أبو يعرب المرزوقي حقيقة الاسلامأو العبادات غير المباشرة شرط المباشرة الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 12 - -الفصل الرابع 17 - -الفصل الخامس 22 -
--إذا تجاوزنا الكلام في الشاهد من الوجود ليس عندي فرق بين شحرور والرادين عليهوخاصة ممن يذهبون إلى حد تكفيره .فكلاهما يقلب ما يطلب القرآن اتباعه من منهجلتبين حقيقته إيجابا في فصلت 53وسلبا في آل عمران .7ولهذه العلة لم أطل في الكلام على تخريفاته التأويلية لأن الرد عليها من جنسها.والمشترك بين شحرور والرادين عليه في ما يتجاوز ما يتعلق من خطاب القرآن بعالم الشهادة أمران: .1نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة فلسفيا في ما أمرت به فصلت .53 .2ثم نفي الغيب في كل محاولات الكلام في ما نهت عنه آل عمران.7ومن ثم فكلاهما من جنس واحد يحاولان المستحيل فلسفيا ودينيا.وهما إذن متكلمان أي يتصورون علم الكلام أمرا ممكنا ومفيدا .وعندي أنه غير ممكن فيالجليل منه وغير مفيد في الدقيق منه .فلا جليله علم بالله وصفاته ولا دقيقه علم بالطبيعةوالتاريخ .ومن ثم فهو لغو كلام نهى عنه القرآن في آل عمران 7وقدم البديل في فصلت .53علوم الملة حرفت لعكسها إياهما.ولما كان الله لا يؤاخذ الإنسان بلغو كلامه فإني اعتبرهما مثل الادباء والفنانين يمثلونحديث النفس الذي رفع عنه القلم ولا يعتد به في موازين الإنسان لأن الله لا يحاسب الناسإلا في حدود المهمة التي كلفهم بها وهي تعمير الارض والاستخلاف .وعملهم لا يفيد وقد يضر أحيانا إذا كان بقصد.فتعمير الأرض يكون بما أمرت به فصلت 53أعني رؤية آيات الله في الآفاق والأنفس لتبين حقيقة القرآن التي تتعلق بتذكير الإنسان بمهمتيه اللتين يحاسب عليهما: .1تعمير الارض بالعلم بقوانين الآفاق الطبيعية وبسنن الآفاق التاريخية في الاعيان وفي الأذهان(الانفس) .2ثم تحقيق ذلك بقيم الاستخلافأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- وقيم الاستخلاف مناظرة لمقومات الإنسان التي جهز بها ليكون قادرا عليها أي: .1حرية الإرادة .2وحقيقة العلم .3وخير القدرة .4وجمال الحياة .5وجليل الوجود.وعكسها العبودية والباطل والشر والقبح والذل .وهذه السوالب تحصل لمن لا يعمل بفصلت 53وبآل عمران .7سيعاب علي الجزم بأنه لا فرق بين شحرور والرادين عليه وخاصة مكفريه وتعليل جزميبهذا التحريف المتعلق بترك عالم الشهادة والكلام في الغيب الذي هو دائما من جنسالرجم .ولكن إذا كان القائم به من العلماء الذين يتصورون أنفسهم راسخين فهم حقا كما تصفهم آل عمران .7أما من هو دونهم مثل كل الدعاة وخاصة المحدثين منهم فكلامهم كما وصفت يعتبر مناللغو الذي لا يعد من العمل التابع للمهمتين وهو عديم الاثر في فهم الإسلام والقرآن ومنثم فلا يختلف عن ثرثرة المثرثرين في فروع الشريعة التي ما وضعت إلا لملء فراغ المثرثرين والدجالين.فكل الجزئيات المتعلقة بالشعائر ليست من الدين في شيء لأن أهم شيء فيه هو صدقالنية والإيمان الصادق أما أن يحدد الفقهاء جزئيات معينة بمعنى تقليد القدامى فهو إذابولغ فيه ولم يعامل بمقتضى القصد والنية يكون من النوافل التي لا معنى لها في أهم شيء في العبادة وهي عين البصير بالسرائر.وقد أزعم أن المبالغات في هذه الشكليات هو الذي ينفر الكثير من الشباب في العباداتويزهدهم في خطاب الشيوخ الذين قد يعتبرون صلاة المرء باطلة لأنه توضأ بغير الترتيبأبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--المعتاد إما سهوا أو عادة .فالصلاة لقاء مع الله ولا هذا اللقاء مشروطا بالجزئيات بل النظافة المادية والروحية لا غير.ولا جدال في أن بعض الشروط التي يضعها من لا يفهم جوهر العبادة هي من العاداتوليست من العبادات حتى وإن كان بعضها فيه تعبير عن محبة الرسول واقتداء بأساليبعيشه مثل اللحية والهندام إلخ ..مما لا علاقة له بجوهر العبادة التي تسبيح باسم الله وتقديس له شرطه الصدق والنية.وما لم نرب أبناءنا بإفهامهم هذا الفرق سيبقى المسلمون كما نراهم الآن يكثرون منالقشور لا يعتنون باللب .والدليل أن الغش والكذب والنفاق والتظاهر في العبادات كلهيدل على عكس ما لأجله كانت العبادات من أدوات التربية الروحية فإذا لم تكن دالة عليها في الكفر بعينه مثل صلوات الحكام.وبالمناسبة ودون أن يكون ما سأقوله تأييدا لأصحاب الحملة على الابواق في المساجد فإنهذه من أفسد العادات .فالعبادة إذا لم يصحبها الهدوء وحتى الصمت تكون هرجا وليستعبادة .والإسلام نفسه يفرض ذلك لأن صلاح الجماعة شرطه صمت الجميع والاستماع إلى القرآن في صلوات الجهر.كما أن كثرة النوافل إذ لم تكن لمن تجاوز سن العمل ليست من الدين في شيء بل هيمنافية لشروط تحقيق المهمتين اللتين كلف بهما الإنسان واللتين يحاسب عليهما أعني العبادةغير المباشرة الشارطة لصدق العبادة المباشرة :العمل المنتج ماديا ورمزيا شرطي كل القيم التي أسلفت ذكرها.وهذا المفهوم -العبادات غير المباشرة -وضعته حتى أدرس هذه العلاقة بين العباداتبالمعنى المعتاد وقد وصفتها بالمباشرة وشروطها التي تجعله خالصة لوجه الله :فمن دونالعمل الذي هو فرض عين لسد حاجات الإنسان المادية والروحية لن يخلو ذهنه في العبادات المباشرة في توجهه إلى الله.أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--وحتى أبين هذه العلاقة وضعت التمييز بين نوعين من الفقر :الفقر الوجودي والفقرالمادي الذي هو المعنى المعتاد من الفقر .فالفقر الوجودي لا يدركه من لا يدرك الفرق بينالعبادتين .فما سميته العبادة غير المباشرة هي التي تحرر الإنسان من الفقر المادي ليشعر بالفقر الوجودي على كل إيمان صادق.وللشعور بالفقر الوجودي فائدتان :الأولى التوجه إلى الغني المطلق أو الله والثانية هيالارتفاع بالذات إلى أهلية الاستخلاف ومن ثم اختار حرية الإرادة وحقيقة العلم وخيرالقدرة وجمال الحياة وجلال الوجود وعدم القبول بالعبودية لغير الله وبالباطل وبالشر وبالقبح والذل .والأمة ليست كذلك.والعلة قلب الترتيب الذي وضعه جل وعلا في البقرة 177عندما عرف البر غاية التقوى:عرفها بالسلب فنفى تقديم العبادات على رمزا إليها بالتوجه نحو القبلة ثم عدد الرتبفذكر عناصر العقيدة ثم البعد الاجتماعي من الانفاق ثم العبادات رمزا بالصلاة والزكاةثم شرط العلاقات البشرية وهذا الشرط -الوفاء بالعهد-يشمل العلاقة في الجماعةالواحدة وبين الجماعات في المعمورة كلها ثم الصبر عامة والصبر في الجهاد ويعتبر هذاالتحديد دليل الاتصاف بالصدق والتقوى .هذا هو الإيمان وتلك هي رتب ما فرضه الله على الإنسان .ولست أدري ما الذي قلب كل ذلك راسا على عقب.ولا علاقة لهذا الكلام بما هو من المنكرات التي تصنف الإسلام إلى معتدل ومتطرففأمريكا لا يهمها أن يغرق المسلمون في قشور العبادات والدليل أنها أكثر الناس تشجيهاللتصوف الفرقي وتصوف وحدة الوجود كما نرى دجاليه ممن يوهمون بأن دافعهم السلام لكأن المسلمين لهم القدرة على تعكيره.فلو كان الدافع هو السلام لكانت هذه الدعوات أولى بأن توجه إلى الامريكيين الذينيحتلون العالم كله بالسلاح المدمر وبماخرات البحار في كل الاقانيس والمحيطات .وحتىالجهاديين بغير بصيرة فهي التي تجندهم ومن ثم فإذا كان يوجد تطرف في الإسلام فهما هذان وهما مفروضان عليه وليسا منه.أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--ما أتكلم فيه لا علاقة له إذن فحملة المنافقين ممن يخفون حربهم على الإسلام بدعوىالوسطية والليبرالية والعلمانية وهم في الحقيقة نفس الطغاة والمستبدين والفاسدين لميعد الإسلام الذي ثار أهله يغطي على بشائعهم فأرادوا أن يحاربوا الافاضل باسم الأراذل باسم الليبرالية والعلمانية.فالبقرة 177لم تكتف بالتعريف السلبي للبر بما ذكرته بل عرفته إيجابا كذلك بما ذكرتولا أحد يمكن أن يعرف المنازل في الواجبات الدينية أفضل من كلام الله .فأن يرد الأنفاقبالمعنى الاجتماعي في الوجوه المذكورة مباشرة بعد العقيدة ليس بالأمر الهين وينبغي أن نلتزم بذلك إذا كنا صادقين.ولو التزمنا به لزال الفقر المادي ولأصبح المسلم واعيا بالفقر الوجودي فكان بذلك كماوصفت مؤمنا صادقا يطلب التحرر من الأخلاد إلى الأرض فلا يقبل العبودية والباطلوالشر والقبح والذل كحال غالبية المسلمين حاليا بسب الحكام ونخبهم الذين يأكلون الأخضر واليابس ويبقون شعوبهم غرقى في الفاني.وما الحرب على الإسلام السياسي -الذي هو ليس الاخوان-إلا لأنهم بدأوا يدركون هذهالمنازل فتوجهوا إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي حتى يحققوا شروط الحرية والكرامةشعاري ثورة الشباب بجنسيه -ولا بد من تثمين دور المرأة فيها فهن المتظاهرات إلى الآن في مصر-تلك هي على الحرب عليهم.والتطرف نوعان وكلاهما صناعة مخابراتية :التطرف الذي يسمونه إرهابا والتطرفالصوفي وهو أكثر إرهابا من الاول لأنه يؤدي إلى العبودية لمن يسيطرون على العالم بمجردكونه يريد من ألأمه أن تصبح مثل الهنود الحمر تكتفي بالرقص وتدخين الكالومي أو مخدرات الباطنية.أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--لم أقدم على هذه المحاولة لأن شحرور يعنيني هو أو من يرد عليه ،بل لأن الامر يتعلقبما طرأ على التربية والحكم في الأمة من فساد جعل مثل شحرور والرادين عليه بما وصفتانطلاقا من نسيان مهمتي الإنسان اللتين جاء القرآن للتذكير بهما بوصفها الاختبار الذي يمر به الإنسان في شكل رهان عليه من خالقه.وما من أحد قرأ القرآن ببصيرته لا يعلم أن الأمر كله في وجود الإنسان الارضي حددهالقرآن بوصفه شبه رد على الملائكة أولا وعلى الشيطان ثانيا ويتعلق في الحالتين بأهليةالإنسان للاستخلاف .وقد فشل آدم وحواء في الاختبار الاول ويبدو أن التحريف كله يرد إلى ما يجعله يفشل في الفرصة الثانية.وكل العرض النقدي للرسالات التي حرفت من أصحابها تتعلق بفشل الإنسان في الفرصةالثانية أعني في المهمتين اللتين هما موضوع اختبار الاهلية للاستخلاف بمعنى تكذيب ماحكمت به الملائكة وما نظر إبليس من أجل اختبار الفرصة الثانية .وكل ذلك تصوير رمزي لطبيعة الإنسان ومهمته الوجودية.ما يدهشني فلا أجد له تفسيرا هو أن تربيتنا وحكمنا فسدا إلى حد يمكن معه القول إنالمسلمين حرفوا الإسلام مثل الأمم السالفة التي قصها القرآن لأن كل ما حصل هو إعادةالوساطة التي تربي ليس بالعنف المعنوي أو المادي بل بحصر الحفز في الجنة والوزع في النار لكأن الأطفال هم بالجوهر المجرمون.فصار الاستثناء هو القاعدة واعتبر الامر كله متعلقا بالعبادات لكأنهم ما قرأوا البقرة 177ابدا وأصبحت علل الخلقية وغايتها المتعلقة بالمهمتين عديمة الوجود والدور في تكوينالشباب الذي بات يعتقد أن المطلوب منه هو الفهم العقيم للثورة الإسلامية التي تستهدف القيم الخمس موجبها وتجنب سالبها.لم يعد أحد يفهم أن الجنة والنار لا يستعملهما القرآن الكريم إلا في الحالات التييستعصي عليه تحقيق الهداية بأفضل الطرق الإقناعية وترك الحرية المطلقة الروحيةأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--والسياسية للإنسان حتى يكون لمخاطبة الله للرسول بـ\"وما ارسلناك إلى بشيرا ونذيرا\" معنى .وغيابه أصل كل فساد في التربية والحكم.ولا يمكن أن يستعمل هذا الوعد والوعيد إلا الله في خطابه بوصفهما آخر الحلول مع منأخلد إلى الارض ففقد منزلة الخليفة وصدق فيه رأي الملائكة وما لأجله نظر الشيطانليوم الدين وليس هو أداة التربية ولا أداة الحكم .أما أن تتأسس التربية والحكم بإطلاق لكأن الجميع طامعين فمناف للإسلام قطعا.ورغم أني ارفض الكلام في الغيب فإن تأويل عناصر الجنة الثلاثة وعناصر جهنم الثلاثةتفيد أمرا بينا لكل ذي عقل وبصيرة .فالجنة فيها ثلاثة أشياء :فن المائدة وفن السريرورية وجه الله .فالجزاء هو لإدراك القيم المتعلقة بشروط قيامه المادي والروحي إذا عمر الارض بقيم الاستخلاف :اثبت الأهلية.وعناصر جهنم الثلاثة هي الحرمان من فن المائدة وفن السرير ورؤية وجه الله بمعنى أنهيجازى على عدم اثبات الاهلية لأنه لم يعمر الارض ولم يحقق قيم الاستخلاف .فهو كانعبدا واتبع الباطل وكان شريرا وقبيلا وذليلا .وبدلا من الحظ على رفض ذلك أصبحت وظيفة الجنة والنار للتطميع والتخويف.ثم أصبح ما هو مقصور على الله وحده لعلمه بالسرائر أي الجزاء الموجب والسالب علىأهلية الاستخلاف وعدمها أو النجاح في الامتحان للفرصة الثانية من أدوات التربيةبالوساطة والحكم بالوصاية فأصبح الترهيب بهما في التربية والحكم وكأنه من حق غير الله لكأن الجميع مرضى القلوب وعمي البصائر.الجنة جزاء موجب والنار جزاء سالب لمن لم ينفع معهم العلاج القرآن بالتبصير والهدايةوبالمنطق يعاملون بما فقدوه دلالته في الدنيا فيجازون به إيجابا إذا تابوا وفهموا ما لأجلهجاءت الرسالة الخاتمة وبعدمه سلبا إذا لم ينفع معهم .والعبادة في الجنة وفي النار هي أثر العرفان وأثر النكران.أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--وأثر العرفان وأثر النكران كلاهما مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشرلكن الله يرمز إليهما بما يعتبره الإنسان غاية ما يعتبر من شروط السعادة دون أن يكونبالضرورة القصد هو ما نفهم من فن المائدة وفن السرير في الدنيا والدليل هو أن الغاية هي رؤية وجه الله.ورؤية وجه الله هي غاية ما يمكن أن تتعين فيه قيم الاستخلاف الإيجابية :الحرية والحقوالخير والجمال والجلال التي يستحقها من رآى فيها سعادته في الدنيا وفي الأخرة ولايستحقها من رأى سعادته في الدنيا وفي الآخرة في عكسها اي في رموزها العبودية والباطل والشر والقبح والذل.فلا شيء يمكن للعقل والوجدان الإنسانيان أن يتصورا فيه غاية الكمال الذي يرمز إليهمعنى وجه الله أن يحدساه إلا الوجه الموجب من القيم التي يؤمن بها من أثبت بتحقيقمهمتيه تعميرا واستخلافا في الفرصة الثانية أي في الوجود الدنيوي بعد أن عفا الله عن آدم وحواء وتاب عن ضياع الفرصة الأولى.وهذا الكلام هو الصوغ الرمزي القرآني لمراحل حياة الإنسان بوصفه ذا منزلة ترفعهفوق الملائكة وتعتبره مكرما له من صفات الله المطلقة نزر هو أساس قدرته على تحقيق هذهالقيم أو عكسها وحسابه عليها بقيمها :فله إرادة وله علم وله قدرة وله حياة وله وجود كلها نسبية وهي مطلقة عند الله.وكل التذكير في القرآن المصحوب بنهي الرسول في تجاوز هذه المهمة بشيرا ونذيرا دونأن يكون له على المخاطبين سلطان (لست عليهم بمسيطر-وما أرسلناك إلا بشيرا ونذيرا)لأن الهدف هو امتحان الإنسان في فرصته الثانية وليس التعامل معه وكأنه مكلفا يربيه وسيط ويحكمه وصي.ولولا فهمي للجزاء الموجب والسالب على نتيجة الاختبار في الفرصة الثانية لكفرتبالتأويلات البدائية التي تجعل الله جزارا مثل ملوك الأرض يتلذذ بالتعذيب في حين أنأبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--العذاب الأخروي مثل النعيم كلاهما من كيان الإنسان سعادة بما حصل من قيم موجبة أو من قيم سالبة إثباتا لمقوماته أو نفيا لها.فلا معنى لمقومات الإنسان الخمسة أي الإرادة والمعرفة والقدرة والحياة والوجود إذا لمتكن الاولى حرة والثانية حقيقة والثالثة خيرا والرابعة جمالا والأخيرة جلالا .فمن كانكيانه كذلك في الفرصة الثانية أثبت جدارته بالاستخلاف فوصل إلى النعيم رؤية وجه الله .والعذاب الأخروي سوالبها.فبدلا من الإنسان الحر ينتكس على عبودية الإخلاد إلى الأرض وظلام الباطل وبشاعةالشر وشناعة القبح وحقارة الذل وهي جميعا كامنة في كيانه الذي تبين عجزه عن استسناحالفرصة الثانية ويكون ذلك خالدا في جهنم ولا جهنم أشد على الإنسان بعد أن يدرك تفريطه في الفرصة الثانية اشد من هذه النار.وأريد أن اعتذر عن خروجي عن مبدأي الاساسي في كلامي على المسائل الدينية .فمبدأيألا أتكلم في الغيب وما يحدث في اليوم الآخر من الغيب .لكني اكتفيت بالوصف الوارد فيالقرآن ولم أضف شيئا من عندي وأعني أن المهمتين اللتين تحققان فن المائدة وفن السرير هما ما يتعلق بالتعمير والاستخلاف.وهما المتوفران في الجنة والمنعدمان في جهنم وفوقهما حضور القيم الخمسة موجبها في الجنةوسالبها في جهنم :فرؤية وجه الله في الاولى عند الإنسان هي رؤية حرية مطلقة وعلممطلق وخير مطلق وجمال مطلق وجلال مطلق .وعدمها هو عدم رؤيتها ولا عذاب يمكن أن يقاس بالخلود في هذا العدم.ذلك أن أنزه الله أن يكون كما يصفه من يقيس الله على ملوك الأرض فيعتبره جزارا فيالجنة ولا يتكرم إلا في الجنة .فعلاقته بمخلوقاته كلها رحمة وهو لا يتدخل في ما يفعلالإنسان بنفسه :فمن يستفيد من الفرصة الثانية بإثبات جدارته بالاستخلاف تكون صفاته الحرية والحق والخير والجمال والجلال.أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--ومن يفرط فيها رغم تذكير الله بقرآنه وتبليغ نبيه بشيرا للأول ونذيرا للثاني دونفرض يتنافى مع التكليف والامتحان تكون صفاته عبودية لا حرية وباطلا لا حقا وشرا لاخيرا وقبحا لا جملا وذلا لا جلالا ولا يوجد عذاب أشد من هذه الصفات التي يعاني منها في أخراه نابعة من ذاته وهي أحرق نار.وهذا هو المعنى الذي قصده المحاسبي في التوهم عندما اعتبر أن الله يعطي لنازلي الجنةالقدرة على خلق كل ما يتخيلونه بمعنى أن الله يمد الإنسان بكن الموجبة وقياسا عليه يمكنالقول إن الله يعطي لنازلي جهنم نفس القدرة وكل لا يبدع بها إلى جنسه أي ما يطابق اهلية الخلافة وعدمها.ولا أخفي أنى لم أطمئن لأي فهم آخر لان الحساب جزاء وعقابا هو من الغيب أو مما لاعين رات ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر لكن القرآن بين عناصر الجزاء وعناصرالعقاب وجل كل أعضاء الإنسان نطفة وهو رمز إلى أن الجزاء والعقاب من جنس الأعمال في اختبار الفرصة الثانية.وما يطمأنني حقا في هذا الفهم هو مطابقة ذلك لمفهوم رؤية وجه الله وعدم رؤيته .فوجهالله لا يمكن أن يعني وجها كوجوهنا بل هي تعني الحرية والحق والخير والحمال والجلالفي عالم لا يوجد ما هو أوسع للحرية واوضح للحقيقة وأفضل للخير وأصبح للجمال وأسمى للجلال وتلك هي الجنة.أما جهنم فهي عكس ذلك فعدم رؤية وجه الله تعني العيش في العبودية والباطل والشروالقبح والذل وتلك هي جهنم التي هي الظلام الدامس الدائم والذي من شروط الوعيبه كما في حالة الجنة أن يبعث الإنسان كيانا كاملا أعني بدنا وروحا بعد أن يكون البدن مثل الروح خالدا في ما ناله صاحبه من عمله.بهذا وبهذا دون سواه يمكن للمسلمين أن يخاطبوا البشرية شاهدين عليها بما بلغهمالرسول الخاتم من التذكير الإلهي المضاعف :فهو تبشير لمن ينجح في اختبار الاهليةأبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--للاستخلاف وتحذير لمن يفشل .ولولا هذا لكذبنا ما يقوله القرآن عن الله المستخلف وصدقنا ما قالت الملائكة وراي إبليس في أبناء آدم.ولا أخفي حقيقة ينبغي أن اعترف بها للقراء قد تكون هذه هي الليلة الأولى التي سأنامفيها هادئ البال للحل الذي هداني الله وفتح بصيرتي عليه :كنت بكل قواي أبحث عنمخرج من الصورة القاتمة التي ربينا عليها والتي مصدرا التخويف من جهنم والتطميع في الجنة .وهو منهج لا أعقم منه.فهو تبين أفشل المناهج في تحقيق الإيمان العميق وتحويله إلى نوع من التجارة بالغيب بدلامن أن يكون الغيب داعما بالإيمان ودافعا لتحقيق شروط الأهلية في الاستخلاف في الفرصةالثانية أو مرحلة الدنيا بعد الفشل في الوجود الاول في الجنة .وإن شاء الله سأبينه حقيقة الإسلام وثورته الروحية.فبهذا الحل يتبين أننا نحن بأنفسنا من يصنع منزلته في الآخرة بمجرد أن يجعل منزلته فيالدنيا مطابقة لما وصفه به القرآن الكريم من قيم موجبة وقيم سالبة هو مخير بينها وكأنهفي الفرصة الثانية (بعد إنزاله إلى الدنيا) وضع في امتحان ثان ليثبت بحرية جدارته بالمنزلة التي أعده الله لها.ولا يوجد عدل يفوق هذا العدل .فمن فرط في الفرصة الثانية يكون هو صاحب المنزلةالتي تكون له في الحياة الخالدة إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا .والشهود يوم الدين هوكل كيان الإنسان ومن ثم فالكتاب مرسوم في كيانه الذي سينطق بكل ما سجل فيه كأنه حاسوب لا يمحى منه شيء مما دخله فعلا وانفعالا.أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--ليس من شك في أن الكثير من المتسرعين وخاصة من عوام الدعاة والفقهاء والمتكلمينمن سيتهم هذه الرؤية بكونها تنفي الجزاء والعقاب يوم الحساب خلطا بين تنزيه الله مماينسب إليه مما لا يليق برحمته وعدله وما بينا أنه من معنى الحرية التي تجعل الإنسان معذب نفسه بما يترتب على علمه من حرمان.فالجزاء والعقاب واقعان لا محالة وكما يصفهما القرآن ولكن ليس الله هو المعذب ولا هوالمجازي بل صاحب العمل هو الذي يلقى قيم فعله الموجبة التي في الوعد وسلوبها التي فيالوعيد .ومثلما أن كيان الأنسان بكل خلية من خلاياه تشهد عليه فكذلك هي التي تتحول إلى جزاء أو عقاب فعليين.ومن ثم فهذا الفهم لا يقلل من مفعول الوعد والوعيد ولا يجعلهما وكأنهما من مجالالخيال بل هما فعليان لأن كيان الإنسان ليس خيالا بل هو كيانه الفعلي بدنا وروحا بعدالبعث وما يحصل فيهما من سعادة الخلود في الجنة ومن شقاء الخلود في جهنم هو ما يحدث في الكيان ذاته مما يترتب على عمله.ومن يشكك في ذلك فينبغي أن ينسب كل افعال الإنسان في الدنيا لله لا إلى صاحبهافيزيح عنه كل مسؤولية لأنه حينها يجازى أو يعاقب على فعل الله وليس على فعله وهذاظلم لا يوجد من يؤمن بالله وبعدله يقول به .ونفس الامر في الآخرة :طبيعة عمل الإنسان المرتسم في كيانه هي طبيعة جزائه أو عقابه.وهذا أكثر فاعلية في الوعد والوعيد لأنه يجعل الإنسان يرى في حياته الدنيوية ماينتظره في حياته الاخروية لأن الجزاء والعقاب من جنس العمل وكل ما يعمله الإنسانمرسوم في كيانه الذي سيكون شاهدا عليه ويكون بما شهد به كفيلا لجعله يتحول إلى نوع القيم التي تترتب عليه بمقتضى شرع الله وعدله.وبهذا أكون قد نزهت الله عما قد ينسب إليه من عذاب الوعيد وجزاء الوعد فنسبتهماإلى أعمال الإنسان نفسه في الآخرة كما في الدنيا وهو معنى ما للإنسان من تكليف شرطهأبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--التخيير بين الإرادة الحرة والمعرفة الصادقة والقدرة الخيرة والحياة الجميلة والوجود الجليل واضدادها امتحانا لأهلية الخلافة.وأصبح بوسعي أن أتكلم على معنى التعالق التام بين الدنيوي والاخروي في الإسلاموالارتباط الضروري بين الديني في كل دين (الإسلام أو دين الله التام) وسياسة حياةالإنسان في الدنيا التي هي بهذا المعنى مطية الآخرة لأنها امتحان بمقتضى النجاح أو الفشل فيه يكون الجزاء والعقاب.ومن العجائب التي يدهشني أن علماء الدين لم يتساءلوا عليها :لماذا وصف الجنة وجهنمليس فيهما عبادات لا صادقة في الاولى ولا منافقة في الثانية بل فيها الموجبات في الجنة وهيثلاثة كما أسلفت ويمكن أن نضيف إليها أمرين آخرين هما طبيعة الآفاق وطبيعة الانفس: أجمل طبيعة وأتم صداقة بين النزلاء.ومعنى ذلك أن العلاقتين العمودية مع الطبيعة والأفقية بين البشر عندما يصبح البصرحديدا ويحدث ذلك في ظل النور الأهلي أو رؤية وجهه تعالي تتحقق العلاقتان دونالمنغصات التي هي مادة الامتحان في الدنيا لأن كل ما يحاسب عليه الإنسان هو الظلم في التبادل والخداع في التواصل.كيف لهؤلاء العلماء الذي فلوا القرآن وغرقوا في جزئيات تفاقهية لغوية وبلاغيةوخرافية من الإسرائيليات ومن الصوفيات والباطنيات ومن فضلات علوم عصر انحطاطفكرهم ولم يروا هذه المعاني الواضحة في المشروع القرآني إذا نظر إليه ككل بوصفه نظام تربية ونظام حكم متحررين من الوسطاء والأوصياء؟فالرسول الخاتم لم يكن متصوفا ولا فقيها ولا متكلما ولا فيلسوفا من نوع ما عم حضارتنابل كان مبلغا لتذكير ومكلفا بتحقيق عينة من الدولة الكونية التي يكون فيها البشر اخوة(النساء )1ومتساوين لا تفاضل بينهم بغير معيار التقوى (الحجرات )13وهو ما يقتضي الاجتهاد والجهاد في التاريخ الفعلي.أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--فهو كان يعلم أن العبادة غير المباشرة شرط العبادة المباشرة وأن مهمة الإنسان هي تعميرالارض والاستخلاف فيها امتحانا لأهليته للخلافة في التعمير ومن ثم فالدنيا هي مطيةالآخرة ولا يمكن للمرء أن يمتطيها من دون العلم بقوانين الطبيعة وسنن التاريخ للتعمير بقيم الاستخلاف.وبهذا المعنى فالعبادة نوعان مباشرة وهي علامات الإيمان إذا كانت صادقة والمؤمنالصادق عابد في كل نفس من أنفاسه إذا بحق قد بلغ معنى الشعور بالفقر الوجودي لأنهيعلم أن بقاء زمانين مهما تقاربا معجزة إلهية هي بنحو ما خلق مستمر يعيشه في كيانه إذا بحق حرا وصادقا وخيرا وجميلا وجليلا.ولا علاقة لهذا الكلام بالتصوف بل إن كيان الإنسان إذا كان واعيا بذاته عبادة خالصةلأنه في وجدانه لذاته ولما يقيمها من علاقة عمودية بالطبيعة وأفقيه بالتاريخ يدرك أنهمجرد ذرة من الوجود الذي لا يمكن النفاذ إلى سره إلا بوصفه ينشد الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال قياما لكيانه.وذلك هو المعنى الحقيقي لعبارة أقرب إلينا من حبل الوريد .أما إله علم الكلام فهو كلمةخاوية وليس حقيقة يشعر الإنسان بأنه قيامه مستمد منه وكأن الله ينفخ فيه من روحه ماظل حيا وأنه حي بهذا النفخ المستمر الذي هو خلق مستمر في كل ثانية يغوص فيها الإنسان في وجدانه أيا كان انشغاله.ومن كانت هذه حالة لا ينطوي على نفسه كما يتوهم المتصوف فيتصور أنه الوحيد الذيبلغها بالرياضة-وتلك هي علة هذه الرؤية منافية تماما للوحدانيات التي لا تنقال (شفاءالسائل) -بل هي عين قيام الإنسان وبقائه مدة بقائه والشعور بالفناء الدائم الملازم للحياة وكأنها عد تنازلي نحو الموت الحتم.ولا يمكن أن يكون عبدا لغير الله وطالبا لغير الحقيقة وعاملا لغير الخير وذائقا لغيرالجمال ومتشوفا لغير الجلال ليس أهلا لأن يكون خليفة ومن ثم فهو الذي يحدد منزلتهأبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--الوجودية من خلال موقفه الموجب من هذه القيم فبها يكون حرا وصادقا وخيرا وجميلا وجليلا وعكسها بالموقف السالب منها.فوعي الإنسان بكونه حيا ووعيه بأنه مائت هما جوهر الوعي بهذا القرب المطلق منمصدر قيامه سواء بمعناه المباشر كعلاقة بالطبيعة (مصدر قيامه المادي) أو بالتاريخ (مصدرقيامه الروحي) أو بمعناه الصادر عما ورائها المعلل لما فيهما من حياة وموت أو علاقتهما بالخالق :وهذا هو الديني.وهذا الوعي لا يشغل الإنسان عن المشاركة الفعلية في التعمير بقيم الاستخلاف لأنالنظر والعقد شرطي معرفة قوانين الطبيعة وسنن التاريخ عبادة غير مباشرة وعرفانابفضل الله على الإنسان من حيث هو يستمد منهما مصدر قيامه المادي والروحي وبهما يكون متحرر من الفقر المادي ليدرك الفقر الوجودي.ونفس الامر يقال عن مشاركته في العمل والشرع شرطين للعلاقة الافقية بالتاريخالإنساني كله لأن هذه العلاقة شارطة لتلك شرط الصورة لتعين المادة في وجود الإنسان.فلا يمكن لاقتسام العمل في التعاون الذي يستند إليه التبادل والتعاوض العادل من دون تعايش سلمي وتواصل صادق بين البشر.وذلك هو مضمون التذكير الكوني في القرآن والوصل بين العبادة غير المباشرة تعميراواستخلافا والعبادة المباشر بالمعنى التقليدي للعبادات .والكلام على هذه من دون تلكوخاصة ما تثقل به من قشور تؤدي إلى إهمال العبادات الشارطة باسم التفرع للعيادات المشروطة هو علة الانحطاط في كل حضارة.وكذلك كل توهم للتعمير من دون القيم الكونية للاستخلاف والتي هي الحرية والحقيقةوالخير والجمال والجلال ليس إلا ظاهرا من التعمير لأنه في الحقيقة تدمير حتى وإن كانلا تظهر تبعاته إلا في التاريخ المديد لأن آثاره تتراكم بما يشيه جمع لامتناهيات الصغر من المفاسد الملازمة لنقائض القيم.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--فيصبح الوجود عبودية مطلقة لأنه يخضع تربية وحكما إلى دين العجل :الجميع يصبحعبيد المال والأيديولوجيا التي تزين له ما يسميه هيجل باللامتناهي الفاسد فلا يبقىللإنسان من غاية إلا ما وصف به القرآن المخلدين إلى الأرض فيكون كلابا لاهثة حملت عليها أم لم تحمل.وسنبين في الفصلين المقبلين كيف أن التعمير من دون قيم الاستخلاف يكون تدميرا لأنهيحول العلاقتين بالطبيعة والتاريخ إلى علاقتين مغنيتين عما يتعالى عليهما بوصفه ماورائهما الذي منه تستمد قوانين الطبيعة وسنن التاريخ وهما معنى آيات الله التي يرينها في الآفاق وفي الأنفس (فصلت .)53أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--ما التعمير؟ وكيف ينقلب إلى تدمير من دون قيم الاستخلاف؟ ذلك هو معنى العبادةغير المباشرة التي تحقق شروط العبادة الأسمى التي هي تغليب الوجه الموجب من القيمالمناسبة لمقومات كيان الإنسان من حيث هو خليفة يتحرر من الاخلاد إلى الأرض بعلاقته العمودية بالطبيعة والأفقية بالتاريخ.وأول من أجاب عن هذا السؤال هو ابن خلدون :فهو يصنف العمران بما يسميه \"نحلةالعيش\" وهو مفهوم شديد الأهمية في ثورته الفلسفية التي كان يمكن أن تكون بدايةلإخراج علوم الملة من انحرافها الناتج عن قلب أمر فصلت 53نهيا وقلب نهي آل عمران 7 أمرا عند من يتصورون أنفسهم راسخين في العلم.ورغم أنه عدد الكثير من نحل العيش فإن القانون العام في نظريته هو أن تطور نحلالعيش بدايته من الإنسان الذي يعيش بما تنتجه الطبيعة وغايته الإنسان الذي يعيشبما ينتجه هو بعمله على علم بقوانينها ثم يعود من الغاية إلى البداية فيتدرج الإنسان في غير المباشر إلى المباشر من العبادة.وهذا التدرج هو في آن اجتهاد في النظر والعقد للتعمير وجهاد عملي وشرع لجعله تحقيقالموجب القيم أي حرية الإرادة وصدق العلم وخير القدرة جمال الحياة وجلال الوجودوتحريرا من سوالبها أي عبودية الإرادة وباطل العلم وشر القدرة وقبح الحياة وذل الوجود .وبذلك يثبت الإنسان جدارته بالخلافة.فيكون الأمر كله مرتبطا بالعلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والأفقية بينالإنسان والإنسان .والأولى هي مجال التبادل والثانية هي مجال التواصل .فالتبادليؤسس للتعاون وتقاسم العمل لإنتاج شروط البقاء المادية والروحية وهو مشروط بالعدل والتواصل شرطه لأنه شرط تراكم الخبرة في الإنجازما يعني أن علاقة الإنسان بالطبيعة ليست محددة بمكانه حصرا بل بكل الطبيعة وأنعلاقة الإنسان بالإنسان ليست محددة بزمانه حصرا بل بكل التاريخ الإنساني .ولا يظهرأبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--ذلك في البداية لأن الإنسان قبل أن يحقق \"نحلة العيش\" المستقلة عن مكانه وزمانه إلى بتدريج غايته العولمة المادية والروحية.وهذا المعنى هو جوهر المشروع الإسلامي القائل بالكونية وبمخاطبة الإنسانية كلهابوصفها جماعة واحدة بمبدإ الأخوة الروحية (النساء )1وبقيمة المساواة بين البشر والاتفاضل عند الله إلا بالتقوى (الحجرات )13غاية لتدرج الإنسان في تحقيق شروط الأهلية للخلافة أي موجب القيم والتحرر من سوالبها.ولذلك فليس بالصدفة أن سمى ابن خلدون علمه الثوري باسمين يحيلان إلى الكونيةالبشرية والإنسانية\" :علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" ولم يقتصر على الحضارةالإسلامية إلا بوصفها عينة من هذا المسار الإنساني تماما كدولة الإسلام بوصفها عينة من الدولة الكونية مشروع الإسلام.وأغرب ما في الامر هو أن العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة والعلاقة الافقية بينالإنسان والإنسان تجعلان بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان كل الحضارةالإنسانية ما يعني أن التبادل والتواصل ليس بين الاحياء في مكان معين من المعمورة بل هو يشمل كل من أسهم في الحضارة.فالخبرة التي تعالج العلاقة العمودية والتي تعالج العلاقة الافقية هي تراكم كونيحصيلة لاجتهاد الحضارات المتعاصرة والحضارات المتوالية منذ أن أصبحت الإنسانية قادرةعلى توثيق الخبرة المتعلقة بالنظر والعقد وبالعمل والشرع :وهذا دليل قاطع أن العالم بيت الإنسان وشرط قيامه العضوي والروحي.فنفهم حينئذ معنى مهمتي الإنسان :استعمر في الأرض أي كلف بتعميرها واستخلف فيهاأي كلف بأن يكون هذا التعمير بقيم الخلافة موجبها تحقيقا وسالبها تحررا من أضدادها.والآن وقد حددنا القصد بالعلاقتين فلنشرع في اثبات ما كيف يكون ذلك في العلاقة العمودية وفي العلاقة الافقية كعبادة غير مباشرة.أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--والمقصود بالعبادة غير المباشرة شروط العبادة المباشرة التي هي التحرر روحيا منالوسطاء وسياسيا من الأوصياء فيكون الإنسان في علاقة مباشرة بربه ومتحررا من الوسطاءوواعيا بما وراء الطبيعة وفي علاقة مباشرة بأمره ومتحررا من الأوصياء وواعيا بما وراء التاريخ.وتلكما هما ثروتا الإسلام اللتين يتحققان بفضل تربية متحررة من الوساطة وحكم متحررمن الوصاية فيكون عمل الأنسان التحريري هذا هو العبادة المباشرة أو منزلة الخلافة التييكون الإنسان قد أثبت جدارته بها مستفيدا من الفرصة الثانية أي من وجوده في الأرض كاختبار وليس كعقاب كما في المسيحية.فقصة الإخراج وما تلاها من عفو على آدم يحرره من الحاجة إلى شفيع ووارث لدورهكوسيط (الكنسية) وإلى صاحب حق إلهي في حكمه نيابة عن شعب مختار أو أسرة مختارةأو طبقة مختارة (النظام السياسي) فيكون الإنسان قد أعطي الفرصة كاملة ليكون تام المسؤولية على عمله ويجزى بثمرته إيجابا أو سلبا.وهذه الرؤية تحرر مما يسمى بالخطيئة الموروثة ومن اعتبار الإنزال عقابا بل هو فرصةثانية وبذلك يصبح الحساب والعقاب مرتبطين مباشرة بمهمتي الإنسان في وجوده الدنيوي:التعمير والاستخلاف .وهذا الإنزال تعده القصة فرضة ثانية وفيه شبه تقابل بين رهانين واثق من أهلية الإنسان ومشكك فيها.فمن يستفيد من الفرصة الثانية وينحاز للرهان الاول بإثبات جدارته بالخلافة تحقيقالموجب القيم وتجنبا قدر المستطاع لسوالبها فيكون جزاؤه الجنة والذي لا يستفيد منهاوينحاز للرهان الثاني بعدم إثباتها غرقا في سؤال القيم وتجنب موجبها يكون عقابه جهنم وهي ما حل فيه من الشيطان.وتلك هي النار التي لا أشد منها لأن صاحبها يحرم من وجه الله ومن كل ما يصبو إليهالإنسان من الحياة الخالدة وعلامتاها فن المائدة وفن السرير في عالم نقي طبيعيا (العلاقةأبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--العمودية) وأخوي تاريخيا (العلاقة الافقية) .وتكون الجنة وجهنم نموذجين لمنشود للمطلوب من الإنسان في دنياه قبل أخراه.والنموذج خال من منغصات الحياة الفانية وفيه تصبح الحياة خالدة سواء كانت في عالمالجنة أو في عالم جهنم ويكون عمل الإنسان الموجب هو عين الخلود في الجنة وعلمه السالبهو عين الخلود في جهنم .وكلاهما صادر عن عمل الإنسان ومن نفسه المطمئنة أو من نفسه المتحيرة.وهذا الحكم ليس تحكميا فالتذكير القرآني مليء به :فالكلام على الخسر في العصروتحديد شروط الاستثناء منه التي هي خمسة أكير دليل على أن ما يجازى به الإنسانإيجابا أو سلبا هو عين ما عمل ليس ظاهر العمل بل ما يعلمه الله علام السرائر شرط تحرير الإنسان من حكم الإنسان له أو عليه في الإيمان.وهو ما يعني أن العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه تحرره من أحكام غير الله في تحديدحقيقة ما في ضميره من حرية الإرادة وصدق العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلالالوجود لأن ذلك كله من السرائر التي لا يعلمها غير الله بل حتى صاحبها لا يعلمها العلم اليقيني ففي الذات من الغيب ما لا يقدر.ومجرد العلم بهذه الحقيقة من المفروض أن يحول دون الإنسان والحكم على ما في ضميرغيره من البشر فينتج عن ذلك التعامل بتقديم حسن النية على سوئها فتقل العداوات بينالبشر وتتحقق الأخوة (النساء )1لعلم الجميع أن التفاضل عند الله بالتقوى الصادقة وليس بمظاهرها المنافقة.وبدلا من العناية بمحاكمة الغير ونواياه التي لا يعلمها إلا الله يصبح هم أي إنسان عاقلوحكيم أن يعنى بنفسه ليحقق مهمتيه تعميرا للأرض واستخلافا فيها فيحرص على حريةإرادته وصدق علمه وخير قدرته وجمال حياته وجلال وجوده شروطا لأهلية الاستخلاف وتحقيق \"معاني إنسانيته\"(بلغة ابن خلدون).أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--فشروط الاستثناء من الخسر الذي هو عبودية الإرادة لغير الله والباطل والشر والقبح والذل خمسة حددتها سورة العصر: .1الوعي بعلل الخسر .2الإيمان .3العمل الصالح .4التواصي بالحق أو الاجتهاد المشترك لمعرفة قيم الاستخلاف .5التواصي بالصبر أو الجهاد المشترك للعمل بها.لم يبق من مطالب المحاولة إلا تحليل آليات العلاقة العمودية بالطبيعة والعلاقة الافقيةبالتاريخ بوصفهما عين تحقيق المهمتين بما جهز به الإنسان لمعرفتها بالنظر والعقد (التواصيبالحق) ولتحقيقها بالعمل والشرع (التواصي بالصبر) إذا كان مؤمنا صادقا وعاملا صالحا.أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--ولنبدأ بالعلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة .فهبنا أخذنا أكثرها مباشرة في \"نحلةالعيش\" التي يكون فيها الإنسان مستمد كل شروط قيامه العضوي مما تنتجه الطبيعة أيالإنسان الذي يكتفي بجني ثمرات الطبيعة .فهل هو بحق ذو علاقة مباشرة بالطبيعة أم إن الخبرة الإنسانية متوسطة بينها وبينها؟لا شك أن الجوع قد يكون أول مرة قد دفع الإنسان دون خبرة لأكل أي شيء يصادفهوقد عرفت ذلك في البادية قبل أن أنتقل إلى المدينة للدراسة .فهبني كنت أجهل أنواعالفطر القاتلة .ستكون تجربة يستفيد منها من يستبعد النوع الذي أكلت منه فمت؟ ضحايا هذه التجارب المعيشية لا يحصون.وبذلك يتكون أول جيل من الخبراء في التمييز بين النافع والضار مما يجنيه الإنسان منمنتجات الطبيعة لحياته وحياة أسرته .ولما كانت الثمار المنتقاة فصلية فلا بد من بداية\"التعويل\" أو خزن الضروري لما يتوسط بين الفصلين من ضرورات العيش في هذه النحلة منه في التعامل المباشر مع الطبيعة.وهذه أول خطوة في تقسيم العمل المعالج للعلاقة العمودية مع الطبيعة من أجل شروطالحياة العضوية :بين الجناة والخبراء .وخالبا ما يكون الجناة هم الخبراء قبل أن ينفصلالدوران في تقسيم العمل .ولكن يمكن كذلك أن يوجد الخبراء في استعمال منتجات الطبيعة لتسميم الخصم .فيتضاعف دور الخبرة.وبذلك يتكون التخصص وتقسيم العمل في نفس الاسرة قبل أن يتوسع للقبيلة لأن شروطالعيش تقتضي أمرين :الحصول على منتج الطبيعة وحمايته ممن قد يشارك الجماعة فيهفتتكون كما عند الحيوانات نوع من المجال الحيوي وتبدأ الإنسانية في تقاسم الأرض بحسب علاقات القوة في الداخل والخارج.وهكذا تظهر كل الوظائف التي عامة ما نسمي مجموعها بالسلطة السياسة كيانها بالدولة:حماية داخلية للرعاية الداخلية وحماية خارجية لما ينافس عليها وذلك على مستوى العلاجأبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--السلمي والعلاج الحربي ويكون وجود الإنسان في علاقته بالطبيعة مشروطا بكل وظائف الدولة أو ما يجانسها مما يؤدي دورها.فتكون علاقة الإنسان بالطبيعة شرطا لقيامه العضوي مشروطة بعلاقته بالإنسان شرطالقيامه الروحي بمعنى أن تقاسم العمل والتعاون على سد الحاجات يقتضي نظاما يحميالناس بعضهم من البعض ويحمي شروط التبادل والتعاوض ولا يكون ذلك من دون شروط التواصل والتصادق :وذلك هو موضوع الوزعين.والوزعان ذاتي وأجنبي :فالذاتي هو موضوع الاخلاق والأجنبي هو موضوع السياسة.وهو متعلق بشروط الحياة الروحية للإنسان .وتكون هذه الشروط مقدمة على تلك لأنالإنسان من دونها لا يمكنه أن يفرغ للعلاقة العمودية مع الطبيعة فيفسد التعاون والتبادل في الخبرة والإنتاج ذاته وتفرعاتهما المعقدة.ولو كان الوزع الذاتي (سلطة الضمير الخلقي) كافيا لاستغنى الإنسان عن الوزع الأجنبي(سلطة القانون التي تمثلها الدولة) ومن هنا يأتي دور التربية في تنميتهما في الأذهانوالحكم في تنميتهما في الأعيان .وعندما تكون التربية بوساطة والحكم بوصاية يصبحان هما بدورهما مصدر تعد على الحريتين.والتعاون علة للتبادل المشروط بالتعاول العادل يكون في المراحل الأولى عينيا غنيا عنالعملة إذ تقسيم العمل بحد ذاته هو تبادل للمنتج بضاعة كان أو خدمة وهو نوع التبادلالأول بالمقايضة لكن توسعه يقتضي ألا تنقل المنتجات ذاتها وألا تكون سدا مباشرا للحاجات بل قيما تحفظ لحين الحاجة :العملة.والعملة كيان رمزي كلي .فهو يعبر عن القيم المادية التي تعوض المنتجات وهي قيمتحتوي بالقوة على كل ما يسد الحاجة عند الحاجة لبضاعة كانت أو لخدمة .فيصبح بين يدي من يجمعها سلطان كبير يتألف من وجهين: .1حرية التخلص من الحاجة المباشرة. .2تجاوز دور أداة التبادل إلى السلطان على شروطه.أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--وهذا هو أول داء يعالجه الإسلام بحرب الله عليه :سلطان الاحتكار الاقتصادي والرباالمادي .وسنرى أن للكلمة في التواصل ما للعملة من الفاعلية :سلطان الاحتكار الثقافي والرباالرمزي .والربا الرمزي نظير الربا المادي .وهما ثاني داء يعالجه الإسلام :كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.والربا المادي أو العملة التي تنقلب من أداة تبادل إلى سلطان على المتبادلين والرباالرمزي أو الكلمة التي تنلب من أداة تواصل إلى سلطان على المتواصلين هما بعدا العجلالذهبي اللذين تكلمت عليهما مرات عدة بوصفهما يمثلان الوساطة والوصاية في النظامين الثيوقراطي والانثروبوقراطي.وعندما تتحول أداة التبادل العملة إلى سلطان على المتبادلين وأداة التواصل الكلمة إلىسلطان على المتواصلين يكونان أداتي التربية والحكم .فالكلمة التي تصبح سلطانا علىالمتبادلين تفسد التربية والعلمة التي تصبح سلطانا على المتبادلين تفسد الحكم .فيفسد الوازعان :الضمير والقانون.وإذا فسد الوازعان \"فسدت معاني الإنسانية\" وفقد الإنسان \"رئاسته التي له بالطبعبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" (ابن خلدون) والمفهومان يعنيان أن الإنسان تفسدمعاني إنسانيته بمجرد أن يفقد منزلته الوجودية بوصفه خليفة أو رئيسا بالطبع فلا يبقى حرا روحيا ولا سياسيا فيعبد الوسيط والوصي.وعندئذ نفهم القصد بالعبادة غير المباشرة :لا تعبد ربك إذا فقدت معاني الإنسانيةومنزلتك الوجودية التي هي أهلية الاستخلاف وعلامتها الحريتان الروحية والسياسية وهماما أهمله من رد الدين إلى العبادات التي هي بذاتها أداة تربوية وليس غاية التربية التي هي المحافظة على المنزلة الوجودية.فمن دون المنزلة الوجودية يفقد الإنسان الرئاسة بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلقله فلا يكون حر الإرداة ولا صادق المعرفة ولا خير القدرة ولا جميل الحياة ولا جليلأبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--الوجود وتلك دلالة فساد معاني الإنسانية إذ يصبح الإنسان عبدا للوسيط والوصي يعيش على الباطل والشر والقبح والذل.والفرد والجماعة إذا فسدت فيهم معاني الإنسانية بسبب الوساطة في التربية والوصايةفي الحكم يعتبرها ابن خلدون قد ردت أسفل سافلين وهو الخسر في سورة العصر ولا معنىحينها للتظاهر بالتدين لأن من هذه حاله يعتبره ابن خلدون \"عالة\" وليس قائما بذاته ربه من يعوله :وشرط الإيمان الكفر بالطاغوت.ومرة أخرى فالآية 177من البقرة تؤكد على ذلك بنوعين من التوكيد-1 :فهي ترتبواجبات المؤمن كما شرحت -2تنتهي بهذه العبارة الحاسمة \" ُأو ٰلَ ِئ َك الَّ ِذينَ َصدَقُوا ۖوَأُو ٰلَئِكَ ُه ُم ا ْلمُ ّتَقُونَ\" .ومعنى ذلك أن من كانت صفاتهم ما ورد فيها هم من يوصف إيمانهم بالصدق وسعيهم بالتقوى.فإذا طبقنا هذا الترتيب والوصف الحاسم في الخاتمة على ما يجري منذ الفتنة الكبرىإلى الفتنة الصغرى علمنا أن اهمال امر فصلت 53ونهي آل عمران 7هو الذي قلب كلالقيم الإسلامية فجعل الأمة تفقد معاني الإنسانية وتصبح عالة على غيرها فاقدة لكل سيادة ومتصفة بكل السوالب التي ذكرنا.لذلك فلا يوجد تعاون ولا تبادل حقيقي لشروط القيام المادي والروحي ولا تعاوضعادل بل تناهب وتسالب وتخاصم وتغاش وتراش وتكاذب دائم بمعنى أن المسلم فقد حريةالإرادة وصدق المعرفة وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود فأصبح عبدا يتبع الباطل والشر والقبح والذل :تربية وحكم فاسدان بالجوهر.وقد حصر القرآن الكريم علل هذا الفساد وتجلياته في تحول العملة إلى سلطان علىالمتبادلين وتحول الكلمة إلى سلطان على المتواصلين الأول بالربا والثاني بقول مخالفللفعل .والثاني معيار ليس للتواصل العادي فسحب بل لأسمى تواصل أعني الشعر الذي يقيمه القرآن بكون أصحابه يقولون ما لا يفعلون.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--وينبغي أن ألا يفهم من يتصورون القصد هو الدعوة إلى محاكاة ما يسمونه واقعافيزعمون ضرورة التمييز بين قيم الفن وقيم الأخلاق متوهمين أن الفن في حل من القيمالخمسة في حين أنه لا يمكن للفن أن يكون فنا من دونها دون أن يتحول إلى وعظ وإرشاد كما قد يخيل لهم.وحتى ألجم العوام عن الكلام في ما لا يفهمون فحتى وصف الشر والقبح والفساد وكلالموبقات التي يتخيلونها يمكن أن تكون موضوع فن إذا كان الفن صادقا في التعبير عنمقوماتها تعبيرا صادقا يصفها ولا يتحول إلى تمجيدها لأن القصد بالفن هو عبارة الذوق المدرك لهذه القيم الخمسة موجبها وسالبها.فالهيام في الشعاب هذا قصده :أنهم لا يجابهون حقائق الأشياء حرها وعبدها حقهاوباطلها خيرها وشرها جميلها وقبيحها جليلها وذليلها دون أن يعني الفن التعبير عن أحوالنفس الشاعر إذ كما قال أرسطو رواية عن أكبر شعراء اليونان :لا يبدأ الفن إلى متى تجاوز الشاعر الكلام عن أحوال نفسه.وعندئذ يشترك الفن والدين والفلسفة والنظر والعمل في التعبير عن هذه القيم بصدقوبكفاءة وبالوعي اليقظ بحضور الله مع كل نفس من أنفاس الإنسان حضورا إذا لم ينسهيجعله رقيب نفسه فيتطابق باطنه وظاهرة وذلك هو المعنى المقصود بالبر وغايته الصدق والتقوى كما في البقرة .177أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 30
Pages: