أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
لا معنى لدولة فاقدة لشروط الحكم ،الذي يعبر عن سيادة جماعة من الجماعات .وهذهالشروط خمسة ،متعلقة بوظيفتي الدولة ،الحماية والرعاية ،وبأصل قيام الجماعة اساسهويتها الروحية والحضارية ،وهي مقومات السيادة ،أعني استقلال الإرادة القادرة قولا وفعلا:الأول والثاني شرطان مباشران :وهما شرطان ماديان ،أولهما لحماية الإرادة بالقدرة العسكرية. والثاني لحماية الرعاية بالقدرة الاقتصادية :وهما شرطا عدم التبعية المباشرة.الثالث والرابع شرطان غير مباشرين :وهما شرطان رمزيان ،أولهما لإنتاج أداة حماية الإرادة ،أعني القدرة العلمية والتقنية في المجال العسكري.والثاني لإنتاج أداة حماية الرعاية ،أعني القدرة العلمية والتقنية في المجال الاقتصادي.والشرط الخامس ليس ماديا ولا رمزيا ،بل هو أصل المادي والرمزي في آن .إنه عين جهازمناعة الأمة ،أو سر حصانتها المادية والرمزية :إنه روح الجماعة ،أو ما تعتبره عين ذاتهاوعين رؤيتها للوجود ولمنزلتها فيه .وهو بالنسبة إلى غالبية العرب والمسلمين ،الحضارة الإسلامية عامة ،والدين الإسلامي بصورة خاصة ،والقرآن الكريم بصورة أخص.فلو سألنا الآن أي دويلة من دويلات العرب ،أغنيائهم الواهمين أو فقرائهم المساكين،لوجدنا أنها جميعا فاقدة للشروط الأربعة الأولى .ومن ثم فهي عاجزة عن تمثيل الشرطالأخير ،أو عن بيان ما يتضمنه من حيوية وإرادة وجود حر وكريم :هي إذن دول صورية،لا سيادة لها ،وحكامها طراطير لا يستطيعون تحريك شيء من دون تلقي أوامر من حاميهم، باستثناء حرية الاستبداد والفساد في التعامل مع شعوبهم. 41
حصيلة العملية هي التالية :دول بدون سيادة ،يسمح السيد المتحكم فيها وحامي الحكاميسمح لهم ،بوصفهم مجرد نوابه فيها ،أن يفعلوا بشعوبها ما يشاؤون ،إذا كان ذلك يحقق له مصالحه التي لا تكلفه شيئا ،عدا حماية العملاء من شعوبها المقهورة.فماذا لو قبلوا المقترح الذي يرجع لهم مهابة السيادة ،ويبقي على مزاياهم دون استبداد ولا فساد ،لئلا تعاديهم شعوبهم فيحتاجوا لمن يحميهم ،أي لمن يعاملهم معاملة الخدم؟ الحل يسير :فعلته قبلهم أوروبا.لما شعرت كبارها أن حجمها بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد كافيا لتحقيق شروطالسيادة ،وأنها اصبحت مستعمرة تتقاسمها إمبراطوريتان ،كانتا فكريا على الأقل،مستعمرتيها سعوا بجد إلى الحل ولم يكتفوا بالتنافس على بقايا الاستعمار وعلى إذلال شعوبهم.التقى رجلان سياسيان -ديجول وإديناور-يفهمان العصر بمساعدة رجال الأعمالالمخلصين للأوطان ،فقرروا التخلص من قرون من الكراهية والحرب الأهلية الأوروبية،ليصبحوا ذوي سيادة في شؤونهم الداخلية وفي شؤون العالم .لم يتنازل أحد عن وطنيتهالقطرية ،ولا عن سيادته ،لكنه أضاف إليها وطنية أوسع تحميها وتمكن من استرداد شروط السيادة في الداخل والخارج في آن. فكيف يكون استرداد شروط السيادة؟ ولماذا يتطلب ذلك تجاوز الوطنية القطرية إلى وطنية أوسع؟ إنه ناتج عن طبيعة العلاقة الدورية بين الشروط التي أوردناها: فالشرطان غير المباشران ،لا يمكن تحقيقهما من دون الشرطين المباشرين. والشرطان المباشران ،ممتنعان من دون الشرطين اللامباشرين.وهي إذن علاقة تبدو حلقة مفرغة يعسر قطعها ،فكان عزم الرجلين قطع الدور الفاسدوحل الحلقة ،لأنه هو الحل الوحيد :فعلّة العجز العسكري المحوج للحماية الأجنبية ،وعلةالعجز الاقتصادي المحوج للرعاية الأجنبية ،أي علتا التبعية في الحماية والرعاية ،هو حجمالقطر بسبب ما بلغ إليه مستوى الصراع الدولي بالمقابل مع حجم الدولتين الوحيدتين، 42
اللتين كانتا قادرتين على خوض معركة التنافس الدولي ،الذي يخضع لمنطق التاريخالطبيعي ،أي لمنطق القوة في عصر العولمة :الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كاناعملاقين ،ودول أوروبا بعد الحرب العالمية وبعد فقدان مستعمراتها ،أصبحت أقزاما أمامهما.فكان الحل الجريء ،رغم أن الدولة القومية هي من إبداع أوروبا الحديثة ،التخلي عنهذا العائق أمام شروط الحرية والكرامة :فلكي نسترد القدرة على الحماية والرعاية أولا،لا بد من إزالة عوائق شروطها المباشرة ،أعني تحقيق الوحدة الأوروبية بحماية إنتاجشروط استقلالها الاقتصادي والعسكري المباشرين ،ثم بتطوير هذا الإنتاج المشروطبالبحث العلمي في المجالات العلمية والتقنية ،وجميعها لم تعد في متناول أي دولة ،حتى لو كانت بحجم الدول أوروبية كلا على حدة.وإذن فالشروط الأربعة الأولى تقتضي إحياء أصلها ،أي شرط الهوية المشتركة الساعيةنحو الوحدة بين الأوروبيين لتكون هي الأصل في تحقيق تلك الشروط الأربعة ،مع المحافظةعلى المستوى الأول من الهوية :فتكون ألمانيا أوروبيا أو فرنسيا أوروبيا إلخ...وبذلك تجعل الهوية ذات مستويين: في الداخل هوية قطرية، وفي الخارج هوية أوروبية.أما نحن فلحسن حظنا هذا الشرط المؤسس لا نحتاج إلى إيجاده أو إلى إحيائه ،لأنه لميمت كما حصل في أوروبا بعد زوال الوحدة المسيحية التي كانت موجودة في القرونالوسطى .لذلك فإنه لم يبق أمامنا إلا اليسير ،أعني أن نجد الحل المناسب لمعضلتين تنتجان عن حمق الكثير من النخب العربية:كيف تقنع الطبقات الحاكمة العربية ونخبها أنها تعيش على وهم من الحكم ،لأنها في الحقيقة أذل من أي حارس لحظيرة نخاسة تحت سلطان الاستعمار ونوابه في المنطقة.أنها يمكن أن تصبح ذات دور أكبر إذا جمعت بين سيادتين ،قطرية في الداخل ،وقوميةفي الخارج ،ونظمت الحكم بطريقة تجمع بين هذين المستويين لتأسيس الولايات المتحدة 43
العربية ،أو تجنبا لإحياء مشكل الأقليات ،ولايات الوسط المتحدة نسبة إلى ما يتوسط بين القارات القديمة الثلاث.ويمكن أن يقع الانطلاق من الجامعة العربية ،بأن تصبح مؤسسة فدرالية للدول العربيةدون تغيير لأي من أنظمتها السياسية ،مع جعلها متساوية السيادة في الداخل ،ومتداولةشعبيا على تمثيل السيادة الواحدة في الخارج ،إما بجعل كل الحكام أعضاء مجلس حكمواحد ينتخبون من بينهم بالتداول لمدة معينة أحدهم ،ليكون رئيس هذا المجلس ،أو بأنيضعوا دستورا من جنس دستور الولايات المتحدة الامريكية ،فيكون الشعب والأعيان هم الذين يختارون بمجلسيهما رئيس الدولة.حينها سيكون الأمير أميرا بحق ،والملك ملكا بحق ،والرئيس رئيسا بحق ،ولا يبقون كما هم الآن ،دمى تتلقى الأوامر من إسرائيل أو إيران أو خاصة أمريكا. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: