أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
1 المحتويات 614 \"التسمية\" أو وحدة الوظيفة التواصلية وراء تعدد الألسن 142127
فرغت من الكلام على علوم الملة وأعمالها التي وصفتها بالزائفة والتي نسبت إليها فقدان الامة لشروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها.ووصلت ذلك بمفهوم \"فساد معاني الانسانية \"الخلدوني وبالعلة العميقة المتمثلة في قلب فصلت 53وفي الجرأة على آل عمران 7وتحريفا لثورتي الإسلام.وفرغت من تأصيل العلوم والأعمال البديلة وسأمر إلى مفهوم مركزي نسبت إليه الرئاسة فيها كلها وقد تواتر وروده في كل هذه المحاولات :مفهوم التواصل.والمفهوم أصلته في المعادلة الوجودية باعتباره يوجد بين القطبين (الله والإنسان) مباشرة وبينهما بصورة غير مباشرة بالوسيطين (الطبيعة والتاريخ). ومقومات المعادلة الوجودية هذه تمثل مجالات: .1الذوق .2والعلم .3والعمل الذوقي .4والعمل العلمي .5وأساسها جميعا أي التواصل المباشر بين القطبين.فهذا التواصل المباشر بينهما تلق من الإنسان لآيات الله وتلق من الله لأعمال ولأفعال الإنسان البسيطة ذوقا وعلما والمركبة عملا ذوقيا وعملا علميا.فيكون هذا التواصل رئيس كل التواصلات الاربع الأخرى وأصلها وهو كما رأينا جوهر ما به اعتبرت القصة الرمزية لاستخلاف الإنسان أهلا لهذا الاستخلاف.وقد رمزت إليه القصة بتعليم آدم الأسماء كلها :فيكون جوهر التواصل وأصله هو عين كيان الإنسان بوصفه مسميا أو مرمزا لما يدركه من آيات مستخلفه.والقرآن الكريم الذي هو آية الآيات حدد الطريق الموصلة إلى حقيقته بالالتفات إلى آيات الله في الآفاق وفي الانفس أي في الوسيطين وفي الإنسان. 34 1
فالآفاق=الطبيعة والتاريخ .والأنفس=الإنسان .والتلقي المتبادل المباشر بين القطبين هو التواصل الأصل والتلقي المتبادل بالوسيطين هو الفروع الأربعة.والفروع الاربعة هي :الذوق والعلم والعمل الذوقي والعمل العلمي وكلها تواصلات بين الإنسان والعالم الطبيعي والعالم التاريخي بوصفهما آيات الله. فكيف تتفرع هذه التواصلات عن التواصل الأصلي؟إذا التواصل الأصلي هو التواصل المباشر بين الله والإنسان وكلاهما مرسل ومتلق فكيف التفرع ب ّين؟ونحن لا نعلمه إلا من منظور الإنسان لانتسابه إلى شهادته على ما يشهده من افعال الله أما من منظور الله فلا يمكن أن نعلمه لانتسابه إلى الغيب.فمن منظور الإنسان :التواصل الاصلي هو العبادة .والفروع تنقسم إلى التلقي :الذوق والعلم .وإلى الإبداع :العمل الذوقي والعمل العلمي.والإبداع ليس خلقا عن عدم بل هو ترجمة للتلقي بمقتضى ما وجهت إليه فصلت 53 الإنسان ليرى آيات الله في الآفاق والانفس حيث توجد حقيقة القرآن.لتسديد التلقيين الإبداعين كان دور آل عمران 7واضحا :ميز بين محكم الآيات وموضوعها عالم الشهادة (الآفاق والأنفس) ومتشابهها (عالم الغيب).وهذا تعريف جامع ومانع للمقصود بالتواصل في المجالات الخمسة :التواصل الاصلي والفروع الأربعة أو عين كيان الإنسان كخليفة تلقيا ( )2وإبداعا (.)2ومن لوازم هذا التعريف يبقى الإبداع دون التلقي فالعبارة لا تحيط بما يعتمل في وجدان المبدع :فهما ترجمة لمتعال يعبر عن اشرئباب الإنسان للكمال.لكن الإبداع الذوقي والعلمي هما أسمى عبادة لأنهما عين كيان الإنسان إذ يحقق معنى الخلافة والعرفان للخالق بسمو التلقي ورفعة مجاهدة التعبير عنه.ولهذه العلة اعتبرت ما يوهم بكونه إبداعا في الفكر الصوفي هو تحريف لمفهوم الإبداع بما هو عمل ذوقي وعمل علمي يعبر عن آيات الآفاق والأنفس. 34 2
فالتعبير عنها هو شرط تذوق العالم وعلمه حتى يتمكن الإنسان من تحديد بعده الأول (مستعمر في الارض) بقيم بعده الثاني(مستخلف فيها).والتصوف يلغيهما.فهجران الدنيا تخل عن تعميرها العلم اللدني بالغيب تحريف للعقل والنقل في آن :النقل سبق لفهم الأمر (الغيب) والعقل (الفلسفة) تخلى عن المطابقة.الإسلام بين قرآنه استحالة علم الغيب واعتبره مرضا في القلوب وابتغاء للفتنة. والفلسفة الحديثة أدركت أن ما نعلمه شديد النسبية وقليل المقدار.ومشكل العرب الحالي هو أن أدعياء الحداثة ما زالوا متخلفين عن العقل الحديث وجاهلين بالنقل الأصيل معتقدين أن العلم المطابق بالموضوع ممكن.وبهذا المعنى فحداثيو العرب هم دون أصوليوهم بعصر كامل :متشبثون بنظرية المعرفة وبالمنطق البدائيين لعلم الكلام والفلسفة الوسيطين دون نقدهما.وبهذا المعنى كذلك فالسلفية الأولى والمحدثة منها أقرب إلى الحداثة منهم لولا أنهما غلبتا رد الفعل على الكلام والفلسفة على إبداع البدائل.بدا عملهما وكأنه سلبي وتهديمي لما يتصوره متخلف الحداثيين عقلا وهو في الحقيقة تحريف للعقل كما يتبين من كليشيهاتهم :لا علاقة لهم بالحداثة.على الفكر الإسلامي المستنير ان ينتقل من تقديم رد الفعل على الفعل إلى العكس بل وإلى عدم المبالاة بهم فهم أكثر نخب العالم تخلفا ذوقيا وعلميا.وتلك غاية محاولاتي التي بينت صلاتها بعضها بالبعض في بداية هذا الفصل لأن القصد منها هو تمهيد الطريق للموقف الثاني الذي ينبغي الانتقال إليه.لا بد من تجاوز موقف رد الفعل والشروع في التلقي السليم ذوقا وعلما والإبداع السديد بالعمل الذوقي وبالعمل العلمي شرطين للتعمير والاستخلاف.تلك هي العبادة في الإسلام .وما التضخم في الشعائريات إلا دليل عدم فهم بعدي التواصل بين الله والإنسان وموضوع محاسبة الاول للثاني يوم الدين.فالله يغفر كل شيء يخص علاقة الإنسان به عدا الشرك أي عدم فهم الاستخلاف الذي هو الإيمان بأن الله عبد لله وحده والله لا عدم تحقيق أدلة ذلك. 34 3
وعدم تحقيق أدلة عبادة الله وحده هي بالذات الفروع الاربعة التي حددنا :أي التلقي الذوقي والعلمي والإبداع العملي الذوقي والعلمي موضوع التكليف.وذلك هو مدلول فصلت :53فمن يريد أن يعلم حقيقة القرآن وأن يعمل بها فعليه أن ينظر في آيات الله في الآفاق والانفس وأن يعمل بشرائعه فيهما.وشرائع الله التي تتبين في آيات الآفاق والانفس هي تلقي الطبيعة والتاريخ ذوقيا وعلميا ثم العمل بهما لتحقيق شروط التعمير والاستخلاف :التكليف.والحساب يتعلق بهما بالدرجة الاولى أما ما عداهما فالحساب فيه علته ما يفيده من عدم التوحيد أو الشرك :فالحائل دونهما هو إما التحريف أو الشرك.ولا احد يمكنه أن يدعي أنه يفهم الإسلام أكثر من الرسول :فهو بنى دولة وربى أجيالا وجاهد معهم فشارك في اكثر من ستين حربا :الإسلام لتحرير البشرية.ونقيضه هو الرؤية الصوفية التي اعتبرت العبادات هجرانا للدنيا وتحويلا للامة إلى الكسل حياة الهنود الحمر حتى يكونوا لقمة سائغة لأعداء الله.وكل تضخم في العبادات هو من أمراض التصوف التي تلغي مقومي التكليف وتعوضهما بما يؤسس لسلطان الخرافة أساس الاستبداد والفساد في التربية والحكم.وذلك هو سر عودة الطاغوتين :طاغوت العلماء المزيفين في التربية وطاغوت الأمراء المزيفين في الحكم .وهم علة مفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" الخلدوني.الإسلام ألغى الكنسية فأعادها التحريف الطائفي .وألغى الحق الإلهي بالوصية (حكم آل البيت) أو بالطبيعة (حكم المتغلب) .والتصوف يعتمدهما كليهما.اخترق التربية السنية بتحريف مفهوم العبادات واستعادة الكنسية واخترق الحكم السني بتحريف مفهوم القضاء والقدر فجعل الحاكم ظل الله في الارض. وتلكما هما علتا ثورة ابن تيمية على التصوف بإصلاح مفهوم السياسة ببعديه: .1التربية دون تحريف لأصل العبادات .2والحكم دون تحريف لأصل المعاملات 34 4
وأصل العبادات تكليف الإنسان بتعمير الأرض والاستخلاف فيها وأصل المعاملات سياسة التعمير بقيم الاستخلاف بجعل الأمة هي صاحبة الأمر (الشورى .)38ورغم كثرة ما أعيبه على الإخوان فإنهم أقرب الناس لتحرير الإسلام من هذين التحريفين الناتجين عن اختراق السنة بالتصوف في العبادات والمعاملات. لهذا يحاربهم الجميع وخاصة تحريف السلفية والعلمانيون العرب: .1لتحريفهم الإسلام دين الحرية والكرامة .2ولتحريفهم لحداثة فلسفة الحرية والكرامةوبمجرد أن يتحرر الاخوان من وهم اعتبار الخمينية ثورة ومن مهادنتها يصبح فهمها أسلم فهم حالي للقرآن ولسيرة الرسول (أفعاله لا الخرافات حولها).والخرافات حول سيرة الرسول كما اخترعها الكذب الصوفي الذي طغى على السنة كذلك لا يصدقها عاقل لأن دستوره وجهاده وبناءه الدولة تناقضها. وطبعا سيسأل القارئ ما علاقة هذا بموضوع البحث :التواصل الرئيس أو العبادة؟ العلاقة مضاعفة :أولا سر التحريف فساد الاتصال :حديث يزيف الحديث.ثم إن العبادة صارت تربية كنسية والمتعلم ميتا يغسله المعلم والسياسة صارت حكما استبداديا والمواطن عبد للمتغلب :وهما علتا فساد معاني الإنسانية.التواصل وما نتج عن تأثير الأحاديث المزيفة في الأحداث المشوهة هو الداء الذي أفسد فروعه ذوقا وعلما في التلقي وعملا ذوقيا وعلميا في الإبداع. 34 5
ما ورد في الفصل الاول من تأصيل التواصل قد يساء فهمه فلست أعارض العبادات بل اعمم مفهومها ليشمل المعاملات وأصلها السياسي ببعديه تربية وحكما.ما اعارضه هو تحريفاها :الاول الذي يعتبر الفقه رسوما (التصوف) ليعمم التسيب معتبرا كسل المتصوفة عبادة بديلا من التكليف ببعديه تعميرا واستخلافا.والثاني هي تضخم شكليات العبادة التي تخفي الفساد الخلقي وحقيقته \"فساد معاني الإنسانية\" وترجمته الشعبية في تونس \"اعمل الفرض وانقب الارض\".ويتصورون الحج غسلا لما يترتب على هذا الفهم لكل ما يشتمل عليه مفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" .لذلك فالسنة صارت عبادة القشور ،عبادة الشيعة للقبور.شرح القصد باعتباري التواصل الرئيس هو جوهر العبادة هو موضوع هذا الفصل الثاني لأن الأول كان للتمهيد لإشكالية التواصل عامة والرئيس منها خاصةوسأقول بعبارة جماعة مانعة :التواصل بهذا المعنى الاصل المؤسس لفروعه الاربعة ذوقا وعلما وعملا ذوقيا وعملا علميا هو القرآن نفسه أو خطابه الديني.فجوهره التواصل الاصل وفروعه بوصفه نظام حجاج القرآن كفلسفة الدين وفلسفة التاريخ نقديتين ومؤسستين للإصلاح الديني النهائي في تاريخ الإنسانية.فجوهره التواصل الاصل وفروعه بوصفه نظام حجاج القرآن كفلسفة الدين وفلسفة التاريخ نقديتين ومؤسستين للإصلاح الديني النهائي في تاريخ الإنسانية.واكتشاف هذه الحقيقة اعتبرها منحة إلهية أضعها فوق كل ما توصلت في كتاب الجلي في التفسير دون أن أنجح في صوغها الصوغ الحالي قبل البحوث الأخيرة.سبق أن اعتبرت القرآن استراتيجية توحيد الإنسانية وسياسة الرسول عينة من هذا التوحيد بقيم القرآن الكريم :والآن اعرفها بكونها استراتيجية تواصل.القرآن الكريم استراتيجية تواصل مباشر يؤسس استراتيجيات التواصل الاربع الأخرى نموذجا لتواصل الإنسان أفقيا بين البشر وعموديا بينهم وبين العالم. 34 6
والنموذج هو تواصل الله نفسه مع الإنسان ومع العالم الطبيعي والتاريخي بتوسط نموذج الإنسان أو الرسول الخاتم مبلغا ومعينا لهذا النموذج الكوني.والخطاب القرآني عميت طبيعته بما رمزت إليه بعبارة قانونية هي حالة الطوارئ وإيقاف العمل بالدستور القرآن بعد الفتنة الكبرى والحرب الأهلية. ولعل لهذه التعمية علامتان لا تكذبان: -الأولى داخلية وهي النكوص عن ثورتي الإسلام ضد طاغوت الكنسية وطاغوت الحكم بالحق الإلهي وصية كان أو غلبة. -والثانية خارجية وتتمثل في تحول الفتح الذي هو دعوة لنقل البشر من عبادة بعضهم البعض إلى عبادة ربهم تحوله استعمار بمنطق عبادة المغلوب للغالبوبذلك أوقف الدستور القرآني في السياستين الداخلية والخارجية وعوضه نقيضه في الأمة كأمر واقع دعمه لاحقا الفقه الذي أضفى عليه شرعية أمر واجب.وهذا طبعا لم يكن بوسعه أن يغير طبيعة الخطاب فلا يجعله تواصليا بل قلب التراتب في وسائل التواصل :فالتواصل القرآني لا يخلو من استعمال القوة.فالعنف من أدوات التواصل السياسي في تحقيق أي عمل سياسي عندما يتعذر اللطف وهذا هو مفهوم الجهاد الذي يكون عملا على علم أو الاجتهاد في وسائله.مثال ذلك أن القرآن لا يسمح بالجهاد غير الدفاعي إلا في حالتين في السياسة الداخلية والخارجية :دفع من يحول دون الحرية الدينية ودفع الاستضعاف.وهما أساس الفتح :ذلك أن عبادة العباد بدل عبادة رب العباد تعني فرض دين محرف واستضعاف المستتبعين .والفتح تحرير من ذلك وإذن فأساسه نوعا الدفع.وهما أساس الفتح الخلقي لرده إليهما وقد يعتبره البعض جهاد طلب في الخارج .لكنه استراتيجية التوحيد يعد جهاد دفع لأن الإنسانية واحدة (النساء.)1وبين أن العنف الشرعي في الداخل هو حق الدولة في تطبيق الاحكام العادلة على من يرفض الخضوع إليه بعنف خاضع لشروط يحددها الدستور والقانون العادل. 34 7
فيكون العنف جزءا من التواصل أو بصورة أدق أداة استكماله عند رفض الاحتكام إلى القانون الخلقي (اللطيف) والاحتكام إلى القانون الطبيعي (العنيف).وهذا هو جوهر العمل على علم الذي يحترم العمل على ذوق في الجماعة التي يسودها التواصل اللطيف بالذوق والعلم بدل التواصل العنيف بدونهما.وهو ما يتبين في الحماية :فلابد من القضاء والامن في الحماية الداخلية ولا بد من الدبلوماسية والدفاع في الحماية الخارجية في كل سياسة إنسانية.وفي الحقيقة لما يخاطب الرسول بما لا يخصه كشخص فهو خطاب ليس لشخص محمد بل لرمز الإنسان كآدم :كل ما يقال له المخاطب فيه الإنسان وليس شخص آدم. ومعنى ذلك أن الرسول الخاتم حاضر في القرآن نوعين من الحضور: -كإنسان بعينه -وكرمز للإنسان من حيث هو انسان. ويصح ذلك على خطاب الله كل الرسل.ولو لم يكن الامر كذلك لما أمكن للقرآن أن يتكلم على التواصل المباشر بين الإنسان وربه حتى إن الله أقرب إليه من حبل الوريد ما يلغي كل وساطة. فما هو التواصل الأصل؟وكيف تتفرع عنه التواصلات الاربعة التي تتعلق بالتلقي الذوقي أولا والعلم ثانيا ثم بإبداع العمل الذوقي والعمل العملي؟ولماذا يعد ذلك في آن عناصر الحجاج القرآني في فلسفة الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين ببعديهما النقدي والبديل وبالأسلوبين الحجاجي والدرامي؟ وسبق أن بينت أن القرآن مكتوب بلغتين: -واحدة لا يفهمها إلّا من يفهم العربية (تواصل لساني) -والثانية تخاطب كل البشر بلغة الدراما (تواصل درامي).والأسلوب الدرامي هو ذروة التواصل الذوقي والفني لأن المخاطب يتلقى (في القصص) ما يدرك بالبصر والبصيرة والسمع والسميعة أصلي كل فن ذوقي. 34 8
ولعل أبرز تعينات هذا الأسلوب مشهد حوار الاستخلاف بين الله والملائكة تحديدا لمنزلة الإنسان الوجودية وشروط أهليته للاستخلاف الذي اختير له.وهذا الخطاب الدرامي في متناول أي إنسان مهما كان لسانه وتكوينه إذ يكفي أن يترجم له النص بوصفه \"سيناريو\" المشهد الدرامي للمعاني الممسرحة.وبذلك نرى أن التلقي ذوقي (درامي فني) وعلمي (جدال مفهومي) وكلاهما يؤدي نفس الوظيفة الحجاجية في التواصل الديني بين الله والبشر تربية وحكما.أما موضوعات الخطاب القرآني فهي عين أدلة وجود الله أو آياته المتعينة في المعادلة الوجودية أي الله والإنسان والطبيعة والتاريخ والتواصل.فأدلة القرآن وتواصله ثيولوجيا وانثروبولوجيا وتواصلهما في الاتجاهين مباشرة وبتوسط الكسمولوجيا والهستريولوجيا تلقيا وإبداعا بالذوق والعلم.مشكل العلوم والأعلام الزائفة أنها تجد في القرآن ما يبدو عذرا لها .والعلة أنهم لا يفهمون أن القرآن تواصل يقتضي أن يوجد تعلق بين طرفيه.وأن القرآن حدد طبيعة التعلق بالموجودات ومنها الإنسان وحده بأنه لا شيء كمثله القطب الأول (الله) .ولا شيء كمثله ينطبق على كلام الله على نفسه.فشرط التواصل بين الله والإنسان ينبغي أن يكون ما يقوله القرآن حتى لا نتجاوز آل عمران 7والشاهد منه مع ليس كمثله شيء يلغي كل خرافات الكلام.ولست صاحب هذا الحل الذي هو أكبر أدلة العبقرية التي أنسبها إلى ابن تيمية :فقد ب ّين أن النفاة والمثبتين للتشبيه بين الله والإنسان من جنس واحد.ب ّين أن من يدعون التنزيه لا يختلفون عن الحشويين :فمدعي التنزيه لا ينفي الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود وينفي البقية بحجة التشبيه.والتشبيه عندهم هو ما فيه حاجة للتجسيم -الكلام الحركة واليد إلخ .فكانت حجته: وهل رأيتم علما أو قدرة إلخ ..غير التي هي متجسدة عند الإنسان؟ما لأجله تنفى اليد عن الله موجود في الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود :كل ما نعلمه من هذه متجسد عند الإنسان ولا علم لنا بغيرها. 34 9
فيجبرهم على أن التواصل لا يعني أن حديها متماثلان حتى وإن كان بينهما علاقة تمكن منه .وقد حددها الله وحدد أنها تفهم مع حرز ليس كمثله شيء.والعلاقة كأفعال إلهية ترد إلى بعدين كلاهما مجهول الطبيعة (الخلق والامر) وكأفعال إنسانية حددها بما يناسبهما :فالخلقة للمضطر منه والأمر للحرومعنى ذلك أن الإنسان كائن طبيعي لكنه متعال على الطبيعة بالحرية وتلك هي دلالة الاستخلاف فتكون افعال الإنسان أضافيه إليه إيجابا وسلبا.واستنادا إلى هذا الفهم تمكن ابن تيمية من تحقيق ثورتين :الاولى تغيير وضع نظرية قلبت العلاقة بين اصناف علوم اللسان الثلاثة :التدوال هو الأصل.اللسان لا يفيد بالمقابلة بين الحقيقة والمجاز (أي بعلم الدلالة) بل بالاستعمال (التداول) الذي يحدد أمرين :علاقة الرمز بالرمز(السنتاكس).ولما كان القرآن قد وضع حدا لمنطق الدلالة بأن نفى المماثلة بين الله وأي موجود ونفي المطابقة بين علم الإنسان وموضوعه فإن القرآن معلوم بشاهده.وشاهده أنه تواصل بين الله والإنسان مع نفي المماثلة ونفي المطابقة فيكون ما يفيده هو مفهوم الخلق والامر إرسالا من المستخلف وتلقيا من الخليفة.والله يصف نفسه بأوصاف يمكن الرمز إليها بأسمائه الحسنى والقرآن يعتبر أن أيا منها يمكن أن يدعوه الإنسان به ويفهم بمعنى هذه العلاقة بينهما.ثورة ابن تيمية اللسانية بتقديم التداولي أصلا للتواصل يزيل كل الحجاج الكلامي حول الحقيقة والمجاز والذات والصفات وأفعال الله وأفعال العباد.ولا استغرب عدم فهم ثورة ابن تيمية من طرفي النزاع الكلامي :المثبتة والنافية للصفات .فمن يعتبر الكلام فيه الحقيقة والمجازي يجهل معنى الترميز.فالترميز ليس علاقة بين اسم ومسمى بل هو علاقة بين نظامين أحدهما اختير معينا للرامزات والثاني للمرموزات حتى يكون التواصل ممكنا بتناظرهما.والفائدة ليست علاقة بين عنصر من هذا وعنصر من ذاك بل بين منزلة كلا العنصر في نظامه العنصر الرامز في نظامه والعنصر المرموز في نظامه. 34 10
والنظامان يتحددان باستعمال الجماعة المتداولة .وشرط إمكان ذلك للإنسان التناظر بينهما وهو أساس تواصل التلقي والإبداع مقومي علاقة الاستخلاف.ولأضرب مثال التناظر في الدوال الرياضية :فالراعي يحسب حبات سبحته بعدد أغنامه عند خروجها في الصباح ويعيد الحساب في المساء فهو يعمل بالتناظر.ولا يدور بخلده وجوه شبه بين السبحة والأغنام .الشبه في العدد وليس في الذوات .إنها علاقة رياضية بين حبات السبحة وآحاد أنعامه .المتكلم لا يفهم ذلك.تلك هي ثورة ابن تيمية في تحرير فكر الأمة من علم الكلام الذي هو لاهوت زائف علته مرض القلب وابتغاء الفتنة :فكل الحروب الطائفية علتها كلامية.الفلاح الامي يعمل بالتناظر بين حبات السبحة ورؤوس الماشية دون أن يعلم عدد الحبات أو عدد الماشية بمفهوم الترميز دون المقابلة بين حقيقة ومجاز.وبه اكتشف الإنسان كتابة الرقم والحرف :ينحت في الطين أو في الحطب علامة ما ويكررها للعد ويرسم ممتلكاته ليميز بينها ويعلم عدد كل نوع منها.وذلك هو الترميز وأداة التواصل بين البشر المتساوقين في الزمان والمتوالين فيه بمجرد أن تكون الجماعة المتداولة قد \"اصطلحت\" على ذلك بالاستعمال.ما لم يفهمه المتكلمون والفلاسفة أصحاب اللاهوت الزائف فهمه ابن تيمية فحرر الفكر من علتيه :نظرية المعرفة المطابقة ونظرية الحقيقة والمجاز.لكن ثورة ابن تيمية ظلت منقوصة :لم يذكر التناظر بين نظام الرامزات ونظام المرموزات الذي تضعه الجماعة في التواصل وخاصة قابليتهما للدورين.فقسمة الأشياء إلى رامز ومرموز مع قابليتها للدورين يجعل النظامين مشتركان في مفهوم \"الآية\" .فكل موجود فيه ما يجعله آية كل الموجودات الأخرى.فهو في آن موجود وآية موجود .فيكون حضور الأصل أو الواجد في كون الموجود قائما كعين وفي كونه مؤديا لوظيفة الآية مما عداه ومما ورائه آية منهما.فالقرآن لا يبلغ الإنسان ما لا يعلمه بل يذكره بما لا يمكن ألا يعلمه .فهو عين كيانه بما هو خليفة بالجوهر :الوعي بالذات وعي بالمعادلة الوجودية. 34 11
فتكون كل العلوم والأعمال الزائفة راجعة لما سماه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" أي إن قهر طاغوت التربية وطاغوت الحكم يفسدان كيان الإنسان.وكيانه هو إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده .فيصبح عديم الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود بسب التبعية التي تجعله منفصم الكيان وفاسده.وقد وصف ذلك ابن خلدون وصفا أمينا كما بينا في تحليلنا كلامه على فساد معاني الإنسانية بتربية وحكم عنيفين يقضيان على حرية الإنسان وكرامته.فيزول التواصل ليعوضه التكاذب والتخابث والتغادر ولا يبقى للتواصي بالحق والتواصي بالصبر معنى .وذلك هو خسر الإنسان لا يؤمن ولا يعمل صالحا.ولو لم تكن هذه حالنا لما اضطررت لكتابة هذه المحاولات التي هدفها تشخيص الداء حتى يتمكن الشباب من فهم دلالة ثورته التي تعد لشروط الاستئناف.وبهذا الفهم للتواصل بالترميز ولنظرية المعرفة المتحررة من وهم علم الشيء على ماهو عليه(المطابقة) يتحرر الإنسان من سلطان الطاغوتين تربية وحكما.فتثبت النساء (1الاخوة البشرية) والحجرات ( 13لا تفاضل بين البشر إلا بالتقوى) فيتحقق تعمير الأرض بقيم الاستخلاف :الوعي بالذات=المعادلة الوجودية.فالتناظر-علاقة رياضية بين مجموعتين من طبيعة مختلفة تماما ولا يمكن رد إحداهما لأخراهما -يجعل المتناظرين قابلين لنفس الوظيفة بالتعاكس.ولو أخذت صفات الله في القرآن وصفات الإنسان فيه ستجد تناظرا متعاكسا مع فرصة يقدمها الله للإنسان حتى يتحرر من التعاكس باتباع قيم الاستخلاف.والقرآن اعتبره أهلا للاستخلاف لأنه قابل لتعلم أداة التواصل :الاسماء كلها شرط التناظر بين الرامز كعلامة مسمية والمرموز كعين من المسمى.ووظيفة الرسالة هي تحقيق التحول في صفاته ليكون أهلا للاستخلاف بالسياسة التي هي تربية وحكم وذلك هو القرآن كاستراتيجية تحقق وحدة الإنسانية.والتواصل القرآني يكون بالأسلوبين اللذين يساس بهما الإنسان لتحقيق الحريتين الروحية والسياسية :تخليصه من طاغوت الوسطاء الروحيين والسياسيين. 34 12
والتخليص الأول هو شرط العلاقة المباشرة بين المستخلف والخليفة والتخلص الثاني هو شرط العلاقة غير المباشرة بتوسط العمل الذوقي والعمل العلمي.وهما شرط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف :فبهما يتحقق التواصل بين الإنسان والطبيعة فنيا وعلميا الأول بإدراك غاية الحياة والثاني وسيلتها.فبالذوق يصبح للحياة في العالم الطبيعي والتاريخي معنى وبالعلم يكون للإنسان سلطان عليهما يحرره من الطغيانين باسمهما لئلا يخلد إلى الارض.والإنسان يخلد إلى الارض عندما تفسد فيه معاني الإنسانية فيعبد من يستعبده من العباد بدل عبادة رب العباد :ولهذه العلة كان ذلك شعار الفتح.لكن العلوم والأعمال الزائفة بسبب قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7قلبت كل المعاني فأصبح الفتح استعمارا يعمم عبادة المتغلب على عبادة الله. 34 13
كتب الأستاذ هذه المحاولة بتاريخ 2017.04.01وننشره اليوم بوصفه مضمون الفصلالثالث من الكلام في التواصل قلبا للمحاولة التي تقدم منها فصلان وسيتلو منها فصلان آخران حول التواصل الطبيعي والتواصل التاريخي لتكتمل مسألة التواصل.ولما كان يصعب عرض هذه النظرية بأسلوب التغريد فإن هذا الفصل أخذ كما هو ليكونالمركز بين الفصلين المتقدمين والفصلين المواليين بعده لتأصيل التواصل في نظرية الإنسان(الانثروبولوجيا الفلسفية) بعد تأصيله في نظرية الله (الثيولوجيا الفلسفية) سيتلو التأصيل في الكسمولوجيا (العالم الطبيعي) ثم الهستريولوجيا (العالم التاريخي).رغم كل الاعتراضات على الترجمة فإن وجودها أمر لا شك فيه .ومجرد إمكانها دليلعلى أن المترجم خلال انتقاله من لغة إلى لغة لا يكون فكره في أي منهما بل يكون في محلمختلف .ولا يمكن أن يكون لغة ثالثة لأن المشكل حينها يبقى نفس المشكل :أي يكون المترجملما ينتقل من نظام اللسان المنقول منه إلى نظام اللسان المنقول إليه .وإذن فللإنسان عامةقدرة على أن يكون في محل متعال على اختلاف الألسن وهو إذن محل غير لساني يمكن من قيس عالم اللغة التي ينطلق منها في عملية الترجمة إلى علام اللغة التي يصل إليها.وإذن فإمكان التواصل بين البشر يفيد أن وراء اختلاف الألسن محل ما يوحد بين اللغاتسأسميه وظيفة التسمية التي هي جوهر قدرة الترميز عامة أو \"علم الأسماء كلها\"-بالمصطلح القرآني -وراء تعيناتها الصوتية والإشارية في عمليات تواصل متقدم على التعينفي الألسن المختلفة ومتحرر مما تتمايز به أي من التنوع الصوتي وما يطرأ عليه من تصوير ليكون حاملا لهذا التواصل الشارط للترجمة والتفاهم بين أصحاب الألسن المختلفة.ومعنى هذه الفرضية أني أطلب أمرا تعتبر اللغات لهجات بالقياس إليه دون أن يكونهو لغة أصلية ذات تعين صوتي محدد كما في أسطورة بابل بل الصوت فيه ليس هو إلا تعين 34 14
بنية مجردة في مادة ما دون أن يكون لتلك المادة صلة جوهرية بها لأنها قابلة لأن تكون أي مادة تعينها.والمعلوم أن أرسطو كان يميز الفيزيائي بامتناع الفصل بين بين الصورة والمادة .فالصورةالطبيعية لا تتعين في أي مادة اتفق بل هي غير قابلة للفصل عن مادة معينة .وانطلاقا منهذه الخاصية ميز بين المفهومات الرياضية التي يمكن تصورها حالة في اي مادة والصورةالطبيعية التي لا تحل في أي مادة اتفق بل إن مادتها مقومة لها .ومثاله المعتاد هو المقابلةبين الفطوسة التي لا تقبل الفصل عن الانف والدائرة التي تقبل الفصل عن أي مادة نتخيلها حالة فيها.وإذن فعندي -إذا قبلنا بهذا التمييز الأرسطي-أن تعين القدرة الترميزية أو قدرةالتسمية (وضع اسم لمسمى يكون ممثلا له) هي من جنس المفهومات الرياضية لا الطبيعية.وإذن فسأقيس ذلك على علاقة أي بنية نظرية على تعينها في مادة ما كالحال في لعبةالشطرنج التي يمكن أن تتعين في أي مادة شئنا وحتى في مجرد أسماء القطع مكتوبة أومرسومة على ورقات توضع في خانات الرقعة ويتم تحريكها بحسب حدودها وقوانين اللعبة.وهنا لا بد من العرفان للخليل بن احمد الفراهيدي .فهو وضع نظرية المعجم بالتمييزبين الاصوات وتواليفها ووضع نظرية البحور الشعرية بالاقتصار على مدد التصويتوإيقاعها من حيث الطول والقصر دون اعتبار للمادة ففصل بين المادة والصورة وجعلدراسة وظيفتي اللسان مختلفتين إذ فصل صورة التصويت للشعر دون اعتبار للمادة واعتبرمادة الالفاظ غير قابلة للفصل عن صورتها في المعجم .وإذن فاللغة تجمع بين نوعي العلاقةالارسطية :فهي من جنس الظاهرات الطبيعية كأصوات ومن جنس الظاهرات الرياضية كإيقاع بصرف النظر عن المادة الصوتية.وما أضيفه لتجاوز الفراهيدي للتمييز الارسطي في كلامه على البحور الشعرية هو أنالمعجم نفسه يمكن إذا رددناه إلى سر تكون اللغات قابل للفصل عن المادة الصوتية .فيكوناختلاف الأصوات في الألسن مجرد اختلاف في تعيين محايد للأسماء يقبل التعدد لهذه العلةمثل تعدد مادة قطع الشطرنج ولا يكون تنوعه مفيدا أدنى تعدد في وظائف الإفادة 34 15
الرمزية بالألسن .وهذا الواحد اللساني وراء اختلاف اللغات بالأصوات هو التسميةالترميزية الممثلة للعلاقة بين الأسماء والمسميات منظومة هذه الوظائف بوصفها عين القدرةالترميزية الواحدة لدى الإنسان رغم تعدد الألسن من حيث الخصائص الصرفية والنحوية للمادة اللسانية المؤدية لهذه الوظائف (كأي مادة تتعين فيها قطع الشطرنج).ومعنى ذلك أنه يمكن أن نعوض الصوت بالصورة تعويض السمع بالبصر في التواصلاللساني دون أن يغير ذلك شيئا منه .وهو ما يبين أن التنوع الصوتي في اللغات ليس مهمامن حيث وظائف اللسان التي يمكن أن تؤديها الصورة بدلا من الصوت إذا حددنا هذهالوظائف .فيمكن أن نجعلها قابلة للتحقيق بطريقة بصرية بدلا من الطريقة الصوتيةفيصبح العرض المسرحي الصامت للوظائف ممكنا .ولولا ذلك لاستحال أن توجد لغةالإشارة التي تستعمل للصم بشرط أن يكون ما يشار إليه حاضرا على ركح العرض المسرحي.فهل توجد لعبة لسانية كلية وراد تعدد الالسن-مثل لعبة الشطرنج-تشمل كل اللغاتشمول اللعبة لكل تعينات قطعها المادية فتتجاوز التعين الصوتي إلى الواحد في اللساني تجاوز لعبة الشطرنج للتعين المادي في أي مادة تتعين فيها قطعها؟وما هو هذا الواحد اللساني قياسا على الواحد في لعبة الشطرنج عندما نجردها من المادةالتي تتعين فيها القطع؟ فرضيتي أن ذلك موجود لأنه شرط التواصل وشرط الترجمة.والمشروط موجود لا شك فيه ومن ثم فالشرط لابد أن يكون موجودا .وسأحاول بيانه قدر المستطاع: .1فهل يوجد هذا الواحد أولا .2وما هو ثانيا؟ .3وما القطع المجردة ثالثا أعني ما تعريفات عناصرها كلعبة تؤدي هذه الوظائف وما قوانين دورها في اللعبة؟ .4وهل يمكن رابعا ان نثبت ذلك استقراء فنحدد بعض هذه القطع أمثلة من عناصر نسقها الممكن والذي يمكن أن نصل إليه في الغاية؟ 34 16
.5وأخيرا ما طبيعة هذا الواحد الذي هو من جنس بينة القواعد والقوانين التي هي الواحد في لعبة الشطرنج وكيف نحدد نسقها الجامع المانع؟ ولأبدأ فاستبعد خطأين ممكنين في الجواب عن هذه الأسئلة: .1فما أطلبه ليس المنطقي وراء اللغات الطبيعية كما في رأي الفلسفة الوسطية وما قبلها. .2ولا هو المنطقي وراء اللغات الرمزية الاصطناعية وكما في راي الفلسفة الحديثة وما بعدها.بل هو متقدم على معنيي المنطق ونوعي اللغة لأنهما هما بدورهما متعددان .فأي شيءآخر هو إذن إذا لم يكن المنطقي في نوعي اللغة والسيميوتيكي في الأشكال الرمزية التي يعتمدها المنطق في نوعي اللغة؟سأفترض النموذج التالي للعبة التي اطلبها للدلالة على الواحد وراء تعدد الألسن بتعددتعين الوضعيات التي يتعين فيها نموج اللعبة التواصلية بالسمع أو بالبصر انطلاقا منالتواصل الحي الذي يكون فيه فعل الترميز مصحوبا بما يتعلق به الترميز والذي بالتدريجيصبح قابلا للانفصال عما يتعلق به الترميز بوظيفة تعويض الاسم للمسمى واستغنائه عن حضوره الفعلي في عملية التواصل. .1فلا بد من مرسل فعلي أو فرضي. .2ولا بد من مرسل إليه فعلي أو فرضي. .3ولا بد من موضوع موجود أو متخيل يدور حوله التواصل حتى لو كان التواصل نفسه كما يحدث عندما يستوضح أحد المتواصلين من الثاني قصده. .4ولا بد من جماعة معينة تكون أرضية لهذا التواصل بينهما بذلك التعين معنى متعارفا عليه بين أفرادها بحسب أصناف التواصل. .5ولا بد من جماعة مجردة تتساوى فيها التعينات في ما يتعلق بالوظيفة التواصليةالتي يتناظر فيها لا تناهي أشكاله اللغوية التي تلتقي في وحدة اللسان من حيث هو تواصل 34 17
بالسمع قابل لأن يكون بغيره وخاصة الإشارة التي هي سلسة من الصور مثل اللغة التي هي سلسلة من الأصوات.وفي الحقيقة فاللغة الطبيعية ليست سلسلة من الأصوات فحسب بل هي كذلك سلسلة منالإشارات غير الصوتية تصحب التصويت مثل النبرة والإيقاع وخاصة عبارة جسد المتواصلين المرسل والمتلقي.وحتى يتحقق ذلك لا بد من تغيير نظام العناصر التي تتألف منها اللغات عامة أعنيالبنية المثلثة التي تميز بين الفعل والاسم (أفلاطون يقتصر عليهما) والحرف بمستوييهوصلا بين الفعل والاسم المفردين أو بين مؤلفاتهما في الكلام لنعود إلى أصل واحد لهذهالبنية المثلثة والتي بمجرد وضعه تصبح اللغات التي هي تعينات الوظيفة اللسانية مؤلفة من أصل وأربعة عناصر: .1الأصل في التواصل فعل توجيه الانتباه بين المتواصلين لما يدور حوله التواصل إذا كان حاضرا أو إلى ما يرمز إليه إذا كان غائبا وهو تعبير صوتي أو إشاري. .2وفرعه الأول صوت يصبح معين تسمية الأشياء .ومثاله اسم الصوت الذي يسمي نفسه ثم يصبح اسما لصاحبه :السمع والموسيقى .3فرعه الثاني التصويت معين تسمية الأفعال .ومثاله اسم الفعل الذي يرسم مسماه ثم يصبح اسما للفعل :البصر والرسم .4أثر الفرع الأول في الفرع الثاني :الاستعارة لتسمية الأشياء. .5أثر الفرع الثاني في الفرع الأول :الكناية لتسمية الأفعال. ويمكن تعميم المعينين اللذين يستمد منهما تسمية الأشياء والأفعال:فاسم الفعل مثال من الترميز برسم وضعية حسية تكون اسما لفعل مجرد يتعين مدلولهبرسم يدركه البصر كصورة ممثلة للدلالة المجردة :مثل ذلك \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" يستعمل اسما لفعل \"تردد\".واسم الصوت مثال من الترميز بصوت محسوس يصحب تعبير جسدي يكون الاسم هو عين المسمى :مثل \"صه\" أو \"أشت\" بمعنى أمر السكوت من المتكلم للمخاطب. 34 18
ولا يكون الأمر كذلك إلا بافتراض تقدم البلاغي على اللساني أصلا لوجود اللغاتبخلاف التصور المعتاد بافتراض اللساني أصلا للبلاغي :البلاغي هو الذي ينبغي اعتبارهاصلا للساني .فالاستعارة (لاسم الصوت) والكناية (لاسم الفعل) هما أصل الرمز اللساني: فهما نوعا التسمية لتسمية الأفعال الدالة على المختصين بها ولتسمية الافعال المجردةلماذا يصبح الواحد وراء الألسن متعددا بمجرد تعينه في الألسن المختلفة؟ وما علاقةالتعينات اللسانية وخصائصها الثقافية بهذا الواحد البلاغي المتعالي عليها شرطا في إمكان تواصل أصحابها بل وحتى تواصل المنتسبين إليها؟أليس كل متكلم بلغة نفترضها واحدة في جماعة ثقافية معينة يختلف عن غيره منالمتكلمين بنوعين من الاختلاف يفرضان هذا الواحد ليكون التواصل ممكنا بينهم بما همتلك الثقافة لتجاوز الفروق الثقافية في حدود تلك الثقافة ثم بما هم مشتركون في هذه القدرة الترميزية التي تجعل التواصل ممكنا؟ وإذن فعندنا خمسة عوالم: .1عالم التجربة الحسية .ولا يوجد تطابق بين ما يحسه زيد وما يحسه عمرو حتى من نفس الثقافة. .2لكننا نفترض وراء التجارب الحسية عالما موضوعيا هي ما تدركه الحواس ومايؤسس للتفاهم بين الحاسين حول ما يحسون رغم استحالة التطابق بين ما يحسيه زيد ما معيحسه عمرو :وذلك هو شرط التواصل بين الناس بل وحتى بين الشخص وذاته عندما يتذكرأو يتوقع \"نفس\" التجربة .ونحن نفترض ذلك العالم الموضوعي موجودا رغم أننا لا نعلم نوع العلاقة بينه وبين المدارك الحسية. .3وعالم التصورات التي يدركها بها عقلنا عندما نناقش العلاقة بين مدراكنا الحسيةومدراكنا العقلية للعلاقة بين التجربة وما افترضناه من عالم موضوعي وراءها خارج الأذهان. 34 19
.4ونفترض وراءها عالما موضوعيا هي ما يدركه العقل من علاقة بين عامل الاذهانوعالم الاعيان وهو غيرهما .وقد سماه أفلاطون عالم المثل ونحن نسميه عالم القوانين الرياضية للعالم الطبيعي. .5وأخيرا فلا بد أن يوحد بين التجريبيتين والعالمين الأعيان والأذهان في مستوىالتصورات والمعقولات عالم متعال على العالمين ونوعي الأدراك .وهو الذي يوحد بين البشرفي كلامهم على العوالم الأربعة السابقة .فتكون العوامل خمسة وهي شروط التواصل والترجمة بين الذات وذاتها وبين الذوات وبين الألسن وبين الموجودات: .1عالم المحسوسات .2عالم طبيعي مفترض وراءها .3عالم التصورات .4عالم عقلي مفترض وراءها .5عالم لا ندري طبيعته هو ما يتوجه نحوه الذهن ليفهم العوالم الأربعة السابقة وهو ما يتعالى على الثقافات المختلفة.وهذه العوالم الخمسة هي ما حاولنا بيانه بنظرية المعادلة الوجودية التي هي في آن بنيةكيان الإنسان والتي هي في آن بينة كل الوجود في نسبته إلى الوعي الإنساني بوصفها أبعادكيانه وأبعاد الوجود المحيط به والذي لا يستطيع منه فكاكا وهو في آن كيانه وجوهرالتواصل بين القطبين (الله والإنسان) والوسيطين (الطبيعة والتاريخ) .كل إنسان عينةمن الوجود كله على الاقل في شكله الرمزي الذي يصله بمقومات المعادلة الوجودية :بقطبيهاالله والإنسان وبوسطيها الطبيعي والتاريخي وبالتواصل بينها المتعين في كل واحد ومن هذه المقومات. 34 20
محاولة تأصيل التواصل (الفصل الأول) بعد كلامنا على الأصل الثيولوجي الفلسفي(الفصل الثاني) والأصل الانثروبولوجي الفلسفي (الفصل الثالث) تحتاج إلى فصلين آخرين.وأولهما يتعلق بتأصيل التواصل الكسمولوجي (الفصل الرابع) والثاني يتعلق بتأصيل التواصل الهستوريولوجي (الفصل الخامس) وسطين في التواصل بين الله والإنسان.وكونهما وسطي التواصل بين الله والإنسان يعني تضمنهما للاتجاهين التواصل من الأول إلى الثاني والعكس بالعمل الذوقي والعمل العلمي ماديا ورمزيا.وهذا التعقيد الذي تتشاجن فيه العلاقات وتتشابك جعلني أفضل استسناح الفرصة لأثبت أن القرآن هو التواصل المطلق فيها جميعا من خلال تفسير سورتين.أولاهما تتعلق بمآل تواصل الإنسان مع الطبيعة عندما يجري من دون قيم الاستخلاف الذي يقتصر عليه مضمون الدعوة التي يأتي بها الرسل :طلب العمل بها.وهذا التواصل بهذا المعنى مطبقا على معادلة الوجود بقطبيها ووسطيها تمثله سورة هود والتواصل فيها يخص علاقة الطبائع بالشرائع والطبيعة بالتاريخ.وهي تبين أن العلاقة بالطبائع من دون الشرائع تنتهي إلى العبودية الإنسانية للعلاقة الفاسدة بالطبائع والشرائع ورمزها استعباد بني إسرائيل.والثانية موضوعها سورة يوسف وهي تنتهي إلى عكس ما انتهت إليه سورة هود ولكن من منطلق الوسيط الثاني أو التاريخ لدرسها إذا خضعت لقيم الاستخلاف.ففيها تكون العلاقة محررة للشعب المصري من الفرعونية والهامانية فتكون تعاملا مع علاقة تواصل بين الطبائع والشرائع محققة لحرية الإنسان وكرامته.والمقابلة بين يوسف في القرآن ويوسف في التوراة تحدد تواصل الوسيطين بدون قيم الاستخلاف مؤد لعبودية (سورة هود) وبها مؤد للحرية (سورة يوسف). 34 21
قد يبدو هروبي للأمثلة القرآنية غير ميسر للفهم لأنه مثل العرض المفهومي شديد التشاجن والتشابك .لكن العرض السريع للمطلوب في السورتين سييسر الأمر.ولنبدأ بسورة هود :فهي قصة موضوعها سبعة رسل والمخاطب فيها محمد كرسول يبلغ رسالة وشاهدا على تبليغه الرسالة للإنسانية في عينة منها :المسلمون. وقد يظن البعض أني أنهى عن خلق وآتي مثله: أليس هذا من باب الكلام في الغيب؟ اليس هذا من الكلام؟ لكن سنرى أني أطبق حرفيا فصلت 53وآل عمران .7أي أني لا أتكلم إلا في عالم الشهادة ولا اتجاوزه لعلم الغيب لأن الأمور كلها تتعلق بالتواصل في العمران البشري والاجتماع الإنساني الشاهدين.وفصلت 53تقول إن حقيقة القرآن هي فيما يرينه الله من آيات الأفاق والأنفس وليس في نصه :معرفة حقيقته فيما يبينها من شاهد الآفاق والأنفس.ولنبدأ بشرح كلمة \"هود\" فعلميتها لا تفقدها دلالتها العامة :مصدر من \"هاد\" المرادفة لأسلم .ومن مشتقاتها الهداية والهدى وكلها بمعنى سلم لإرادة الله.لكن الأهم بنيتها :ففيها سبعة أنبياء الرابع(إبراهيم)والأوسط فيها لم يكن له دور الستة الباقية ،ثلاث قبله (نوح وهود وصالح) وثلاث بعده (لوط وشعيب وموسى).فهو لم يبلغ رسالة بل تلقى رسالة تتعلق بأمرين :اخباره بما سيحصل لآل لوط وبتبشير زوجته بابن .وسنرى دلالة ذلك عند الوصل بعلاقة محمد به.والسورة كلها تواصل بين الرسل وشعوبهم حول التواصل مع الطبيعة والشريعة من دون احترام قيم الاستخلاف ودعوتهم إلى احترامها ولكل موضوع سيتعين.وما كان يحيرني قبل أن اكتشف علاقة الموضوعات الثلاث الأوائل بموضوعات الثلاث الأواخر المحيطين بإبراهيم الذي يطلب منه تبليغ رسالة رغم تلقيه رسالة؟والرسالة التي تلقاها تخص آل لوط وخلفته ابراهيم همين أولهما مباشر ويتعلق ما يعتبر من مجال الممكن والثاني غير مباشر ويبدو غير ممكن :عاقر ستلد. 34 22
والاكتشاف تعلق بالبنية الرياضية التي تصل الثلاث الأوائل بالثلاث الأواخر :لا يفهم نوح إلا بموسى ولا يفهم هود إلا بشعيب ولا يفهم صالح إلا بلوط.فرسالة نوح تبين شروط التحرر من العبودية الطبيعية ورسالة موسى تبين شروط التحرر من العبودية السياسية :والتحرر في الحالتين يكون بالشريعة.في مثال نوح بقي مضمون الرسالة مبهما .في رسالة موسى تعين :شريعة تحرر من سلطان فرعون .إذن نوح أتى بشريعة تحرر من سلطان الطبيعة :تحرر من عبوديتين.بالنسبة إلى رسالة موسى الأمر لا يحتاج لمزيد شرح :بنو إسرائيل عبيد لنظام فرعون وهامان .رسالة موسى تحرير من العبودية السياسية .وهذا واضح.الحضور الطاغي لموسى وفرعون في القرآن دليل أن التحرير من الاستبداد السياسي ببعديه (حكما وتربية) هو الغاية الأولى من شريعة الرسالة الخاتمة.شريعة الرسالة الخاتمة تعني النظام السياسي أو الدولة المحررة للإنسان من استبداد الحكم ومن استبداد التربية أي من الطاغوتين السياسي والروحي.أي إنها لا تقتصر على الفقه بالمعنى التقليدي بل هي تشمل كل التنظيم الخلقي والقانوني لحياة الجماعة وذلك هو مفهوم الدولة حكما وتربية.ما يحتاج حقا للشرح لأنه غامض اعتمادا على رسالة موسى الواضحة ساعدنا فيه طلب الله من نوح أن يأخذ من كل زوجين اثنين ليستنبتهما بعد الطوفان.وهو ما يعني أن علاقة الإنسان بالطبيعة قبل الطوفان الذي هو أيضا طبيعي كانت التبعية المطلقة للطبيعة وهي التبيعة التي كادت تنهي حياة البشر.ومن ثم فالعلاقة بالطبيعة بعد الطوفان لم تعد تبعية بل ثمرة عمل الإنسان أو هو إن شئنا ما يرمز إليه استنبات الزوجين الإثنين كالزراعة مثلا.فتكون السفينة في هذه الحالة -وقد صنعت على أعين الله -هي الرسالة التي تلقاها نوح والتي طلب منه تنفيذها بعد ان عوقب الناس الذين رفضوا اتباعها.سفينة نوح رسالة تحرر الإنسانية من سلطان الطبيعة كما حررت رسالة موسى الإنسانية من سلطان فرعون وهامان :العبودية السياسية والعبودية الطبيعية. 34 23
نحدد عين العلاقة بين هود وشعيب :رسالة هود لا تحدد مضمونها وإنما هي مجرد تحد للطغيان الاقتصادي ورسالة شعيب تحدده :فساد شروط التعاوض العادل.فيكون تحدي هود رسالة تضع شروط تحرير الإنسان من للاستبداد والفساد الاقتصاديين كما حددته رسالة شعيب بالكلام في شروط التعاوض العادل والتعاون.بنية العلاقة بين الأول والاخير هي نفسها بين الثاني من البداية والثاني (شعيب): أساس عبودية الإنسان الطبيعية والسياسية اقتصادية اجتماعية.لكن الفهم يتأكد بنفس العلاقة بين رسالة صالح ورسالة لوط :فالمدار الماء في الأولى والجنس في الثانية .فما العلاقة بينهما؟ سر الحياة وبقاء النوع.في رسالة صالح يبدو مضمون الرسالة غير واضح :كيف لصالح أن يأتي برسالة تقسم الماء بين ناقة والجماعة في حين البلاد قليلة الماء (=ثمود)؟المشكل هو إذن مشكل توزيع الماء الذي هو سر الحياة ومن هنا يتضح مضمون الرسالة بالقياس إلى المضمون الواضح في لوط لأن المثلية ينهي بقاء النوع.فيكون السلطان المستعبد للإنسان متعلقا بشروط الحياة (الماء والجنس) وهي غاية الاقتصاد والذي يشترط الحريتين من سلطان الطبيعة وسلطان السياسة.والتحرر من السلطانين بكون بالتواصلين الذوقي والعلمي أي بالعمل الذوقي (علاقة أفقية بين البشر) والعمل العلمي علاقة عمودية (بينهم وبين الطبيعة).وقد رأينا أن تحرر الإنسان روحيا وسياسيا من سلطان الطبيعة وسلطان السياسة عليه هو منزلته المتعالية عليهما بالحرية والكرامة :شرطي الاستخلاف.وهنا يأتي القلب بين الثلاث الأول والثلاث الأواخر :إبراهيم .فهو رمز التعالي على الآفلين وهو أصل التوحيد المتجاوز للوسيطين في المعادلة :أصل الشرك.من هنا نفهم أن المخاطب (محمد) هو إبراهيم الثاني الذي بشرت به زوج إبراهيم ما أضحكها لأنها تجاوزت سن اليأس فكأن محمد الاستئناف شبه المستحيل. 34 24
الإبن الذي بشرت به ابراهيم فضحكت من البشرى زوجه هو الرسول الخاتم الذي يستأنف رسالة إبراهيم مع القدرة على تحقيقها منطلقا من البيت الاول.والبيت الأول هو علامة اليأس على الأقل في حياة ابراهيم لأنها بلا زرع .لكنه ترك فيها اسماعيل وأمه :سلطان الطبيعة وسلطان التاريخ الاقصيين.شرحت اسم هود ودلالته .ويقابله شعيب ودلالته على الفتنة التي تعلل الانقسام في الجماعة بسبب الصراع الاقتصادي وعدم العدل في التعاوض والتعاون.ونفس العلاقة بين الاسمين صالح ولوط .فالأول يشير اسمه إلى الصلاح والثاني إلى عكسه .وكذلك العلاقة بين نوح وموسى :النواح والغرق.فيكون النائح على مصير البشرية منقذها من سلطان الطبيعة والغارق منقذها من سلطان السياسة وأداة الإنقاذ هي الدولة العادلة أو الشريعة. فماذا تعالج؟تحرير الإنسانية من استبداد الطبيعة والسياسة بالاقتصاد فساد التعاوض والتعاون وبصلاح الحياة ماء وجنسا بفضل التواصل مع الله. هل احترمت فصلت 53فنظرت في الآفاق والأنفس؟ وآل عمران 7فلم اتجاوز عالم الشهادة؟ الجواب لا جدال فيه .ثلاث رسالات قبل إبراهيم معناها يتحدد في ثلاث بعده.لكن الأهم من ذلك كله فإن المقصود بالرسالة ألا تكون من الغيب المحجوب وإلا فقدت معنى إرسالها .والرسالات هنا كلها من الشاهد القابل للعلم.والأخطر من ذلك كله هو أن تحريف القرآن بعدم تطبيق فصلت 53والجرأة على آل عمران 7حال دون المسلمين وإدراك هذه المعاني الشاهدة ذات الفائدة. ذلك أن كل هذه المعاني تتعلق بشروط تحقيق الإنسان لمقومي كيانه: 34 25
لكن قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7آل إلى فقدان شروط التعمير الذي صار تدميرا بالفتن وفقدان شروط الاستخلاف الذي صار إخلادا إلى الارض.ولولا هذه المعاني الذي أضاعتها حضارتنا فضاع سلطانها على الطبيعة وعلى السياسة وأصحبت نهبا لكل ناهب يستعبد أهلها لفساد معاني الإنسانية فيهم.لما عالجت هذه القضايا (وهي جوهر الفلسفة) لتجنب الخوض مع أدعياء الحداثة الذين يحاربون الإسلام بدعوى تمثيل العقلانية وهم أبعد خلق الله عنها.لكن الجواب سيكون شافيا بعون الله في الفصل الأخير عند الكلام في السورة الثانية سورة يوسف التي تتعلق بذروة التواصل عودة على بدء في الفصول.وبهذين المثالين أحدد القصد بأن الإسلام هو الحل بالنسبة إلى المسلمين وللإنسانية كلها ولشروط قيامها أي للمعمورة والعالم لكن بصورة غير مباشرة.والقصد بعبارة \"بصورة غير مباشرة\" تعني بتحديد الاستراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأي النساء 1والحجرات 13لتعوض الحرب الأهلية بالسلم الكونية. 34 26
نشرع في الفصل الأخير ونخصص له سورة يوسف للتواصل مع التاريخ في صلة بالطبيعة. وقد خصصنا سورة هود للتواصل مع التاريخ في صلة بالطبيعة.والملاحظ :الصلة بين الطبيعة والتاريخ متقابلة في السورتين .والنتيجة كذلك :نتائج رفض التحرر من العبودية الطبيعية والسياسية ونتائج قبوله.وسنرى أن قضايا سورة يوسف تبدو أيسر لكنها في الحقيقة أعسر بكثير من قضايا هود. ففي يوسف للقضايا وجودان في أحداث الأحلام وفي وقائع التاريخ.وللتذكير مرة أخرى فإن تفسير يوسف كتفسير هود يحترم توجيه فصلت 53وآل عمران 7أي الانطلاق من آيات الله في الآفاق والأنفس ورفض الكلام في الغيب.وذلك بخلاف ما يتوهم أصحاب العلوم والأعمال الزائفة هو الذي يبين حقيقة القرآن ويرينا في آيات الله في الآفاق والانفس شروط التعمير والاستخلاف.وهما السبيل لتحقيق الرسالة واستراتيجية القرآن في توحيد الإنسانية بمبدأ النساء 1 والحجرات 13وهو ما يمكن البشرية من اكتشاف كونية قيم الإسلام.وما من أحد قرأ القرآن لم يعجب من سورة يوسف وخاصة إذا قارنها بيوسف التوراة. فيوسف القرآن هو النقيض التام ليوسف التوراة في كل الصفات الخلقية.وهو رمز بيّن من القرآن يجعل كل ما سنقوله على صفات يوسف القرآني يناقض تماما صفات يوسف التوراتي :مقابلة بين خير عابد الله وشر عابد العجل الذهبي.وفي جملة وجيزة يوسف التوراة المحرفة من جنس كيسنجر مستشار فرعون وناصح السوء الذي طلب منه خزن صابة السنوات السمان للعجاف لجعل شعب مصر اقنانا.نصحه بخزن الصابة حتى إذا جاع الشعب في السنوات العجاف أعطاهم الغذاء مقابل الأرض فيصبح من كانوا مالكين للأرض أقنانا في خدمة فرعون :عبودية.وبعد هذا لا حاجة لوصف يوسف القرآني خلقيا فهو نقيض يوسف التوراتي :كلاهما عالم وذكي لكن القرآني في خدمة الخير والتوراتي المحرف في خدمة الشر. 34 27
وقبل الشروع في تفسير السورة فلنشر إلى أنها تتضمن قصة واحدة وأنها تبدأ بيان فضل القرآن على اخراج البشرية في شخص محمد من الغفلة عما نطلبه.ولنشر أننا نجد فيها العلاقة بين الذوق والعلم وبين العمل الذوقي والعمل العلمي ودورهما في الاتصال الأفقي بين البشر والعمودي بينهم وبين الطبيعة.والإشارة الاخيرة قبل التفسير هي أن التواصل هنا مداره الانثروبولوجيا الفلسفية في تناظر تام بالتواصل الذي كان مداره الثيولوجيا الفلسفية.فنكون بذلك قد وصلنا بين القطبين الله والإنسان في المعادلة الوجودية وبينهما الوسيطان الطبيعي والتاريخي والسورة تذكر به برمز {رأى برهان ربه}.وتوجد إشارات أخرى قد تفهم سلبا وتتعلق بما يبدو غيابا لدور موجب للمرأة في الدراما: لم تذكر إلا كأمة أو كما وصف شاهد من أهلها بالكيد العظيم.والإشارة الثانية التي تبدو سلبية في السورة هي دور الصدفة في الأصل الثاني للأحداث: فبعد علاقة التحاسد بين الاخوة (طبيعية) يأتي إنقاذ يوسف.ومثلها صدفة وجود السجين الذي أعلم \"القصر\" بوجود معبر للأحلام يوسف الذي دعي لتكون بداية وصوله إلى ما سيؤدي إلى عكس ما فعله سميه في التوراة.والأمر الأخير هو صورة الحاكم المصري التي تختلف تماما عن صورة فرعون والتي قبل بأن يكون رمز الحكم وأصبح الحاكم الفعلي المسؤول عن الخزائن.وهذه كلها أمور تحتاج إلى فهم حتى تتضح غاية الدراما في القصة التي خصصت لها سورة بدأت بتحديد ما حصل للرسول بفضل القرآن :الخروج من الغفلة.وكما حصل في تفسير هود السورة نفسها تتضمن سر قراءتها :فالآية قبل الأخيرة ( )110من يوسف تحدد طبيعة الملحمة التي تعرض السورة لحمتها وسداها.فالأمر كله يتعلق بغاية الرسالات جميعا وخاصة بغاية الرسالة الخاتمة أعني الحريتين ضامنتي التخلص من الاستبداد والفساد :الروحية والسياسية.وإذن فالسورة دراما قصصية تبين مدار الصراعات البشرية التي هدف الرسالة الخاتمة علاجها حتى تتحد البشرية بمبدأي النساء 1والحجرات .13 34 28
والآية 110موضوعها جهاد الرسل الفعلي{ :حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.فلكأن الآية تشير بالسبابة إلى ما يؤيد فصلت 53وآل عمران :7أين ينبغي أن ننظر حتى نفهم دلالات يوسف القرآني في تحقيق غاية الرسالة الخاتمة.وبذلك يتبين أن ما سأقدمه يقتصر على طلب حقيقة المعاني التي قصدها القرآن ليس في نصه بل في الآفاق والانفس التي عينها في دراما قصة يوسف.ودراما قصة يوسف القرآنية تمثل بديلا إصلاحيا من قصة يوسف التوراتية المحرفة ومن ثم فالمقابلة بين القصتين هي التي تبين القصد بوضوح كاشف.فلا يكون المفيد من القضية اعتبار الأمر متعلقا بشخص يوسف بل برمزيته .فهو رمز لاختبار الاصطفاء الذي يمتحن به من يختاره الله مبلغا للرسالة.وأولى العلامات على صحة هذا الفهم لعلاقة دور يوسف بالحريتين أنه :يرى برهان ربه وأنه يعتبر الحكم خدمة الأمين العادل للشعب :ثورتا الإسلام.فهو لا يتجنب الذنوب بفضل سلطة وسيطة بينه وبين ربه بل هو يرى برهانه مباشرة (العلاقة المباشرة بين الله والإنسان) وهو لا يؤمن بالحق الإلهي في الحكم.رؤيته برهان ربه مباشرة واعتبار الحاكم خادما أمينا للمؤمنين هما ثورتا الإسلام :نفي الكنسية ونفي الحق الإلهي في الحكم وصية كان أو قوة طبيعية.وإذن فالدراما تصف الحال كما هي وتصف العلاج كما ينبغي أن يكون .مثال :ما بدا لنا فيها من أحكام مسبقة عن المرأة في رأي الشاهد من أهلها.والآن حان وقت التفسير البنيوي مع اعتبار هذين المستويين :وصف الحال كما هي ووصف علاجها بعمل يحدد المنتظر من رسول أخرجه القرآن من الغفلة.القصة لا تنفي الفواعل الطبيعية (ومنها الصدف) والفواعل الثقافية (ومنها الحكم المسبق حول المرأة) في التاريخ بل تحددها وتصلحها بالذوق والعلم.فلنحص موضوعات الحياة البشرية الجماعية كما حددتها السورة :علاقات البشر وشرطاها اللذان هما في آن عائقاها إن ظلا بدون تنظيم خلقي وقانوني. 34 29
إنهما الحب عامة وخاصة بين الرجل والمرأة رمزا للروحي وشروط العيش وخاصة الغذاء رمزا للمادي وهما شرط العلاقات وعائقاها في آن :حبكة الدراما.ولا يمكن تصور تنظيم هذين النوعين من العلاقات من دون سلطة سياسية مؤلفة من التربية والحكم .وغايتها حل مشكل علاقتي البشر :العمودية والافقية.فالعلاقة العمودية هي مصدر الرزق .والعلم هو شرط تحصيله من الطبيعة .والعلاقة الأفقية هي مصدر الحب بكل معانيه والذوق هو شرط تحصيله من الثقافة.فيتبين جوهر الوجود الإنساني :فما به يبنى الجماعات الإنسانية هو عينه ما يمكن أن يصبح علة تهديمها :الاقتصاد والجنس والعلم والحكم وبرهان الرب.والعلاج في السورة هو العمل الذوقي والعمل العلمي اللذين يمكنان من وضع نظام خلقي وقانوني لسياسة تستعملهما لسد الحاجات بالتربية والحكم.والتربية والحكم كلاهما عمل على علم وبذوق .وهذا يقتضي أن يكون المربي والحاكم لا يغيب عنهما برهان الرب فيرونه في كل عمل بعلم وذوق أمانة وعدلا.وبذلك يتبين أن مضمون دراما سورة يوسف في القرآن هو عينه مضمون سورة هود ولكن هذه المرة من منطلق البحث عن استراتيجية الإسلام لعلاجها كونيا.وكما أسلفنا فكل رسول لا يمثل شخصه (نضع شخصه بين قوسين) بل الإنسانية كلها كرمز آدم الخليفة :الرسول هو آدم الذي تتوفر فيه أهلية الاستخلاف.وبصورة أدق هو رمز أبناء آدم الذين احترموا شهادتهم أمام الله وهم في ظهور آبائهم بما جاء في 173-172من الأعراف ذوات للتاريخ ضمن الطبيعةوحينئذ ينبلج الفهم على دلالة الدراما :فرؤيا يوسف لا تتعلق به وبأسرته أخوته وأبوه وأمه لأن ذلك لو كان هو المقصود لكان يوسف كافرا لا رسولا.وحتى لو اعتبرناه كذلك لكان من المعيب أن يحلم يوسف بأن يسجد له أبوه وأمه .لذلك فلا بد من اعتبار المدار هو العلاقتين العمودية والأفقية.فالشمس رمز للطبيعة والقمر رمز للتاريخ يسجدان لخليفة الله وقد أمر الله الملائكة بالسجود له دون تأليه بخلاف وهم القائلين بفتوة ابليس. 34 30
والشمس رمز الطبيعة هي الام والقمر رمز التاريخ هو الاب .والتاريخ يحيا بالطبيعة ويتبعها رغم تعاليه عليها والقمر نوره منها يعلو عليها إذ تغيب.والاحدى عشر كوكبا ليسوا أخوته بل وظائف الدولة التي ستحقق شروط الاستخلاف: خمسة للرعاية وخمسة للحماية والوظيفة الموحدة هي رمزها يوسف أمينا وعادلا.لذلك لم أقل إن السورة الثانية تبدو الأيسر وهي الأعسر فهما :فالمعاني المقصودة من تجاوز الغفلة هي فهم شروط نجاح الرسالة الخاتمة وفشل ما قبلها.في هود كان محمد ابراهيم الثاني .في يوسف محمد يوسف الثاني .لكنه متجاوز لإبراهيم ويوسف بالمضمون الاستراتيجي فيتجاوز الرؤيا إلى التاريخ.لا أحد بغافل عن كون كل الاحداث تجري في مستويين :أحداث رؤيا وأحداث تاريخ. تبدأ بحلم يوسف وتنتهي بحلم سيد مصر وبينهما حلم السجينين.تحقيق حلم يوسف دراما قصة رمزية هي بالقياس إلى ما سيفعله محمد مجرد قصة لا تاريخ .وما فعله إبراهيم :للتوحيد والقبلة قصة رمزية لما سيفعله محمد.فالتوحيد لم يبق مجرد تأمل في الأوافل بل صار دينا كونيا والأمانة والعدل هما أساس نظرية الدولة في الاسلام (النساء 57ومنها السياسة الشرعية).ومكة لم تبق أرضا بلا حرث ولا زرع ألقي فيها اسماعيل وأمه بل هي صارت قلب المعمورة وسيزداد هذا الدور اكتمالا عندما نستأنف دور الأمة الكوني.فالإصلاح ليس مجرد تبعية لنظام فرعوني كما في سورة يوسف خاضع لنظام المناخ (قصة السنوات السمان والعجاف) بل هو نظام تعمير الارض بقيم الاستخلاف.وقصة الأضحية لم تعد مثالا رمزيا وقع في حلم ثم طبقه ابراهيم بل هي اصبحت تحرير الإنسان من التضحية به باسم آلهة ترتوي بالدم عند محرفي الأديان.وبذلك ندرك حقيقة القرآن كما قال جل وعلا في فصلت 53من خلال آياته التي يرينها في الآفاق والانفس أي في الطبيعة والتاريخ وفي ذواتنا المؤمنة.وهكذا يتكامل مضمون السورتين هود ويوسف رغم أنهما من مدخلين :هود من مدخل معيقات استعمار الإنسان واستخلافه في الأرض :عبودية الطبيعة والتاريخ. 34 31
أما يوسف فهي تعالج نفس المشكل في ترجمته الاجتماعية والسياسية وفي علاقة الإنسان بها حلما وعلما مع الحلول بمنطق تواصل العمل الذوقي والعلمي.ولا بد من أن اختم بإشارتين :فلست غافلا على أن منكري هذه القراءة يتصورون أني عندما أقول \"دراما\" وقصة أنفي أنها حقائق .فيذهب بعضهم إلى التكفير. لكن القصد غير ذلك :المسلمون لهم علاقة بالقرآن مضاعفة: -به كفلسفته دينية وتاريخية تروي نقديا الأديان والتاريخ. -وبه كتحقيق للدين والتاريخالمسلمون لم يشاركوا في الأحداث التي يرويها القرآن فهي بالنسبة إليهم حديث حول الأحداث .لكنهم شاركوا في الأحداث التي حققها الإسلام دينا ودولة.ولست أنا الذي يجعل علاقة المسلمين بالبعد الأول من القرآن علاقة من يستمد من حديثه عن أحداث الدين والسياسة نماذج رمزية قدوة يؤمنون بها.ومن لا يميز بين الموقفين لا معنى لمناقشته .فالمحاولة تتوجه للعقلاء الذي طلبهم معرفة الحقيقة بالقدر الممكن للإنسان لا التبكيت الصبياني.فأساس القراءة هو ما تطلبه فصلت 53لمعرفة حقيقة القرآن بحرز ما تحول دونه آل عمران 7لتجنب أمراض القلوب والفتن بسبب العلوم والأعمال الزائفة.والفرق بين الموقفين لا ينطبق علينا نحن أحفاد المسلمين الذين شاركوا في الأحداث القرآنية في تاريخ الامة .فروايته لها ليست قصصا بل تاريخ.حديث القرآن على الأحداث التي حصلت بفضل أحداث إصلاحه لأوضاع الإنسانية لتتجنب الصد والتحريف عائقي الرسالات السابقة دون تحقيق قيم الاستخلاف.وهذا الحديث على الأحداث التي صنعها أجدادنا ما تزال إلى اليوم مصدر مثلنا العليا في العلاقتين العمودية (مع العالم) والأفقية (بين البشر) بالعملين.والعملان هما كما بينا جوهر التواصل الذوقي والعلمي قلب المعادلة الوجودية مباشرة بين الله والإنسان وبصورة غير مباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخ. 34 32
ولا يمكن أن يكون الحلم مشيرا بسجود الشمس والقمر والاحدى عشر كوكبا إلى أسرة يوسف بذاتها بل برمزيتها للعلاقتين العمودية والأفقية كيانا ووظيفيا.فكيانيا نسبة التاريخ إلى الطبيعة ذات صلة بنسبة القمر إلى الشمس .وللقمر علاقة برمز الحياة في المرأة (التكاثر) وهي صلة كيانية (توالي الأجيال).والقمر مجرد عاكس لنور الشمس والتاريخ مجرد عاكس لحياة الطبيعة :ورمز الحياة في القرآن هو النور .فتكون الإشارة إلى ركوعهما رمز تسخيرهما للخليفة.لكن التسخير لا يتحقق إلا بشرطين هما ثمرة الوظائف إذا عملت بقيم الاستخلاف :يكون العالم مسخرا لأبناء آدم ما كانوا أهلا للاستخلاف ذوقيا وعلميا. ولهذا دلالتان: .1علة ورود الاخراج من الغفلة بالقرآن في هذه السورة .2اكتشاف علة أفشال الرسالات السابقة إما بالتصدي لها أو بتحريفها.فأما المغفول عنه الذي خرج القرآن بالرسول الخاتم منه فهو ما بيناه في الفصل الرابع (هود) .وأما العلاج فهو ما بيناه في الفصل الخامس (يوسف).لذلك فمن دون العلاج اليوسفي لا يمكن لقيم الاستخلاف أن تتحقق :لا بد من دولة ذات تربية وحكم يحقق تحققان شروط العلاقتين العمودية والأفقية.وإذن فالديني من حيث هو تحقيق فعلي للقيم الكونية في التاريخ لا يمكن أن ينجح من دون السياسي ببعديه التربوي والحكمي :وذلك هو الدين عند الله.والدولة لها حقيقة طبيعية وخلقية كما بينا في تأصيل الدولة .ولها وظائف تتفرع عن تأصيلها وهي إحدى عشر وظيفة: -خمس للرعاية -وخمس للحماية -وواحدة لتوحيد عملها. وخمس الرعاية: -اثنان للتكوين 34 33
-اثنان للتموين -واحدة أصلها أي الاستعلام العلمي. وخمس للحماية: -اثنان للحماية الداخلية -واثنان للحماية الخارجية -وواحدة أصلها الاستعلام السياسيوقد فصلنا القول في هذه الوظائف بمقتضى فصلت 53ولها كلها توصيف دقيق في القرآن الكريم ومن يريد المزيد فليعد لسلسلة تأصيل الدولة ووظائفها.وبذلك نكون قد أثبتنا أن السورتين هود ويوسف هما مضمون الاستراتيجية القرآنيةلتحقيق مقومي الإنسان المستخلف :تعمير الكون بقيم الاستخلاف .وبينا أن الرسالة الخاتمةهي خاتمة بمقتضى كون القرآن أخرج الرسول مما كانت الغفلة عنه مؤدية إلى نجاح أعداء الاستخلاف في منعه أو تحريفه.ومن هنا نفهم أن الدولة التي تحقق القيم الاستخلافية في التاريخ الفعلي لا بد لها من أساسي النظر والعقد في الأذهان والعمل والشرع في الأعيان.وأساس النظر والعقد هو الاجتهاد واساس العمل والشرع هو الجهاد .والاجتهاد نوعان هما العلمي والعملي والجهاد نوعان الخلقي والذوقي.والاجتهاد غني عن الشرح .لكن الاجتهاد يحتاج إليه :فالخلقي لحماية الحرية والكرامة باللطف أو بالعنف .والذوقي لحماية معنى الوجود دلالته الروحية. 34 34
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 40
Pages: