أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 7 - -الفصل الثالث 12 - -الفصل الرابع 18 - -الفصل الخامس 24 - -الفصل السادس 30 - -الفصل السابع 36 --الفصل الثامن 42 - -الفصل التاسع 47 - -الفصل العاشر 52 - -الفصل الحادي عشر 57 - -الفصل الثاني عشر 63 -
تكلمت بما يكفي في وصف الظاهرة كما حدثت في ماضينا لكنها تكررت بشكل اشد خطرامما حصل فيه .وقبل أن أصف الظاهرة في عصرنا فلأشر أولا دلالة ما يسمونه رد المنقولللمعقول الذي يبدو مختلفا عن موقف حداثيينا من الدين بحجة العلم .فالموقف القديم لا يختلف عن الحديث إلا بالتقية.لم يكونوا يجرؤون على القول إن الدين خرافة وأن العلم هو الحقيقة الوحيدة كما يفعلحداثيونا .لكن الفارابي جرأ على ذلك في كل كتبه وخاصة في الحروف والبقية وإن لميجرؤوا فقد كانوا يعتبرون الدين صيغة شعبية وعامية من الحقيقة التي هي فلسفية لا غير بالمعنى الذي كانوا يتصورونه فلسفيا.وبهذا المعنى فالظاهرة الحديث والقديمة في الموقف من علاقة الدين والإيمان بالفلسفةوالعلم هي هي .لكن الأخطر أن الاحتراز الذي كان عند علماء الدين من رد ما يسمونهنقليا إلى ما يسمونه عقليا هو بدوره انتهى وعوضه أكبر مرض اصاب عقولهم هو البحث عن العلم الوضعي في القرآن\" :الاعجاز العلمي\".فالتحديثيون حسموا الأمر دون تقية وقالوا صراحة بما كان يقول به القدماء ضمنا بأنالحقيقة هي العلم وأن الدين خرافة .أما التأصيليون فموقهم أخطر من موقفهم لأنهميفعلون ما له نفس الدلالة متوهمين رفع منزلة القرآن ببيان أنه علمي بالمعنى الوضعي كذلك .وتلك هي خرافة الأعجاز العلمي.وليست الامر توقف عند الكلام عفي الطبيعيات بل هم ذهبوا حتى إلى الإنسانياتوجعلوا همهم في مقارنة نصوص رؤيوية من القرآن بنصوص علمية وضعية حتى لو لم تثبتعلميتها ليبرهنوا على ما هو في الحقيقة من جنس ما يقول به التحديثيون :قبلوا معيار التحديثيين وحاولوا اثبات صحته بتأويلات ساذجة.وسأذكر ثلاث قضايا هي في الحقيقة ما تزال في طور الفرضية التي حولها نزاع كبير بينعلمائها أنفسهم وهي نظرية خلق الإنسان (داروين) ونظرية النفس (فرويد) ونظريةأبو يعربالمرزوقي 1 الأسماء والبيان
الاجتماع الجدلية (ماركس) .وهي كلها فرضيات لا شيء يثبت علميتها وحتى لو أثبتت فإنها كما بينت دائما \"حقائق\" مؤقتة قابلة للتجاوز.لن أذكر اسماء يكفي الكلام في القضايا والقراء يعلمون من المقصود ويمكنهم أن يبحثواليعلموا من المقصود .وسأبدأ بالمسالة الاولى :خلق الإنسان .يحاولون بيان سبق قرآني أوقابلية تأويل نظرية خلق الإنسان بما يتفق مع نظرية داروين .فزعموا أن الإنسان غير البشر وأن البشر سابق على الإنسان.ويزعمون أن موقف الملائكة من استخلاف آدم رغم انه يسفك الدماء ويسفك فيها مدعينأنهم كانوا على دراية بسلوك البشر قبل خلق آدم أو تحويله إلى آدم الجدير بالاستخلافولأضف إليهم حجة أخرى فتعليمه الأسماء بعد قرار استخلافه هو نقله من البشرية غير الناطقة إلى الإنسان الناطق.وسأقبل مناقشتهم بمنطقهم -لأني بطبعي أرفض البحث عن سبق علمي في القرآن ولاأومن بأن القرآن كتاب علم بل هو كتاب تربية وحكم .هو رؤية فلسفية للعالم الطبيعيوالتاريخي وإشارات لسنن تنظيم حياة الإنسان الروحية والسياسة فردا وجماعة في الجماعة وبين الجماعات الإنسانية كلها.وابدأ بمسألة البشر والإنسان .القرآن يكذب هذه الفكرة السخيفة تكذيبا قاطعا .فهليعقل أن يكون ذلك كذلك والله يقول في آل عمران { 79ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتابوالحكم والنبوة ..الآية} متكلما على سيدنا عيسى عليه السلام :هل عيسى ليس إنسانا بل ما قبل الإنسان يصح عليه قول داروين؟ثم القرآن لا يتكلم على تحويل البشر إلى إنسان بل يتكلم على خلق آدم من تراب وليسمن كائن حي قبله وتصويره والنفخ فيه من روحه فكيف يوفقون بين التطور الداروينيوهذا الخلق من تراب وليس من حيوان سابق تحول بالصدفة وحافظ على ما جد فيه من تغير لأنه مفيد للتكيف مع شروط الحياة؟أما الحجة التي أضفتها لهم -عملا بعادة ابن تيمية الذي يحاول أن يقوي حجة الخصمقبل أن يدحضها-فهي تعليم الأسماء كلها الذي لم تكن الملائكة تعلمه مسبقا عندما أعلمهاأبو يعربالمرزوقي 2 الأسماء والبيان
الله بأنه سيجعل في الأرض خليفة .لكن أولا هل التسمية أزالت ما اعترضت به الملائكة؟ هل فقد الإنسان سفك الدماء والفساد؟ولذلك فلا علاقة بين تعليم الأسماء وحكم الملائكة بمعنى أن الملائكة لم تحكم بذلكلجهلها بما طرأ لاحقا لأن ما طرأ لاحقا لم يكن ليغير حكمها على آدم بسفك الدماء والفسادفي الارض .وعبارة \"إني جاعل في الأرض خليفة\" دلالة اسم الفاعل فيه دلالة الحكم السابق للتحقيق حكم في المستقبل عامة.وأعتقد والله أعلم أن قراءتهم للآية غير متناسق .فرد الملائكة على اخبارهم بجعلالإنسان خليفة لا يكون يتناسق بجعل \"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء\" مفيداخبرا عن أمر حاصل لاحظوه في سلوك الإنسان بل هي تقرير لخاصة ذاتية استنتجتها الملائكة من احتقار لمادة آدم بنفس حجة ابليس.ولي على ذلك دليلان .الأول هو المقابلة بين هذا السؤال الاستنكاري ووصفهم لذواتهم\"ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك\" فهذه خاصة ذاتية للملائكة يباهون بها في مقابل حكمضمني بخاصية ذاتية لآدم وليس خبر عن أمر حصل ولاحظته الملائكة .لكن الدليل الثاني أعمق وابعد غورا.إنه أمر الله الملائكة بالسجود لآدم .ففه عقاب لها على \"احتجاجها\" على \"إني جاعل فيالارض خليفة\" الناتج عن حكم ضمني بعدم أهلية آدم للاستخلاف .وهو نفس الحكم الذيتشبث به إبليس فعصى ربه ولم يسجد وهو السلوك الذي يزعم بعض المتصوفة إنه دليل فتوة بحجة إن السجود لله وحده وليس لأوامره.وهذا هو الأمر الوحيد الذي يفهمنا علة الامر بالسجود لبيان الله للملائكة إن من اختارهللاستخلاف أسمى منهم وأنهم مأمورين بالسجود له بعد بيان أن حكمهم كان ناتجا عن جهلبخصائص آدم التي لأجلها اختير للاستخلاف وتعليم الأسماء سابق على تساؤل الملائكة فالعطف عنا لا يفيد الترتيب.ولا أقدم هذه الفرضية تحكما بل لأن الله \"صنع\" آدم على أعينه وهو بخلاف كل المخلوقات لم يخلق بـ\"كن\" بل بأيدي الله وعنايته المباشرة:أبو يعربالمرزوقي 3 الأسماء والبيان
.1خلقه .2وصوره .3وسواه .4ونفخ فيه من روحه .5وعلمه الأسماء كلها .وذلك ليكون أهلا للاستخلاف. والملائكة لم تر إلا منزلة مادته فتسرعت في الحكم.لكنها لم تعص لم أمر الله فلكأنها كفرت عن ذنبها إذ سجدت إلا ابليس أبى واستكبر.ومع ذلك قبل الله طلبه بمقتضى عدله لأنه لا يمكن أن يعطي لآدم فرصة ثانية ولا يعطيلإبليس مثله فرصة ثانية لكأن الله قبل التحدي بين آدم وابليس في الامتحان الدنيوي لأن كليهما عصى أمر ربه.وما كنت لأخوض في قضايا الغيب كما أفعل هنا لو لم يكن الأمر علاج أمر يمس من تناسقالقرآن الكريم علما وأني لم أتكلم في دلالة كل هذه الرموز بل اكتفيت بالتناسق بينها دونأن أتكلم في كيفها .فلا يمكن أن يكون كلام الملائكة في آدم خبرا عن أمر لاحظته بل هو حكم مستنتج من \"احتقارهم\" لمادته.وبذلك فقد بينت ضحالة الفرضية المميزة بين الإنسان والبشري رغم أن الآية 79منآل عمران كانت وحدها كافية لنسف هذه الخرافة :لو كان يوجد فرق بين الإنسانوالبشري كما يزعمون لما وصف الله عيسى عليه السلام الذي هو نظير آدم من حيث الخلق الابتدائي والنفخ بكونه بشرا ولم يقل إنسانا.وبالمناسبة فهذا ينسف خرافات شحرور حول نفي الترادف في القرآن لأن إنسان وبشرمترادفان بإطلاق .ويمكن أن أعدد الكثير من المترادفات القرآنية ومنها خاصة المسواللمس في الاستعمال القرآن للدلالة على العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة .الرجل خراف فلا تلوموه واطلبوا له الشفاء.وقد سبق ان كتبت في ما يدعيه من منهجية قبل أن ألقاه وليس من عادتي أن اعبر عماقد يظن دليلا على سوء الأدب مع أي أحد لكن بعد أن سمعته مباشرة ورأيت نوعيهأبو يعربالمرزوقي 4 الأسماء والبيان
احتجاجه الساذج لم يعد بالوسع السكوت على العبث بأسمى كتاب في الوجود :القرآن الكريم ليس لعبة \"للمتعطلين\".وختاما لهذه المسألة الأولى حول التمييز بين الإنسان والبشري في خرافة القول بأننظرية خلق آدم لا تتنافي مع نظرية داروين أكتفي بالإشارة إلى قضية لغوية في العربية:فاسم الفاعل فيها من بين ما يفيد كما في حالة \"جاعل\" دلالة الفعل دون زمان محدد بل في كل الزمان .لكأنه صفة للمنسوب إليه.فإذا قلت مثلا الإنسان مائت فالمعنى أن من طبيعته أن يموت ولا أعني أنه ذلك سيكونفي المستقبل بل لكأني اعتبرت ذلك صفة مقومة ويصح على أسماء الفاعل سواء اشتقت منالفعل القاصر أو المتعدي .والملاحظة اللغوية الثانية التميز بين الخبر المحدد بالزمان والخبر المطلق المتعلق بالفعل أو بشبهه ككان.فعبارة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء\" لا يعني فعلاها \"يفسد فيها ويسفكالدماء\" أن الملائكة رأت آدم قبل كلامها يفسد فيها ويسفك الدماء بل يعني حكما مطلقامستنتجا مما تصوروه طبيعة آدم ككل الكائنات الحية الأخرى التي رأته شبيها بها في طلب شروط حياته ولم تر ما ميزه الله به بعد.وهذا النوع من الأحكام هو أصل الكثير من الاخطاء في المعرفة الإنسانية وهو علة كلالأحكام المسبقة :فعندما يقول الأوروبي عن العربي :آه انت عربي إذن -بمقتضى التعميمالمتسرع-إذن أنت إرهابي كحكم مسبق .وهذا أصل كل عنصرية .الملائكة حكمت حكما مسبقا لأنها لم تر إلا الحيوان في الإنسان.وطبعا لا أحد له ذرة من عقل يعتقد أن الله كان بحاجة لمشورة الملائكة أو غيرهم في مااراد .لكن القصة كلها \"امثولة\" لشرح أهم خصائص الإنسان ولغز الفرصتين الأولى في الجنةوالثانية في الدنيا وإضفاء \"المنطقية\" على الحياة الإنسانية التي لا شيء فيها إلا وهو من ألغز الالغاز.وتلك هي وظيفة الرؤى الوجودية .والقرآن الذي يعرف نفسه بكونه رسالة تذكير بمايملكه الإنسان من مقومات وما يرتهن به وجوده من مهمات وما جهز به للقيام بها أفضلأبو يعربالمرزوقي 5 الأسماء والبيان
قيام وما يصحب تلك المقومات من قيم أولاها كونه حرا في اتباعها وعدمه .والرؤية فوق كل علم بخلاف ما يتوهم الباحثين عنه فيها.أبو يعربالمرزوقي 6 الأسماء والبيان
أصل الآن إلى تجلي نفس العقدة في القضية الثانية :سبق القرآن لفرويد .والعقدة هيتقييم القرآن الذي هو كلام الله باجتهادات العلماء مهما كانت عظيمة وحتى لو سلمنا بأنفرضياته علمية فهي ككل علم لا تتجاوز كونها معرفة مؤقتة سيتجاوزها البحث العلمي كلما تقدمت أدوات إدراكنا.وهي ليست علمية والعلم تجاوزها من زمان وسبق ان كتبت في الموضوع ولا اريد أن أعودإليه .ما يعنيني هنا هو بيان سطحية المقارنة بين النفوس الثلاثة في القرآن وقوى النفسالثلاث عند فرويد إذ لا شبه بين الأمرين إلا في \"ثلاثة\" .وما عدا ذلك كله مختلف تماما من حيث الطبيعة والوظيفة والغاية.هل يوجد إنسان مؤمن وله عقل يميز به بين المعاني يمكن أن يصدق أن الامارة ذاتأصل عضوي واللوامة ذات أصل اجتماعي والمطمئنة هي التوازن بينهما في الأنا المتكيف معمبدأ الواقع والمسيطر على مبدأ اللذة؟ من يفعل ذلك لا يختلف عن التحديثي الذي يريد أن يهزأ من القرآن ومن معانيه التي لا يفقهها. ومعنى ذلك أنه: .1معقد إزاء المعرفة العلمية وبدلا من طلبها من محلها فيقوم بالبحث العلمي يكتفيبتعزية نفسه ولو بتحريف القرآن مدعيا أنه يعطيه كل شيء وما عليه إلا أن يتعلم العربية التفاقه اللغوي. .2يعتبر العلم فوق القرآن ومن ثم فهو يتوهم أنه يرفع من شأن القرآن إذا بين ما فيه من علم.وفي الحقيقة فعقدة مثل هؤلاء إضافية إلى التحديثي :هو يريد أن يثبت له أن لهتعويضا عما ينقصه ولا يعلم أنه بذلك يثبت له وهميه الأساسيين :أولا أن العلم أسمى منالقرآن وثانيا أن ما في القرآن حتى لو اعتبرناه علميا فهو تاريخي مثل كل علم .ولذلك فأصحاب هذه الخرافات من أكثر الناس سذاجة.أبو يعربالمرزوقي 7 الأسماء والبيان
فقوى النفس الثلاثة في الفرويدية حصيلة بين العضوي (الموضوع) والاجتماعي (نقيضالموضوع) والتوازن الشخصي أو الأنا المتكيف (التأليف) وهي ذات منطق جدلي بين .ولاشيء يثبت أن النفس المطمئنة هي الأنا المتكيف بتوازن بين مبدأ الواقع ومبدأ الرغبة وكلها في الدنيا ولا بعد ديني لها.ومن ثم فالقائل بهذه المقارنة من حيث لا يعلم أصبح دهرانيا لا يقول بوجود آخر غيرالوجود الدنيوي وهو من ثم أصبح مثل فرويد لا يعتقد إلا في قوى العالم الشاهد بمنطق جدلي هيجلي بين: .1تاز .2انتيتاز .3سانتاز. وفي مضمار آخر بينت أن كثرة ترديد الإسلاميين لخرافة التدافع لها نفس المعنى.فإذا كان ما يجري في التاريخ حصيلة التدافع فمعنى ذلك أن الله لا دخل له في ما يجريرغم أن القرآن صريح في أن ما يجري ليس تدافعا بل هو دفع إلهي للناس بعضهم ببعض.لكن ما العمل مع من يعاني من العقد فيتبنى مفهومات منافية تماما لما ورد في القرآن ويصبح ماديا جدليا دون أن يدري.لم يسال أصحاب المقارنة أنفسهم عن \"النفس المطمئنة\" مطمئنة بماذا؟ لم يسأل عن معنىآيات الفجر' َيا َأيَّتُ َها ال ّنَفْسُ الْمُطْمَ ِئ َّن ُة ( )27ا ْرجِعِي إِلَ ٰى َر َبِّكِ َراضِ َي ًة مَّ ْر ِض ّيَةً ()28َفادْخُلِي فِي ِعبَا ِدي ( )29وَادْ ُخلِي َج َنّ ِتي ( .)30وهي أمور لا علاقة لها بفرضيات فرويد.ومن يغفل عن هذا البعد من \"رؤية\" القرآن للنفس وفرضيات فرويد لم يعد متكلما فيالقرآن بل في استسلامه لنظريات فرويد في الدين أعني رده بالذات إلى هذه الفرضياتفي تفسير كل ما ينسب إلى الإنسان بما في ذلك الدين الذي هو من تجليات ثالوثه المادي الجدلي المحض.لذلك فكلما رأيت تأصيليا منتفخ الأوداج متبجحا بـ\"علمه\" المزعوم في هذا المضمار كلمازاد احتقاري له وعلمت أنه يعاني من عقدة إزاء التحديثي الذي لا يقل عنه سخفا لتوهمهأبو يعربالمرزوقي 8 الأسماء والبيان
أن العلم حقيقة مطلقة وأن الأديان خرافة وخاصة بين نخبنا فأتساءل هل لها أعماق روحية أم تكتفي بأدنى ما في الحيوان.ولا بد هنا من تعريف النفس المطمئنة وعلة اطمئنانها .وهي لا تفهم إلا بكونها الضديدالتام لفرضيات والجدل الهيجلي فضلا عن الماركسي .فلو كان الإنسان يمكن أن يطمئنأصلا فيقبل بأن حياته مقصورة على وجوده الدنيوي لقبل رأي فرويد وغيره من الماديين الجدليين المقارنة مع رؤية القرآن للنفس.لكن النفس الإنسانية حتى عند أعتى الملحدين لا ترضى بأن تكون حبيسة في عالمالشهادة أو الدنيا .وإذا لم يكن لها دين تؤمن بما يحرر الإنسان منه بعالم أرحب فهيتبدعه ولو بالمخدرات والذهول الدائم عن الوجود في السجن الدنيوي .فإما انها تطمئن بهذه الحرية الدينية أو بالاستذهال الذاتي التام.والاستذهال الذاتي التام يسميه باسكال (فيلسوف متدين بالكاثوليكية المحدثة ورياضيكبير) التلهي Le divertissementأو الهروب باي شيء من الجنس الدنيوي .وهذاهو دليل عدم الاطمئنان .ولا يشذ عن ذلك أي ملحد وإذا قال عكس ذلك فهو إما يكذب على غيره بوعي أو على نفسه بغير وعي.لذلك فإذا ما استثنينا التنفيس عن عقد النقص والعجز عن الفعل الحقيقي للإبداعالعلمي ما الذي يستمده أصحاب هذه المحاولات العقيمة التي تحط من شأن القرآن بوهم رفعه؟ إنهم يستمدان أمرين يمثلان خطرا قاتلا للحضارة الإسلامية: .1استمراء العجز والحلول الوهمية .2تثبيط حب الشباب للإبداع العلميولس من مصادفات التاريخ أن الظاهرة تكررت :فما نراه في عصرنا مناظر تماما لما حصلفي مرحلة تاريخ فكرنا الوسيط .تمسك التأصيليون بخرافة المقابلة بين العلوم الأهليةوالعلوم الأجنبية مدعين أن الاولى مغنية عن الثانية بمعنى أنها فيها كل شيء .ولما هزموا صاروا يبحثون عن الاجنبية في الملكية.أبو يعربالمرزوقي 9 الأسماء والبيان
وبهذا المعنى فالجيل المتأخر من المتكلمين وحتى جيل الوسط في تاريخ الكلام لم يكونوافي الحقيقة إلا من جنس القائلين بالإعجاز العلمي .وكل تخريفات الرازي التي يظن غايةالمعرفة العلمية في التفسير ليس إلى تخريف من جنس ما نسمعه من كلام أصحاب الإعجاز فضلا عن تخريف الغيبيات.وحتى ما يمكن أن ينسب إلى بعضهم من إضافات طفيفة على منطق ارسطو فهي تبقى فيدائرة نفس البارادايم الذي لم يحاول زعزعته إلا الغزالي ولم يتجاوزه في النظر والعقدإلا ابن تيمية وفي العمل والشرع إلا ابن خلدون .ولهذه العلة ميزتهم عن غيرهم الفلاسفة والمتكلمين في تاريخ فكرنا الإسلامي.وبذلك تفهم كيف أن أكثر من عقدين من محاولة النهوض لم تأت أكلا مستساغا لا فيمستوى علاج العلاقة العمودية بيننا وبين الطبيعة ولا في علاج العلاقة الافقية بيننا وبينالتاريخ .كل من سعى في نفس الوقت إلى تحقيق هذين الغايتين نجح في تحقيقهما إلا نحن. والعلة هي عين هذه الظاهرة العقيمة.كل التأصيليين في عصرنا ورثوا سخافات المتكلمين في القرون الوسطى وكل التحديثيين فيعصرنا ورثوا سخافات فلاسفتنا في القرون الوسطى :كلاهما يردد معرفة يتصورها مطابقةللوجود ونتائج جاهزة لم يبق كما قال الفارابي إلى أن \"تُعلم وتُتعلم\" .ولما كانت مطلقة فلا شيء فوقها ومغنية عن التجاوز.فالتحديثي لو كان بحق يفهم الحداثة ما هي لعلم أن العلم أكثر الأشياء نسبية وأن عدمالوعي بخاصيته هذه دليل جهل بالعلم وبالحداثة واساس كل تحريف لهما تماما كما يحدثعن التأصيلي الذي ينسى أن القرآن لا يتوقف عن التنبيه إلى ذلك بالتمييز بين العلم الإلهي المحيط والعلم الإنساني المحدود.فالتأصيلي الذي يتوهم أنه يرفع من مقام القرآن بخرافة الإعجاز يعني أنه لا يفهمالعلاقة بين الأمرين الديني والعلمي والتحديثي الذي يعتقد أن الدين خرافة لا يميز بينالدين وتوظيفاته التي هي من جنس توظيفاته هو للعلم الذي يجعل نسبيته .كلاهما لم يصل بعد حتى إلى رتبة العقل التمييزي.أبو يعربالمرزوقي 10 الأسماء والبيان
ولست أعجب من الظاهرتين لكني أنبه الشباب إلى ضرورة التحرر من النجوم التي تتكلمباسم الدين وتعاني من عقدة الحداثوية والتي تتكلم باسم الحداثة وتعاني من عقدةإطلاق العلم والتهوين من البعد الديني من حياة البشر .ولا يفعل ذلك إلا المخلدون إلى الارض أو ذوي الاستذهال الذاتي الباسكالي.فمن فقد الغوص في أعماق ذاته لا أعجب من أن يكون دون جلده عمقا ذلك أن الجلدنفسه من حيث هو حامل أثر المحسوسات في الذات هو الطريق إلى الأعماق تحفيزا لهابمثيرات خارجية هي المدارك الحسية الخارجية .لكن المدارك الحدسية الداخلية هي السبيل المثلى لأعماق الذات والوجدان.وأول انفراجة خارج الخارج تمر بهذا الغوص في أعماق الذات أعني أن التحرر من ضيقعالم الشهادة إلى فسيح عالم ما بعد الشهادة كفضاء مفتوح دون علم ما فيه من غيبيات هوبداية ميلاد الإنسان المبدع دائما .فهذا الفضاء الفسيح هو منب العلم والفن والدين ومنه يستمد الإنسان قيم مقوماته كلها.فمن هذا الفضاء الفسيح يستمد الإنسان حرية الإرادة وصدق العلم خيرية القدرةوجمالية الحياة وجلالية الوجود فيتحرر من العبودية والباطل والشر والقبح والذل .وهذاهو الواقع الحقيقي لأن ما يتصوره الناس واقعا هو أمر واقع ينتج عن السجن الدنيوي فيحاكون وكأنه مثال فيصبحون كلبا لاهثة.أبو يعربالمرزوقي 11 الأسماء والبيان
ولنأت الآن إلى القضية الثالثة :الفهم الماركسي للتاريخ أي المادية الجدلية التي لطفوهاباستعمال اسم الاشتراكية الإسلامية والتي هي كذبة هدمت كل شروط التنمية الاقتصاديةفلم يبق مشتركا إلا تقاسم الفقر للشعب والحياة الباذخة للنومنكلاتورا بالمعنى السوفياتي في كل من زعمت تطبيقها.لكن كل شيء في القرآن مناف تماما لأي قراءة اشتراكية أو رأسمالية لشروط الحياةالمادية والروحية للجماعة وللإنسانية كلها بل هو نظام \"سوي جينيريس\" (نوعه ذاتي أوفريد النوع) لم يجرؤ أحد على تحديد خصائصه وبيان فضائله لأنه محاولة قراءة القرآن نسقيا بفرضية علمية لم تخطر على البال.حصل للقرآن ما حصل لدار الإسلام :مزل تمزيلا فصار جذاذا بين ما تصورت علوم الملةالخمسة أنه ما يعنيها منه بوصفه \"صندوق أدوات\" (بوات آ أوتي) وليس رؤية وجوديةذات نسق من الأنظمة التي تشبه نظام كيان الإنسان العضوي والروحي حيث كل الوظائف فيه أداة وغاية في آن لأنه كائن حي.فكل البلاد العربية التي تدعي القراءة الاشتراكية للإسلام والتي تدعي القراءةالرأسمالية كلتاهما أفلست ولم تتمكن من تحقيق تنمية ذاتية الفاعلية والحركة .فالأولونجعلوا من الدولة الحاضنة دولة قاتلة للفاعلية الاقتصادية والدولة المتوحشة دولة قاتلة للفاعلية الاجتماعية فغابت الدولة أصلا.فدولة الاشتراكية المزعومة صارت دولة مافية النومنكلاتورا ودولة الرأسمالية المزعومةصارت دولة السماسرة .وكلتاهما تحت سيطرة مافية هي التي تدعي تمثيل الدولة ولا يكونالفرق بينهما إلا في صفة أدواتهما أعني النومنكلاتورا والسماسرة .ولو لم يكن لديهم ثروة طبيعية لكانوا جميعا متسولين.والعلة هي أنه رغم جيوش الفقهاء بالمعنى التقليدي أو بالمعنى الحديث لم يتساءل أحد عن نسق النظام القانوني بمستوياته الخمسة التي تؤسس لها الرؤية القرآنية:أبو يعربالمرزوقي 12 الأسماء والبيان
.1مستوى القانون المدني .2مستوى القانون الجنائي .3مستوى القانون الإداري .4مستوى القانون الدستوري .5وأخيرا بعدا شرعية القانون عامةومستوى شرعية القانون عامة هو الأصل والبقية فروع ويحدده القرآن الكريم بكلمتينوردتا في سورة النساء من الآية :58الأمانة والعدل .والأمانة علاقة بين القانون وشرعيةتمثيل سلطة الجماعة لأن الأمانة هي هذا التمثيل الذي يؤديه القانون والقائم به كحكم. والعدل هو دليل القيام بهذه الامانة.وهذا الاساس قائم بذاته وهو في آن قائم في كل المستويات المتفرعة عنه :فالمدني يتعلقبالالتزامات والعقود وهي مشروطة بالأمانة والعدل .والجنائي يتعلق بكل ما ينتج عنالخلل في المستوى الأول الذي يتحول إلى أهم مصدر للجنايات بين البشر وعن نزوات البشر وهي أيضا معلولة بعدم الأمانة والعدل.والمستوى 3أو مستوى القانون الإداري يتعلق بالمستويين 1و 2ليس من حيث علاقةالإنسان بالإنسان بل من حيث علاقة الإنسان بالدولة ممثلة بمن لهم نيابتها في استعمالالقانون وشرطه كذلك الأمانة بالقياس إلى هذا التمثيل والعدل في أدائه للعمل بمقتضى القانون .المستوى 4هو القانون الدستوري.وهذا المستوى هو الاقرب من المستوى الأول الذي هو أصل كل المستويات .فوظيفةالقانون الدستوري تحديد مبادئ كل تلك القوانين وضبط وظائف الدولة بوصفها ممثلةلإرادة الجماعة وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها .وهو إذن مشروط بالأمانة والعدل في شروط التشريع والتنفيذ بمقتضى الأصل والفروع الأربعة.ولم أذكر القضاء واكتفيت بالتشريع والتنفيذ لأن القضاء ليس سلطة سياسية مثلالتشريع والتنفيذ بل هو سلطة فنية وخلقية .فهي فنية بمعنى أن القاضي مثل العالم أهمأبو يعربالمرزوقي 13 الأسماء والبيان
دور له هو تحقيق المناط في تطبيق القانون .لكن لا سلطان له على وضع القانون ولا على تنفيذ الحكم .فهذان سلطتان سياسيتان.وإذا أصبح القضاء سلطة سياسية أو سيس فقد فقد الأمانة والعدل .لان الأمانة فيالقضاء هي أمانة العالم في طلب الحقيقة خلال البحث عن المناط والعدل هو تطبيق ماتوصل إليه من حقيقة في النزاعات بعد الوصف القانوني للأحداث التي يستمد منها الدليل والقرائن خلال تنزله على النازلة.تسييسه أو اعتباره سلطة سياسية ثالثة من جنس التشريع والتنفيذ يعني في الحقيقةدعوته إلى مغادرة دوره كعالم في تحديد المناط عامة في فلسفة القانون أن تحديد الأحكامعامة دون وصل بالنوازل العينية أو خلال الوصف القانون للأحداث في النوازل العينية: وهذا يعني تحريف الأمانة والعدل في آن. ما يخضع للمحددات السياسية هو التشريع والتنفيذ:. .1يراعي ما يطابق حاجات الجماعة في علاج أدوائها وتفعيل قوتها وحريتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها .2يراعي شروط الأمن العام في تطبيق احكام القضاء المشروطة في تطبيق القانون. فمن حق التنفيذ أن يعطل لحين حكما قد يخل بالأمن العاملماذا كل هذا الكلام في فلسفة القانون التي تترتب على الرؤية القرآنية لتنظيم الحياةالجماعية؟ لأني لا أفهم أن تعرف الحياة الجماعية بالاستناد إلى عنصر واحد هو عنصرالاقتصاد سواء كان رأسماليا أو اشتراكيا .نظام حياة الجماعة أشمل من الاقتصادي الذي ه أشمل من هذه المقابلة رأس مال عمال.ولذلك فلا الإسلام رأسمالي ولا الإسلام اشتراكي ولا هو بين بين كعادة أصحاب خرافةالوسطية مثل تعريفه لا هو يهودي ولا هو مسيحي بل هو يتحدد إيجابا وليس سلبا بالنفيالمزعوم للإفراط والتفريط السخيفين .هو يتحدد بذاته وخاصة بالنسق الذي حاولت وصفه قانونيا على مستوى الحقوق والواجبات جميعا.أبو يعربالمرزوقي 14 الأسماء والبيان
ولم أر أكثر قصورا واختزالا من الرؤية الجدلية حتى للاقتصاد .فالسطحية تبلغ أوجهاعندما يرد الاقتصاد إلى نوعين من الجدلية السطحية :جدلية التنافس بين أصحاب راسالمال آلية أولى للصراع وجدلية التنافس بين راس المال والعمل آلية ثانية للصراع .في حين أن رأس المال وكلا التصورين خاطئ.فرأس المال لا يحصل إلا بتجميعه وهو في الغالب مبني على المشاركة الواسعة في تجميعالادخار وقلما تكون الشركات الكبرى مبنية على فرد واحد أو اسرة واحدة مثل الشركاتالصغرى محدودة المسؤولة وحتى في هذه الحالة فالشرط هو تعاون أفراد الأسرة وليس صراعها والصراع يفككها وينهيها.والعمل لا يمكن أن ينجز شيء معتبر من دون مشاركة الكثير من أهل الخبرة كل في أحدوجوه المنتج الا في الحالات البسيطة التي يكون العمل منجز لفرد واحد متعددالاختصاصات .والتنافس في هذه الحالة يكون تسابقا في الكفاءة والانجاز وليس جدليا بمعنى الصراع الجدلي هيجليا كان أو ماركسيا.وتأتي الكذبة الكبرى وهي الصراع بين رأس المال والعمل .وهي كذبة كبرى بمعنيين.فألا العملية الاقتصادية أعقد من أن تكون مقصورة على طرفين هما صاحب راس المالوالعامل وثانيا وهذا هو الأهم فهذا الحصر في طرفين وجعلهما متصارعين دليل عدم وعيهما بمصلحتهما وليس ديل دفاع عنها.ولم أر أكثر عقما من الفكر النقابي الذي ينبني على هذه الرؤية الجدلية الصراعيةالتي تنتهي في الأخير إلى تهديم مؤسسة الانتاج الاقتصادي وشروط تحقيق مصلحة كلالأطراف التي تتدخل في العملية الانتاجية .والعلة بالذات هي محاولة فرض الرؤية الجدلية الصراعية بجعل الانتاج بين طرفين.فالاقتصاد مثله مثل كل شأن جمعي لا يقتصر على علاقة بين طرفين هما صاحب راسالمال والعامل بل هو شديد التعقيد وفيه حتما خمسة أطراف وليس طرفان وكل منهماجمعي بالتساوق وبالتوالي .فلأشرح هذا التعقيد الذي يثبت سطحية التحليل الماركسي للاقتصاد بسبب الرؤية الاختزالية.أبو يعربالمرزوقي 15 الأسماء والبيان
ولنبدأ بالعملية في مستوى التساوق أي في الآن وهنا :فلا بد من: .1فكرة ما لإنتاج ما .2ولا بد من مستثمر لتلك الفكرة .3ولا بد من ممول لها .4ولا بد من نظام عمل ينتج الشيء الذي يسد حاجة اقتصادية بضاعة أو خدمة .5ولا بد من الشرط الأهم وهو مستهلك لهذا الشيء الذي يسد حاجته.ومن السطحية توهم صاحب الفكر فرد وصاحب الاستثمار فرد وصاحب التمويل فردوصاحب العمل فرد وصاحب الاستهلاك فرد بل كل هؤلاء جماعة ليسوا أفرادا بالتساوقوبالتوالي .فبالتساوق الفكرة لا تأتي لمن هو من خارج الميدان وإذن فالفكرة تأتي وكأنها تسد ثغرة في نظام الانتاج لسد الحاجات.والاستثمار بنفس الاسلوب هو الوعي بهذه الثغرة وفرص الربح الذي قد ينتج عنتحويلها إلى فعل ينتج ما يسد تلك الحاجة والتمويل بنفس الأسلوب يرى وجاهة الاستثمارفيموله والعمل هو تحقيق ما تقدم والكل ينطلق من درس لحال الحاجات والطلب عليها وأحيانا تصطنع الحاجات وتبقى دائما بمنفس المنطق.هذا من حيث التساوق الآن وهنا .ولكن صاحب الفكرة يندرج في تاريخ الافكارالتطبيقية للعلوم ولها تاريخ وصاحب الاستثمار يندرج في تاريخ الاستثمارات وما استقرمنها في العملية الاقتصادية وما فيها من ثغرات هي فرصة الاستثمار ونفس الأمر بالنسبة إلى التمويل .والعمل بالجوهر تاريخ الخبرة.وأخيرا وهذا هو الأصل والمبدأ الأهم في العملية الاقتصادية بهذا المعنى الذي بينا هوالثقافة الاستهلاكية أو طبيعة الحاجات التي ثقافة ما جعلتها من أولياتها في حياة الإنسانالمادية والروحية والتي وظيفة الاقتصاد الاستجابة لها بمنطلق مختلف تماما عن منطق الصراع الجدلي.وهذا المنطق هو ما يمكن تسميته بمنطق التسابق في الخيرات بالمعنى القرآني وهو يطبقهعلى التسابق الإيجابي في مجال التعدد الديني الذي يعتبره القرآن آلية الترقي فيأبو يعربالمرزوقي 16 الأسماء والبيان
التصورات الدينية التي تؤدي إلى التهذيب المتدرج للأخلاق وللروحانيات حتى تكون حرية المعتقد بابا لهذا الترقي.ونفس الأمر في كل عمل شرطه التبادل بين البشر في نفس الجماعة أو بين الجماعاتالمختلفة والتعاون يفترض التبادل بين المتعاونين ولا يمكن أن يحصل تبادل من دونتواصل .وإذن فما يسمونه صراعا جدليا ويعتبرونه شرط التقدم هو خدعة :لأن ذلك يحصل لما يصبح التبادل والتواصل مغشوشين.فإذا صار التبادل خاضعا لسلطان ينقل العملة من كونها أداة له إلى كونها سلطانا علىأطرافه وإذا صار التواصل خاضعا لسلطان ينقل الكلمة من كونها أداة له إلى كونها سلطاناعلى أطرافه فإن الأمر لا يتعلق بما هو ذاتي للاقتصاد بل لما طرأ عليه فأفسده وجعله عملية خداع في التبادل والتواصل.أبو يعربالمرزوقي 17 الأسماء والبيان
التعريف السالب بلا هو كذا ولا هو كذا بين متناقضين يعني إخضاع المعرف إلى المنطقالجدلي وإن سلبا .الرؤية الإسلامية للمجتمع الإنساني كما يحددها القرآن ليست لارأسمالية ولا اشتراكية بل هي تتأصل في مجال هو التناغم الوجودي الذي لا يطابقه نوعا الصراع الجدلي مثاليا كان أو ماديا.وذلك يعني أن الصدام الجدلي ليس وصفا لنظام الوجود الاجتماعي الإنساني عامة بلهو وصف لانخرام هذا النظام أو في أقل تقدير لجعل الأمر الواقع الناتج عن هذا الانخرامأمرا واجبا\" .والأمر الواقع\" هو دائما ظاهر الاشياء لكن حقيقتها العميقة أو بينتها العميقة هي الأمر الواجب وذلك في كل شيء.ولعل أبرز مثال يستمد من علم الفلك :فقد عاشت البشرية آلاف السنين على وهم ثباتالارض وحركة الشمس حولها لأن ذلك هو ظاهر الأمر .لكن التقدم العلمي بين العكستماما وهو أن الأرض هي التي تدور حول الشمس مع الاعتقاد بأن الشمس ثابتة لكن الثابت هو أن الشمس نفسها تدور حول شيء آخر.الأمر الواقع هو الاعراض والأمر الواجب هو قوانين ما يعرض في الظاهر وهي حقيقتهالباطنة .فرتب الحياة تبدو وكأنها في صراع وحرب دائمة بعضها على البعض :الحيوانيأكل النبات خاصة أو بعض الحيوانات الأقل تطورا منه والإنسان لا يعيش من دون أكل ما دونه من الحي .فتبدو الحرب هي الأساس.لكن لو كان ذلك كذلك واعتبرناه هو حقيقة الحياة لما كانت الحياة ككل ممثلة لنظامقائم الذات يجعل ذلك دورة متكاملة ليس ما فيها مما يبدو صراعا جدليا إلا جنيس العمليةالتي وصفناها في الكلام على الاقتصاد حيث يكون ما يقيم الارقى هو فائض ما ينتجه الادنى وإلا لانقرض.وعندما لا تحترم هذه القاعدة يزول الادنى فيزول معه الأعلى .ولهذه العلة المبدأ ليسما يعتبر صراعا جدليا بل النظام الأسمى الذي يجعل التوازن في النظام ككل هو الأصلأبو يعربالمرزوقي 18 الأسماء والبيان
وهو مبني على التناغم بين مستويات الحياة وليس على التناقض بينها .ولما علم الإنسان هذا المبدأ بدأ يفكر في ما يحفظ الطبيعة.لذلك تغير مفهوم الاقتصاد والتعامل مع الطبيعة للحفاظ على شروط البقاء .فلو كانمنطق الصراع الجدلي هو القانون الأسمى لكان الحل في الإبقاء عليه حاكما في الاقتصادوهو الاستغلال المفرط للطبيعة نباتها وحيوانها وإنسانها فيكون التاريخ غايته الانتحار والدمار وليس البقاء والإعمار.عندما نغلق دورة الحياة فلا نفصل بين مستوياتها فصلا يحدده منطق الصراع الجدليتصبح هذه المستويات متخادمة كل منها يعلم أن بقاءه مشروط ببقاء ما دونه وما فوقه فيالسلسلة وهي دائرية وكلها تنبع من الطبيعة ومن التاريخ :الطبيعة لسد الحاجات المادية والتاريخ لسد الحاجات الروحية.وبذلك نصل إلى العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والافقية بين الإنسانوالتاريخ وإلى العلاقة بين العلاقتين :فالرؤية التي تنظم العلاقة الأفقية هي التي تسدد الرؤية التي تنظم العلاقة العمودية .وهذه الرؤية هي المميزة للثورة الإسلام: .1رؤية الإنسان :النساء 1ومبدأ الأخوة البشرية. .2ثم علاقة الإنسان بالإنسان :الحجرات 13المساواة بين البشر دون اعتبار الفروق العرقية والطبقية والجنسية والدينية ولا تفاضل بنيهم عند الله إلا بالتقوى. .3التبادل العادل لضمان بقاء التعاون شرط البقاء .4التواصل الصادق لضمان اطمئنان البعض للبعض .5أساس هذا التناغم :قيم المقومات الخمسة.والمقومات الخمس هي :الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .وقيمها الموجبة هي:الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال .وسوالبها هي العبودية والباطل والشر والقبحوالذل .وهذا هو الديني في الأديان وهو ما يذكر به القرآن ويحرره بنقد التحريف بمنطق التصديق والهيمنة :تلك هي الرسالة الخاتمة.أبو يعربالمرزوقي 19 الأسماء والبيان
وبذلك نفهم لماذا يعتبر القرآن التعدد والتنوع في كل شيء من آيات الله وضرورةوجودية مصحوبة دائما بالتناغم بين المتعددين وليس بالصراع الجدلي .وعلة هذا التصورالفصل الاصطناعي بين الكائنات وجعلها وكأنها تقوم بذاتها من دون هذا التعدد المتساوق والمتوالي دائما وما يفرقها أعراض مرضية.فهي واحدة بالتساوق بمعنى أن المتعاصرين الذين يبدون بمنطق الصراع الجدلي متنافينوخاصة في لحظات الحروب يكون ما بينهم من تبادل وتواصل هو الأساس رغم الظاهر الذيعلته عدم التعارف معرفة ومعروفا وهو ليس خاصية إنسانية بل خاصية عدم تحقق الإنسانية في الطرفين وليس الصراع هو الذي يحققه.تحققه هو يكون بالتحرر من الصراع الجدلي وليس به :لو كان التاريخ صراعا بين السيدوالعبد مثلا لظل دائما كذلك ولما تم التعارف لأن حصوله يعني توقفه ولا يمكن لنظاموجود الشيء أن يتوقف من دون توقف وجود الشيء .منطق الصراع الجدلي لو كان هو نظام الأشياء لاستحال أن يحصل الاعتراف المتبادل.لا بد أن يكون منطق التناغم النظامي هو الاساس ومنطق الصراع الجدلي من أعراضانخرامه ومن ثم فهو ليس القانون العام بل هو غياب فاعلية القانون العام غيابا مؤقتا :منجنس المرض الذي يوقف عنفوان الحياة .ولذلك فهو يؤدي إلى انخرام العلاقتين شرطي الحياة :تدمير الطبيعة وتدمير التاريخ.وهذه الرؤية لا يمكن أن تعرف سلبا بكونها ليست رأسمالية وليست اشتراكية بل هيتعرف إيجابا في مستوى آخر غير مستوى الصراع الجدلي الذي يحول دون وجود حل وسطبينهما وهو البديل منهما كليهما دون أن يكون وسطا بينهما فيه من هذا ومن ذاك بل هو ما بسببه لا أحد منهما بمستقر لكونه مرضيا.فرد الاقتصاد إلى علاقة ثنائية صراعين بين رأس المال والعمل علتها اختزال البنيةالكلية والاكتفاء بطرفين يليه اختزال الحياة الجماعية إلى هذا الصراع الذي هو عرضمن اعراض الاختزال يليه تحويل هذا الصراع إلى حرب على الطبيعة في العلاقة العمودية وعلى التاريخ في العلاقة الافقية.أبو يعربالمرزوقي 20 الأسماء والبيان
وبهذا يتعلق دور النذير لأنه هو ما به يفسر القرآن تدمير الحضارات .والبديلالقرآني هو ما يتعلق به دور البشير لأنه هو ما به يفسر القرآن بناء الحضارات .ومن ثمفكلا الموقفين في الانظمة العربية لم يهتم بالنذير ولا بالبشير بل انطلاقا من عقدة النقص قاسوا رؤية الإسلام على الموجود لتقليده.ولست أنكر أن أي حضارة تبحث عن شروط الاستئناف بعد انحطاط يقع لها ما وقععندنا :فهي تتبنى ما فاقها به غيرها وتنسبه إلى تراثها أو تطلبه منه حتى تبرر أخذهبمنطق بضاعتنا ردت إلينا .وإذن فليس هذا ما يعنيني الإشارة إليه ما دام أمرا كونيا ما يعنيني هو الخلط بين المستويات.فلو كانت المقارنة متعلقة بنفس المستويات لاعتبرت ذلك معقولا .لو قارنوا مثلا بيناعمال المسلمين مع أعمال الأوروبيين لفهمت ذلك .أما أن يقارنوا القرآن بأعمالالأوروبيين وأن يبحثوا عن فكر ماركس أو هيجل وداروين وفرويد في القرآن ويعتبرون ذلك تشريفا له فدليل خلط بين المستويات.فالقرآن يتكلم في مثل الاشياء ويمكن أن تقارن رؤاه برؤى الكتب الدينية الأخرى منزلةكانت أو طبيعية فتتم المقارنة بين رؤيتين للوجود ومثله .مقارنة القرآن بأعمال من طبيعةأخرى يزعمها أصحابها علمية وليست رؤيوية عامة فخلط بين المستويات .المطلوب ما يترتب على الرؤية بالقياس إلى نظائرها.لذلك فلست أقارن القرآن مع هيجل أو ماركس عندما أدحض المنطق الجدلي الذي هوميتافيزيقا جديدة بل أبين أن الرؤية القرآنية لا يمكن أن تقبل بالمنطق الجدلي اساسالفهم الوجود وتفسير ما يتجلى منه في الطبيعة والتاريخ وخاصة في علاقات البشر ومن ثم فكل من يبحث عن الجدل فيه لا يتبع رؤية القرآن.وأبرز مثال كان أول خلاف لي مع الشيخ القرضاوي في أول لقاء بينه وبيني .فلما استعملكلمة تدافع خلال أول ندوة لمركز الدراسات التابع للجزيرة مباشرة بعد تأسيسه .فالتدافعمفهوم جدلي مبني على الثنائية الحزبية الصراعية .لكن القرآن لا يوجد فيه مفهوم التدافع بين البشر بل الدفع من الله.أبو يعربالمرزوقي 21 الأسماء والبيان
ومفهوم الدفع هو فاعلية المبدأ العام في أي نظام :فحتي في الفيزياء المادية الصرفةنظرية الصدام بين جرمين ليست تدافع ذاتي بل هي نتيجة دفع خارجي علته النظامالقانوني للقوى خلال اللقاء بينها .فالشمس والارض لا تتدافعان لا جذبا ولا دفعا إلا مجازا بل قانون الجاذبية هو الذي يحقق ذلك.والفرق بين الأمرين شاسع .فعندما يكون كل جرم متدافع فذلك يعني أن القانون هوالصدام والحصيلة هي ما بين المتصادمين وليس القانون الذي تخضع له القوى هو الناظملمجريات اللقاء بين القوى في اي مجال معين .ففي المغناطيس القانون الناظم هو قوانين المجال المغناطيسي وليس الممغنطات فيه.ولنختم بمثال الاقتصاد :فليس الصدام بين راس المال والعمل هو المحدد بل المعادلةالكاملة للفعل الاقتصادي عامة وهو البنية المخمسة التي تشمل الجماعة كلها بل والإنسانيةكلها هي المحددة :الفكرة والاستثمار والتمويل والعمل والاستهلاك .وهذه كلها تشمل الجماعة الواحدة والبشرية في كل تاريخها.فالأفكار التي تطبق فتستثمر لإنتاج معين وتمول لتتحقق وتعمل لتنتج فعلا حتى تسدحاجة المستهلك جماعية في كل هذه المستويات الخمسة وهي ليست جماعية في جماعة واحدةلأن تحديد المستهلك يتجاوز حدودها ولأن العادات الاستهلاكية هي بنت ثقافة عصر وتطور ثقافي لكل العصور.وهذا يعني أن الاقتصاد الذي يسد حاجات مادية بالأساس ليس قابلا لان يفصل عنالثقافة التي تسد حاجات روحية بالأساس ومن ثم فالأمر كله متعلق بما بين الحاجات الماديةوالحاجات الروحية للإنسان من علاقات هي علة وجود الجماعات وشرط ما بين التبادل والتواصل من علاقات فيها.ولست أنفي أن ما يظهر في \"الأمر الواقع\" يعد تدافعا لكنه في الحقيقة دفع خارجيللمتدافعين في حالات انخرام النظام وفي حالات إعادة النظام .فخذ ابسط مثال في عاداتالعرب حاليا :يبدو أنهم يتدافعون على ركوب الحافلات مثلا .لكن الدافع هو انخرام نظام النقل في البلاد العربية والتربية.أبو يعربالمرزوقي 22 الأسماء والبيان
وفي حالة الدفع الألهي لمنع منع الحرية الدينية (تهديم الصوامع والبيع أو لمنع العدوانعلى المستضعفين :حالتان في القرآن) هو الدي يدفع بعض الناس ببعضهم حتى يعيدالحقوق فيحول دون أن يكون الوجود مبنيا على التدافع بين البشر .التدافع بين البشر دليل انخرام النظام وليس هو النظام الوجودي.أبو يعربالمرزوقي 23 الأسماء والبيان
وغاية المحاولة بيان أنه :حتى لو كانت نظرية داروين في أصل الإنسان وفرويد في بينةالنفس وماركس في المادية الجدلية علوما-وهي ليست علوما -فإنها تبقى دون القرآن ولاتنتسب إلى جنس قوله .فهو رؤية وجود سامية قابلة لأن تكون أصل إيحاء يمكن أن يوجه الإنسان لإبداع النظر والعقد والعمل والشرع.وكل من يبحث فيه بغاية اكتشاف معرفة علمية فضلا عن فرضيات لم تتأكد علميتها بعدبل وثبتت أنها تهويمات لا علمية فيها يحط من شأنه ولا يرفعه بخلاف ما يتوهم .وهيمحاولات ساذجة تدل على عدم فهم معنى العلمي ومعنى الديني ناتجة عن خلط بين المستويات .ونفس الأمر يمكن أن يقال عن الفلسفة.فلا الديني ولا الفلسفي بقابلين لأن يقاسا بالمعرفة العلمية الوضعية حتى لو كانتصحيحة وشبه ثابتة علما وأنه لا توجد معرفة علمية مطلقة الصحية ونهائية لأنها دائمةالتغير حتى لو طال عمر بعض \"الحقائق\" فيها بسبب بقائها بمعيار مستوى مداركنا صامدة. لكنها في النهاية ستتغير بتقدم أدوات إدراكنا. وأدوات إدراكنا نوعان: .1أدوات التقدير الذهني وهي على ضربين التقدير الذهني النظري والتقدير الذهني العملي والاول كالرياضيات والوسميات والثاني كالخلقيات والاستراتيجيات. .2أدوات التطبيق العلمي على الموجودات التي من عالم الإدراك الحسي وهي على ضربين الطبيعيات والإنسانيات.وإذا جاز لي أن أعرف المشترك بين الديني والفلسفي أو الواحد فهو الرؤى الوجودية أصل التقديرات الذهنية بنوعيها وبضربيهما. .1الديني هو شكل الوحي الوجداني .2الفلسفي شكل الوحي العقلاني. • خاص بالرسلأبو يعربالمرزوقي 24 الأسماء والبيان
• وبكبارالفلاسفة. كلاهما متلق ومبدع لوسميات موحية لكل إبداع في النظر والعقد والعمل والشرع.فالنظر والعقد هما شرط الاستراتيجيات العلمية والعمل والشرع هما شرطالاستراتيجيات العملية .والاستراتيجيات الأولى وظيفتها علاج العلاقة العمودية شرطالاكتشاف للسلطان على سيلان الطبيعة الابدي والثانية وظيفتها علاج العلاقة الافقية شرطا لاكتشاف السنن للسلطان على سيلان التاريخ الأبدي.وبهذا فقد اكتشفنا العالم الذي يحل فيه الإنسان المبدع الذي يخرج من العالم الطبيعيوالعالم التاريخي إلى عالم أرحب منهما فيتعامل معهما وكأنهما حالة ما من إمكان مفتوحلعدة حالات فيعتبرهما بعض الممكن وأحد العوالم اللامتناهية التي يبدعها الإنسان كمقدرات ذهنية برؤى الوجدان والفرقان.وبتطبيق هذه المقدرات الذهنية المستوحاة من واحد الرؤى أو واحد الديني والفلسفيعلى الموجود القائم بذاته من دون أن نعلم حقيقته ولا حقيقة قيامه بذاته رغم أننا نتلقىمنه معطيات عن طريق مداركنا الحسية الخارجية والداخلية فتوحي لنا بما يمسك بها من الانظمة فنعبر عنها بالمبدعات الذهنية.ومعنى ذلك أن لنا نوعين من التلقي وعلاقتين بينهما :التلقي الذي هو تلقي كبار المبدعينمن الرسل والفلاسفة وهو الرؤيوي المشترك بين الوجداني والعقلاني أو الدينيوالفلسفي .والتلقي الذي هو تلقي جميع البشر وهو الإدراك الحسي .وكلا التلقيين موحيان لكل إبداع إنساني لاستراتيجية النظر والعمل.واستراتيجيات النظر والعقد (في مصدري الإدراك الحسي واللاحسي) واستراتيجياتالعمل والشرع (نظام الإدراك الحسي واللاحسي) تعني أن الإنسان لا يمكن أن يعلمالمخلوقات القائمة بذاتها خارجه بما فيها ذاته التي هي خارج ذاته من دون أن يخلق هو بنفسه كائنات مطلقة الشفافية هي أدوات علمه وعمله.ولا نعلم حقيقة العالمين الطبيعي والتاريخي اللذين هما مصدر ما نتلقاه من معطياتحسية حول الوجود القائم بذاته خارجنا بما في ذلك وجودنا الشخصي ولا نعلم حقيقةأبو يعربالمرزوقي 25 الأسماء والبيان
الديني والفلسفي اللذين هما مصدر ما نتلقاه من معطيات لا حسية حول ما وراء الوجود القائم بذاته .وهما موحيان لبدعي الاستراتيجيات.وسواء كانت الاستراتيجيات للنظر والعقد في علوم الطبيعة أو للعمليات والشرع في علومالإنسان فلا بد من الجمع بين الوجود الخارجي (الطبيعة وماوراءها والتاريخ وماوراءه)والقدرة الذاتية لمعرفة قوانين الطبيعة وسنن التاريخ تطبيقا للمقدرات الذهنية بنوعيها على ما نتلقاه من الطبيعة والتاريخ.هل معنى هذا أن الوحي ليس خاصا بالرسل؟ نعم .إذا كان القرآن يعتبر الرسول الخاتممذكرا وليس مقدما للإنسان ما ليس عنده فمعنى ذلك أن الوحي عام لكن الرسل هم منفضلهم الله بعدم نسيان ما في كيان الإنسان من دين فطري وهم إذن لا يتميزون بمضمون الموحي بل بخاصية عدم نسيانه.والرسول الخاتم ليس رسولا برسالته فحسب بل هو أيضا رسول بكل الرسالات السابقة والتي لم يكن تذكيرها كافيا لينهي آفة النسيان .ويثبت ذلك أمران: .1خاصية \"مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه\" بمعنيين يحفظه مما شابه من تحريف فالهيمنة هي ائتمان عليه. .2شرط الإسلام الإيمان بكل الرسالات السابقة.وكنت دائما متحيرا في هذه المسألة حتى فهمت الآية 177من البقرة :فالإيمان بالسابقمن الكتب والرسالات والرسل لا يختلف عن الإيمان بالقرآن لأن المطلوب الإيمان به منها هوما تصبح عليه عندما يحررها القرآن مما شابها من تحريف أي عندما ترد إلى القرآن الذي هو الديني فيها وما عداه تحريف.فلكان الآية 177تكرر بمقتضى التفصيل الإيمان بالرسول الخاتم وبرسالته ببيان أنذلك يقتضي الإيمان بما يرد إليه في الرسالات السابقة وتنزيه الرسل السابقين منالتحريفات التي طرأت على رسالاتهم .فهي جميعا تذكير لمن نسي الديني الفطري (طبعا بشرائع مختلفة لأنها إضافية إلى النضوج الإنساني).أبو يعربالمرزوقي 26 الأسماء والبيان
مصدر الرؤى الدينية والفلسفية واحد وهو الديني والفلسفي الفطري أو الوعي بأنللطبيعة والتاريخ (والإنسان مكون منهما) ما وراء موجود بالفطرة في وجدان الإنسانوفرقانه والرسل وكبار الفلاسفة أمدهم الله بتلقي التذكير من خلال تدبر الكون طبيعيه وتاريخيه وهم مكلفون بصوغ الرؤى بالوجدان والفرقان.وما يتميز به الرسول الخاتم -ولذلك كان خاتما-هو بيان هذا التطابق بين الوجدانيوالفرقاني في القرآن الكريم لأنه ليس تذكيرا بالمعجزات التي تخرق النظام للتأثير فيالخيال بل هو تذكير بالنظام الطبيعي والتاريخي أو بقوانين الطبيعة وسنن التاريخ التي طبيعتها :استراتيجية رياضية وسياسية. والاستراتيجية الرياضية نوعان: .1ابداع المقدرات الذهنية النظرية وإبداع تطبيقاتها على معطيات الطبيعة وذلكهو العلم وشرطه العقد أي الإيمان بوجود العالم الطبيعي وبكونه ذا قوانين وبكون الإنسانقادر على اكتشفاها بالعقل والتجربة .فهي خلقت بقدر والقوانين هي اكتشاف هذا القدر الرياضي. .2ثم ابداع المقدرات الذهنية العملية وإبداع تطبيقاتها على معطيات التاريخ.والتاريخ له سنن لا تتبدل ولا تتحول واكتشاف هذه السنن يعني اكتشاف تشريعات أوأنظمة من المواضعات الإنسانية التي هي جوهر الاستراتيجيات العملية والسياسية للإنسان في علاقته بالطبيعة وبالإنسان وبذاته.ولما كان الرسول خاتما فالقرآن هو التذكير الأخير وهو ما يعني أن الإنسان بات متحررامن النسيان وأصبح حضور مضمون الرسالة التي تم التذكير بها حاضرا حضور العالمالطبيعي والتاريخي أمام وعي كل إنسان وهو ما يعني أن الامة يكفيها أن تكون موجودة ومطبقة للإسلام حتى تكون تجسد التذكير النهائي.ولا أقصد بوجود الأمة وتجسيد التذكير النهائي هو مجرد الوجود العضوي والمادي بلالوجود التي يجسد حرية الإرادة وحقيقة العلم وخيرية القدرة وجمالية الحياة وجلاليةأبو يعربالمرزوقي 27 الأسماء والبيان
الوجود .فإذا فقدنا هذه المقومات الوجودية والخلقية نفقد معاني الإنسانية فلا نبقى جديرين بالاستخلاف وشاهدين على العالمين. ويتحقق لنا ذلك بشروط أهمها: .1أن يكون لنا استراتيجية قرآنية في النظر والعقد تعالج علاقتنا بالطبيعة لنكون قادرين على تعمير الارض. .2أن يكون لنا استراتيجية قرآنية في العمل والشرع تعالج علاقتنا بالتاريخ لنكون قادرين على الاستخلاف. .3أن يكون لنا بهذين الاستراتيجيتين شروط الرعاية. .4ثم أن يكون لنا بهذين الاستراتيجيتين شروط الحماية الذاتية للرعاية الذاتية .5وأخيرا فهذان الاستراتيجيتان هما جوهر السياسية ببعديها أي التربية بلا وساطةوالحكم بلا وصاية وهو ما يعني أن نطبق حرفيا الآية 38من الشورى في كل أمورنا الدنيوية والاخروية.والآية تجعل الاخروية متقدمة وهو معنى \"استجابوا لربهم\" ومن ثم فالاستجابة إلى الربهي عين الإيمان بمضمون الرسالة الذي يرد إلى تذكير الإنسان بمنزلته الوجودية معمراللأرض وخليفة بمعنى أنها تذكره بضرورة الإيمان بحرية إرادته وبحقيقة علمه وبخيرية قدرته وبحمال حياته وبجلال وجوده.وتبشره بكل الخير في حياته الدنيوية والأخروية إن عمل بما يترتب على هذه المقوماتوتنذره بالعكس إن لم يفعل فيكون مسؤولا عن خيره وشره في الدنيا والآخرة .وما لميراع ذلك فلن يكون منتسبا إلى خير أمة أخرجت للناس ولن يشهد على العالمين .ذلك أنه خسر منزلة المذكر بالرسالة بمجرد وجوده.فوجوده بدونها كعدمه .لان ما يذكر من وجوده هو هذه القيم الملازمة للمقومات لتكوندالة على أن التذكير النهائي متجسم في أمة محمد .فمن لم يكن حر الإرادة وصادق العلموخير القدرة وجميل الحياة وجليل الوجود يعبد غير الله وباطل العلم وشري الإرادة وقبيح الحياة وذليل الوجود فليس مسلما.أبو يعربالمرزوقي 28 الأسماء والبيان
أما بقية الآية فتحدد طبيعة نظام الحكم (أمر الجماعة=جمهورية) وأسلوب الحكم(شورى بين الجماعة=ديموقراطية) .والجمهورية الديموقراطية المباشرة هدفها الاساسيعلاج شروط العيش المشترك السلمي بحل المشكل الاقتصادي الاجتماعي :الانفاق من الرزق وأبوابه معلومة.أبو يعربالمرزوقي 29 الأسماء والبيان
كيف يمكن أن نستنتج من الرؤية القرآنية بعد أن عرفناها في المحاولات السابقة والتينعتبر ما حل بعلوم الملة من تحريف علته عدم البدء بتعريفها لتفتح نظاما من الآفاقالمنتظمة المحررة مما حدث في التعامل مع القرآن بتفتيت وتشتيت أشبه بما حل بدار الإسلام من تفتيت وتشتيت مصدرين للانحطاطين. الانحطاطان هما: .1انحطاط النظر والعقد علة للعجز في علاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة شرط الاستعمار في الاض. .2انحطاط العقد والشرع علة للعجز عن علاج العلاقة الأفقية بين الإنسانوالتاريخ شرط الاستخلاف .وغياب الشرطين هو معنى فساد معاني الإنسانية والتحول إلى عالة (ابن خلدون).وكما أسلفت فإن العلاقة الأفقية مقدمة على العلاقة العمودية لأنها هي التي تتأسسعلى الوجود والإرادة اللذين يترجمان في العمل والشرع بالرؤية والسياسة والعلاقةالعمودية تتبعها لأنها أحد أبعاد الرؤية والسياسة بل هي أهم أدواتها لتحقيق الغاية التي هي القدرة المادية والروحية.فيكون مجال العلاقة العمودية هو مجال العلوم بالمعنى الذي عرفناه في المحاولة السابقةأعني في نوع ابداع المقدرات الذهنية المؤسسة للمعرفة (استراتيجية الرياضيات الخالصة)التي تتأسس عليها العلوم (استراتيجية الرياضيات المطبقة على التجربة الطبيعية والتاريخية).ويكون مجال العلاقة الأفقية هو مجال الفنون بالمعنى الذي عرفناه في المحاولة السابقةأعني في نوع ابداع المقدرات الذهنية المؤسسة للأذواق (استراتيجية السياسيات الخالصة)التي تتأسس عليها الأعمال (استراتيجية السياسيات المطبقة على التجربة التاريخية والطبيعية).أبو يعربالمرزوقي 30 الأسماء والبيان
وثمرة العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة هي الثروة وهي موضوع التبادل فيالجماعة وبين الجماعات وثمرة العلاقة الأفقية بين الإنسان والإنسان هي التراث وهوموضوع التواصل فيهما .وطبعا فالتواصل مداره الثروة والتراث كذلك .التواصل في الاولي حول التبادل وهو في الثانية حول التواصل ذاته.والتبادل في ذروته الاعم التي تحتوي كل المتبادلات بالقوة هو رمز الفعل أو العملة.والتواصل في ذروته الأعم التي تحتوي كل التواصلات بالقوة هي فعل الرمز أو الكلمة.فيصبح كل الوجود الإنسان من حيث هو كائن عضوي روحي محكوما برمزين :رمز الفعل أو العلمة وفعل الرمز أو الكلمة.ولذلك فالرؤية القرآنية تجعل دور التذكير ووظيفة البشير والنذير في ما يتعلق بقيمالاستخلاف الضامنة لأهلية الإنسان له مدارها أحكام هذين الأداتين أداة التبادل الأعلىوأداة التواصل الأعلى :فإذا فسدت أداة التبادل وأداة التواصل وتحولتا إلى سلطان على المتبادلين والمتواصلين فسدت كل القيم.وفساد الرمزين رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) هو ما يرمز إليه القرآنببعدي العجل في دين العجل :فساد العملة أو مادة العجل التي هي الذهب (العملة) وفسادالكلمة أو صوت العجل الذي هو الخوار (الكلمة) .وهذا الفساد المضاعف يفسد الدنيا والآخرة ولذلك فهو ذروة التحريف الديني.وينبغي هنا أن نذكر بالقيم في بعدها المادي وهي موضوع ما يقدر بالعملة والقيم في بعدهالروحي وهي موضوع ما يقدر بالكلمة (صاحب كلمة مثلا) .فالغش في العملة والربايفسدان العملة والخداع في الكلمة والكذب يفسدان الكلمة .وإذا فسدت العملة فسد التبادل وإذا فسدت الكلمة فسد التواصل.وعادة ما يميز في القيم المادية (الاقتصادية) نوعان من القيم :الاستعمالية والتبادلية.وعادة ما يميز في القيم الروحية (الثقافية) نوعان من القيم :الجمالية التي تطلب لذاتهاوتقبل الدخول في الاقتصاد والجلالية التي لا تقبل الدخول في الاقتصاد لكونها تتعلق بكرامة الإنسان.أبو يعربالمرزوقي 31 الأسماء والبيان
وأصل هذه القيم الاربع التي هي فروعه هو كيان الإنسان من حيث قيامه العضويوقيامه الروحي .ومعنى ذلك أن كل القيم هي في الحقيقة منزلة أبعاد الإنسان \"المادية\"من حيث هو كائن ذو حاجات عضوية وأبعاد الإنسان الروحية من حيث هو كائن ذو حاجات روحية .والجامع لا يقبل البيع والشراء والتبادل.والقيم المادية أو الاقتصادية معلومة ولا تحتاج إلى شرح .لكن القيم الروحية بحاجةإلى شرح وخاصة الفرق بين القيم الجمالية والقيم الجلالية .فيمكن أن يشتري أميرمراهق لوحة بما كان يمكن أن يعالج حاجات جيل كامل من شباب شعبه لكنه لا يمكن أن يشتري شرف إنسان حر يفضل الموت على فقدان شرفه.الشرف قيمة جلالية لا يتنازل عنه أحد إلى إذا كان ذليلا ولا يفهم معنى الجلال .فتكونالقيمة الرابعة من فروح الكرامة أسمى القيم لكن سموها علته جمعها بين كل القيمالفرعية الاربعة بمعنى أن الكرامة تقتضي أن يكون للإنسان سهم في الفروع كلها ليكون رئيسا بالطبع وأهلا للخلافة.الآفاق المنتظمة التي تترتب على الرؤية لأنها تجري في الإطار الممكن العام أعني في عالمالمعاني وليس في عالم الدلالات تبدو وكأنها مبدعة لموضوعاتها التي تحيل عليها من جنسالميثولوجيا واليتوبيا وليست من جنس محاكاة موجودات سابقة الوجود عنها كما في حالة عالم الدلالات.ومعنى ذلك أن ضرورة إيجادها قبل علم عالم الطبيعة والتاريخ للعمل فيهما على علمشرط في علمهما والعمل فيهما بمقتضى علمهما الذي يصاغ ويعبر عنه بها .فالآفاق المنتظمةهي التقديرات الذهنية للنظر والعقد أساسا لعلم الطبيعة والتاريخ وهي التقديرات الذهنية للعمل والشرع للعمل فيهما على علم.فيكون الإنسان لا يستطيع أن يعلم الطبيعة والتاريخ ولا يستطيع أن يعمل فيهما علىعلم إلا إذا \"خلق\" عالمين من التقديرات الذهنية التي لا مرجعية خارجية لها من جنسالطبيعة والتاريخ ذوي الوجود المدرك بالحواس بحسب درجات تطويرها لمضاعفة فاعليتها بما يصنعه من أدوات لتقوية مداركها.أبو يعربالمرزوقي 32 الأسماء والبيان
فما من علم إلى وهو رياضيات تطبيقية وما من عمل إلى وهو أخلاقيات تطبيعية.فالطبيعيات والإنسانيات رياضيات تطبيقية أولاهما بوضوح تام ودقة متناهية والثانيتسعى إلى أن تصل إلى هذا المستوى لكنها تبقى دون ذلك لأنها أكثر تعقيدا ولذلك فالرياضيات فيها كيفية وليست كمية.فما من علم إلى وهو رياضيات تطبيقية وما من عمل إلى وهو أخلاقيات تطبيعية.فالطبيعيات والإنسانيات رياضيات تطبيقية أولاهما بوضوح تام ودقة متناهية والثانيتسعى إلى أن تصل إلى هذا المستوى لكنها تبقى دون ذلك لأنها أكثر تعقيدا ولذلك فالرياضيات فيها كيفية وليست كمية.إذا كان ذلك كذلك ولم نقل بالخلق عن عدم فلا بد من أن نعتبر المقدرات الذهنيةبنوعيها ذات مصدر ما والفرضية الاقرب للرجحان هي أن للإنسان تلق من طبيعة مختلفةعن التلقي الحسي الذي هو الركن الثاني للعلم والعمل بعد هذا الركن الاول أو المقدرات الذهنية .فهل هي فطرية ويكفي تذكرها؟هل يمكن القول بنظرية سقراط وأفلاطون فتكون من جنس الفطرة الدينية في الرسالةالإسلامية التي تقول إن الرسول لم يأت بعلم ليس موجودا عند الإنسان بل هو يذكر بعلممركوز في ذات الإنسان المفطور عليه؟ لكن ألا يعتبر القرآن العلم مكتسبا وليس فطريا؟ فما هو المكتسب وليس فطريا؟فرضية العمل عندي هي أن المكتسب هو العلم والعمل بالطبيعة والتاريخ أي العلم بماله مرجعية خارجية سابقة عنه والعلم فيه أي الطبيعة والتاريخ بما فيهما الذات الإنسانيةلكن التقديرات الذهنية السابقة عنهما والمشروطة فيهما مبدعة لموضوعها وعلمه والعمل فيه وهي ليست من جنس الإدراك الحسي.ولنقل إنها من جنس القدرة على الإدراك الحسي .ولو افترضنا أن الإدراك الحسيمبدع لموضوعاته لكان هو بدوره من جنسها .لا نستطيع أن نسلم بأن الأدراك الحسي مبدعللموضوعات التي يدركها رغم أنه في الحقيقة مبدع لها بنحو ما لأن ما يدركه من الطبيعة والتاريخ يثبت له العلم أوهام بمنظور علمهما.أبو يعربالمرزوقي 33 الأسماء والبيان
فما نراه أو نسمعه أو نشمه أو نذوقه أو نملسه من العالم \"المادي\" طبيعيا كان أو تاريخيانكتشف بالتدريج وبحسب تطوير أدوات إدراكنا الحسي بفضل ما نبدعه من أدوات تقويةفاعلية الحواس مختلف تماما عما ندركه بها مباشرة من دون هذه الأدوات .إنها مبدعات حواسنا وليست حقيقة العالم الخارجي.فلو افترضنا تطور أدوات الإدراك الحسي التي نصنعها لا متناهيا لكانت مستويات موضوعالإدراك الحسي غير المباشر بتوسطها لامتناهي المستويات وكل ما تقدم على المستوى \"م\"من المستويات \"م 1-إلى غير غاية\" هي من إبداع مستوى الإدراك الحسي السابق عليه فيكون \"م\" هو بدوره إبداعا لمستواه كذلك.هل معنى هذا أن القول بالوحدة المطلقة الصوفية هو الحقيقة؟ أعني هل حقيقة الوجودالخارجي لا تتجاوز هذه المستويات الإدراكية التي هي من صنع مستويات الإدراك الحسي؟فيكون الإنسان صاحب هذه القدرة على \"خلق\" مرجعيات إدراكاته فيكون لنا مقدرات ذهنية ومقدرات حسية بحسب عالمين مختلفين؟لكن الإنسان هو بدوره موضوع للإدراكين فهل هو بدوره مقدر ذهني ومقدر حسي فيكونبهذا المعنى مقدرا ذهنيا مبدعا لذاته المعقولة والعاقلة ومقدرا حسيا مبدعا لذاتهالمحسوسة والحاسة؟ ألسنا بهذه نؤله الإنسان أم نحن أمام نسخة ممثلة لحقيقة الإله دون أن تكون إلها وهو معنى الخلافة العميق؟هل يكون هذا مجرد نسخة من الله تجعل الإنسان يعرفه بمعرفة ذاته لأنه في آن يدركأن ما يمكن أن يغتر فينسبه إلى ذاته لا يمكن أني كون من \"إبداعها \" بل هو تلق من جنسالتلقي الحسي .فنحن نتلقى بالحواس معطيات تحيل إلى مرجعية خارجية نعلم أننا لسنا نحن صانعيها.ذلك أن عدم تناهي مستويات ما ندركه من الطبيعة والتاريخ أو العالم الخارجي الذينسميه واقعا بتطور أدوات إدراكنا لا نصل فيه إلى لحظة يكون فيها إدراكنا هو موضوعذاته وينتهي وجود المدرك الخارجي بل إن كل مستويات إدراكنا تبقى دون الإحاطة بالموضوع الخارجي.أبو يعربالمرزوقي 34 الأسماء والبيان
فيكون اللاتناهي هو استحالة استنفاذ الفضل بين إدراكنا وموضوعه .والفضل الذي هولصالح الموضوع الخارجي يعني أن إدراكنا لا يحيط بالوجود وهو معنى استحالة رد الوجودإلى الإدراك بالمعنى الخلدوني ومعنى العلم غير المحيط لوجود الغيب أو عدم معرفة حقيقة الموضوع علما يلغي الفضل.أبو يعربالمرزوقي 35 الأسماء والبيان
فضلت أن أعتبر المحاولة السابقة متواصلة في هذه فضممت فصولها إلى فصولها فتكلمتفي مفهوم جديد اسمي به ما يترتب على الرؤى من أنظمة ممكنة تؤطر الوصل بين الرؤيةوما يمكن أن تفتح من آفاق فيها لعلاج العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة وبينه وبين التاريخ وما ورائهما.فسميت ذلك \"الآفاق المنتظمة\" أو سبل الإنسان في تعامله مع شروط قيامه في الطبيعةوالتاريخ وما ورائهما وما بينهما من علاقات ليعمر الارض بقيم الاستخلاف أو بدونها في ماله فيه حرية الاختيار من القيم الخمسة وصفا لمقوماته :حرية إرادته وصدق علمه وخير قدرته وجمال حياته وجلال وجوده.وقد أطلت الكلام إلى حد الآن في \"النظر والعقد\" فبدا وكأني أهمل \"العمل والشرع\"رغم أني لمحت تلميحا إلى أصناف القانون برؤية التي أقصدها بكلمة الشرع (ليس الشرعالمنزل فحسب لأن كل شرع إنساني وضعي إذا توفر فيه شرطا الشرعية كان جدير التقديس له) مختلفة تماما عما اعتيد في الكلام عنه.لذلك فقد حان الوقت للكلام بأكثر وضوح في المسألة ببعديها \"العمل\" و\"الشرع\" كماتكلمت بالتفصيل في مسألة النظر والعقد .فكلاهما ينتسب إلى الآفاق المنتظمة التي تترتبعلى الرؤية التي هي في حالتنا ما حاولت تعريفه رؤية إسلامية على سبيل فرضية العمل العلمية دون الزعم بما يتجاوز ذلك.ولأذكر بهذا التعريف حتى يفهم المنهج الذي يستنتج منها الآفاق المنتظمة التي أدرسهابوصفها مستمدة منها ومترتبة عليه .فالرؤية هي مضمون القرآن الكريم بوصفه رسالةخاتمة وكونية .وهي تعرف نفسها بكونها كذلك وبوظيفتها التذكيرية التي يكون فيها مبلغ الرسالة بشيرا ونذيرا. والتعريف مستنتج من هذه الخصائص: .1رسالة بأبعادها الخمسة.أبو يعربالمرزوقي 36 الأسماء والبيان
.2تذكير بموجود في كيان الإنسان .3مضمون الرسالة منسي .4المبلغ لا سلطان له على المرسل إليهم وهو واحد منهم .5الرسالة مصحوبة بنقد للتجربة الإنسانية في تحقيق مهمتي التعمير والاستخلاف ومشروع إصلاح سياسي تربية وحكما من أجلهما. وأبعاد الرسالة الخمسة هي: .1المرسل (الله) .2المرسل إليه (الإنسان) .3الرسول (النبي محمد) .4مضمون الرسالة هو نظام العمل والشرع لتعمير الارض اختبارا لأهلية الإنسان للاستخلاف (السياسة :نظام التربية ونظام الحكم) .5طريقة تلقي الرسالة (الوحي بأشكال متعددة تستكمل النظر والعقد).ولأنها رسالة لا ينبغي أن تتضمن ما لا يفهمه المرسل إليه خاصة وهي تستثني علم الغيبمما جهز به المرسل إليه لعلاج المهمتين وإذن فلا يمكن أن يكون فيها علم به ولا حتى بالشاهدلأنها كرؤية توجه إلى حيث على الإنسان البحث ليوظف جهازي النظر والعقد للتصور المعرفي والعمل والشرع للإنجاز الفعلي.ركزنا في البحث إلى حد الآن على البعد الأول أي النظر والعقد وشروط العلم والعملفي مستوييها الاول أو المقدرات الذهنية النظرية والعملية والثاني في تطبيقاتها على عالمالتجربة الطبيعية والتاريخية وهي مرحلة أولى ضرورية للوصول الى الكلام على البعد الثاني أي العمل والشرع الأكثر تعقيدا.ولنشرع الآن في فهم نظام الآفاق العملية التي هي أكثر تعقيدا بسبب تضمنها الآفاقالنظرية إذا كان العمل والشرع على علم وليس رماية في عماية كحال الأفراد والجماعاتعديمة الاستراتيجية في تحقيق مهمتي الإنسان من حيث هو مستعمر في الارض ومستخلف فيها بما وصفنا من مقومات ذاته وقيمها.أبو يعربالمرزوقي 37 الأسماء والبيان
ما ذكرته في إشاراتي حول مستويات القانون قلبت الترتيب فتكلمت على الشرع قبلالعمل مثلما فعلت عندما تكلمت على العقد قبل النظر وهذا أمر ضروري في الحالتين .فلانظر من دون عقد ولا عمل من دون شرع .لا يشرع الأنسان في النظر من دون مبدأين عقديين ولو على جهة الفرض.فمن لا يعتقد ولو على جهة الفرض بأن \"شيئا ما\" موجود وذو نظام هو موضوع العلم أولاوبأن الإنسان له القدرة على اكتشاف ذلك النظام بمدركه العقلية والحسية لا يمن أنيشرع حتى مجرد الشروع في البحث العلمي .ومن لا يسلم بذلك لا يدري فيم يتكلم .البحث العلمي وتصديق نتائجه يتأسسان على ذلك.وكل سخافات المجادلين في العقائد من أدعياء العقلانية لا يستطيعون أن يثبتوا أن ذلكمن العلم وليس من العقد وكل ما يمكن أن يقبل منهم هو نسبة هذين الشرطين لعقل إلهيمدبر للنظام في الموضوع وللقدرة المعرفية في الإنسان .وحينها تفقد العقلانية اساسها. فالنظام والقدرة بحاجة إلى تعليل معقول.ونفس القلب في الترتيب يحتاجه العمل والشرع .فالعمل يفترض أمرين كذلك :فلا بدأن يكون تحقيق شيء ما مشروطا بنظام توالي الأفعال في مسار تحقيقه والتوالي فيه\"قانون\" أو \"سنة\" ترتب الأفعال وتقسمها بين المشاركين في العمل وهذا هو معنى الشرع وضعيا كان أو منزلا.وهذا النظام المرتب لمراحل الإنجاز بمسار توالي الأفعال وتقسيم العمل لا يكفي أنيكون شرطا في العمل نفسه بل هو كذلك شرط في قدرة الفاعل العملية أي إن الإنسان لوكان يمكن أن يقوم بعمل مباشرة من دون أن يتقدم عليه خطة تصورية قبل المرور إلى الخطة الإنجازية لما كان عمله عملا بل اضطراب.وإذن فالتناظر بين النظر والعقد والعمل والشرع تام .النظر يناظر العمل والعقديناظر الشرع .والعنصر الثاني من الزوجين شرط العنصر الاول منهما بخلاف ما يعتقدهأصحاب الآراء العجلى ممن لا يتدبرون طبائع الأشياء :فلا ينظر من لا يعتقد ولا يعلم من لا يشرع :وهذا مترتب على الرؤية.أبو يعربالمرزوقي 38 الأسماء والبيان
العلاقة بين النظر والعمل والعلاقة بين العقد والشرع متناظرتان والثانية شارطةللأولى دائما حتى وإن كانت الأولى قادرة على تغيير الثانية لأنها تعدلها بأن تحدد نوعالعقد ونوع الشرع الملائمين لنوع النظر ولنوع العمل بحسب تطور النظر والعمل وخاصة أدواتهما المضاعفة لقدرتي الإنسان فيهما.رأينا معنى مشروطية النظر بالعقد وعلينا الآن أن نبحث في معنى مشروطية العملبالشرع .وقد سبق فعرفتهما بكون النظر والعمل كلاهما مبني على استراتيجية علاج علاقةما .وعلى التعيين فالمشروطية الأولى هي كون النظر والعقد علاجا للعلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة عامة والطبيعي في الإنسان.والمشروطية الثانية هي على التعيين كون العمل والشرع علاجا للعلاقة الأفقية بينالإنسان والتاريخ عامة والتاريخي في الإنسان وهذه المشروطية الثانية تتضمن في آنالمشروطية الأولى لأن النظر والعقد نوع خاص من العمل والشرع ويخضعان لهما بهذا المعنى خضوع البعض للكل.أعتقد أن هذا كاف لتعليل تقديمي الكلام في الشرع على الكلام في العمل مثل تعليليتقديم الكلام في العقد على الكلام في النظر .وسأشرع في الفصل الموالي تعميق البحث فيمستويات القانون أو الشرع الأربعة التي أشرت إليها باعتبارها كلها خاصة لشرع الشرع أو معياري الأمانة والعدل أصلا لكل شرع.فقد ذكرت القانون المدني والقانون الجنائي والقانون الإداري والقانون الدستوري.ويبدو أن الأول والثاني لا خلاف حول مدلولهما .والثالث والرابع ما يزالان غيرمحددين .ويحتاجان للمزيد منه .لكن الإشكال كله هو في اعتبار مبدأي الأمانة والعدل أصلا لكل مستويات القانون وهما قانون القانون.فما لا نفهم معنى الأمانة ومعنى العدل يمتنع أن نفهم معنى قانون القانون أو كونهما مابه يكون القانون قانونا ذا شرعية .فالأمانة تعني أن القانون مؤتمن على أمر والقائم عليه ممثل لصاحب الأمانة فيكون العدل ذا معنيين: .1العدل بين صاحب الأمانة والمؤتمن عليهاأبو يعربالمرزوقي 39 الأسماء والبيان
.2العدل بين المحتكمين إليه.وصاحب الأمانة بالنسبة إلى الرؤية القرآنية مضاعف :الله أولا وخلفائه ثانيا أيالجماعة .فيكون القاضي مثلا مؤتمن على ما تمثله إرادة الجماعة المشرعة بوصفها مؤلفةمن خلفاء الله في العمل بقانون القانون أي بالأمانة والعدل لأنها هي الأمينة على معاني الاستخلاف أو مقومات الإنسان بقيمه.والمشرع ثم القاضي ثم المنفذ كلهم مؤتمنون على الأمانة التي تمثلها إرادة الأمة المشرعةبمقتضى ما تراه مطابقا لإرادة الله المتعينة في مقومات الإنسان بقيم الاستخلاف وبتحريمسوالبها :الإرادة بقيمة الحرية والعلم بقيمة الحق والقدرة بقيمة الخير والحياة بقيمة الجمال والوجود بقيمة الجلال.وبهذا المعنى فمستويات القانون أو الشرع الأربعة وأصلها كلها مفطورة في الإنسان بحسبالرؤية القرآنية بمعنى أن الإنسان لا يتصور الالتزامات والعقود (القانون المدني)والعدوان على كرامة الإنسان (القانون الجنائي ومعتقداته وحقوقه) والعلاقة بسلط الدولة (القانون الإداري) ممكنة من دون قانونوهذه المستويات الثلاث الأولى من أهم موضوعات القانون الرابع الذي ينظم قانونياالترجمة السياسية للأساس الخلقي لكل القوانين أي القانون الدستوري (القانونالدستوري) .ويبقى الأصل القانون الخلقي الأسمى أو ما به يكون القانون قانونا شرعيا أصل القوانين كلها أعني الأمانة و العدل (النساء .)58ولولا تعالي هذا الأصل لاستحال أن تراجع الدساتير والقوانين .فالفروع الأربعة منالقانون كلها نظام لأمر من العمل والشرع واقع مثل القوانين العلمية التي هي نظام لأمرواقع من النظر والعقد وكلاهما دائم المراجعة في ضوء انفتاح أفق الفهم والتأويل للأمرين الواقعين بالقياس إلى مثلهما العليا.لم يبق إلا أن نفحص كيفية توالي هذه المستويات وتولدها بعضها عن البعض في الفصلالموالي .فالجنائي رغم اختلاف موضوعه عن المدني غالبا ما يكون هذا مصدر وجودأبو يعربالمرزوقي 40 الأسماء والبيان
موضوعه لأن أغلب الجنايات سببها عدم حصول الأمانة والعدل في المدنيات فيصبح الإنسان قاضيا ومتقاضيا في آن.أبو يعربالمرزوقي 41 الأسماء والبيان
بينت أن التحريفين اللذين حدثا في نظام الافق العلمي كان غائبا تمام الغياب في علوم الملةالخمسة (التفسير وأصوله وفروعه الأربعة في النظريين الكلام والفلسفة وأصولهما وفيالعمليين الفقه والتصوف وأصولهما) ونظام الافق العملي كان أكثر غيابا منه لأن الرؤية نفسها وما يترتب عليها مفقودان.ومن الأمثلة الساطعة والدالة عليه عدم التعجب من كون أكثر أحكام القانون الجنائيالإسلامي متعلقة بأهم موضوعات القانون المدني أعني الملكية سواء كانت ملكية مواد أوخدمات .وهو أمر حيرني حقا إذ كيف تكون أحكام الملكية الاعتداء على الملكية أشد من أحكام قتل النفس مثلا.ففي هذه تجد القرآن يشجع على العفو والقبول بالدية ولا يفعل في السرقة إذ لا عفوفيها وخاصة إذا كانت مسلحة (الحرابة) ولا قبول للتعويض مثلا .لم أفهم ذلك إلا عندمافهمت العلة الخفية في ذلك :فالتشدد في حكم الجنايات في الملكية والتخفيف في حكم جناية قتل النفس لهما نفس العلة العميقة.فغالبا ما يكون قتل النفس صادرا إما عن القصاص الذاتي أو الثأر وغالبا ما تكون بدايةهذا الاقتتال بالثأر والثأر المضاد ناتجا عن قضية متعلقة بالملكية أو بالشرف والعدوان على الملكية فيه عدوان على الشرف مرتين: .1المعتدي عليها استهان بقدرة صاحبها على حمايتها .2والملكية من كيان الإنسانفالملكية من كيان الإنسان من وجهين :هي زاد قيامه والله نفسه قال في النساء عن المالإنه قيام للإنسان .وهي ثمرة جهده الذي هو بعض من كيانه .فهي مدار كل القانون المدنيسواء كانت عينية بالفعل أو ما يمكن أن يتعين بالقوة لأنه ثمرة الجهد العضلي أو الفكري. كل العقود والالتزامات متصلة بها.أبو يعربالمرزوقي 42 الأسماء والبيان
حماية الملكية هي إذن حماية للحياة تماما كحماية الحياة مباشرة ولكن أكثر من ذلك لأنحمايتها تغني عما يهدد الحياة من جرائم جنائية وما يترتب عليها من قصاص مباشر في هوالثأر في المجتمعات إذا غابت العدالة فيضطر الناس إلى أخذ حقوقهم العنف بشكل من تحول المتقاضي يقضي وينفذ بنفسه.ولا يعني فهمي العلاقة بين المدني والجنائي ومثال العلاقة بين الحكمين في الجناياتالمتعلقة بالملكية أو المباشرة التي لا تبدو ذات صلة بها أني مؤيد للطريقة التي فهمت بهاالأحكام .ذلك أني أميز بين تحديد القرآن الكريم للحدود وتطبيقها الأعمى دون فهم أنها الحد الاقصى بإطلاق.ففي كل قانون وضعيا كان أو منزلا ليس الحد الأقصى في العقوبة إلا للحالات الخاصة جداعندما لا توجد مخففات في غالبية النوازل المعروضة والتي على القاضي مراعاتها دون أنيجعل ذلك تجريئا للمجرمين على القانون .والمبدأ هو في حدود الإمكان تحقيق الأمانة والعدل واحترام كرامة الإنسان.وما أسميه بالظروف الخاصة ليست متعلقة بأعيان المجرمين بل بالظرف العام الذي يجعلالأحكام من طبيعتها وهي ظروف تتكرر في كل الحضارات ما يعني أنها ليست تاريخية بمعنىأنها تزول بزوال أحد حصولات الظرف بل تبقى قائمة لأن الظرف يتكرر .فالظرف الاول في تاريخنا هو ظرف بناء دولة في لا دولة.فكيف كان يمكن لتأسيس دولة الأمانة والعدل في مجتمع كان قانونه النهب المتبادلوالاقتتال على الدائم بين القبائل العربية من أجل الثروة والمرأة ويعد ذلك مما يفاخر بهمن يعتبرون فرسانا وأبطالا؟ كيف يمكن تحويل ذلك بوصف قانوني صارم (سرقة وحرابة) له أشد العقوبات في ظرف بناء دولة القانون.وهذا الظرف يتكرر كما اختل النظام اختلالا يتهدد دولة القانون إذا كانت دولة قانونوشرعية ومن ثم تكون حالة الطواري معتمدة مبدأ تطبيق أشد العقوبات في الحدود التيهي تعني الحد الأقصى في العقوبة وليس العقوبة ذاتها التي يحددها القاضي بحسب تقديره للظرف العام ولظروف النازلة.أبو يعربالمرزوقي 43 الأسماء والبيان
وينبغي ألا نخلط بين الحد الذي هو القدر الأقصى من العقوبة والحكم الذي هو القضاءبطبيعة الفعل أو تثبيت الوصف القانوني للفعل الذي يستحق العقاب ويبقى الحد الأقصىمن بين ما يمكن أن يعتبره القاضي مناسبا لمقدار العقاب الذي يقدره القاضي بالنظر إلى ظرفيات النازلة كلها.وإجمالا يمكن رد الظرف إلى بعدين :ظرف الوضع العام أو النظام العام من منظور هذاالجنس من الجرائم والضرف الخاص للمتهم في نازلة بعينها من جنسها .وفي كل الأحوالفإن ما كان ضروريا لإخراج العرب من الجاهلية من صرامة في المسألة ليس دائما وإعادة النظر هذه في مفهوم الحد واجب.وهذه المراجعة لا تناقش في شرعية الحدود ولكنها تناقش في الخلط بينها وبين الحكمنفسه :الحد هو الحد الاقصى من العقاب الذي هو أداة الحكم وليس الحكم .الحكم هوتجريم المعتدي على القانون (وضعيا كان أو منزلا) والعقاب شيء آخر لأنه يقدر من القاضي بحسب المعطيات العنينية العامة والخاصة.والمعلوم أن من مبادئ القانون الإسلامي هو تقديم التخفيف على التشديد ويتبين ذلكخاصة من التشدد في الإثبات حتى إن ادنى حجة تدعو للشك في الإثبات تحسب لصالح المتهمبل إن الشريعة تشجع على التعاسر في الدليل على الإثبات والتياسر في الدليل على النفي عملا بمبدأ الرحمة.أمر الآن إلى العلاقة بين مستوي القانون الاولين والمستويين الثانيين .وأبدأ بالقانونالإداري .وهنا لا بد من التنويه بإشارة خلدونية تخص الحرابة .فهو يعتبرها ناتجة عنتقاعس بل وأحيانا عن مساهمة من ممثلي الدولة في تحقيق الأمن العام .ومعنى ذلك أن المتضرر من حقه أن يلجأ لمحاكمة الدولة.ومحاكمتها بوصفه شخصيا معنويا تكون بتوسط من يمثلها وهذا ينتسب إلى القانونالإداري .فيكون الجنائي (الحرابة) المتعلق بالمدني (الملكية) ذا علاقة بالإداري .وفيالحقيقة يمكن حتى في السرقة العادية من دون عنف قطع الطرق أن تتعلق بالقانون الإداري إذا أخل الأمن بواجبه حيث وقعت السرقة.أبو يعربالمرزوقي 44 الأسماء والبيان
وهذا الأخلال مضاعف :هناك الاخلال بعدم الحضور الرادع كما يحدث في بعض ضواحيالمدن الكبرى أو كما يحدث في التقاعس عن تنفيذ الأحكام وغض الطرف عن جماعاتاللصوص كما يحدث في حالات الفساد القضائي والامني وبسبب الفساد السياسي في الغالب.وأبرز الأمثلة متعلق بأدنى طبقات السراق ممن يضطرون للسرقة من اجل العيش الأدنىفي مجتمعات غابت فيها أبواب الإنفاق من الرزق التي تحددها الآية 177من البقرة .فإذاالفاروق أوقف تطبيق الحد في عام المجاعة تحميلا للدولة مسؤولية المجاعة فمن باب أولى تحميلها مسؤولية عدم الضمان الاجتماعي.والمشكل هو أن الحدود الأقصى لا تطبق إلا على الضعفاء .وأكبر اللصوص الذين يدعونالحكم بشرع الله وتطبيق الحد لو صدقوا لما بقي أحد منه ذا أيد أو أرجل .فهم ليسواسراقا ولا محاربين فحسب بل هم سراق ومحاربون بقوة الدولة أي إنهم \"حاميها حراميها\". ولو طبق الحد لقطعت أدي كل الحكام العرب.وليس الحكام وحدهم بل هم ونساؤهم وخليلاتهم وأبناؤهم وبلاطهم وطباليهم منالنوعين أي من الدعاة باسم الدين والدعاة باسم الحداثة ولم يبق أحد له حظوة وجاه لهرجل أو يد سلمية ومعهم جل القضاة وجل الاميين وجل السياسيين فلا يكاد يبقى إلا من لم يستطع مد يده للمال العام عجزا لا تعففا.ولا أكاد أصدق ان أحدا من القرآن يمكن بنزاهة أن يتهمني بالمبالغة في وصف الحال.فهي ربما أشنع مما استطعت وصفه .لذلك فإني اتساءل أحيانا ما الذي بقي فينا يمكنوصفه بكونه إسلامي هل العبادات الظاهرة المناقضة لكل ما من المفروض أن يكون ثمرة لها تسمى دينا إسلاميا؟أنا شخصيا لا اعتقد لذلك .فإذا كان أكثر الناس تظاهرا بالتعبد هم الدعاة وخاصةالجدد منهم فهذا وحده كاف لكي يكون وصفي دون الأمر الواقع شناعة .لست أشنع بالحالبل أشخص أدواءها لعلنا ندرك حقيقة القيم الإسلامية التي هي حرية الإرادة وحقيقة العلم وخيرية القدرة وجمال الحياة وجلال الوجودأبو يعربالمرزوقي 45 الأسماء والبيان
وهذه كلها منعدمة في مجتمع تسيطر عليه أشباه دول يحكمها الاستبداد والفساد المحليانوالاقليميان والدوليان حكما نتيجته ما وصفه ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية.فالطبقات الشعبية التي لم يعد بوسعها أن تعيش إلى بالعبودية والباطل والشر والقبح والذل خضوعا لمن هم أكثر منهم في ذلك.فمن يدفعون الضعفاء للعبودية والباطل والشر والقبح والذل هم أكثر عبودية وباطلوشر وقبح وذل في علاقتهم بمن يحتمون به في المحميات التي يسمونها دولا وهي في الحقيقةمعاقل للشعوب حتى يتقاسمون أرزاقها وثرواتها مع مافيات العالم التي تحكم بالحديد والنار فتولي وتعزل من تريد.وما ذكرت هذا من أجل كلام سياسي بل لأن في ذلك تعميم لما أقول في القانون الخاصبجماعة إلى القانون الدولي .فما يستعمره الاقوياء لو كان في العالم دولة جامعة للإنسانيةلكان خاضعا للمستويات الخمسة التي حددناها في كلامنا على القانون .نعاني من فساد خمس مستويات وطنية وخمس مستويات دولية.وكان يمكن أن اكتفي بالحال القانونية في الأمة .لكن دولة الإسلام وقانونه ليس خاصابالأمة بل هو كذلك شامل للإنسانية فهو يطبق نفس المعايير في الأمانة والعدل أساسالقضاء في الداخل والخارج بل هو لا يميز بني داخل وخارج في القانون إذ حتى الأعداء هو يطلب تطبيق نفس المعيارين عليهم.فلصوص العالم الاقوياء يسرقون ثرواتنا ويحمون مشاركيهم في سرقتها بل ويسرقونأوطانا بكاملها هم أو أذرعهم في الاقليم ولا يوجد قانون يحمي المسلمين وعندما يقاوم المسلمهذا الإجرام يتهم بالإرهاب حتى لو كان يدافع عن بيته وأرضه وعرضه وحتى لو تظاهر سلميا.وبنفس هذه التهمة صار كل مستبد وفاسد يفعل ما يريد بشعبه ويجد التأييد من أحدذراعي المستبد والفاسد الأكبر في العالم بالإعلام الزائف والسلاح وتعذيب الشعوب وسجنأفاضلها وهذا أيضا من مجالات القانون الدولي الذي لا يقل فسادا وظلما من القانون المحلي بل هما متلازمان.أبو يعربالمرزوقي 46 الأسماء والبيان
لم نعالج من مستويات القانون إلا الاولين ومن المفروض أن نتكلم اليوم في القانونينالإداري الدستوري أعنى النوعين الأحوج للتوضيح لأنهما يبدوان غير قابلين للتحديدكنظام آفاق من الرؤية القرآنية بسبب جدتهما أو بسبب اعتبارهما غير منفصلين عن الاولين فيعاملان بهما أو مباشرة من المرجعية.ولن نستطيع الحسم في الأمر قبل أن نزيد ما اعتبرناه أصلا لفروع القانون الاربعةبوصفه قانون القانون أو ما به يكون القانون شرعيا واقصد المستوى الخلقي من شروطأداء القانون وظيفته المحققة للأمانة التي تتولاها المؤسسات القانونية شرطا في كل عمل والقيمون عليها نيابة عن صاحب الأمر :الجماعة.وصاحبة الامر الجماعة هي بدروها نائبة عمن تعتبره صاحب الأمر بحق وهي خليفتهفيه أعني بالنسبة إلى المؤمنين الله وبالنسبة إلى غيرهم الطبيعة أو ما يقوم مقامها أو مقامالله أعني سلطان العقل الإنساني الذي ينفي أن تكون الإرادة المشرعة نزواتية أو تحكمية أو منافية لشرطي الأمانة والعدل.لكن هذا المبدأ الأصل أكثر تعقيدا من أن يحصر في هذين المقومين الأمانة والعدل(النساء )58لأن هذين يمثلان الوجه الخلقي المعرفي منه (الإرادة والعلم) وله وجه ثانيصاحب الخلقي دائما :إنه الوجه الوجودي (الرؤية والحياة) ويوحد بين هذين الوجهين المضاعفين غايتها وأصلها جميعا أي القدرة.وقد سبقت الكلام على الوجه الخلقي (الإرادة الحرة والمعرفة الصادقة) على الوجهالوجودي (الرؤية الجليلة والحياة الجميلة) لأن القانون هدفه تحقيق شروط الإرادةوالعلم حتى لو لم يكونا حرين وصادقين بسبب أن الرؤية قد لا تكون جليلة والحياة قد لا تكون جميلة فتكون الإرادة تابعة والعلم زائفا.إذ كما بينا فالقدرة التي هي الغاية سواء كانت مادية أو روحية يمكن أن تكون خيرة أوشريرة .فيكون القانون خاضعا للأمانة والعدل أو لخيانة الامانة والظلم .وبذلك يتبينأبو يعربالمرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search