Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore علوم الآلة وعلاقتها بمآزق العلوم الغائية - أبو يعرب المرزوقي

علوم الآلة وعلاقتها بمآزق العلوم الغائية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-06-05 18:26:53

Description: علوم الآلة وعلاقتها بمآزق العلوم الغائية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫وعلاقتها بمآزق العلوم الغائية‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪7 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪13 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪20 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪27 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫أشرت في محاولة الفصل بين المحكم والمتشابه بعد الكلام على علوم الملة الغائية الخمسة‬ ‫(التفسير أصلا وفروعه الأربعة الكلام والفلسفة في النظر والعقد والفقه والتصوف في‬ ‫العمل والشرع) أن أخصص محاولة لعلوم الآلة الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬اللغة‪.‬‬ ‫‪ .2‬والمنطق‪.‬‬ ‫‪ .3‬والتاريخ‪.‬‬ ‫‪ .4‬والرياضيات‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأصلها جميعا الوسميات أو السيميوتكس‪.‬‬ ‫وأولى الملاحظات التي أبدأ بها هي أن هذه العلوم الآلية ليس لها نفس الحضور في علوم‬ ‫الملة الدينية وفي علومها الفلسفية‪.‬‬ ‫• فالأولى يغلب عليها اللغة والتاريخ‪.‬‬ ‫• والثانية يغلب عليها المنطق والرياضيات‪.‬‬ ‫والوسميات لم تكن ذات وجود واضح بل كانت ترد عرضا فيها جميعا إشارات خاطفة إلى‬ ‫طبيعة دورها في الترميز رغم أن مفهوم الآية يؤدي دورا اساسيا في القرآن وهو أصل كل‬ ‫معاني الرمز والترامز فيه‪.‬‬ ‫وكان الزوجان الأولان في علوم الملة الدينية يتقاسمان دور الشكل والمضمون بمعنى أن‬ ‫اللغة للشكل والتاريخ للمضمون‪ .‬ونفس الشيء بالنسبة إلى علوم الملة الفلسفية حيث يكون‬ ‫المنطق للشكل والرياضيات للمضمون‪ .‬وكان يمكن تصور مزاوجة من طبيعة ثانية لعلها‬ ‫أفضل بين اللغة والمنطق ثم بين التاريخ والرياضيات‪.‬‬ ‫وتبدو علاقة الزوجين الأولين‪-‬لغة منطق‪-‬أيسر فهما من علاقة الزوجين الثانيين‪-‬تاريخ‬ ‫رياضيات‪ .‬لكن قياس العلاقة الثانية على العلاقة الأولى قد يساعد على فهمها بصورة‬ ‫أوضح بل وقد يمكن من تعميق فهمنا للعلاقة الأولى بشرطين‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬أن نفهم علاقة اللغة الطبيعية في علاقة بالمنطق بوصفه مشروطا باستخراج لغة‬ ‫اصطناعية منها وتأسيسها على الانتقال من تعدد الدلالات إلى دلالة واحدة شرطا في‬ ‫الاستدلال (ووحدة الدلالة هو المبدأ الذي أسس عليه أرسطو جدليا اثبات مبادئ العقل‬ ‫الثلاثة)‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأن نفهم التاريخ بوصفه عرضا للعلاقات الطبيعية بين الوقائع الفعلية والرياضيات‬ ‫بوصفها عرضا للعلاقات \"الاصطناعية\" بين الوقائع الفرضية‪ .‬فتكون العلاقة بين اللغة‬ ‫الطبيعية والتاريخ من جنس العلاقة بين المنطق والرياضيات‪ .‬وتصبح اللغات الصناعية‬ ‫كلها رياضية واللغات الطبيعية كلها تاريخية‪ .‬ما معنى ذلك؟‬ ‫معناه مضاعف‪:‬‬ ‫• اللغة الطبيعية ‪ +‬التاريخ = أصل علوم الملة الدينية‪ .‬وهذه الحقيقة كونية بمعنى أنها‬ ‫ليست خاصة بنا بل هي ظاهرة ملازمة لكل الحضارات‪.‬‬ ‫ومثلها اللغة الاصطناعية ‪ +‬الرياضيات = أصل علوم الملة الفلسفية‪ .‬وهذه الحقيقة كونية‬ ‫كذلك بمعنى أنها ليست خاصة بنا بل موجودة في كل الحضارات‪.‬‬ ‫• فالعلاقة الأولى لغة طبيعية ‪ +‬تاريخ = أصل علوم الملة الدينية أعمق من هذه العلوم‬ ‫بل هي أصل الدين نفسه من حيث هو علاقة بما وراء العنصرين بوصفهما مقومين لعلاقة‬ ‫الإنسان بالمحايثة وبالتعالي في آن وذلك هو جوهر العبارة الأدبية من حيث هي معرفة‬ ‫وذوق فطريين في كل حضارة‪.‬‬ ‫ومثلها العلاقة الثانية اللغة الصناعية ‪ +‬الرياضيات = أصل علوم الملة الفلسفية أعمق من‬ ‫هذه العلوم بل هي أصل الفلسفة نفسها من حيث هي علاقة بما وراء العنصرين بوصفهما‬ ‫مقومين لعلاقة الإنسان بالمحايثة والمفارقة في آن وهي جهور العبارة التقنية من حيث هي‬ ‫معرفة وذوق مشتقين من المعرفة والذوق الفطريين في كل حضارة‪.‬‬ ‫فيكون الديني معرفيا وقيميا بالجوهر ويكون الفلسفي معرفيا وتقينا بالجوهر‪.‬‬ ‫• والأول هدفه العمل الرمزي الروحي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• والثاني هدفه العمل الفعلي المادي‪.‬‬ ‫وبذلك نكتشف أصل الوسميات فيهما أي في الترميز المعبر عن الذوقي والروحي والترميز‬ ‫المعبر عن العلمي والمادي وهما أصلا كل ترميز معبر عن الفعل الروحي وعن الفعل المادي‪:‬‬ ‫الترميز فعل من درجة ثانية وهو محيط بكل الأفعال الإنسانية الذوقية والعلمية‪.‬‬ ‫وبعد هذه المحاولة لفهم العلاقات بين العناصر الخمسة لما يسمى علوم آلة ‪-‬اللغة والتاريخ‬ ‫والمنطق والرياضيات والوسميات‪-‬سنشرع في درسها لعلنا نتقدم في فهم مآزق علوم الملة كلها‬ ‫فنتمكن من تجاوزها كما فعلنا عندما فصلنا بين المحكم والمتشابه الذي كان غيابه علة فشل‬ ‫مهمتي الإنسان في حضارتنا‪ .‬وقبل ذلك فيمكن تفسير هذا الفشل بهذه القسمة بين علوم‬ ‫الملة الدينية وعلومها الفلسفية‪:‬‬ ‫‪ .1‬فما الذي جعل العلوم الدينية تكاد تقتصر على اللغة الطبيعية والتاريخ ؟‪.‬‬ ‫‪ .2‬وما الذي جعل العلوم الفلسفية تكاد تقتصر على اللغة الصناعية والرياضيات‪.‬‬ ‫‪ .3‬ولماذا كانت منزلة المنطق‪.‬‬ ‫‪ .4‬ومنزلة التاريخ‪.‬‬ ‫‪ .5‬وتاويل الترميز ثلاثتها علة التوتر بين علوم الدين وعلوم الفلسفة كما شخصها‬ ‫الغزالي وابن تيمية وابن خلدون أعني أعلام المدرسة التي سميتها بالمدرسة النقدية؟‬ ‫أعتقد أني فتحت على نفسي بهذه الأسئلة بابا يعسر سده (باب بلاء بالتونسي)‪.‬‬ ‫فما بدا وكأنه بحث عقيم في علاقات لم يتلفت إليها في البحوث الفلسفية والدينية سابقا لا‬ ‫عندنا ولا عند غيرنا وما حال دون فهم علاقة عمل هؤلاء الأعلام الثلاثة تبين أنه يوصل‬ ‫إلى أكبر معضلتين عانت منها حضارتنا وحاولت التغلب عليها ولم تفلح رغم فتوحات‬ ‫الغزالي وابن تيمية وابن خلدون الكبرى‪:‬‬ ‫‪ .1‬المعضلة الأولى هي تحويل المحكم إلى متشابه‪.‬‬ ‫‪ .2‬المعضلة الثانية تحويل المتشابه إلى محكم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بمعنى أن كلام القرآن على نفسه بوصفه رسالة وهو كلام على كلام صار عين المتشابه الذي‬ ‫عومل بوصفه موضوع تأويل وكأنه يتكلم على غيره الذي صار يطلب منه وهو أصل خرافة‬ ‫الأعجاز العملي‪ .‬فالإشارات إلى الشيء ظنت علما بمضمونه‪.‬‬ ‫فصار تأويل آيات القرآن (النصوص) مادة تأويل لعلم ما تشير إليه وتطلب البحث عن‬ ‫حقيقته بالبحث العلمي في الآفاق وفي الأنفس التي هي خارج النص أعني في العالمين الطبيعي‬ ‫والتاريخي في كيان الإنسان‪:‬‬ ‫‪ .3‬والمعضلة الثالثة ترتبت على الأولى فصار اللسان الطبيعي أداة علم‪.‬‬ ‫‪ .4‬والمعضلة الرابعة صار التاريخ العفوي أداة علم‪.‬‬ ‫‪ .5‬وكان أصل هذه المعضلات معضلة المعضلات الانفصال بين الديني والفلسفي ومن ثم‬ ‫الفشل في الجمع بين مهمتي الإنسان مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها‪.‬‬ ‫فلا يمكن باللغة الطبيعية والتاريخ العفوي وحديهما الوصول إلى قوانين الطبيعة وسنن‬ ‫التاريخ لأنهما أقرب إلى التعبير عن الذوقين الجمالي (اللغة) والجلالي (التاريخ) منهما‬ ‫إلى العلم والتقنية‪ .‬فهما أداتا الأدب والخرافة وليسا أداتي العلم والتقنية‪ .‬ولا يمكن‬ ‫تحقيق مهمة تعمير الأرض بالأدب والخرافة وحدهما بل لا معهما بد من العلم والتقنية‪.‬‬ ‫وتلك هي العلة الأولى لقصور علوم الملة في مهمة التعمير‪.‬‬ ‫أما فشل مهمة الاستخلاف فعلته اعتبار اللغة الطبيعية والتاريخ قابلين للرد بالتأويل إلى‬ ‫الفلسفة ردا مغنيا عنهما باعتبار ما يتجاوز به الذوق العلم وما تتجاوز به الخرافة التقنية‬ ‫أمرين وهميين لا يعبران عن حقيقة لها ما للعلم والتقنية من الأهمية في حضارة الإنسان‬ ‫وخاصة في تبادله وتواصله‪ .‬وبلغة ماركسية اعتبارهما إيديولوجيا في مقابلة فجة بين النظر‬ ‫والعقد وبين العمل والشرع‪.‬‬ ‫ومن هنا نفهم الصراع بين الكلام والفلسفة في علوم النظر والعقد وبين الفقه والتصوف‬ ‫في علوم العمل والشرع‪ .‬فالفصام بين اللغة الطبيعية والتاريخ من جهة واللغة الصناعية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والرياضيات من جهة ثانية جعل الصراع بين الكلام والفقه من جهة والفلسفة والتصوف‬ ‫من جهة ثانية صراعا بين الديني والفلسفي وبلغة ماركسية بين الإيديولوجي والعلمي‪.‬‬ ‫غاب المشترك بين الديني والفلسفي لغياب البنية الموحدة بين علوم الآلة الخمسة‪ :‬اللغة‬ ‫والمنطق والتاريخ والرياضيات والوسميات‪ .‬ولما كانت الوسميات هي الأصل فيها جميعا وكان‬ ‫موضوعها الرمز والترميز فإن ذلك يساعدنا على أن نفهم أن دلالة الآية التي هي معنى‬ ‫الوسم جوهرية في القرآن وقد عمي عنها من حرفوا علوم الملة‪.‬‬ ‫‪ .1‬فأولا القرآن يعتبر كل شيء آية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وثانيا القرآن يميز بين آيات الله في القرآن وآيات الله في الآفاق وفي الأنفس‪.‬‬ ‫‪ .3‬وثالثا الآية تتحدد طبيعتها بطبيعة الشيء الذي يؤدي دوره‪.‬‬ ‫‪ .4‬رابعا كون كل شيء آية يجعل كل شيء مرآة عاكسة لكل لشي‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا فالوجود كله آية تحيل إلى ورائه وإلى إنسان يشرئب إليه‪.‬‬ ‫واشرئبابه هو آية الآيات وهو معنى كونه خليفة بمعنى أنه يشبه الصوت المنادي أو المؤذن‬ ‫الذي يشهد بأنه لا إله إلا لله حتى وهو صامت بل هو مثله مثل القرآن سبابة وجودية بمعنى‬ ‫أن مجرد كونه واعيا يعني أنه بذاته ما وراء كل شيء نحو المارواء المطلق أو الله ولنسمه‬ ‫ما شئنا‪ :‬إنه شوق المطلق‪.‬‬ ‫وحصيلة هذه \"الورطة\" في الكلام على العلوم الآلية أنها أرجعتنا إلى الكلام على العلوم‬ ‫الغائية أو بصورة أدق إلى إشكالية المحكم والمتشابه التي أدى عدم حسمها أو حسمها الفاسد‬ ‫إلى فشل علوم الملة وأعمالها في تحقيق مهمتي الإنسان أعني تعمير الأرض والاستخلاف‬ ‫فيها ما أدى إلى الانحطاط‪.‬‬ ‫لكنها \"ورطة\" مفيدة وخصبة لأنها تؤدي إلى فهم المآزق وتفتح الباب للحل في سياسة‬ ‫الإسلام من حيث هو تربية تؤهل الإنسان لتحقيق المهمتين وحكم يضمن رعاية السعي‬ ‫للتحقيق بفضل التبادلين العمودي مع العالم الطبيعي والأفقي مع العالم التاريخي وشرطهما‬ ‫التواصل بين البشر بفضل علوم الآلة الخمسة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والآن بعد أن أنهينا تحديد الدائرة التي تصل العلوم الغائية بالعلوم الآلية في الديني‬ ‫والفلسفي يمكننا أن نشرع في الفصول الموالية الكلام على هذه العلوم الآلية الواحد بعد‬ ‫الآخر في الترتيب الذي ذكرناه أي اللغة الطبيعة والتاريخ والمنطق والرياضيات والوسميات‬ ‫لعل ذلك يساعد في الخروج من المآزق‪.‬‬ ‫وهذه العلوم الآلية الخمسة يمكن اعتبارها معنى \"علمه الأسماء كلها\" او علمه البيان أو‬ ‫علمه القرآن‪ .‬وهي إذن ليست علوما للموضوعات التي تعالج بفضلها بل هي بنفسها‬ ‫موضوعات وهي عين مرجع ذاتها ومن ثم فهي جوهر المحكم وبها ينبغي أن يقرآن القرآن‬ ‫من حيثيتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬كمتكلم على كلامه على نفسه وهو المحكم ولا شيء غيره‪ .‬وهو مجال العقد الإيماني‬ ‫الثابت وليس مجال العلم والعقد العلمي المتغير والتاريخي‬ ‫‪ .2‬وككلام يشير إلى غيره وهو المتشابه ولا شيء غيره وهو مجال العلم وليس مجال‬ ‫العقد الإيماني‪.‬‬ ‫وبذلك فالقرآن يحدد حيث ينبغي التوجه لعلم العالم الطبيعي وما بعده أي قوانينه‬ ‫الرياضية وإلى العالم التاريخي وما بعده أي سننه السياسية والأنفس التي هي أصل ذلك‬ ‫كله باعتبارها مؤهلة فطريا للنظر والعقد للمعرفة وللعمل والشرع للقيمة‪ .‬إنها الأشياء‬ ‫التي يشير إليها القرآن بوصفها شروط مهمتي الإنسان‪ .‬وهذا هو مجال المتشابه لأن‬ ‫الانتقال من اللغة الطبيعة والتاريخ إلى اللغة الاصطناعية والرياضيات يقتضي التمكن‬ ‫من التغلب على التشابه في آيات الوجود ليس بتأويل آيات الكتاب بالبحث العلمي العسير‬ ‫والذي يخضع للإصابة والخطأ وهو عمل تاريخي بالجوهر ولا يمكن أن يكون من المحكم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لا انوي الكلام على ما نسبته إلى هؤلاء الثلاثة‪:‬‬ ‫• الغزالي (التأويل)‬ ‫• وابن تيمية (المنطق)‬ ‫• وابن خلدون (التاريخ)‬ ‫وثلاثتهم درسوا الرياضيات واللغة من حيث هما علما آلة‪-‬فقد درست ذلك سابقا وخاصة‬ ‫الأخيرين‪.‬‬ ‫ما يعنيني أنهم ثلاثتهم درسوا هذه الموضوعات بوعي لا مثيل له في ثقافتنا‪ .‬لكن من‬ ‫أمسك بمبدئها الموحد هو ابن تيمية وحده‪ .‬فقد قسمها إلى نوعين‪:‬‬ ‫‪ .1‬النوع الأول سماه نوع الرموز للمقدرات الذهنية‪.‬‬ ‫‪ .2‬النوع الثاني سماه نوع المعاني التي تظن مقومات الأشياء الفعلية‪.‬‬ ‫وهو ردها هي بدروها إلى رموز مثلها مثل اللغة والكتابة كما سبق فبينا ذلك خلال شرحنا‬ ‫لنصه في محاولات سابقة وفي الضميمة لترجمة المثالية الألمانية‪ .‬فيكون الموحد بينها أنها‬ ‫رموز لما في الفكر دون إحالة لموضوع خارجي أو لما فيه مع إحالة‪.‬‬ ‫وحتى نزيد الأمر توضيحا فإن النوع الأول ليس له إحالة لموضوع خارجي ليس بمعنى‬ ‫أنه ليس له موضوع بل بمعنى أن موضوعه مثله ليس مما يدرك بالحواس خارج الفكر‬ ‫الإنساني بل هو يدرك بالعقل وكأنه من عالم آخر غير العالم الحسي‪ .‬والنوع الثاني‬ ‫موضوعه يدرك بالحس في عالم الحواس الطبيعي والتاريخي‪ .‬فكل المفهومات الرياضية‬ ‫تتكلم على \"كيانات\" ليس لها وجود خارج تصورها المثالي لكنها مشروطة في علم كل الكائنات‬ ‫ذات القيام الخارجي‪.‬‬ ‫فمفهوم المقدرات الذهنية لا يعني أنها ظاهرات نفسية في الذهن بالمقابل مع الظاهرات‬ ‫الموضوعية خارج الذهن بل هي موضوعية ولكن من جنس ثان إذ إن المعاني التي لها علاقة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بخارج الذهن هي بدورها رموزا عند ابن تيمية من جنس اللغة والكتابة ومن ثم فلا بد أن‬ ‫تكون الأولى معاني في علاقة بعالم آخر لا هو نفسي في الذهن ولا هو حسي خارجه‪.‬‬ ‫فلو قسناها على علاقة اللغة مستوى رمزيا يقول المعاني التي هي أيضا مستوى رمزي في‬ ‫علاقة بالأشياء الخارجية ومن ثم فيمكن القول إنها مثل هذا النوع مع توقف قبل الوصول‬ ‫إلى الأشياء الخارجية المنتسبة إلى العالم الحسي‪ .‬فيكون للمعاني عالم أوسع من عالم‬ ‫الحسي الذي يعتبر إحدى إمكاناته ومن ثم فلا يمكن تصور هذه المعاني مجردة من العالم‬ ‫الحسي رغم قابليتها للانطباق عليه في حدود معلومة‪ .‬فيكون عندنا خمسة عوالم كلها من‬ ‫طبيعة رمزية‪:‬‬ ‫‪ .1‬عالم الرموز الكتابية‪.‬‬ ‫‪ .2‬عالم الرموز اللغوية‪.‬‬ ‫‪ .3‬عالم الرموز المعنوية (وهذا من إبداع ابن تيمية الذي لا يعتبر المعاني ذات قيام‬ ‫خارجي لا مفارق بالمعنى الأفلاطوني ولا محايث بالمعنى الأرسطي)‪.‬‬ ‫‪ .4‬عالم الأشياء الطبيعية أو ما ندركه منها وهو رامز إليها وليس هو هي‪.‬‬ ‫‪ .5‬وعالم جامع هو الترميز عامة والاربعة المتقدمة هي فروع منه وهو الأصل وفيه‬ ‫يتحرك الفكر ليعمل بها أولا ويتعامل معها ثانيا ويميز بينها ثالثا ويحددها رابعا بكونها‬ ‫عوالم متمايزة يسبخ فيها سباحة السمك في الماء‪.‬‬ ‫وقد لا يكون الفكر إلا هذا الترميز عينه إذ لا يمكن تصور الفكر قائما إلا في واحد منها‬ ‫دون أن ينحصر فيه بل هو خلال قيامه فيه يكون شبه منظور منها إليه ومنه إليها وبهذا‬ ‫المنظور المتعدد يكون الفكر وكأنه ذو قيام ذاتي خارج عالم الرموز التي تصله بالعالم‬ ‫الخارجي الطبيعي والتاريخي وبما بعدهما الذي يفترضه وراءهما‪.‬‬ ‫وانطلاقا من عالم المعاني هذا ‪-‬وهو مقابل لعلام الدوال ورديف لها‪ -‬اقترحت سابقا‬ ‫مضاعفة ما يسمى بعلم الدلالة من بين علوم اللسان الثلاثة التقليدية (السنتاكس والدلالة‬ ‫والتداول) ليصبح علم المعنى إلى جانب علم الدلالة واقترح تتبعا لذلك مضاعفة علم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫التداول باللغات الطبيعية بعلم التداول باللغات الاصطناعية‪ .‬فهما مختلفان اختلاف‬ ‫الدلالة (وهي إحالة إلى العالم الخارجي) عن المعنى (وهي إحالة إلى العالم النظري الذي‬ ‫بمقتضاه يتناول الفكر العالم الخارجي)‪.‬‬ ‫ويصبح السنتاكس أو \"النحو\" ذا معنى أشمل يجمع بين النحو اللساني والنحو المنطقي‬ ‫فيكون في آن منطق الالسن ولسان المنطق ليشملها أربعتها وهو نظرية الوسميات أو‬ ‫السيميوتكس نحو الترميز عامة شاملا لكل علوم الآلة بوصفها تدرس عالما مختلفا عن العالم‬ ‫المحسوس سواء كان طبيعيا أو تاريخيا أو عالم المعاني أي الرموز كعالم قائم الذات‪ .‬ولا‬ ‫معنى للقول بالمفارقة أو بالمحايثة إلا عند من يعتقد أن العالم واحد‪ .‬لكن العوالم متعددة‬ ‫بتعدد مستويات الترميز‪.‬‬ ‫وهذا العالم القائم الذات هو الذي يسميه القرآن آيات وهي شبه الحرارة التي تشع بها‬ ‫النار أو الضوء الذي يشع به المضيء وهو عالم مختلف عن النار وعن المضيء بمعنى أنه‬ ‫ليس صادرا عنهما بل هو صادر عن الإنسان من حيث هو مدرك لذاته ولما حوله ولما ورائهما‬ ‫إدراكا يمثل حيزا يقوم فيه هو وما عداه‪.‬‬ ‫وهذا الحيز كل ما أدريه عنه أنه ليس نفسيا بمعنى أنه ليس ذا صلة بالأنا من حيث هو‬ ‫ذاتي فحسب بل هو حيز يتحيز فيه حتى الأنا فيكون النفسي هو نفسه من المتحيزات فيه‬ ‫وليس هو الحيز‪.‬‬ ‫هل هو الروح؟‬ ‫لا أدري بل كل ما أدركه منه هو أنى أشعر وكأني أسبح فيه وهو مثل موج المحيط يحيط‬ ‫بي وبكل ما عداي‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فالإنسان يشعر بأنه أحد الموجودات في العالمين الطبيعي وما بعده والتاريخي‬ ‫وما بعده‪ .‬لكنه في آن يشعر بأن هذين العالمين وما بعدهما مقيمان فيه لكأنه محاط بالعالمين‬ ‫وبما بعدهما ومحيط بهما في آن دون أن يكون ذلك تضخما في ذاته بل هو شعور فعلي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫متناسب مع درجات الوعي الإنسانـي بالذات وبغيرها سواء كان هذا الغير العالم الذي‬ ‫ندركه بالحواس أو العوالم الرمزية المتعددة‪.‬‬ ‫ودون جزم دغمائي لا أرى فرقا بين هذه الحالة ودلالة \"علمه الأسماء كلها\" إذا عوضت‬ ‫كلمة أسماء برموز أو بآيات‪ .‬ومعنى ذلك أن الإنسان يشبه \"القصعة\" اللاقطة لكل ما تبثه‬ ‫فضائيات العالم يتلقى ويكثف المتلقطات ويحولها إلى الوعي الإنساني فيكون هو آية الآيات‬ ‫واللاقط الكوني للآيات‪.‬‬ ‫وهو ما تدعوه إلى تكثيفه الآية ‪ 53‬من فصلت والتوجيه الدائم في القرآن للإنسان حتى‬ ‫يتجاوز العالم الحسي إلى العالم الحدسي ليدرك هذه التي ينسب الله إلى نفسه إراءتها‬ ‫للإنسان في الآفاق (العالمين الطبيعي والتاريخي وما بعدهما) وفي الأنفس ليتبين أن القرآن‬ ‫حق‪ .‬وما فهمت حقا معنى \"ضيق الحوصلة\" عند الغزالي إلا بتجاوز وحدانية العالم‪.‬‬ ‫فمفهوم \"ضيق الحوصلة\" وضعه الغزالي مع مفهوم \"طور ما وراء العقل\" ليثبت به أن‬ ‫المتكلمين والفلاسفة عندما يريدون فرض قيس الغائب على الشاهد ويخلطون بين الغيب‬ ‫والغائب يقعون في تعميم ما يعلمون على ما يجهلون بطرده وكأن الاستقراء الناقص قابل‬ ‫يصبح كاملا بهذا القياس الناتج عن ضيق الحوصلة‪.‬‬ ‫وضرب مثال العميان حول الفيل كل يعرفه بما لمس منه‪ .‬كما ضرب مثال ذرة من النار‬ ‫تحرق مدينة كاملة مثلا ولا يصدقها صاحب الحوصلة الضيقة‪ .‬ولنا مثال يحكى في شكل ملحة‬ ‫عن شيخ كذب بوجود الطائرة فرمى من تكلم عليها بمطرقة وقال له انظر كيف تسقط ولا‬ ‫تطير‪ .‬وهلم جرا مما ينتج عن الجهل بالممكن‪.‬‬ ‫والعلة في ذلك كله هي القول بالمطابقة أعني بتوهم ما ندركه مطابقا للوجود فنحصر‬ ‫الوجود في الإدراك‪ .‬وذلك هو المبدأ الذي يرد إليه ابن خلدون كل أخطاء الكلام والفلسفة‬ ‫وميلهم السهل إلى التأويل بدعوى رد النقل إلى العقل لكأن الأول غني عن العقل والثاني‬ ‫غني عن النقل‪ .‬لكن خطأ ابن خلدون هو تصور ذلك من طبيعتهما وليس من تحريف علته‬ ‫توهم الوجود شفافا والعقل حديدا والعلم مطلقا ونهائيا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهنا يأتي الفرق بين الإحاطتين‪:‬‬ ‫• فأنا محيط بما ُيعلم من الوجود وهو قريب من الصفر‪.‬‬ ‫• وأنا محاط به وبما أجهل وهو يكاد يكون كل شيء بالقياس إلى ما أعلمه‪.‬‬ ‫فمثلما أن كياني العضوي دون الذرة إذا قيس بالوجود المشهود ناهيك عن غير المشهود‬ ‫منه فكذلك كياني الروحي دون الذرة إذا قيس بالعالمين وما بعدهما‪ .‬ولو صدقنا خرافة‬ ‫التناظر والتساوي بين الإحاطتين لرجحنا فهم هيجل لحلول الروح اللامتناهي في الروح‬ ‫المتناهي ولأعتبر الإنسان بديلا من الله ولقلنا بوحدة الوجود التي يشتـرك فيها مع‬ ‫التصوف المتفلسف ولكان مجرد استكمال لوحدة الوجود الطبعانية التي يقول بها سبينوزا‪.‬‬ ‫إنما ذلك كبرياء مرضي من جنس قول المتصوفة بتناظر العالمين الكبير والصغير‪.‬‬ ‫فما يتلقاه الإنسان من آيات الله في الآفاق والأنفس يجعله حقا مرآة صقيلة تدرك بعض‬ ‫أسرار الوجود ولكن بمنطق {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}‪ .‬فالأمر لا يجاوز‬ ‫قطرة من بحر عالم الخلق والأمر أي العوالم الطبيعية والعوالم الروحية التي نحدسها ولا‬ ‫نعلمها ونفكر فيها مع العلم بعدم علمها‪.‬‬ ‫وهذا هو جوهر الديني في كل دين لم يحرف‪ .‬والإسلام لا يقول شيئا آخر‪ .‬ولما كان‬ ‫تذكيرا بما فطر عليه الإنسان فإنه لا يمكن أن يكون الإنسان عالما بغير ما يذكره به القرآن‬ ‫في شكل إشارات تذكيرية وليس في شكل علم يتجاوز مفاتيح تأهيله ليستعمل ما جهز به‬ ‫لتحقيق مهمتي التعمير والاستخلاف‪.‬‬ ‫فإذا عدنا إلى المدخل الثاني من بداية مستويات الترميز الثلاثة التي تكلم عليها ابن‬ ‫تيمية‪ -‬الكتابة واللغة والمعاني‪ -‬من غايتها أي من الكتابة بدلا من المعاني فإننا نجد‬ ‫علاقتهما مباشرة قبل المرور بالوسيط بينهما والذي هو حتما متقدم الوجود على الكتابة لأن‬ ‫الشفوية متقدمة على الكتابية‪.‬‬ ‫سنكتشف حينها أن الكتابة بدأت بما يشبه رسم العناصر التي تعتبر ممثلة للأشياء تسليما‬ ‫بأن أساسها الرسم أي رسم الأشياء‪ .‬ثم تصبح نواتئ الرسم معاني ممثلة للأشياء ثم تصبح‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كتابة من جنس الصينية والهيروغليفية‪ .‬فتكون كتابة اللغة متأخرة عن كتابة الأشياء‬ ‫بالرسم‪ .‬وتكون رسوم الأشياء كتابة لحرف أسمائها الأول‪.‬‬ ‫وبذلك فقد تم اكتشاف الكتابة الألفبائية‪ .‬وهي فينقية‪ .‬ومنها تفرعت كل الكتابات‬ ‫الألفبائية المعلومة والمشهور منها حاليا خاصة اثنتان وهي الحروف السامية العربية والعبرية‬ ‫واثنتان غير سامية وهي الحروف اليونانية واللاتينية‪ .‬وكلها كتابة تعتمد رسوم حيوانات‬ ‫صارت رموزا لحرف اسمها الأول ثم لذلك الحرف عامة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فحصل العالم الرمزي الكتابي اعتمادا على الوصل بين الرسم والنطق‪ .‬كما أن المعاني‬ ‫باعتبارها هي بدورها رموز في الفهم التيمي سابقة عن اللغة لأن هذه تسمي ما رسم من‬ ‫الأشياء بوصفه مميزا لها ودالا عليها‪ .‬فيكون اسم الرسم اسما للشيء المرسوم‪ .‬ومن ثم‬ ‫فالكتابة والمعاني بما هما رمزان متقدمان على اللغة الناطقة في جميع الحضارات‪ .‬وتعلم‬ ‫الأطفال للغة قومهم أكبر دليل على ذلك‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن المعاني لا تصبح قابلة للعبارة اللسانية عنها إلا بعد أن تتجرد منه تعيناتها‬ ‫الرمزية العامة في أفعال وسلوك من الطفل إزاء ما يدركه مما ينتأ للحواس من مميزات‬ ‫الأشياء وبها يسميها فتكون هذه المميزات المحسوسة معاني متعينة في رمزين أحدهما في‬ ‫سلوكه والثاني في ما نتأ من الخصائص في الأشياء التي تحيط به ثم بالتدريج يسميها بما‬ ‫يسمع من كلام أهله حولها‪.‬‬ ‫وهذا يعني أولا أن اللغة في كل الأمم ترجمة لترميز متقدم عليها وثانيا الوهم الناتج‬ ‫عن مسالة البيضة والدجاجة بين الفكر واللغة وأيهما الأسبق‪ .‬فالأسبق هنا ليس فكرا ذا‬ ‫قيام مستقل عن الرموز بل هو قائم في رموز رسمية وموسيقية منهما ينطلق الطفل للترجمة‬ ‫اللسانية خلال التواصل ليس بين ذاته وما نتأ لحواسه من ترميز في المدرك (هو) والمدرك‬ ‫(المحسوسات من حوله) كما يسمع أهليه يسمونهما ترجمة لما تعين في نظام رمزي رياضي‬ ‫إما رسميا أو موسيقيا‪.‬‬ ‫المراحل هي إذن‪ :‬رسم الأشياء يبرز ما يعتبر حسيا مميزا للمرسوم فيصبح ذلك اسما‬ ‫للأشياء إذ غالب الأسماء مشتقة من صفات الشيء المشهود الذي يعتبر الأبرز لكأن الكتابة‬ ‫من جنس الكاريكاتور الذي يبرز علامات مميزة للشيء مميزة للمرسوم ومنه يشتق المعنى‬ ‫فالاسم‪ :‬اللفظ آخر شيء تماما كما عند الطفل‪.‬‬ ‫ويوجد مصدر ثان‪ .‬فالرسم هو المصدر الأول‪ .‬وهو ذو علاقة بالبصر‪ .‬أما المصدر الثاني‬ ‫فهو الموسيقى‪ .‬وهو ذو علاقة بالسمع‪ .‬ومنه أسماء الصوت التي تمثل العنصر الرابع في‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عناصر اللغة التي ظنها النحاة ثلاثة‪ .‬وهي في الحقيقة خمسة‪ .‬فاسم الصوت وهو موسيقي‬ ‫واسم الفعل وهو رسمي متقدمان على الثلاثة المعهودة‪.‬‬ ‫فاسم الصوت يسمي الأشياء بصوتها‪ .‬واسم الفعل يسميـها بالتعبير الجسدي من جنس‬ ‫صه بالعربية وشوت بالفرنسية ووضع الاصبع على الشفتين كونيا لإفادة فعل الأمر‬ ‫بالسكوت‪ .‬وهذان متقدمان على الاسم والفعل والحرف التي تتأخر ثلاثتها في تكون اللسان‬ ‫أي لسان‪ .‬وإذن فاللسان متأخر ونطق الأطفال أكبر دليل‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى ففن الرسم وفن الموسيقى هما أصل كل أدوات الترميز الإنساني‪ .‬ومنذ أن‬ ‫فقد الشعر العربي الذي يزعمونه حديثا هذين البعدين لم يبق شعرا أصلا وصار يخفي‬ ‫فقدانه لبعدي الشعر الأساسيين بدعوى التفلسف البدائي والسرقات التي يمسونها تناصا‬ ‫وهي لصوصية خالصة من أدعياء الشعراء الحاليين‪ .‬فاللغوي في الشعر مجرد مادة ‪-‬من‬ ‫جنس أي مادة في العبارة الفنية‪ -‬وهو لا يستمد شاعريته من اللسان بذاته لأنه مادة مثله‬ ‫مثل أي مادة بل مما يرسم به وفيه ويموسق‪ .‬فإذا فقد الرسم والموسيقى بالمادة اللسانية لم‬ ‫يبق إلا ألفاظ مادية كمن يراكم الحجارة في البناء معتبرا إياها بناء وليس ما يجعلها كنا‬ ‫معبرا عن حماية الأمن الجميل‪.‬‬ ‫وإذا كان الجرجاني قد فهم أن البلاغي في العربية متقدم على النحوي الذي ليس هو إلا‬ ‫أداة التشكيل ذي الفائدة البلاغية‪-‬وأداتها النظم‪ -‬فإن ذلك كان منطلقه إلى اهم‬ ‫اكتشافاته أعنى مفهوم \"معنى المعنى\"‪ .‬وقد بينت سابقا أن \"معنى المعنى\" لا يمكن أن يفهم‬ ‫إذا لم يكن المعنى الأول من حيث هو رسم وموسيقى قد أصبح رمزا للمعنى الثاني‪.‬‬ ‫فمثلا معنى المعنى في عبارة \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" للدلالة على التردد ليس إلا تحول‬ ‫العبارة اللسانية \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" إلى رسم مشهود ومتحرك للدلالة على معنى‬ ‫مجرد هو التردد‪ .‬فيكون القصد من يقدم رجلا ويؤخر أخرى رسما لعبارة جسدية هي‬ ‫حركة التقدم والتأخر الدال على معنى رسمي دلالة رسم الكرم ببسط اليد والبخل‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بقبضها‪ .‬وقد يفيد نفس الرسمين العدوان وعدمه (كما في قصة هابيل وقابيل) أو على‬ ‫معنى الأنفاق المبذر أو المقتصد‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فكل لغة القرآن هي من هذا الجنس‪ .‬ولكن في أسمى حبك وأحكم زرد في‬ ‫الصوغ والسرد والطرد‪ .‬وفهم ذلك يغني عن خرافة الحقيقة والمجاز‪ .‬فاللسان خاصة وكل‬ ‫الترميز عامة ليس بين الرمز المرموز فيه أي علاقة لا حقيقية ولا مجازية بل هي مواضعة‬ ‫في كل الحالات ومعناها الأول رسم أو موسيقى للدلالة على معنى ثان مجرد هو معنى المعنى‪.‬‬ ‫وقد تتراكب هذه المعاني فيكون الثاني هو بدروه رسمـا وموسيقي للدلالة على معنى ثالث‬ ‫فرابع فخامس إلى ما لانهاية له تماما كما تتراكب حالات الوعي بالذات فأعي وعيي بذاتي‬ ‫إلى ما لانهاية ولذلك فقد بينت في كتاب الشعر المطلق أنه يوجد تناظر بين نظرية معنى‬ ‫المعنى الجرجانية ونظرية توالي الأوعاء السينوية‪ .‬لكن التواصل يوجب أن يكون هذا‬ ‫التراكب متناهيا حتى نقلل من سوء التفاهم‪ .‬ويوجد حد معلوم هو أفضل أنواعه وهو ما‬ ‫لأجله اعتبرت القرآن غاية ما يشرئب إليه الشعر المطلق من الكمال البلاغي والأسلوبي‪.‬‬ ‫ولأني أدركت هذه العلاقات أمكن لي أن اعتبر نظرية الثالوث في نظرية اللغة ليست‬ ‫صحيحة وهي بحاجة إلى إضافة العنصرين اللذين وصفت هنا‪ .‬فاللغة ليست اسما وفعلا‬ ‫وحرفا فحسب بل هي قبل ذلك تصويت دال على ذاته سموه اسم صوت وحركة دالة على‬ ‫ذاتها سموها اسم فعل‪ .‬وهما علاقة الترميز اللساني بالترميز الجمالي أعني الرسم‬ ‫والموسيقى‪ .‬فأما سموه اسم صوت له علاقة بالموسيقى وما سموه اسم فعل له علاقة بالرسم‬ ‫لعبارة بدنية‪.‬‬ ‫ومن أسماء الصوت أصوات الحيوانات المحاكية لأصواتها مثل زقزق بلبل وأصوات اوراق‬ ‫الشجر مثل حفيف وأسماء صوت الماء مثل خرير وأسماء حركة اجنحة الطيور‪ .‬ومن أسماء‬ ‫الصوت عبارة الجسد المصوتة مثل صه وحدك‪ .‬فالدال ليس نبرة الصوت وحدها بل حركة‬ ‫التصويت الدال على النهر في صه والغضب في حدك‪ .‬وهذه ليست أسماء ولا أفعال ولا‬ ‫حروف بل هي صوت مفيد وعبارة بدنية مفيدة تصحب صوت غير مفيد‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وتسميتها باسم الصوت وباسم الفعل فيها تجن عليهما لأنهما ليسا اسمين وليسا فعلين‬ ‫بالمعنى اللساني بل بمعنى مغاير هو الصوت المفيد المعبر عن ذاته بذاته والعبارة البدنية‬ ‫المعبرة عن ذاتها بذاتها مع صوت غير مفيد بل هو مجرد مصاحب للعبارة البدنية‪ .‬لكن‬ ‫للحفاظ على التثليث سميا باسم صوت واسم فعل‪ .‬هما صوت مموسق وحركة مرسومة‪ .‬وطبعا‬ ‫فهما يصبحان اسما وفعلا بالمعنى اللساني المعتاد بعد أن يصاغا لسانيا ـ\"فيقدم رجلا ويؤخر‬ ‫أخرى\" ليست لسانية إلا في الدلالة على معناها الأول لكنها رسم في الدلالة على معنى‬ ‫المعنى‪ .‬فهما فعلان يسميان رسما لحركة في المكان للدلالة على التردد‪ .‬وصه فعل يسمي‬ ‫عبارة بدن مفيدة ونبرة صوتية لا تفيد لسانيا لأن اللسان فيها شبه تنبيه المخاطب ليرى‬ ‫العبارة البدنية‪.‬‬ ‫ويمكن ألا نسميهما باستعمال اسم صوت واسم فعل‪ .‬فهما رسم وموسيقى والتسمية لاحقة‬ ‫كما نسمي أي شيء‪ .‬فتسمية شيء أو شخص لا تعني أنهما اسم صوتهما أو اسم فعلهما‪.‬‬ ‫وسنرى أن الحروف كلها تعود إما إلى علاقة مكانية أو إلى علاقة زمانية بين المسمى والاسم‬ ‫إذا لم تكن للوصلين بين الفعل الناقص ومفعوله وبين الجمل بأصنافها الـثلاثة أو للابتداء‬ ‫الموجه (مثل إن بدلالة اثبات الوجود الجازم أو لعل لإثبات الاحتمال إلخ‪ ...‬وهذا يقتضي‬ ‫إعادة تعريف الحرف)‪ :‬خبرية وانشائية وشرطية‪.‬‬ ‫والشرطية نوعان ومثلها الإنشائية‪ .‬فتكون أنواع الجمل خمسة أصلها الخبرية‪ .‬فالخبرية‬ ‫هي الأصل لأن الشرطية تبدأ بخبر حول علاقة الشرط وجوابه‪ .‬والإنشائية مثلها تبدأ‬ ‫بخبر حول موقف المنشئ القضوي أمرا أو نهيا أو تمنيا أو رغبة إلخ‪ ....‬فلا توجد جملة‬ ‫شرطية مباشرة من دون خبر حول علاقة الشرط بالمشروط سواء كانا موصولين أو‬ ‫مفصولين‪ .‬ولا توجد إنشائية مباشرة من دون خبر (صريح أو ضمني) حول موقف المنشئ‬ ‫من الإنشاء الآمر أو الناهي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والآن يمكن أن اقترح حلا لمشكلة عويصة تتعبر من المتشابه أعني \"الحروف المقطعة\" في‬ ‫القرآن الكريم وهي التي تبدأ بها بعض سوره‪ .‬فهي رسم للحرف معنى أول لاسم الحرف‬ ‫الذي هو معناه الثاني أو معنى المعنى‪ .‬فعندما أكتب \"يس\" الأمي يقرأ الرسم \"يس\" لأنه لا‬ ‫يدري أنها رسم للاسم \"ياء ‪ +‬سين\"‪ .‬والمتعلم يقرؤها \"ياء‪ +‬سين\"‪.‬‬ ‫فـمن أين أتت الألف والياء في القراءة الثانية بعد غيابها في القراءة الأولى؟‬ ‫الغياب والحضور في قراءة الحروف المقطعة علتهما الإشارة إلى الرسم أصلا للنطق أو‬ ‫لمصدر اللغة المستمد من هذه العلاقة بين الرسم والموسيقى‪ .‬فالأول يرسم علامة مبصرة‬ ‫والثانية تنغم علامة مسموعة‪ .‬والسر هو إذن في احتواء القرآن على تعليل علاقة اللسان‬ ‫بالبصر والأذن كما في \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\"‪.‬‬ ‫فـ\"لا يعقلون\" لا تعني العقل في مقابل الحس بل هي تعني الفهم في مقابل عدم الفهم‬ ‫بدليل قوله تعالى \"قرآنا عربيا لعلهم يعقلون\" أي يفهمون‪ .‬وإذن فعندنا أربعة عناصر‬ ‫متكاملة زوجين زوجين‪ :‬صم بكم (السمع والنطق) عمي لا يعقلون (البصر والفهم) لأن‬ ‫أفضل طرق الفهم هي أن يحضر فيها الشيء ذاته أو رسمه للشهود العيني كما في الرسم‬ ‫المحاكي للشيء‪.‬‬ ‫ومعنى كلامي أني لا أنسب لنفسي الأصل الرسمي والموسيقي للألسن بل القرآن هو الذي‬ ‫يقول ذلك‪ .‬والحروف المقطعة تجمع بينهما‪ .‬فالرسم يمثله رسم الحرف‪ .‬والموسيقى يمثلها‬ ‫نطقه عند المتعلم‪ .‬وكما أسلفت فالانتقال من الكتابة المحاكية للأشياء بما يجرده الرسم منها‬ ‫إلى الكاتبة الراسمة للأصوات هي جنسها‪.‬‬ ‫فرسم الجمل صار رمزا للحرف الأول من اسمه‪ .‬والكلمة صارت مجموعة رسوم لأسماء‬ ‫حيوانات أو أشياء أخرى‪ .‬وكل رسم لم يعد رسما للحيوان بل للحرف الأول من اسمه‪ .‬وهو‬ ‫جمع بين الرسم والموسيقى في الكتابة الآن‪ .‬ومن ثم فالكتابة في الحقيقة متقدمة على الكلام‬ ‫لأنها هي رسم ينطق بصوت‪ .‬وهذا مصداق لرؤية ابن تيمية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فهو يعتبر المعاني حدودا لما تشير إليه من الأشياء‪ .‬وهي عنده رموز حادة كان القائلون‬ ‫بالمطابقة يعتبرونها مقومات الأشياء وليست رموزا مثل اللغة والكتابة‪ .‬لكنه هو يعتبرها‬ ‫رموزا تشير إلى مسمياتها إشارة اللغة والكتابة‪ .‬وقد بينت أن الكتابة الصينية هي نوع من‬ ‫رسم للمعاني الممثلة للأشياء أو لما اختير من شكلها مميزا لها‪.‬‬ ‫والرسم المميز صار نظير الحرف عندنا‪ .‬لكن الحرف عندنا رسم للصوت وعندهم هو رسم‬ ‫للمعنى‪ .‬وكلاهما رمز لما جرد مما ندركه من الشيء للدلالة عليه دون أن يكون مقوما له‬ ‫بل هو مقوم لما أدركناه منه‪ .‬وهذا يؤسس للترميز المختص أو للغة الاصطناعية وهو شرط‬ ‫المعرفة العلمية في حين أن اللغة الطبيعية أوسع لتعدد الدلالات في عناصرها بخلاف اللغة‬ ‫الاصطناعية الاصطلاحية‪.‬‬ ‫وعلى هذا الأساس اضطررت ‪-‬اعتمادا على تمييز فراجه بين الدلالة والمعنى لمضاعفة‬ ‫علم الدلالة ‪ Die Bedeutung‬بعلم المعنى ‪ Der Sinn‬الذي هو أعم لأنه غير مقيد بدلالة‬ ‫اصطلاحية وحيدة بل يتعداها إلى الموجود والمنشود اللامحددين في عالم أوسع من العالم‬ ‫الذي ندركه بحواسنا‪ .‬ويترتب عليه مضاعفة علم التداول ليصبح الملتبس باللغة الطبيعية‬ ‫والمحدد باللغة الاصطناعية مستويين مختلفين من العبارة اللسانية‪ .‬وتلك علة التحول الذي‬ ‫مر به فتجنشتاين في كراسته بعد التراكتاتوس‪ .‬فصارت علوم اللسان خمسة وليست ثلاثة‬ ‫كما هو سائد في الألسنية الحديثة‪:‬‬ ‫‪ .1‬علم النحو الذي هو لساني منطقي ثم فروعه الأربعة‪:‬‬ ‫‪ .2‬والدلالة‬ ‫‪ .3‬والمعنى‬ ‫‪ .4‬والتداول الملتبس باللغة الطبيعية (بين البشر العاديين دون اختصاص معين)‪.‬‬ ‫‪ .5‬والتداول اللاملتبس باللغة الصناعية (بين العلماء في اختصاصهم)‪.‬‬ ‫وتوجد خاصية أساسية هي الفائدة الجوهرية من هذا الفصل المضاعف لفرع الدلالة‬ ‫وفرع التداول‪ .‬فمزية التداول المحدد باللغة الصناعية هو كونه يجمع بين العلاقتين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫العمودية بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان‪ .‬ومعنى ذلك أن العلم لا يكون‬ ‫الحوار فيه بين العلماء فحسب بل بينهم وبين موضوع العلم سواء كان الطبيعة أو التاريخ‬ ‫أو الإنسان كموضوع بخلاف التداول باللغة الطبيعية‪.‬‬ ‫فاللغة الطبيعية لا تتجاوز التداول بين البشر حتى لو كان موضوع التداول هو الطبيعة‬ ‫أو التاريخ لأن اللغة الطبيعة لا تستطيع وصف الموضوع ولا تتجاوز الإشارة إليه أو تنبيه‬ ‫المخاطب خلال التواصل إلى موضوع التواصل أو الحوار أي إلى ما يوجه إليه الانتباه مما‬ ‫تحقق في التداول الأول الذي يستعمل اللغة الاصطناعية العلمية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولما كان القرآن يستعمل اللغة الطبيعية وليس اللغة الاصطناعية التي هي لغة العلم فكل‬ ‫تخريف عن الأعجاز العلمي لا يصدقه عقل ليس لأنه رسالة من شروطها أن تكون مفهومة‬ ‫من المخاطبين بها من المرسل إليهم عامة بل لأن اللغة الطبيعية لا يمكن أن تقول شيئا علميا‬ ‫إلا بالإشارة إلى ما تم تحصيله علميا وصيغ بلغة العلم الصناعية التي يصنعها العلماء وهي‬ ‫غير اللغة الطبيعية‪.‬‬ ‫فلو كان القرآن مكتوبا بلغة صناعية لكان موجها إلى العلماء دون سواهم ولما كان رسالة‬ ‫كونية للبشر من حيث هم بشر لا من حيث هم علماء‪ .‬وكل محاولات ترجمة لغة القرآن‬ ‫الطبيعية إلى لغة صناعية (وهو ما يحاوله علماء الملة بأصنافهم الخمسة) تحريف للقرآن‬ ‫ولا يستقيم مهما دجلوا في تشويهه بتعالم زائف‪ .‬وهذه العملية التحريفية هي التي ضخمت‬ ‫العبادات ووسعت الأحكام وضيقت على المسلم حرياته مدعية أن صوغها الصناعي للغة‬ ‫القرآن الطبيعية يعبر عن مقاصد الله لكأن الله يعجزه أن يصوغ ذلك بنفسه لو كان ذلك‬ ‫من مقاصده‪.‬‬ ‫ومشكل الفلسفة الأساسي هو أنها لا يمكن أن تستعمل اللغة الصناعية‪ .‬ولا يمكن في الآن‬ ‫نفسه أن تستغني عنها ليس للتعبير عن رؤاها بل لأن هذه اللغة الصناعية هي من‬ ‫موضوعاته ومن أدواتها للكلام في ما تعرضه العلوم من نظرياتها لأن العلم ليس أحد‬ ‫موضوعات الفلسفة فسحب بل هو سبيلها إلى تناول ما عداه من الموضوعات بوصفها‬ ‫موضوعاته‪.‬‬ ‫فموضوعات الفلسفة ليس موضوع العلوم من حيث هو خام وبكر بل موضوعها هو موضوع‬ ‫العلم بعد أن صارت بصياغة علمية‪ .‬فلا علاقة للفلسفة مباشرة بالأشياء إلا بعلاقة الإنسان‬ ‫بها‪ .‬وما عدى ذلك هو علاقة بها كتجربة ذاتية لا يمكن أن يعتد بها في المعرفة العلمية إلا‬ ‫في مجال ما لا يكاد يلج إليه العلم مثل الوجدانيات والتجارب الروحية المشتركة التي هي‬ ‫من جنس التصوف‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذه العلاقة بين الفلسفة والعلوم ليست جديدة كما يتوهم الكثير‪ .‬فالفلاسفة لم‬ ‫يكونوا أبدا محيطين بكل علوم عصرهم حتى في المراحل الأولى من العلوم‪ .‬والموسوعية‬ ‫المزعومة مستحيلة حتى في بدايات التفلسف إلا في المشترك بين العلوم وهو ما بعدها وآلتها‬ ‫لأن التمكن من أي اختصاص يقتضي التفرغ له طيلة العمر وخاصة بعد تطور الاختصاصات‬ ‫وتفرعها المهول‪.‬‬ ‫ومن ثم فالمشترك بين العلوم هو نظرية المعرفة ومناهجها تحديدا لطبيعة علاقتها‬ ‫بموضوعاتها وفي جوهر ما بعد العلم ثم بخصائص لغاتها الاصطناعية‪ .‬وهي مسألة منطقية‬ ‫أعني صورة العلم ووجودية أعني مضمون العلم‪ .‬ولذلك فمشكل ابن تيمية في نقد المنطق‬ ‫لا يتعلق به من حيث هو علم العلاقات بين المعاني ‪-‬صورة للعلم عامة‪-‬بل من حيث نظرية‬ ‫المعرفة وشروط انطباقه من منطلق نظرية الوجود‪.‬‬ ‫وبلغة عصره فـمبحثه مداره مشكله التحليلات الأواخر وليس التحليلات الأوائل‪ .‬وبلغة‬ ‫كنط مشكله هو المنطق المتعالي وليس المنطق أعني في الحالتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬كيف نمر من المنطق من حيث هو قوانين علاقات المعاني المجردة‪.‬‬ ‫‪ .2‬إلى المنطق من حيث هو مطبق على الموضوع‪.‬‬ ‫لكن ابن تيمية صاغ المشكل بصورة أكثر عمقا فلسفيا إذ هو جعلها متعلقة بالانتقال من‬ ‫المقدرات الذهنية إلى الموجودات الخارجية‪ .‬فيكون المشكل مردودا إلى طبيعة العلاقة بين‬ ‫نظام الرموز عند النظر إليه بمعزل عن نظام المرموز بها ثم طبيعتها عند وصله بنظام‬ ‫المرموز الذي يتمنع عن المطابقة بسبب كون الأول يعمل مع مقدرات ذهنية أو لنقل مع‬ ‫متغيرات لم تتحدد قيمها والثاني يتعالم مع قيم معينة قوانينها مغايرة للمقدر الذهني‪.‬‬ ‫وهذه هي أهم عوامل التخاصب بين التقدير الذهني والتعيين الوجودي في كل علم من‬ ‫العلوم‪ .‬فبفضله يتقدم الأمران أعني نظام الرموز ونظام المرموزات من خلال التواصل‬ ‫بين العلماء والتواصل بينهم وبين الموضوعات التي يريدون اكتشاف قوانينها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فلغة العلم تمكن من الحوار مع الأشياء لأنها في مستوى النظرية أجوبة فرضية عن أسئلة‬ ‫يوجهها العلماء إلى الموضوع الطبيعي أو التاريخي ويتنظرون من التجربة ان تؤكدها أو أن‬ ‫تدحضها‪ .‬وذلك هو جواب الطبيعة‪ .‬وهو جواب يطرح أسئلة هو بدروه لأنه يوجه إلى‬ ‫فرضيات جديدة ممكنة ينطلق منها تعميق البحث ومراجعة النظريات العلمية‪ .‬فيطورون‬ ‫\"الآلة\" الرمزية لتناسب الحالة الموضوعية بمقتضى ما أجابت به التجربة إيجابا أو سلبا‪.‬‬ ‫وما الشيء الذي يطورونه وهو مشترك بين الرامز والمرموز؟ هنا ندرك أهمية قول ابن‬ ‫تيمية إن المعاني هي بدروها رموز وليست مقومات للأشياء تحدد ماهياتها لكأن الماهيات‬ ‫حقائق ثابتة ونهائية وليس أسماء اصطلاحية‪ .‬كان الفلاسفة يتصورون المعاني مقومات‬ ‫الشيء المرموز التي يدركها الفكر منه‪ .‬لكن اعتبارها هي بدروها رموزا يعني أن \"حقيقة\"‬ ‫الشيء تبقى دائما مجهولة والمعاني تبقى دائما مقدرات ذهنية مثلها مثل الرموز عامة‪.‬‬ ‫فيكون التقدير الذهني مضاعفا‪:‬‬ ‫‪ .1‬تقدير ذهني لبنية رمزية لموضوع مجرد‪.‬‬ ‫‪ .2‬يقاس عليه تقدير ذهني لموضوع معين‪.‬‬ ‫والتخاصب بين ا لتقديرين يكون بتعديل أحدهما بالآخر‪ .‬ولعل أفضل مثال هو نظام‬ ‫السماء أو الفلك‪ .‬فبطليموس وضع نظاما لحركات الأجرام السماوية ‪-‬وهذا تقدير ذهني‬ ‫من النوع الثاني على موضوع معين هو حركة الأجرام‪ .‬ولما تغيرت النظرية الفلكية في فلك‬ ‫كوبارنيكوس تغير النموذج الثاني الرمزي الثاني وليس الأول أي القوانين الرياضية بقيت‬ ‫واحدة لكن ما طبق النموذج المطبق منها على حركة الأجرام هو الذي عدل‪.‬‬ ‫لكن ذلك ما كان ليكون ممكنا لو لم يكن التقدير الذهني من النوع الأول ‪-‬وهو أساسا‬ ‫مضمون كتاب اقليدس في العناصر الرياضية‪-‬قد حصل وأصبح قادرا على مد بطليموس بعلم‬ ‫آلة هو الرياضيات الإقليدية‪ .‬وقس على ذلك كل العلوم الحالية في أي مجال سواء كان‬ ‫طبيعيا أو إنسانيا‪ .‬وهذا يلغي خرافة الأعجاز التي تحط من قدر القرآن بعكس نوايا‬ ‫القائلين بها لأنها تجعله تاريخيا بتاريخية العلوم التي لا شك فيها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لكنه يبقي على اشارات القرآن التي توجه الإنسان إلى مبادئ عامة لتحقيق مهمته في‬ ‫الوجود أعني الاستعمار في الارض والاستخلاف بالنظر والعقد في العلوم وبالعمل والشرع‬ ‫في القيم‪ .‬فلما يقول الله \"إنا كل شيء خلقناه بقدر\" فهو يشير إلى أن الطبيعة خاضعة‬ ‫لقوانين رياضية‪ .‬وعندما يشير إلى ضرورة اعتبار الموجود فهو يشير إلى ضرورة التجربة‬ ‫ومن ثم فهو يشير إلى نوعي التقدير الذهني الأول هو المجرد والثاني هو المعين‪ .‬لكن ذلك‬ ‫كله أهملته علوم الملة فضلت تأويلات لفظية ليس لها القدرة على تحقيق الاستعمار في‬ ‫الأرض فضلا عن الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫ما أنسبه إلى ابن تيمية هو الوعي الحاد بأهمية \"علوم الآلة\" ومنها على الخصوص المنطق‬ ‫لأن البحث في فاعلية علوم الآلة يجمع بين الأبستمولوجي والأنطلوجي أو بين نظرية المعرفة‬ ‫ونظرية الوجود ومدى التطابق بين الأمرين تطابقا نسبيا ويستحيل ان يكون مطلقا‪ .‬فقد‬ ‫اكتشف أن التطابق التام مستحيل لاقتضائه الإحاطة فوضع نظرية التصورات متوالية‬ ‫التدقيق ومتراكمته‪.‬‬ ‫فكل تصور‪-‬وهو أساس العلاقة بين الرامز والمرموز أو بين التقديرين الذهني المجرد‬ ‫والذهني المعين مادامت المعاني رموزا هي بدروها ومن ثم فالموجود هو بدوره لا يدرك‬ ‫المرموز منه إلا كرمز‪-‬وراءه تصور أفضل وأدق وليس لهذا التوالي حد بمعنى أن المعرفة‬ ‫متطورة وتاريخية وهي إضافية مرتين‪.‬‬ ‫‪ .1‬إضافية إلى المتواصلين مثلا بين المعلم والمتعلم حيث إن المعلم يختار ما يناسب المتعلم‬ ‫منها لينجح في تعليمه‪.‬‬ ‫‪ .2‬وإضافية بإطلاق حيث إن التصور متناسب مع درجة المعرفة الحاصلة بالموضوع‬ ‫المدروس‪.‬‬ ‫فلا يكون تصور \"الكائن\" الرياضي في عصر أرسطو مماثلا لتصوره في عصرنا بسبب تطور‬ ‫النظريات الرياضية وتعقدها الممكن من «قول» الظاهرات الطبيعية والتاريخية التي هي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫شديدة التعقيد‪ .‬وهو معنى التباسها وانتسابها إلى المتشابه الذي يعلم بالرياضيات مع‬ ‫التجربة وليس بتأويل ألفاظ القرآن‪ :‬وذلك هو معنى فصلت ‪.53‬‬ ‫ولو بقيت المعاني مقومات كما كان يراها القائلون بنظرية المعرفة المطابقة لكان تعريف‬ ‫الأشياء في العلوم حقائق نهائية ومطلقة فلا تتبدل ولا تتحول مثل الجواهر الثواني التي‬ ‫يقول بها المشائيون وما يستنتجونه منها من أعراض ذاتية هي موضوع المعرفة النظرية أي‬ ‫التي تنتج الاستدلال البرهاني‪ :‬وهو امر يبين ابن تيمية استحالته فلا برهان إلا في‬ ‫المقدرات الذهنية وما عداها لا يتجاوز الاستقراء الناقص دائما‪.‬‬ ‫فما كان يعرف بها هو الماهيات ومن ثم فهي مقومة لحقيقة الأشياء في نظرهم‪ .‬لكنها عنده‬ ‫ليست كذلك بل هي مجرد علامات لتحديد الأشياء من جنس الحدود بين قطع الأرض‬ ‫ويمكن تغييرها إما في التواصل بين الباحثين أو في التواصل بينهم وبين موضوع البحث وهو‬ ‫القصد بالمعاني رموزا مثل اللغة والكتابة‪.‬‬ ‫والمعلوم أن ابن تيمية لم يكتب في التاريخ وفلسفته من حيث هو علم آلي‪ .‬لكنه أشار إلى‬ ‫دوره في حسم الخلاف بين الفلسفي والديني عندما وضع الشرطين المعلومين لدرء التعارض‬ ‫بينهما‪ .‬فبالإضافة إلى صريح المعقول وضع \"صحيح المنقول\"‪ .‬وهو جوهر علم التاريخ من‬ ‫حيث هو علم آلة في كل العلوم دينية كانت أو فلسفية‪.‬‬ ‫فمن الحماقات تصور المنقول خاصا بالدين والمعقول خاصا بالفلسفة لكأن العلم في الفلسفة‬ ‫يكفي فيه ما يتوهمه العقل ليكون علما فيكون غنيا عن منقول حول موضوعه (وتلك هي‬ ‫غاية التجربة)‪ .‬لو كان ذلك صحيحا لاستغنينا عن التجربة ولكفانا بناء قصور في رمال‬ ‫الخيال فلا يكون العلم مستندا إلى خيال تؤديه التجربة ويصبح لا فرق بين الخيال العلمي‬ ‫والعلم الخيالي في أفلامه‪ .‬وإذن فكل العلوم كلها فلسفية كانت أو دينية بحاجة إلى صحيح‬ ‫المنقول أي إلى مضمون تجريبي‪.‬‬ ‫أو لكأن العلم في الدين مجرد تكديس لمنقولات دون عقل أو بناء منطقي لفهم المنقولات‬ ‫الدينية‪ .‬وهي من نوعين‪ .‬ولا علاقة لها بالغيب لأن الدين ‪-‬على الأقل الإسلام في قرآنه‪-‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ينفي علم الغيب حتى على الرسل‪ .‬ومن ثم فالمنقول هو مضمون الرسالة والتجربة الروحية‬ ‫للمؤمنين وهي تصاغ عقليا وتبنى منطقيا‪.‬‬ ‫فالقرآن لا يعتمد على خرق العادات لعرض معتقداته وتشريعاته بل هو يعللها عقليا‬ ‫باستدلال صارم بين الغزالي مثلا في القسطاس المستقيم أن كل أشكال المنطق الذي كان‬ ‫سائدا في عصره مستعملة فيه وخاصة شكلي الشرطيات ما يعني أن الفصل بين المنقول‬ ‫والمعقول من دلالات السطحية عند نقدة الدين خاصة‪.‬‬ ‫وإذن فالمعقول من دون المضمون النقلي أو المعطيات التجريبية هو في أقصى حالاته إذا‬ ‫احترم قواعد المنطق مقدرات ذهنية لا تصبح علما للموجود إلا بفضل المنقول أو المعطيات‬ ‫التجريبية‪ .‬والمنقول من دون الشكل العقلي أو البناء المنطقي هو في أقصى حالاته إذا‬ ‫احترم العقل السليم مجرد عرض لركام مضموني خال من النسقية المنطقية‪.‬‬ ‫وعرض الركام المضموني لنا منه صورة في ما يسمى بعقيدة المذهب الفلاني أو المدرسة‬ ‫الكلامية الفلانية وهي ما يعلم لتابعيها في شكل محفوظات عقدية يستعرضها كركام دون‬ ‫بناء منطقي يحصي فيها ما علي المنتسب إليها أن يحفظه عن ظهر قلب من معتقدات دون‬ ‫تعليل وهو أمر مخالف للقرآن‪ :‬الدوغماويات‪.‬‬ ‫وهي تقليد موروث عن الكنائس المسيحية ولا تمت للإسلام بصلة إذ إن القرآن يكفينا‬ ‫مؤونتها مع تعليل عقلي للعقائد والشرائع في متناول العقل السليم‪ .‬فتعدد العقائد‬ ‫والشرائع بتعدد الفرق الكلامية والمذاهب الكلامية من نتائج التحريف التأويلي لما هو من‬ ‫المحكم في القرآن الذي صيروه متشابها لعدم التمييز بين كلام الرسالة على نفسها وعلى ما‬ ‫تذكر به مما ورد فيها بالتفصيل وهو المحكم وإشاراتها لما ينبغي البحث فيه خارج الرسالة‬ ‫أي في الآفاق والأنفس وهو المتشابه موضوع العلم النظري والتجريبي المحرر من التأويل‬ ‫اللفظي بالاحتكام إلى المزاوجة بين النظرية والتجربة‪.‬‬ ‫وهذا يبين أن العلوم الغائية من دون العلوم الآلية مستحيلة الحصول أولا ولا تكون‬ ‫علميتها تامة إلا بتمام علمية العلوم الآلية‪ .‬ومن هنا فإن ما توصل إليه ابن تيمية كان‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ينبغي أن يؤدي إلى اضافة علوم آلية متعلقة بالمضمون مناظرة للعلوم الآلية المتعلقة‬ ‫بالشكل‪ .‬وبهما بدأنا محاولة التصنيف‪.‬‬ ‫فينتج من ثم أن العلوم الدينية لن تبقى مقصورة على اللغة والتاريخ الأولى للشكل‬ ‫والثاني للمضمون وأن العلوم الفلسفية لن تبقى مقصورة على المنطق والرياضيات الأول‬ ‫للشكل والثانية للمضمون بل إن نوعي العلوم تستعمل الشكلين والمضمونين‪ .‬ومن ثم‬ ‫فالعلوم الآلية الأربعة ضرورية في نوعي العلوم‪.‬‬ ‫لكن توهم النقلـي بلا عقل والعقلي بلا نقل جعل المعركة بين الكلام والفلسفة في النظر‬ ‫والعقد والمعركة بين الفقه والتصوف في العمل والشرع توهم الفلاسفة بأنهم يمثلون العقل‬ ‫والمتكلمين بأنهم يمثلون النقل والفقهاء يمثلون النقل والمتصوفة يمثلون الكشف وكل ذلك‬ ‫مناف تمام المنافاة للقرآن‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهكذا فقد وصلنا إلى غاية المحاولة بتحديد علة تحريف علوم الملة وعلة فشل التعمير‬ ‫والاستخلاف في حضارتنا‪ .‬فتحريف رؤية القرآن لنظرية المعرفة ولنظرية القيم في نوعي‬ ‫العلوم الدينية والفلسفية خلال الخصومة بين الكلام والفلسفة هو ما جعل النظر والعقد‬ ‫عقيمين وخلال الخصومة بين الفقه والتصوف هو ما جعل العمل والشرع عقيمين كذلك‪.‬‬ ‫فقد ظنوا أن النظر والعقد يمكن أن يبنيا على تأويل آيات النص وليس على البحث العلمي‬ ‫في الآفاق اي في الطبيعة والتاريخ وفي الأنفس أي في ما جهز به الإنسان ليكون قادرا على‬ ‫التعمير‪ .‬وظنوا أن العمل والشرع يمكن أن يبنيا على تأويل آيات النص وليس على البحث‬ ‫العلمي في الآفاق والتاريخ في الأنفس أي في ما جهز به الإنسان ليكون الإنسان قادرا على‬ ‫الاستخلاف‪ .‬ففشلت الأمة فيهما معا فلا هي عمرت الأرض دون استخلاف ولا هي استخلفت‬ ‫فيها دون التعمير لأن المهمتين الإنسانيتين متلازمتان‪ .‬فالتعمير من دون الاستخلاف تدمير‬ ‫للعالم والإنسان ماديا والاستخلاف من دون التعمير وهم يؤدي إلى تدمير الإنسان والعالم‬ ‫روحيا‪.‬‬ ‫ولكننا نبحث في المسألة هذه المرة من مدخل علوم الآلة (اللغة والتاريخ والمنطق‬ ‫والرياضيات والوسميات أصلا لها جميعا) بخلاف المرة السابقة التي كان المدخل إليها علوم‬ ‫الغاية (الفقه والتصوف والكلام والفلسفة والتفسير أصلا لها جميعا)‪ .‬وبذلك يكتمل‬ ‫بحثنا الذي وعدنا به خلال الكلام في هذه بالعودة إلى تلك‪.‬‬ ‫فالمشكلان الإبستمولوجي والأكسيولوجي على أهميتهما الفلسفية ليسا غايتي الأولى في‬ ‫هذين المحاولتين بل غايتي هي محاولة فهم علل الفشل في المهمتين أي الاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها إذ إن مضمون الرسالة الذي هو مضمون القرآن مداره الأول والأخير هو‬ ‫هذان المهمتان لا غير‪.‬‬ ‫وما أحاول حصر الإشكال فيه هو القسمة العجيبة لعلوم الآلة بين نوعي المعرفة الدينية‬ ‫والفلسفية في النظر والعقد ونوعي القيم في العمل والشرع على حد سواء‪ .‬فالعلوم الدينية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫تكاد تقتصر على استعمال اللغة والتاريخ علمين آليين والعلوم الفلسفية تكاد تقتصر على‬ ‫المنطق والرياضيات علمين آليين‪ .‬وإذن فكلاهما ينقصه ما عند الثاني‪.‬‬ ‫وما ينقص الفلسفي والصوفي هو المضمون أو النقل سواء كان من المعطيات التجريبية‬ ‫الطبيعية أو من المعطيات التجريبية التاريخية‪ .‬وما ينقص الكلامي والفقهي هو العقل سواء‬ ‫كان في المعطيات التجريبية الطبيعية أو التاريخية‪ .‬فكانت المعرفة في الحالتين لفظية إما‬ ‫باللغة الطبيعية أو باللغة الصناعية ولأنها في الحالتين كيفية فقد عجزت عن اكتشاف قوانين‬ ‫الطبيعة وسنن التاريخ وصوغهما صوغا علميا‪.‬‬ ‫ولو لم تحرف العلوم الدينية معاني القرآن لعلمت أن فصلت ‪ 53‬تشير إلى أن حقيقة ما‬ ‫جاء به القرآن ليست في نصه بل في الآفاق وفي الأنفس‪ .‬ولما كانت هذه هي الطبيعة‬ ‫والتاريخ خاصة وكان القرآن قد اعتبر الخلق بقدر أي رياضيا وحض على استعمال المدارك‬ ‫الحسية أي مصدر كل التجربة فقد كان من الواجب البحث العلمي فيهما لا بشرح النصوص‪.‬‬ ‫ولما أرجعوا البحث في الآفاق والأنفس مطلوبا من شرح النصوص جعلوها كلها متشابهة لأن‬ ‫معاني النصوص إذا لم يحتكم فيها إلى موضوعات محددة من الشاهد وتحولت إلى طلب‬ ‫الغيب بالتأويل المنهي عنه صارت كلها غير قابلة للتحديد المرجعي فيصبح التخمين بحثا عن‬ ‫تخريجات بلا مرجع يحتكم اليه‪ .‬غاية ذلك تحول العلم إلى عبث من جنس التحكم الباطني‬ ‫وتخريف مرجعيات التشيع‪.‬‬ ‫ومن علامات الأزمة الحرب على المنطق والرياضيات بصورة عامة وليس كما حاول ابن‬ ‫تيمية بيان طبيعتها وطبيعة ضرورتهما وضرورة استكمالهما بالتجربة حتى تتحقق شروط‬ ‫تطبيق المقدرات الذهنية على الموجودات الفعلية في الأعيان‪ .‬ولذلك فالكلام والفقه فشلا‬ ‫ذريعا وتحولا إلى التربية الحكم العنيفين بالجوهر‪.‬‬ ‫وكم يضحكني كلام الحداثيين العرب على عقلانية المعتزلة في نظرية أفعال العباد‬ ‫والتحسين والتقبيح والفلاسفة عامة وابن رشد خاصة في اعتبار العلم قد اكتمل ولم يبق‬ ‫إلا أن يتعلم ويعلم (الفارابي كتاب الحروف)‪ .‬لكن من يدرس أعمالهم دراسة جدية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يكتشف أنهم أكثر عقما من علماء الدين‪ .‬ذلك أن المنطق عندهم للجدل وليس لبناء أنساق‬ ‫نظرية من المقدرات الذهنية تنطبق على الطبيعة أو على التاريخ بل هي شروح ومعارك‬ ‫حول الألفاظ لا صلة لها بالبحث في قوانين الطبيعة ولا في سنن التاريخ‪.‬‬ ‫وكم يضحكني من يدعي أن لابن رشد فضلا كبيرا على الحداثة الأوروبية‪ .‬فقائل ذلك‬ ‫إما يجهل ثورة الحداثة الابستمولوجية والأكسيولوجية أو يجهل مضمون الرشدية العلمي‬ ‫الزهيد‪ .‬ولو سألتهم عن نظرية واحدة من الرشدية كان لها دور في الحداثة التي أسسها‬ ‫ديكارت مثلا لوجدت صفرا بل ولاكتشفت أن الغزالي مثلا كان أكثر تأثيرا في الحداثة‬ ‫الغربية من كل فلاسفة العرب مجتمعين‪ .‬وخرافة العلمنة الرشدية من المهازل‪ .‬فالحداثة‬ ‫بخلاف ما يتصورها عليه أنصاف المثقفين تحررت من وهم العلم المحيط واعتبرت محاولاتها‬ ‫سعيا لتطبيق المقدرات الذهنية على الظاهرات الطبيعية وتطوير الرياضيات والمنطق‬ ‫لتحقيق هذه المهمة والابتعاد عن تأويل الدين بدعوى رده إلى ما يزعمون من علوم عقلية‪.‬‬ ‫ومن ثم فقد كانوا أقرب إلى أعماق الدين من كل فلاسفة الإسلام‪ .‬وكل الذين يخلطون‬ ‫بين الحداثة انحطاطها في فلسفة هيجل وماركس هم من يتوهمونها حربا على الدين‪.‬‬ ‫فمن يعتقد أن فكر ابن رشد برهاني لا بد أن يكون حتما ممن يعتقدون في معاني من جنس‬ ‫الجواهر الثواني والأعراض الذاتية ولم يصلوا إلى فهم ما فهمه ابن تيمية الذي يعتبرونه‬ ‫ظلاميا بأنها مجرد معاني رامزة رمزا ليس مؤثرا في معرفة لا تتجاوز التصنيف الخارجي‬ ‫بعلامات عقيمة ترجع إلى الهيلومورفية التي تقيس الخلق على الصناعة البدائية لتصوير‬ ‫المواد وليست مقومة لحقيقة الأشياء إذ لو كانت كذلك لما أمكن تغيرها ولما كان العلم‬ ‫بالأشياء متطورا بتطور جهاز التجربة‪.‬‬ ‫خلال ترجمتي لمقالة اللام من الميتافيزيقا وجدت أن ابن رشد ليس متخلفا عن الحداثة‬ ‫فـحسب بل حتى عن أرسطو والاسكندر في شرحه لهذه المقالة‪ .‬فأرسطو يعتبر العودة إلى‬ ‫أدقسس في الفلكيات هو المتوفر وليس هو الحقيقة النهائية‪ .‬لكن ابن رشد يعتبرها الحقيقة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫النهائية ويفضلها على نظام بطليموس الرياضي لأن أرسطو عنده معصوم في نظرية المحرك‬ ‫الذي لا يتحرك وتوابعه من العقول المحركة للأجرام السماوية‪.‬‬ ‫وعندما تقرأ شرحه ‪-‬وهو الشارع الأكبر كما يزعمون‪-‬لا تجد فرقا بين الشرح الفلسفي‬ ‫لأهم كتاب من كتب أرسطو وشرح أي نص أدبي أو نص ديني بإيراد دلالات ا الالفاظ‬ ‫والبحث عما يزيل التناقض عن استعمالات أرسطو لها ومن فهو شرح ليس فيه من العلم‬ ‫غير ما نجده في التفاسير التقليدية من \"البارافراز\" التي لا تضيف شيئا لمعرفة صيغت قبله‬ ‫بستة عشر قرنا إذ هي لا تغير حتى الأمثلة المضروبة في النص أو تنقدها في ضوء تقدم‬ ‫العلم بعد ستة عشر قرنا‪.‬‬ ‫فلكأن هذه القرون التي مرت بين أرسطو وابن رشد عقيم ولم يطرأ فيها شيء غير العلم‬ ‫الغائي والعلم الآلي بحيث إن مهمة الشارح تتمثل في توضيح الغموض في الصياغة النصية‬ ‫لا غير‪ .‬وهذا لعمري مآله تراكم شرح الشرح إلى غير غاية ولا يتقدم العلم قيد أنملة‪.‬‬ ‫لذلك فالسؤال هو ما الذي أضافه ابن رشد لعلم أرسطو يمكن أن يكون قد ساهم في‬ ‫الحداثة؟‬ ‫والإضافة ليست بالضرورة إيجابية فقد تكون سلبية لأن تأييد النص بأدلة جديدة أو نقده‬ ‫بها هو الإضافة في المعرفة الإنسانية‪ .‬فالوجه الاول يدعم الموجود والثاني يدحضه‬ ‫لتجاوزه إلى المنشود‪ .‬وإذا قارنت بينه وبين الغزالي وجدته على الاقل يضيف وإن سلبا ما‬ ‫يمكن من اكتشاف ثغرات علم أرسطو‪ .‬وطبعا يلجأ أصحاب هذا الرأي إلى موقف الكنيسة‬ ‫من شروحه معتبرين ذلك مساهمة في الحداثة بمعنى الحداثة العلمانية‪ .‬ولا يدرون أولا‬ ‫أن العلمانية متأخرة بخمسة قرون عليها لأنها بدأت مع الثورة الفرنسية وأن كل علماء‬ ‫أوروبا الحداثيين خريجو مدارس دينية حتى بعد العلمنة الغربية‪.‬‬ ‫أما عندما تنظر في من يعتبرونه ظلاميا أي ابن تيمية فإن القفزة النوعية التي كان يمكن‬ ‫أن تحرر نوعي العلوم الدينية والفلسفية من هيمنة الأرسطية ومن القول بنظرية المعرفة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المطابقة والتمييز بين المقدرات الذهنية والعلم الذي هو تطبيقها على الموجودات العينية‬ ‫شرط مهمتي الإنسان معرفة للتعمير وقيمة للاستخلاف‪.‬‬ ‫وهو يضيف التنبيه صحبة هذه الرؤية القول إن العلوم الكلية والمحضة لا توجد إلى في‬ ‫المقدرات الذهنية (الرياضيات والمنطق) وإن ما عداها ليس فيه كلي ولا ضروري ولا محظ‬ ‫بل هو دائما استقرائي عندما ينتقل من الفرضي إلى الفعلي في طلب قوانين الظاهرات‬ ‫الفعلية القائمة بذاتها في الأعيان‪.‬‬ ‫ما يعني أنه يرفض القول بنظرية المعرفة المطابقة ويعتبر العلم سعيا دائبا نحو الاقتراب‬ ‫من حقيقة الأشياء ولا يمكن أبدا أن يكون مطابقا لها‪ .‬فهذا السعي ليس له نهاية بل هو‬ ‫أبدي‪ .‬وتلك هي نظريته في تطور التصورات في سعيها للمطابقة دون نهاية لأن كل تصور‬ ‫وراءه تصور أفضل بحسب الاطلاع على معطيات التجربة‪.‬‬ ‫وسأختم هذه المحاولة في فصلها الخامس والأخير بالنقلة النوعية التي جلت التركيز يدور‬ ‫حول علوم الآلة شرطا في علوم الغاية‪ .‬وهذا بمجرده يعتبر ثورة ابستمولوجية‪ .‬فالآلة‬ ‫جنسان لكل منهما عدة أنواع‪:‬‬ ‫‪ .1‬جنس آلات التقدير الذهني كالرياضيات والمنطق‪.‬‬ ‫‪ .2‬وجنس آلات التعيين التجريبي كالبصريات والسمعيات‪.‬‬ ‫وما سأقوله الآن مما يترتب على هذا الدور الذي تؤديه علوم الآلة سيفجع أدعياء‬ ‫العقلانية والتنوير من النخب العربية التي تقابل بين العقل والنقل‪ .‬فالنوع الأول هو‬ ‫آلات العقل والنوع الثاني هو آلات النقل في نوعي العلوم الدينية والفلسفية على حد‬ ‫سواء‪ .‬ولا يمكن إبداع هذه من دون تطبيق تلك على الطبيعة والتاريخ ولا إبداع هذه‬ ‫التي تمكن من أدراك معطياتها بما يمكن الحواس من دون تلك‪.‬‬ ‫فمن دون المنطق والرياضيات لا يمكن صوغ المتن العلمي الذي يكون بما فيه رصيدا معرفيا‬ ‫نسقيا يظهر ما ليس فيه في شكل ثغرات في النسق ليصبح مادة البحث الموجه منطقيا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لاستكمال النسق وتلك هي الطريق الأولى للإبداع العلمي باكتشاف ما غاب فيه وسد‬ ‫ثغراته منطقيا‪ .‬والأكثر قيادة لتقدم المعرفة هو معطيات التجربة‪.‬‬ ‫فكل شذوذ فيها عن التفسير النظري يعد مفتاحا لإعادة النظر في النظرية أو في مزيد‬ ‫الكشف عن المعطيات‪ .‬وتلك هي الطريقة الثانية للإبداع العلمي‪ .‬وذلك هو معيار‬ ‫التكذيب في تقدم النظر العلمي‪ .‬وفضل القول بعدم المطابقة في نظرية المعرفة ‪-‬الغزالي‬ ‫وابن تيمية وابن خلدون‪-‬هو ما يترتب عليه من ضرورة الجمع بين الطريقتين‪ :‬معيار‬ ‫النسقية المنطقية ومعيار الطردية التجريبية‪.‬‬ ‫فكل خلل في النسقية اكتشاف لثغرات النظام المنطقي‪ .‬وكل شذوذ عن الطردية اكتشاف‬ ‫لثغرات النظام التجريبي‪ .‬وكلاهما دافع إلى المزيد من تدقيق النسقية المنطقية للنظرية‬ ‫والى المزيد من الفحص التجريبي للتقليل من الشذوذ على القوانين المكتشفة‪ .‬وبهما معا‬ ‫يتقدم التقدير الذهني والتعيين التجريبي‪.‬‬ ‫لكن ذلك بقي وعودا دون إنجاز على الأقل عند الغزالي وابن تيمية‪ .‬لكن ابن خلدون‬ ‫حاول تجاوز الوعد وشرع في الإنجاز بكتابة المقدمة‪ .‬وهي مسودة كتاب وليست كتابا وذلك‬ ‫أمر يفهمه كل من حاول استخراج النسق العميق للمقدمة‪ .‬فعرض شذرات من النظرية لم‬ ‫يشفع بالصوغ البعدي أي إنه لم يعد عليها ليصوغها أكسيوميا‪ .‬وقد حاول شيئا من ذلك‬ ‫صاحب بدائع السلك في طبائع الملك‪.‬‬ ‫وحتى هو فقد اكتفى بمحاولة تصنيف القضايا ‪-‬فردها إلى عشرين قضية مبنية على‬ ‫شواهد نقلية وعشرين على أدلة عقلية‪-‬دون أن يرجعها إلى نسق أكسيومي يمكن من رد‬ ‫المقدمة إلى قليل من المبادئ والمسلمات يستمد منها بقية القضايا‪ .‬ومع ذلك فقد أشار إلى‬ ‫مبدأ عام ذكره ابن خلدون بمعنى على الأغلب وعممه بمعنى الاطلاق‪:‬‬ ‫\"(قال ابن خلدون) والوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم‬ ‫(قلت) وهذا تقرير في غاية الحسن ونهاية البراعة والتحقيق‪ .‬وقوله \"وقل أن يكون الأمر‬ ‫الشرعي مخالفا للأمر الوجودي\" بل لا يكون البتة‪ .‬وقاعدة أن كل أصل علمي يتخذ إماما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫في العمل فشرطه أن يجري العمل به على مجاري ا لعادات في مثله وإلا فهو غير صحيح‬ ‫شاهد لذلك\" (عبد الله بن الأزرق بدائع السلك في طبائع الملك تحقيق محمد عبد الكريم‬ ‫الدار العربية للكتاب تونس ليبيا المقدمة الثانية الفاتحة العاشرة ص‪.)97.‬‬ ‫وإن شاء الله إن أمد الله في العمر سأحاول تحقيق هذه الصياغة لتكون حجر ا لأساس‬ ‫للخلدونية المحدثة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook