬يرد كل سلطان لإنسان على إنسان إلى العلم بنقاط ضعفه‪ ،‬واستغلالها‬ ‫للسيطرة على إرادته‪ .‬وكل الأقليات المسيطرة تسيطر بأسلحة ترد إليه‪.‬‬‫فوعي البشر بهشاشة وجودهم يعلل جل أنشطتهم العدوانية‪ :‬التنافس على الأحياز‬ ‫الخمسة يرد إلى هذا الوعي‪ :‬المكان والثروة والزمان والتراث والمرجعية‪.‬‬‫والمعلوم أن اساس ظاهرة الاقتصاد هو الندرة‪ ،‬ليس بالضرورة الفعلية‪ ،‬بل الوهمية أي‬ ‫المتوقعة‪ .‬وهي سر الادخار والسعي المرضي للزيادة في الثروة‪.‬‬‫وكلما كانت الثروة أيسر استعمالا في الهنا والآن‪ ،‬كانت أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا‪ .‬وتلك‬ ‫هي العلة في أن السلطان الاقتصادي الأفعل هو سلطان العملة‪.‬‬‫ولهذا سميت العملة برمز الفعل‪ ،‬أي إنها رمز القوة الاقتصادية التي بها يمكن التحكم‬ ‫في الاقتصاد كله ومن ثم في الناس بالتحكم في حاجاتهم الأولية‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫لكن للبشر حاجات أسمى من الأولية‪ .‬وهنا ايضا يوجد سلطان على المخيال أو سلطان‬ ‫فعل الرمز‪ ،‬أي الفنون والآداب وكل ما له علاقة بالحاجات الروحية‪.‬‬‫ويتوسط بين النوعين من الحاجات الأولية (حاجات البدن) والحاجات السامية (حاجات‬ ‫الروح) حاجات تجمع بين الوجهين لأنها بدنية وروحية في آن‪ :‬الجنس‪.‬‬‫وهذه هي الأسلحة الثلاثة الأساسية لكل سلطان على الإنسان‪ ،‬لكنها تحتاج إلى رمز الرمز‬ ‫أو ما يوحي بملكيتها وما يوحي بالسلطان على مالكيها‪.‬‬‫والأول هو مظاهر الثروة‪ .‬والثاني هو مظاهر السلطة السياسية والقوة الفعلية للتحكم‬ ‫إما بالطرق ذات المظهر الشرعي‪ ،‬أو بالطرق عديمته‪ .‬أي بالعنف‪.‬‬ ‫فيكون المسيطر على العالم هو المسيطر على‪:‬‬ ‫‪ -‬حاجات البدن‬ ‫‪ -‬وحاجات الروح‬ ‫‪ -‬وحاجات الجنس‬ ‫‪ -‬ومظاهر الثروة‬ ‫‪ -‬ومظاهر السلطة الأعلى أو الحكم‪ ،‬شرعيا كان أم لا‪.‬‬‫وتنظيم الحياة الجماعية هذا هو الذي سميته بعبادة العجل‪ .‬ومعنى ذلك أن الإنسانية‬ ‫يحكم بوصفه كائنا دينيويا بطابع الشرعية الخلقية والدينية‪.‬‬‫والعجل ابن البقرة والتحرر منه بذبحها‪ .‬فهي ترضع العجل وعبادته‪ :‬إنه نظام مافياوي‬ ‫يحكم الإنسان‪ ،‬مجرد كائن دنيوي‪ ،‬بشرعية دينية‪ ،‬وسياسية زائفة‪.‬‬‫تلكؤ بني إسرائيل في ذبح البقرة سره دين عبادة العجل واستعباد الإنسان بالسيطرة‬ ‫على حاجات بدنه وروحه وجنسه فعليا برمز الفعل ومخياليا بفعل الرمز‪.‬‬‫والعملة أفعل سلطان اقتصادي هي رمز الفعل‪ ،‬والكلمة أفعل سلطان ثقافي هي فعل‬ ‫الرمز‪.‬‬ ‫والأول مؤسسته البنك‪ ،‬والثاني مؤسسته الأفعل‪ ،‬الابداع المخيالي‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫لكن هذين السلطانين الفعلي والمخيالي‪ ،‬ليسا مباشرين فحسب‪ .‬بل هما غير مباشرين‬ ‫باستعمال الضعف الحاجي في الابتزاز المافياوي المخابراتي والسياسي‪.‬‬‫وما يساعد هذا الاستعمال نفسي‪ .‬وهو من علامات ضعف الإنسان‪ :‬الطمع والخوف‪.‬‬ ‫والسلطة التي تتصرف في ذلك كله إذا نتجت عنهما‪ ،‬تكون عديمة القوة الذاتية‪.‬‬‫لذلك فكلما كان صاحب السلطة السياسية عديم الشرعية‪ ،‬كان أضعف امام الابتزاز‬ ‫وبحاجة إلى الاحتماء بقوة يطمع فيها أو يخافها‪ .‬وتلك هي قوة إسرائيل‪.‬‬ ‫سيقال ما كل هذا التقعيد لشرح ما هو بين للعيان؟‬‫المشكل أننا نحن العرب ما زلنا نفكر بعقلية الخيمة أو السكن المباشر بالأسس حتى لو سكنا‬ ‫الناطحات‪.‬‬‫نرفض أن نفهم أن الناطحات تحتاج إلى الرياضيات العالية‪ ،‬وإلى علوم عديدة‪ .‬وأنها‬ ‫ليست سكنا مثل الخيام‪ ،‬يكفيها وتد وجلد وحبال‪ .‬سلطان اسرائيل معقد جدا‪.‬‬ ‫اعقد من الناطحات في استعارة المعمار‪.‬‬‫هم يبنون سلطانهم على نظرية الإنسان وحاجاته وفنون السيطرة عليه بتوسط السيطرة‬ ‫على بدنه وروحه وجنسه‪.‬‬‫سر هذه الأصناف من السلطان على الإنسان‪ ،‬هو السلطان الاقتصادي والثقافي في العالم‬ ‫المسيطر على العالم‪ :‬وبين آخر تجل لسلطان بني إسرائيل‪ ،‬أمريكا‪.‬‬‫لكنهم قبل ذلك‪ ،‬سيطروا على امبراطوريات كل العصور بنفس الأدوات ونكبوا كذلك‬ ‫لنفس الأسباب‪ :‬مع الفراعنة ومع البابليين ومع الروس ومع الألمان‪.‬‬‫الامبراطورية الوحيدة التي حاولت ونجحت إلى حد بعيد فصمدت أمام هذا الاخطبوط‬ ‫الخطير أولا لأن الإسلام شخصه وثانيا لأنه قدم البديل المحرر منه‪.‬‬‫لكننا نلاحظ ‪-‬لسوء الحظ‪-‬أن العلمان من النخب العربية بدأوا يتساقطون في مستنقعه‪.‬‬ ‫وتلك هي المعركة الكونية التي تقصها سورة الإسراء‪ ،‬ولا مزيد‪.‬‬ ‫‪55‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook