Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الإسلام السياسي، كيف أفهم هشاشته؟ وكيف يمكن تجنبها؟ - أبو يعرب المرزوقي

الإسلام السياسي، كيف أفهم هشاشته؟ وكيف يمكن تجنبها؟ - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-05-22 17:07:19

Description: الإسلام السياسي، كيف أفهم هشاشته؟ وكيف يمكن تجنبها؟ - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫كيف أفهم هشاشته؟‬ ‫وكيف يمكن تجنبها؟‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪7 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪14 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪21 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪28 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫محاولة في فهم \"علل الهشاشة التي يعاني منها الإسلام السياسي\"‪ .‬إنها تتمة لكلامي السابق‬ ‫عليه باعتباره يمثل الأمل الوحيد لاستعادة الأمة دورها رغم ضعف الرؤية الإخوانية التي‬ ‫تعتبر رافده الأساسي بعد أن تجاوزت الأمة مرحلة احياء العامل الروحي في دار الإسلام‬ ‫الذي كاد الاستعمار يقضي عليه وخاصة منذ أن عين نوابا عنه من العملاء الذين هم في‬ ‫الظاهر منا وهم خدم شكله الثاني في الباطن‪.‬‬ ‫فالقوى الاستعمارية ظنت أنها بلغت الغاية عندما أسقطت آخر رموز وحدة الأمة الروحية‬ ‫‪-‬الخلافة‪-‬وفتتت جغرافية قلب الإسلام ممثلا بإقليمنا التي يحتوي على معالمه ومراكز‬ ‫الخلافة الأربعة‪-‬المدينة ودمشق وبغداد واستنبول‪-‬بعملائها المكلفين بإتمام المهمة التي‬ ‫تجعل ذلك يصبح نهائيا بتشتيت تاريخ الإسلام‪ :‬فيجتمع العائقان المادي والروحي ضد‬ ‫الاستئناف‪.‬‬ ‫فتفتيت الجغرافيا يلغي شروط القوة المادية للأمة إذ يصبح كل قطر محمية عاجزة دون‬ ‫شروط التنمية الاقتصادية‪ .‬وتفتيت التاريخ يجعله عاجزا دون التنمية الثقافية‪ .‬فتصبح‬ ‫التبعية بنيوية‪ .‬وحينها يمكن الإجهاز على الوحدة المرجعية التي هي آخر خطوط الدفاع‬ ‫وسر الحصانة الروحية للأمم‪ :‬الإسلام‪.‬‬ ‫ويمكن القول إن ما يجري حاليا هو غاية الحرب على خط الدفاع الأخير‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫الأعداء خسروها وهم يزدادون توحشا لعلمهم بأنهم في الرمق الأخير‪ .‬فالحرب على‬ ‫الإسلام ربحناها بالمطاولة تأخر أعداؤه كثيرا لأنه وقد بدأوا ينتبهون إلى أن فاعليته‬ ‫عادت بما لا يقدر وأن الأنظمة التي كلفوها بتشتيت التاريخ والتراث الروحي تلم تستطع‬ ‫إنجاز المهمة‪ .‬والثورة الحالية دليل هزيمتهم وبداية الاستئناف‪.‬‬ ‫وبخلاف ظاهر الأحداث فإن الثورة المضادة في احتضار‪ .‬لم يعد عندها أمل الانتصار مهما‬ ‫أنفقتا ومهما تحالفت مع ذراعي الاستعمار (إسرائيل وإيران) وحتى مع الاستعمار نفسه‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫قديمه (أوروبا) وجديده (روسيا وأمريكا)‪ .‬فالزخم الثوري يتمدد رغم كل البشاعات‬ ‫التي حدثت منهم جميعا ضد الشعوب ورغم اختراقهم للثورة والإسلام السياسي‪.‬‬ ‫وهذه التكملة وظيفتها بيان طبيعة الاختراق للثورة وللإسلام السياسي وعلل اقتصار‬ ‫الإسلام السياسي على السياسي بمعناه المقصور على الحكم وهو خطر على الثورة قد يحول‬ ‫دونه وأن يكون هو أملها‪ .‬وتلك هي هشاشته التي أريد تشخيصها حتى يتم تداركها قبل‬ ‫فوات الأوان‪ .‬وسأضرب أمثلة ما زلت إلى الآن لا أفهم علة عدم فهمه من قبل قيادات‬ ‫الإسلام السياسي عامة وفي ونس خاصة‪.‬‬ ‫وحتى يكون الأمر شديد الوضوح فيمكن تلخيص ذلك في كلمة واحدة‪ :‬ما علة حصر‬ ‫السياسي السياسوي أي في الحكم والاعتماد على أداة تكاد تكون الوحيدة هي وجه العبادات‬ ‫من الإسلام؟‬ ‫ما السر في إدقاع النظر والخيال بحيث إنهم يتصورون الإسلام قابلا لأن يبقى في شكله‬ ‫البسيط الذي كان عليه في عصر الراشدين ويمكن أن يسهم في الاستئناف بمنطق العصر‬ ‫الحالي وهو مبني حصرا على علامات الإيمان وأخلاق الأفراد الخارجية؟‬ ‫لماذا لا يفهمون أن هذين العاملين ‪-‬حتى لو سلمنا بـما يقال عنهما في السرديات التخيلية‬ ‫لعصر الراشدين‪-‬هما أضعف أدوات القوة السياسية لأي جماعة وهما أكثر طرق الخداع‬ ‫والنفاق لأن السرائر لا يعلمها إلا الله‪ .‬وكلاهما يحول دون البناء المتين للقوة السياسية‬ ‫المؤثرة في قوة الجماعات والدول؟‬ ‫وقد يعجب الكثير من قولي إني فعلا أشك شكا صارما في فهم حركات الإسلام لفلسفة‬ ‫القرآن السياسية بحيث إنهم يجهلون أو يتجاهلون أن قيم الاستخلاف في الأرض مستحيلة‬ ‫من دون أن تكون مؤسسة على شروط الاستعمار في الأرض‪ :‬لأن تلك لا تتحقق من دون‬ ‫هذه وهذه يمكن أن تتحقق من دون تلك‪ .‬فقيم الاستخلاف في الأرض من دون شروط‬ ‫الاستعمار فيها لها ضربان من الوجود‪:‬‬ ‫‪ .1‬ظاهر غالبه نفاق وهو الغلو في العبادات القشورية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬لكن القلوب تكون خربة وعديمة الخلق والالتزام بها‪.‬‬ ‫وذلك عملا بحكمة شعبية تقول \"اعمل الفرض وانقب الأرض (أي صلي ولا يهم إن كنت‬ ‫مجرما) ويكفيك أن تحج لتغسل ذنوبك نفيا تاما للإيمان‪ .‬فقد حصر الدين في شكليات‬ ‫العبادات حتى صار يصح على الإيمان والمؤمنين ما قال القرآن عن الشعر والشعراء‪:‬‬ ‫\"يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون\"‪.‬‬ ‫وهذا هو الداء الدوي الذي يعاني منه الإسلام السياسي‪ .‬فعله مناف لقوله‪ .‬وهو مثل‬ ‫جحا يقطع فرع الشجرة الذي يجلس عليه فيصبح خطرا على الإسلام لا فاعليته التحريكية‬ ‫قد تبدو رهن هذا الجيل ورهن الأمية الفكرية أكثر مما رهن الإيمان الحقيقي بأن الإسلام‬ ‫يمثل أفقا لبناء الأمة والإنسانية‪.‬‬ ‫وأعيد بأني قد أفهم أن ذلك قد كان ضروريا في المرحلة الدفاعية لإحياء الجذوة‬ ‫الإيمانية‪-‬ما يشبه المرحلة المكية من الرسالة‪-‬لكن بعد أن تحقق هدفها كان لا بد من المرحلة‬ ‫المدنية أي شروط بناء الدولة التي تعمر الأرض بقيم الاستخلاف وتحقق شروط الحماية‬ ‫والرعاية اللذين بدونهما يمتنع أن تتحقق سيادة حرة ومبدعة‪.‬‬ ‫وقلت إني سأقدم أمثلة مما بدأ يحيرني في الظاهرة بدءا بمثال عشته بنفسي وكنت من‬ ‫الساعين إليه‪ .‬فلما كلفت بالمستشارية في التربية والثقافة لاحظت أمرا عجبا وهو أن هذين‬ ‫المجالين اللذين يمثلان حقيقة القوة اللطيفة وأصلا حتى للقوة العنيفة (بمعنى العلم الذي‬ ‫ينتج أدوات القوة المادية اقتصادا ودفاعا) في كل حضارة كانا أقل شيء يولونه اهتماما‬ ‫وكان الهم مقصورا على الحكم المباشر أو القوة العنيفة ذات المفعول الآني أعني الكثرة‬ ‫العامية بدلا من الكيف المختص‪.‬‬ ‫وقد استقلت من المهمة لما يئست من الاقناع بالفرق بين القوتين اللطيفة ذات المفعول‬ ‫العميق والدائم والقوة العنيفة التي هي خلب القوة وهي شديدة الوهاء بدليل فقدانها‬ ‫بمجرد فقدان الحكم المباشر في الابدان إذا لم يكن ضاربا بعروقه في الأذهان‪ .‬وقد دعوت‬ ‫إلى وضع الـمؤسسات ذات الأثر الباقي من السياسي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وقد تمكنت بعد جهد جهيد وبعد أكثر من أربعة عقود قبل الثورة لتأسيس كرسي ابن‬ ‫خلدون للدراسات الفلسفية والإنسانية ونجحت قبل شهر من الاستقالة من أقناع رئيس‬ ‫الحكومة بإصدار أمر في الرائد الرسمي حول مركز ابن خلدون للدراسات الفلسفية‪ .‬لكن‬ ‫الأمر بقي حبرا على ورق رغم أن النهضة حكمت بعد هذا التاريخ ما يقرب من سنة كاملة‪.‬‬ ‫ويبدو أن بعض مخربي التربية استحوذوا على الفكرة مؤخرا حتى وإن فضلوا جعلها تحت‬ ‫عنوان كرسي اليونسكو بدل ابن خلدون وهذا من خسران الإسلام السياسي دوره الممكن في‬ ‫الثقافة وفي الفلسفة وفي الجامعة مع شبه الغياب التام في الاقتصاد والفكر والفنون لأن ما‬ ‫يكتبه زعماء الأحزاب ليس فكرا بل إيديولوجيا ثم يزعمون أنهم سيحكمون باسم الإسلام‬ ‫السياسي حصرا في العبادات وفي المناورات السياسوية التي من شرط نجاحها رضا فرنسا‬ ‫وإسرائيل وإيران والثورة المضادة‪.‬‬ ‫وقد أنشأت تركيا جامعة باسم ابن خلدون وكان من الواجب أن يكون لذلك نظائر في‬ ‫تونس والجزائر والمغرب واسبانيا واليمن ومصر وسوريا لأن الرجل الذي يمثل بداية‬ ‫الحداثة الكونية باعتباره مؤسس العلوم الإنسانية تأسيس أرسطو للعلوم الطبيعية ينبغي‬ ‫أن يكون رمز الاستئناف الإسلامي‪.‬‬ ‫والأغرب من كل خيال هو لما تسمع جماعة الإسلام السياسي يتكلمون على الإسلام باعتباره‬ ‫نظاما شاملا لكل وجوه الحياة‪ .‬لكنهم في الممارسة يقصرونه على عاملين اثنين‪:‬‬ ‫• العبادات الشكلية‪.‬‬ ‫• والحكم الفوقي‪.‬‬ ‫وإذا أسلموا شيئا أفسدوه علميا ودينيا مثل أسلمة البنوك أو أسلمة العلوم‪ .‬فكلاهما كائن‬ ‫هجين‪ .‬فالبنوك الإسلامية لا هي بنوك ولا هي إسلامية بل هي أكثير شيلوكية من شايلوك‬ ‫نفسه فهي ربوية بالفعل وإسلامية بالفتوى المخادعة‪ .‬ولا تدل على علم بالاقتصاد ولا‬ ‫بالإسلام بل هي \"فوس كوبي\" وأسلمه منافية للإسلام وللاقتصاد‪ .‬ونفس الشيء في إسلامية‬ ‫المعرفة ويكفي ما كتبته فيها منذ أكثر من عقدين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والأخطر من ذلك خرافة الفصل بين الدعوة والحزب‪ .‬فما سمعت في حياتي بوجود حزب‬ ‫ليس له دعوة‪ .‬لكنهم لا يفهمون بالدعوة إلى الوعظ والارشاد وليس تقديم البرامج على‬ ‫أساس قيم مستمدة من المرجعية التي يستند إليها مشروع الحزب والجماعة التي تؤمن‬ ‫بمشروعه‪ .‬فحتى الحزب الشيوعي له دعوة‪.‬‬ ‫فعندما يتوهم حزب أن الدعوة هي أن يصبح قادة الحزب أيمة فهم لا يفهمون معنى‬ ‫الدعوة ولا معنى الحزب‪ .‬وهم وضعوا على ظهر الجمل ما سيقصم ظهرة‪ .‬ذلك أن الأحزاب‬ ‫دعوتها هي تأسيس برنامجها على قيم مرجعيتها وليس على العبادات التي هي من وظائف‬ ‫الأيمة في المساجد والاسرة في المنازل والمجتمع الأهلي في الجمعيات وليس من وظائف قادة‬ ‫الأحزاب‪.‬‬ ‫ولذلك فعندما فصلوا كما زعموا لم يبق شيء يعتمدون عليه‪ .‬ولو تم الفصل بهذا المعنى‬ ‫فستصبح النهضة حزيب لا يختلف عن حزيبات تونس التي تتألف من زعمائها‪ .‬لذلك فليس‬ ‫لهم رؤية إسلامية لمقومي السياسي مستمدة من الإسلام‪ .‬لذلك فهم لا يرون مانعا من‬ ‫مساندة برنامج الشاهد الذي هو برنامج الرأسمالية المغالية لكونه برنامج تصفه البنوك‬ ‫الدولية التي لا علاقة لها بقيم الإسلام‪ .‬فالاقتصاد المتبع لقيم الإسلام تضامني وليس‬ ‫تنافسيا واجتماعي وليس طبقيا‪ .‬ولا يكون خاصة ربويا‪.‬‬ ‫لم يعد في كلمة \"مرجعية إسلامية\" أدنى معنى يمكن أن يغري الإنسان بالانضمام إلى حزب‬ ‫يخلط بين كل المعاني ويقبل بكل الشناعات مقابل المشاركة في حكم ليس له عليه أدنى سلطان‬ ‫فيكون فيه \"كالزير المتكي الذي لا يضحك لا يبكي\" كما يقول المثل التونسي‪ .‬وإذا ظل‬ ‫هكذا فزواله بزوال الجيل الحالي‪.‬‬ ‫وعندما قلت إن الإسلام هو مستقبل الإنسانية لم أكن أقصد هذا الإسلام الذي يقوده قوم‬ ‫يخلطون بين المعاني فيفقدون الإسلام بريقه وثوريته التي قد تغري الإنسانية كلها وليس‬ ‫المسلمين وحدهم‪ .‬أما من يتبنون معاني غير مفهومة حتى يحكموا شكلا فهذا هو سر الهشاشة‬ ‫التي أعنيها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولا شيء يميتني ضحكا أكثر من كلامهم على الإكراهات السياسية‪ .‬يقبلون بأن يضعوا‬ ‫أنفسهم في منزلة من يقبل بشروط تلغي ما يترتب على مرجعيته ثم يعلل ذلك بالإكراهات‬ ‫السياسية‪ .‬يبقى معلقا في الهواء ليس له عروق في المجتمع وفي القوة اللطيفة التي تحدد‬ ‫الأذهان ليكون قشة تذروها رياح اضطراب الأعيان‪.‬‬ ‫ولست ممن ينقد ولا يحاول أن يـحدد معالم الطريق نحو البديل‪ .‬فلماذا كانت قيادات‬ ‫الإسلام السياسي متلهفة للحكم‪-‬النهضة في تونس والاخوان في مصر‪-‬بدل الاستفادة من‬ ‫مناخ الثورة لتؤسس شروط التجذر وأهمها القوة اللطيفة‪-‬التي هي ليست العبادات‪-‬بل‬ ‫القيم الإسلامية في بعدي الحياة الاقتصادي والثقافي‪.‬‬ ‫والبعض يعلل ذلك بكونهم كانوا خائفين على أنفسهم‪ .‬لكن هذا دليل قصور نظر‪ .‬ذلك‬ ‫أن الحكم الشكلي من دون قوة متجذرة لا يحمي أحدا‪ .‬والدليل نراه في مصر‪ .‬وتونس ما‬ ‫تزال مهددة بنفس ما حصل في مصر خاصة إذا نجح حفتر وفشلت الثورة الجزائرية‪ .‬وعلى‬ ‫كل ورغم أني ليست متحزبا فإني نصحت بتأجيل المشاركة في الحكم‪.‬‬ ‫وآمل ألا يقع اسلاميو الجزائر في نفس الفخ مرة ثانية بعد العشرية السوداء‪ .‬فكل تسرع‬ ‫في المشاركة في الحكم سيكون ذريعة لمنع التمييز بين دور المرجعية مصدرا للقيم ودورها‬ ‫مصدرا للعبادات‪ .‬فالعبادات رغم كونها ليست منفصلة عن القيم إذا كانت صادقة تبقى صلة‬ ‫بالاستخلاف وليس بالتعمير‪.‬‬ ‫والصلة بالاستخلاف وحدها لا معنى لها في الإسلام‪ .‬ذلك أن آدم وحواء أنزلا إلى الأرض‬ ‫فرصة ثانية ليثبتا بالتعمير المطبق لقيم الاستخلاف جدارتهما به وندمهما على عصيان الأمر‬ ‫في الفرصة الأولى إذا كان الإسلاميون بحق يصدقون القرآن ولا يستعملون الدين غطاء‬ ‫للنفاق ولخلب السلطان الدنيوي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كنت سأتوقف عن الكلام في المفارقة التي تترتب على الجمع بين قولي بـ\"هشاشة الإسلام‬ ‫السياسي\" وبالزعم أن الحل الوحيد والممكن للأمة هي الإسلام السياسي‪ .‬وسبق فبينت أن‬ ‫وصف الإسلام بالسياسي \"بليوناسم\" بمعنى أن كلمة إسلام وحدها تعني \"إسلام سياسي\"‪.‬‬ ‫وليس ذلك بحجة تاريخية مستمدة من سيرة الرسول فحسب بل بحجة مفهومية من القرآن‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫فكل المخرفين بعدم وجود دولة في الإسلام وبأن الرسول لم يكون دولة دافعهم السعي‬ ‫لتمسيح الإسلام وجعله دين جماعة كانت تعيش تحت الاستعمار الروماني الذي كان صاحب‬ ‫الدولة ما اقتضى القول الذي ينسبه بولس إلى المسيح بقسمة مفادها الروح والآخرة لله‬ ‫والجسد والدنيا لقيصر‪ .‬لكن الإسلام لا يقر هذا الفصام بل سياسة الدنيا هي امتحان‬ ‫لأهلية الإنسان للاستخلاف‪.‬‬ ‫لذلك فهو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها‪ .‬وهو صاحب السلطان في التاريخ ولا يتبع‬ ‫سلطانا آخر غير خالقه وهو معنى خلافة الإنسان‪ .‬وإذن فوجود صفة السياسي الغاية منه‬ ‫استرجاع بعد حذفه من الإسلام الانحطاط والاستعمار‪ .‬وهي إضافة ليست ضرورية من‬ ‫حيث المفهوم لكنها ضرورة من حيث الدلالة على الاسترجاع‪ .‬أما الأدلة التاريخية فهي‬ ‫مقومات الدولة الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬أرض محددة‪.‬‬ ‫‪ .2‬دستور يحدد علاقة أهلها بها‪.‬‬ ‫‪ .3‬حماية ورعاية داخليتين‪.‬‬ ‫‪ .4‬وحماية ورعاية خارجيتين‬ ‫‪ .5‬تتفرع كلها على علاقة مباشرة بين الإنسان وربه ولا تخضع لوسطاء ولا للأوصياء‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولها علاقات دبلوماسية (رسائل الرسول لملوك عصره)‪ .‬وخاضت حروبا داخلية‬ ‫وخارجية‪ .‬ثم صارت حضارة ذات مؤسسات تكون الإنسان وتحكمه‪ .‬فإذا لم يكن ذلك دولة‬ ‫فما الدولة إذن؟‬ ‫ثم إن العرب قبل الإسلام دولة رغم مزاعم القوميين الذين يتكلمون على أطراف‬ ‫الجزيرة العربية‪ .‬فقد كانت شبه عربية ولم تدن ذات سيادة بل كانت محميات كما اصبحت‬ ‫الآن بعد أن فقدت عزة الإسلام (تحت فارس وبيزنطة)‪ .‬وهي إذن سياسة لصيقة بمبدأين‪:‬‬ ‫‪ .1‬التحرر من الوساطة الروحية بمعنى أن الرسول أمره الله بالقول \"فذكر إنما أنت‬ ‫مذكر\" بمعنى أنك ليس وسيطا بين المؤمنين وبين الله بل مبلغ لرسالة ومكلف بشرحها ‪-‬‬ ‫قراءاتها على الناس على مكث وهي وظيفة تربوية وليس سلطة روحية مثل سلطة كهنوتية‬ ‫تنوب الله في الأرض تتقاسم مع الحاكم ما لله وتبقي له ما لقيصر قبل تمسح الدولة‬ ‫الرومانية وتحول الحكم إلى حكم بالحق الإلهي يكون بتعميد كنسي وصل في الغاية حتى‬ ‫بعد الثورة الفرنسية إلى تنصيب الكنيسة نابليون الأول امبراطورا على مستعمراته باسم‬ ‫الحق الإلهي الذي تنطق به الكنيسة‪.‬‬ ‫‪ .2‬لكن الإسلام يرفض الحكم بالحق الإلهي‪ .‬فتنبيه الله لرسوله لم يقف عند \"إنما‬ ‫أنت مذكر\" بل أضاف \"لست عليهم بمسيطر\" أي إنك لا تملك عليهم سلطان الحاكم المعين‬ ‫سماويا بل لا بد من أن تحصل على البيعة أي الانتخاب الحر من المؤمنين‪ .‬وفعلا فالانتقال‬ ‫إلى المدينة الذي كان بداية الحكم تطلب مبايعة ودستورا لتأسيس الدولة‪.‬‬ ‫ولذلك نفهم أن الرسول لما جاء أجله لم يعين حاكما وأن الجماعة حسمت الأمر بالبيعة‬ ‫أي بالانتخاب الحر حتى بعد خلافات طويلة حول معايير الانتخاب‪ .‬وكان الحسم عين‬ ‫شروط من يستحق أن يكون \"خليفة\" (منزلة سياسية تعطيها الأمة للحاكم بانتخابه) ينوب‬ ‫الخلفاء (منزلة وجودية للإنسان من حيث هو إنسان)‪ .‬ليس في ما هو فرض عين من الحكم‬ ‫بل في ما هو فرض كفاية بمعنى الإدارة تحت مراقبتهم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وما طبق على الرسول ‪-‬وهو الرسول‪ -‬فحري أن يطبق على غيره‪ .‬ومن ثم فلا توجد‬ ‫كنيسة تضفي الشرعية على الحاكم بل الشرعية يضفيها عليه البيعة الحرة‪ .‬طبعا كلامي‬ ‫لا يتعلق بالأمر الواقع بل بالأمر الواجب‪ .‬وهذا يصح على أكثر دول العالم ديموقراطية‪:‬‬ ‫ففي أمريكا مثلا ليس الأمر الواجب هو الحاصل‪.‬‬ ‫فالأمر فيها يحدده أهل الحل والعقد أي أصحاب المال والإعلام على مستويين في تعييين‬ ‫الحزب لمشرحه وفي تعيين الشعب بدرجتيه الناخب الشعبي والناخب الكبير والمرجح هو‬ ‫الأخير‪ .‬وهو ما حاول الغزالي ‪-‬حجة الإسلام‪-‬بيانه في حوره مع شيعي باطني يدافع عن‬ ‫الوساطة والوصاية للمعصومين المزعومين‪.‬‬ ‫فبلغ التحريف إلى حد جعل الإمام فوق الرسول ويدعي الانتساب إلى آل بيته‪ .‬الرسول‬ ‫ينبهه الله إلى \"إنما أنت مذكر\" و\"لست عليهم بمسيطر\" والأيمة ليسوا مذكرين بل وسطاء‬ ‫وليسوا نواب الأمة بالاختيار بل أوصياء عليها بالاضطرار‪ .‬ومن ينوبهم في ا لوساطة وفي‬ ‫الوصاية المرجعيات الفقيه الولي هم أفسد خلق الله ماديا وخلقيا لأنهم يأكلون أموال‬ ‫تابعيهم ويستحيون حرماتهم‪ :‬نفي تام للإسلام‪.‬‬ ‫واختيار الصديق لم يكن لقرابة مع الرسول أو حتى لقربه منه بل كان بسبب الصفات‬ ‫التي أهلته لأن ينوبه الرسول في إمامة الصلاة فاستنتج المسلمون يوم الحسم هذا المعيار‪:‬‬ ‫من له صفات الإمامة في الدين يكون من باب أولى مؤهلا للإمامة في الدنيا‪ .‬واستحقاق إمامة‬ ‫الدين ليست مثل من تعينهم الحكومات الفاسدة في عهد الرسول‪.‬‬ ‫إنما شروطها من نوع أخلاق الصديق‪ .‬والدليل خطبته لما تمت البيعة‪ .‬لم يقل عينني‬ ‫النبي أو اختارني الله أو فرضتني عصبية بل قال لمبايعيه اخترتموني ولست خيركم‪ .‬فبين‬ ‫من أين يستمد ما سيصبح له من سلطان يأخذ بمقتضاه حق الضعيف من القوي الذي يفقد‬ ‫قوته أمام الحق وال َحكم المنصف بالأمانة والعدل (النساء ‪ .)58‬وإذن فصفة السياسي غير‬ ‫ضرورية بل كلمة إسلام وحدها تكفي لأنها تعني بعدي السياسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬التربية من دون وساطة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬والحكم من دون وصاية‪.‬‬ ‫والشرعية مصدرها إرادة الجماعة بالبيعة الحرة‪ .‬والدولة الي تقوم بهذين الوظيفتين‬ ‫ليكون الإنسان حرا وقادرا على تعمير الأرض والاستخلاف فيها بشرطين هما التبادل‬ ‫والتواصل‪.‬‬ ‫وحتى يحصل تبادل فلا بد من تعاون وتعاوض عادل وهذا يعني القضاء‪ .‬والقضاء يحكم‬ ‫لكنه لا ينفذ‪ .‬ومن هنا فلا بد من الأمن (الشرطة)‪ .‬ولما كان هذا التبادل مشروطا بتوزيع‬ ‫العمل لإنتاج الثروة فإنه صار بحاجة إلى حماية الأرض والثروة وذلك هو الدفاع‪.‬‬ ‫والدفاع لا بد له من دبلوماسية التي هي في نسبتها إلى الدفاع من جنس القضاء في نسبته‬ ‫إلى الأمن‪.‬‬ ‫وهذه كله تسمى وظائف الحماية الداخلية والخارجية وكلها بحاجة إلى جهاز عصبي يوحد‬ ‫بينها هو الاستعلام والاعلام السياسيين حتى تكون الدولة تعمل على علم‪ .‬وهذه المعاني‬ ‫كلها محددة في السور المدنية‪ .‬وهي سياسة‪ .‬لكن لماذا كل هذا؟‬ ‫أليس لتكوين الإنسان حتى يصبح قادرا على تموين نفسه؟‬ ‫وتلك هي الرعاية التي تكمل الحماية التي يحمي بها نفسه لأن الدولة هي منظومة‬ ‫المؤسسات التي يعبر بها عن إرادته ويحقق بها غاياته (الشورى ‪.)38‬‬ ‫والرعاية تعني التربية في نظام التعليم والعمل والعيش في المجتمع‪ .‬كما تعني التموين‬ ‫المادي بالإنتاج الاقتصادي والتموين الروحي بالإنتاج الثقافي‪ .‬وهما أخيرا يستندان إلى‬ ‫جهاز عصبي يحقق شروط ذلك كله علميا وتقنيا وخلقيا وتنظيميا ومنهجيا‪ .‬إنه البحث‬ ‫العلمي الذي ينتج الثروة والتراث والنظام والمنهج ويمكن من سد الحاجات المادية‬ ‫والروحية للإنسان‪ .‬وكل ذلك نجد الإشارة إليه وقيمه في القرآن المدني‪.‬‬ ‫هل بقي شيء آخر يمكن أن يعتبر سياسيا وليس هو مقوم أساسي من الإسلام؟‬ ‫لذلك فصفة السياسي نافلة عند الكلام على الإسلام‪ .‬كلمة إسلام كافية وحدها‪ .‬لكن لا‬ ‫بأس سأقبل بها لأنها زيادة خير ولا ندامة في زيادة الخير‪ .‬وبهذا المعنى اعتبر الإسلام‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫السياسي أو الإسلام دون وصفه بالسياسي مستقبل الإنسانية بما يحدده من قيم لهذه‬ ‫الوظائف‪.‬‬ ‫فإذا كان المنتسبون إلى الإسلام السياسي يريدون أن يصبحوا قوة سياسية قادرة على‬ ‫حكم دولة فلا بد من اعتبار الإسلام سياسيا بالجوهر بهذه الوظائف‪ .‬وتلك مهمة القوى‬ ‫السياسية أي تعمير الأرض بقيم الاستخلاف وليس بالعبادات التي هي من مسؤولية الأسرة‬ ‫والمدرسة والمجتمع الأهلي‪ .‬والدليل القاطع هو أن دستور الإسلام ترك ذلك لهذه‬ ‫المؤسسات‪.‬‬ ‫والدولة التي أسسها الرسول بدستور صريح لم تكن وحيدة الشرعة والمنهاج بل مبدؤها‬ ‫\"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\" ما يعني التعددية الدينية عقيدة وشريعة‪ .‬والحجة التي‬ ‫يتأسس عليها هذا التعدد في الآية ‪ 48‬من المائدة هي أن التسابق في الخيرات وحاجة الحرية‬ ‫الدينية له تعدد شرطا في الخيار الحر للمتدين‪.‬‬ ‫وإذن فأي قوة سياسية تترك الوظائف السياسية للدولة والمجتمع وتنشغل بالعبادات سلطة‬ ‫متحيلة وليست سلطة شرعية لأن تستخدم الدين ولا تخدمه‪ .‬فهذا العمل يعني أنها تهمل‬ ‫ما يحاسب عليه الإنسان يوم الدين أي التعمير بقيم الاستخلاف وتهتم بما ليس من‬ ‫مسؤولياتها فتتحول الأحزاب إلى كنائس أو فرق دينية ولا تبقى قوى سياسية يقتصر دورها‬ ‫في الحماية والرعاية‪.‬‬ ‫وظيفتها قهر الفقر المادي حتى يصبح الإنسان متحررا من سلطانه عليه فيتعالى ويصبح‬ ‫واعيا بالفقر الروحي الذي يجعله يتحر مما يـخلده إلى الدنيا أعني الحاجات النباتية التي‬ ‫لا تترك للإنسان فرصة السمو إلى ما يصفه به ابن خلدون\" رئيس بطبعه بمقتضى‬ ‫الاستخلاف الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫فـأكثر من ‪ 99‬في المائة من المسلمين غارقون في الفقر المادي الذي يلهيهم عن قيم‬ ‫الاستخلاف‪ .‬فيكون تعبدهم تعويضيا وليس دينا بحق لأن العبادات تتحول بالنسبة إلى‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الجائع مجرد حركات لا دلالة لها بمعنى العرفان للرب بل هي شكوى له منه من قهر الدهر‬ ‫وذل العبودية للاستبداد‪ .‬وكل ذلك مناف لعزة الإسلام‪.‬‬ ‫وسأختم الفصل بدلالة الوصل بين العبادات والتحرر من الفقر المادي أي التحرر منه‬ ‫بتعمير الأرض وسياستها بقيم الاستخلاف‪ .‬فبعد الشهادة التي هي عتبة الدخول إلى‬ ‫الإسلام والتي هي تذكير بالشهادة الأولى ونحن في ظهور آبائنا (الأعراف ‪ )173-172‬تأتي‬ ‫العبادات الأربعة الباقية وكلها مشروطة بالتحرر من سلطان الفقر لأنها مكلفة ماديا‪.‬‬ ‫أليست الزكاة بعدها مباشرة ومرتبطة بها دائما؟ هل يزكي من ليس له النصاب؟‬ ‫والنصاب أليس دليل التحرر من الانشغال بالدنيا مدة سنة؟ لماذا؟‬ ‫أليس لأن الله يعلم أن الذي يفكر في لقمة أبنائه في الغد يصعب ان يفكر في غير ذلك‬ ‫أم نحن أعلم منه بأحوال النفس البشرية؟‬ ‫وهل يبقى للعبادة معنى إذا كان المرء منشغلا بلقمة عيش أبنائه؟‬ ‫وهذا الربط إلا يشجع على العمل لئلا يخسر الإنسان القيام بفريضة تقربه من ربه؟‬ ‫وصاحب هذه الوضعية يقبل العبودية لغير الله إذا لم يتوفر له ما يحرره منها لأنه يكون‬ ‫عبدا للحاجة الملحة‪ .‬وتلك هي كون الشعوب العربية تقبل الذل والمهانة والعبودية‬ ‫والخضوع للمافيات والبلطجيات بسبب الفقر الناتج عن عدم تعمير الأرض وعن عدم‬ ‫العمل بقيم الاستخلاف في سياستها‪ .‬ولست أعني أن الفقراء لا يعملون بل أني أنهم يعلمون‬ ‫كما يعمل من عمله لا يجاوز الكفاف فضلا عن تسلية أمر السياسة للمافيات‪ :‬عمل بدائي‬ ‫وليس عملا على علم وخضوع للمافيات‪.‬‬ ‫ولماذا يكثر الكذب والتحيل والغش وعدم احترام الالتزامات؟‬ ‫أليس لأن الإنسان في هذه الحالة ينحط إلى ما يفرضه التاريخ الطبيعي أي الاقتتال‬ ‫والتخادع من أجل العيش الادنى‪.‬‬ ‫ولنمر الآن الصلاة‪:‬‬ ‫هل الصلاة بلا كلفة مادية؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ثم الصيام هل هو بلا كلفة مادية؟‬ ‫وأخيرا الحج هل هو بلا كلفة مادية؟ علام يدل ذلك كله؟‬ ‫ألا يدل على أن الإسلام يجعل تعمير الأرض شرطا في العبادات الصادقة لوجه الله بمعنى‬ ‫أن العبادات من حيث هي علاقة مباشرة بـالرب التي تقتضي التحرر ليس بالهروب بل‬ ‫بالسلطان على الأرض لسد الحاجات بالعلم والعمل وليس بفتات ما تجود به الطبيعة في‬ ‫الانتاج البدائي وفضلات المافيات التي تستحوذ على ثروات الأمة؟ فـمن لم يتحرر من‬ ‫الحاجة يصبح عبد مالك ما يسدها‪.‬‬ ‫وبذلك يستبد المستبد ويستعبد المجرمون الشعوب‪.‬‬ ‫كلما زرت مصر وجلست قبالة الأزهر رأيت ما يذوب له القلب‪ .‬أطفال كالذباب يتسولون‪.‬‬ ‫ولعلهم بلا أسر ولا معيل‪ .‬فكيف سيكون هؤلاء الأطفال ومن يلومهم إذا أصبحوا بلطجية‬ ‫ومجرمين وأدوات للمستبدين حتى يخضعوا البقية فيحكم السيسي وأمثاله‪.‬‬ ‫ألا يرون أن العبادات لم تجعل المسلمين يبتعدون عن الكذب والنفاق والخداع والغش‬ ‫والتآمر والتقاتل؟‬ ‫بل لعل أكثر الناس كذبا ونفاقا هم الدعاة وخاصة الجدد منهم الذين حولوها إلى تجارة‪.‬‬ ‫فأبرزهم أكذبهم لكأنهم يطبقون ما كان النقاد العرب يعتبرونه من خصائص الشعر إذ‬ ‫يعتقدون أن اجود الشعر أكذبه فصار أجود الدعاة اكثرهم كذبا ونفاقا‪ .‬وهذا من علامات‬ ‫الانحطاط وتحريف القرآن الذي يقيم الشعراء بعكس ذلك تماما‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلنا الآن إلى ما يمكن أن يعتبر في آن إسلاما أو سياسة لا فرق بين الكلمتين‪ .‬فـحتى وإن‬ ‫قبلت الوصف سياسي يضاف إلى إسلام فذلك من أجل الـدلالة على عودة ما سلب منه بسبب‬ ‫الانحطاط وتحريفه وبسبب الاستعمار وعملائه‪ .‬ويمكن اعتبار القرنين الماضيين من تاريخنا‬ ‫صاحبي الفضل في هذه الاستعادة‪ .‬وهذا وحده كاف لشكرهما‪ .‬فحركة النهوض كانت‬ ‫إسلامية بهذا المعنى لأنها سياسة حركة التحرير في كل دار الإسلام‪ .‬ولها رمزان‪:‬‬ ‫‪ .1‬رمز هدف إلى تحرير المجتمع من النكوص إلى الجاهلية بتحرير الإيمان والعبادات من‬ ‫الخرافة وعبادة القبور ويمثله فكر ابن تيمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ورمز هدف إلى تحرير الدولة من النكوص إلى الشوكة الفاقدة للشرعية التي تجعل‬ ‫السياسي من الإسلام مركز الاهتمام ويمثله فكر ابن خلدون‪.‬‬ ‫ويمكن أن نقول إن حركة الإخوان كان وسطا بين هذين الهدفين والرمزين‪-‬جوهر‬ ‫الفكرين التيمي الخلدوني‪-‬وأن الحركات السياسية بما فيها تلك التي لم تكن ذات ميل‬ ‫إسلامي أو التي انفصلت عن الحركات ذات الميل الإسلامي كما في تونس (علاقة بورقيبة‬ ‫بالثعالبي) كانت في صلة بهذين الهدفين كما يتبين من الطرق الصوفية ومن الحكم‬ ‫التقليدي‪.‬‬ ‫لكن هذه المرحلة اعتقد أنها من الماضي وهي قد أنجزت مهمتها إلى حد كبير لأن النخب‬ ‫الإسلامية الأصيلة تحدثت فلم تبق منقطعة عن الثقافة الغربية ولم تقطع مع الثقافة‬ ‫التقليدية‪ .‬لكن ذلك لا ينفي أن سيطرة هذه الثقافة الاخيرة لم تزل مسيطرة في مصر‬ ‫وفي الخليج حيث ما زال للتكوين التقليدي الكثير من التأثير في ثقافة المجتمع وثقافة‬ ‫الدولة التي لم تستعد هذه المقومات التي هي جوهر سياسة الإسلام‪.‬‬ ‫وما في ما يجري حاليا في الخليج وفي مصر من حرب على الإسلام في شكل رد فعل مفهوم من‬ ‫الشباب الذي تلقى ثقافة حديثة ولم يجد مرونة من الثقافة التقليدية في مناخ الحياة‬ ‫العامة‪ .‬ولو لم يكن جاريا بتبعية صريحة لإسرائيل وأمريكا لكان شيئا مفيدا‪ .‬لكن الحصيلة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫هي الصدمة الضرورية إلى ما يبدو حربا على الإسلام وهو في النهاية سيكون أفضل خدمة‬ ‫للإسلام لأن التوازن المنتظر سيكون تحرير الإحياء من التبعية وستظهر عليها حقيقة الإسلام‬ ‫السياسي التي هي سياسة الإسلام بمعنى تلك الوظائف شرط التعبد‪.‬‬ ‫صحيح أن المدخل السعودي للقطع مع فكرة الإسلام الاستخلافي من دون شرطه أي التعمير‬ ‫مدخل بدائي وتسلطي‪ .‬لكن السعوديين في النهاية سيدركون العلاقة بين التعمير‬ ‫والاستخلاف وسيصبحون مثل غيرهم من الشعوب فاهمين أن الحياة من دون عمل لا معنى‬ ‫لها وأن التدين من دون الاستعمار في الأرض وهم‪.‬‬ ‫وصحيح أن المدخل المصري عنيف بقيادة عميلة‪ .‬لكن المصريين بحاجة إلى التحرر من‬ ‫الدولة الحاضنة التي جمدت القدرة الابداعية في الشعب لأنها أدت إلى ثقافة تقاسم الفقر‬ ‫واعتبار وظيفتها تقاسم العيش وليس تكوين شعب يعتمد على الاستعمار في الأرض المتجاوز‬ ‫بـما يحررهم من ثقافة لم تتطور منذ الفراعنة أي الفلاحين العبيد لبلطجية يسيطرون‬ ‫على الأرزاق‪.‬‬ ‫ولا فرق في ذلك بين الباشوات في العهد الملكي والعسكر بعد ما يسمى ثورة‪ :‬شعب من‬ ‫العبيد ونخبة من العملاء ودولة ليس لها آفاق التحول إلى جهاز ينظم فعل جماعي يحقق‬ ‫شرطي السيادة أعني الحماية والرعاية الذاتية‪ .‬طبعا ليس هذه هدف السيسي كما أن ما‬ ‫قلته عن السعودية ليس هدف صاحب المنشار‪.‬‬ ‫لكن ما سيحصل سيكون ضد هدفهما وهو ما وصفت أي إن السعودي الذي هو بصدد الخروج‬ ‫من عهد الوفرة بسبب حمق قيادته الحالية سيصبح في وضع طبيعي لشعب يعتمد على العمل‬ ‫وليس على الكسل‪ .‬والمصري الذي كان يرضى بالعبودية سيضطره العسف العسكري إلى‬ ‫أن يصبح مواطنا حقيقيا يدفع الظلم ويتحرر‪.‬‬ ‫والحصيلة هي من المفارقات‪ .‬فالثورة المضادة أصبحت بغير قصد منها تحقق شروط عودة‬ ‫الإسلام السياسي أو الإسلام \"تو كور\" أي بمجرده دون حاجة لوصفه بالسياسي‪ .‬فما هو هذا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الإسلام الذي هو سياسي بالجوهر بل وأفضل العلاج السياسي الممكن إنسانيا لجمعه بين‬ ‫التعمير وقيم الاستخلاف؟‬ ‫فالتعمير شرط طبيعي لقيام الإنسان المتحرر من التبعية وممن يسيطر على سد حاجاته‬ ‫والاستخلاف ليسدها بنفسه وبقيم الاستخلاف وهما شرط خلق لقيام الإنسان الواعي‬ ‫بتكريمه الإلهي‪ .‬وشرطهما لقيام الإنسان المادي التعاون والتبادل بالتعاوض العادل‬ ‫وشرطهما لقيام الإنسان الروحي هو التواصل بالتعارف الصادق (الحجرات ‪ )13‬بين البشر‬ ‫كأخوة (النساء ‪.)1‬‬ ‫وهذا هو ما يمكن أن يسمى سياسة الإسلام أو الإسلام السياسي أو الإسلام \"تو كور\" أي‬ ‫دون إضافة صفة السياسي إليه لأنه هو نفسه نظام سياسي بقيم متعالية على الأخلاد إلى‬ ‫الأرض وهو ما تحتاج إليه الإنسانية وخاصة الآن في عصر العولمة المادية التي لا تعمر‬ ‫الأرض بل تدمرها‪.‬‬ ‫والتبادل العادل هو جوهر الاقتصاد الإسلامي‪ .‬والتواصل التعارفي هو جوهر الثقافة‬ ‫الإسلامية‪ .‬وهذان هما ما تخلى عنه الإسلام السياسي الحالي لتبنيه الموجود وتخليه عن‬ ‫المنشود بمنطق التكيف الغبي والمسارعة في المشاركة في حكم ليس له عليه سلطان بالتنازل‬ ‫عن قيم مرجعيته‪.‬‬ ‫والعلة هي العجلة وعدم الصبر لأن هذا التخلي عن المنشود للمشاركة في الموجود تفقد‬ ‫الإسلام جاذبتيه الكونية وتجعله شكل ممسوخ من الرأسمالية كما يتبين مما ذكرت عن‬ ‫البنك الإسلامي والحكم الإسلامي القابل لشروط البنوك الدولية في رؤيته الاقتصادية‬ ‫والتودد للثقافة المبتذلة والمنحطة الحالية‪ .‬ويصبح السؤال مضاعفا‪:‬‬ ‫‪ .1‬كيف يكون الاقتصاد مبنيا على التبادل العادل في التعاون الضروري لسد الحاجات‬ ‫المادية الذي يتطلب اقتسام العمل في كل جماعة؟‬ ‫‪ .2‬وكيف تكون الثقافة مبنية على التواصل الصادق في التعارف الضروري لسد الحاجات‬ ‫الروحية الذي يتطلب التآخي والمساواة بين البشر؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فالإسلام السياسي أو سياسة الإسلام أو الإسلام \"تو كور\" دون وصف بالسياسي هو الجواب‬ ‫عن هذين السؤالين جوابا هو ما تشرئب إليه الإنسانية حاليا بعد أن جربت الحلين اللذين‬ ‫بينت أنهما يعودان في العمق إلى دين العجل‪ :‬الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا‪.‬‬ ‫ذلك أن جوابه هو مستقبل الإنسانية فعلا بتحريرها منهما بعد أن كشف بنيتهما العميقة‬ ‫التي هي دين العجل‪ .‬فقد تبين لكل ذي عقل وحتى في الغرب أن الاقتصاد الربوي استعباد‬ ‫خفي للإنسانية ماديا كلها لأنه يجعل أصحاب البنوك هم السادة والبقية عبيد لديهم بسبب‬ ‫تحول العملة من أداة تبادل إلى سلطان على المتبادلين‪ .‬وهذا هو بعد العجل الذهبي الأول‪.‬‬ ‫كما تبين لكل ذي عقل أن الثقافة التلهوية والإعلام المزيف للحقائق استعباد خفي‬ ‫للإنسانية روحيا للإنسانية كلها لأنه يجعل أصحاب إنتاج الملاهي والإعلام هم السادة‬ ‫والبقية عبيد لديهم بسبب تحول الكلمة من أداة تواصل إلى سلطان على المتواصلين‪ :‬وهذا‬ ‫هو بعد العجل الثاني‪ :‬الخوار‪.‬‬ ‫فهما جعلا الإنسان عبدا لبعدي دين العجل‪ :‬رمز العملة الربوية ماديا ورمز الكلمة‬ ‫الربوية روحيا‪ .‬ومشكل الإسلام السياسي أنه لم يعد إسلاميا لعدم فهم فلسفة الإسلام‬ ‫الاقتصادية والثقافية هذه‪ .‬والدليل هو‪:‬‬ ‫‪ .1‬قبولهم بانتقال العملة من أداة تبادل إلى سلطان على المتبادلين وهو معنى الربا في‬ ‫الاقتصادي‪.‬‬ ‫‪ .2‬وقبولهم انتقال الكلمة من أداة تواصل إلى سلطان على المتواصلين وهو معنى الربا‬ ‫الروحي‪ .‬وهما جوهر الرأسمالية‪.‬‬ ‫وإذن فنحن بين مرضين‪ :‬إما نكوص إلى فهم بدائي للإسلام أو نكوص إلى فهم سقيم‬ ‫للحداثة‪ .‬فالإسلام الجهادي نكوص إلى فهم بدائي للإسلام‪ .‬والاسلام السياسي بالمعنى الذي‬ ‫نحاول بيان ضرورة تجاوزه في الحركات التي تنسب إلى من يوصفون بكونهم أخوان او توابع‬ ‫للإخوان نكوص إلى قبول بدائي للحداثة بمجرد بتغيير الأسماء والمحافظة على المسميات‬ ‫التي يفرضها انحطاطها‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬فمن يسمون أنفسهم سلفيين سواء من وصف نفسه منهم بالعلمي أو من وصف نفسه‬ ‫بالجهادي أفسدوا الدين لأنهم جعلوا تحريفه أي علة الانحطاط سبيلا للاستئناف وهو غاية‬ ‫الحمق‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومن يسمون أنفسهم اخوان أو \"وسطيين\" العقل لأنه جعلوا تحريفه أي علة الانحطاط‬ ‫الغربي سبيلا للاستئناف بمجرد تغيير الأسماء‪.‬‬ ‫ولأضرب ثلاثة أمثلة من الاقتصار على تغيير الأسماء‪:‬‬ ‫‪ .1‬التدافع‬ ‫‪ .2‬البنك الإسلامي‬ ‫‪ .3‬الوسطية‪.‬‬ ‫فالتدافع اسم لصراع الطبقات (رؤية ماركسية) ولصراع الارواح (رؤية هيجلية)‪.‬‬ ‫وبعضهم يدري بذلك وبعضهم لا يدري‪ .‬لكنهم في الحقيقة تبنوا انحطاط فكر الحداثة لأن‬ ‫هيجل وماركس ترجما فلسفيا انحطاط قيم الحداثة بالنكوص إلى القول بنظرية المعرفة‬ ‫المطابقة واعتبار الإنسان مقياس كل شيء إما لأن الله حل في الإنسان (هيجل) أو لأنه لا‬ ‫وجود لله أصلا (ماركس)‪.‬‬ ‫أما البنك الإسلامي فتكلمت عليه وهو كما بينت اسم جديد للبنك الربوي‪ .‬وهو أكثر ربوية‬ ‫من البنك الربوي الحالي‪ .‬وأخيرا مثال كلما سمعته اقشعر بدني‪ :‬الوسطية‪ .‬ومعناه الفعلي‬ ‫أن المسلم عليه أن ينتظر ليرى كيف يسلك اليهودي وكيف يسلك المسيحي حتى يتوسط‬ ‫بينهما ليكون وسطيا‪ .‬هل يوجد أسخف من هذا؟‬ ‫يقولون لك‪ :‬اليهودي مادي والمسيحي وروحي والمسلم ينبغي أن يكون وسطيا بين المادي‬ ‫والروحي أي إن المسلم مسكين تابع ينبغي أن يعرف نفسه بالسلب لا هو يهودي ولا هو‬ ‫مسيحي بل وسط بينهما‪ .‬ولست أدري كيف يمكن أن يكون الوسط بين شرين خيرا؟‬ ‫فلا يمكن أن يكون فضيلة حتى لو طبقنا معيار أرسطو في تحديد الفضائل لأنه هو بدوره‬ ‫لم يكن مفهوما من فلاسفتنا حتى من حاول تطبيقه في الأخلاق مثله‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫مفهوم الوسطية لا علاقة له بـ\"أمة وسطا\" القرآنية‪ .‬وإلا لما كانت نتيجته في القرآن أن‬ ‫تكون هذه الوسطية القرآنية علة لجعل الأمة شاهدة على الناس‪ .‬فمن يشهد على الناس‬ ‫لا يمكن أن يعرف بالتوسط بينهما فيكون لا من هؤلاء ولا من هؤلاء تعريفا سلبيا يقتضي‬ ‫أن يكونا متقدمين عليه وهو لاحق يعرف بنفيهما ما يعني أنهما هما الشاذان عليه ببيان‬ ‫انحرافه عنهما‪.‬‬ ‫الوسط في القرآن ليس تعريفا سلبيا بنفي تطرفين بل هو معيار سابق عليهما وهما تاليان‬ ‫ينتجان عن تحريفه‪ .‬فلا يكون وسطا بينهما لأنهما تحريفان لقيمه وليسا معيارين يعرف‬ ‫بهما حتى سلبا‪ .‬لا يمكن لقيمة أن تكون وسطا بين تحريفيـها‪ .‬القيمة أصل والتحريف فرع‪.‬‬ ‫ولست أفهم مثلا كيف يكون الجهاد وسطا بين تحريفيه أي عزله عن قيمته أو الاجتهاد وصلا‬ ‫بين تحريفيه أي الجهل ودعوى العلم المطلق‪ :‬فكلاهما جهل الأول بداية الجهل والثاني‬ ‫غاية الجهل‪.‬‬ ‫وختاما فيمكن القول إن الإسلام السياسي بصدد فقداهن الإسلام ولم التحول إلى ما‬ ‫ينافيه وينافي السياسي الأداة ليصبح السياسي الغاية المطلوب لذاته حبا في الحكم بأي ثمن‬ ‫ولو بالتحالف مع المافية‪ .‬فإطلاق أسماء اسلامية على ما ليس إسلاميا لا يجعله إسلاميا‪.‬‬ ‫والإسلام الذي يعارضه به أدعياء السلفية علمية كانت أو جهادية ليس إسلاما لأنه ينبني‬ ‫على تحريفه بدليل مآله بالأمة إلى الانحطاط‪.‬‬ ‫الإسلام في قص القرآن لأمثولة استخلاف آدم عين أين يستخلفه‪ .‬وعين لم يستخلفه‪.‬‬ ‫وعين شروط قيامه باستعماره الأرض‪ .‬وعين طبيعة اختبار أهليته للاستخلاف‪ .‬وعين ما‬ ‫جهزه به ليحقق المهمتين‪ :‬تعمير الأرض والاستخلاف فيها‪ .‬وعين أخيرا علة تكريمه‬ ‫وتكليفه بالمهمتين‪ .‬كل ذلك أضاعه المسلمون ثم يدعون تمثيله أو يزعمون أنه مرجعيتهم‪.‬‬ ‫وليست العامة (مفهوم لا أفهمه) هي التي أضاعته بل \"العلماء\" وبالذات من يدعون‬ ‫\"الرسوخ في العلم\" منهم‪ .‬ذلك أنهم تركوا ما أمر الله به في فصلت ‪ 53‬وانشغلوا بما نهى‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عنه في آل عمران ‪ 7‬فأصبحوا هم ذوي القلوب الزائغة والإرادات المبتغية للفتنة‪ .‬ولهذا‬ ‫فما ظلت هذه الحقيقة مسكوتا عنها لن نستأنف دورنا‪.‬‬ ‫ولسوء حظي أو ربما لحسنه لست ممن يسكتون عن هذه الحقيقة بعد أن سعيت لفهم‬ ‫القرآن كما يصف نفسه وكما يصف الإنسان فوجدت أن أفضل من أدرك تعريف الإنسان‬ ‫القرآني هو ابن خلدون في هذه العبارة معرفة الإنسان‪\" :‬رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف‬ ‫الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫وما اعتبرته تحريفا للإسلام ونسبته إلى \"العلماء\" و\"الراسخين\" منهم خاصة هو نقيض هذ‬ ‫التعريف‪ :‬لم يبق الإنسان عندهم رئيسا ولم يبق مستخلفا‪ .‬صار مرؤوسا بسلطان الوسطاء‬ ‫(العلماء) وبسلطان الأوصياء (الأمراء) وسموهما أولي الأمر في حين أن القرآن يعبر‬ ‫صاحب الأمر الجماعة (الشورى ‪ .)38‬ولا فرق بينهم وبين الشيعة إلا بصراحة هؤلاء‬ ‫وجعل هذا التحريف جوره عقيدتهم وهم نفوه في الاقوال وعملوا به في الأفعال‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من تابع هذه المحاولات لفهم الفرق بين ما يسمى بالإسلام السياسي وما يسمى بالعلمانية‬ ‫العربية يدرك أنه مجرد خلاف حول التسميات‪ .‬لكن الفكرين يتبعان نفس التصور‬ ‫السطحي الناتج عن نكوص الدين في الإسلام السياسي والفلسفة في العلمانية العربية إلى‬ ‫تحريفهما‪:‬‬ ‫‪ .1‬والتحريف الأول هو علة نكوص فهمهم للدين‪.‬‬ ‫‪ .2‬والتحريف الثاني علة نكوص فهمهم للفلسفة‪.‬‬ ‫فالنكوص الأول هو العودة إلى علة الانحطاط في الرؤية الدينية والنكوص الثاني هو‬ ‫علة الانحطاط في الرؤية الفلسفية‪ .‬وهذا الانحطاط الأخير معلوم صاحباه‪ :‬هيجل وماركس‬ ‫اللذين جعلا الفكر الفلسفي إيديولوجيا الصرع بين أرواح الشعوب بتعليل معنوي‬ ‫وإيديولوجيا الصراع بين طبقاتها بتعليل مادي‪ .‬أما ذاك الانحطاط فعلته هي تبني فكرهما‬ ‫عند الإسلاميين سواء بعلم أو بغير علم كما يبين ذلك مفهوم التدافع الذي يفسرون به‬ ‫الصراع الطبقي وصدام الحضارات‪.‬‬ ‫والتعليل الهيجلي أخذ من دين العجل خواره فجعل الفلسفة صراعا إيديولوجيا حول‬ ‫قيم يزعمها روحية وهي ربا الكلمة هدفه تمسيح العقل وبإيديولوجيا تأليه الإنسان‪.‬‬ ‫والتعليل الماركسي أخذ من دين العجل معدنه فجعل الفلسفة صراعا اقتصاديا حول قيم‬ ‫يزعمها اقتصادية وهي ربا العملة‪ .‬والإسلاميون تبنوهما متوهمين أن تغيير الأسماء كاف‬ ‫ليجعل المسميات إسلامية‪.‬‬ ‫ولم يغيروا إلا الاسم وجمعوا بين المعنيين الهيجلي وبه يفهمون صراع الحضارات الذي‬ ‫هو تطوير لنظرية صراع أرواح الشعوب الهيجلي‪ .‬كما يفهمون به صراع الطبقات‬ ‫الماركسي‪ .‬ويسمونهما التدافع الاجتماعي والسياسي‪ .‬وهم إذن مثل العلمانيين لأنهم نسوا‬ ‫ثورة النساء ‪ 1‬وثورة الحجرات ‪ 13‬ولم يبق مميزا لهم إلا العبادات ولا شيء يثبت الصدق‬ ‫فيها لأنها يمكن ألا تكون إلا من افعال الجوارح الخارجية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وبعبارة وجيزة فالإسلام السياسي صار\"(هيجليا) برجوازي الخطاب السياسي الدولي‬ ‫القائل بالتدافع الحضاري‪(-‬وماركسيا) بروليتاري الخطاب الاجتماعي بالتدافع الطبقي و‬ ‫(مسلما) بالعبادات التي تمكنه من سلطة على الجماهير الشعبية\"‪ .‬صحيح أن تعريفي هذا‬ ‫قد يبدو متشددا وأنا أول المتألمين منه‪ .‬لكنه وصف أمين‪.‬‬ ‫ومثل هذه الأحزاب التي تسمى إسلاما سياسيا لو انفصلت عن الدين بمعنى العبادات لما‬ ‫بقي لها شيء من الإسلام‪ .‬وستصبح مثل أحزاب اليسار لا ينتسب إليها إلى قلة قليلة لا‬ ‫تمثل شيئا عدى هذا الفصام بين الأقوال والأفعال ومن ثم فهي حركات لا فكر لها ولا قيم‬ ‫إلا حول الصراعين أو \"التدافع\" على الحكم‪.‬‬ ‫ولأبدأ الآن الجواب عن السؤالين التاليين‪:‬‬ ‫‪ .1‬لماذا يرد هيجل كل فاعلية في الوجود إلى الصراع الجدلي حول القيم الوجودية‬ ‫أي الوجود والعدم لفهم صيرورة الماهية بجدل الإيجاب والسلب في الوجود والتاريخ‬ ‫بالروحانية الجدلية؟‬ ‫‪ .2‬ولماذا يطبق ماركس نفس الرؤية على القيم المادية بين العمل ورأس المال لفهم‬ ‫صيرورة التاريخ بهما والوجود بالمادية الجدلية؟‬ ‫ولماذا الإسلاميون تبنوا نفس الرؤية وإن بتغيير الأسماء إيهاما بأنه يمثلون الرؤية‬ ‫الإسلامية التي لا تقبل بالروحانية الهيجلية ولا بالمادية الماركسية ولا خاصة بالوسيطة‬ ‫بينهما؟‬ ‫ذلك هو الإشكال الذي يعنيني والذي إن لم نزحه فسيفقد الإسلام بريقه وثوريته‪ .‬ولن‬ ‫يبقى له أي جاذبية تجعله مثالا أعلى يشرئب إليه كل إنسان أدرك علل العبودية الحالية‬ ‫لبعدي العجل معدنه سلطان ربا العملة وخواره سلطان ربا الكلمة العولميتين‪.‬‬ ‫وطبعا لا يمكن أن يصدق أحد أن المؤمن الصادق بقيمة الإسلام يمكن أن يضحي بهذا‬ ‫الوجه منه من أجل \"سترابونتان\" (كريسي جانبي) في حكم لا حول له ولا قوة على أتفه‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الأشياء فضلا عن التنازل عن سيادة الأمة وعن شروط حمايتها ورعايتها والـمحافظة على‬ ‫وحدة جغرافيتها ووحدة تاريخها المستهدفتين من الحرب على هويتها‪.‬‬ ‫فالرؤية الإسلامية كما تتبين من القرآن لا يمكن أن يكون همها الأول الحكم في الأعيان‬ ‫من دون أن يوافق الحكم ما في الاذهان من القيم القرآنية التي تهدف إلى توحيد الإنسانية‬ ‫بمنطق النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ .13‬ومعنى ذلك أنها قبل كل شيء فلسفة القوة اللطيفة التي‬ ‫تتأسس عليها القدرة على القوة العنيفة عند الحاجة إليها والجمع بينهما هو الشرعية‬ ‫والشوكة أو مقومي السياسة كما يعرفها القرآن‪.‬‬ ‫والقوة اللطيفة خلقية‪ .‬ويسميها ابن خلدون بالوازع الذاتي‪ .‬والقوة العنيفة مادية‪.‬‬ ‫ويسميها ابن خلدون بالوازع الأجنبي بمعنى السلطة التي تأتي من خارج الفرد وليس بمعنى‬ ‫أن صاحبها أجنبي‪ .‬والجمع بينهما هو سر الوجود السياسي للجماعات البشرية بشرط أن‬ ‫تكون القوة العنيفة المكملة للقولة اللطيفة ذات شرعية مستمدة من صاحب الأمر الذي هو‬ ‫جماعة المواطنين الأحرار‪.‬‬ ‫وهو شرح مباشر للشورى ‪ :38‬فالاستجابة إلى الرب تعني الكفر بالطاغوت والإيمان بالله‬ ‫بعد تبين الرشد من الغي (البقرة ‪ )156‬أي الإيمان الحر بالحرية من كل شيء وعدم‬ ‫الخضوع لغير قيم الرشد‪ .‬يليها القول إن الأمر هو أمر الجماعة‪ .‬ثم القول إنها تديره‬ ‫بالشورى بينها‪ .‬ثم تختم بالإنفاق من الرزق‪.‬‬ ‫بدأت الشورى ‪ 38‬بثقافة التحرر من ربا الكلمة أو خوار العجل ‪-‬الاستجابة للرب ‪-‬وختمت‬ ‫باقتصاد التحرر من ربا العلمة أو معدن العجل ‪-‬الانفاق من الرزق‪-‬وهذان هما أساسا‬ ‫الثقافة والاقتصاد في غاية النظام الحالي الذي هو عبودية الأذهان بثقافة الملاهي‬ ‫والإعلام المزيف للحقائق وعبودية الأعيان باقتصاد البنوك والارتهان للقروض‪.‬‬ ‫فالإسلام السياسي هو الإسلام دون حاجة للوصف بالسياسي لأنه بالجوهر سياسي‪ .‬وهو‬ ‫البديل الوحيد الممكن الذي يحرر الإنسانية من عولمة العبوديتين الاقتصادية والثقافية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بعولمة تلغي ما يجعل للعملة سلطانا على المتبادلين وللكلمة سلطانا على المتواصلين فيكون ذا‬ ‫جاذبية كونية لمستقبل الإنسانية‪.‬‬ ‫ولن أرضى عن الإسلام المحرر من دين العجل بديلا يقدمه النكوص إلى ما جعل الدين‬ ‫يصبح علة انحطاط الأمة بما حرفته منه علوم الملة المزعومة أو يقدمه النكوص إلى ما جعل‬ ‫الفلسفة تصبح علة انحطاط الانسانية بما حرفته منها علوم الحداثة المزعومة‪ :‬الإسلام‬ ‫مستقبل الإنسانية لأنه يحررها من هذين النكوصين المدمرين للإنسان والعالم‪.‬‬ ‫فمن يرضى بأحدهما أو بهما بديلين من الإسلام المحرر للإنسانية من الاخلاد إلى الأرض‬ ‫بسبب عدم تعميرها أو تعميرها بعدم العمل بقيم الاستخلاف (وهما النكوصان) لا يمكن‬ ‫أن يكون حقا قد درس القرآن كما يحدد ذاته بوصفه رسالة من الله إلى الإنسان مستعمرا‬ ‫في الأرض بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫ولما كان الاستخلاف مستحيلا من دون التعمير وكان التعمير ممكنا من دون الاستخلاف‬ ‫فيكون تدميرا وليس تعميرا فإن الجمع بين التعمير وقيم الاستخلاف هو جوهر الإسلام‬ ‫وهو جوهر السياسة إذا جمعنا بين أصل أدواتها (التعمير) وأصل غاياتها (الاستخلاف)‪.‬‬ ‫ولم يبق إلا أن أشرح علة التحريف الهيجلي والماركسي بالصراع الجدلي‪.‬‬ ‫يشترك هيجل وماركس بمفهوم الجدل الصراعي في الوجود وفي التاريخ بعد رد مقوميهما‬ ‫إلى عاملين متنافيين‪ .‬جدل صراعي بين مقومي الوجود القيمي الروحي عند هيجل ومقومي‬ ‫الوجود المادي عند ماركس‪ .‬والقراء غير المختصين يفهمون التقوم الماركسي أكثر من التقوم‬ ‫الهيجلي لأنه متعين في فاعلية العمل وفاعلية رأس المال أو في فاعلية الفعل المنتج للثروة‬ ‫وفاعليته لما تصبح ثروة حاصلة تسيطر قواه المنتجة‪.‬‬ ‫فالثروة إذ تتعين متخثرة في رأسمال تصبح هي بدورها ذات فاعلية منتجة لما ينتجه العمل‬ ‫ومؤجره له ولما يستمد منها من سلطان على العمل فيصبح انتاج العمل المتراكم عند المالك‬ ‫ذا سلطان على العمل المنتج للثروة‪ .‬وهذا التناقض هو سر الصراع بين العمل ورأس المال‪.‬‬ ‫وسر الأسرار هو هذا الاختزال الدال التبسط المشط للاقتصاد‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والجهل به عند ماركس لا يرد إليه بل إلى الجهل بالجهل في القول بالجدل عند هيجل‪.‬‬ ‫وسأعود إليه‪ .‬لكن فلأبدأ بما أسميه جهلا بالعملية الاقتصادية ذاتها‪ .‬فأولا ليس الانتاج‬ ‫الاقتصادي لقاء بين عمل ورأسمال حتى وإن بدا من حيث الصراع الظاهر وكأنه يقتصر‬ ‫عليه‪ .‬هو عملية شديدة التعقيد وليست بين طرفين بل بين خمسة أطراف العمل ورأس‬ ‫المال من بينها‪ .‬ورغم ضرورتهما فيها فهما ليسا الأهم منها‪.‬‬ ‫العملية الاقتصادية بنية معقدة وليست صراعا بين طرفين متنافيين‪ .‬والبنية المعقدة‬ ‫تتألف من‪:‬‬ ‫‪ .1‬قلب هو عملية الانتاج سواء لبضاعة أو لخدمة وهما تعين الثروة الذي يجعلها‬ ‫تتجسد في الملكية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وقبل هذا القلب بعدان‪ :‬فقبله لا بد من إبداع نظري قابل للتطبيق ولا بد من‬ ‫مستثمر لهذا الإبداع لنقله من النظر إلى العمل‪.‬‬ ‫‪ .3‬وبعده بعدان‪ :‬فلا بد أن يفكر ما قبله في ما بعده لتوفير الانتقال من المشروع في‬ ‫الأذهان إلى المشروع في الأعيان أو من الفكر إلى الوجود‪.‬‬ ‫فالمستثمر لا يستثمر لو لم يكن له عين على المستهلك لما ينوي الاستثمار فيه‪ .‬وهو لا‬ ‫يستطيع أن يستثمر إذا لم يجد القدرة على تمويل الاستثمار إما عنده هو شخصيا أو عند‬ ‫من له ادخار أي فضل على استهلاكه الذي يمكن أن يمول به الاستثمار‪.‬‬ ‫فنصبح أمام بنية مؤلفة من خمسة عوامل‪:‬‬ ‫• الثالث هو قلب علمية الإنتاج للبضاعة أو للخدمة‪.‬‬ ‫وقبله عاملان‪:‬‬ ‫• نظرية‬ ‫• استثمارها‪.‬‬ ‫وبعده عاملان‪:‬‬ ‫• مستهلك‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• مستثمر‪.‬‬ ‫وهذا في كل إنتاج‪ .‬ويمكن الآن أن نتصور تنافس بين مخمسين حول نفس الإنتاج فنصبح‬ ‫أمام عشرة‪ .‬ويتوالى التعدد في متوالية هندسية‪ .‬وحتى هذا فهو تبسيط وذلك لعلتين‪:‬‬ ‫فخذ كل مقوم أي النظرية والاستثمار والعملية الانتاجية والاستهلاك والتمويل وسترى أن‬ ‫كل واحد منها له تاريخ بمعنى أنه له ما قبله وله ما بعده‪ .‬خذ مثلا في النظرية الميكانيك‪.‬‬ ‫المستثمر لنظرياتها في صنع السيارة مثلا له تاريخ ما قبله وما بعده وهكذا بالنسبة إلى‬ ‫البقية‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن الإنسانية كلها في كل أبعاد زمانها الخمسة مشاركة في إنتاج أي شيء في‬ ‫المجتمع الإنساني‪ .‬في العملية نفسها من حيث حدوثها في الماضي ومن حيث حديثها عن‬ ‫حدوثها فيه‪ .‬ومن حيث حديثها في المستقبل ومن حيث حدوثها فيه‪ .‬ثم حالها الراهنة في‬ ‫العملية الانتاجية التي فيها العوامل الأربعة الماضيين والمستقبليين‪ .‬ذلك أن عملية الإنتاج‬ ‫يتدخل في الحاصل آنيا والمذكور من الماضي والمتوقع من المستقبل في حصول ذلك الفعلي وفي‬ ‫تصوراته أي كأحداث وكأحاديث‪ .‬وإذن فأهم عناصر العملية الاقتصادية ليس المادي بل‬ ‫كل الثقافة الإنسانية‪.‬‬ ‫وهذه العناصر يهملها ماركس بالتبسيط المشط فيجعلها علاقة بين عنصرين متنافيين وهي‬ ‫بنية كونية بين كل العناصر التي تسهم في الإنتاج والتي لا يقل دور أي منها عن دور ما‬ ‫عداها ولا وجود لتناف بينها أو جدل صراعي‪ .‬وهذا يجعلها أشبه بما يحدث في البايولوجيا‪:‬‬ ‫أي طفل إنساني حالي هو حصيلة كل ما يحدث في ماضي الحياة وفي مستقبلها حدثا وحديثا‪.‬‬ ‫فهو غاية متوالية هندسية لأنه منتج من اب وأم وكل منهما من أب وام فيتوالى عدد‬ ‫المسهمين قبله بمتوالية هندسية ثم من يأتي بعده إذا ذهبنا إلى غاية المستقبل سيكون هو‬ ‫فيه بداية متوالية هندسية‪ .‬فيكون كل طفل وكل منتج نقطة لقاء بين متوالية هندسية‬ ‫قبل ومتوالية هندسية بعده‪ .‬لا بين أب وأم فحسب‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والأب والأم ليسا متنافيين وليس أي منهما \"تاز\" والثاني \"انتيتاز\" والطفل \"سنتاز \" وقس‬ ‫عليه أي بضاعة أو خدمة ينتجها الفعل الاقتصادي‪ .‬هذا تبسيط مخل يجعل المسألة صراع‬ ‫بين \"أ\" ولا \"أ\" كما في خرافة الإيجاب والسلب وسلب السلب الهيجلية‪ .‬فخرافة الصيرورة‬ ‫ثمرة للعلاقة التناقضية بين الوجود والعدم هي من هذا الجنس‪ .‬في الأسماء مقبول وليس‬ ‫في المسميات‪.‬‬ ‫والصراع الجدلي لا يصح لا في الظاهرة الحية ولا في الظاهرة الطبيعية ولا في الظاهرة‬ ‫الاجتماعية ولا في الظاهرة الاقتصادية ولا في الظاهرة الثقافية‪ .‬ففي الطبيعة المغناطيس‬ ‫مثلا ينفيه لأن العلاقة بين الموجب والسالب هي التجاذب وليست التنافي‪ .‬والتنافي إن سلمنا‬ ‫به يكون بين القطبين الموجبين أو بين القطبين السالبين وليس بين الموجب والسالب‪ .‬وفي‬ ‫الحياة حتى الجنس المثلي فهو ينفيه بما يقرب من هذا المعنى المغناطيسي‪.‬‬ ‫فالمثلة الجنسية سواء كانت بين النساء أو بين الرجال هي في الحقيقة علاقة بين الذكورة‬ ‫والأنوثة دائما‪ .‬وهذا بين حتى من الملامح البدنية فضلا عن التوجهات النفسية والتعابير‬ ‫الإشارية بلغة البدن‪ .‬فعلاقة المرأة الفاعلة في المرأة المنفعلة علاقة بين ذكورية غالبة على‬ ‫الأولى وأنوثية غالبة على الثانية‪ .‬ونفس الأمر بين الرجال‪ :‬ذكورية غالبة وأنوثية غالبة‪.‬‬ ‫وذلك في مستوى الأذهان لا الأعيان‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لو طابقنا بين المستقبل والماضي في الظاهرات الحية عامة وعلى الإنسان خاصة لحصلنا على‬ ‫أمر عجيب‪ .‬سنتبين أن كل فرد منها يحتوي عليهما معا على ماضي الإنسانية كله وعلى‬ ‫مستقبل الإنسانية كله‪ .‬فلا بد أن يكون فيه شيء من ماضيها فعليا وفيه شيء من مستقبلها‬ ‫إمكانيا إن لم يكن بالإرث العضوي والثقافي فبأثرهما في الأرض أو بمصدرهما منها‪ .‬ولكن‬ ‫بأسلوبين مختلفين‪:‬‬ ‫• فالماضي فيه هو الموجود‬ ‫• والمستقبل هو المنشود‪.‬‬ ‫لكن ليس هو بمعزل عن الموجود لأنه يبدو وكأنه مرتسم في ما يتضمنه من إمكان‪ .‬فيكون‬ ‫ملتقاهما هو ملتقاهما المتعين من حيث هو كيان عضوي وثقافي غير مكتمل وبصدد الاكتمال‬ ‫ومن حيث هو وعي بذاته وكأنه غير مكتمل وبصدد الاكتمال بدليل أنه يصبو إلى أن يكون‬ ‫له من يخلفه من ذاته فيهما كليهما‪ .‬وهذه ليست علاقة وجود بعدم بل علاقة موجود يوجد‬ ‫دائما كمنشود ذاته‪ .‬وهذا وحده كاف لرفض اعتبار الصيرورة علاقة جدلية بين الوجود‬ ‫والعدم إلا إذا قبلنا التياسر في العبارة على الطريقة الهيجلة‪.‬‬ ‫فمنشود ذات الإنسان ليس معدومها ولا هو جدل بين موجوده ومنشودة بل هو ثابت المنشود‬ ‫في صائر الموجود ‪-‬ككل تحول في الظاهرة الحية التي تكون علاقة بين حيوان وبويضة‬ ‫وتتطور لتصبح ما يكون عليه الفرد الإنسان ‪-‬بحيث إن المنشود يحرك الموجود تحريكا لا‬ ‫يمكن أن يكون عدما إذا قيس بالحاصل منه في أحدى لحظاته أو مراحله‪ .‬والممكن الثابت‬ ‫هو البنية الواحدة التي لا تستند إلى التنافي بل إلى التكامل كما هو بين حتى من القوى‬ ‫الأربعة في الطبيعة‪:‬‬ ‫‪ .1‬القوة النووية القوية‪- Force nucléaire forte‬‬ ‫‪ .2‬والقوة الكهرومغناطيسية‪Force électromagnétique‬‬ ‫‪ .3‬وقوة الجاذبية‪Force gravitationnelle‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .4‬والقوة النووية الضعيفة‪.Force nucléaire faible‬‬ ‫وكلها قوى توحد عناصر ليست متصارعة بل متجاذبة في حدود معينة تبقي عليها وعلى‬ ‫علاقتها الثابتة أو بينة معينة من كيان العالم المادي‪ .‬وقد يذهب بالمرء التفكير ‪-‬بما يشبه‬ ‫العلم الخيالي أو الحلم‪-‬في البحث عن قوة خامسة توحد بينها وتكون أصلا لها جميعا لأنه‬ ‫لا يمكن أن يكون كونها أربعة وكونها بذلك الترتيب من حيث القوة بالصدفة بل لا بد أن‬ ‫يكون وراءها ما يجعلها كذلك وهو ما سميته البنية الأصلية في مربع وراءه أصل حتى يكون‬ ‫لعددها وتراتبها أساس يوحد بينها‪.‬‬ ‫فالترتيب بين الكهربائية المغناطيسية وما بعدها من حيث القوة هو كما يلي تليها القوة‬ ‫النووية الضعيفة وقوة الجاذبية‪ .‬وما قبلها من حيث القوة النووية القوية ولا يمكن أن‬ ‫تكون وحدها كافية كفاية القوة الجاذبية التي تعتبر شاملة للنظام الفلكي كله في ما يقرب‬ ‫من لامتناهي الكبر حتى يكون لما يقرب من لامتناهي الصغر قوة نووية قوية تناظرها من‬ ‫حيث الدور المشامل‪.‬‬ ‫وبذلك تكون القوة الكهربائية المغناطيسية الوسطى حقا وهي التي تمكن من تأسيس‬ ‫سلاسل الموليكولات التي يتألف منها سر العضويات أي الـ‪ DNA‬قلبا للقوى التي ينتظم بها‬ ‫العالم‪ :‬فيكون قبلها مودودا بين قوتين قبله نووية قوية وأقوى وقتين بعده ضعيفة جاذبية‬ ‫ونووية أضعف‪.‬‬ ‫وقد تم توحيد الكهربائية المغناطيسية مع الأخيرة ويمكن توقع توحيدها مع الاولى بعد‬ ‫اكتشافها إذا اعتبرنا أن أسما منتج لهذه القوى هو أسمى ما تحققه الكهربائية المغناطيسة‬ ‫أعني شرط إمكان العضويات‪ .‬ذلك أن هذه الكائنات العضوية لا يكفي فيها شرط كيانها‬ ‫العضوي بل لا بد لها من شرط بقائه وهو دور نظام العالم وشرطه قوة الجاذبية‪.‬‬ ‫لكن العالم لا يقوم بنظام الجاذبية إلا إذا بينا أنها لا تقف عند توحيد الفلك ضمن‬ ‫المجرات بل وكذلك بين المجرات‪ .‬وهذه نفترض أنها كانت واحدة وانفجرت‪ .‬ولا يمكن أن‬ ‫تكون قوة انفجارها في حدود القوة النووية القوية بل لا بد أن تكون قوتها أقوى من القوة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫النووية‪ .‬وهذه هي التي أفترض أنها موجودة قبل القوة النووية القوية في ترتيب القوى‬ ‫كما عرضته من الأعلى إلى الأدنى من حيث القوة‪.‬‬ ‫أما ما طبيعة هذه القوة فإن السؤال يمكن أن يجاب عنه عندما يثبت أنها موجودة أولا‬ ‫ويثبت أنها توجد في المحل الذي لا نستطيع فيه التمييز بين الجسيم والموجة أو المحل الذي‬ ‫ينقلب فيه الجسيم إلى موجة والموجة إلى جسيم فلا يكاد يبقى فرق بين المادي والروحي‬ ‫إذا اعتبرنا الجسيمي الأدنى ماديا والروحي الأدنى موجي‪.‬‬ ‫والموجي الأدنى الذي ليس بجسيم أدنى وقبل التحول إليه والجسيم الأدنى الذي ليس‬ ‫بروحي ويقبل التحول إليه إذا كان تحوله ذاتيا له فهو القوة التي نطلبها وهي هذه‬ ‫التحولية التي يمكن اعتبار الحياة مثالا دالا عليها فيكون في هذه الحالة هو الغاية التي‬ ‫رأينا شرك إمكانها في القوة الكهربائية المغناطيسية‪.‬‬ ‫فشرط إمكانها هذا لا بد وأن يكون الغاية التي لأجلها حصل الانفجار الكبير‪ .‬فتكون هذه‬ ‫القوة النووية الأقوى بذرة أولى كونية مثل البذرة التي تفجر الأرض لتخرج منها إن صح‬ ‫التعبير فتكون هي البذرة والعالم كله هو التربة التي أنتجتها البذرة بتفجرها فيكون‬ ‫تفجرها هو إبداعها لذاتها ولشروط وجودها المنشود وشروط بقائه‪ .‬وما كنت لأتخيل مثل‬ ‫هذا الحصول الخيالي لولا أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول هو محاولات التوحيد بين القوى الكونية الأربعة وقد حصل بعد توحيد قوتين‬ ‫ونال أصحابه على جائزة نوبل سنة ‪ 1979‬وكان من بيهم عالم باكستاني مسلم هو عبد‬ ‫السلام تعرفت عليه وأنا شاب ليس مباشرة بل لأنه كان عضوا في بيت الحكمة‪ :‬تم توحيد‬ ‫القوة الكهربائية المغناطيسية مع القوة النووية الضعيفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الثاني أن كيان الفرد الإنسان كل فرد إنسان ‪-‬تسلميا بأن الإنسان هو أرقى الكيانات‬ ‫العضوية وأكثرها تعقيدا بما يعني أنه غاية تطور الحياة‪-‬يتألف هو بدوره من خمسة قوى‬ ‫ولها قلب هو القدرة التي هي في آن عضوية وروحية أو بدنية ووعيية وقبلها قوتان هما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫إرادته ومعرفته وبعدها قوتان هما رؤيته لوجوده أو لمنزلته في الوجود وذوقه للوجودين‬ ‫الطبيعي (الغذاء) والروحي (الجمال والجلال)‪.‬‬ ‫والغريب في الأمر أن هذه البنية هي عينها بنية أي جماعة وأي دولة لأنها ما أن تتكون‬ ‫حتى تصبح وكأنها محاولة دائمة لتوحيد ذاتها لكأن الغاية في التوحيد هي أن تصبح مثل‬ ‫الفرد على هذا النحو بإرادة ومعرفة وقدرة ورية وذوق فتكون حضارة هي كيان فيها هذا‬ ‫الأبعاد الخمسة ومنها تتألف الإنسانية‪.‬‬ ‫وقد يكون ذلك مجرد وجوه شبه لا دلالة كونية لها‪ .‬لكنها وجوه شبه توحي للإنسان بمثل‬ ‫هذا الحلم الذي قد يعيد للإنسان منزلته الوجودية فيصبح اعتقاده في أنه مستخلف دينيا‬ ‫لها دلالة وجودية فعلية لأنه بهذا يصبح وكأنه \"كود\" الكون أو شفرته التي تمكن من فهمه‬ ‫والتي هي في آن ربما الكائن الوحيد الذي \"للفهم\" لا يكون ذا معنى من دونه‪.‬‬ ‫ووجه الشبه هو في كون هذا الأصل جوهر القوة بالمعنى السياسي وعدد الفروع والأصل‬ ‫هو عين قيام الإنسان من حيث هو كائن عضوي قادر على الترميز (أو بلغة القرآن ُعلم‬ ‫الأسماء كلها)‪ .‬وهذه القوة هي القدرة المادية والقدرة الروحية عند الإنسان والأولى‬ ‫أصل الاقتصاد والثانية أصل الثقافة‪.‬‬ ‫جواب الإسلام حول هذين الأصلين وفروعهما هو معنى السياسة وهو معنى الديني في‬ ‫الأديان‪ .‬وهو كذلك معنى الفلسفي في الفلسفات‪ .‬فالقدرة المادية أو الاقتصاد هي عين ما‬ ‫به يتقوم كيان الإنسان العضوي‪ .‬والقدرة الروحية هي عين ما به يتقوم كيان الإنسان‬ ‫الروحي أو الثقافة‪ .‬وهذا يصح على الفرد صحته على الـجماعة في آن‪.‬‬ ‫والآن ما الفروع؟ فرعان قبل القدرة وهما العلة الفاعلة‪ .‬وفرعان بعد القدرة وهما العلة‬ ‫الغائية‪ .‬فقبل القدرة نجد العلة الفاعلة وهي الإرادة والعلم‪ .‬وبعد القدرة مجد العلة‬ ‫الغائية وهي الرؤية والذوق‪ .‬والإنسان فردا وجماعة يكون قادرا بالاقتصاد وفاعلتيه‬ ‫الإرادة والعلم ويكون قادرا بالثقافة وغايته الرؤية والذوق‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والسياسي في الإسلام هذه هي معادلته‪ .‬وهو ما يجهله الإسلام السياسي الحالي ويرضى‬ ‫بخلب الحكم التابع‪ .‬فليس له فهم لمعنى القدرة الاقتصادية ومعنى الثقافية‪ .‬ومن ثم فهو‬ ‫لا يفهم معنى الإرادة والعلم علة فاعلية ولا الرؤية والذوق علة غائية‪ .‬لذلك فهو بلا‬ ‫إرادة ولا علم ولا رؤية ولا ذوق‪ .‬ولذلك فحتما ليس له قدرة بمعنييها‪.‬‬ ‫وحتى يفهم القارئ القصد بالإرادة فليسمع جواب الرسول عندما جاءه قادة أهل مكة‬ ‫ووعدوه بإعطائه ما يريد‪ :‬حتى لو أعطوه القمر والشمس فلن يتنازل عما يريده أو بلغته‬ ‫عما آمن بأنه عليه تذكير الإنسانية به أي التعمير بقيم الاستخلاف‪ .‬لو كان يريد الحكم‬ ‫التابع لكان مستخدما للإسلام لا خادما له‪.‬‬ ‫ما لم يتنازل عنه الرسول ما هو؟‬ ‫إنه المشروع الكوني لتحرير الإنسانية من الوسطاء في التربية ومن الاوصياء في الحكم أي‬ ‫استرداد رسالة الإنسان في الارض والإنسان عامة بمنطق النساء ‪ 1‬وبأخلاق الحجرات ‪.13‬‬ ‫هذه الثورة الكونية والتي كل الارض تمثل دولة واحدة هي العولمة التعميرية بقيم‬ ‫الاستخلاف‪ .‬وهذا يعني أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا بسياسة الإسلام ويقبل تفتيت وحدة جغرافية الإسلام‬ ‫وتشتيت تاريخ الإسلام لأن الأول هو علة فقدان القدرة المادية والثاني هو علة فقدان‬ ‫القدرة الروحية ومجموعهما هو تبعية المسلمين وزوال دولة الإسلام وهذا من لم يفهمه لم‬ ‫يقرأ القرآن ببصيرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا برسالة الإسلام ويعتبرها خاصة بجماعة دون جماعة‬ ‫بل هي رسالة للإنسانية كلها من حيث مكلفة بتعمير العالم ورعايته بقيم الاستخلاف ومن‬ ‫ثم فالإسلام عولمة كونية تتجاوز العولمة المادية من دون هذه القيم لأن هذا الإغفال يعني‬ ‫ان التعمير ينتهي إلى التدمير‪.‬‬ ‫رعاية الإنسان وحمايته ورعاية الكون وحمايته تلكما هما غاية السياسة الإسلامية بمعنى‬ ‫التعمير شرطا لقيام الإنسان العضوي وتعميره بقيم الاستخلاف شرطا لقيامه الروحي مع‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫اعتبار البشرة اخوة (النسا‪ 1‬من نفس واحدة) بمعيار المساواة باعتماد معيار وحيد‬ ‫للمفاضلة بينهما التقوى يعني احترام القيم‪.‬‬ ‫وهذا ليس تأويلي‪ .‬يكفي قراءة دستور الرسول في دولة المدينة‪ .‬لا فرق بين الأجناس‬ ‫والأديان في دستور له بندان لا غير‪ :‬الرعاية والحماية بفروعهما وظائف للدولة من حيث‬ ‫هي منظومة المؤسسات التي تؤدي دور الحكم بين المواطنين نيابة باختيار حر لسلطة الأحرار‬ ‫في حكم ذاتهم بذاتهم (وهو معنى أمرهم شورى بينهم)‪ .‬وكل باقي المسائل عداها بفروعها‬ ‫للمجتمع الأهلي‪.‬‬ ‫فلا وجود لكنيسة تتوسط بين المؤمن وربه ولا لحكم يتوسط بينه وشأنه أو أمرهم (أمرهم‬ ‫شورى بينهم)‪ .‬والسلطة السياسية التي تدير الدولة تعاقدية وهي للرعاية والحماية‪.‬‬ ‫والحصيلة من هذه المحاولة في غايتها‪ :‬الإسلام السياسي هو سياسة الإسلام للإنسانية في‬ ‫فرصتها الثانية بعد الإخراج من الجنة (عبارة رمزية) هدفها اختبار أهلية الإنسان‬ ‫للاستخلاف في شكل تحد طرحه الشيطان لتأييد ما افترضته الملائكة من أن الإنسان ليس‬ ‫جديرا بالاستخلاف لأنه يفسد ويسفك الدماء‪.‬‬ ‫سياسة الإسلام أو الإسلام السياسي بهذا المعنى هي الجواب عن سؤال وحيد‪ :‬كيف يثبت‬ ‫الإنسان أنه جدير بالاستخلاف في الأرض ليعمرها وليس ليدمرها أي كيف يثبت أن‬ ‫الشيطان على خطأ وأن الملائكة أساءت الظن بالإنسان والإنسان مكلف بجدارته‬ ‫بالاستخلاف خلال عملية التعمير‪ .‬ذلك ما فشل فيه البشرية (في أمثولة الاستخلاف‬ ‫والفرصة الثانية بعد العصيان في الجنة)‪.‬‬ ‫فإذا لم تستأنف الأمة دورها لتصحح ذلك فلا معنى للزعم أننا مسلمون‪ .‬فما يسمونه‬ ‫اللحاق بالغرب ليس إسلاما بل عين الحرب على الإسلام‪ .‬وقد بينت أن ما يسمى ديموقراطية‬ ‫لا يختلف عما يسمى ثيوقراطية‪ .‬وساطة الكنسية عوضتها وساطة المافية ووصاية توظيف‬ ‫الدين عوضتها وصاية توظيف الفلسفة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وأبرز الأمثلة النظام الشمولي الماركسي حيث صار الحزب كنيسة وصار الحكم بالحق‬ ‫المذهبي للنظرية الماركسية‪ .‬والنظام الرأسمالي رغم المسرحيات المزعومة ديموقراطية‬ ‫ليس أقل منه شمولية‪ .‬لكنها شمولية مافية ذكية تستعمل العنف الرمزي غير المباشر‬ ‫والاولى غبية تستعمل العنف المادي المباشر‪.‬‬ ‫لكن العلة واحدة‪ :‬كلاهما يربي ويحكم بدين العجل أي بمعدنه أو العلمة التي لم تبق‬ ‫أداة تبادل بل صارت سلطانا على المتبادلين وبخوراه أو الكلمة التي لم تبق أداة تواصل بل‬ ‫صارت سلطانا على المتواصلين‪ .‬وبهذين السلطان يستعبد الإنسان مع وهم الحرية‪ :‬البنك‬ ‫الربوي والإعلام الربوي استعباد مطلق الأول للأعيان والأبدان والثاني للأذهان‬ ‫والوجدان‪.‬‬ ‫وما يسعدني حقا هو أن الشباب الغربي بدأ يفهم هذه الحقائق وبدأ يثور على المافيات‬ ‫البنية والإعلامية خاصة وأن التطور السياسي في رمزي الغرب الحالي أي امريكا وفرنسا‬ ‫(ليس هنا شرح لماذا هما رمزان) صار أكثر صراحة مما عليه رمزا الشرق أي إيران‬ ‫والسعودية في التربية والحكم العجليين‪.‬‬ ‫ففي فرنسا رئيس الدولة خادم عند روتشيلد رمز المافية البنكية‪ .‬وفي أمريكا ترومب رمز‬ ‫مافية الأعمال الذي نجح بتوسط مافية روسيا وسيطرة المسيحية الصهيونية فيها‪ .‬وفي إيران‬ ‫من يحكم هو مافية التزييف الديني والمليشيات المزعومة ثورية وفي السعودية القبلية‬ ‫وعنجهية المال والحمق والغباء‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬