Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2022-08-17 01:27:46

Description: قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫‪--‬‬ ‫اعتقد‪-‬ولا فخر‪ -‬أني قد حاولت الاستعداد لذلك بالتكوين النظري وبشيء‬ ‫وبما حاولت المشاركة فيه من الممارسة العملية‪ .‬فأما النظر فقد بدأته بالفكر‬ ‫السياسي الغربي الحديث وأداتيه أي بمبادئ ضرور ية في الاقتصاد والقانون وبما‬ ‫يتميز به عمل القوى السياسية والمدنية فيه من آليات جرت بها العادة‪.‬‬ ‫ثم ثنيت بما أهمله الفكر الفلسفي العربي التقليدي الفلسفي والديني اللذين‬ ‫يشتركان في وهم الإحاطة في النظر والتمام في العمل بحيث صار القرآن يحاكم‬ ‫بأرسطو وأفلاطون ما يعني أنهم لا يختلفون كثيرا عن الفكر الفلسفي العربي‬ ‫الحالي الذي يحاكمه بماركس وهيجل ومثله الفكر الديني وخاصة الذي يدعي‬ ‫الحداثة‪.‬‬ ‫وما أعجب له شديد العجب غياب الوعي بخصوصية العمل السياسي الذي‬ ‫وضعه ابن خلدون في فصل ولاية العهد وسماه مبدأ عدم التأثيم حلا يتجاوز به‬ ‫ما يتهم به الصحابة عندما تصور الساعون لتدنيس تاريخ المرحلة التأسيسية من‬ ‫تاريخ الإسلام أن صراعهم الذي لا ينكره إلا معاند‬ ‫يقبل التقييم بمنطق عدم التناقض والثالث المرفوع في حين أنه في حل منهما‬ ‫لأنه اجتهاد عقلي بالطبع حول شروط جهاد الإرادة التي تصل بين الغايات التي‬ ‫هي جوهر البعد الخلقي من السياسة بالأدوات التي هي جوهر التوفيق بين‬ ‫‪48‬‬

‫‪--‬‬ ‫الضرورة والحر ية في تحقيق شروط قيام الإنسان المادي أي الاستعمار في‬ ‫الأرض وقيامه الروحي أي الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫عدت إذن إلى من اهتموا بنقد هذا الموقف ليس من باب دفاعهم عن الدين‬ ‫فلست ممن يختار رد الفعل من فكرهم بل من باب رفضهم لنظر ية في المعرفة‬ ‫تقول بالمطابقة والإحاطة وبنظري في العمل تقول بالمطابقة والتمام أي من باب‬ ‫ثورة ابستمولوجية‬ ‫تجعل العلم الإنساني اجتهاديا بالجوهر ومن ثم فهو ليس مطابقا لما يسمونه الواقع‬ ‫ولا محيطا بالوجود وثورة أكسيولوجية تجعل العمل الإنساني جهادي بالجوهر‬ ‫ومن ثم فهو ليس تاما ولا محيطا بالقيم‪.‬‬ ‫وتلك هي النتيجة التي شرع في بيانها الغزالي حتى وإن نكص دونها ثم تلاه‬ ‫ابن تيمية في النظر وختمها ابن خلدون في العمل لأن ذروة هذين الثورتين هو‬ ‫جعل ما بعد التاريخ بديلا من الميتافيز يقا التي ظنها الفلاسفة علما مطلقا وعملا‬ ‫تاما‪.‬‬ ‫ل كن هؤلاء الأعلام الذين عالجوا هذه الأبعاد في تراثنا الفكري أهملوا وهجروا‬ ‫بل ذهب حمقى الحداثة بزعمهم على التخلف والانحطاط وبالذات بسبب تلاقي‬ ‫‪49‬‬

‫‪--‬‬ ‫مواقف المحدثين بالقدامى في وهم المطابقة والاحاطة في علم الواقع والتمام في قيم‬ ‫الحقيقة‪.‬‬ ‫فكان حرصي الذي هو التحدي الأساسي في حياتي الفكر ية فرض العودة إلى‬ ‫هؤلاء الاعلام وبيان أنهم هم من يمثل هذا المشترك بين الفلسفي والديني‬ ‫وثورتهم المضاعفة في نظر ية المعرفة والنظر ونظر ية القيمة وما ترتب عليها من‬ ‫جعل ما بعد التاريخ العلمي والعملي‬ ‫بديلا من المتافيز يقا التي يتصور أصحابها العقل مرآة عاكسة لما يسمونه الواقع‬ ‫والإرادة قدرة خارقة لما يسمونه قيمه‪ .‬وليس بالصدفة أن كانوا ثلاثتهم من كبار‬ ‫فلاسفة السياسة ببعديها تربية وحكما‪.‬‬ ‫ل كن الغاية التي هي جوهر الثمرة التي اعتبر نفسي سعيدا بما حصل لي منها‬ ‫أعني قراءة القرآن ال كريم باعتباره بالأساس استراتيجية سياسية لتوحيد البشر ية‬ ‫بدءا بتكوين النواة الإسلامية أي نواة السلم العالمية وختما بتحديد العلاقة بين‪:‬‬ ‫• الديني من حيث هو ديني رمزا للسرمدي‬ ‫• والتاريخي من حيث هو تاريخي رمزا للمتغير‬ ‫كما استخرجتها من سورة هود والمعادلة التي هي عين موضوعات السياسي من‬ ‫حيث هو سياسي‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪--‬‬ ‫وهذه المرحلة تعتبر ذروة لأنها تدحض مبدأين وضعهما ابن خلدون بما يشبه‬ ‫معجزة حققتها العينة التي تمثلها سيرة الرسول الخاتم تحقيقا للفهم الأول للمشروع‬ ‫بوصفه مربيا وحاكما وسار على منوالها من بعده الخلفاء الثلاثة الأول‬ ‫لأن ما تلاهم كان محكوما بظرفية الضرورة التي تبيح المحظور والتي ما زلنا‬ ‫فيها ولم نستطع الخروج منها لأن الضرورة تواصلت ولم نجد لها حلا‪ .‬والبحث‬ ‫عنه هو العلة الرئيسية لانشغالي بقراءة القرآن‪.‬‬ ‫ولا أريد أن أدخل في جدل حول علة ذلك ونسبة الأمر إلى كونها رسالة‬ ‫سماو ية أو استراتيجية أرضية‪ .‬فحتى من يزعمونها استراتيجية نتجت عن عبقر ية محمد‬ ‫فهم لا ينكرون أنها ليست امرا عاديا وهي على الأقل من مستوى كبار المبدعين‬ ‫في مجالات العلم والعمل الذي حدد توجهات تاريخ البشر ية‪.‬‬ ‫وليس من أهدافي بحثي تحقيق ما عجز دونه الكلام‪ :‬القرآن نفسه استغنى عن‬ ‫اثبات وجود الله والنبوة إذا حصرناها في هذا المعنى واعتبرهما مما لا جدال فيه‬ ‫تاريخيا‪ .‬وتلك هي علة الشواهد التاريخية فيه لبيان الرسالة الخاتمة ليست بدعا في‬ ‫التراث الإنساني‪.‬‬ ‫فما تقدم عليها من الرسالات الإسلام لا ينكرها ولا ينكر عنها كونها رسالات‬ ‫حقا ولا يعتبر من واجب المسلمين اجبارهم على تركها بل إن الرسول في المائدة‬ ‫‪51‬‬

‫‪--‬‬ ‫طالبهم بتطبيق شرائعهم واشترط عليهم لما احتكموا إليه أن يقبلوا بأن يطبق عليهم‬ ‫أحكام الرسالة الخاتمة ما داموا قد تخلوا عن الاحتكام إلى شرائعهم طوعا لا‬ ‫كرها‪ .‬ل كنها لم تكن مثل الإسلام رسالات كونية بل هي من جنس الرسالات‬ ‫الخاصة بأمة دون غيرها ما يعني أن ما تتميز به ليس خاصية عامة ل كون الرسالة‬ ‫رسالة من رب الجميع بل هي رسالة لها خاصية إضافية هي التي تجعلها بهذه‬ ‫الصفات‪.‬‬ ‫ولا اريد الكلام على المفاضلة بين الرسالات خاصة والقرآن ال كريم يتكلم على‬ ‫مرحلتين من التذكير الخاص بجماعة بعينها ‪-‬لكل امة رسول بلسانها‪ -‬والذكير‬ ‫ال كوني وهو المشروع الذي لا ينطبق إلا على الإسلام‪.‬‬ ‫لأن اليهودية دين قبيلة تدعي كونها شعب الله المختار وبقية البشر عبيد لهم‪.‬‬ ‫والمسيحية تخلت عن الانحصار في القبيلة من حيث المخاطبين ل كنها بقيت على‬ ‫عقيدة أن الرسل لا يكونوا إلا يهودا‪.‬‬ ‫ولهذه العلةكان لا بد من التمييز بين ال كوني في الرسالة من حيث هي استراتيجية‬ ‫دولةكوينة مجردة خالية من القيمين عليها بأعيان محددة استراتيجية تعد القيمين‬ ‫حتى تعمل البنية المجردة أفضل عمل ممكن للإنسان المتحرر من الاخلاد إلى‬ ‫الأرض بشروط سورة العصر المتعلقة بالخروج من الخسر‪ .‬وذلك هو الشكل‬ ‫‪52‬‬

‫‪--‬‬ ‫السرمدي لبنية الدولة الثابتة أي ما به من الوظائف السياسية تكون الدولة دولة‬ ‫تصلح أو تفسد بأخلاق القيمين على التربية والحكم فيها‪.‬‬ ‫وقد خصصت لهذه الظاهرة البحث الذي قدمته في المحاولة السابقة على هذه‪.‬‬ ‫وهذا الشكل المجرد هو السياسي ال كوني أي ما لا يمكن تصور جماعة بشر ية من‬ ‫دونه مهما تبدت وتطور تعيناته هو تاريخ انتظام الجماعات في مسعاها المشدود‬ ‫إلى هذا الشكل النموذجي في النظر وفي العمل‪.‬‬ ‫وهو بالطبع سابق على كل التعينات المتوالية للقوامة التي يقوم بها الأقوام‬ ‫المتداولة عليها بوصفها تنقلها من التجريد إلى التعيين تعيينا يملأ خاناتها الخالية‬ ‫من نظام اختيار القيمين عليها وهو الخاضع للعصبيات التي تمر بعدة مراحل تحكما‬ ‫الانثروبولوجيا البيولوجية والثقافية‪ .‬وهو البنية الموحدة لمؤسسات المجتمع المدني‬ ‫أي ما يتوسط بين مثاليين أعليين لا يتحققان إلا في الآخرة‪:‬‬ ‫الدولة ال كونية التي تبقى مثالا أعلى للدولة ا لدنيو ية وهي لا يكتمل تعيينها‬ ‫الأتم إلا في الآخرة حيث يكون العلم محيطا والعمل تاما‪.‬‬ ‫والفرد ال كوني الذي يبقى مثالا أعلى في الفرد الدنيوي وهو لا يكتمل أبدا‬ ‫إلا في الآخرة لما يصبح خالدا لا يتكاثر ولا يموت في الجنة أو في النار‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪--‬‬ ‫أما المبدآن اللذان وضعهما ابن خلدون فهما مستقران من التجربة الحاصلة في‬ ‫الحياة التاريخية دون تحديد العلاقة بالحياة السرمدية التي ليس لنا منها إلا بوصف‬ ‫استعاري يعتمد تلك التجربة‪ .‬وإذن فهما يقتصران على الدول التي ليس لها‬ ‫استراتيجية تشد حياة الإنسان في عالم الشهادة بحياته في عالم الغيب‬ ‫وتجعل الشكل المثالي لحياة الجماعة هو وحدتها وخلودها والشكل المثالي لحياة‬ ‫الفرد هو الإنسان بعد الحساب والجزاء الخالد في الجنة أو في النار دون تكاثر‬ ‫ولا موت‪:‬‬ ‫• المبدأ الأول امتناع تكون دولة في جماعةكثرت فيها العصبيات لأنها تفضي‬ ‫إلى الهرج‪.‬‬ ‫• المبدأ الثاني خضوع الدول إلى قانون بايولوجي وهي من ثم مائتةككل كائن‬ ‫حي‪.‬‬ ‫فالدولة الإسلامية حققت معجزة التغلب على تعدد العصبيات لأن المشروع‬ ‫كون ما يتعالى على العصبيات بمعناها البايولوجي بتكوين عصبية متعالية على ما‬ ‫القوميات والقبليات ومن ثم فالنقلة تعتمد على مفهوم جديد على العصبية بمعناها‬ ‫الروحي‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪--‬‬ ‫والدولة الإسلامية من ثم تتداول عليها الشعوب المسلمة فتكون الرسالة متعالية‬ ‫على القوميات والعرقيات وعلى المراحل التاريخية القصيرة لتصبح أشبه بالآصرة‬ ‫المتجاوزة للمكان والزمان ومن ثم فهي مشروع الدولة ال كونية المجردة التي تتوسع‬ ‫لتشمل المعمورةكلها‪.‬‬ ‫بينهما بالعودة إلى مؤسسي الفلسفة السياسية الأفلاطونية والأرسطية‪ .‬وأزعم‬ ‫أني قد من حيث التكوين العملي اطلاعا عن قرب على الفوضى والارتجال‬ ‫المسيطرين على اغلب مطابع السياسة في الأحزاب التونسية وصلاتها بالسلطة‬ ‫إما في المعارضة أو في الحكم أو فيهما معا إما بالانتساب أو بالصحبة دون‬ ‫انتساب‪ .‬لذلك كانت آخرها صريحة عدم الانتساب الحزبي لما شاركت في‬ ‫الانتخابات الأولى بعد الثورة‪.‬‬ ‫وقد توصلت إلى نتيجتين تؤيدان تجريبيا ما أثبته في محاولة قراءة القرآن قراءة‬ ‫فلسفية بوصفه استراتيجية كونية تحدد شروط تكون الجماعات السياسية سواء‬ ‫كانت محلية أو عالمية أي سواء في نفس الجماعة أو بين الجماعات الإنسانيةكلها‬ ‫بنفس المنطق الذي يجعل البشر لا يمكن أن يعيشوا في سلام من دونه‪:‬‬ ‫الأول هو منطق شروط الاستعمار في الأرض وما يتطلبه من تنافس وتعاون‬ ‫لتقاسم العمل الذي يسد حاجات كيان الإنسان العضوي أي المنزلة الاقتصادية‬ ‫‪55‬‬

‫‪--‬‬ ‫وثمرته التبادل في السلم وفي الحرب على حد سواء وشرطه التعاوض الذي ينتج‬ ‫عنه التنازع حول شرطه‪ :‬ميزان القوى المادية في الجماعات‪.‬‬ ‫وتلك هي مسألة العدل الفعلي أو الشكلي‪ .‬فيكون العلاج إما بمنطق القبول‬ ‫بالأمر الواقع أو بمنطق التبرير بمقتضى العقد الديني أو العقد الفلسفي المؤسس‬ ‫على تراتب الوظائف وسلمها في سد الحاجات العضو ية‪ .‬وفي الجملة فإن المشكل‬ ‫هو مشكل‪ :‬منطق التساخر مع التراتب الوظيفي في تقسيم العمل‪.‬‬ ‫الثاني هو منطق شروط الاستخلاف في الأرض وما يتطلبه من تنافس‬ ‫وتفاهم لتقاسم العمل الذي يسد حاجات كيان الإنسان الروحي أي المنزلة‬ ‫الاجتماعية وثمرته التواصل في السلم وفي الحرب على حد سواء وشرطه التصادق‬ ‫الذي ينتج عنه التنازع حول شرطه‪ :‬ميزان القوى الرمزية في الجماعات‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪-‬الفصل السادس ‪-‬‬ ‫فإذا جمعنا المعاني التي استخرجناها من مفهوم التساخر أولا (بمعنى أن كل‬ ‫إنسان مسخر في التبادل والتواصل للبقية في الجماعات الجزئية وبمثل نفس القانون‬ ‫في الجماعات في الإنسانية بحسب التجاور المكاني والتوالي الزماني)‬ ‫ومن مفهوم التفاوض الناتج عن التساخر ثانيا إذ إن كون كل الإنسان مسخر‬ ‫لكل البشر في الغاية في التبادل لإنتاج الثورة وفي التواصل لانتاج التراث يجعل‬ ‫المنطق الحاكم للحضارات وعلاقاتها بعضها بالبعض هو منطق التبادل ومنطق‬ ‫التواصل‪.‬‬ ‫وكلاهما مقوم لما يمكن أن نسميه العلاقة التجار ية سواء جرت في مناخ‬ ‫التنافس السلمي للتثاري (كل واحد يثري غيره حتى يحصل على الثروة حتى‬ ‫وإن بدا مفقرا له) أو الحربي للتفاقر (كل واحد يفقر غيره حتى يحصل على‬ ‫التراث حتى وإن بدا يغنيه)‪:‬‬ ‫والغاية هي الوصول إلى فهم الثورة والتراث لا يستقيمان إلا بوصفهما ثمرة‬ ‫التبادل العادل والتواصل الصادق‪ :‬فيصبح الجمع كما هم حقا اخوة ومتساوين‬ ‫حقا وتل كما هما مبدآ الرسالة الخاتمة التي هي استراتيجية سياسية لتوحيد الإنسانية‬ ‫‪57‬‬

‫‪--‬‬ ‫فالإنسانية تشترك في الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف صلاحا وبنفسها‬ ‫طلاحا‪ .‬تلك هي النتيجة التي توصلنا إليها في الفصول التي تقدمت على الاستطراد‬ ‫ثم من المفهومين الناتجين عن تفاعلهما في الاتجاهين أي‪:‬‬ ‫• فعل التساخر في التفاوض المحدد لدور السلطة ومداها‬ ‫• وفعل التفاوض في التساخر المحدد لحدود دور السلطة ومداها‬ ‫وفيهما نكتشف أصلهما هو ما بعدهما المؤسس لهما بوصله بينهما وصلا ناتجا‬ ‫عما بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها من علاقات تراوح بين‪:‬‬ ‫• الأمر الواقع‬ ‫• والمثال الأعلى‬ ‫مع ما يترتب عليهما من \" توالج بين شروط الحر ية علل النكوص إلى العبودية‬ ‫نكوصها هو عين الرد إلى الخسر بعد أحسن التقويم الفطري\" في كيان الإنسان‪.‬‬ ‫فهذا التوالج بينهما قد يصبح بسبب الاخلاد إلى الأرض علة لجعل الإنسان‬ ‫عبدا لغير الله فلا يتعالى على ضرورات الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف‬ ‫المحررة منها تحريرا يحول دونه وعبادة غير ربه الذي استخلفها فيها‪.‬‬ ‫وبتردي التوالج إلى الاخلاد إلى الأرض يمكن أن نفهم العلاقة بين فلسفة‬ ‫الدين التي تحدد غايات الوجود الإنساني للإنسان وفلسفة التاريخ التي تحدد‬ ‫‪58‬‬

‫‪--‬‬ ‫شروط ابداع الأدوات التي تحرر من معيقاته تحقيقها‪ .‬فيكون كل المشكل في‬ ‫انتخاب الأدوات المناسبة للغايات والمتنافية معها وتلك هي مهمة الفلسفة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫فالاستراتيجيات السياسية هي التي تجعل الإنسان مترددا بين تسخير الأدوات‬ ‫للغايات في السياسة الراشدة وتسخير الغايات للأدوات في السياسة الفاسدة إذ‬ ‫إن استراتيجية الفعل السياسي لها حدان لا تخرج عنهما يتقابلان تقابل الصلاح‬ ‫والطلاح الأقصيين ينحرفان عن الحكمة عندما لا تكون اجتهادا دائما‬ ‫يغلب الابتعاد عن الثاني والاقتراب إلى الأول لأن السياسة هي تجنب‬ ‫التحر يفين عن التناسب بين الغايات والأدوات‪ .‬ونسبة المركز الأوسط بين‬ ‫التحر يفين أشبه بمركز الزاو ية القائمة بين تطرفين هما الزاو ية الحادة والزاو ية‬ ‫المنفرجة ما يجعل المركز هو المحدد لمعيار التطرفين‪.‬‬ ‫فيكون مدار ذلك هو عين مشكل الاقتراب الأمثل من اختيار الأدوات‬ ‫بمعيار الغايات أو عكسه لأن الأول يبقي للأخلاق دورا في الاستراتيجية السياسة‬ ‫والثاني يلغيها فيجعلها خبط عشواء أو تكتيك قصير النظر عديم الاستراتيجيا بعيدة‬ ‫النظر‪.‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪--‬‬ ‫ويتجلى ذلك إيجابا بالإثبات وسلبا النفي في مجالي الاستراتيجيات السياسية أعني‬ ‫في قوامة السياسة لوظيفتي تربية الإنسان وحكمه سواء في مستوى‪:‬‬ ‫المجتمع المدني بمؤسساته الخمس أي الأسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والجماعة‬ ‫باعتبارها هذه المؤسسات الوسيطة هي مؤسسات القاعدية لرعاية الإنسان تكوينا‬ ‫بإعداده ليكون قادرا على تحقيق شروط الاستعمار في الأرض بما تمونه به من‬ ‫قيم الاستخلاف التي تحرره من الاخلاد إلى الأرض‪.‬‬ ‫أو المجتمع السياسي بمؤسساته الخمس أي المرجعية والقوى السياسية والدستور‬ ‫التي يرتجم المرجية إلى عقد بين ممثلي القوى السياسية المعبرة عن إرادة الجماعة‬ ‫يحدد نظام قوامة الدولة و يصور نظام الحكم القيم على وظائف الاستعمار في‬ ‫الأرض والاستخلاف فيها أي قوامة وظائف الرعاية التكوينية والتموينية وقوامة‬ ‫وظائف الحماية الداخلية والخارجية شرطين للاستعمار في الأرض بقيم‬ ‫الاستخلاف‪.‬‬ ‫ولا يمكن لأي جماعة أن تحقق شروط العيش المشترك السلمي من دون‬ ‫التفاعل في الاتجاهين بين المجتمع المدني الذي هو جوهر الوجود الجمعي والمجتمع‬ ‫السياسي الذي هو جوهر قوامة الجماعة لذاتها بمن تنتخبه للمهمة في تقسم العمل‬ ‫السياسي والتداول عليه تداولا سليما‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪--‬‬ ‫ل كن ذلك محكوم بما ييسر هذا التفاعل في الاتجاهين بين المستو يين من وجود‬ ‫الجماعة من حيث هي رعية راعية لذاتها بالتناوب على القوامة‪:‬‬ ‫وذلك لان المجتمع المدني بمؤسساته الخمس هو الذي يكون الإنسان الذي يحقق‬ ‫شروط قيامه العضوي والروحي فيجعله قادرا على تحقيق شروط الرعاية تكوينا‬ ‫وتموينا ليكون المواطنون رعاة أنفسهم فيهما‪.‬‬ ‫وعلامة ذلك هو أصل وظائف الرعاية الأربعة المتفرعه عنه‪ :‬أي القدرة على‬ ‫البحث والاعلام العلميين للتفاعل مع الطبيعة بعلم قوانينها ومع التاريخ بعلم سننه‪.‬‬ ‫فلا التربية النظر ية في التربية العملية في التكوين ولا ثمراتهما في التموين بالأمر‬ ‫الذي يمكن أن ينسب إلى الدولة‬ ‫بل هو مهمة الجماعة فرض عين على الجميع رغم كونهما يعتمدان على تقسيم‬ ‫العمل الذي ينتج الثروة ومن التعاون والتبادل العادل والعمل الذي ينتج‬ ‫التراث ومن ثم التفاهم والتواصل الصادق‪.‬‬ ‫ولأن المجتمع السياسي بمؤسساته الخمس هو الذي يكون الإنسان الذي يحقق‬ ‫شروط حماية بقائه العضوي والروحي فيجعله قادرا على تحقيق شروط الحماية‬ ‫الداخلية قضاء وأمنا والخارجية دبلوماسية ودفاعا ليكون المواطنون حماة‬ ‫لأنفسهم فيهما‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪--‬‬ ‫وعلامة ذلك هو أصل وظائف الحماية الأربعة المتفرعة عنه‪ :‬أي القدرة على‬ ‫الاستعلام والاعلام السياسيين لأعداد القوة بكل معانيها ورباط الخيل حتى‬ ‫تحصل مهابتهم بما يرهبون به عدو الله وعدوهم‪.‬‬ ‫وهذه هي الحقيقة التي تؤسس ما وصفته بكونه المشترك بين الديني في الأديان‬ ‫والفلسفي في الفلسفات الذي هو مضمون ثورة ابن تيمية في نظر ية المعرفة‬ ‫ومضمون دور ابن خلدون في نظر ية العمل‪.‬‬ ‫والتحرير يكون بالتربية من حيث هي تذكير وبالحكم من حيث تحرير من‬ ‫الوسطاء والأوصياء وكل ذلك يستمد مرجعيته من الانثرولوجيا القرآنية أي من‬ ‫نظر ية القرآن في الإنسان والتمييز بين مقومي وجوده العضوي والروحي‪ .‬فتعر يف‬ ‫الإنسان القرآني تحديد لحقيقته بعلاقة مقوميهكونيتهما‪:‬‬ ‫• فهو مستعمر في الأرض‬ ‫• وهو مستخلف فيها‬ ‫وهما مرجعية رؤيته السياسية في عالم الشهادة مجال التاريخية المشدود إلى عالم‬ ‫الغيب مجال ماوراء التاريخية التي هي مصدر النموذج السرمدي‪ .‬وكان التوالج‬ ‫بين العبودية والحر ية في النموذج الهيجلي والماركسي يستند إلى ما يسمى جدلية‬ ‫العبد والسيد‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪--‬‬ ‫والأساس في هذه الرؤ ية بخلاف ال كثير من الأوهام مرده إلى رؤ ية في‬ ‫نظر ية المعرفة ‪-‬ابستمولوجية‪ -‬تقول بالمطابقة والإحاطة أو العلم المطلق حيث‬ ‫يكون العقل واقعا والواقع عقلا وفي نظر ية القيمة ‪-‬أكسيولوجية تقولان‬ ‫بالمطابقة والإحاطة والعمل التام‪ .‬فيرد الوجود إلى الإدراك العقلي والمنشود إلى‬ ‫الإرادة النفسية و يصبح الإنسان بديلا من رب الخلق والأمر‪.‬‬ ‫ذلك هو الفخ الأول الذي كدت أقع فيه في تكويني الفلسفي إذ كنت ميالا‬ ‫لفكر هيجل‪ .‬ل كن كما بينت في الفصلين السابقين شرعت في إعادة النظر في‬ ‫تاريخ الفكر بتدارك ما وقع اهماله فيه سواء في علاقتنا بالمرحلة القديمة والوسيطة‬ ‫أو بالمرحلة الحديثة وما بعدها وسواء عندنا أو عند الغرب‪.‬‬ ‫وهذا الشروع مكنني من إدراك العلاقة بين حصر الوجود في عالم الشهادة‪-‬‬ ‫بلغة هيجل لا وجود لما هناك وراء الماهنا‪-‬و يترتب عليه ترجمة فلسفية لألوهية‬ ‫المسيح رمزا لألوهية الإنسان الذي يصبح ربا خالقا وآمرا‪ .‬وتلك هي بداية‬ ‫الخروج من الفخ الفلسفي الذي كان مسيحية صريحة عند هيجل‬ ‫مع عنصر ية إزاء الإنسان الشرقي عامة والمسلم خاصة ترد إلى عقيدة شعب‬ ‫الله المختار حتى وإن كان الاختيار كما ذكر ذلك في مقدمة فلسفة التاريخ ليس‬ ‫في الوحي كالذي ينسبه إلى اليهودية بل في الفلسفة التي ينسبها إلى الألمان ‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪--‬‬ ‫وبهذا المعنى فإني اريد أن ابين أن ما أثبته القرآن بالنسبة إلى الوحي يمكن‬ ‫اثباته بالنسبة إلى الفلسفة‪ .‬و يكفي أن أبين العلم الرئيس ليس نل بعد الطبيعة‬ ‫بل هو ما بعد التاريخ أعني جوهر الثورة التي انسبها إلى ابن خلدون‪ .‬ولما كان‬ ‫رمز التاريخ هو الإنسان فإن رمز ما بعد التاريخ هو عند جميع البشر هو ما يعتبر‬ ‫ر با‬ ‫فيكون ما بعد التاريخ موضوعه العلاقة بين الرب والمربوب في جميع الحضارات‬ ‫سواء كانت هذه العلاقة مضمون المثيولوجيا أو موضوع الأديان بصنفيها الطبيعي‬ ‫والمنزل‪.‬‬ ‫فيكون المشترك بين الفلسفي والديني هو حل معضلة الجمع بين الضرورة التي‬ ‫تبدو عليها الطبيعة والحر ية التي يبدو عليها الإنسان وهو ما يؤدي إلى أن المعضلة‬ ‫تعود إلى محاولة الفلسفة والدين الجواب عن سؤال كيف يمكن أن نؤسس‬ ‫الحر ية الإنسانية في أطار الضرورة الطبيعية؟‬ ‫والجواب هو وضع مبدأ وراء التاريخ الإنساني والطبيعة يكون هو بدوره حرا‬ ‫في التشر يع للطبيعة وللتاريخ سواء كان هذا المبدأ محايثا في الطبيعة ومقيسا على‬ ‫الإنسان وتلك هي الميثولوجيات أو مفارقا لها وتلك هي الأديان الطبيعية أو‬ ‫المنزلة‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪--‬‬ ‫ل كن الدين الخاتم يجمع بين خاصية الأديان الطبيعية والأديان المنزلة ومن ثم‬ ‫فهو الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات لأن الإسلام يعتبر الديني ومثل‬ ‫الفلسفي كلاهما فطري لا يخلو منه إنسان من حيث هو إنسان‪.‬‬ ‫وكل خلو منه علته النكوص إلى الخسر بعد التقويم الأحسن‪ .‬ومن هنا تأتي‬ ‫عقيدة الاستخلاف لأن كل قصة الاستخلاف يعللها الرب في حواره مع‬ ‫الملائكة بأمرين‪:‬‬ ‫أحدهما موجب هو تعليمه الأسماء الذي يميزه وقدرته على التصرف بوصفه‬ ‫خليفة يؤمن بأنه حر في اتباع قيم مرسومة في كيانه يمكن أن يذكرها أو أن ينساها‬ ‫وذكرها هو الذي يبين جدارته بالاستخلاف‪.‬‬ ‫وسلبي هو قدرته هو تمكينه من علامة دالة على أن تصرفه في الحالة الأولى‬ ‫حر وليس مضطرا لأن له القدرة عصيان الأمر فينكص إلى الخسر مدعيا أنه‬ ‫رب لكأنه واضع قوانين الطبيعة وسنن التاريخ‪.‬‬ ‫ولما كان الاستخلاف هو منزلة الإنسان من حيث هو انسان ‪-‬سواء اثبت‬ ‫الإنسان جدارته بها أو لم يثبت‪-‬فكل البشر سواسية من حيث المبدأ ولا يوجد‬ ‫بينهم من يعتبر شعبا مختارا والبقية عبيد له‪ .‬فكل أمة لها رسول بلسانها يذكر‬ ‫‪65‬‬

‫‪--‬‬ ‫الناسين والرسالة الأولى هي عين الرسالة الأخيرة وتلك الرسالة التي تلقاها آدم‬ ‫ومحمد‪.‬‬ ‫وهي رسالةكونية في الحالتين أي إنها التذكير الأول كان كونيا وجزئيا لأن‬ ‫القصعة تعني أنها رسالة وجهت بداية لآدم وحواء بعد تمكنهما من معرفة‬ ‫الصفتين اللتين تجعلانهما بالقوة قادرين على اثبات الجدارة وعدم اثباتها ووجهت‬ ‫في الأخير إلى كل أبنائهما أي كل البشر ية‪.‬‬ ‫وذلك هو مضمون القرآن‪ .‬فخطاب الرسالة ال كونية بالمعنيين بداية وغاية وذلك‬ ‫هو مضمون القرآن ال كريم‪ .‬فيكون القرآن الرسالة الفاتحة والرسالة الخاتمة‪.‬‬ ‫ذلك أن خرافة الشعب الذي يظن نفسه شعب الله المختار في الفلسفة مثل‬ ‫الشعب الذي يظن نفسه شعب الله المختار في الوحي كلاهما كذبة لا يصدقها‬ ‫تاريخ الفكر الفلسفي لأن اليونان سبقوا الجرمان ولا علاقة لهؤلاء بأولئك ولا‬ ‫تاريخ الفكر الديني لأن الابراهيمية سبقت اليهودية ولا علاقة لليهود به فهو‬ ‫حنيفي وليس يهوديا ولا نصرانيا‪.‬‬ ‫ثم إنه حتى لو صدقنا كذبة نسبة الفلسفة القديمة إلى اليوناني وحصرناها في‬ ‫شكلها اليوناني طلبا للحكمة النظر ية والعملية فاعتبارها معجزة لنفي ما سبقها أمر‬ ‫‪66‬‬

‫‪--‬‬ ‫لم يعد يصدقه عاقل بعد ما حصل من تقدم في البحث التاريخي والاحاثي‬ ‫للحضارات القديمة وخاصة حضارتي بابل ومصر يثبت وهاءه‪.‬‬ ‫وحتى لو صدقنا كذبة نسبة الفلسفة الحديثة وحصرناها في شكلها الأوروبي‬ ‫طلبا للحكمة للسلطة النظر ية والعملية إلى الأوروبيين واعتبارها معجزة لنفي ما‬ ‫توسط بينها وبين اليونان فإن التقدم في البحث التاريخي والاحاثي للحضارات‬ ‫الوسيطة وخاصة الحضارة الإسلامية والشرقية يثبت وهاءها‪.‬‬ ‫ويمكن أن يحصل نفس الشيء لو قمنا بنفس الدراسات في تاريخ الأديان‬ ‫المنزلة مثل التي قمنا بها في تاريخ العلوم المنسوبة إلى الفلسفة فيتبين أن الأمر كله‬ ‫مرده إلى نفس ال كذبتين‪ .‬ومعنى ذلك أن كذبة هيجل بخصوص الشعب‬ ‫الفلسفي بالطبع هي عين ال كذبة التي بخصوص الشعب الديني بالطبع لأن كلتا‬ ‫الصفتين هما انسانيتان بالطبع كما يقول القرآن‪.‬‬ ‫وليس قصدي بيان هذين الفهمين المنافيين للتاريخ الفعلي للفلسفي وللديني رد‬ ‫الفعل على خرافتي هيجل بل هدفي تصحيح تاريخ الفكرين اللذين لا يمكن أن‬ ‫يكون الكلام فيهما علميا‬ ‫‪67‬‬

‫‪--‬‬ ‫ثم يدعي الاستناد إلى معجزتي شعبين ليس لدورهما في التاريخ تميز إلا عند‬ ‫من يقبل بال كذبتين و يفسر التاريخ بالمعجزات وليس بالتعاون المتواصل في تاريخ‬ ‫البشر ية لبناء مقومات الحضارة العلمية والعملية‪.‬‬ ‫ولا يمكن لمسلم قرأ القرآن وتمعن في أسلوب الاستدلال فيه لا يصل إلى هذه‬ ‫النتيجة إذا فهم دلالته وغاص إلى بنيته العميقة‪ .‬فلا يمكن أن يكون القرآن‬ ‫استراتيجية توحيد الإنسانية وللرسول أن يقدم منها عينة تجربة أولى تحدد التوجه‬ ‫حتى وإن لم تستكمل المسعى وقد لا يكتمل إلا في غاية التاريخ و يقبل الخرافتين‬ ‫اللتين تفسران تاريخ الفكرين بالاستناد إلى المعجزات‪.‬‬ ‫فالقرآن لا يستند إلى المعجزات التي تخرق النظام بل هو يعتمد النظام بوصفه‬ ‫المعجزة الوحيدة التي ليس لها تفسير على التسليم بوجود الرب الذي هندس‬ ‫الوجود ومثل له بالعالم الطبيعي والعالم التاريخي اللذين يمثلان أفق الإنسان ثم في‬ ‫الإنسان بوصفه حصيلة التفاعل بينهما وذلك هو التاريخ الذي يجري بمقتضى‬ ‫الاستخلاف الناظم للاستعمار في الأرض‪.‬‬ ‫لذلك فلا يمكن الا يكون القرآن ممثلا للديني في الأديان والفلسفي في‬ ‫الفلسفات‪ .‬وسياتي بيان أن الأديان والفلسفات هي بدورها خاضعة للمعادلة‬ ‫‪68‬‬

‫‪--‬‬ ‫الوجودية لأنها ليست شيئا آخر غير ما يدركه منها الإنسان الذي هو من حيث‬ ‫تعين آيات الله‬ ‫في كيانه العضوي والروحي مؤلف من قوانين الطبيعة وسنن التاريخ وذلك هو‬ ‫مدلول الآيات التي تتجلى في الانفس كما تتجلى في الآفاق‪ :‬فتجليها في الانفس‬ ‫ليس كيانيا فحسب بل هو معرفي‪.‬‬ ‫ولذلك فما يمكن أن يعتبر واصلا بين الإنسان ومقومات المعادلة الوجودية هو‬ ‫ما يصل ما في الآفاق بما في الأنفس من الآيات جمعها وتراتبها يمثل العناصر‬ ‫المقومة للمعادلة الوجودية إذا جمعنا إرادة الآيات للإنسان بالعلاقة بين الرب‬ ‫المرسل والإنسان المرسل إليه‪.‬‬ ‫وذلك هو ما يصلهما بحيث إن رؤ ية الوصل هو ما جهز به الإنسان من قدرة‬ ‫على العلم في النظر وعلى قدرة على التقييم في العمل‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫––‬ ‫– الفصل السابع –‬ ‫لم يكن قصدي من بيان الفهمين المنافيين للتاريخ الفعلي للفلسفي وللديني رد الفعل‬ ‫على خرافتي هيجل ‪ -‬حول الشعبين المختارين اليهودي للديني والألماني للفلسفي ‪ -‬بل‬ ‫هدفي تصحيح تاريخ الفكرين‬ ‫الفكرين اللذين لا يمكن أن يكون الكلام فيهما علميا ثم يدعي الاستناد إلى معجزتي‬ ‫شعبين ليس لدورهما في التاريخ تميز إلا عند من يقبل بال كذبتين ‪ -‬كذبة المعجزة اليونانية‬ ‫النافية لما تقدم عليها وكذبة المعجزة الأوروبية النافية لما تقدم عليها ‪ -‬وفي الحالتين نفي‬ ‫دور الشرق في الابداع الحضاري بكل اصنافه‪.‬‬ ‫فتفسير التاريخ بالمعجزات من السخافات التي نتجت عن رؤ ية عنصر ية لا تؤمن بوحدة‬ ‫الإنسانية فتختلق هذه الخرافات بديلا من بالتعاون بين الحضارات المتوالية والمتساوقة‬ ‫في تركيم التجارب المحددة لشروط قيامها المادي المتواصل ولشروط قيامها الروحي في‬ ‫تاريخ البشر ية لبناء مقومات الحضارة العلمية والعملية‪.‬‬ ‫ولا يمكن لمسلم قرأ القرآن وتمعن في أسلوب الاستدلال فيه ألا يصل إلى هذه النتيجة‬ ‫إذا فهم دلالته وغاص إلى بنيته العميقة التي تبين أن قراءاته السابقة لم تطلب نظامه‬ ‫وشروط فهمه الذي يحرره من التحر يف الذي حصل في الأديان التي عرضها عرضا‬ ‫تفكيكيا بمنطق التصديق والهيمنة‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫––‬ ‫فلا يمكن أن يكون القرآن استراتيجية توحيد الإنسانية وللرسول أن يقدم منها عينة‬ ‫تجربة أولى تحدد التوجه حتى وإن لم تستكمل المسعى وقد لا يكتمل إلا في غاية التاريخ‬ ‫و يقبل الخرافتين اللتين تفسران تاريخ الفكرين بالاستناد إلى المعجزات‪.‬‬ ‫فالقرآن لا يستند إلى المعجزات التي تخرق النظام بل هو يعتمد النظام بوصفه المعجزة‬ ‫الوحيدة التي ليس لها تفسير على التسليم بوجود الرب الذي هندس الوجود ومثل له‬ ‫بالعالم الطبيعي والعالم التاريخي اللذين يمثلان أفق الإنسان ثم في الإنسان بوصفه حصيلة‬ ‫التفاعل بينهما‪.‬‬ ‫وذلك هو التاريخ الذي يجري بمقتضى الاستخلاف الناظم للاستعمار في الأرض‪.‬‬ ‫لذلك فلا يمكن ألا يكون القرآن ممثلا للديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات‪.‬‬ ‫وسياتي بيان أن الأديان والفلسفات هي بدورها خاضعة للمعادلة الوجودية لأنها ليست‬ ‫شيئا آخر غير ما يدركه منها الإنسان الذي هو من حيث تعين آيات الله في كيانه العضوي‬ ‫والروحي المؤلف من قوانين الطبيعة وسنن التاريخ‪.‬‬ ‫وذلك هو مدلول الآيات التي تتجلى في الانفس كما تتجلى في الآفاق‪:‬‬ ‫فتجليها في الأنفس ليس كيانيا فحسب بل هو معرفي‪.‬‬ ‫ولذلك فما يمكن أن يعتبر واصلا بين الإنسان ومقومات المعادلة الوجودية هو ما يصل‬ ‫ما في الآفاق بما في الأنفس من الآيات جمعها وتراتبها يمثل العناصر المقومة للمعادلة‬ ‫الوجودية إذا جمعنا إراءة الآيات للإنسان بالعلاقة بين الرب المرسل والإنسان المرسل‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫––‬ ‫وذلك هو ما يصلهما بحيث إن رؤ ية الوصل هو ما جهز به الإنسان من قدرة على‬ ‫العلم في النظر وعلى قدرة على التقييم في العمل‪.‬‬ ‫ولما كان المجتمع المدني والمجتمع السياسي متفاعلين في الاتجاهين فإن الحصيلة في‬ ‫السياسة الفعلية هي التردد الدائم بين الفساد والصلاح في كل المهام والوظائف التي‬ ‫ذكرتها في المجالين‬ ‫بمعنى أن المؤسسات المدنية والمؤسسات السياسة معرضة لهما تعرضا يمكن أن يكون‬ ‫بالتفاسد والتصالح بينهما‪.‬‬ ‫ويتجلى ذلك في علاقة التساخر والتفاوض الدائمين‬ ‫ومن هنا الفرق بين رؤيتي الإنسان المتقابلتين اللتين اريد الآن أن أدرسهما بالمقابلة‬ ‫بين رؤ ية هيجل ورؤ ية ابن خلدون‬ ‫رؤ ية هيجل وماركس محاكيا له مستبدلا التراتب الروحي بالتراتب المادي‪.‬‬ ‫جدلية السيادة والعبودية في التاريخ متناقضة لأنها لا يمكن أن تكون قانون التاريخ‬ ‫الإنساني وغاية للتحرير منه إلا إذا تصورنا للتاريخ غاية ونهاية وقلنا بالعلم المحيط والعمل‬ ‫التام‪.‬‬ ‫فإذا كان التاريخ محكوما بصراع بين القوى والاستسلام لحصيلته فإن قلب العلاقة‬ ‫قلبا يجعل المستسلم سيدا والمسيطر عبدا لا يمكن ان يغير العلاقة إلى التعارف والاعتراف‬ ‫المتبادل إلا بمعنى مواصلة الجدلية مع تبادل الأدوار‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫––‬ ‫ولن يحصل تعارف ولا اعتراف متبادل إلا بقبول دوام الحالتين لأنهما متساويتان‬ ‫وجوديا ولأنه لا شيء يثبت الإحاطة في العلم والتمام في العمل‪.‬‬ ‫رؤ ية ابن خلدون ومحاكاتي له في ارجاعها إلى وحدة الإنسانية في القرآن‪.‬‬ ‫يقتضي استخلاف الإنسان في الرؤ ية القرآنية تبعية الطبيعي العضوي لما بعده الروحي‬ ‫ومن هنا تعر يف ابن خلدون للإنسان بكونه \"رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي‬ ‫خلق له\" (المقدمة الباب الثالث الفصل الرابع والعشرون) فتكون وحدة الرئاسة طبيعية‬ ‫الوجود ل كنها معللة بما يستثينها من قانون الضرورة الطبيعية وذلك هو مفهوم‬ ‫الاستخلاف المسؤول أساسا لحر ية الإنسان وتكريمه القرآنيين‪.‬‬ ‫ومن ثم فالمشكل ليس علاقة قوة بين عبودية وسيادة بل بين علاقة قيمة بين حريتين‬ ‫تسعيان معا للتحرر من الضرورة الطبيعية لتجاوز قانون القوة بقوة القانون المترجم عن‬ ‫علاقة خلقية هي احترام المنازل التي تفعل وملكات العمل في علاقة المعلم بالمتعلم في‬ ‫المسعى الاجتهادي في المعرفة والجهادي في العمل‪.‬‬ ‫فلا يوجد تفاضل إلا بالتقوى التي هي ولاء للمرجعية المشتركة وعدل في التبادل‬ ‫وصدق في التواصل فيكون البشر متساو يين وجوديا لا يتفاضلون إلا بهذا المعيار الذي‬ ‫يجعلهم بحر ية يختارون مرجعية تعاقدية بين الاحرار يكون فيها الوازع الذاتي (الضمير)‬ ‫مقدما على الوازع الأجنبي (شوكة الدولة) بلغة ابن خلدون‪.‬‬ ‫ولهذه العلة يميز ابن خلدون بين السيادة والرئاسة‪.‬‬ ‫• فالأولى متضايفة مع العبودية‪.‬‬ ‫‪73‬‬

‫––‬ ‫• والثانية متضايفة مع الحر ية‪.‬‬ ‫كيف ذلك؟‬ ‫فالرئاسة تعني أن المرؤوس دون ارغام يعتبر من يستحق الرئاسة رئيسا أي إن الأمر‬ ‫لا يتعلق بخضوع وتبعية بل بحكم خلقي‪ :‬كما في علاقة الابن بأبيه أو المتعلم بمعلمه‪.‬‬ ‫لذلك‬ ‫• فالأب الذي يعنف ابنه يصبح سيدا ومكروها ولا يبقى رئيسا‪.‬‬ ‫• والمعلم الذي يعنف تلميذه يصبح سيدا ومكروها ولا يبقى رئيسا‪.‬‬ ‫علاقة من يقبل أن يكون مرؤوسا ممن يختاره رئيسا علاقة خلقية بخلاف علاقة العبد‬ ‫بالسيد التي هي علاقة مغلوب بغالب‪.‬‬ ‫• الأولى تسابق في الخيرات‬ ‫• والثانية تنافس عنيف على السيطرة والاستبداد‪.‬‬ ‫وتلك هي علة اعتبار ابن خلدون التربية العنيفة والحكم العنيف هما علتا الاستبداد‬ ‫والعبودية‪.‬‬ ‫لذلك فالرئاسة بالطبع تختلف عن السيادة‬ ‫وهي مثل مقتضيها ليست ثمرة العنف والقوة بل هي ثمرة قيم الاستخلاف أي العرفان‬ ‫لذي الفضل بفضله سواء كان أبا أو معلما أو حاكما أو أي شخص يعتبره المرؤوس دون‬ ‫اكراه جديرا بأن يكون رئيسا لما له من فضائل خلقية تجعله نموذجا يحاكيه‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫––‬ ‫وتلك هي العلة التي جعل القرآن بمقتضاها التعدد شرطا في التعارف معرفة ومعروفا‬ ‫وليس على التفاضل بل التفاضل مؤسس على التقوى التي هي دليل المنزلة عند الله‪.‬‬ ‫تلك هي المعضلة‬ ‫التي مثلت الفخين اللذين أمكن لي تجاوزهما‬ ‫وتلك هي علة قصي في الاستطراد للتجربة التي اثمرها سيرتي الأكاديمية بإعادة النظر‬ ‫في تاريخ الفلسفة وسيرتي التفسير ية بإعادة النظر في تاريخ الدين‪.‬‬ ‫وتجاوزت الفخين عندما تحررت من رؤ ية هذه الإشكالية في صورتها الفلسفية وفي‬ ‫صورتها الدينية‬ ‫صورتيهما اللتين سيطرتا على فكرنا الفلسفي والديني في حقبتيه الوسيطة والحالية بالتناظر‬ ‫مع الفكر الغربي‪.‬‬ ‫فطبيعة هذه العلاقة بين الحر ية والعبودية في الفلسفة القديمة قبل المدرسة النقدية‬ ‫العربية وفي نكوص الفلسفة الحديثة بعد المدرسة النقدية الغربية هي التي تعلل وجود‬ ‫الفخين وتعلل السبيل إلى تجاوزهما‪.‬‬ ‫وبذلك تبين أن علاقة هذين الظاهرتين‬ ‫محددة لطبيعة العلة التي تفسرهما‪.‬‬ ‫فكان يكفي أن اقارن دورها‬ ‫في فلسفة افلاطون وأرسطو قديما‬ ‫وفي فلسفة هيجل وماركس حديثا‬ ‫‪75‬‬

‫––‬ ‫بالمقارنة مع دور البديل منهما في الفلسفة النقدية العربية وفي الفلسفة النقدية الغربية‬ ‫حتى نكتشف علاقتها بنظر ية المعرفة في النظر وبنظر ية القيمة في العمل‬ ‫فننتقل من المواقف إلى ما يؤسسها‬ ‫في نظر ية المعرفة ‪-‬الإبستمولوجيا‪-‬‬ ‫وفي نظر ية القيمة‪ -‬الأكسيولوجيا‪.‬‬ ‫ففي الرؤ ية النقدية العربية‬ ‫لم تكن العلاقة بين السيادة والعبودية‬ ‫بل بين الرئاسة والمرؤوسية الحرتين كلتيهما‬ ‫هي علاقة بين حريتين وليس علاقة بين حر ية وعبودية‪.‬‬ ‫فابن خلدون لا يعتبر الأمر متعلقا بالجدل \"سيد‪-‬عبد\"‬ ‫بل بالعلاقة \"رئيس بالطبع\" و\"رئيس بمقتضى الاستخلاف\" وهي علاقة بين منزلتين‬ ‫من الحر ية وليس علاقة بين حر ية وعبودية‪.‬‬ ‫وهي تصبح علاقة بين حر ية وعبودية بسبب نسيان السيد والعبد ما يقتضي العلاقة بين‬ ‫المنزلتين الحرتين‬ ‫وهو مطلوب التذكير بأمر منسي أعني وحدة منزلة الاستخلاف في مستواها الطبيعي‬ ‫والديني‪.‬‬ ‫فما يقتضيها هو ما يؤسس للمبدأين القرآنيين مبدأ الأخوة البشر ية والمساواة بين البشر‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫––‬ ‫ولو قلنا بالعلاقة الجدلية بين السيادة والعبودية لاستحال تصور النتيجة التي يصل إليها‬ ‫هيجل وماركس أي الاعتراف المتبادل بين السيد والعبد‪.‬‬ ‫توقف الصراع بين السيد والعبد مستحيل لأن فيه نفيا لمحرك التاريخ في هذا المنطق‪.‬‬ ‫أما في المنظور الذي لا يجعل الامر صراعا بين سيادة وعبودية بل علاقة بين رئاسة‬ ‫مستحقة وسيادة مفروضة يرهن وجودها نفسه بنسيان شروط الرئاسة المستحقة عند‬ ‫الرئيس والمرؤوس وهو نسيان ما يقتضي الرئاسة المستحقة عند المرؤوس الطوعي‪.‬‬ ‫وهذه الرئاسة المستحقة لدى المرؤوس الطوعي علاقة بين حريتين وهي شرط التساخر‬ ‫الحر أساس كل تعاون في التبادل بالتعاوض العادل وكل تفاهم في التواصل الصادق‬ ‫لأن الإنسان من حيث هو إنسان له منزلة الرئاسة بالطبع وهي منزلة يقتضيها كونه‬ ‫ليس مستعمرا في الأرض فحسب بل هو كذلك مستخلف فيها‪ .‬ومن ثمراتها أن الرئاسة‬ ‫الإنسانية ال كونية تكون مؤسسة‬ ‫• على الأخوة (الآية الأولى من النساء)‬ ‫• وعلى المساواة (الآية الثالثة عشر من الحجرات)‬ ‫وهما المبدآن المخلصان من عبودية الإنسان للإنسان والمعوضان لها بعباديةكل المخلوقات‬ ‫للرب الواحد‪.‬‬ ‫فيكون المشكل كله في كيفية تحرير التاريخ من العبودية بالعبادية لما بعد التاريخ‪.‬‬ ‫فيكون ما وراء التاريخ هو المتعاليات التي يؤسسها فضل الرب في‬ ‫• منزلة الإنسان الطبيعية من حيث مستعمر في الأرض‬ ‫‪77‬‬

‫––‬ ‫• ومنزلته ما بعد الطبيعية من حيث هو مستخلف فيها‪.‬‬ ‫فيكون قانون العلاقات بين البشر في جعل هدفها إعادة الأمر الواقع إلى الأمر‬ ‫الواجب لتحريره من نكوص الخسر بما حددته سورة العصر‪ .‬وبذلك فالتاريخ الإنسان‬ ‫لا يكون بطبعه خاضعا لقوانين الطبيعة بل هو يخضع لها إذا نسي الإنسان منزلته الوجودية‬ ‫من حيث هو مستخلف في الأرض وليس مستعمرا فيها فحسب‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫––‬ ‫– الفصل الثامن –‬ ‫منذ أن من الله علي بفهم هذه العلاقات التي عرضتها في الفصول السابقة من‬ ‫هذه المحاولة صرت واثقا من أن الفلسفة الغربية بقيت علم كلام يهودي مسيحي‬ ‫متنكرا‪.‬‬ ‫ولعل أكثر من يجمعون على كونه مؤسسا للعقلانية الحديثة ‪-‬أي ديكارت‪ -‬من‬ ‫أبرز الأدلة على ذلك إذ خلصنا فكره من اسقاط اليعقوبية عليه‪ .‬فهو استبدل‬ ‫ميتافيز يقا أرسطو الطبعانية نموذجا لما في العالم من حيو ية نظاما فلسفيا أساسه‬ ‫الميثولوجيا الفل كية المحاكية لقانون \"النوس\"بميتاأخلاق كلاميةكاثوليكية أساسها‬ ‫ضمانة إيمانية جعلته يعتبر اثبات وجود الله أيسر عليه من اثبات وجود العالم‬ ‫الطبيعي بحيث إن تأملاته ليست إلا محاولة في الاستدلال على وجود الرب‪.‬‬ ‫وبذلك فالفلسفة الغربية ليست محاولة في فهم التاريخ الإنساني عامة بل هي‬ ‫تهويده وتمسيحه الروحي كلاميا و\"أوننته\" العقلي قيسا للديني على الميثولوجي‪.‬‬ ‫إنها ميثولوجيا الاوربة الفلسفية بالاستئثار بكل تاريخ الإنسانية وزعمه معجزة‬ ‫اوروبية محوا لكل ما تقدم عليها وسيطا بينها وبين المعجزة المزعومة يونانية التي‬ ‫وصفوها بالمعجزة لمحو ما تقدم عليها‪.‬‬ ‫‪79‬‬

‫––‬ ‫تل كما هما ال كذبتان اللتان تستند إليهما ما يزعم حضارة غربية‪ .‬إنها ثمرةكذبتين‬ ‫في تاريخ الفكر الإنساني الفلسفي العلمي الطبيعي وحتى في تاريخ الفكر الإنساني‬ ‫الديني الروحي‪.‬‬ ‫فاليهودية والمسيحية تأوربتا بفضل تنصير اهماج الجرمان تأوربتا ل كنه يعسر‬ ‫التشكيك في كونهما شرقيتين وذلك حتى لو غضضنا الطرف عما حصل فيهما‬ ‫مما استعاراته قبل النهضة الأوروبية من الإسلام وخاصة بتأثير‬ ‫• من الفتح الاول في غرب أوروبا (الاندلس)‬ ‫• ومن الفتح الثاني في شرقها (من البلقان)‪.‬‬ ‫فحركة الإصلاح والمدرسة الكلامية التي يتبعها ديكارت وباسكال علم الكلام‬ ‫مصدره الاندلس ولو بعد الاسترداد‪.‬‬ ‫وما حصل في تاريخ الفلسفة هو عين ما حصل في تاريخ الدين بعد أوربتهما‬ ‫على اساس ال كذبتين النافيتين لما يعتبر لا شيء مما ليس يونانيا وليس أوروبيا في‬ ‫حين أن اليونان تلميذ الشرق القديم وأوروبا بنت الشرق الوسيط‪.‬‬ ‫وليست معنيا بما تأسس على ال كذبتين سواء فلسفيا أو دينيا‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫––‬ ‫فذلك من حقهم بمقتضى رؤ ية الإسلام التي تعتبر الخلاف بين الحضارات‬ ‫فلسفيها ودينيها من آيات الله ومن شروط التسابق في الخيرات لأن الخلاف في‬ ‫المعتقدات مرجأ إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ذلك أن وهم الحسم العنيف في عالم الشهادة ينتج عن توهم العلم المحيط‬ ‫والعمل التام‪.‬‬ ‫والمعلوم أن علم الكلام والفلسفة لم يتحررا من القول بالعلم المحيط والعمل التام‬ ‫حتى إن كنط لما حاول تخليصهما من القولين اعتبره هيجل أقرب إلى الإسلام‬ ‫منه إلى المسيحية والفلسفة‬ ‫ذلك أن المسيحية تعتبر عنده الدين المطلق (دروس فلسفة الدين)‬ ‫والفلسفة تعتبر عنده العلم المطلق (فينومينولوجيا الروح)‬ ‫المطلقين‪.‬‬ ‫فقد ظن العلم بالعالم الشاهد يقينيا وتلك أصل ال كذبتين بل هي أكبر كذبة‬ ‫فلسفية‪.‬‬ ‫فالعلم بالعالم الشاهد يتأسس هو بدروه على خمس معتقدات غفلة لا دليل‬ ‫عليها إلا توهم الإدراك الحسي دليلا كافيا على الأقل من خمسة أوجه‪.‬‬ ‫‪ .1‬فلا بد أن أسلم‬ ‫‪81‬‬

‫––‬ ‫بأنه يوجد خارج وعيي شيء غير الصورة التي في وعيي‬ ‫شرط الخروج من الانطواء على الذات‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولا بد من أن أسلم‬ ‫أن هذا الشيء له نظام وقوانين قابلة للعلم المستقر‬ ‫وإلا فلن اميز بين الأحلام والوقائع‪.‬‬ ‫‪ .3‬ولا بد أن أسلم‬ ‫باني موجود ولي وعي يتجاوز ذاتي إلى غيرها من الموجودات ومن المسألتين‬ ‫الأوليين‬ ‫وهو ما ينتج أني أنا أيضا ذو وجود خارج وعيي بذاتي‪.‬‬ ‫‪ .4‬ولا بد أن أسلم‬ ‫بأن لي هذه القدرة على الخروج من ذاتي‬ ‫لعلمها أولا ولعلم ما حولها ثانيا‬ ‫وشرط ذلك التمييز بين ذاتي وغير ذاتي سواء كان ذواتا أخرى أو أشياء غير‬ ‫ذاتية‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا لا بد أن أسلم‬ ‫أن ذلك ليس لي وحدي بل هو عين ما اشترك فيه مع غيري‬ ‫‪82‬‬

‫––‬ ‫وبذلك لا يمكن ألا اعتقد أني لست الذات الوحيدة‬ ‫وهو منطلق التواصل الذي يمكن من امتحان ما في وعيي بما في وعي غيري‪.‬‬ ‫وبذلك فحتى دليل ال كوجيتو بخلاف ما يتوهم ديكارت‬ ‫ليس غنيا عما سماه ضمانة إلهية للخروج منه إلى اثبات حقيقة العالم الخارجي‬ ‫بمعيار المساواة في البينونة مع ال كوجيتو‪.‬‬ ‫ذلك أنه ليس معرفة حدسية أولية وليس معرفة استدلالية برهانية‪ .‬ولا وجود‬ ‫لغيرهما‪ .‬ومن ثم فهي وهم نفسي وليست حقيقة عقلية ضميرها أن الشيطان أو‬ ‫الجني الشرير لا يستطيع تشكيكي إذا لم أكن موجودا‪ .‬وهذا مصادرة على‬ ‫المطلوب لأنه يعني أن الوعي بالانفعال دليل وجود ومنه استنتاج الوعي بالفعل‬ ‫دليل وجود‪ .‬وهذا لا يكفي للانتقال من الشك إلى اليقين وهو من ثم يؤدي‬ ‫إلى الاعتقاد بأن الوعي بالذات انفعالا وفعلا دليل وجودها عقيدة وليس‬ ‫حقيقة علمية‪.‬‬ ‫كل هذه المسلمات عقدية وليست علمية إذ العلم يقتضي وسائط منطقية تصل‬ ‫بين المقدمات والنتائج وهو معنى ديانويتيك بخلاف هذه \"المعرفة\" المباشرة أي‬ ‫النويتيك التي تكتفي بالحدس المباشر لما يظهر للمدارك الحسية دون وسائط تتجاوز‬ ‫العادة والعفو ية الغافلة‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫––‬ ‫وهي إذن في آن شرط اعترافي بأن غيري يقاسمني في ما أدركه هذا الادراك‬ ‫الغفل الذي ننطلق منه للتواصل الذي يمثل بداية التفاحص المتبادل لما في‬ ‫الأديان بالعرض على ما في الأعيان‬ ‫جعلا للحواس شاهدة للحسم بين المتحاورين فتتأسس يؤسس الحاجة إلى‬ ‫الاستدلال للترجيح الأغلبي اعتمادا على الشهادات الحسية‪:‬‬ ‫وتلك هي التجربة تجربة عادات الأشياء‪.‬‬ ‫وبذلك يمكن كل من المتحاورين أن يراجع غيره انطلاقا من زاده المعرفي‬ ‫وتجربته فتتراكم التجارب التي تحتاج إلى الفحص المتبادل وذلك هو ما نسميه‬ ‫علما بشهادة كل منها لمدارك الثاني تسليما بأمانة نقل المدارك التي في وعيين‬ ‫مختلفين‪.‬‬ ‫وما كنت لأخرج من هذين الفخين الفلسفي والديني لو لم أتمكن من تصحيح‬ ‫رؤيتي للقرآن في طفولتي الروحية ورؤيتي للفلسفة في شبابي الفلسفي‪ .‬ومنذئذ‬ ‫صارت رؤيتي تنبني على استحالة الرضا بوهم اليقين من الوجود الشاهد من‬ ‫دون اليقين من وجود الغيب لأنه هذا هو شرط ذاك والرمز هو أن المجهول في‬ ‫فحص التجارب أكثر من المعلوم كثرة هي في نسبة اللامتناهي المجهول إلى‬ ‫المتناهي المعلوم‪ .‬وكلاهما منطلقه معرفيا‬ ‫‪84‬‬

‫––‬ ‫هذه المسلمات التي يغفل عنها أو ينساها ومنها ينطلق القرآن بوصفها مسلمات‬ ‫عقدية غنية عن الدليل وليست علما يكتسب بل عين الوعي بالمعادلة الوجودية‬ ‫المنسي‪ .‬لذلك فالقرآن تذكير بمعرفة هي عقيدة فطر ية وهو معنى الوعي بالمعادلة‬ ‫الوجودية وليست علما ولا عملا بل هي شرط العلم والعمل‪.‬‬ ‫وأحمد الله أني أشعر بأني تحررت من فخ رؤيتي للقرآن لما شرعت خلال‬ ‫مقامي في كوالالمبور في البحث عن بنيته العميقة‪.‬‬ ‫فعطل الفخ الديني تضاعف قبل دراسة القرآن دراسة نسقية لأنه لم يبق‬ ‫مقصورا على الفوضى التي كنت أجدها في القرآن لما حفظت نصيبا منه في‬ ‫الطفولة بل ازداد بعد أن حيرني حضور الدينين اللذين يبدوان مهيمنين بحضورهما‬ ‫في القرآن رغم موقفه النقدي منهما بمنهج التصديق والهيمنة‪ .‬وتحرري من فخ‬ ‫رؤيتي للفلسفة‬ ‫سابق عن تحرري من فخ رؤيتي للإسلام لأن نفس العائقين في الفلسفة مثلا‬ ‫نفس العائقين في الدين‪.‬‬ ‫ففي جيلي كانت الجامعة مليئة بالدجل وخاصة في قسم العربية الذي كان‬ ‫جل اساتذته مستلبين فرحين بتبريز باريسية أشرف عليهم فيها أضعف مستشرقي‬ ‫أوروبا أي المستشرقين الفرنسيين‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫––‬ ‫فكانوا يعانون من عقد نقص إزاء حضارة غربية يجهلونها انطلاقا من حضارة‬ ‫هم أجهل بها منهم بالغربية‪ .‬ولسوء الحظ فهذه النزعة تضاعفت لما صار المختصون‬ ‫فيها يدعون علم الحضارة ونقد الأديان نقدا لا يعدو تشو يه الإسلام‪.‬‬ ‫وازداد الطين بلة لما تفلسف الأقعار الذين حفظوا متونا ظنوها قرآنا وهي ثمرة‬ ‫ما اصاب الفكر الغربي من فاشيات تولدت عن اليعقوبية والنكوصين الهيجلي‬ ‫والماركسي وما تلاهما من أدلجة جعلت الإخلاد إلى الارض أسمى الخيارات‬ ‫الخلقية للجوعى النهمين‪.‬‬ ‫لما شرعت في كتابة رسالتي حول منزلة الكلي في الفلسفة قبل ذلك بما يقرب‬ ‫من ثلاثة عقود‪ .‬فما كان يحيرني في كلام القرآن على الأديان التي يذكرها و يكاد‬ ‫كلامه عليها يغلب على الأقل كميا على كلامه عن ذاته دون المقابلة بين ما‬ ‫تعتمد عليه‬ ‫من استدلال بالمعجزات الخارقة لنظام الطبيعة والتاريخ وما يعتمد عليه هو من‬ ‫النظام الطبيعي والتاريخي‪.‬‬ ‫وكان الخروج من المأزق الفلسفي أيسر لأنه لم يكن يقتضي مواقف قد تعتبر‬ ‫بمنظور ديني تكذيبا للأنبياء المحتجين بالمعجزات الخارقة للعادة رغم أن القرآن‬ ‫‪86‬‬

‫––‬ ‫لا يلجأ إليها وإدا فلبيان عدم جدواها في التبليغ بدليل ما تلاها من تحر يف لعل‬ ‫الاطالة في تفكيك اليهودية والمسيحية علته بيان على الاستغناء عنها‪.‬‬ ‫وكان من اليسير الخروج اخطبوط الفلسفة الهيجلية الذي غرقت فيه إلى نهاية‬ ‫دراستي الجامعية في دار المعلمين العليا هروبا من أفيون النخب حينها أي‬ ‫الماركسية قبل مراجعة تاريخ الفلسفة في مراحله الأربعة العربية وقبلها اليونانية‬ ‫واللاتينية وبعدها الحديثة تسليما مؤقتا بان الأولى ليس لها ما قبلها وبان الأخيرة‬ ‫ليس لها ما بعدها‪.‬‬ ‫وذلك بالعودة إلى مبدأ تجاوزها كلها بشرط التحرر منها وهو المرحلة الخامسة‬ ‫المنسية بشكلها والتي لم نسيت حتى بشكلها الغربي في السطحي من فكرنا الفلسفي‬ ‫والجمع بين ما قبل الأولى وما بعد الأخيرة واحد وهو التحرر من ال كذبتين‪:‬‬ ‫• فلا العلم بدأ مع اليونان‬ ‫• ولا استأنف مع الأوروبيين‬ ‫بل هو بدأ قبل اليونان دون نفي أهمية المرحلة اليونانية ولم يستأنف مع‬ ‫الأوروبيين رغم أهمية المرحلة الأوروبية الحديثة‪:‬‬ ‫فالمرحلة اليونانية تعتبر تحولا نوعيا لا شك في ذلك ل كن التحول النوعي من‬ ‫شروطه وجود ما يحوله من أسلوب سابق إلى أسلوب لاحق حتى قطيعته معه‬ ‫‪87‬‬

‫––‬ ‫يمكن اعتبارها مرسومة فيه لأن التجاوز هو دائما إما إصلاح ما سبقه من أخطاء‬ ‫او سد ما وجد من ثغرات‪.‬‬ ‫وهذه العلاقة التجاوز ية حصلت بين اليونان والأوروبيين وتلك هي علة تكذيبي‬ ‫لنسبة الاستئناف للغرب لأن ما بين عودة أوروبا للمعرفة مرت بمرحلتين بعد‬ ‫انحطاط تجاوز في التدني ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية هزيمتها أماما النهضة‬ ‫الغر بية‪.‬‬ ‫والنهضة الغربية أحدثت تحولا كميا في التحول ال كيفي الذي تحقق في الحقبة‬ ‫الإسلامية لأن هذه الحقبة جمعت بين التحول ال كيفي اليوناني وشروط تجاوزه‬ ‫بما فيها مما أهمله اليونان من أخطاء وثغرات وبما ابعده الإسلام وحضارته من‬ ‫حلول تمثل منطلق ما يمكن ان يحرر البشر ية مما تردت إليه الحضارة الغربية‪.‬‬ ‫فالعلم الغربي الحديث صار بسبب النهم الاستعماري غير قادر على تجاوز دور‬ ‫أداة التهديم المطلق والترميم الأعرج سفكا للدماء وافسادا في الأرض والسماء‬ ‫وليس كما ينبغي أن يكون لتحقيق شروط الاستخلاف بحماية البشر ية والمعمورة‬ ‫من التوليثين المادي للطبيعة والروحي للإنسان‪.‬‬ ‫لما شرعت في كتابة الرسالة اطلعت على سر مما حصل للفلسفة العربية الوسيطة‬ ‫من وقوع في فخ افلاطون وارسطو من حيث الرؤ ية الإبستمولوجية القائلة‬ ‫‪88‬‬

‫––‬ ‫بالمطابقة والإحاطة والرؤ ية الأكسيولوجية القائلة بالمطابقة والتمام‪ .‬واكتشف‬ ‫أن الوحيدين الذين تحرروا من هذا الفخ‪:‬‬ ‫• فهم أولا أبطال المدرسة النقدية العربية التي بدأت مع الغزالي واكتملت‬ ‫مع ابن خلدون‪.‬‬ ‫• وهم ثانيا أبطال المدرسة النقدية الغربية التي بدأت مع ديكارت واكتملت‬ ‫مع كنط‪.‬‬ ‫فالتحرر من فلسفة أفلاطون وأرسطو التي جعلتها المدرسية الفلسفية العربية‬ ‫الوسيطة في حضارتنا مرجعية فهمهم للقرآن بل هي وحكما عليه بدعوى حق‬ ‫الراسخين في العلم تأو يل المتشابه تماما‬ ‫كما صارت المدرسية الفلسفية العربية الحالية جعلت فلسفة هيجل وماركس‬ ‫وما تفرع عنها وخاصة في ما بعد الحداثة التي يمكن اعتبارها رد فعل عليهما‬ ‫منطلقا منهما‪.‬‬ ‫وطبعا فهيمنة المدرسية الفلسفية العربية الحديثة وما بعدها دون المرحلة‬ ‫الوسيطة تمكنا من الفكر الفلسفي اليوناني ومن ثم فهي دونها قدرة على النقد المحرر‬ ‫منها مثل ما حصل في المدرسة النقدية التي تحررت منها عندنا ثم عند الألمان‬ ‫كما بينت في ضميمة ترجمة المثالية الألمانية‪.‬‬ ‫‪89‬‬

‫––‬ ‫ومن ثم فلم يكن بالوسع اعتمادها للتحرر من اخطبوط الفخ الأول الذي‬ ‫كانت بدايته فينومينولوجيا الروح والعلم المطلق وغايته فلسفة الدين المطلق غاية‬ ‫للمسار الموصل إلى الأول‪.‬‬ ‫والفخ هو بالأساس نفسه الفخ القديم لأن فلسفة هيجل وماركس مثلت‬ ‫نكوصا تاما إلى ما تقدم على النقد في الفلسفة الغربية ممثلا بال كنطية والمدرسة‬ ‫النقدية الألمانية التي لم تشر إلى المدرسة النقدية العربية المتقدمة عليها في الزمان‬ ‫رغم ما بينهما من تناظر عجيب‬ ‫لا يغفل عنه إلا من ساءت نيته لتوطيد خرافة المعجزة الأوروبية التي عادت‬ ‫مباشرة إلى المعجزة اليونانية في غياب دور من سبق هذه ال كذبة الأولى ومن‬ ‫توسط بينها وبين ال كذبة الثانية‬ ‫فكان اهمالها علة كافية عند الحمقى من ماضغي الروبافاكيا الأوروبية ليصبح‬ ‫نجوم الفلسفة العربية الحديثة مؤمنين بنفس ال كذبتين بل وتحملها عند التعرض‬ ‫لها ما يسمونه بالحرب على الفلسفة وعلة الانحطاط الذي مر به فكر الأمة‬ ‫الفلسفي‪.‬‬ ‫• والبداية هي أبستمولوجيا المطابقة ورد الوجود إلى الإدراك وهو معنى العلم‬ ‫المطلق‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫––‬ ‫• والغاية هي أكسيولوجيا العمل التام ورد المنشود إلى الإرادة وهو معنى‬ ‫الدين المطلق‪.‬‬ ‫ومجموعهما يسميه هيجل المصالحة بين العقل من حيث هو نهى المتجاوز للعقل‬ ‫من حيث هو حصاة والحصيلة‪ .‬لا شيء هناك وراء هنا أي ليس وراء عالم‬ ‫الشهادة عالم للغيب ولا حساب ولا عقاب عدى ومكر التاريخ يحل كل المجهول‬ ‫بتحيل مقبول‪.‬‬ ‫أما الفخ الثاني فهو ليس عملا إنسانيا كالحال في الفخ الأول أي إنه ما أضفى‬ ‫الفوضى على نص القرآن ال كريم بسبب عدم تحديد دلالة حضور اليهودية‬ ‫ونظر ية شعب الله المختار أو التفضيل على العالمين وعدم تحديد دلالة حضور‬ ‫المسيحية وقصة خلق عديل بدء الإنسان معجزة عيسى نسخة من آدم‪.‬‬ ‫فهذا الحضور يبدو في سطح القرآن وكأنه الممثل الوحيد للحضارة التي تقدمت‬ ‫على الإسلام وللحضارات المعاصرة لليهودية والمسيحية لكأن الشعوب الباقية لم‬ ‫يكن لها دور ولا وجود‬ ‫ودلك هو ما جعلني في البداية لا أطمئن لهذين الحضورين اللذين يبدوان‬ ‫مؤديين دورين القرآن لم يكن بحاجة إليهما إذا فهما بالمعنى الذي جعل‬ ‫الإسرائيليات والنصرانيات تسيطر على فهمه وتفسيره الفقهي والصوفي‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫––‬ ‫ومثلما طلبت ما حررني من المطابقة والإحاطة في النظر والمطابقة والتمام في‬ ‫العمل في فكرنا الفلسفي القديم بالتحرر من إطلاق الأفلاطونية والأرسطية وفي‬ ‫فكرنا الفلسفي الحديث بالتحرر من إطلاق الهيجلية والماركسية التحرر منهم‬ ‫أربعتهم بفضل المدرستين النقديتين العربية والغربية‪.‬‬ ‫طلبت ما حررني من إطلاق خرافة الشعب المختار وشعب الخطيئة الموروثة‬ ‫بتحرير فهم القرآن بالإسرائيليات الذي سيطر على أهل الحديث وبالنصرانيات‬ ‫الذي سيطر على الدراويش‪ .‬وكان لا بد من وصل ذلك بالمقابلة التي لا خلاف‬ ‫فيها بين الاستدلال القرآني النظام في الرسالة الخاتمة وليس بالمعجزات الخارقة‬ ‫للنظام في الرسالتين الأخر يين‪.‬‬ ‫يبقى الكلام في دلالة رواية القرآن لهذه المعجزات ودعوته لتصديق الرسالات‬ ‫السابقة دون أن يعني ذلك التصديق بنظام استدلالها‪ .‬فكان لا بد إذن من التمييز‬ ‫بين البنية السطحية والبنية العميقة خاصة والبنية السطحية تبدو أقرب على ما‬ ‫قد يترتب على القول بالمطابقة والإحاطة إذا فضلنا الاستدلال بالنظام على‬ ‫الاستدلال بالمعجزات‬ ‫لأن إمكانها يعني ما يمكن منه عدم احاطة الإنسان المعرفية في النظر وعدم‬ ‫التمام القيمي في العمل‪ .‬فكيف يمكن التوفيق؟ التوفيق علته طبيعة الخطاب‪ .‬فمن‬ ‫‪92‬‬

‫––‬ ‫يتوجه إلى الإنسان في الاستدلال ينبغي أن يستند إلى اللغة الأكثر اقناعا من‬ ‫منظور الممكن له وليس من منظور الممكن للرب‪.‬‬ ‫فالقرآن لا ينفي أن المعجزات ممكنة للرب‪ .‬ل كنه لا يحتج بها بل يحتج بما هو‬ ‫ممكن للإنسان وهو أكثر اقناعا له إذ لا يمكن للإقناع الذي شرطه الفهم أن‬ ‫يعتمد على ما لا يفهم أي المعجزات‪.‬‬ ‫ومن ثم فالاستدلال القرآني لا ينفي الاعجاز بل هو يرى أن التجربة التاريخية‬ ‫بينت انه لم يكن كافيا لإقناع من خوطبوا به وأغلبه كان للتخو يف وليس‬ ‫للإقناع‪ .‬لذلك فكلما عاجزه مخاطبوه رد عليهم بهذين الحجتين واكتفي بدليل واحد‬ ‫هو آيات الله في الآفاق وفي الأنفس وشهادة الله بأن من يراها يعلم أن القرآن‬ ‫حق‪.‬‬ ‫لذلك فالقرآن هو التذكير بهذه الآيات أو شهادة الله بأنها هي الدالة على حقيقة‬ ‫القرآن‪ .‬وتلك هي مسألة الحر ية الفعلية أو الشكلية‪ .‬فيكون العلاج إما بمنطق‬ ‫القبول بالأمر الواقع أو بمنطق التبرير بمقتضى العقد الديني أو العقد الفلسفي‬ ‫المؤسس على تراتب المنازل وسلمها في سد الحاجات الرمزية‪.‬‬ ‫‪93‬‬

‫––‬ ‫– الفصل التاسع –‬ ‫وفي الجملة فإن المشكل هو مشكل منطق التساخر مع التراتب الوظيفي في تقسيم العمل‬ ‫الرمزي لإنتاج التراث نظير التراتب الوظيفي في تقسيم العمل المادي لإنتاج الثروة‬ ‫والتفاعل بين الانتاجين‪.‬‬ ‫• فإنتاج التراث شرط في العلم بقوانين الطبيعة وقيم التاريخ‬ ‫• وتطبيقهما شرطين في الاستعمار في الاستعمار الناجح في الأرض‪.‬‬ ‫• وانتاج الثروة شرط في تمو يل انتاج التراث العلمي والقيمي للرعاية والحماية‪.‬‬ ‫• فيكون التفاعل بين التساخرين عين التفاعل بين رعاية الجماعة لذاتها وحمايتها‪.‬‬ ‫• وما يحصل في تقاسم العمل الرمزي من صدق يكون‬ ‫إما بمقتضى الأمر الواقع وهو علاقات سلطة وقوة وليس بمقتضى أهمية الوظائف التي‬ ‫ينقسم إليها العمل الرمزي‬ ‫أو بمقتضى العقد الديني والفلسفي المؤسس على تراتب الوظائف وسلمها في سد‬ ‫الحاجات الروحية والمنازل الاجتماعية‬ ‫• تماما كالحال في التراتب في تقسيم العمل المادي‪.‬‬ ‫• والتناظر بين النظامين يتعين في تفاعلهما بحيث إن‪:‬‬ ‫تقسيم العمل الرمزي يحدد منزلة العلماء والمبدعين عامة وهم أحوج الناس للتفرغ‬ ‫لهذه المهمة التي هي أعسر مهام العمران البشري وشرط تحقيق الرعاية والحماية بعمل على‬ ‫‪94‬‬

‫––‬ ‫علم وليس بالاعتماد على الصدف في الاطلاع على \"عادات\" الأشياء بدلا من استراتيجية‬ ‫البحث عنها وهو دور التربية والبحث العلمي‪.‬‬ ‫وتقسيم العمل المادي يحدد منزلة مستعملي ثمرة ما توصلت إليه تجربة المعرفة والخبرة‬ ‫بعد الحصول على الحد الأدنى من التراث العلمي والقيمي سواء كانت ناتجة عن تنظير‬ ‫سابق أو عن ممارسة دون تنظير كالحال في بدايات العمران‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإن تقدم المجتمعات البشر ية جعلت الأمرين (انتاج الثروة وإنتاج التراث)‬ ‫يتوالجان بحيث إنه لم يعد بالوسع تصور مؤسسات انتاج مادي خالية من مؤسسات بحث‬ ‫علمي في مجال اختصاصها وأن تجد مؤسسات بحث علمي خالية من مؤسسات تطبيق‬ ‫للنظر يات‪.‬‬ ‫وذلك هو سر القوة في المجتمعات الأحدث‬ ‫لأن النظر مع بقاء ما فيه من أساسيات بمعزل عن الفائدة التطبيقية يحتاج إلى‬ ‫التطبيق‪.‬‬ ‫وليس من أجل الفائدة التطبيقية‬ ‫بل لأن الاحتكام إلى التجربة معيار مقوم للعلمية‬ ‫وهو شرط التأكد من صحة النظر يات المتعلقة بحقائق الأشياء الطبيعية والتاريخية‬ ‫كما أن العمل مع بقاء ما فيه من حدسيات لا تقبل التنظير وهي في الغالب موحيات‬ ‫بالأفكار التي تستند إلى اكتشاف خصائص في الأشياء مجهولة‪.‬‬ ‫‪95‬‬

‫––‬ ‫فما لا يقبل التفسير بالنظر يات السابقة لا متناهي ومن ثم فمفاجآته لا تتوقعه وهي غالبا‬ ‫ما تصبح منطلقا لإعادة النظر في النظر‪.‬‬ ‫ومن ثم فكلاهما‬ ‫• له وظيفة معرفية بمعزل عن النفع المباشر‬ ‫• وله وظيفة في النفع المباشر من خلال تطبيق النظر على العمل واستيحاء مفاجآت‬ ‫العمل باعتباره تجربة عينية قد توحي بما لم تتفطن إليه النظر ية فيقع تجويدها‪.‬‬ ‫ومن ثم فهما متلازمان دائما‪.‬‬ ‫وعبارة \"بمقتضى الأمر الواقع\" يعني بمقتضى قبول ما يحصل من الأمر الواقع على أنه‬ ‫الممكن الوحيد باعتقاد ديني أو فلسفي أو بدونهما يلطفان من الأمر الواقع بمقتضى‬ ‫موازين القوة بين الأقو ياء والضعفاء فيهما إما حقا بما يستمد من علة القوة فيهما أو‬ ‫ظاهرا بمقتضى ما يستمد من ظاهر القوة فيهما‪.‬‬ ‫ومن ثم فالأمر كله متعلق بهذا المقتضى الذي ينتج عن قانون القوة المعترف به إما‬ ‫دون تبرير ديني وفلسفي أو بهما‪.‬‬ ‫والتبرير الديني والفلسفي‬ ‫يلطف من الامر الواقع الذي تحكمه القوة الفعلية أو ظاهرها‬ ‫لان مفعول القوة لا يستمد منها هي بل من صورتها عند الخاضع لها‪.‬‬ ‫ما يعني أن المسافة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن هو القانون الفعلي لشرطي قيام‬ ‫الجماعات‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫––‬ ‫وبهذا المعنى فإن دور المستوى الرمزي من التساخر ‪-‬تقيم العمل وتكامله‪ -‬ملازم‬ ‫للمستوى المادي من القوة وهو الذي يجعل القوة فاعلة ليس بذاتها فحسب بل بما‬ ‫يتصورها عليه من يخضع لها فيكون المفعول الرمزي معدا للمفعول الفعلي حتى في‬ ‫الحروب‪:‬‬ ‫فمن يهزم رمزيا يستحيل أن ينتصر ماديا لأن السلاح بحد ذاته على أهميته ليس هو‬ ‫المحدد للنتيجة بل معنو يات الجندي وإيمانه بما يجاهد من أجهل‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فالحروب تربح رمزيا قبل ربحها فعليا وبنفس القانون تخسر‪.‬‬ ‫وهذا التفاعل بين التساخرين المنتج للتراث والمنتج للثروة هو ما سأسميه من الآن‬ ‫فصاعدا بقانون التساخر‬ ‫أي اتخاذ البشر بعضهم بعضا سخر يا خلال تقاسم العمل وتكامله بحيث يكون الجميع‬ ‫قائما بفرض كفاية نيابة عن الجماعة في المجال الذي تمكن من علاجه‪.‬‬ ‫فهو القانون يحكم السلطة السياسية في الجماعات البشر ية وله مستو يان من تجلي بقانون‬ ‫منطق القوة الذي يتغطى بقانون قوة المنطق دينيا كان أو فلسفيا‪:‬‬ ‫‪ .1‬المستوى الأول‬ ‫بين الأقو ياء والضعفاء في أي جماعة من جماعات العالم وغالبا ما يكون التمييز بين النوعين‬ ‫غير محلي حتى وإن كان مقصورا على المحلي في إدراة الشأن الداخلي‪.‬‬ ‫‪ .2‬وتلك هي علة تقدم المستوى الثاني بين الأقو ياء العالميين على الأقو ياء المحليين‪.‬‬ ‫‪97‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook