Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore التواصل، تأصيل مفهومه أصلا وفروعا - أبو يعرب المرزوقي

التواصل، تأصيل مفهومه أصلا وفروعا - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-09-20 14:55:04

Description: التواصل، تأصيل مفهومه أصلا وفروعا - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫‪1‬‬ ‫المحتويات‬ ‫‪6‬‬‫‪14‬‬ ‫\"التسمية\" أو وحدة الوظيفة التواصلية وراء تعدد الألسن‬ ‫‪14‬‬‫‪21‬‬‫‪27‬‬

‫فرغت من الكلام على علوم الملة وأعمالها التي وصفتها بالزائفة والتي نسبت إليها فقدان‬ ‫الامة لشروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها‪.‬‬‫ووصلت ذلك بمفهوم \"فساد معاني الانسانية \"الخلدوني وبالعلة العميقة المتمثلة في قلب‬ ‫فصلت ‪ 53‬وفي الجرأة على آل عمران‪ 7‬وتحريفا لثورتي الإسلام‪.‬‬‫وفرغت من تأصيل العلوم والأعمال البديلة وسأمر إلى مفهوم مركزي نسبت إليه الرئاسة‬ ‫فيها كلها وقد تواتر وروده في كل هذه المحاولات‪ :‬مفهوم التواصل‪.‬‬‫والمفهوم أصلته في المعادلة الوجودية باعتباره يوجد بين القطبين (الله والإنسان) مباشرة‬ ‫وبينهما بصورة غير مباشرة بالوسيطين (الطبيعة والتاريخ)‪.‬‬ ‫ومقومات المعادلة الوجودية هذه تمثل مجالات‪:‬‬ ‫‪ .1‬الذوق‬ ‫‪ .2‬والعلم‬ ‫‪ .3‬والعمل الذوقي‬ ‫‪ .4‬والعمل العلمي‬ ‫‪ .5‬وأساسها جميعا أي التواصل المباشر بين القطبين‪.‬‬‫فهذا التواصل المباشر بينهما تلق من الإنسان لآيات الله وتلق من الله لأعمال ولأفعال‬ ‫الإنسان البسيطة ذوقا وعلما والمركبة عملا ذوقيا وعملا علميا‪.‬‬‫فيكون هذا التواصل رئيس كل التواصلات الاربع الأخرى وأصلها وهو كما رأينا جوهر ما‬ ‫به اعتبرت القصة الرمزية لاستخلاف الإنسان أهلا لهذا الاستخلاف‪.‬‬‫وقد رمزت إليه القصة بتعليم آدم الأسماء كلها‪ :‬فيكون جوهر التواصل وأصله هو عين‬ ‫كيان الإنسان بوصفه مسميا أو مرمزا لما يدركه من آيات مستخلفه‪.‬‬‫والقرآن الكريم الذي هو آية الآيات حدد الطريق الموصلة إلى حقيقته بالالتفات إلى‬ ‫آيات الله في الآفاق وفي الانفس أي في الوسيطين وفي الإنسان‪.‬‬ ‫‪34 1‬‬

‫فالآفاق=الطبيعة والتاريخ‪ .‬والأنفس=الإنسان‪ .‬والتلقي المتبادل المباشر بين القطبين هو‬ ‫التواصل الأصل والتلقي المتبادل بالوسيطين هو الفروع الأربعة‪.‬‬‫والفروع الاربعة هي‪ :‬الذوق والعلم والعمل الذوقي والعمل العلمي وكلها تواصلات بين‬ ‫الإنسان والعالم الطبيعي والعالم التاريخي بوصفهما آيات الله‪.‬‬ ‫فكيف تتفرع هذه التواصلات عن التواصل الأصلي؟‬‫إذا التواصل الأصلي هو التواصل المباشر بين الله والإنسان وكلاهما مرسل ومتلق فكيف‬ ‫التفرع ب ّين؟‬‫ونحن لا نعلمه إلا من منظور الإنسان لانتسابه إلى شهادته على ما يشهده من افعال الله‬ ‫أما من منظور الله فلا يمكن أن نعلمه لانتسابه إلى الغيب‪.‬‬‫فمن منظور الإنسان‪ :‬التواصل الاصلي هو العبادة‪ .‬والفروع تنقسم إلى التلقي‪ :‬الذوق‬ ‫والعلم‪ .‬وإلى الإبداع‪ :‬العمل الذوقي والعمل العلمي‪.‬‬‫والإبداع ليس خلقا عن عدم بل هو ترجمة للتلقي بمقتضى ما وجهت إليه فصلت ‪53‬‬ ‫الإنسان ليرى آيات الله في الآفاق والانفس حيث توجد حقيقة القرآن‪.‬‬‫لتسديد التلقيين الإبداعين كان دور آل عمران ‪ 7‬واضحا‪ :‬ميز بين محكم الآيات‬ ‫وموضوعها عالم الشهادة (الآفاق والأنفس) ومتشابهها (عالم الغيب)‪.‬‬‫وهذا تعريف جامع ومانع للمقصود بالتواصل في المجالات الخمسة‪ :‬التواصل الاصلي‬ ‫والفروع الأربعة أو عين كيان الإنسان كخليفة تلقيا (‪ )2‬وإبداعا (‪.)2‬‬‫ومن لوازم هذا التعريف يبقى الإبداع دون التلقي فالعبارة لا تحيط بما يعتمل في وجدان‬ ‫المبدع‪ :‬فهما ترجمة لمتعال يعبر عن اشرئباب الإنسان للكمال‪.‬‬‫لكن الإبداع الذوقي والعلمي هما أسمى عبادة لأنهما عين كيان الإنسان إذ يحقق معنى‬ ‫الخلافة والعرفان للخالق بسمو التلقي ورفعة مجاهدة التعبير عنه‪.‬‬‫ولهذه العلة اعتبرت ما يوهم بكونه إبداعا في الفكر الصوفي هو تحريف لمفهوم الإبداع‬ ‫بما هو عمل ذوقي وعمل علمي يعبر عن آيات الآفاق والأنفس‪.‬‬ ‫‪34 2‬‬

‫فالتعبير عنها هو شرط تذوق العالم وعلمه حتى يتمكن الإنسان من تحديد بعده الأول‬ ‫(مستعمر في الارض) بقيم بعده الثاني(مستخلف فيها)‪.‬والتصوف يلغيهما‪.‬‬‫فهجران الدنيا تخل عن تعميرها العلم اللدني بالغيب تحريف للعقل والنقل في آن‪ :‬النقل‬ ‫سبق لفهم الأمر (الغيب) والعقل (الفلسفة) تخلى عن المطابقة‪.‬‬‫الإسلام بين قرآنه استحالة علم الغيب واعتبره مرضا في القلوب وابتغاء للفتنة‪.‬‬ ‫والفلسفة الحديثة أدركت أن ما نعلمه شديد النسبية وقليل المقدار‪.‬‬‫ومشكل العرب الحالي هو أن أدعياء الحداثة ما زالوا متخلفين عن العقل الحديث‬ ‫وجاهلين بالنقل الأصيل معتقدين أن العلم المطابق بالموضوع ممكن‪.‬‬‫وبهذا المعنى فحداثيو العرب هم دون أصوليوهم بعصر كامل‪ :‬متشبثون بنظرية المعرفة‬ ‫وبالمنطق البدائيين لعلم الكلام والفلسفة الوسيطين دون نقدهما‪.‬‬‫وبهذا المعنى كذلك فالسلفية الأولى والمحدثة منها أقرب إلى الحداثة منهم لولا أنهما‬ ‫غلبتا رد الفعل على الكلام والفلسفة على إبداع البدائل‪.‬‬‫بدا عملهما وكأنه سلبي وتهديمي لما يتصوره متخلف الحداثيين عقلا وهو في الحقيقة‬ ‫تحريف للعقل كما يتبين من كليشيهاتهم‪ :‬لا علاقة لهم بالحداثة‪.‬‬‫على الفكر الإسلامي المستنير ان ينتقل من تقديم رد الفعل على الفعل إلى العكس بل‬ ‫وإلى عدم المبالاة بهم فهم أكثر نخب العالم تخلفا ذوقيا وعلميا‪.‬‬‫وتلك غاية محاولاتي التي بينت صلاتها بعضها بالبعض في بداية هذا الفصل لأن القصد‬ ‫منها هو تمهيد الطريق للموقف الثاني الذي ينبغي الانتقال إليه‪.‬‬‫لا بد من تجاوز موقف رد الفعل والشروع في التلقي السليم ذوقا وعلما والإبداع السديد‬ ‫بالعمل الذوقي وبالعمل العلمي شرطين للتعمير والاستخلاف‪.‬‬‫تلك هي العبادة في الإسلام‪ .‬وما التضخم في الشعائريات إلا دليل عدم فهم بعدي‬ ‫التواصل بين الله والإنسان وموضوع محاسبة الاول للثاني يوم الدين‪.‬‬‫فالله يغفر كل شيء يخص علاقة الإنسان به عدا الشرك أي عدم فهم الاستخلاف الذي‬ ‫هو الإيمان بأن الله عبد لله وحده والله لا عدم تحقيق أدلة ذلك‪.‬‬ ‫‪34 3‬‬

‫وعدم تحقيق أدلة عبادة الله وحده هي بالذات الفروع الاربعة التي حددنا‪ :‬أي التلقي‬ ‫الذوقي والعلمي والإبداع العملي الذوقي والعلمي موضوع التكليف‪.‬‬‫وذلك هو مدلول فصلت ‪ :53‬فمن يريد أن يعلم حقيقة القرآن وأن يعمل بها فعليه أن‬ ‫ينظر في آيات الله في الآفاق والانفس وأن يعمل بشرائعه فيهما‪.‬‬‫وشرائع الله التي تتبين في آيات الآفاق والانفس هي تلقي الطبيعة والتاريخ ذوقيا‬ ‫وعلميا ثم العمل بهما لتحقيق شروط التعمير والاستخلاف‪ :‬التكليف‪.‬‬‫والحساب يتعلق بهما بالدرجة الاولى أما ما عداهما فالحساب فيه علته ما يفيده من عدم‬ ‫التوحيد أو الشرك‪ :‬فالحائل دونهما هو إما التحريف أو الشرك‪.‬‬‫ولا احد يمكنه أن يدعي أنه يفهم الإسلام أكثر من الرسول‪ :‬فهو بنى دولة وربى أجيالا‬ ‫وجاهد معهم فشارك في اكثر من ستين حربا‪ :‬الإسلام لتحرير البشرية‪.‬‬‫ونقيضه هو الرؤية الصوفية التي اعتبرت العبادات هجرانا للدنيا وتحويلا للامة إلى‬ ‫الكسل حياة الهنود الحمر حتى يكونوا لقمة سائغة لأعداء الله‪.‬‬‫وكل تضخم في العبادات هو من أمراض التصوف التي تلغي مقومي التكليف وتعوضهما‬ ‫بما يؤسس لسلطان الخرافة أساس الاستبداد والفساد في التربية والحكم‪.‬‬‫وذلك هو سر عودة الطاغوتين‪ :‬طاغوت العلماء المزيفين في التربية وطاغوت الأمراء‬ ‫المزيفين في الحكم‪ .‬وهم علة مفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" الخلدوني‪.‬‬‫الإسلام ألغى الكنسية فأعادها التحريف الطائفي‪ .‬وألغى الحق الإلهي بالوصية (حكم‬ ‫آل البيت) أو بالطبيعة (حكم المتغلب)‪ .‬والتصوف يعتمدهما كليهما‪.‬‬‫اخترق التربية السنية بتحريف مفهوم العبادات واستعادة الكنسية واخترق الحكم السني‬ ‫بتحريف مفهوم القضاء والقدر فجعل الحاكم ظل الله في الارض‪.‬‬ ‫وتلكما هما علتا ثورة ابن تيمية على التصوف بإصلاح مفهوم السياسة ببعديه‪:‬‬ ‫‪ .1‬التربية دون تحريف لأصل العبادات‬ ‫‪ .2‬والحكم دون تحريف لأصل المعاملات‬ ‫‪34 4‬‬

‫وأصل العبادات تكليف الإنسان بتعمير الأرض والاستخلاف فيها وأصل المعاملات سياسة‬ ‫التعمير بقيم الاستخلاف بجعل الأمة هي صاحبة الأمر (الشورى ‪.)38‬‬‫ورغم كثرة ما أعيبه على الإخوان فإنهم أقرب الناس لتحرير الإسلام من هذين‬ ‫التحريفين الناتجين عن اختراق السنة بالتصوف في العبادات والمعاملات‪.‬‬ ‫لهذا يحاربهم الجميع وخاصة تحريف السلفية والعلمانيون العرب‪:‬‬ ‫‪ .1‬لتحريفهم الإسلام دين الحرية والكرامة‬ ‫‪ .2‬ولتحريفهم لحداثة فلسفة الحرية والكرامة‬‫وبمجرد أن يتحرر الاخوان من وهم اعتبار الخمينية ثورة ومن مهادنتها يصبح فهمها أسلم‬ ‫فهم حالي للقرآن ولسيرة الرسول (أفعاله لا الخرافات حولها)‪.‬‬‫والخرافات حول سيرة الرسول كما اخترعها الكذب الصوفي الذي طغى على السنة كذلك‬ ‫لا يصدقها عاقل لأن دستوره وجهاده وبناءه الدولة تناقضها‪.‬‬ ‫وطبعا سيسأل القارئ ما علاقة هذا بموضوع البحث‪ :‬التواصل الرئيس أو العبادة؟‬ ‫العلاقة مضاعفة‪ :‬أولا سر التحريف فساد الاتصال‪ :‬حديث يزيف الحديث‪.‬‬‫ثم إن العبادة صارت تربية كنسية والمتعلم ميتا يغسله المعلم والسياسة صارت حكما‬ ‫استبداديا والمواطن عبد للمتغلب‪ :‬وهما علتا فساد معاني الإنسانية‪.‬‬‫التواصل وما نتج عن تأثير الأحاديث المزيفة في الأحداث المشوهة هو الداء الذي أفسد‬ ‫فروعه ذوقا وعلما في التلقي وعملا ذوقيا وعلميا في الإبداع‪.‬‬ ‫‪34 5‬‬

‫ما ورد في الفصل الاول من تأصيل التواصل قد يساء فهمه فلست أعارض العبادات بل‬ ‫اعمم مفهومها ليشمل المعاملات وأصلها السياسي ببعديه تربية وحكما‪.‬‬‫ما اعارضه هو تحريفاها‪ :‬الاول الذي يعتبر الفقه رسوما (التصوف) ليعمم التسيب‬ ‫معتبرا كسل المتصوفة عبادة بديلا من التكليف ببعديه تعميرا واستخلافا‪.‬‬‫والثاني هي تضخم شكليات العبادة التي تخفي الفساد الخلقي وحقيقته \"فساد معاني‬ ‫الإنسانية\" وترجمته الشعبية في تونس \"اعمل الفرض وانقب الارض\"‪.‬‬‫ويتصورون الحج غسلا لما يترتب على هذا الفهم لكل ما يشتمل عليه مفهوم \"فساد معاني‬ ‫الإنسانية\"‪ .‬لذلك فالسنة صارت عبادة القشور‪ ،‬عبادة الشيعة للقبور‪.‬‬‫شرح القصد باعتباري التواصل الرئيس هو جوهر العبادة هو موضوع هذا الفصل الثاني‬ ‫لأن الأول كان للتمهيد لإشكالية التواصل عامة والرئيس منها خاصة‬‫وسأقول بعبارة جماعة مانعة‪ :‬التواصل بهذا المعنى الاصل المؤسس لفروعه الاربعة ذوقا‬ ‫وعلما وعملا ذوقيا وعملا علميا هو القرآن نفسه أو خطابه الديني‪.‬‬‫فجوهره التواصل الاصل وفروعه بوصفه نظام حجاج القرآن كفلسفة الدين وفلسفة‬ ‫التاريخ نقديتين ومؤسستين للإصلاح الديني النهائي في تاريخ الإنسانية‪.‬‬‫فجوهره التواصل الاصل وفروعه بوصفه نظام حجاج القرآن كفلسفة الدين وفلسفة‬ ‫التاريخ نقديتين ومؤسستين للإصلاح الديني النهائي في تاريخ الإنسانية‪.‬‬‫واكتشاف هذه الحقيقة اعتبرها منحة إلهية أضعها فوق كل ما توصلت في كتاب الجلي في‬ ‫التفسير دون أن أنجح في صوغها الصوغ الحالي قبل البحوث الأخيرة‪.‬‬‫سبق أن اعتبرت القرآن استراتيجية توحيد الإنسانية وسياسة الرسول عينة من هذا‬ ‫التوحيد بقيم القرآن الكريم‪ :‬والآن اعرفها بكونها استراتيجية تواصل‪.‬‬‫القرآن الكريم استراتيجية تواصل مباشر يؤسس استراتيجيات التواصل الاربع الأخرى‬ ‫نموذجا لتواصل الإنسان أفقيا بين البشر وعموديا بينهم وبين العالم‪.‬‬ ‫‪34 6‬‬

‫والنموذج هو تواصل الله نفسه مع الإنسان ومع العالم الطبيعي والتاريخي بتوسط نموذج‬ ‫الإنسان أو الرسول الخاتم مبلغا ومعينا لهذا النموذج الكوني‪.‬‬‫والخطاب القرآني عميت طبيعته بما رمزت إليه بعبارة قانونية هي حالة الطوارئ‬ ‫وإيقاف العمل بالدستور القرآن بعد الفتنة الكبرى والحرب الأهلية‪.‬‬ ‫ولعل لهذه التعمية علامتان لا تكذبان‪:‬‬‫‪ -‬الأولى داخلية وهي النكوص عن ثورتي الإسلام ضد طاغوت الكنسية وطاغوت الحكم‬ ‫بالحق الإلهي وصية كان أو غلبة‪.‬‬‫‪ -‬والثانية خارجية وتتمثل في تحول الفتح الذي هو دعوة لنقل البشر من عبادة بعضهم‬ ‫البعض إلى عبادة ربهم تحوله استعمار بمنطق عبادة المغلوب للغالب‬‫وبذلك أوقف الدستور القرآني في السياستين الداخلية والخارجية وعوضه نقيضه في‬ ‫الأمة كأمر واقع دعمه لاحقا الفقه الذي أضفى عليه شرعية أمر واجب‪.‬‬‫وهذا طبعا لم يكن بوسعه أن يغير طبيعة الخطاب فلا يجعله تواصليا بل قلب التراتب في‬ ‫وسائل التواصل‪ :‬فالتواصل القرآني لا يخلو من استعمال القوة‪.‬‬‫فالعنف من أدوات التواصل السياسي في تحقيق أي عمل سياسي عندما يتعذر اللطف وهذا‬ ‫هو مفهوم الجهاد الذي يكون عملا على علم أو الاجتهاد في وسائله‪.‬‬‫مثال ذلك أن القرآن لا يسمح بالجهاد غير الدفاعي إلا في حالتين في السياسة الداخلية‬ ‫والخارجية‪ :‬دفع من يحول دون الحرية الدينية ودفع الاستضعاف‪.‬‬‫وهما أساس الفتح‪ :‬ذلك أن عبادة العباد بدل عبادة رب العباد تعني فرض دين محرف‬ ‫واستضعاف المستتبعين‪ .‬والفتح تحرير من ذلك وإذن فأساسه نوعا الدفع‪.‬‬‫وهما أساس الفتح الخلقي لرده إليهما وقد يعتبره البعض جهاد طلب في الخارج‪ .‬لكنه‬ ‫استراتيجية التوحيد يعد جهاد دفع لأن الإنسانية واحدة (النساء‪.)1‬‬‫وبين أن العنف الشرعي في الداخل هو حق الدولة في تطبيق الاحكام العادلة على من‬ ‫يرفض الخضوع إليه بعنف خاضع لشروط يحددها الدستور والقانون العادل‪.‬‬ ‫‪34 7‬‬

‫فيكون العنف جزءا من التواصل أو بصورة أدق أداة استكماله عند رفض الاحتكام إلى‬ ‫القانون الخلقي (اللطيف) والاحتكام إلى القانون الطبيعي (العنيف)‪.‬‬‫وهذا هو جوهر العمل على علم الذي يحترم العمل على ذوق في الجماعة التي يسودها‬ ‫التواصل اللطيف بالذوق والعلم بدل التواصل العنيف بدونهما‪.‬‬‫وهو ما يتبين في الحماية‪ :‬فلابد من القضاء والامن في الحماية الداخلية ولا بد من‬ ‫الدبلوماسية والدفاع في الحماية الخارجية في كل سياسة إنسانية‪.‬‬‫وفي الحقيقة لما يخاطب الرسول بما لا يخصه كشخص فهو خطاب ليس لشخص محمد بل‬ ‫لرمز الإنسان كآدم‪ :‬كل ما يقال له المخاطب فيه الإنسان وليس شخص آدم‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الرسول الخاتم حاضر في القرآن نوعين من الحضور‪:‬‬ ‫‪ -‬كإنسان بعينه‬ ‫‪ -‬وكرمز للإنسان من حيث هو انسان‪.‬‬ ‫ويصح ذلك على خطاب الله كل الرسل‪.‬‬‫ولو لم يكن الامر كذلك لما أمكن للقرآن أن يتكلم على التواصل المباشر بين الإنسان وربه‬ ‫حتى إن الله أقرب إليه من حبل الوريد ما يلغي كل وساطة‪.‬‬ ‫فما هو التواصل الأصل؟‬‫وكيف تتفرع عنه التواصلات الاربعة التي تتعلق بالتلقي الذوقي أولا والعلم ثانيا ثم‬ ‫بإبداع العمل الذوقي والعمل العملي؟‬‫ولماذا يعد ذلك في آن عناصر الحجاج القرآني في فلسفة الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين‬ ‫ببعديهما النقدي والبديل وبالأسلوبين الحجاجي والدرامي؟‬ ‫وسبق أن بينت أن القرآن مكتوب بلغتين‪:‬‬ ‫‪ -‬واحدة لا يفهمها إلّا من يفهم العربية (تواصل لساني)‬ ‫‪ -‬والثانية تخاطب كل البشر بلغة الدراما (تواصل درامي)‪.‬‬‫والأسلوب الدرامي هو ذروة التواصل الذوقي والفني لأن المخاطب يتلقى (في القصص)‬ ‫ما يدرك بالبصر والبصيرة والسمع والسميعة أصلي كل فن ذوقي‪.‬‬ ‫‪34 8‬‬

‫ولعل أبرز تعينات هذا الأسلوب مشهد حوار الاستخلاف بين الله والملائكة تحديدا لمنزلة‬ ‫الإنسان الوجودية وشروط أهليته للاستخلاف الذي اختير له‪.‬‬‫وهذا الخطاب الدرامي في متناول أي إنسان مهما كان لسانه وتكوينه إذ يكفي أن يترجم‬ ‫له النص بوصفه \"سيناريو\" المشهد الدرامي للمعاني الممسرحة‪.‬‬‫وبذلك نرى أن التلقي ذوقي (درامي فني) وعلمي (جدال مفهومي) وكلاهما يؤدي نفس‬ ‫الوظيفة الحجاجية في التواصل الديني بين الله والبشر تربية وحكما‪.‬‬‫أما موضوعات الخطاب القرآني فهي عين أدلة وجود الله أو آياته المتعينة في المعادلة‬ ‫الوجودية أي الله والإنسان والطبيعة والتاريخ والتواصل‪.‬‬‫فأدلة القرآن وتواصله ثيولوجيا وانثروبولوجيا وتواصلهما في الاتجاهين مباشرة وبتوسط‬ ‫الكسمولوجيا والهستريولوجيا تلقيا وإبداعا بالذوق والعلم‪.‬‬‫مشكل العلوم والأعلام الزائفة أنها تجد في القرآن ما يبدو عذرا لها‪ .‬والعلة أنهم لا‬ ‫يفهمون أن القرآن تواصل يقتضي أن يوجد تعلق بين طرفيه‪.‬‬‫وأن القرآن حدد طبيعة التعلق بالموجودات ومنها الإنسان وحده بأنه لا شيء كمثله‬ ‫القطب الأول (الله)‪ .‬ولا شيء كمثله ينطبق على كلام الله على نفسه‪.‬‬‫فشرط التواصل بين الله والإنسان ينبغي أن يكون ما يقوله القرآن حتى لا نتجاوز آل‬ ‫عمران ‪ 7‬والشاهد منه مع ليس كمثله شيء يلغي كل خرافات الكلام‪.‬‬‫ولست صاحب هذا الحل الذي هو أكبر أدلة العبقرية التي أنسبها إلى ابن تيمية‪ :‬فقد‬ ‫ب ّين أن النفاة والمثبتين للتشبيه بين الله والإنسان من جنس واحد‪.‬‬‫ب ّين أن من يدعون التنزيه لا يختلفون عن الحشويين‪ :‬فمدعي التنزيه لا ينفي الإرادة‬ ‫والعلم والقدرة والحياة والوجود وينفي البقية بحجة التشبيه‪.‬‬‫والتشبيه عندهم هو ما فيه حاجة للتجسيم ‪-‬الكلام الحركة واليد إلخ‪ .‬فكانت حجته‪:‬‬ ‫وهل رأيتم علما أو قدرة إلخ‪ ..‬غير التي هي متجسدة عند الإنسان؟‬‫ما لأجله تنفى اليد عن الله موجود في الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود‪ :‬كل ما‬ ‫نعلمه من هذه متجسد عند الإنسان ولا علم لنا بغيرها‪.‬‬ ‫‪34 9‬‬

‫فيجبرهم على أن التواصل لا يعني أن حديها متماثلان حتى وإن كان بينهما علاقة تمكن‬ ‫منه‪ .‬وقد حددها الله وحدد أنها تفهم مع حرز ليس كمثله شيء‪.‬‬‫والعلاقة كأفعال إلهية ترد إلى بعدين كلاهما مجهول الطبيعة (الخلق والامر) وكأفعال‬ ‫إنسانية حددها بما يناسبهما‪ :‬فالخلقة للمضطر منه والأمر للحر‬‫ومعنى ذلك أن الإنسان كائن طبيعي لكنه متعال على الطبيعة بالحرية وتلك هي دلالة‬ ‫الاستخلاف فتكون افعال الإنسان أضافيه إليه إيجابا وسلبا‪.‬‬‫واستنادا إلى هذا الفهم تمكن ابن تيمية من تحقيق ثورتين‪ :‬الاولى تغيير وضع نظرية‬ ‫قلبت العلاقة بين اصناف علوم اللسان الثلاثة‪ :‬التدوال هو الأصل‪.‬‬‫اللسان لا يفيد بالمقابلة بين الحقيقة والمجاز (أي بعلم الدلالة) بل بالاستعمال‬ ‫(التداول) الذي يحدد أمرين‪ :‬علاقة الرمز بالرمز(السنتاكس)‪.‬‬‫ولما كان القرآن قد وضع حدا لمنطق الدلالة بأن نفى المماثلة بين الله وأي موجود ونفي‬ ‫المطابقة بين علم الإنسان وموضوعه فإن القرآن معلوم بشاهده‪.‬‬‫وشاهده أنه تواصل بين الله والإنسان مع نفي المماثلة ونفي المطابقة فيكون ما يفيده‬ ‫هو مفهوم الخلق والامر إرسالا من المستخلف وتلقيا من الخليفة‪.‬‬‫والله يصف نفسه بأوصاف يمكن الرمز إليها بأسمائه الحسنى والقرآن يعتبر أن أيا منها‬ ‫يمكن أن يدعوه الإنسان به ويفهم بمعنى هذه العلاقة بينهما‪.‬‬‫ثورة ابن تيمية اللسانية بتقديم التداولي أصلا للتواصل يزيل كل الحجاج الكلامي حول‬ ‫الحقيقة والمجاز والذات والصفات وأفعال الله وأفعال العباد‪.‬‬‫ولا استغرب عدم فهم ثورة ابن تيمية من طرفي النزاع الكلامي‪ :‬المثبتة والنافية‬ ‫للصفات‪ .‬فمن يعتبر الكلام فيه الحقيقة والمجازي يجهل معنى الترميز‪.‬‬‫فالترميز ليس علاقة بين اسم ومسمى بل هو علاقة بين نظامين أحدهما اختير معينا‬ ‫للرامزات والثاني للمرموزات حتى يكون التواصل ممكنا بتناظرهما‪.‬‬‫والفائدة ليست علاقة بين عنصر من هذا وعنصر من ذاك بل بين منزلة كلا العنصر في‬ ‫نظامه العنصر الرامز في نظامه والعنصر المرموز في نظامه‪.‬‬ ‫‪34 10‬‬

‫والنظامان يتحددان باستعمال الجماعة المتداولة‪ .‬وشرط إمكان ذلك للإنسان التناظر‬ ‫بينهما وهو أساس تواصل التلقي والإبداع مقومي علاقة الاستخلاف‪.‬‬‫ولأضرب مثال التناظر في الدوال الرياضية‪ :‬فالراعي يحسب حبات سبحته بعدد أغنامه‬ ‫عند خروجها في الصباح ويعيد الحساب في المساء فهو يعمل بالتناظر‪.‬‬‫ولا يدور بخلده وجوه شبه بين السبحة والأغنام‪ .‬الشبه في العدد وليس في الذوات‪ .‬إنها‬ ‫علاقة رياضية بين حبات السبحة وآحاد أنعامه‪ .‬المتكلم لا يفهم ذلك‪.‬‬‫تلك هي ثورة ابن تيمية في تحرير فكر الأمة من علم الكلام الذي هو لاهوت زائف علته‬ ‫مرض القلب وابتغاء الفتنة‪ :‬فكل الحروب الطائفية علتها كلامية‪.‬‬‫الفلاح الامي يعمل بالتناظر بين حبات السبحة ورؤوس الماشية دون أن يعلم عدد الحبات‬ ‫أو عدد الماشية بمفهوم الترميز دون المقابلة بين حقيقة ومجاز‪.‬‬‫وبه اكتشف الإنسان كتابة الرقم والحرف‪ :‬ينحت في الطين أو في الحطب علامة ما‬ ‫ويكررها للعد ويرسم ممتلكاته ليميز بينها ويعلم عدد كل نوع منها‪.‬‬‫وذلك هو الترميز وأداة التواصل بين البشر المتساوقين في الزمان والمتوالين فيه بمجرد‬ ‫أن تكون الجماعة المتداولة قد \"اصطلحت\" على ذلك بالاستعمال‪.‬‬‫ما لم يفهمه المتكلمون والفلاسفة أصحاب اللاهوت الزائف فهمه ابن تيمية فحرر الفكر‬ ‫من علتيه‪ :‬نظرية المعرفة المطابقة ونظرية الحقيقة والمجاز‪.‬‬‫لكن ثورة ابن تيمية ظلت منقوصة‪ :‬لم يذكر التناظر بين نظام الرامزات ونظام‬ ‫المرموزات الذي تضعه الجماعة في التواصل وخاصة قابليتهما للدورين‪.‬‬‫فقسمة الأشياء إلى رامز ومرموز مع قابليتها للدورين يجعل النظامين مشتركان في مفهوم‬ ‫\"الآية\"‪ .‬فكل موجود فيه ما يجعله آية كل الموجودات الأخرى‪.‬‬‫فهو في آن موجود وآية موجود‪ .‬فيكون حضور الأصل أو الواجد في كون الموجود قائما‬ ‫كعين وفي كونه مؤديا لوظيفة الآية مما عداه ومما ورائه آية منهما‪.‬‬‫فالقرآن لا يبلغ الإنسان ما لا يعلمه بل يذكره بما لا يمكن ألا يعلمه‪ .‬فهو عين كيانه بما‬ ‫هو خليفة بالجوهر‪ :‬الوعي بالذات وعي بالمعادلة الوجودية‪.‬‬ ‫‪34 11‬‬

‫فتكون كل العلوم والأعمال الزائفة راجعة لما سماه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\"‬ ‫أي إن قهر طاغوت التربية وطاغوت الحكم يفسدان كيان الإنسان‪.‬‬‫وكيانه هو إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده‪ .‬فيصبح عديم الإرادة والعلم‬ ‫والقدرة والحياة والوجود بسب التبعية التي تجعله منفصم الكيان وفاسده‪.‬‬‫وقد وصف ذلك ابن خلدون وصفا أمينا كما بينا في تحليلنا كلامه على فساد معاني‬ ‫الإنسانية بتربية وحكم عنيفين يقضيان على حرية الإنسان وكرامته‪.‬‬‫فيزول التواصل ليعوضه التكاذب والتخابث والتغادر ولا يبقى للتواصي بالحق والتواصي‬ ‫بالصبر معنى‪ .‬وذلك هو خسر الإنسان لا يؤمن ولا يعمل صالحا‪.‬‬‫ولو لم تكن هذه حالنا لما اضطررت لكتابة هذه المحاولات التي هدفها تشخيص الداء حتى‬ ‫يتمكن الشباب من فهم دلالة ثورته التي تعد لشروط الاستئناف‪.‬‬‫وبهذا الفهم للتواصل بالترميز ولنظرية المعرفة المتحررة من وهم علم الشيء على ماهو‬ ‫عليه(المطابقة) يتحرر الإنسان من سلطان الطاغوتين تربية وحكما‪.‬‬‫فتثبت النساء ‪(1‬الاخوة البشرية) والحجرات ‪( 13‬لا تفاضل بين البشر إلا بالتقوى)‬ ‫فيتحقق تعمير الأرض بقيم الاستخلاف‪ :‬الوعي بالذات=المعادلة الوجودية‪.‬‬‫فالتناظر‪-‬علاقة رياضية بين مجموعتين من طبيعة مختلفة تماما ولا يمكن رد إحداهما‬ ‫لأخراهما‪ -‬يجعل المتناظرين قابلين لنفس الوظيفة بالتعاكس‪.‬‬‫ولو أخذت صفات الله في القرآن وصفات الإنسان فيه ستجد تناظرا متعاكسا مع فرصة‬ ‫يقدمها الله للإنسان حتى يتحرر من التعاكس باتباع قيم الاستخلاف‪.‬‬‫والقرآن اعتبره أهلا للاستخلاف لأنه قابل لتعلم أداة التواصل‪ :‬الاسماء كلها شرط‬ ‫التناظر بين الرامز كعلامة مسمية والمرموز كعين من المسمى‪.‬‬‫ووظيفة الرسالة هي تحقيق التحول في صفاته ليكون أهلا للاستخلاف بالسياسة التي هي‬ ‫تربية وحكم وذلك هو القرآن كاستراتيجية تحقق وحدة الإنسانية‪.‬‬‫والتواصل القرآني يكون بالأسلوبين اللذين يساس بهما الإنسان لتحقيق الحريتين‬ ‫الروحية والسياسية‪ :‬تخليصه من طاغوت الوسطاء الروحيين والسياسيين‪.‬‬ ‫‪34 12‬‬

‫والتخليص الأول هو شرط العلاقة المباشرة بين المستخلف والخليفة والتخلص الثاني هو‬ ‫شرط العلاقة غير المباشرة بتوسط العمل الذوقي والعمل العلمي‪.‬‬‫وهما شرط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف‪ :‬فبهما يتحقق التواصل بين الإنسان‬ ‫والطبيعة فنيا وعلميا الأول بإدراك غاية الحياة والثاني وسيلتها‪.‬‬‫فبالذوق يصبح للحياة في العالم الطبيعي والتاريخي معنى وبالعلم يكون للإنسان سلطان‬ ‫عليهما يحرره من الطغيانين باسمهما لئلا يخلد إلى الارض‪.‬‬‫والإنسان يخلد إلى الارض عندما تفسد فيه معاني الإنسانية فيعبد من يستعبده من‬ ‫العباد بدل عبادة رب العباد‪ :‬ولهذه العلة كان ذلك شعار الفتح‪.‬‬‫لكن العلوم والأعمال الزائفة بسبب قلب فصلت ‪ 53‬والجرأة على آل عمران‪ 7‬قلبت كل‬ ‫المعاني فأصبح الفتح استعمارا يعمم عبادة المتغلب على عبادة الله‪.‬‬ ‫‪34 13‬‬

‫كتب الأستاذ هذه المحاولة بتاريخ ‪ 2017.04.01‬وننشره اليوم بوصفه مضمون الفصل‬‫الثالث من الكلام في التواصل قلبا للمحاولة التي تقدم منها فصلان وسيتلو منها فصلان‬ ‫آخران حول التواصل الطبيعي والتواصل التاريخي لتكتمل مسألة التواصل‪.‬‬‫ولما كان يصعب عرض هذه النظرية بأسلوب التغريد فإن هذا الفصل أخذ كما هو ليكون‬‫المركز بين الفصلين المتقدمين والفصلين المواليين بعده لتأصيل التواصل في نظرية الإنسان‬‫(الانثروبولوجيا الفلسفية) بعد تأصيله في نظرية الله (الثيولوجيا الفلسفية) سيتلو‬ ‫التأصيل في الكسمولوجيا (العالم الطبيعي) ثم الهستريولوجيا (العالم التاريخي)‪.‬‬‫رغم كل الاعتراضات على الترجمة فإن وجودها أمر لا شك فيه‪ .‬ومجرد إمكانها دليل‬‫على أن المترجم خلال انتقاله من لغة إلى لغة لا يكون فكره في أي منهما بل يكون في محل‬‫مختلف‪ .‬ولا يمكن أن يكون لغة ثالثة لأن المشكل حينها يبقى نفس المشكل‪ :‬أي يكون المترجم‬‫لما ينتقل من نظام اللسان المنقول منه إلى نظام اللسان المنقول إليه‪ .‬وإذن فللإنسان عامة‬‫قدرة على أن يكون في محل متعال على اختلاف الألسن وهو إذن محل غير لساني يمكن من‬ ‫قيس عالم اللغة التي ينطلق منها في عملية الترجمة إلى علام اللغة التي يصل إليها‪.‬‬‫وإذن فإمكان التواصل بين البشر يفيد أن وراء اختلاف الألسن محل ما يوحد بين اللغات‬‫سأسميه وظيفة التسمية التي هي جوهر قدرة الترميز عامة أو \"علم الأسماء كلها\"‪-‬‬‫بالمصطلح القرآني‪ -‬وراء تعيناتها الصوتية والإشارية في عمليات تواصل متقدم على التعين‬‫في الألسن المختلفة ومتحرر مما تتمايز به أي من التنوع الصوتي وما يطرأ عليه من تصوير‬ ‫ليكون حاملا لهذا التواصل الشارط للترجمة والتفاهم بين أصحاب الألسن المختلفة‪.‬‬‫ومعنى هذه الفرضية أني أطلب أمرا تعتبر اللغات لهجات بالقياس إليه دون أن يكون‬‫هو لغة أصلية ذات تعين صوتي محدد كما في أسطورة بابل بل الصوت فيه ليس هو إلا تعين‬ ‫‪34 14‬‬

‫بنية مجردة في مادة ما دون أن يكون لتلك المادة صلة جوهرية بها لأنها قابلة لأن تكون أي‬ ‫مادة تعينها‪.‬‬‫والمعلوم أن أرسطو كان يميز الفيزيائي بامتناع الفصل بين بين الصورة والمادة‪ .‬فالصورة‬‫الطبيعية لا تتعين في أي مادة اتفق بل هي غير قابلة للفصل عن مادة معينة‪ .‬وانطلاقا من‬‫هذه الخاصية ميز بين المفهومات الرياضية التي يمكن تصورها حالة في اي مادة والصورة‬‫الطبيعية التي لا تحل في أي مادة اتفق بل إن مادتها مقومة لها‪ .‬ومثاله المعتاد هو المقابلة‬‫بين الفطوسة التي لا تقبل الفصل عن الانف والدائرة التي تقبل الفصل عن أي مادة‬ ‫نتخيلها حالة فيها‪.‬‬‫وإذن فعندي ‪-‬إذا قبلنا بهذا التمييز الأرسطي‪-‬أن تعين القدرة الترميزية أو قدرة‬‫التسمية (وضع اسم لمسمى يكون ممثلا له) هي من جنس المفهومات الرياضية لا الطبيعية‪.‬‬‫وإذن فسأقيس ذلك على علاقة أي بنية نظرية على تعينها في مادة ما كالحال في لعبة‬‫الشطرنج التي يمكن أن تتعين في أي مادة شئنا وحتى في مجرد أسماء القطع مكتوبة أو‬‫مرسومة على ورقات توضع في خانات الرقعة ويتم تحريكها بحسب حدودها وقوانين اللعبة‪.‬‬‫وهنا لا بد من العرفان للخليل بن احمد الفراهيدي‪ .‬فهو وضع نظرية المعجم بالتمييز‬‫بين الاصوات وتواليفها ووضع نظرية البحور الشعرية بالاقتصار على مدد التصويت‬‫وإيقاعها من حيث الطول والقصر دون اعتبار للمادة ففصل بين المادة والصورة وجعل‬‫دراسة وظيفتي اللسان مختلفتين إذ فصل صورة التصويت للشعر دون اعتبار للمادة واعتبر‬‫مادة الالفاظ غير قابلة للفصل عن صورتها في المعجم‪ .‬وإذن فاللغة تجمع بين نوعي العلاقة‬‫الارسطية‪ :‬فهي من جنس الظاهرات الطبيعية كأصوات ومن جنس الظاهرات الرياضية‬ ‫كإيقاع بصرف النظر عن المادة الصوتية‪.‬‬‫وما أضيفه لتجاوز الفراهيدي للتمييز الارسطي في كلامه على البحور الشعرية هو أن‬‫المعجم نفسه يمكن إذا رددناه إلى سر تكون اللغات قابل للفصل عن المادة الصوتية‪ .‬فيكون‬‫اختلاف الأصوات في الألسن مجرد اختلاف في تعيين محايد للأسماء يقبل التعدد لهذه العلة‬‫مثل تعدد مادة قطع الشطرنج ولا يكون تنوعه مفيدا أدنى تعدد في وظائف الإفادة‬ ‫‪34 15‬‬

‫الرمزية بالألسن‪ .‬وهذا الواحد اللساني وراء اختلاف اللغات بالأصوات هو التسمية‬‫الترميزية الممثلة للعلاقة بين الأسماء والمسميات منظومة هذه الوظائف بوصفها عين القدرة‬‫الترميزية الواحدة لدى الإنسان رغم تعدد الألسن من حيث الخصائص الصرفية والنحوية‬ ‫للمادة اللسانية المؤدية لهذه الوظائف (كأي مادة تتعين فيها قطع الشطرنج)‪.‬‬‫ومعنى ذلك أنه يمكن أن نعوض الصوت بالصورة تعويض السمع بالبصر في التواصل‬‫اللساني دون أن يغير ذلك شيئا منه‪ .‬وهو ما يبين أن التنوع الصوتي في اللغات ليس مهما‬‫من حيث وظائف اللسان التي يمكن أن تؤديها الصورة بدلا من الصوت إذا حددنا هذه‬‫الوظائف‪ .‬فيمكن أن نجعلها قابلة للتحقيق بطريقة بصرية بدلا من الطريقة الصوتية‬‫فيصبح العرض المسرحي الصامت للوظائف ممكنا‪ .‬ولولا ذلك لاستحال أن توجد لغة‬‫الإشارة التي تستعمل للصم بشرط أن يكون ما يشار إليه حاضرا على ركح العرض‬ ‫المسرحي‪.‬‬‫فهل توجد لعبة لسانية كلية وراد تعدد الالسن‪-‬مثل لعبة الشطرنج‪-‬تشمل كل اللغات‬‫شمول اللعبة لكل تعينات قطعها المادية فتتجاوز التعين الصوتي إلى الواحد في اللساني‬ ‫تجاوز لعبة الشطرنج للتعين المادي في أي مادة تتعين فيها قطعها؟‬‫وما هو هذا الواحد اللساني قياسا على الواحد في لعبة الشطرنج عندما نجردها من المادة‬‫التي تتعين فيها القطع؟ فرضيتي أن ذلك موجود لأنه شرط التواصل وشرط الترجمة‪.‬‬‫والمشروط موجود لا شك فيه ومن ثم فالشرط لابد أن يكون موجودا‪ .‬وسأحاول بيانه قدر‬ ‫المستطاع‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهل يوجد هذا الواحد أولا‬ ‫‪ .2‬وما هو ثانيا؟‬‫‪ .3‬وما القطع المجردة ثالثا أعني ما تعريفات عناصرها كلعبة تؤدي هذه الوظائف‬ ‫وما قوانين دورها في اللعبة؟‬‫‪ .4‬وهل يمكن رابعا ان نثبت ذلك استقراء فنحدد بعض هذه القطع أمثلة من عناصر‬ ‫نسقها الممكن والذي يمكن أن نصل إليه في الغاية؟‬ ‫‪34 16‬‬

‫‪ .5‬وأخيرا ما طبيعة هذا الواحد الذي هو من جنس بينة القواعد والقوانين التي‬ ‫هي الواحد في لعبة الشطرنج وكيف نحدد نسقها الجامع المانع؟‬ ‫ولأبدأ فاستبعد خطأين ممكنين في الجواب عن هذه الأسئلة‪:‬‬‫‪ .1‬فما أطلبه ليس المنطقي وراء اللغات الطبيعية كما في رأي الفلسفة الوسطية وما‬ ‫قبلها‪.‬‬‫‪ .2‬ولا هو المنطقي وراء اللغات الرمزية الاصطناعية وكما في راي الفلسفة الحديثة‬ ‫وما بعدها‪.‬‬‫بل هو متقدم على معنيي المنطق ونوعي اللغة لأنهما هما بدورهما متعددان‪ .‬فأي شيء‬‫آخر هو إذن إذا لم يكن المنطقي في نوعي اللغة والسيميوتيكي في الأشكال الرمزية التي‬ ‫يعتمدها المنطق في نوعي اللغة؟‬‫سأفترض النموذج التالي للعبة التي اطلبها للدلالة على الواحد وراء تعدد الألسن بتعدد‬‫تعين الوضعيات التي يتعين فيها نموج اللعبة التواصلية بالسمع أو بالبصر انطلاقا من‬‫التواصل الحي الذي يكون فيه فعل الترميز مصحوبا بما يتعلق به الترميز والذي بالتدريج‬‫يصبح قابلا للانفصال عما يتعلق به الترميز بوظيفة تعويض الاسم للمسمى واستغنائه عن‬ ‫حضوره الفعلي في عملية التواصل‪.‬‬ ‫‪ .1‬فلا بد من مرسل فعلي أو فرضي‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولا بد من مرسل إليه فعلي أو فرضي‪.‬‬‫‪ .3‬ولا بد من موضوع موجود أو متخيل يدور حوله التواصل حتى لو كان التواصل‬ ‫نفسه كما يحدث عندما يستوضح أحد المتواصلين من الثاني قصده‪.‬‬‫‪ .4‬ولا بد من جماعة معينة تكون أرضية لهذا التواصل بينهما بذلك التعين معنى‬ ‫متعارفا عليه بين أفرادها بحسب أصناف التواصل‪.‬‬‫‪ .5‬ولا بد من جماعة مجردة تتساوى فيها التعينات في ما يتعلق بالوظيفة التواصلية‬‫التي يتناظر فيها لا تناهي أشكاله اللغوية التي تلتقي في وحدة اللسان من حيث هو تواصل‬ ‫‪34 17‬‬

‫بالسمع قابل لأن يكون بغيره وخاصة الإشارة التي هي سلسة من الصور مثل اللغة التي هي‬ ‫سلسلة من الأصوات‪.‬‬‫وفي الحقيقة فاللغة الطبيعية ليست سلسلة من الأصوات فحسب بل هي كذلك سلسلة من‬‫الإشارات غير الصوتية تصحب التصويت مثل النبرة والإيقاع وخاصة عبارة جسد‬ ‫المتواصلين المرسل والمتلقي‪.‬‬‫وحتى يتحقق ذلك لا بد من تغيير نظام العناصر التي تتألف منها اللغات عامة أعني‬‫البنية المثلثة التي تميز بين الفعل والاسم (أفلاطون يقتصر عليهما) والحرف بمستوييه‬‫وصلا بين الفعل والاسم المفردين أو بين مؤلفاتهما في الكلام لنعود إلى أصل واحد لهذه‬‫البنية المثلثة والتي بمجرد وضعه تصبح اللغات التي هي تعينات الوظيفة اللسانية مؤلفة‬ ‫من أصل وأربعة عناصر‪:‬‬‫‪ .1‬الأصل في التواصل فعل توجيه الانتباه بين المتواصلين لما يدور حوله التواصل إذا‬ ‫كان حاضرا أو إلى ما يرمز إليه إذا كان غائبا وهو تعبير صوتي أو إشاري‪.‬‬‫‪ .2‬وفرعه الأول صوت يصبح معين تسمية الأشياء‪ .‬ومثاله اسم الصوت الذي يسمي‬ ‫نفسه ثم يصبح اسما لصاحبه‪ :‬السمع والموسيقى‬‫‪ .3‬فرعه الثاني التصويت معين تسمية الأفعال‪ .‬ومثاله اسم الفعل الذي يرسم مسماه‬ ‫ثم يصبح اسما للفعل‪ :‬البصر والرسم‬ ‫‪ .4‬أثر الفرع الأول في الفرع الثاني‪ :‬الاستعارة لتسمية الأشياء‪.‬‬ ‫‪ .5‬أثر الفرع الثاني في الفرع الأول‪ :‬الكناية لتسمية الأفعال‪.‬‬ ‫ويمكن تعميم المعينين اللذين يستمد منهما تسمية الأشياء والأفعال‪:‬‬‫فاسم الفعل مثال من الترميز برسم وضعية حسية تكون اسما لفعل مجرد يتعين مدلوله‬‫برسم يدركه البصر كصورة ممثلة للدلالة المجردة‪ :‬مثل ذلك \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\"‬ ‫يستعمل اسما لفعل \"تردد\"‪.‬‬‫واسم الصوت مثال من الترميز بصوت محسوس يصحب تعبير جسدي يكون الاسم هو عين‬ ‫المسمى‪ :‬مثل \"صه\" أو \"أشت\" بمعنى أمر السكوت من المتكلم للمخاطب‪.‬‬ ‫‪34 18‬‬

‫ولا يكون الأمر كذلك إلا بافتراض تقدم البلاغي على اللساني أصلا لوجود اللغات‬‫بخلاف التصور المعتاد بافتراض اللساني أصلا للبلاغي‪ :‬البلاغي هو الذي ينبغي اعتباره‬‫اصلا للساني‪ .‬فالاستعارة (لاسم الصوت) والكناية (لاسم الفعل) هما أصل الرمز اللساني‪:‬‬ ‫فهما نوعا التسمية لتسمية الأفعال الدالة على المختصين بها ولتسمية الافعال المجردة‬‫لماذا يصبح الواحد وراء الألسن متعددا بمجرد تعينه في الألسن المختلفة؟ وما علاقة‬‫التعينات اللسانية وخصائصها الثقافية بهذا الواحد البلاغي المتعالي عليها شرطا في إمكان‬ ‫تواصل أصحابها بل وحتى تواصل المنتسبين إليها؟‬‫أليس كل متكلم بلغة نفترضها واحدة في جماعة ثقافية معينة يختلف عن غيره من‬‫المتكلمين بنوعين من الاختلاف يفرضان هذا الواحد ليكون التواصل ممكنا بينهم بما هم‬‫تلك الثقافة لتجاوز الفروق الثقافية في حدود تلك الثقافة ثم بما هم مشتركون في هذه‬ ‫القدرة الترميزية التي تجعل التواصل ممكنا؟‬ ‫وإذن فعندنا خمسة عوالم‪:‬‬‫‪ .1‬عالم التجربة الحسية‪ .‬ولا يوجد تطابق بين ما يحسه زيد وما يحسه عمرو حتى‬ ‫من نفس الثقافة‪.‬‬‫‪ .2‬لكننا نفترض وراء التجارب الحسية عالما موضوعيا هي ما تدركه الحواس وما‬‫يؤسس للتفاهم بين الحاسين حول ما يحسون رغم استحالة التطابق بين ما يحسيه زيد ما مع‬‫يحسه عمرو‪ :‬وذلك هو شرط التواصل بين الناس بل وحتى بين الشخص وذاته عندما يتذكر‬‫أو يتوقع \"نفس\" التجربة‪ .‬ونحن نفترض ذلك العالم الموضوعي موجودا رغم أننا لا نعلم‬ ‫نوع العلاقة بينه وبين المدارك الحسية‪.‬‬‫‪ .3‬وعالم التصورات التي يدركها بها عقلنا عندما نناقش العلاقة بين مدراكنا الحسية‬‫ومدراكنا العقلية للعلاقة بين التجربة وما افترضناه من عالم موضوعي وراءها خارج‬ ‫الأذهان‪.‬‬ ‫‪34 19‬‬

‫‪ .4‬ونفترض وراءها عالما موضوعيا هي ما يدركه العقل من علاقة بين عامل الاذهان‬‫وعالم الاعيان وهو غيرهما‪ .‬وقد سماه أفلاطون عالم المثل ونحن نسميه عالم القوانين‬ ‫الرياضية للعالم الطبيعي‪.‬‬‫‪ .5‬وأخيرا فلا بد أن يوحد بين التجريبيتين والعالمين الأعيان والأذهان في مستوى‬‫التصورات والمعقولات عالم متعال على العالمين ونوعي الأدراك‪ .‬وهو الذي يوحد بين البشر‬‫في كلامهم على العوالم الأربعة السابقة‪ .‬فتكون العوامل خمسة وهي شروط التواصل‬ ‫والترجمة بين الذات وذاتها وبين الذوات وبين الألسن وبين الموجودات‪:‬‬ ‫‪ .1‬عالم المحسوسات‬ ‫‪ .2‬عالم طبيعي مفترض وراءها‬ ‫‪ .3‬عالم التصورات‬ ‫‪ .4‬عالم عقلي مفترض وراءها‬‫‪ .5‬عالم لا ندري طبيعته هو ما يتوجه نحوه الذهن ليفهم العوالم الأربعة السابقة‬ ‫وهو ما يتعالى على الثقافات المختلفة‪.‬‬‫وهذه العوالم الخمسة هي ما حاولنا بيانه بنظرية المعادلة الوجودية التي هي في آن بنية‬‫كيان الإنسان والتي هي في آن بينة كل الوجود في نسبته إلى الوعي الإنساني بوصفها أبعاد‬‫كيانه وأبعاد الوجود المحيط به والذي لا يستطيع منه فكاكا وهو في آن كيانه وجوهر‬‫التواصل بين القطبين (الله والإنسان) والوسيطين (الطبيعة والتاريخ)‪ .‬كل إنسان عينة‬‫من الوجود كله على الاقل في شكله الرمزي الذي يصله بمقومات المعادلة الوجودية‪ :‬بقطبيها‬‫الله والإنسان وبوسطيها الطبيعي والتاريخي وبالتواصل بينها المتعين في كل واحد ومن هذه‬ ‫المقومات‪.‬‬ ‫‪34 20‬‬

‫محاولة تأصيل التواصل (الفصل الأول) بعد كلامنا على الأصل الثيولوجي الفلسفي‬‫(الفصل الثاني) والأصل الانثروبولوجي الفلسفي (الفصل الثالث) تحتاج إلى فصلين‬ ‫آخرين‪.‬‬‫وأولهما يتعلق بتأصيل التواصل الكسمولوجي (الفصل الرابع) والثاني يتعلق بتأصيل‬ ‫التواصل الهستوريولوجي (الفصل الخامس) وسطين في التواصل بين الله والإنسان‪.‬‬‫وكونهما وسطي التواصل بين الله والإنسان يعني تضمنهما للاتجاهين التواصل من الأول‬ ‫إلى الثاني والعكس بالعمل الذوقي والعمل العلمي ماديا ورمزيا‪.‬‬‫وهذا التعقيد الذي تتشاجن فيه العلاقات وتتشابك جعلني أفضل استسناح الفرصة‬ ‫لأثبت أن القرآن هو التواصل المطلق فيها جميعا من خلال تفسير سورتين‪.‬‬‫أولاهما تتعلق بمآل تواصل الإنسان مع الطبيعة عندما يجري من دون قيم الاستخلاف‬ ‫الذي يقتصر عليه مضمون الدعوة التي يأتي بها الرسل‪ :‬طلب العمل بها‪.‬‬‫وهذا التواصل بهذا المعنى مطبقا على معادلة الوجود بقطبيها ووسطيها تمثله سورة هود‬ ‫والتواصل فيها يخص علاقة الطبائع بالشرائع والطبيعة بالتاريخ‪.‬‬‫وهي تبين أن العلاقة بالطبائع من دون الشرائع تنتهي إلى العبودية الإنسانية للعلاقة‬ ‫الفاسدة بالطبائع والشرائع ورمزها استعباد بني إسرائيل‪.‬‬‫والثانية موضوعها سورة يوسف وهي تنتهي إلى عكس ما انتهت إليه سورة هود ولكن من‬ ‫منطلق الوسيط الثاني أو التاريخ لدرسها إذا خضعت لقيم الاستخلاف‪.‬‬‫ففيها تكون العلاقة محررة للشعب المصري من الفرعونية والهامانية فتكون تعاملا مع‬ ‫علاقة تواصل بين الطبائع والشرائع محققة لحرية الإنسان وكرامته‪.‬‬‫والمقابلة بين يوسف في القرآن ويوسف في التوراة تحدد تواصل الوسيطين بدون قيم‬ ‫الاستخلاف مؤد لعبودية (سورة هود) وبها مؤد للحرية (سورة يوسف)‪.‬‬ ‫‪34 21‬‬

‫قد يبدو هروبي للأمثلة القرآنية غير ميسر للفهم لأنه مثل العرض المفهومي شديد‬ ‫التشاجن والتشابك‪ .‬لكن العرض السريع للمطلوب في السورتين سييسر الأمر‪.‬‬‫ولنبدأ بسورة هود‪ :‬فهي قصة موضوعها سبعة رسل والمخاطب فيها محمد كرسول يبلغ‬ ‫رسالة وشاهدا على تبليغه الرسالة للإنسانية في عينة منها‪ :‬المسلمون‪.‬‬ ‫وقد يظن البعض أني أنهى عن خلق وآتي مثله‪:‬‬ ‫أليس هذا من باب الكلام في الغيب؟‬ ‫اليس هذا من الكلام؟‬ ‫لكن سنرى أني أطبق حرفيا فصلت ‪ 53‬وآل عمران ‪.7‬‬‫أي أني لا أتكلم إلا في عالم الشهادة ولا اتجاوزه لعلم الغيب لأن الأمور كلها تتعلق‬ ‫بالتواصل في العمران البشري والاجتماع الإنساني الشاهدين‪.‬‬‫وفصلت ‪ 53‬تقول إن حقيقة القرآن هي فيما يرينه الله من آيات الأفاق والأنفس وليس‬ ‫في نصه‪ :‬معرفة حقيقته فيما يبينها من شاهد الآفاق والأنفس‪.‬‬‫ولنبدأ بشرح كلمة \"هود\" فعلميتها لا تفقدها دلالتها العامة‪ :‬مصدر من \"هاد\" المرادفة‬ ‫لأسلم‪ .‬ومن مشتقاتها الهداية والهدى وكلها بمعنى سلم لإرادة الله‪.‬‬‫لكن الأهم بنيتها‪ :‬ففيها سبعة أنبياء الرابع(إبراهيم)والأوسط فيها لم يكن له دور‬ ‫الستة الباقية‪ ،‬ثلاث قبله (نوح وهود وصالح) وثلاث بعده (لوط وشعيب وموسى)‪.‬‬‫فهو لم يبلغ رسالة بل تلقى رسالة تتعلق بأمرين‪ :‬اخباره بما سيحصل لآل لوط وبتبشير‬ ‫زوجته بابن‪ .‬وسنرى دلالة ذلك عند الوصل بعلاقة محمد به‪.‬‬‫والسورة كلها تواصل بين الرسل وشعوبهم حول التواصل مع الطبيعة والشريعة من دون‬ ‫احترام قيم الاستخلاف ودعوتهم إلى احترامها ولكل موضوع سيتعين‪.‬‬‫وما كان يحيرني قبل أن اكتشف علاقة الموضوعات الثلاث الأوائل بموضوعات الثلاث‬ ‫الأواخر المحيطين بإبراهيم الذي يطلب منه تبليغ رسالة رغم تلقيه رسالة؟‬‫والرسالة التي تلقاها تخص آل لوط وخلفته ابراهيم همين أولهما مباشر ويتعلق ما يعتبر‬ ‫من مجال الممكن والثاني غير مباشر ويبدو غير ممكن‪ :‬عاقر ستلد‪.‬‬ ‫‪34 22‬‬

‫والاكتشاف تعلق بالبنية الرياضية التي تصل الثلاث الأوائل بالثلاث الأواخر‪ :‬لا يفهم‬ ‫نوح إلا بموسى ولا يفهم هود إلا بشعيب ولا يفهم صالح إلا بلوط‪.‬‬‫فرسالة نوح تبين شروط التحرر من العبودية الطبيعية ورسالة موسى تبين شروط التحرر‬ ‫من العبودية السياسية‪ :‬والتحرر في الحالتين يكون بالشريعة‪.‬‬‫في مثال نوح بقي مضمون الرسالة مبهما‪ .‬في رسالة موسى تعين‪ :‬شريعة تحرر من سلطان‬ ‫فرعون‪ .‬إذن نوح أتى بشريعة تحرر من سلطان الطبيعة‪ :‬تحرر من عبوديتين‪.‬‬‫بالنسبة إلى رسالة موسى الأمر لا يحتاج لمزيد شرح‪ :‬بنو إسرائيل عبيد لنظام فرعون‬ ‫وهامان‪ .‬رسالة موسى تحرير من العبودية السياسية‪ .‬وهذا واضح‪.‬‬‫الحضور الطاغي لموسى وفرعون في القرآن دليل أن التحرير من الاستبداد السياسي‬ ‫ببعديه (حكما وتربية) هو الغاية الأولى من شريعة الرسالة الخاتمة‪.‬‬‫شريعة الرسالة الخاتمة تعني النظام السياسي أو الدولة المحررة للإنسان من استبداد‬ ‫الحكم ومن استبداد التربية أي من الطاغوتين السياسي والروحي‪.‬‬‫أي إنها لا تقتصر على الفقه بالمعنى التقليدي بل هي تشمل كل التنظيم الخلقي‬ ‫والقانوني لحياة الجماعة وذلك هو مفهوم الدولة حكما وتربية‪.‬‬‫ما يحتاج حقا للشرح لأنه غامض اعتمادا على رسالة موسى الواضحة ساعدنا فيه طلب‬ ‫الله من نوح أن يأخذ من كل زوجين اثنين ليستنبتهما بعد الطوفان‪.‬‬‫وهو ما يعني أن علاقة الإنسان بالطبيعة قبل الطوفان الذي هو أيضا طبيعي كانت‬ ‫التبعية المطلقة للطبيعة وهي التبيعة التي كادت تنهي حياة البشر‪.‬‬‫ومن ثم فالعلاقة بالطبيعة بعد الطوفان لم تعد تبعية بل ثمرة عمل الإنسان أو هو إن‬ ‫شئنا ما يرمز إليه استنبات الزوجين الإثنين كالزراعة مثلا‪.‬‬‫فتكون السفينة في هذه الحالة ‪-‬وقد صنعت على أعين الله‪ -‬هي الرسالة التي تلقاها نوح‬ ‫والتي طلب منه تنفيذها بعد ان عوقب الناس الذين رفضوا اتباعها‪.‬‬‫سفينة نوح رسالة تحرر الإنسانية من سلطان الطبيعة كما حررت رسالة موسى الإنسانية‬ ‫من سلطان فرعون وهامان‪ :‬العبودية السياسية والعبودية الطبيعية‪.‬‬ ‫‪34 23‬‬

‫نحدد عين العلاقة بين هود وشعيب‪ :‬رسالة هود لا تحدد مضمونها وإنما هي مجرد تحد‬ ‫للطغيان الاقتصادي ورسالة شعيب تحدده‪ :‬فساد شروط التعاوض العادل‪.‬‬‫فيكون تحدي هود رسالة تضع شروط تحرير الإنسان من للاستبداد والفساد الاقتصاديين‬ ‫كما حددته رسالة شعيب بالكلام في شروط التعاوض العادل والتعاون‪.‬‬‫بنية العلاقة بين الأول والاخير هي نفسها بين الثاني من البداية والثاني (شعيب)‪:‬‬ ‫أساس عبودية الإنسان الطبيعية والسياسية اقتصادية اجتماعية‪.‬‬‫لكن الفهم يتأكد بنفس العلاقة بين رسالة صالح ورسالة لوط‪ :‬فالمدار الماء في الأولى‬ ‫والجنس في الثانية‪ .‬فما العلاقة بينهما؟‬ ‫سر الحياة وبقاء النوع‪.‬‬‫في رسالة صالح يبدو مضمون الرسالة غير واضح‪ :‬كيف لصالح أن يأتي برسالة تقسم الماء‬ ‫بين ناقة والجماعة في حين البلاد قليلة الماء (=ثمود)؟‬‫المشكل هو إذن مشكل توزيع الماء الذي هو سر الحياة ومن هنا يتضح مضمون الرسالة‬ ‫بالقياس إلى المضمون الواضح في لوط لأن المثلية ينهي بقاء النوع‪.‬‬‫فيكون السلطان المستعبد للإنسان متعلقا بشروط الحياة (الماء والجنس) وهي غاية‬ ‫الاقتصاد والذي يشترط الحريتين من سلطان الطبيعة وسلطان السياسة‪.‬‬‫والتحرر من السلطانين بكون بالتواصلين الذوقي والعلمي أي بالعمل الذوقي (علاقة‬ ‫أفقية بين البشر) والعمل العلمي علاقة عمودية (بينهم وبين الطبيعة)‪.‬‬‫وقد رأينا أن تحرر الإنسان روحيا وسياسيا من سلطان الطبيعة وسلطان السياسة عليه هو‬ ‫منزلته المتعالية عليهما بالحرية والكرامة‪ :‬شرطي الاستخلاف‪.‬‬‫وهنا يأتي القلب بين الثلاث الأول والثلاث الأواخر‪ :‬إبراهيم‪ .‬فهو رمز التعالي على‬ ‫الآفلين وهو أصل التوحيد المتجاوز للوسيطين في المعادلة‪ :‬أصل الشرك‪.‬‬‫من هنا نفهم أن المخاطب (محمد) هو إبراهيم الثاني الذي بشرت به زوج إبراهيم ما‬ ‫أضحكها لأنها تجاوزت سن اليأس فكأن محمد الاستئناف شبه المستحيل‪.‬‬ ‫‪34 24‬‬

‫الإبن الذي بشرت به ابراهيم فضحكت من البشرى زوجه هو الرسول الخاتم الذي‬ ‫يستأنف رسالة إبراهيم مع القدرة على تحقيقها منطلقا من البيت الاول‪.‬‬‫والبيت الأول هو علامة اليأس على الأقل في حياة ابراهيم لأنها بلا زرع‪ .‬لكنه ترك فيها‬ ‫اسماعيل وأمه‪ :‬سلطان الطبيعة وسلطان التاريخ الاقصيين‪.‬‬‫شرحت اسم هود ودلالته‪ .‬ويقابله شعيب ودلالته على الفتنة التي تعلل الانقسام في‬ ‫الجماعة بسبب الصراع الاقتصادي وعدم العدل في التعاوض والتعاون‪.‬‬‫ونفس العلاقة بين الاسمين صالح ولوط‪ .‬فالأول يشير اسمه إلى الصلاح والثاني إلى‬ ‫عكسه‪ .‬وكذلك العلاقة بين نوح وموسى‪ :‬النواح والغرق‪.‬‬‫فيكون النائح على مصير البشرية منقذها من سلطان الطبيعة والغارق منقذها من سلطان‬ ‫السياسة وأداة الإنقاذ هي الدولة العادلة أو الشريعة‪.‬‬ ‫فماذا تعالج؟‬‫تحرير الإنسانية من استبداد الطبيعة والسياسة بالاقتصاد فساد التعاوض والتعاون‬ ‫وبصلاح الحياة ماء وجنسا بفضل التواصل مع الله‪.‬‬ ‫هل احترمت فصلت ‪ 53‬فنظرت في الآفاق والأنفس؟‬ ‫وآل عمران ‪ 7‬فلم اتجاوز عالم الشهادة؟‬ ‫الجواب لا جدال فيه‪ .‬ثلاث رسالات قبل إبراهيم معناها يتحدد في ثلاث بعده‪.‬‬‫لكن الأهم من ذلك كله فإن المقصود بالرسالة ألا تكون من الغيب المحجوب وإلا فقدت‬ ‫معنى إرسالها‪ .‬والرسالات هنا كلها من الشاهد القابل للعلم‪.‬‬‫والأخطر من ذلك كله هو أن تحريف القرآن بعدم تطبيق فصلت ‪ 53‬والجرأة على آل‬ ‫عمران ‪ 7‬حال دون المسلمين وإدراك هذه المعاني الشاهدة ذات الفائدة‪.‬‬ ‫ذلك أن كل هذه المعاني تتعلق بشروط تحقيق الإنسان لمقومي كيانه‪:‬‬ ‫‪34 25‬‬

‫لكن قلب فصلت ‪ 53‬والجرأة على آل عمران ‪ 7‬آل إلى فقدان شروط التعمير الذي صار‬ ‫تدميرا بالفتن وفقدان شروط الاستخلاف الذي صار إخلادا إلى الارض‪.‬‬‫ولولا هذه المعاني الذي أضاعتها حضارتنا فضاع سلطانها على الطبيعة وعلى السياسة‬ ‫وأصحبت نهبا لكل ناهب يستعبد أهلها لفساد معاني الإنسانية فيهم‪.‬‬‫لما عالجت هذه القضايا (وهي جوهر الفلسفة) لتجنب الخوض مع أدعياء الحداثة الذين‬ ‫يحاربون الإسلام بدعوى تمثيل العقلانية وهم أبعد خلق الله عنها‪.‬‬‫لكن الجواب سيكون شافيا بعون الله في الفصل الأخير عند الكلام في السورة الثانية سورة‬ ‫يوسف التي تتعلق بذروة التواصل عودة على بدء في الفصول‪.‬‬‫وبهذين المثالين أحدد القصد بأن الإسلام هو الحل بالنسبة إلى المسلمين وللإنسانية كلها‬ ‫ولشروط قيامها أي للمعمورة والعالم لكن بصورة غير مباشرة‪.‬‬‫والقصد بعبارة \"بصورة غير مباشرة\" تعني بتحديد الاستراتيجية توحيد الإنسانية‬ ‫بمبدأي النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬لتعوض الحرب الأهلية بالسلم الكونية‪.‬‬ ‫‪34 26‬‬

‫نشرع في الفصل الأخير ونخصص له سورة يوسف للتواصل مع التاريخ في صلة بالطبيعة‪.‬‬ ‫وقد خصصنا سورة هود للتواصل مع التاريخ في صلة بالطبيعة‪.‬‬‫والملاحظ‪ :‬الصلة بين الطبيعة والتاريخ متقابلة في السورتين‪ .‬والنتيجة كذلك‪ :‬نتائج‬ ‫رفض التحرر من العبودية الطبيعية والسياسية ونتائج قبوله‪.‬‬‫وسنرى أن قضايا سورة يوسف تبدو أيسر لكنها في الحقيقة أعسر بكثير من قضايا هود‪.‬‬ ‫ففي يوسف للقضايا وجودان في أحداث الأحلام وفي وقائع التاريخ‪.‬‬‫وللتذكير مرة أخرى فإن تفسير يوسف كتفسير هود يحترم توجيه فصلت ‪ 53‬وآل‬ ‫عمران‪ 7‬أي الانطلاق من آيات الله في الآفاق والأنفس ورفض الكلام في الغيب‪.‬‬‫وذلك بخلاف ما يتوهم أصحاب العلوم والأعمال الزائفة هو الذي يبين حقيقة القرآن‬ ‫ويرينا في آيات الله في الآفاق والانفس شروط التعمير والاستخلاف‪.‬‬‫وهما السبيل لتحقيق الرسالة واستراتيجية القرآن في توحيد الإنسانية بمبدأ النساء ‪1‬‬ ‫والحجرات ‪13‬وهو ما يمكن البشرية من اكتشاف كونية قيم الإسلام‪.‬‬‫وما من أحد قرأ القرآن لم يعجب من سورة يوسف وخاصة إذا قارنها بيوسف التوراة‪.‬‬ ‫فيوسف القرآن هو النقيض التام ليوسف التوراة في كل الصفات الخلقية‪.‬‬‫وهو رمز بيّن من القرآن يجعل كل ما سنقوله على صفات يوسف القرآني يناقض تماما‬ ‫صفات يوسف التوراتي‪ :‬مقابلة بين خير عابد الله وشر عابد العجل الذهبي‪.‬‬‫وفي جملة وجيزة يوسف التوراة المحرفة من جنس كيسنجر مستشار فرعون وناصح السوء‬ ‫الذي طلب منه خزن صابة السنوات السمان للعجاف لجعل شعب مصر اقنانا‪.‬‬‫نصحه بخزن الصابة حتى إذا جاع الشعب في السنوات العجاف أعطاهم الغذاء مقابل‬ ‫الأرض فيصبح من كانوا مالكين للأرض أقنانا في خدمة فرعون‪ :‬عبودية‪.‬‬‫وبعد هذا لا حاجة لوصف يوسف القرآني خلقيا فهو نقيض يوسف التوراتي‪ :‬كلاهما عالم‬ ‫وذكي لكن القرآني في خدمة الخير والتوراتي المحرف في خدمة الشر‪.‬‬ ‫‪34 27‬‬

‫وقبل الشروع في تفسير السورة فلنشر إلى أنها تتضمن قصة واحدة وأنها تبدأ بيان‬ ‫فضل القرآن على اخراج البشرية في شخص محمد من الغفلة عما نطلبه‪.‬‬‫ولنشر أننا نجد فيها العلاقة بين الذوق والعلم وبين العمل الذوقي والعمل العلمي‬ ‫ودورهما في الاتصال الأفقي بين البشر والعمودي بينهم وبين الطبيعة‪.‬‬‫والإشارة الاخيرة قبل التفسير هي أن التواصل هنا مداره الانثروبولوجيا الفلسفية في‬ ‫تناظر تام بالتواصل الذي كان مداره الثيولوجيا الفلسفية‪.‬‬‫فنكون بذلك قد وصلنا بين القطبين الله والإنسان في المعادلة الوجودية وبينهما الوسيطان‬ ‫الطبيعي والتاريخي والسورة تذكر به برمز {رأى برهان ربه}‪.‬‬‫وتوجد إشارات أخرى قد تفهم سلبا وتتعلق بما يبدو غيابا لدور موجب للمرأة في الدراما‪:‬‬ ‫لم تذكر إلا كأمة أو كما وصف شاهد من أهلها بالكيد العظيم‪.‬‬‫والإشارة الثانية التي تبدو سلبية في السورة هي دور الصدفة في الأصل الثاني للأحداث‪:‬‬ ‫فبعد علاقة التحاسد بين الاخوة (طبيعية) يأتي إنقاذ يوسف‪.‬‬‫ومثلها صدفة وجود السجين الذي أعلم \"القصر\" بوجود معبر للأحلام يوسف الذي دعي‬ ‫لتكون بداية وصوله إلى ما سيؤدي إلى عكس ما فعله سميه في التوراة‪.‬‬‫والأمر الأخير هو صورة الحاكم المصري التي تختلف تماما عن صورة فرعون والتي قبل‬ ‫بأن يكون رمز الحكم وأصبح الحاكم الفعلي المسؤول عن الخزائن‪.‬‬‫وهذه كلها أمور تحتاج إلى فهم حتى تتضح غاية الدراما في القصة التي خصصت لها سورة‬ ‫بدأت بتحديد ما حصل للرسول بفضل القرآن‪ :‬الخروج من الغفلة‪.‬‬‫وكما حصل في تفسير هود السورة نفسها تتضمن سر قراءتها‪ :‬فالآية قبل الأخيرة‬ ‫(‪ )110‬من يوسف تحدد طبيعة الملحمة التي تعرض السورة لحمتها وسداها‪.‬‬‫فالأمر كله يتعلق بغاية الرسالات جميعا وخاصة بغاية الرسالة الخاتمة أعني الحريتين‬ ‫ضامنتي التخلص من الاستبداد والفساد‪ :‬الروحية والسياسية‪.‬‬‫وإذن فالسورة دراما قصصية تبين مدار الصراعات البشرية التي هدف الرسالة الخاتمة‬ ‫علاجها حتى تتحد البشرية بمبدأي النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.13‬‬ ‫‪34 28‬‬

‫والآية ‪ 110‬موضوعها جهاد الرسل الفعلي‪{ :‬حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد‬ ‫كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}‪.‬‬‫فلكأن الآية تشير بالسبابة إلى ما يؤيد فصلت ‪ 53‬وآل عمران ‪ :7‬أين ينبغي أن ننظر‬ ‫حتى نفهم دلالات يوسف القرآني في تحقيق غاية الرسالة الخاتمة‪.‬‬‫وبذلك يتبين أن ما سأقدمه يقتصر على طلب حقيقة المعاني التي قصدها القرآن ليس في‬ ‫نصه بل في الآفاق والانفس التي عينها في دراما قصة يوسف‪.‬‬‫ودراما قصة يوسف القرآنية تمثل بديلا إصلاحيا من قصة يوسف التوراتية المحرفة ومن‬ ‫ثم فالمقابلة بين القصتين هي التي تبين القصد بوضوح كاشف‪.‬‬‫فلا يكون المفيد من القضية اعتبار الأمر متعلقا بشخص يوسف بل برمزيته‪ .‬فهو رمز‬ ‫لاختبار الاصطفاء الذي يمتحن به من يختاره الله مبلغا للرسالة‪.‬‬‫وأولى العلامات على صحة هذا الفهم لعلاقة دور يوسف بالحريتين أنه‪ :‬يرى برهان ربه‬ ‫وأنه يعتبر الحكم خدمة الأمين العادل للشعب‪ :‬ثورتا الإسلام‪.‬‬‫فهو لا يتجنب الذنوب بفضل سلطة وسيطة بينه وبين ربه بل هو يرى برهانه مباشرة‬ ‫(العلاقة المباشرة بين الله والإنسان) وهو لا يؤمن بالحق الإلهي في الحكم‪.‬‬‫رؤيته برهان ربه مباشرة واعتبار الحاكم خادما أمينا للمؤمنين هما ثورتا الإسلام‪ :‬نفي‬ ‫الكنسية ونفي الحق الإلهي في الحكم وصية كان أو قوة طبيعية‪.‬‬‫وإذن فالدراما تصف الحال كما هي وتصف العلاج كما ينبغي أن يكون‪ .‬مثال‪ :‬ما بدا لنا‬ ‫فيها من أحكام مسبقة عن المرأة في رأي الشاهد من أهلها‪.‬‬‫والآن حان وقت التفسير البنيوي مع اعتبار هذين المستويين‪ :‬وصف الحال كما هي ووصف‬ ‫علاجها بعمل يحدد المنتظر من رسول أخرجه القرآن من الغفلة‪.‬‬‫القصة لا تنفي الفواعل الطبيعية (ومنها الصدف) والفواعل الثقافية (ومنها الحكم‬ ‫المسبق حول المرأة) في التاريخ بل تحددها وتصلحها بالذوق والعلم‪.‬‬‫فلنحص موضوعات الحياة البشرية الجماعية كما حددتها السورة‪ :‬علاقات البشر‬ ‫وشرطاها اللذان هما في آن عائقاها إن ظلا بدون تنظيم خلقي وقانوني‪.‬‬ ‫‪34 29‬‬

‫إنهما الحب عامة وخاصة بين الرجل والمرأة رمزا للروحي وشروط العيش وخاصة الغذاء‬ ‫رمزا للمادي وهما شرط العلاقات وعائقاها في آن‪ :‬حبكة الدراما‪.‬‬‫ولا يمكن تصور تنظيم هذين النوعين من العلاقات من دون سلطة سياسية مؤلفة من‬ ‫التربية والحكم‪ .‬وغايتها حل مشكل علاقتي البشر‪ :‬العمودية والافقية‪.‬‬‫فالعلاقة العمودية هي مصدر الرزق‪ .‬والعلم هو شرط تحصيله من الطبيعة‪ .‬والعلاقة‬ ‫الأفقية هي مصدر الحب بكل معانيه والذوق هو شرط تحصيله من الثقافة‪.‬‬‫فيتبين جوهر الوجود الإنساني‪ :‬فما به يبنى الجماعات الإنسانية هو عينه ما يمكن أن‬ ‫يصبح علة تهديمها‪ :‬الاقتصاد والجنس والعلم والحكم وبرهان الرب‪.‬‬‫والعلاج في السورة هو العمل الذوقي والعمل العلمي اللذين يمكنان من وضع نظام خلقي‬ ‫وقانوني لسياسة تستعملهما لسد الحاجات بالتربية والحكم‪.‬‬‫والتربية والحكم كلاهما عمل على علم وبذوق‪ .‬وهذا يقتضي أن يكون المربي والحاكم‬ ‫لا يغيب عنهما برهان الرب فيرونه في كل عمل بعلم وذوق أمانة وعدلا‪.‬‬‫وبذلك يتبين أن مضمون دراما سورة يوسف في القرآن هو عينه مضمون سورة هود ولكن‬ ‫هذه المرة من منطلق البحث عن استراتيجية الإسلام لعلاجها كونيا‪.‬‬‫وكما أسلفنا فكل رسول لا يمثل شخصه (نضع شخصه بين قوسين) بل الإنسانية كلها كرمز‬ ‫آدم الخليفة‪ :‬الرسول هو آدم الذي تتوفر فيه أهلية الاستخلاف‪.‬‬‫وبصورة أدق هو رمز أبناء آدم الذين احترموا شهادتهم أمام الله وهم في ظهور آبائهم‬ ‫بما جاء في ‪ 173-172‬من الأعراف ذوات للتاريخ ضمن الطبيعة‬‫وحينئذ ينبلج الفهم على دلالة الدراما‪ :‬فرؤيا يوسف لا تتعلق به وبأسرته أخوته وأبوه‬ ‫وأمه لأن ذلك لو كان هو المقصود لكان يوسف كافرا لا رسولا‪.‬‬‫وحتى لو اعتبرناه كذلك لكان من المعيب أن يحلم يوسف بأن يسجد له أبوه وأمه‪ .‬لذلك‬ ‫فلا بد من اعتبار المدار هو العلاقتين العمودية والأفقية‪.‬‬‫فالشمس رمز للطبيعة والقمر رمز للتاريخ يسجدان لخليفة الله وقد أمر الله الملائكة‬ ‫بالسجود له دون تأليه بخلاف وهم القائلين بفتوة ابليس‪.‬‬ ‫‪34 30‬‬

‫والشمس رمز الطبيعة هي الام والقمر رمز التاريخ هو الاب‪ .‬والتاريخ يحيا بالطبيعة‬ ‫ويتبعها رغم تعاليه عليها والقمر نوره منها يعلو عليها إذ تغيب‪.‬‬‫والاحدى عشر كوكبا ليسوا أخوته بل وظائف الدولة التي ستحقق شروط الاستخلاف‪:‬‬ ‫خمسة للرعاية وخمسة للحماية والوظيفة الموحدة هي رمزها يوسف أمينا وعادلا‪.‬‬‫لذلك لم أقل إن السورة الثانية تبدو الأيسر وهي الأعسر فهما‪ :‬فالمعاني المقصودة من‬ ‫تجاوز الغفلة هي فهم شروط نجاح الرسالة الخاتمة وفشل ما قبلها‪.‬‬‫في هود كان محمد ابراهيم الثاني‪ .‬في يوسف محمد يوسف الثاني‪ .‬لكنه متجاوز لإبراهيم‬ ‫ويوسف بالمضمون الاستراتيجي فيتجاوز الرؤيا إلى التاريخ‪.‬‬‫لا أحد بغافل عن كون كل الاحداث تجري في مستويين‪ :‬أحداث رؤيا وأحداث تاريخ‪.‬‬ ‫تبدأ بحلم يوسف وتنتهي بحلم سيد مصر وبينهما حلم السجينين‪.‬‬‫تحقيق حلم يوسف دراما قصة رمزية هي بالقياس إلى ما سيفعله محمد مجرد قصة لا‬ ‫تاريخ‪ .‬وما فعله إبراهيم‪ :‬للتوحيد والقبلة قصة رمزية لما سيفعله محمد‪.‬‬‫فالتوحيد لم يبق مجرد تأمل في الأوافل بل صار دينا كونيا والأمانة والعدل هما أساس‬ ‫نظرية الدولة في الاسلام (النساء ‪ 57‬ومنها السياسة الشرعية)‪.‬‬‫ومكة لم تبق أرضا بلا حرث ولا زرع ألقي فيها اسماعيل وأمه بل هي صارت قلب المعمورة‬ ‫وسيزداد هذا الدور اكتمالا عندما نستأنف دور الأمة الكوني‪.‬‬‫فالإصلاح ليس مجرد تبعية لنظام فرعوني كما في سورة يوسف خاضع لنظام المناخ (قصة‬ ‫السنوات السمان والعجاف) بل هو نظام تعمير الارض بقيم الاستخلاف‪.‬‬‫وقصة الأضحية لم تعد مثالا رمزيا وقع في حلم ثم طبقه ابراهيم بل هي اصبحت تحرير‬ ‫الإنسان من التضحية به باسم آلهة ترتوي بالدم عند محرفي الأديان‪.‬‬‫وبذلك ندرك حقيقة القرآن كما قال جل وعلا في فصلت ‪ 53‬من خلال آياته التي يرينها‬ ‫في الآفاق والانفس أي في الطبيعة والتاريخ وفي ذواتنا المؤمنة‪.‬‬‫وهكذا يتكامل مضمون السورتين هود ويوسف رغم أنهما من مدخلين‪ :‬هود من مدخل‬ ‫معيقات استعمار الإنسان واستخلافه في الأرض‪ :‬عبودية الطبيعة والتاريخ‪.‬‬ ‫‪34 31‬‬

‫أما يوسف فهي تعالج نفس المشكل في ترجمته الاجتماعية والسياسية وفي علاقة الإنسان‬ ‫بها حلما وعلما مع الحلول بمنطق تواصل العمل الذوقي والعلمي‪.‬‬‫ولا بد من أن اختم بإشارتين‪ :‬فلست غافلا على أن منكري هذه القراءة يتصورون أني‬ ‫عندما أقول \"دراما\" وقصة أنفي أنها حقائق‪ .‬فيذهب بعضهم إلى التكفير‪.‬‬ ‫لكن القصد غير ذلك‪ :‬المسلمون لهم علاقة بالقرآن مضاعفة‪:‬‬ ‫‪ -‬به كفلسفته دينية وتاريخية تروي نقديا الأديان والتاريخ‪.‬‬ ‫‪ -‬وبه كتحقيق للدين والتاريخ‬‫المسلمون لم يشاركوا في الأحداث التي يرويها القرآن فهي بالنسبة إليهم حديث حول‬ ‫الأحداث‪ .‬لكنهم شاركوا في الأحداث التي حققها الإسلام دينا ودولة‪.‬‬‫ولست أنا الذي يجعل علاقة المسلمين بالبعد الأول من القرآن علاقة من يستمد من‬ ‫حديثه عن أحداث الدين والسياسة نماذج رمزية قدوة يؤمنون بها‪.‬‬‫ومن لا يميز بين الموقفين لا معنى لمناقشته‪ .‬فالمحاولة تتوجه للعقلاء الذي طلبهم معرفة‬ ‫الحقيقة بالقدر الممكن للإنسان لا التبكيت الصبياني‪.‬‬‫فأساس القراءة هو ما تطلبه فصلت ‪ 53‬لمعرفة حقيقة القرآن بحرز ما تحول دونه آل‬ ‫عمران ‪ 7‬لتجنب أمراض القلوب والفتن بسبب العلوم والأعمال الزائفة‪.‬‬‫والفرق بين الموقفين لا ينطبق علينا نحن أحفاد المسلمين الذين شاركوا في الأحداث‬ ‫القرآنية في تاريخ الامة‪ .‬فروايته لها ليست قصصا بل تاريخ‪.‬‬‫حديث القرآن على الأحداث التي حصلت بفضل أحداث إصلاحه لأوضاع الإنسانية‬ ‫لتتجنب الصد والتحريف عائقي الرسالات السابقة دون تحقيق قيم الاستخلاف‪.‬‬‫وهذا الحديث على الأحداث التي صنعها أجدادنا ما تزال إلى اليوم مصدر مثلنا العليا‬ ‫في العلاقتين العمودية (مع العالم) والأفقية (بين البشر) بالعملين‪.‬‬‫والعملان هما كما بينا جوهر التواصل الذوقي والعلمي قلب المعادلة الوجودية مباشرة‬ ‫بين الله والإنسان وبصورة غير مباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخ‪.‬‬ ‫‪34 32‬‬

‫ولا يمكن أن يكون الحلم مشيرا بسجود الشمس والقمر والاحدى عشر كوكبا إلى أسرة‬ ‫يوسف بذاتها بل برمزيتها للعلاقتين العمودية والأفقية كيانا ووظيفيا‪.‬‬‫فكيانيا نسبة التاريخ إلى الطبيعة ذات صلة بنسبة القمر إلى الشمس‪ .‬وللقمر علاقة‬ ‫برمز الحياة في المرأة (التكاثر) وهي صلة كيانية (توالي الأجيال)‪.‬‬‫والقمر مجرد عاكس لنور الشمس والتاريخ مجرد عاكس لحياة الطبيعة‪ :‬ورمز الحياة في‬ ‫القرآن هو النور‪ .‬فتكون الإشارة إلى ركوعهما رمز تسخيرهما للخليفة‪.‬‬‫لكن التسخير لا يتحقق إلا بشرطين هما ثمرة الوظائف إذا عملت بقيم الاستخلاف‪ :‬يكون‬ ‫العالم مسخرا لأبناء آدم ما كانوا أهلا للاستخلاف ذوقيا وعلميا‪.‬‬ ‫ولهذا دلالتان‪:‬‬ ‫‪ .1‬علة ورود الاخراج من الغفلة بالقرآن في هذه السورة‬ ‫‪ .2‬اكتشاف علة أفشال الرسالات السابقة إما بالتصدي لها أو بتحريفها‪.‬‬‫فأما المغفول عنه الذي خرج القرآن بالرسول الخاتم منه فهو ما بيناه في الفصل الرابع‬ ‫(هود)‪ .‬وأما العلاج فهو ما بيناه في الفصل الخامس (يوسف)‪.‬‬‫لذلك فمن دون العلاج اليوسفي لا يمكن لقيم الاستخلاف أن تتحقق‪ :‬لا بد من دولة ذات‬ ‫تربية وحكم يحقق تحققان شروط العلاقتين العمودية والأفقية‪.‬‬‫وإذن فالديني من حيث هو تحقيق فعلي للقيم الكونية في التاريخ لا يمكن أن ينجح من‬ ‫دون السياسي ببعديه التربوي والحكمي‪ :‬وذلك هو الدين عند الله‪.‬‬‫والدولة لها حقيقة طبيعية وخلقية كما بينا في تأصيل الدولة‪ .‬ولها وظائف تتفرع عن‬ ‫تأصيلها وهي إحدى عشر وظيفة‪:‬‬ ‫‪ -‬خمس للرعاية‬ ‫‪ -‬وخمس للحماية‬ ‫‪ -‬وواحدة لتوحيد عملها‪.‬‬ ‫وخمس الرعاية‪:‬‬ ‫‪ -‬اثنان للتكوين‬ ‫‪34 33‬‬

‫‪ -‬اثنان للتموين‬ ‫‪ -‬واحدة أصلها أي الاستعلام العلمي‪.‬‬ ‫وخمس للحماية‪:‬‬ ‫‪ -‬اثنان للحماية الداخلية‬ ‫‪ -‬واثنان للحماية الخارجية‬ ‫‪ -‬وواحدة أصلها الاستعلام السياسي‬‫وقد فصلنا القول في هذه الوظائف بمقتضى فصلت ‪ 53‬ولها كلها توصيف دقيق في القرآن‬ ‫الكريم ومن يريد المزيد فليعد لسلسلة تأصيل الدولة ووظائفها‪.‬‬‫وبذلك نكون قد أثبتنا أن السورتين هود ويوسف هما مضمون الاستراتيجية القرآنية‬‫لتحقيق مقومي الإنسان المستخلف‪ :‬تعمير الكون بقيم الاستخلاف‪ .‬وبينا أن الرسالة الخاتمة‬‫هي خاتمة بمقتضى كون القرآن أخرج الرسول مما كانت الغفلة عنه مؤدية إلى نجاح أعداء‬ ‫الاستخلاف في منعه أو تحريفه‪.‬‬‫ومن هنا نفهم أن الدولة التي تحقق القيم الاستخلافية في التاريخ الفعلي لا بد لها من‬ ‫أساسي النظر والعقد في الأذهان والعمل والشرع في الأعيان‪.‬‬‫وأساس النظر والعقد هو الاجتهاد واساس العمل والشرع هو الجهاد‪ .‬والاجتهاد نوعان‬ ‫هما العلمي والعملي والجهاد نوعان الخلقي والذوقي‪.‬‬‫والاجتهاد غني عن الشرح‪ .‬لكن الاجتهاد يحتاج إليه‪ :‬فالخلقي لحماية الحرية والكرامة‬ ‫باللطف أو بالعنف‪ .‬والذوقي لحماية معنى الوجود دلالته الروحية‪.‬‬ ‫‪34 34‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook