أبو يعرب المرزوقي كيف أفهم هشاشته؟ وكيف يمكن تجنبها؟ الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 7 - -الفصل الثالث 14 - -الفصل الرابع 21 - -الفصل الخامس 28 -
-- محاولة في فهم \"علل الهشاشة التي يعاني منها الإسلام السياسي\" .إنها تتمة لكلامي السابق عليه باعتباره يمثل الأمل الوحيد لاستعادة الأمة دورها رغم ضعف الرؤية الإخوانية التي تعتبر رافده الأساسي بعد أن تجاوزت الأمة مرحلة احياء العامل الروحي في دار الإسلام الذي كاد الاستعمار يقضي عليه وخاصة منذ أن عين نوابا عنه من العملاء الذين هم في الظاهر منا وهم خدم شكله الثاني في الباطن. فالقوى الاستعمارية ظنت أنها بلغت الغاية عندما أسقطت آخر رموز وحدة الأمة الروحية -الخلافة-وفتتت جغرافية قلب الإسلام ممثلا بإقليمنا التي يحتوي على معالمه ومراكز الخلافة الأربعة-المدينة ودمشق وبغداد واستنبول-بعملائها المكلفين بإتمام المهمة التي تجعل ذلك يصبح نهائيا بتشتيت تاريخ الإسلام :فيجتمع العائقان المادي والروحي ضد الاستئناف. فتفتيت الجغرافيا يلغي شروط القوة المادية للأمة إذ يصبح كل قطر محمية عاجزة دون شروط التنمية الاقتصادية .وتفتيت التاريخ يجعله عاجزا دون التنمية الثقافية .فتصبح التبعية بنيوية .وحينها يمكن الإجهاز على الوحدة المرجعية التي هي آخر خطوط الدفاع وسر الحصانة الروحية للأمم :الإسلام. ويمكن القول إن ما يجري حاليا هو غاية الحرب على خط الدفاع الأخير .وأعتقد أن الأعداء خسروها وهم يزدادون توحشا لعلمهم بأنهم في الرمق الأخير .فالحرب على الإسلام ربحناها بالمطاولة تأخر أعداؤه كثيرا لأنه وقد بدأوا ينتبهون إلى أن فاعليته عادت بما لا يقدر وأن الأنظمة التي كلفوها بتشتيت التاريخ والتراث الروحي تلم تستطع إنجاز المهمة .والثورة الحالية دليل هزيمتهم وبداية الاستئناف. وبخلاف ظاهر الأحداث فإن الثورة المضادة في احتضار .لم يعد عندها أمل الانتصار مهما أنفقتا ومهما تحالفت مع ذراعي الاستعمار (إسرائيل وإيران) وحتى مع الاستعمار نفسه أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- قديمه (أوروبا) وجديده (روسيا وأمريكا) .فالزخم الثوري يتمدد رغم كل البشاعات التي حدثت منهم جميعا ضد الشعوب ورغم اختراقهم للثورة والإسلام السياسي. وهذه التكملة وظيفتها بيان طبيعة الاختراق للثورة وللإسلام السياسي وعلل اقتصار الإسلام السياسي على السياسي بمعناه المقصور على الحكم وهو خطر على الثورة قد يحول دونه وأن يكون هو أملها .وتلك هي هشاشته التي أريد تشخيصها حتى يتم تداركها قبل فوات الأوان .وسأضرب أمثلة ما زلت إلى الآن لا أفهم علة عدم فهمه من قبل قيادات الإسلام السياسي عامة وفي ونس خاصة. وحتى يكون الأمر شديد الوضوح فيمكن تلخيص ذلك في كلمة واحدة :ما علة حصر السياسي السياسوي أي في الحكم والاعتماد على أداة تكاد تكون الوحيدة هي وجه العبادات من الإسلام؟ ما السر في إدقاع النظر والخيال بحيث إنهم يتصورون الإسلام قابلا لأن يبقى في شكله البسيط الذي كان عليه في عصر الراشدين ويمكن أن يسهم في الاستئناف بمنطق العصر الحالي وهو مبني حصرا على علامات الإيمان وأخلاق الأفراد الخارجية؟ لماذا لا يفهمون أن هذين العاملين -حتى لو سلمنا بـما يقال عنهما في السرديات التخيلية لعصر الراشدين-هما أضعف أدوات القوة السياسية لأي جماعة وهما أكثر طرق الخداع والنفاق لأن السرائر لا يعلمها إلا الله .وكلاهما يحول دون البناء المتين للقوة السياسية المؤثرة في قوة الجماعات والدول؟ وقد يعجب الكثير من قولي إني فعلا أشك شكا صارما في فهم حركات الإسلام لفلسفة القرآن السياسية بحيث إنهم يجهلون أو يتجاهلون أن قيم الاستخلاف في الأرض مستحيلة من دون أن تكون مؤسسة على شروط الاستعمار في الأرض :لأن تلك لا تتحقق من دون هذه وهذه يمكن أن تتحقق من دون تلك .فقيم الاستخلاف في الأرض من دون شروط الاستعمار فيها لها ضربان من الوجود: .1ظاهر غالبه نفاق وهو الغلو في العبادات القشورية. أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .2لكن القلوب تكون خربة وعديمة الخلق والالتزام بها. وذلك عملا بحكمة شعبية تقول \"اعمل الفرض وانقب الأرض (أي صلي ولا يهم إن كنت مجرما) ويكفيك أن تحج لتغسل ذنوبك نفيا تاما للإيمان .فقد حصر الدين في شكليات العبادات حتى صار يصح على الإيمان والمؤمنين ما قال القرآن عن الشعر والشعراء: \"يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون\". وهذا هو الداء الدوي الذي يعاني منه الإسلام السياسي .فعله مناف لقوله .وهو مثل جحا يقطع فرع الشجرة الذي يجلس عليه فيصبح خطرا على الإسلام لا فاعليته التحريكية قد تبدو رهن هذا الجيل ورهن الأمية الفكرية أكثر مما رهن الإيمان الحقيقي بأن الإسلام يمثل أفقا لبناء الأمة والإنسانية. وأعيد بأني قد أفهم أن ذلك قد كان ضروريا في المرحلة الدفاعية لإحياء الجذوة الإيمانية-ما يشبه المرحلة المكية من الرسالة-لكن بعد أن تحقق هدفها كان لا بد من المرحلة المدنية أي شروط بناء الدولة التي تعمر الأرض بقيم الاستخلاف وتحقق شروط الحماية والرعاية اللذين بدونهما يمتنع أن تتحقق سيادة حرة ومبدعة. وقلت إني سأقدم أمثلة مما بدأ يحيرني في الظاهرة بدءا بمثال عشته بنفسي وكنت من الساعين إليه .فلما كلفت بالمستشارية في التربية والثقافة لاحظت أمرا عجبا وهو أن هذين المجالين اللذين يمثلان حقيقة القوة اللطيفة وأصلا حتى للقوة العنيفة (بمعنى العلم الذي ينتج أدوات القوة المادية اقتصادا ودفاعا) في كل حضارة كانا أقل شيء يولونه اهتماما وكان الهم مقصورا على الحكم المباشر أو القوة العنيفة ذات المفعول الآني أعني الكثرة العامية بدلا من الكيف المختص. وقد استقلت من المهمة لما يئست من الاقناع بالفرق بين القوتين اللطيفة ذات المفعول العميق والدائم والقوة العنيفة التي هي خلب القوة وهي شديدة الوهاء بدليل فقدانها بمجرد فقدان الحكم المباشر في الابدان إذا لم يكن ضاربا بعروقه في الأذهان .وقد دعوت إلى وضع الـمؤسسات ذات الأثر الباقي من السياسي. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- وقد تمكنت بعد جهد جهيد وبعد أكثر من أربعة عقود قبل الثورة لتأسيس كرسي ابن خلدون للدراسات الفلسفية والإنسانية ونجحت قبل شهر من الاستقالة من أقناع رئيس الحكومة بإصدار أمر في الرائد الرسمي حول مركز ابن خلدون للدراسات الفلسفية .لكن الأمر بقي حبرا على ورق رغم أن النهضة حكمت بعد هذا التاريخ ما يقرب من سنة كاملة. ويبدو أن بعض مخربي التربية استحوذوا على الفكرة مؤخرا حتى وإن فضلوا جعلها تحت عنوان كرسي اليونسكو بدل ابن خلدون وهذا من خسران الإسلام السياسي دوره الممكن في الثقافة وفي الفلسفة وفي الجامعة مع شبه الغياب التام في الاقتصاد والفكر والفنون لأن ما يكتبه زعماء الأحزاب ليس فكرا بل إيديولوجيا ثم يزعمون أنهم سيحكمون باسم الإسلام السياسي حصرا في العبادات وفي المناورات السياسوية التي من شرط نجاحها رضا فرنسا وإسرائيل وإيران والثورة المضادة. وقد أنشأت تركيا جامعة باسم ابن خلدون وكان من الواجب أن يكون لذلك نظائر في تونس والجزائر والمغرب واسبانيا واليمن ومصر وسوريا لأن الرجل الذي يمثل بداية الحداثة الكونية باعتباره مؤسس العلوم الإنسانية تأسيس أرسطو للعلوم الطبيعية ينبغي أن يكون رمز الاستئناف الإسلامي. والأغرب من كل خيال هو لما تسمع جماعة الإسلام السياسي يتكلمون على الإسلام باعتباره نظاما شاملا لكل وجوه الحياة .لكنهم في الممارسة يقصرونه على عاملين اثنين: • العبادات الشكلية. • والحكم الفوقي. وإذا أسلموا شيئا أفسدوه علميا ودينيا مثل أسلمة البنوك أو أسلمة العلوم .فكلاهما كائن هجين .فالبنوك الإسلامية لا هي بنوك ولا هي إسلامية بل هي أكثير شيلوكية من شايلوك نفسه فهي ربوية بالفعل وإسلامية بالفتوى المخادعة .ولا تدل على علم بالاقتصاد ولا بالإسلام بل هي \"فوس كوبي\" وأسلمه منافية للإسلام وللاقتصاد .ونفس الشيء في إسلامية المعرفة ويكفي ما كتبته فيها منذ أكثر من عقدين. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- والأخطر من ذلك خرافة الفصل بين الدعوة والحزب .فما سمعت في حياتي بوجود حزب ليس له دعوة .لكنهم لا يفهمون بالدعوة إلى الوعظ والارشاد وليس تقديم البرامج على أساس قيم مستمدة من المرجعية التي يستند إليها مشروع الحزب والجماعة التي تؤمن بمشروعه .فحتى الحزب الشيوعي له دعوة. فعندما يتوهم حزب أن الدعوة هي أن يصبح قادة الحزب أيمة فهم لا يفهمون معنى الدعوة ولا معنى الحزب .وهم وضعوا على ظهر الجمل ما سيقصم ظهرة .ذلك أن الأحزاب دعوتها هي تأسيس برنامجها على قيم مرجعيتها وليس على العبادات التي هي من وظائف الأيمة في المساجد والاسرة في المنازل والمجتمع الأهلي في الجمعيات وليس من وظائف قادة الأحزاب. ولذلك فعندما فصلوا كما زعموا لم يبق شيء يعتمدون عليه .ولو تم الفصل بهذا المعنى فستصبح النهضة حزيب لا يختلف عن حزيبات تونس التي تتألف من زعمائها .لذلك فليس لهم رؤية إسلامية لمقومي السياسي مستمدة من الإسلام .لذلك فهم لا يرون مانعا من مساندة برنامج الشاهد الذي هو برنامج الرأسمالية المغالية لكونه برنامج تصفه البنوك الدولية التي لا علاقة لها بقيم الإسلام .فالاقتصاد المتبع لقيم الإسلام تضامني وليس تنافسيا واجتماعي وليس طبقيا .ولا يكون خاصة ربويا. لم يعد في كلمة \"مرجعية إسلامية\" أدنى معنى يمكن أن يغري الإنسان بالانضمام إلى حزب يخلط بين كل المعاني ويقبل بكل الشناعات مقابل المشاركة في حكم ليس له عليه أدنى سلطان فيكون فيه \"كالزير المتكي الذي لا يضحك لا يبكي\" كما يقول المثل التونسي .وإذا ظل هكذا فزواله بزوال الجيل الحالي. وعندما قلت إن الإسلام هو مستقبل الإنسانية لم أكن أقصد هذا الإسلام الذي يقوده قوم يخلطون بين المعاني فيفقدون الإسلام بريقه وثوريته التي قد تغري الإنسانية كلها وليس المسلمين وحدهم .أما من يتبنون معاني غير مفهومة حتى يحكموا شكلا فهذا هو سر الهشاشة التي أعنيها. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- ولا شيء يميتني ضحكا أكثر من كلامهم على الإكراهات السياسية .يقبلون بأن يضعوا أنفسهم في منزلة من يقبل بشروط تلغي ما يترتب على مرجعيته ثم يعلل ذلك بالإكراهات السياسية .يبقى معلقا في الهواء ليس له عروق في المجتمع وفي القوة اللطيفة التي تحدد الأذهان ليكون قشة تذروها رياح اضطراب الأعيان. ولست ممن ينقد ولا يحاول أن يـحدد معالم الطريق نحو البديل .فلماذا كانت قيادات الإسلام السياسي متلهفة للحكم-النهضة في تونس والاخوان في مصر-بدل الاستفادة من مناخ الثورة لتؤسس شروط التجذر وأهمها القوة اللطيفة-التي هي ليست العبادات-بل القيم الإسلامية في بعدي الحياة الاقتصادي والثقافي. والبعض يعلل ذلك بكونهم كانوا خائفين على أنفسهم .لكن هذا دليل قصور نظر .ذلك أن الحكم الشكلي من دون قوة متجذرة لا يحمي أحدا .والدليل نراه في مصر .وتونس ما تزال مهددة بنفس ما حصل في مصر خاصة إذا نجح حفتر وفشلت الثورة الجزائرية .وعلى كل ورغم أني ليست متحزبا فإني نصحت بتأجيل المشاركة في الحكم. وآمل ألا يقع اسلاميو الجزائر في نفس الفخ مرة ثانية بعد العشرية السوداء .فكل تسرع في المشاركة في الحكم سيكون ذريعة لمنع التمييز بين دور المرجعية مصدرا للقيم ودورها مصدرا للعبادات .فالعبادات رغم كونها ليست منفصلة عن القيم إذا كانت صادقة تبقى صلة بالاستخلاف وليس بالتعمير. والصلة بالاستخلاف وحدها لا معنى لها في الإسلام .ذلك أن آدم وحواء أنزلا إلى الأرض فرصة ثانية ليثبتا بالتعمير المطبق لقيم الاستخلاف جدارتهما به وندمهما على عصيان الأمر في الفرصة الأولى إذا كان الإسلاميون بحق يصدقون القرآن ولا يستعملون الدين غطاء للنفاق ولخلب السلطان الدنيوي. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- كنت سأتوقف عن الكلام في المفارقة التي تترتب على الجمع بين قولي بـ\"هشاشة الإسلام السياسي\" وبالزعم أن الحل الوحيد والممكن للأمة هي الإسلام السياسي .وسبق فبينت أن وصف الإسلام بالسياسي \"بليوناسم\" بمعنى أن كلمة إسلام وحدها تعني \"إسلام سياسي\". وليس ذلك بحجة تاريخية مستمدة من سيرة الرسول فحسب بل بحجة مفهومية من القرآن نفسه. فكل المخرفين بعدم وجود دولة في الإسلام وبأن الرسول لم يكون دولة دافعهم السعي لتمسيح الإسلام وجعله دين جماعة كانت تعيش تحت الاستعمار الروماني الذي كان صاحب الدولة ما اقتضى القول الذي ينسبه بولس إلى المسيح بقسمة مفادها الروح والآخرة لله والجسد والدنيا لقيصر .لكن الإسلام لا يقر هذا الفصام بل سياسة الدنيا هي امتحان لأهلية الإنسان للاستخلاف. لذلك فهو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها .وهو صاحب السلطان في التاريخ ولا يتبع سلطانا آخر غير خالقه وهو معنى خلافة الإنسان .وإذن فوجود صفة السياسي الغاية منه استرجاع بعد حذفه من الإسلام الانحطاط والاستعمار .وهي إضافة ليست ضرورية من حيث المفهوم لكنها ضرورة من حيث الدلالة على الاسترجاع .أما الأدلة التاريخية فهي مقومات الدولة الخمسة: .1أرض محددة. .2دستور يحدد علاقة أهلها بها. .3حماية ورعاية داخليتين. .4وحماية ورعاية خارجيتين .5تتفرع كلها على علاقة مباشرة بين الإنسان وربه ولا تخضع لوسطاء ولا للأوصياء. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- ولها علاقات دبلوماسية (رسائل الرسول لملوك عصره) .وخاضت حروبا داخلية وخارجية .ثم صارت حضارة ذات مؤسسات تكون الإنسان وتحكمه .فإذا لم يكن ذلك دولة فما الدولة إذن؟ ثم إن العرب قبل الإسلام دولة رغم مزاعم القوميين الذين يتكلمون على أطراف الجزيرة العربية .فقد كانت شبه عربية ولم تدن ذات سيادة بل كانت محميات كما اصبحت الآن بعد أن فقدت عزة الإسلام (تحت فارس وبيزنطة) .وهي إذن سياسة لصيقة بمبدأين: .1التحرر من الوساطة الروحية بمعنى أن الرسول أمره الله بالقول \"فذكر إنما أنت مذكر\" بمعنى أنك ليس وسيطا بين المؤمنين وبين الله بل مبلغ لرسالة ومكلف بشرحها - قراءاتها على الناس على مكث وهي وظيفة تربوية وليس سلطة روحية مثل سلطة كهنوتية تنوب الله في الأرض تتقاسم مع الحاكم ما لله وتبقي له ما لقيصر قبل تمسح الدولة الرومانية وتحول الحكم إلى حكم بالحق الإلهي يكون بتعميد كنسي وصل في الغاية حتى بعد الثورة الفرنسية إلى تنصيب الكنيسة نابليون الأول امبراطورا على مستعمراته باسم الحق الإلهي الذي تنطق به الكنيسة. .2لكن الإسلام يرفض الحكم بالحق الإلهي .فتنبيه الله لرسوله لم يقف عند \"إنما أنت مذكر\" بل أضاف \"لست عليهم بمسيطر\" أي إنك لا تملك عليهم سلطان الحاكم المعين سماويا بل لا بد من أن تحصل على البيعة أي الانتخاب الحر من المؤمنين .وفعلا فالانتقال إلى المدينة الذي كان بداية الحكم تطلب مبايعة ودستورا لتأسيس الدولة. ولذلك نفهم أن الرسول لما جاء أجله لم يعين حاكما وأن الجماعة حسمت الأمر بالبيعة أي بالانتخاب الحر حتى بعد خلافات طويلة حول معايير الانتخاب .وكان الحسم عين شروط من يستحق أن يكون \"خليفة\" (منزلة سياسية تعطيها الأمة للحاكم بانتخابه) ينوب الخلفاء (منزلة وجودية للإنسان من حيث هو إنسان) .ليس في ما هو فرض عين من الحكم بل في ما هو فرض كفاية بمعنى الإدارة تحت مراقبتهم. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- وما طبق على الرسول -وهو الرسول -فحري أن يطبق على غيره .ومن ثم فلا توجد كنيسة تضفي الشرعية على الحاكم بل الشرعية يضفيها عليه البيعة الحرة .طبعا كلامي لا يتعلق بالأمر الواقع بل بالأمر الواجب .وهذا يصح على أكثر دول العالم ديموقراطية: ففي أمريكا مثلا ليس الأمر الواجب هو الحاصل. فالأمر فيها يحدده أهل الحل والعقد أي أصحاب المال والإعلام على مستويين في تعييين الحزب لمشرحه وفي تعيين الشعب بدرجتيه الناخب الشعبي والناخب الكبير والمرجح هو الأخير .وهو ما حاول الغزالي -حجة الإسلام-بيانه في حوره مع شيعي باطني يدافع عن الوساطة والوصاية للمعصومين المزعومين. فبلغ التحريف إلى حد جعل الإمام فوق الرسول ويدعي الانتساب إلى آل بيته .الرسول ينبهه الله إلى \"إنما أنت مذكر\" و\"لست عليهم بمسيطر\" والأيمة ليسوا مذكرين بل وسطاء وليسوا نواب الأمة بالاختيار بل أوصياء عليها بالاضطرار .ومن ينوبهم في ا لوساطة وفي الوصاية المرجعيات الفقيه الولي هم أفسد خلق الله ماديا وخلقيا لأنهم يأكلون أموال تابعيهم ويستحيون حرماتهم :نفي تام للإسلام. واختيار الصديق لم يكن لقرابة مع الرسول أو حتى لقربه منه بل كان بسبب الصفات التي أهلته لأن ينوبه الرسول في إمامة الصلاة فاستنتج المسلمون يوم الحسم هذا المعيار: من له صفات الإمامة في الدين يكون من باب أولى مؤهلا للإمامة في الدنيا .واستحقاق إمامة الدين ليست مثل من تعينهم الحكومات الفاسدة في عهد الرسول. إنما شروطها من نوع أخلاق الصديق .والدليل خطبته لما تمت البيعة .لم يقل عينني النبي أو اختارني الله أو فرضتني عصبية بل قال لمبايعيه اخترتموني ولست خيركم .فبين من أين يستمد ما سيصبح له من سلطان يأخذ بمقتضاه حق الضعيف من القوي الذي يفقد قوته أمام الحق وال َحكم المنصف بالأمانة والعدل (النساء .)58وإذن فصفة السياسي غير ضرورية بل كلمة إسلام وحدها تكفي لأنها تعني بعدي السياسة: .1التربية من دون وساطة. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- .2والحكم من دون وصاية. والشرعية مصدرها إرادة الجماعة بالبيعة الحرة .والدولة الي تقوم بهذين الوظيفتين ليكون الإنسان حرا وقادرا على تعمير الأرض والاستخلاف فيها بشرطين هما التبادل والتواصل. وحتى يحصل تبادل فلا بد من تعاون وتعاوض عادل وهذا يعني القضاء .والقضاء يحكم لكنه لا ينفذ .ومن هنا فلا بد من الأمن (الشرطة) .ولما كان هذا التبادل مشروطا بتوزيع العمل لإنتاج الثروة فإنه صار بحاجة إلى حماية الأرض والثروة وذلك هو الدفاع. والدفاع لا بد له من دبلوماسية التي هي في نسبتها إلى الدفاع من جنس القضاء في نسبته إلى الأمن. وهذه كله تسمى وظائف الحماية الداخلية والخارجية وكلها بحاجة إلى جهاز عصبي يوحد بينها هو الاستعلام والاعلام السياسيين حتى تكون الدولة تعمل على علم .وهذه المعاني كلها محددة في السور المدنية .وهي سياسة .لكن لماذا كل هذا؟ أليس لتكوين الإنسان حتى يصبح قادرا على تموين نفسه؟ وتلك هي الرعاية التي تكمل الحماية التي يحمي بها نفسه لأن الدولة هي منظومة المؤسسات التي يعبر بها عن إرادته ويحقق بها غاياته (الشورى .)38 والرعاية تعني التربية في نظام التعليم والعمل والعيش في المجتمع .كما تعني التموين المادي بالإنتاج الاقتصادي والتموين الروحي بالإنتاج الثقافي .وهما أخيرا يستندان إلى جهاز عصبي يحقق شروط ذلك كله علميا وتقنيا وخلقيا وتنظيميا ومنهجيا .إنه البحث العلمي الذي ينتج الثروة والتراث والنظام والمنهج ويمكن من سد الحاجات المادية والروحية للإنسان .وكل ذلك نجد الإشارة إليه وقيمه في القرآن المدني. هل بقي شيء آخر يمكن أن يعتبر سياسيا وليس هو مقوم أساسي من الإسلام؟ لذلك فصفة السياسي نافلة عند الكلام على الإسلام .كلمة إسلام كافية وحدها .لكن لا بأس سأقبل بها لأنها زيادة خير ولا ندامة في زيادة الخير .وبهذا المعنى اعتبر الإسلام أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- السياسي أو الإسلام دون وصفه بالسياسي مستقبل الإنسانية بما يحدده من قيم لهذه الوظائف. فإذا كان المنتسبون إلى الإسلام السياسي يريدون أن يصبحوا قوة سياسية قادرة على حكم دولة فلا بد من اعتبار الإسلام سياسيا بالجوهر بهذه الوظائف .وتلك مهمة القوى السياسية أي تعمير الأرض بقيم الاستخلاف وليس بالعبادات التي هي من مسؤولية الأسرة والمدرسة والمجتمع الأهلي .والدليل القاطع هو أن دستور الإسلام ترك ذلك لهذه المؤسسات. والدولة التي أسسها الرسول بدستور صريح لم تكن وحيدة الشرعة والمنهاج بل مبدؤها \"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\" ما يعني التعددية الدينية عقيدة وشريعة .والحجة التي يتأسس عليها هذا التعدد في الآية 48من المائدة هي أن التسابق في الخيرات وحاجة الحرية الدينية له تعدد شرطا في الخيار الحر للمتدين. وإذن فأي قوة سياسية تترك الوظائف السياسية للدولة والمجتمع وتنشغل بالعبادات سلطة متحيلة وليست سلطة شرعية لأن تستخدم الدين ولا تخدمه .فهذا العمل يعني أنها تهمل ما يحاسب عليه الإنسان يوم الدين أي التعمير بقيم الاستخلاف وتهتم بما ليس من مسؤولياتها فتتحول الأحزاب إلى كنائس أو فرق دينية ولا تبقى قوى سياسية يقتصر دورها في الحماية والرعاية. وظيفتها قهر الفقر المادي حتى يصبح الإنسان متحررا من سلطانه عليه فيتعالى ويصبح واعيا بالفقر الروحي الذي يجعله يتحر مما يـخلده إلى الدنيا أعني الحاجات النباتية التي لا تترك للإنسان فرصة السمو إلى ما يصفه به ابن خلدون\" رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". فـأكثر من 99في المائة من المسلمين غارقون في الفقر المادي الذي يلهيهم عن قيم الاستخلاف .فيكون تعبدهم تعويضيا وليس دينا بحق لأن العبادات تتحول بالنسبة إلى أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- الجائع مجرد حركات لا دلالة لها بمعنى العرفان للرب بل هي شكوى له منه من قهر الدهر وذل العبودية للاستبداد .وكل ذلك مناف لعزة الإسلام. وسأختم الفصل بدلالة الوصل بين العبادات والتحرر من الفقر المادي أي التحرر منه بتعمير الأرض وسياستها بقيم الاستخلاف .فبعد الشهادة التي هي عتبة الدخول إلى الإسلام والتي هي تذكير بالشهادة الأولى ونحن في ظهور آبائنا (الأعراف )173-172تأتي العبادات الأربعة الباقية وكلها مشروطة بالتحرر من سلطان الفقر لأنها مكلفة ماديا. أليست الزكاة بعدها مباشرة ومرتبطة بها دائما؟ هل يزكي من ليس له النصاب؟ والنصاب أليس دليل التحرر من الانشغال بالدنيا مدة سنة؟ لماذا؟ أليس لأن الله يعلم أن الذي يفكر في لقمة أبنائه في الغد يصعب ان يفكر في غير ذلك أم نحن أعلم منه بأحوال النفس البشرية؟ وهل يبقى للعبادة معنى إذا كان المرء منشغلا بلقمة عيش أبنائه؟ وهذا الربط إلا يشجع على العمل لئلا يخسر الإنسان القيام بفريضة تقربه من ربه؟ وصاحب هذه الوضعية يقبل العبودية لغير الله إذا لم يتوفر له ما يحرره منها لأنه يكون عبدا للحاجة الملحة .وتلك هي كون الشعوب العربية تقبل الذل والمهانة والعبودية والخضوع للمافيات والبلطجيات بسبب الفقر الناتج عن عدم تعمير الأرض وعن عدم العمل بقيم الاستخلاف في سياستها .ولست أعني أن الفقراء لا يعملون بل أني أنهم يعلمون كما يعمل من عمله لا يجاوز الكفاف فضلا عن تسلية أمر السياسة للمافيات :عمل بدائي وليس عملا على علم وخضوع للمافيات. ولماذا يكثر الكذب والتحيل والغش وعدم احترام الالتزامات؟ أليس لأن الإنسان في هذه الحالة ينحط إلى ما يفرضه التاريخ الطبيعي أي الاقتتال والتخادع من أجل العيش الادنى. ولنمر الآن الصلاة: هل الصلاة بلا كلفة مادية؟ أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- ثم الصيام هل هو بلا كلفة مادية؟ وأخيرا الحج هل هو بلا كلفة مادية؟ علام يدل ذلك كله؟ ألا يدل على أن الإسلام يجعل تعمير الأرض شرطا في العبادات الصادقة لوجه الله بمعنى أن العبادات من حيث هي علاقة مباشرة بـالرب التي تقتضي التحرر ليس بالهروب بل بالسلطان على الأرض لسد الحاجات بالعلم والعمل وليس بفتات ما تجود به الطبيعة في الانتاج البدائي وفضلات المافيات التي تستحوذ على ثروات الأمة؟ فـمن لم يتحرر من الحاجة يصبح عبد مالك ما يسدها. وبذلك يستبد المستبد ويستعبد المجرمون الشعوب. كلما زرت مصر وجلست قبالة الأزهر رأيت ما يذوب له القلب .أطفال كالذباب يتسولون. ولعلهم بلا أسر ولا معيل .فكيف سيكون هؤلاء الأطفال ومن يلومهم إذا أصبحوا بلطجية ومجرمين وأدوات للمستبدين حتى يخضعوا البقية فيحكم السيسي وأمثاله. ألا يرون أن العبادات لم تجعل المسلمين يبتعدون عن الكذب والنفاق والخداع والغش والتآمر والتقاتل؟ بل لعل أكثر الناس كذبا ونفاقا هم الدعاة وخاصة الجدد منهم الذين حولوها إلى تجارة. فأبرزهم أكذبهم لكأنهم يطبقون ما كان النقاد العرب يعتبرونه من خصائص الشعر إذ يعتقدون أن اجود الشعر أكذبه فصار أجود الدعاة اكثرهم كذبا ونفاقا .وهذا من علامات الانحطاط وتحريف القرآن الذي يقيم الشعراء بعكس ذلك تماما. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- وصلنا الآن إلى ما يمكن أن يعتبر في آن إسلاما أو سياسة لا فرق بين الكلمتين .فـحتى وإن قبلت الوصف سياسي يضاف إلى إسلام فذلك من أجل الـدلالة على عودة ما سلب منه بسبب الانحطاط وتحريفه وبسبب الاستعمار وعملائه .ويمكن اعتبار القرنين الماضيين من تاريخنا صاحبي الفضل في هذه الاستعادة .وهذا وحده كاف لشكرهما .فحركة النهوض كانت إسلامية بهذا المعنى لأنها سياسة حركة التحرير في كل دار الإسلام .ولها رمزان: .1رمز هدف إلى تحرير المجتمع من النكوص إلى الجاهلية بتحرير الإيمان والعبادات من الخرافة وعبادة القبور ويمثله فكر ابن تيمية. .2ورمز هدف إلى تحرير الدولة من النكوص إلى الشوكة الفاقدة للشرعية التي تجعل السياسي من الإسلام مركز الاهتمام ويمثله فكر ابن خلدون. ويمكن أن نقول إن حركة الإخوان كان وسطا بين هذين الهدفين والرمزين-جوهر الفكرين التيمي الخلدوني-وأن الحركات السياسية بما فيها تلك التي لم تكن ذات ميل إسلامي أو التي انفصلت عن الحركات ذات الميل الإسلامي كما في تونس (علاقة بورقيبة بالثعالبي) كانت في صلة بهذين الهدفين كما يتبين من الطرق الصوفية ومن الحكم التقليدي. لكن هذه المرحلة اعتقد أنها من الماضي وهي قد أنجزت مهمتها إلى حد كبير لأن النخب الإسلامية الأصيلة تحدثت فلم تبق منقطعة عن الثقافة الغربية ولم تقطع مع الثقافة التقليدية .لكن ذلك لا ينفي أن سيطرة هذه الثقافة الاخيرة لم تزل مسيطرة في مصر وفي الخليج حيث ما زال للتكوين التقليدي الكثير من التأثير في ثقافة المجتمع وثقافة الدولة التي لم تستعد هذه المقومات التي هي جوهر سياسة الإسلام. وما في ما يجري حاليا في الخليج وفي مصر من حرب على الإسلام في شكل رد فعل مفهوم من الشباب الذي تلقى ثقافة حديثة ولم يجد مرونة من الثقافة التقليدية في مناخ الحياة العامة .ولو لم يكن جاريا بتبعية صريحة لإسرائيل وأمريكا لكان شيئا مفيدا .لكن الحصيلة أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- هي الصدمة الضرورية إلى ما يبدو حربا على الإسلام وهو في النهاية سيكون أفضل خدمة للإسلام لأن التوازن المنتظر سيكون تحرير الإحياء من التبعية وستظهر عليها حقيقة الإسلام السياسي التي هي سياسة الإسلام بمعنى تلك الوظائف شرط التعبد. صحيح أن المدخل السعودي للقطع مع فكرة الإسلام الاستخلافي من دون شرطه أي التعمير مدخل بدائي وتسلطي .لكن السعوديين في النهاية سيدركون العلاقة بين التعمير والاستخلاف وسيصبحون مثل غيرهم من الشعوب فاهمين أن الحياة من دون عمل لا معنى لها وأن التدين من دون الاستعمار في الأرض وهم. وصحيح أن المدخل المصري عنيف بقيادة عميلة .لكن المصريين بحاجة إلى التحرر من الدولة الحاضنة التي جمدت القدرة الابداعية في الشعب لأنها أدت إلى ثقافة تقاسم الفقر واعتبار وظيفتها تقاسم العيش وليس تكوين شعب يعتمد على الاستعمار في الأرض المتجاوز بـما يحررهم من ثقافة لم تتطور منذ الفراعنة أي الفلاحين العبيد لبلطجية يسيطرون على الأرزاق. ولا فرق في ذلك بين الباشوات في العهد الملكي والعسكر بعد ما يسمى ثورة :شعب من العبيد ونخبة من العملاء ودولة ليس لها آفاق التحول إلى جهاز ينظم فعل جماعي يحقق شرطي السيادة أعني الحماية والرعاية الذاتية .طبعا ليس هذه هدف السيسي كما أن ما قلته عن السعودية ليس هدف صاحب المنشار. لكن ما سيحصل سيكون ضد هدفهما وهو ما وصفت أي إن السعودي الذي هو بصدد الخروج من عهد الوفرة بسبب حمق قيادته الحالية سيصبح في وضع طبيعي لشعب يعتمد على العمل وليس على الكسل .والمصري الذي كان يرضى بالعبودية سيضطره العسف العسكري إلى أن يصبح مواطنا حقيقيا يدفع الظلم ويتحرر. والحصيلة هي من المفارقات .فالثورة المضادة أصبحت بغير قصد منها تحقق شروط عودة الإسلام السياسي أو الإسلام \"تو كور\" أي بمجرده دون حاجة لوصفه بالسياسي .فما هو هذا أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- الإسلام الذي هو سياسي بالجوهر بل وأفضل العلاج السياسي الممكن إنسانيا لجمعه بين التعمير وقيم الاستخلاف؟ فالتعمير شرط طبيعي لقيام الإنسان المتحرر من التبعية وممن يسيطر على سد حاجاته والاستخلاف ليسدها بنفسه وبقيم الاستخلاف وهما شرط خلق لقيام الإنسان الواعي بتكريمه الإلهي .وشرطهما لقيام الإنسان المادي التعاون والتبادل بالتعاوض العادل وشرطهما لقيام الإنسان الروحي هو التواصل بالتعارف الصادق (الحجرات )13بين البشر كأخوة (النساء .)1 وهذا هو ما يمكن أن يسمى سياسة الإسلام أو الإسلام السياسي أو الإسلام \"تو كور\" أي دون إضافة صفة السياسي إليه لأنه هو نفسه نظام سياسي بقيم متعالية على الأخلاد إلى الأرض وهو ما تحتاج إليه الإنسانية وخاصة الآن في عصر العولمة المادية التي لا تعمر الأرض بل تدمرها. والتبادل العادل هو جوهر الاقتصاد الإسلامي .والتواصل التعارفي هو جوهر الثقافة الإسلامية .وهذان هما ما تخلى عنه الإسلام السياسي الحالي لتبنيه الموجود وتخليه عن المنشود بمنطق التكيف الغبي والمسارعة في المشاركة في حكم ليس له عليه سلطان بالتنازل عن قيم مرجعيته. والعلة هي العجلة وعدم الصبر لأن هذا التخلي عن المنشود للمشاركة في الموجود تفقد الإسلام جاذبتيه الكونية وتجعله شكل ممسوخ من الرأسمالية كما يتبين مما ذكرت عن البنك الإسلامي والحكم الإسلامي القابل لشروط البنوك الدولية في رؤيته الاقتصادية والتودد للثقافة المبتذلة والمنحطة الحالية .ويصبح السؤال مضاعفا: .1كيف يكون الاقتصاد مبنيا على التبادل العادل في التعاون الضروري لسد الحاجات المادية الذي يتطلب اقتسام العمل في كل جماعة؟ .2وكيف تكون الثقافة مبنية على التواصل الصادق في التعارف الضروري لسد الحاجات الروحية الذي يتطلب التآخي والمساواة بين البشر؟ أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- فالإسلام السياسي أو سياسة الإسلام أو الإسلام \"تو كور\" دون وصف بالسياسي هو الجواب عن هذين السؤالين جوابا هو ما تشرئب إليه الإنسانية حاليا بعد أن جربت الحلين اللذين بينت أنهما يعودان في العمق إلى دين العجل :الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا. ذلك أن جوابه هو مستقبل الإنسانية فعلا بتحريرها منهما بعد أن كشف بنيتهما العميقة التي هي دين العجل .فقد تبين لكل ذي عقل وحتى في الغرب أن الاقتصاد الربوي استعباد خفي للإنسانية ماديا كلها لأنه يجعل أصحاب البنوك هم السادة والبقية عبيد لديهم بسبب تحول العملة من أداة تبادل إلى سلطان على المتبادلين .وهذا هو بعد العجل الذهبي الأول. كما تبين لكل ذي عقل أن الثقافة التلهوية والإعلام المزيف للحقائق استعباد خفي للإنسانية روحيا للإنسانية كلها لأنه يجعل أصحاب إنتاج الملاهي والإعلام هم السادة والبقية عبيد لديهم بسبب تحول الكلمة من أداة تواصل إلى سلطان على المتواصلين :وهذا هو بعد العجل الثاني :الخوار. فهما جعلا الإنسان عبدا لبعدي دين العجل :رمز العملة الربوية ماديا ورمز الكلمة الربوية روحيا .ومشكل الإسلام السياسي أنه لم يعد إسلاميا لعدم فهم فلسفة الإسلام الاقتصادية والثقافية هذه .والدليل هو: .1قبولهم بانتقال العملة من أداة تبادل إلى سلطان على المتبادلين وهو معنى الربا في الاقتصادي. .2وقبولهم انتقال الكلمة من أداة تواصل إلى سلطان على المتواصلين وهو معنى الربا الروحي .وهما جوهر الرأسمالية. وإذن فنحن بين مرضين :إما نكوص إلى فهم بدائي للإسلام أو نكوص إلى فهم سقيم للحداثة .فالإسلام الجهادي نكوص إلى فهم بدائي للإسلام .والاسلام السياسي بالمعنى الذي نحاول بيان ضرورة تجاوزه في الحركات التي تنسب إلى من يوصفون بكونهم أخوان او توابع للإخوان نكوص إلى قبول بدائي للحداثة بمجرد بتغيير الأسماء والمحافظة على المسميات التي يفرضها انحطاطها: أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- .1فمن يسمون أنفسهم سلفيين سواء من وصف نفسه منهم بالعلمي أو من وصف نفسه بالجهادي أفسدوا الدين لأنهم جعلوا تحريفه أي علة الانحطاط سبيلا للاستئناف وهو غاية الحمق. .2ومن يسمون أنفسهم اخوان أو \"وسطيين\" العقل لأنه جعلوا تحريفه أي علة الانحطاط الغربي سبيلا للاستئناف بمجرد تغيير الأسماء. ولأضرب ثلاثة أمثلة من الاقتصار على تغيير الأسماء: .1التدافع .2البنك الإسلامي .3الوسطية. فالتدافع اسم لصراع الطبقات (رؤية ماركسية) ولصراع الارواح (رؤية هيجلية). وبعضهم يدري بذلك وبعضهم لا يدري .لكنهم في الحقيقة تبنوا انحطاط فكر الحداثة لأن هيجل وماركس ترجما فلسفيا انحطاط قيم الحداثة بالنكوص إلى القول بنظرية المعرفة المطابقة واعتبار الإنسان مقياس كل شيء إما لأن الله حل في الإنسان (هيجل) أو لأنه لا وجود لله أصلا (ماركس). أما البنك الإسلامي فتكلمت عليه وهو كما بينت اسم جديد للبنك الربوي .وهو أكثر ربوية من البنك الربوي الحالي .وأخيرا مثال كلما سمعته اقشعر بدني :الوسطية .ومعناه الفعلي أن المسلم عليه أن ينتظر ليرى كيف يسلك اليهودي وكيف يسلك المسيحي حتى يتوسط بينهما ليكون وسطيا .هل يوجد أسخف من هذا؟ يقولون لك :اليهودي مادي والمسيحي وروحي والمسلم ينبغي أن يكون وسطيا بين المادي والروحي أي إن المسلم مسكين تابع ينبغي أن يعرف نفسه بالسلب لا هو يهودي ولا هو مسيحي بل وسط بينهما .ولست أدري كيف يمكن أن يكون الوسط بين شرين خيرا؟ فلا يمكن أن يكون فضيلة حتى لو طبقنا معيار أرسطو في تحديد الفضائل لأنه هو بدوره لم يكن مفهوما من فلاسفتنا حتى من حاول تطبيقه في الأخلاق مثله. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- مفهوم الوسطية لا علاقة له بـ\"أمة وسطا\" القرآنية .وإلا لما كانت نتيجته في القرآن أن تكون هذه الوسطية القرآنية علة لجعل الأمة شاهدة على الناس .فمن يشهد على الناس لا يمكن أن يعرف بالتوسط بينهما فيكون لا من هؤلاء ولا من هؤلاء تعريفا سلبيا يقتضي أن يكونا متقدمين عليه وهو لاحق يعرف بنفيهما ما يعني أنهما هما الشاذان عليه ببيان انحرافه عنهما. الوسط في القرآن ليس تعريفا سلبيا بنفي تطرفين بل هو معيار سابق عليهما وهما تاليان ينتجان عن تحريفه .فلا يكون وسطا بينهما لأنهما تحريفان لقيمه وليسا معيارين يعرف بهما حتى سلبا .لا يمكن لقيمة أن تكون وسطا بين تحريفيـها .القيمة أصل والتحريف فرع. ولست أفهم مثلا كيف يكون الجهاد وسطا بين تحريفيه أي عزله عن قيمته أو الاجتهاد وصلا بين تحريفيه أي الجهل ودعوى العلم المطلق :فكلاهما جهل الأول بداية الجهل والثاني غاية الجهل. وختاما فيمكن القول إن الإسلام السياسي بصدد فقداهن الإسلام ولم التحول إلى ما ينافيه وينافي السياسي الأداة ليصبح السياسي الغاية المطلوب لذاته حبا في الحكم بأي ثمن ولو بالتحالف مع المافية .فإطلاق أسماء اسلامية على ما ليس إسلاميا لا يجعله إسلاميا. والإسلام الذي يعارضه به أدعياء السلفية علمية كانت أو جهادية ليس إسلاما لأنه ينبني على تحريفه بدليل مآله بالأمة إلى الانحطاط. الإسلام في قص القرآن لأمثولة استخلاف آدم عين أين يستخلفه .وعين لم يستخلفه. وعين شروط قيامه باستعماره الأرض .وعين طبيعة اختبار أهليته للاستخلاف .وعين ما جهزه به ليحقق المهمتين :تعمير الأرض والاستخلاف فيها .وعين أخيرا علة تكريمه وتكليفه بالمهمتين .كل ذلك أضاعه المسلمون ثم يدعون تمثيله أو يزعمون أنه مرجعيتهم. وليست العامة (مفهوم لا أفهمه) هي التي أضاعته بل \"العلماء\" وبالذات من يدعون \"الرسوخ في العلم\" منهم .ذلك أنهم تركوا ما أمر الله به في فصلت 53وانشغلوا بما نهى أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- عنه في آل عمران 7فأصبحوا هم ذوي القلوب الزائغة والإرادات المبتغية للفتنة .ولهذا فما ظلت هذه الحقيقة مسكوتا عنها لن نستأنف دورنا. ولسوء حظي أو ربما لحسنه لست ممن يسكتون عن هذه الحقيقة بعد أن سعيت لفهم القرآن كما يصف نفسه وكما يصف الإنسان فوجدت أن أفضل من أدرك تعريف الإنسان القرآني هو ابن خلدون في هذه العبارة معرفة الإنسان\" :رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". وما اعتبرته تحريفا للإسلام ونسبته إلى \"العلماء\" و\"الراسخين\" منهم خاصة هو نقيض هذ التعريف :لم يبق الإنسان عندهم رئيسا ولم يبق مستخلفا .صار مرؤوسا بسلطان الوسطاء (العلماء) وبسلطان الأوصياء (الأمراء) وسموهما أولي الأمر في حين أن القرآن يعبر صاحب الأمر الجماعة (الشورى .)38ولا فرق بينهم وبين الشيعة إلا بصراحة هؤلاء وجعل هذا التحريف جوره عقيدتهم وهم نفوه في الاقوال وعملوا به في الأفعال. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- من تابع هذه المحاولات لفهم الفرق بين ما يسمى بالإسلام السياسي وما يسمى بالعلمانية العربية يدرك أنه مجرد خلاف حول التسميات .لكن الفكرين يتبعان نفس التصور السطحي الناتج عن نكوص الدين في الإسلام السياسي والفلسفة في العلمانية العربية إلى تحريفهما: .1والتحريف الأول هو علة نكوص فهمهم للدين. .2والتحريف الثاني علة نكوص فهمهم للفلسفة. فالنكوص الأول هو العودة إلى علة الانحطاط في الرؤية الدينية والنكوص الثاني هو علة الانحطاط في الرؤية الفلسفية .وهذا الانحطاط الأخير معلوم صاحباه :هيجل وماركس اللذين جعلا الفكر الفلسفي إيديولوجيا الصرع بين أرواح الشعوب بتعليل معنوي وإيديولوجيا الصراع بين طبقاتها بتعليل مادي .أما ذاك الانحطاط فعلته هي تبني فكرهما عند الإسلاميين سواء بعلم أو بغير علم كما يبين ذلك مفهوم التدافع الذي يفسرون به الصراع الطبقي وصدام الحضارات. والتعليل الهيجلي أخذ من دين العجل خواره فجعل الفلسفة صراعا إيديولوجيا حول قيم يزعمها روحية وهي ربا الكلمة هدفه تمسيح العقل وبإيديولوجيا تأليه الإنسان. والتعليل الماركسي أخذ من دين العجل معدنه فجعل الفلسفة صراعا اقتصاديا حول قيم يزعمها اقتصادية وهي ربا العملة .والإسلاميون تبنوهما متوهمين أن تغيير الأسماء كاف ليجعل المسميات إسلامية. ولم يغيروا إلا الاسم وجمعوا بين المعنيين الهيجلي وبه يفهمون صراع الحضارات الذي هو تطوير لنظرية صراع أرواح الشعوب الهيجلي .كما يفهمون به صراع الطبقات الماركسي .ويسمونهما التدافع الاجتماعي والسياسي .وهم إذن مثل العلمانيين لأنهم نسوا ثورة النساء 1وثورة الحجرات 13ولم يبق مميزا لهم إلا العبادات ولا شيء يثبت الصدق فيها لأنها يمكن ألا تكون إلا من افعال الجوارح الخارجية. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وبعبارة وجيزة فالإسلام السياسي صار\"(هيجليا) برجوازي الخطاب السياسي الدولي القائل بالتدافع الحضاري(-وماركسيا) بروليتاري الخطاب الاجتماعي بالتدافع الطبقي و (مسلما) بالعبادات التي تمكنه من سلطة على الجماهير الشعبية\" .صحيح أن تعريفي هذا قد يبدو متشددا وأنا أول المتألمين منه .لكنه وصف أمين. ومثل هذه الأحزاب التي تسمى إسلاما سياسيا لو انفصلت عن الدين بمعنى العبادات لما بقي لها شيء من الإسلام .وستصبح مثل أحزاب اليسار لا ينتسب إليها إلى قلة قليلة لا تمثل شيئا عدى هذا الفصام بين الأقوال والأفعال ومن ثم فهي حركات لا فكر لها ولا قيم إلا حول الصراعين أو \"التدافع\" على الحكم. ولأبدأ الآن الجواب عن السؤالين التاليين: .1لماذا يرد هيجل كل فاعلية في الوجود إلى الصراع الجدلي حول القيم الوجودية أي الوجود والعدم لفهم صيرورة الماهية بجدل الإيجاب والسلب في الوجود والتاريخ بالروحانية الجدلية؟ .2ولماذا يطبق ماركس نفس الرؤية على القيم المادية بين العمل ورأس المال لفهم صيرورة التاريخ بهما والوجود بالمادية الجدلية؟ ولماذا الإسلاميون تبنوا نفس الرؤية وإن بتغيير الأسماء إيهاما بأنه يمثلون الرؤية الإسلامية التي لا تقبل بالروحانية الهيجلية ولا بالمادية الماركسية ولا خاصة بالوسيطة بينهما؟ ذلك هو الإشكال الذي يعنيني والذي إن لم نزحه فسيفقد الإسلام بريقه وثوريته .ولن يبقى له أي جاذبية تجعله مثالا أعلى يشرئب إليه كل إنسان أدرك علل العبودية الحالية لبعدي العجل معدنه سلطان ربا العملة وخواره سلطان ربا الكلمة العولميتين. وطبعا لا يمكن أن يصدق أحد أن المؤمن الصادق بقيمة الإسلام يمكن أن يضحي بهذا الوجه منه من أجل \"سترابونتان\" (كريسي جانبي) في حكم لا حول له ولا قوة على أتفه أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- الأشياء فضلا عن التنازل عن سيادة الأمة وعن شروط حمايتها ورعايتها والـمحافظة على وحدة جغرافيتها ووحدة تاريخها المستهدفتين من الحرب على هويتها. فالرؤية الإسلامية كما تتبين من القرآن لا يمكن أن يكون همها الأول الحكم في الأعيان من دون أن يوافق الحكم ما في الاذهان من القيم القرآنية التي تهدف إلى توحيد الإنسانية بمنطق النساء 1والحجرات .13ومعنى ذلك أنها قبل كل شيء فلسفة القوة اللطيفة التي تتأسس عليها القدرة على القوة العنيفة عند الحاجة إليها والجمع بينهما هو الشرعية والشوكة أو مقومي السياسة كما يعرفها القرآن. والقوة اللطيفة خلقية .ويسميها ابن خلدون بالوازع الذاتي .والقوة العنيفة مادية. ويسميها ابن خلدون بالوازع الأجنبي بمعنى السلطة التي تأتي من خارج الفرد وليس بمعنى أن صاحبها أجنبي .والجمع بينهما هو سر الوجود السياسي للجماعات البشرية بشرط أن تكون القوة العنيفة المكملة للقولة اللطيفة ذات شرعية مستمدة من صاحب الأمر الذي هو جماعة المواطنين الأحرار. وهو شرح مباشر للشورى :38فالاستجابة إلى الرب تعني الكفر بالطاغوت والإيمان بالله بعد تبين الرشد من الغي (البقرة )156أي الإيمان الحر بالحرية من كل شيء وعدم الخضوع لغير قيم الرشد .يليها القول إن الأمر هو أمر الجماعة .ثم القول إنها تديره بالشورى بينها .ثم تختم بالإنفاق من الرزق. بدأت الشورى 38بثقافة التحرر من ربا الكلمة أو خوار العجل -الاستجابة للرب -وختمت باقتصاد التحرر من ربا العلمة أو معدن العجل -الانفاق من الرزق-وهذان هما أساسا الثقافة والاقتصاد في غاية النظام الحالي الذي هو عبودية الأذهان بثقافة الملاهي والإعلام المزيف للحقائق وعبودية الأعيان باقتصاد البنوك والارتهان للقروض. فالإسلام السياسي هو الإسلام دون حاجة للوصف بالسياسي لأنه بالجوهر سياسي .وهو البديل الوحيد الممكن الذي يحرر الإنسانية من عولمة العبوديتين الاقتصادية والثقافية أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- بعولمة تلغي ما يجعل للعملة سلطانا على المتبادلين وللكلمة سلطانا على المتواصلين فيكون ذا جاذبية كونية لمستقبل الإنسانية. ولن أرضى عن الإسلام المحرر من دين العجل بديلا يقدمه النكوص إلى ما جعل الدين يصبح علة انحطاط الأمة بما حرفته منه علوم الملة المزعومة أو يقدمه النكوص إلى ما جعل الفلسفة تصبح علة انحطاط الانسانية بما حرفته منها علوم الحداثة المزعومة :الإسلام مستقبل الإنسانية لأنه يحررها من هذين النكوصين المدمرين للإنسان والعالم. فمن يرضى بأحدهما أو بهما بديلين من الإسلام المحرر للإنسانية من الاخلاد إلى الأرض بسبب عدم تعميرها أو تعميرها بعدم العمل بقيم الاستخلاف (وهما النكوصان) لا يمكن أن يكون حقا قد درس القرآن كما يحدد ذاته بوصفه رسالة من الله إلى الإنسان مستعمرا في الأرض بقيم الاستخلاف. ولما كان الاستخلاف مستحيلا من دون التعمير وكان التعمير ممكنا من دون الاستخلاف فيكون تدميرا وليس تعميرا فإن الجمع بين التعمير وقيم الاستخلاف هو جوهر الإسلام وهو جوهر السياسة إذا جمعنا بين أصل أدواتها (التعمير) وأصل غاياتها (الاستخلاف). ولم يبق إلا أن أشرح علة التحريف الهيجلي والماركسي بالصراع الجدلي. يشترك هيجل وماركس بمفهوم الجدل الصراعي في الوجود وفي التاريخ بعد رد مقوميهما إلى عاملين متنافيين .جدل صراعي بين مقومي الوجود القيمي الروحي عند هيجل ومقومي الوجود المادي عند ماركس .والقراء غير المختصين يفهمون التقوم الماركسي أكثر من التقوم الهيجلي لأنه متعين في فاعلية العمل وفاعلية رأس المال أو في فاعلية الفعل المنتج للثروة وفاعليته لما تصبح ثروة حاصلة تسيطر قواه المنتجة. فالثروة إذ تتعين متخثرة في رأسمال تصبح هي بدورها ذات فاعلية منتجة لما ينتجه العمل ومؤجره له ولما يستمد منها من سلطان على العمل فيصبح انتاج العمل المتراكم عند المالك ذا سلطان على العمل المنتج للثروة .وهذا التناقض هو سر الصراع بين العمل ورأس المال. وسر الأسرار هو هذا الاختزال الدال التبسط المشط للاقتصاد. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- والجهل به عند ماركس لا يرد إليه بل إلى الجهل بالجهل في القول بالجدل عند هيجل. وسأعود إليه .لكن فلأبدأ بما أسميه جهلا بالعملية الاقتصادية ذاتها .فأولا ليس الانتاج الاقتصادي لقاء بين عمل ورأسمال حتى وإن بدا من حيث الصراع الظاهر وكأنه يقتصر عليه .هو عملية شديدة التعقيد وليست بين طرفين بل بين خمسة أطراف العمل ورأس المال من بينها .ورغم ضرورتهما فيها فهما ليسا الأهم منها. العملية الاقتصادية بنية معقدة وليست صراعا بين طرفين متنافيين .والبنية المعقدة تتألف من: .1قلب هو عملية الانتاج سواء لبضاعة أو لخدمة وهما تعين الثروة الذي يجعلها تتجسد في الملكية. .2وقبل هذا القلب بعدان :فقبله لا بد من إبداع نظري قابل للتطبيق ولا بد من مستثمر لهذا الإبداع لنقله من النظر إلى العمل. .3وبعده بعدان :فلا بد أن يفكر ما قبله في ما بعده لتوفير الانتقال من المشروع في الأذهان إلى المشروع في الأعيان أو من الفكر إلى الوجود. فالمستثمر لا يستثمر لو لم يكن له عين على المستهلك لما ينوي الاستثمار فيه .وهو لا يستطيع أن يستثمر إذا لم يجد القدرة على تمويل الاستثمار إما عنده هو شخصيا أو عند من له ادخار أي فضل على استهلاكه الذي يمكن أن يمول به الاستثمار. فنصبح أمام بنية مؤلفة من خمسة عوامل: • الثالث هو قلب علمية الإنتاج للبضاعة أو للخدمة. وقبله عاملان: • نظرية • استثمارها. وبعده عاملان: • مستهلك أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- • مستثمر. وهذا في كل إنتاج .ويمكن الآن أن نتصور تنافس بين مخمسين حول نفس الإنتاج فنصبح أمام عشرة .ويتوالى التعدد في متوالية هندسية .وحتى هذا فهو تبسيط وذلك لعلتين: فخذ كل مقوم أي النظرية والاستثمار والعملية الانتاجية والاستهلاك والتمويل وسترى أن كل واحد منها له تاريخ بمعنى أنه له ما قبله وله ما بعده .خذ مثلا في النظرية الميكانيك. المستثمر لنظرياتها في صنع السيارة مثلا له تاريخ ما قبله وما بعده وهكذا بالنسبة إلى البقية. وبذلك يتبين أن الإنسانية كلها في كل أبعاد زمانها الخمسة مشاركة في إنتاج أي شيء في المجتمع الإنساني .في العملية نفسها من حيث حدوثها في الماضي ومن حيث حديثها عن حدوثها فيه .ومن حيث حديثها في المستقبل ومن حيث حدوثها فيه .ثم حالها الراهنة في العملية الانتاجية التي فيها العوامل الأربعة الماضيين والمستقبليين .ذلك أن عملية الإنتاج يتدخل في الحاصل آنيا والمذكور من الماضي والمتوقع من المستقبل في حصول ذلك الفعلي وفي تصوراته أي كأحداث وكأحاديث .وإذن فأهم عناصر العملية الاقتصادية ليس المادي بل كل الثقافة الإنسانية. وهذه العناصر يهملها ماركس بالتبسيط المشط فيجعلها علاقة بين عنصرين متنافيين وهي بنية كونية بين كل العناصر التي تسهم في الإنتاج والتي لا يقل دور أي منها عن دور ما عداها ولا وجود لتناف بينها أو جدل صراعي .وهذا يجعلها أشبه بما يحدث في البايولوجيا: أي طفل إنساني حالي هو حصيلة كل ما يحدث في ماضي الحياة وفي مستقبلها حدثا وحديثا. فهو غاية متوالية هندسية لأنه منتج من اب وأم وكل منهما من أب وام فيتوالى عدد المسهمين قبله بمتوالية هندسية ثم من يأتي بعده إذا ذهبنا إلى غاية المستقبل سيكون هو فيه بداية متوالية هندسية .فيكون كل طفل وكل منتج نقطة لقاء بين متوالية هندسية قبل ومتوالية هندسية بعده .لا بين أب وأم فحسب. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- والأب والأم ليسا متنافيين وليس أي منهما \"تاز\" والثاني \"انتيتاز\" والطفل \"سنتاز \" وقس عليه أي بضاعة أو خدمة ينتجها الفعل الاقتصادي .هذا تبسيط مخل يجعل المسألة صراع بين \"أ\" ولا \"أ\" كما في خرافة الإيجاب والسلب وسلب السلب الهيجلية .فخرافة الصيرورة ثمرة للعلاقة التناقضية بين الوجود والعدم هي من هذا الجنس .في الأسماء مقبول وليس في المسميات. والصراع الجدلي لا يصح لا في الظاهرة الحية ولا في الظاهرة الطبيعية ولا في الظاهرة الاجتماعية ولا في الظاهرة الاقتصادية ولا في الظاهرة الثقافية .ففي الطبيعة المغناطيس مثلا ينفيه لأن العلاقة بين الموجب والسالب هي التجاذب وليست التنافي .والتنافي إن سلمنا به يكون بين القطبين الموجبين أو بين القطبين السالبين وليس بين الموجب والسالب .وفي الحياة حتى الجنس المثلي فهو ينفيه بما يقرب من هذا المعنى المغناطيسي. فالمثلة الجنسية سواء كانت بين النساء أو بين الرجال هي في الحقيقة علاقة بين الذكورة والأنوثة دائما .وهذا بين حتى من الملامح البدنية فضلا عن التوجهات النفسية والتعابير الإشارية بلغة البدن .فعلاقة المرأة الفاعلة في المرأة المنفعلة علاقة بين ذكورية غالبة على الأولى وأنوثية غالبة على الثانية .ونفس الأمر بين الرجال :ذكورية غالبة وأنوثية غالبة. وذلك في مستوى الأذهان لا الأعيان. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- لو طابقنا بين المستقبل والماضي في الظاهرات الحية عامة وعلى الإنسان خاصة لحصلنا على أمر عجيب .سنتبين أن كل فرد منها يحتوي عليهما معا على ماضي الإنسانية كله وعلى مستقبل الإنسانية كله .فلا بد أن يكون فيه شيء من ماضيها فعليا وفيه شيء من مستقبلها إمكانيا إن لم يكن بالإرث العضوي والثقافي فبأثرهما في الأرض أو بمصدرهما منها .ولكن بأسلوبين مختلفين: • فالماضي فيه هو الموجود • والمستقبل هو المنشود. لكن ليس هو بمعزل عن الموجود لأنه يبدو وكأنه مرتسم في ما يتضمنه من إمكان .فيكون ملتقاهما هو ملتقاهما المتعين من حيث هو كيان عضوي وثقافي غير مكتمل وبصدد الاكتمال ومن حيث هو وعي بذاته وكأنه غير مكتمل وبصدد الاكتمال بدليل أنه يصبو إلى أن يكون له من يخلفه من ذاته فيهما كليهما .وهذه ليست علاقة وجود بعدم بل علاقة موجود يوجد دائما كمنشود ذاته .وهذا وحده كاف لرفض اعتبار الصيرورة علاقة جدلية بين الوجود والعدم إلا إذا قبلنا التياسر في العبارة على الطريقة الهيجلة. فمنشود ذات الإنسان ليس معدومها ولا هو جدل بين موجوده ومنشودة بل هو ثابت المنشود في صائر الموجود -ككل تحول في الظاهرة الحية التي تكون علاقة بين حيوان وبويضة وتتطور لتصبح ما يكون عليه الفرد الإنسان -بحيث إن المنشود يحرك الموجود تحريكا لا يمكن أن يكون عدما إذا قيس بالحاصل منه في أحدى لحظاته أو مراحله .والممكن الثابت هو البنية الواحدة التي لا تستند إلى التنافي بل إلى التكامل كما هو بين حتى من القوى الأربعة في الطبيعة: .1القوة النووية القوية- Force nucléaire forte .2والقوة الكهرومغناطيسيةForce électromagnétique .3وقوة الجاذبيةForce gravitationnelle أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- .4والقوة النووية الضعيفة.Force nucléaire faible وكلها قوى توحد عناصر ليست متصارعة بل متجاذبة في حدود معينة تبقي عليها وعلى علاقتها الثابتة أو بينة معينة من كيان العالم المادي .وقد يذهب بالمرء التفكير -بما يشبه العلم الخيالي أو الحلم-في البحث عن قوة خامسة توحد بينها وتكون أصلا لها جميعا لأنه لا يمكن أن يكون كونها أربعة وكونها بذلك الترتيب من حيث القوة بالصدفة بل لا بد أن يكون وراءها ما يجعلها كذلك وهو ما سميته البنية الأصلية في مربع وراءه أصل حتى يكون لعددها وتراتبها أساس يوحد بينها. فالترتيب بين الكهربائية المغناطيسية وما بعدها من حيث القوة هو كما يلي تليها القوة النووية الضعيفة وقوة الجاذبية .وما قبلها من حيث القوة النووية القوية ولا يمكن أن تكون وحدها كافية كفاية القوة الجاذبية التي تعتبر شاملة للنظام الفلكي كله في ما يقرب من لامتناهي الكبر حتى يكون لما يقرب من لامتناهي الصغر قوة نووية قوية تناظرها من حيث الدور المشامل. وبذلك تكون القوة الكهربائية المغناطيسية الوسطى حقا وهي التي تمكن من تأسيس سلاسل الموليكولات التي يتألف منها سر العضويات أي الـ DNAقلبا للقوى التي ينتظم بها العالم :فيكون قبلها مودودا بين قوتين قبله نووية قوية وأقوى وقتين بعده ضعيفة جاذبية ونووية أضعف. وقد تم توحيد الكهربائية المغناطيسية مع الأخيرة ويمكن توقع توحيدها مع الاولى بعد اكتشافها إذا اعتبرنا أن أسما منتج لهذه القوى هو أسمى ما تحققه الكهربائية المغناطيسة أعني شرط إمكان العضويات .ذلك أن هذه الكائنات العضوية لا يكفي فيها شرط كيانها العضوي بل لا بد لها من شرط بقائه وهو دور نظام العالم وشرطه قوة الجاذبية. لكن العالم لا يقوم بنظام الجاذبية إلا إذا بينا أنها لا تقف عند توحيد الفلك ضمن المجرات بل وكذلك بين المجرات .وهذه نفترض أنها كانت واحدة وانفجرت .ولا يمكن أن تكون قوة انفجارها في حدود القوة النووية القوية بل لا بد أن تكون قوتها أقوى من القوة أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- النووية .وهذه هي التي أفترض أنها موجودة قبل القوة النووية القوية في ترتيب القوى كما عرضته من الأعلى إلى الأدنى من حيث القوة. أما ما طبيعة هذه القوة فإن السؤال يمكن أن يجاب عنه عندما يثبت أنها موجودة أولا ويثبت أنها توجد في المحل الذي لا نستطيع فيه التمييز بين الجسيم والموجة أو المحل الذي ينقلب فيه الجسيم إلى موجة والموجة إلى جسيم فلا يكاد يبقى فرق بين المادي والروحي إذا اعتبرنا الجسيمي الأدنى ماديا والروحي الأدنى موجي. والموجي الأدنى الذي ليس بجسيم أدنى وقبل التحول إليه والجسيم الأدنى الذي ليس بروحي ويقبل التحول إليه إذا كان تحوله ذاتيا له فهو القوة التي نطلبها وهي هذه التحولية التي يمكن اعتبار الحياة مثالا دالا عليها فيكون في هذه الحالة هو الغاية التي رأينا شرك إمكانها في القوة الكهربائية المغناطيسية. فشرط إمكانها هذا لا بد وأن يكون الغاية التي لأجلها حصل الانفجار الكبير .فتكون هذه القوة النووية الأقوى بذرة أولى كونية مثل البذرة التي تفجر الأرض لتخرج منها إن صح التعبير فتكون هي البذرة والعالم كله هو التربة التي أنتجتها البذرة بتفجرها فيكون تفجرها هو إبداعها لذاتها ولشروط وجودها المنشود وشروط بقائه .وما كنت لأتخيل مثل هذا الحصول الخيالي لولا أمرين: .1الأول هو محاولات التوحيد بين القوى الكونية الأربعة وقد حصل بعد توحيد قوتين ونال أصحابه على جائزة نوبل سنة 1979وكان من بيهم عالم باكستاني مسلم هو عبد السلام تعرفت عليه وأنا شاب ليس مباشرة بل لأنه كان عضوا في بيت الحكمة :تم توحيد القوة الكهربائية المغناطيسية مع القوة النووية الضعيفة. .2الثاني أن كيان الفرد الإنسان كل فرد إنسان -تسلميا بأن الإنسان هو أرقى الكيانات العضوية وأكثرها تعقيدا بما يعني أنه غاية تطور الحياة-يتألف هو بدوره من خمسة قوى ولها قلب هو القدرة التي هي في آن عضوية وروحية أو بدنية ووعيية وقبلها قوتان هما أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- إرادته ومعرفته وبعدها قوتان هما رؤيته لوجوده أو لمنزلته في الوجود وذوقه للوجودين الطبيعي (الغذاء) والروحي (الجمال والجلال). والغريب في الأمر أن هذه البنية هي عينها بنية أي جماعة وأي دولة لأنها ما أن تتكون حتى تصبح وكأنها محاولة دائمة لتوحيد ذاتها لكأن الغاية في التوحيد هي أن تصبح مثل الفرد على هذا النحو بإرادة ومعرفة وقدرة ورية وذوق فتكون حضارة هي كيان فيها هذا الأبعاد الخمسة ومنها تتألف الإنسانية. وقد يكون ذلك مجرد وجوه شبه لا دلالة كونية لها .لكنها وجوه شبه توحي للإنسان بمثل هذا الحلم الذي قد يعيد للإنسان منزلته الوجودية فيصبح اعتقاده في أنه مستخلف دينيا لها دلالة وجودية فعلية لأنه بهذا يصبح وكأنه \"كود\" الكون أو شفرته التي تمكن من فهمه والتي هي في آن ربما الكائن الوحيد الذي \"للفهم\" لا يكون ذا معنى من دونه. ووجه الشبه هو في كون هذا الأصل جوهر القوة بالمعنى السياسي وعدد الفروع والأصل هو عين قيام الإنسان من حيث هو كائن عضوي قادر على الترميز (أو بلغة القرآن ُعلم الأسماء كلها) .وهذه القوة هي القدرة المادية والقدرة الروحية عند الإنسان والأولى أصل الاقتصاد والثانية أصل الثقافة. جواب الإسلام حول هذين الأصلين وفروعهما هو معنى السياسة وهو معنى الديني في الأديان .وهو كذلك معنى الفلسفي في الفلسفات .فالقدرة المادية أو الاقتصاد هي عين ما به يتقوم كيان الإنسان العضوي .والقدرة الروحية هي عين ما به يتقوم كيان الإنسان الروحي أو الثقافة .وهذا يصح على الفرد صحته على الـجماعة في آن. والآن ما الفروع؟ فرعان قبل القدرة وهما العلة الفاعلة .وفرعان بعد القدرة وهما العلة الغائية .فقبل القدرة نجد العلة الفاعلة وهي الإرادة والعلم .وبعد القدرة مجد العلة الغائية وهي الرؤية والذوق .والإنسان فردا وجماعة يكون قادرا بالاقتصاد وفاعلتيه الإرادة والعلم ويكون قادرا بالثقافة وغايته الرؤية والذوق. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- والسياسي في الإسلام هذه هي معادلته .وهو ما يجهله الإسلام السياسي الحالي ويرضى بخلب الحكم التابع .فليس له فهم لمعنى القدرة الاقتصادية ومعنى الثقافية .ومن ثم فهو لا يفهم معنى الإرادة والعلم علة فاعلية ولا الرؤية والذوق علة غائية .لذلك فهو بلا إرادة ولا علم ولا رؤية ولا ذوق .ولذلك فحتما ليس له قدرة بمعنييها. وحتى يفهم القارئ القصد بالإرادة فليسمع جواب الرسول عندما جاءه قادة أهل مكة ووعدوه بإعطائه ما يريد :حتى لو أعطوه القمر والشمس فلن يتنازل عما يريده أو بلغته عما آمن بأنه عليه تذكير الإنسانية به أي التعمير بقيم الاستخلاف .لو كان يريد الحكم التابع لكان مستخدما للإسلام لا خادما له. ما لم يتنازل عنه الرسول ما هو؟ إنه المشروع الكوني لتحرير الإنسانية من الوسطاء في التربية ومن الاوصياء في الحكم أي استرداد رسالة الإنسان في الارض والإنسان عامة بمنطق النساء 1وبأخلاق الحجرات .13 هذه الثورة الكونية والتي كل الارض تمثل دولة واحدة هي العولمة التعميرية بقيم الاستخلاف .وهذا يعني أمرين: .1لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا بسياسة الإسلام ويقبل تفتيت وحدة جغرافية الإسلام وتشتيت تاريخ الإسلام لأن الأول هو علة فقدان القدرة المادية والثاني هو علة فقدان القدرة الروحية ومجموعهما هو تبعية المسلمين وزوال دولة الإسلام وهذا من لم يفهمه لم يقرأ القرآن ببصيرة. .2ولا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا برسالة الإسلام ويعتبرها خاصة بجماعة دون جماعة بل هي رسالة للإنسانية كلها من حيث مكلفة بتعمير العالم ورعايته بقيم الاستخلاف ومن ثم فالإسلام عولمة كونية تتجاوز العولمة المادية من دون هذه القيم لأن هذا الإغفال يعني ان التعمير ينتهي إلى التدمير. رعاية الإنسان وحمايته ورعاية الكون وحمايته تلكما هما غاية السياسة الإسلامية بمعنى التعمير شرطا لقيام الإنسان العضوي وتعميره بقيم الاستخلاف شرطا لقيامه الروحي مع أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- اعتبار البشرة اخوة (النسا 1من نفس واحدة) بمعيار المساواة باعتماد معيار وحيد للمفاضلة بينهما التقوى يعني احترام القيم. وهذا ليس تأويلي .يكفي قراءة دستور الرسول في دولة المدينة .لا فرق بين الأجناس والأديان في دستور له بندان لا غير :الرعاية والحماية بفروعهما وظائف للدولة من حيث هي منظومة المؤسسات التي تؤدي دور الحكم بين المواطنين نيابة باختيار حر لسلطة الأحرار في حكم ذاتهم بذاتهم (وهو معنى أمرهم شورى بينهم) .وكل باقي المسائل عداها بفروعها للمجتمع الأهلي. فلا وجود لكنيسة تتوسط بين المؤمن وربه ولا لحكم يتوسط بينه وشأنه أو أمرهم (أمرهم شورى بينهم) .والسلطة السياسية التي تدير الدولة تعاقدية وهي للرعاية والحماية. والحصيلة من هذه المحاولة في غايتها :الإسلام السياسي هو سياسة الإسلام للإنسانية في فرصتها الثانية بعد الإخراج من الجنة (عبارة رمزية) هدفها اختبار أهلية الإنسان للاستخلاف في شكل تحد طرحه الشيطان لتأييد ما افترضته الملائكة من أن الإنسان ليس جديرا بالاستخلاف لأنه يفسد ويسفك الدماء. سياسة الإسلام أو الإسلام السياسي بهذا المعنى هي الجواب عن سؤال وحيد :كيف يثبت الإنسان أنه جدير بالاستخلاف في الأرض ليعمرها وليس ليدمرها أي كيف يثبت أن الشيطان على خطأ وأن الملائكة أساءت الظن بالإنسان والإنسان مكلف بجدارته بالاستخلاف خلال عملية التعمير .ذلك ما فشل فيه البشرية (في أمثولة الاستخلاف والفرصة الثانية بعد العصيان في الجنة). فإذا لم تستأنف الأمة دورها لتصحح ذلك فلا معنى للزعم أننا مسلمون .فما يسمونه اللحاق بالغرب ليس إسلاما بل عين الحرب على الإسلام .وقد بينت أن ما يسمى ديموقراطية لا يختلف عما يسمى ثيوقراطية .وساطة الكنسية عوضتها وساطة المافية ووصاية توظيف الدين عوضتها وصاية توظيف الفلسفة. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- وأبرز الأمثلة النظام الشمولي الماركسي حيث صار الحزب كنيسة وصار الحكم بالحق المذهبي للنظرية الماركسية .والنظام الرأسمالي رغم المسرحيات المزعومة ديموقراطية ليس أقل منه شمولية .لكنها شمولية مافية ذكية تستعمل العنف الرمزي غير المباشر والاولى غبية تستعمل العنف المادي المباشر. لكن العلة واحدة :كلاهما يربي ويحكم بدين العجل أي بمعدنه أو العلمة التي لم تبق أداة تبادل بل صارت سلطانا على المتبادلين وبخوراه أو الكلمة التي لم تبق أداة تواصل بل صارت سلطانا على المتواصلين .وبهذين السلطان يستعبد الإنسان مع وهم الحرية :البنك الربوي والإعلام الربوي استعباد مطلق الأول للأعيان والأبدان والثاني للأذهان والوجدان. وما يسعدني حقا هو أن الشباب الغربي بدأ يفهم هذه الحقائق وبدأ يثور على المافيات البنية والإعلامية خاصة وأن التطور السياسي في رمزي الغرب الحالي أي امريكا وفرنسا (ليس هنا شرح لماذا هما رمزان) صار أكثر صراحة مما عليه رمزا الشرق أي إيران والسعودية في التربية والحكم العجليين. ففي فرنسا رئيس الدولة خادم عند روتشيلد رمز المافية البنكية .وفي أمريكا ترومب رمز مافية الأعمال الذي نجح بتوسط مافية روسيا وسيطرة المسيحية الصهيونية فيها .وفي إيران من يحكم هو مافية التزييف الديني والمليشيات المزعومة ثورية وفي السعودية القبلية وعنجهية المال والحمق والغباء. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 38
Pages: