والمفهومي لمسارها الاجتماعي والحضاري لأن الإنسان في علاقته بعالمه الطبيعي والتاريخي مستوى حدثه مرفوق دائما بمستوى حديثه عنه.وتلك هي علة تعقيد العلوم الإنسانية الأبلغ من تعقيد العلوم الطبيعية :فمستوى الترميزأو الاسترماز هو الذي يضاعف مجرى الظاهرات الإنسانية لأن الأحداث مصحوبة بما يعبربه الوعي عليها من أحاديث هي الإطار الرؤيوي دينيا وفلسفيا وإيديولوجيا فيهما معا ما يجعل \"الواقع\" مفهوما لا يكاد يدرك.وفي الحقيقة فما يفعل في الاحداث ليس الحاضر بل الماضي والمستقبل بخلاف من يتوهم منيتصورون أن الحاضر له وجود غير كونه ملتقى ما مضى وما هو آت حتى في الطبيعة.فـ\"البوتونسيال\" أو الذي بالقوة يفعل فعل \"الريال\" أو الذي بالفعل والإنسان يفعل فيه المتوقع والمتذكر أكثر من الحاضر.لذلك فالظاهرات الاجتماعية الحاضرة هي في الحقيقة ملتقى ماضي المجتمع ومستقبله لأنحاضره لحظة سيالة ليس لها قرار وخاصة في المجتمعات الحديثة التي ترهن المستقبل لتحلمشكلات الحاضر والمستقبل الذي ترهنه هو دائما المنتظر باعتبار الموجود الذي يضمن رهن المستقبل وخاصة في الاقتصاد.والاجتماع وثيق الارتباط بالاقتصاد ليس بمعناه المادي فحسب بل بمعناه الرمزي لأنهللثروة دورين بالإضافة إلى سد الحاجات :الأول هو أنه سلطة في كل سلطة سواء كانتسياسية او معرفية والثاني هو كونه محدد سلم المنازل في أي جماعة لأنه رمز القدرة الفعلية .تلك هي محركات الإنسان.وحتى دور السلطة الروحية المتعالية التي تنسب إلى الله فهي تعير بهذه المعايير إذ هوأساسا يعتبر سلطة على الأرزاق والمنازل خاصة في الدنيا وفي الآخرة مباشرة بالنسبة إلىالإنسان العادي وبتوسط الوسطاء الروحيين الذين يوهمون العامة بأن لهم قدرة على التوسط وتبليغ صوتهم لصاحب الدورين.ولذلك فما يعيني من المؤسسات والكيانات الاجتماعية هو هذه الفاعلية للماضي والمستقبلفي الحاضر لحظة بلحظة في توالي حقب التاريخ الذي أريد فهم انقلابه من تاريخ أمةأبو يعربالمرزوقي 98 الأسماء والبيان
مبدعة ومبادرة حتى إن هيجل اعتبر ذلك من أهم مميزات الحضارة الإسلامية بالمقارنة مع الحضارة الهندية مثلا وما الذي كسحها.ما الذي آل بالمسلمين عامة والعرب غاية بالإخلاد إلى سبات عجيب جعلهم بالتدريج ينتقلونمن قادة العالم إلى توابع أقزامه فتصبح السياسة التي هي إدارة علاج العلاقتين العموديةمع الطبيعة والأفقي مع التاريخ خارج أيديهم فيحكمهم ويربيهم أهماج العالم والحاميات التي كانت مرتزقة لدى حكامهم.وكان يمكن ألا أبالي بالأمر لو كان ماضيا مضى وانتهى لكنه ما يزال قائما بل هو يزدادوخاصة عند ذوي الثورة الخام الذين يكتفون بالعيش عيش الانعام سواء كانوا من مشرقالعرب أو من مغربهم .ومن ليس له ثروة خام تذكر يبيع المناخ والشواطئ ويقبل بأن يحول ثقافته إلى ثقافة خدمات للغرائز.والأعجب من ذلك كله هو سلطان الحاضر الذي لم يسبقه ماض كان يعد له باعتبارهالمستقبل بل هو حاضر لحظي ليس له ماض أعد له فيكون الفعل فيه مجرد رد فعل للآزفمن الحاجات وتلك هي حياة البهائم الذين لا يرون من الزمان إلى حاضره وينسون أن الحاضر لا معنى له إلا بطرفيه.ولا أعني أن المسلمين والعرب ليس لهم ماض وليس لهم مستقبل لكن ماضيهم لم يعد محركاإلا لقلة من الشباب ليس لهم دراية بمحركه والمستقبل لا يعني أحدا لأن من بيدهم الحلوالعقد دون شرعية مستقبلهم لا علاقة بالجماعة إذ هم أولا دمى في يد حماتهم ومشروعاتهم حيزوها خارج الاوطان في الغرب.ولينظر القاري الكريم فيقارن العرب بمن يستعمر أوطانهم وحتى بمن هم ذراعا منيستعمرهم :فإيران وإسرائيل مباشرة وروسيا وأمريكا بصورة غير مباشرة كلهم أربعتهمممتلئون بفاعلية ماضيهم ومستقبلهم وحاضرهم هو العمل لكي تكون مشروعات المستقبل محققة لمفقودات الماضي.كلاهما يريد استرداد امبراطورية يعتبرون الإسلام عامة والعرب خاصة هم من أفقدهمإياها وهم في الحاضر يحققون فعلا هذه الأهداف فيكون حاضرهم لحظات عمل ذيأبو يعربالمرزوقي 99 الأسماء والبيان
استراتيجية تصل الماضي المفقود بالمستقبل المنشود والعرب قعود كأنهم أعجاز نخل خاوية. ذلك هو همي من الكلام في المؤسسات الاجتماعية.بعبارة وجيزة ثورة الاسلام التي حررت الإنسان من الوساطة الروحية والوصاية السياسيةتبناها الغرب وكل شعوب العالم لكنهم أوجدوا بدائل تؤدي وظائفها المدنية بحق بعد أنحرروها من الوساطة الروحية والوصاية السياسية وتلك هي المؤسسات التي اعتبر الأمة قد فشلت في تأسيسها لتعالج العلاقتين.لكن المسلمين عملوا العكس تماما أعني السنة لأن الشيعة لم يلغوهما .لكن السنة ألغتهمابالاسم وعوضتهما بما هو أدهى وامر أعني وساطة أمر واقع يتنافى مع إلغائها الواجبووصاية أمر واقع يتنافى مع إلغائها لواجب فصاروا يؤسسون بالإسلام ما يتنافى مع جوهره: تحريف علوم الملة وأعمالها.أبو يعربالمرزوقي 100 الأسماء والبيان
ونصل إلى غاية الكلام في المؤسسات والكيانات الاجتماعية :في غياب البديل الفاعل أوالناظم للفعل الاجتماعي بين السياسي والتربوي لا يبقى إلا رد الفعل لكيان عديم العمودالفقري أو المؤسساتي البديلين من الوساطة الروحية والوصاية السياسة اللتين ألغاهما الإسلام.ففي غياب البديلين من الكنسية والحكم بالحق الإلهي المبقيين على وظيفتيهما المدنيةدون وظيفتيهما السلطويتين ينكص المجتمع إلى ما دونهما أو إلى فوضى الفعل الفردي غيرالخاضع لمؤسسات تؤطره ولا يبقى إلى رد الفعل البدائي للفرد ككائن عضوي أو للجماعة \"كهورد\" أو كحركات همجية كالمغولية.وما ترتد إليه هو التنظيمات البدائية التي من جنس الطوائف والقبائل والمافيات وكلهايحركها انعدام المشروع الواعي الذي يعالج العلاقتين بوصفه علاجا ذا استراتيجية يحددهاالسعي القصدي لتدارك مفقود الماضي بمنشود المستقبل لملء الحاضر بنظام فعل غائي واع بمراحل الوصل بين البداية والغاية.وهذا هو فعلا ما حصل منذ الحروب الاهلية التي تلت الفتنة الكبرى إلى اليوم في بلادالعرب .فحتى الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تأسست في بعض بلاد العرب فهيأقرب إلى عقلية الطوائف والفرق الكلامية والقبائل والمافيات منها إلى تنظيمات المجتمع التي عوضت الوساطة والوصاية في الحداثة.وليس من شك في أنها حتى في المجتمعات الحديثة لا تفقد الصفة بالمؤسسات والتكويناتالبدائية التي من هذا الجنس لكنها تتحرر منها بقدر كبير بفضل مؤسسات رديفة أهمهاحرية النقد والإعلام الحر وحقوق الفرد وحرياته الاساسية كحرية الضمير وحرية التعبير وحماية كيانه بالدستور والفصل بين السلط.وهذه هي التي تحرر المؤسسات والكيانات الاجتماعية مما كانت تتمتع به الوساطةوالوصاية من شبه قدسية تحول دون الفرد والوقوف منها موقف الناقد المحمي من جبروتها.أبو يعربالمرزوقي 101 الأسماء والبيان
فالمسلم منذ ذلك الحين والعربي على وجه الخصوص يعاني من طغيانين :طغيان المتغلب سياسيا وطغيان مضفي الشرعية عليه روحيا.ورمز الطغيان هو مفهوم \"أولي الامر\" ليس بمعناها القرآني كما هو في الواجب بل بمعناهكأمر واقع أعني أمراء التغلب وعلماء التشريع للتغلب بدل أمراء المؤمنين الذي هم خدمللمؤمنين وعلماء المؤمنين الذين هم معلمون ولا سلطان لهم على إرادة المؤمنين لأن الامر هو أمر الجماعة (الشورى .)38والطغيان الاجتماعي ألف مرة اشد من الطغيان السياسي ذلك أنه يصبح مستبطنا فيروح الفرد فيصبح يراه جزءا من الدين وهو في الحقيقة نقيض الدين لأنه نقيضالحريتين الروحية والسياسية اللتين هما جوهر ثورة القرآن أعني الغاء الوساطة الروحية والوصاية السياسة لتحرير الفرد والجماعة.ما أتكلم عليه يبدو ألغازا ربما لأن العبارة عنه فيها ما يشير إلى خفايا غفلنا عنها طيلةالأربعة عشر قرنا من حالة الطواري التي عشناها بعد الفتنة الكبرى وحروبها الاهليةالتي لم تتوقف إلى الآن خاصة وقد أحيتها حركتان هما حركة الخمينية وحركة القاعدة بوصفهما أداتي تهديم ذاتي بيد الاستعمار.والأدهى أن حركة الخمينية لأن لها قيادات محنكة جعلت حركة القاعدة مجرد دميةبيدها تحقق بها كل ما تريده من أفعال لتشويه السنة بيد السنة نفسها وقد تعين ذلكالتعين الامثل في حركة داعش .فهذه الحركة في الظاهر تفعل ما تفعل باسم السنة لكنها في الحقيقة هي التي تقضي على فاعليتها.وطبعا لو لم يكن ذلك مما يحتاج إليه الامريكان والروس وإسرائيل خاصة لما سمح به ولماأمدوا في عمره وينوون تمديده ثلاثة عقود حتى يقضوا نهائيها على ما يتصورون عودتهكافية لإخراجهم من الإقليم الذي سيستعيد دوره العالمي :القضاء على الشعبين الذي أنشأ دولة الإسلام والذي حماها في الغاية.الحرب كلها والإرهاب السني المزعوم المحقق لغايات الإرهاب الشيعي والصهيوني الفعليينهو الأداة التي وجدت ما يلائم استراتيجية روسيا وأمريكا لتهديم ما يمكن أن يحققه العربأبو يعربالمرزوقي 102 الأسماء والبيان
والأتراك أي الشعب الذي أنشأ دولة الإسلام والشعب الذي حماها في الغاية إلى نهاية الحرب العالمية الأولى قدر مستطاعه.فلا يوجد نظام عربي واحد يدعي الحكم باسم السنة ليست قياداته الفعلية -لا أتكلمعلى الكمبارس في كراسي الحكم-مستشارين انجليز أو أمريكان أو فرنسيين وجلهم صهاينةإن ليس بالعرق والدين فبالولاء واللادين .ويكفي تاريخ ما عينته انجلترا من حكام عرب وحتى من جامعة عربية.قيادات الشيعة وملاليهم فرس وقيادات العرب ومستشاريهم صهاينة .ولذلك فالمشروعانالمسيطران على الاقليم هما مشروعا استعادة امبراطورية فارس باسم آل البيت أي ضد ماكان ينبغي أن يكون مشروع آل البيت لأن الإسلام كان قائده جدهم وامبراطورية آل صهيون ضد ما يزعمه من يحكم باسم الإسلام.ولهذه الظاهرة علاقة مباشرة بالمؤسسات الاجتماعية :فالاستسلام الشعبي لما يجري ليسله من تعليل غير ما عليه المؤسسات البديلة الكسيحة من مؤسستي تنظيم السلطتين الروحيةوالسياسية في القاعدة الاجتماعية وفقدانهما دور المحرك الفعلي للجماعة والمجتمع: فالسيسي غير ممكن من دون وساطتهم ووصايتهم.وقس عليه كل بلاد العرب .ذلك أن العنف المادي مهما كان فاعلا فهو لا يفعل إلا لأنالعنف الرمزي مهد له الطريق .ولذلك اعتبر ابن خلدون الأمم تفسد فيها معانيالإنسانية بالعنف الرمزي في التربية الذي يجعل العنف المادي في الحكم مؤثرا بصورة يؤدي اجتماعهما إلى الأمة \"العالة\" أمة العيال.ولا بد هنا من الاتيان بنص ابن خلدون مؤسس ثورة الربيع بحق\" :ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين والمماليك أو الخدم: .1سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها .2وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل .3وعمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليهأبو يعربالمرزوقي 103 الأسماء والبيان
.4وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت هذه عادة وخلقا .5وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحميةوالمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره بل وكسلت النفس على اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد أسفل سافلين.وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف واعتبره في كل من يملكأمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به .وتجد ذلك فيهم استقراء .وانظره فياليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل افق وعصر بالخرج ومعناه ( )..التخابث والكيد\" (المقدمة .)6.40لا أعتقد أنه يوجد عربي صادق يقرأ هذا النص ولا يعتبره وصفا أمينا لوضعنا الحاليبل لوضعنا منذ الفتنة الكبرى إلى اليوم .ولا أعتقد أنه يمكن لأحد صادق بحق ألا يجدفيه ما عليه ثار شباب الأمة بجنسيه سعيا للخروج من حالة الطوارئ التي فرضت علينا منذ ذلك الحين.فالثورة العربية الحالية هي فجر الاستئناف :كل المؤسسات الاجتماعية التي خربتالإنسان روحيا وماديا وجعلت اعز امة تصبح أذل الأمم انهارت ولن يستطيع الغبيان اللذانيقودان الثورة المضادة ويمولان قرود الجيوش المهزومة القبائل المهضومة مواصلة قهر الشعوب المظلومة :الثورة لن تهزم.رمزية تونس اليوم هي ابن خلدون والشابي الأول رمزها الفكري والفلسفي والثانيرمزها الجمالي والشعري وشبابها بجنسيه يشبه شباب النشأة الأولى .ولا يحتاج لرسالةجديدة فهي موجودة .واعتبر نفسي جنديا في السعي لبيان أنها موجودة فإعادة قراءتها الفلسفية تحيي فاعليتها التاريخية.صحيح أني بخلاف الصديق حسن حنفي ومنذ 2000كنت أدعو إلى تقديم النظر علىالعمل .ذلك أن العمل الذي ليس على علم خبط عشواء وليس عملا هو رمي في عماية.وما يسمون بالمجاهدين حتى الصادق منهم واستثني أمراء الحرب منهم يرمون في عماية لعدم فهم الغاية وتحقيق شروط البداية.أبو يعربالمرزوقي 104 الأسماء والبيان
ذلك ما أسعى إليه والله ولي التوفيق .ولم يبق في هذه المحاولة إلا جزؤها الخامسوالاخير حول مؤسسات التربية التي ترسي قواعد مشروع الاستئناف الذي ينبغي أن يكونمن حجم النشأة الأولى وهو استئناف اسلامي لا بد فيه من حلف صريح بين شعب النشأة الاولى وشعب الحماية الاخيرة قبله.أبو يعربالمرزوقي 105 الأسماء والبيان
-القسم الخامس -أشرع الآن في الجزء الخامس والاخير من كلامي على شروط الاستئناف أو إعادة بناءشروط تحقيق الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف .وقد تكلمت في الجزء الرابع فيالمؤسسات الاجتماعية الوسيطة بين السياسية والتربوية وآن أوان الكلام في المؤسسات التربوية موضوع البحث الاخير.وكنت قد وعدت أن اتكلم في المؤسسات الاجتماعية بالاعتماد على نظام مقومات كيانالإنسان المستعمر في الارض والمستخلف بمنظور قرآني وهو منظور يظن فلسفيا فحسب أعنيأن الإنسان في علاقة بعالمين طبيعي منه قيامه العضوي وتاريخي أو رمزي منه قيامه الروحي والفكري :العلاقتان العمودية والأفقية.لكني عند التنفيذ اقتصرت على غاية هذه المقومات التي تنتهي بها قائمتها أو مصفوفتهاأعني الوجود أو الرؤى الوجودية التي هي توجد في الجماعات البشرية بشكلين رغم وحدةالمطلوب لولا التحريف الذي يطرأ على هذا أو ذاك منهما أو عليهما معا فيصبحان متعاديين لكأن الفصل بين العالم وما ورائه ممكن.وإذن فقد اغفلت بقية المقومات التي عند عرضها بترتيب معكوس هي بعد الوجود الحياةثم القدرة ثم العلم ثم الإرادة وهي في آن مقومات كيان الفرد ومقومات بنية الجماعة إذااعتبرنا هذه المقومات هي عين ما به تتحقق شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف أو بدونها كتقسيم عمل شبه طبيعي.ومعنى ذلك أنه لا توجد جماعة في التاريخ يمكن أن تخلو ممن يقومون بتمثيل إرادتها(السياسة) ومعرفتا النظرية والعملية (العلم) وقدراتها المادية (الانتاج المادي أوالاقتصاد) وحياتها (الذوق في شكل الفنون خاصة) والوجود (الرؤى العامة للعالم سواء بالشكلين الديني والفلسفي) :إنها أصناف نخبها.أبو يعربالمرزوقي 106 الأسماء والبيان
ولم يكن ذلك لأن الجزء الخامس تجاوز الحجم الذي خططت له فحسب بل لئلا اضطرلتكرار كلامي بسبب أهمية هذه المقومات في مسألة المؤسسات التربوية كما سنرى ولأنها فيالحقيقة مقومة للأجزاء الخمسة وكان ينبغي أن أترك الكلام على هذا التقويم للجزء الاخير من الخطة :خطة الفكر ليست ثابتة دائما.فالمحاولة من البداية إلى النهاية ليست عرضا لمعرفة سابقة ودروسا لتعليمها بل هيمحاولة تنكشف لصاحبها بالتدريج لأن الموضوع ليس مطروقا وله غايتان :نظرية هدفهاإعادة تأويل منعرجات تاريخ الأمة الروحي ليس بمنهج تاريخي يستعرض الوقائع بل بمنهج بنيوي يكشف تشابك فاعليتها المادية والرمزية.وقد يكون أهم مناط لإبراز هده الفاعلية هو مفهوم الزمان التاريخي وكون الحاضر فيهليس إلا بؤرة التفاعل بين الماضي والمستقبل في مستوى الأحداث بمعنى أن ما لم يبق موجوداولم يصبح موجودا هو الموجود الاقوى في تاريخ الإنسانية لأنه في مستوى الأحاديث يتحول إلى فاعلية التذكر وفاعلية التوقع.وفاعلية التذكر وفاعلية التوقع هما ما يميز الإنسان عن كل ما عداه من الكائنات الحية:فهما مقوما الاسترماز وفرعا فاعليته التي يجعل الموجود يفعل بما فيه من المفقود ويجعلالمنشود يفعل بما يدركه من المفقود في الموجود فتكون فاعلية التاريخ هي عين استراتيجية الأمة الحية السياسية والتربوية.فيتبين أن الهدف الثاني عملي وهو الجواب عن السؤال التالي الذي هو معلن في عنوانالمحاولة بأجزائها الخمسة :كيف نحقق شروط الاستئناف أو شروط الاستعمار في الأرضبقيم الاستخلاف أو كيف نعالج العلاقتين العمودية مع الطبيعة والأفقية مع التاريخ لتستعيد الأمة دورها لكوني في نظام العالم.لكن ما أزعمه هو أن الرسالة الخاتمة أو التذكير الأخير هذا هو مضمونها :إنهااستراتيجية تحقيق الاخوة الإنسانية (النساء )1بمعيار وحيد هو المساواة أمام القانونالتفاضل عند أحكم الحاكمين بتقواه (الحجرات )13بدستور سياسي للحكم والتربية التي تمكن من علاج العلاقتين بقيم ما ورائهما.أبو يعربالمرزوقي 107 الأسماء والبيان
فيكون التذكير الاخير أو الرسالة بيان بالتلازم الصلتين بين الإنسان ومثاله الأعلى(الله) في سياسة العالم الطبيعي (مستعمرا في الارض) والتاريخي (مستخلفا فيها) في شكلاختبار دائم لأهلية الاستخلاف والعبادة هي التلازم بين هذين المستويين من الوجود الإنساني :مستعمر ومستخلف في الأرض.وطبعا فالجمع بين العلاج الفلسفي لإشكالية بناء المؤسسات التي تحقق الاستئنافوالتأسيس الديني للمشروع في آن هو الذي قد لا يعجب أصحاب الكاريكاتورين لأنهميفصلون بين دوافع الفعل التاريخي التي هي روحية دائما سواء كانت بالإيجاب أو بالسلب (الإيمان بالاستخلاف او الكفر به) والعلم أداتها.ذلك أني بينت أن الدوافع لا منبع لها غير الذوق الذي يعود في الغاية إلى الذوقالغذائي والجنسي في منطلقه ثم يرتقي ليصبح ذوق كل تعيناته الرمزية التي تصحبهما أوتحققهما لطالبهما في الجماعة التي ينتسب إليها والعلم في كل هذه الحالات هو ثمرة البحث عنهما في المستويين الفعلي والرمزي.وفي مصفوفتنا المقومة للوجود الإنساني الدوافع تعود كلها للحياة أو الذوق وهي تحصلفي رؤية وجودية دينية أولا لأنها عامة لكل البشر سواء كانوا علماء او حتى أميين ثمفلسفية عندما تصبح قادرة على صوغها بترميز قادر على جعلها قابلة للتعليم والنقل بين البشر فتتراكم كمنظومة خبرة إنسانية.وهذه الدوافع النابعة من الذوق الحيوي بمعنييه العضوي المباشر (الغذاء والجنس)والرمزي غير المباشر كل ما يعبر عنهما أو يوصل إليهما من وسائل وطرق تترجم إلى إرادةإما مباشرة منهما أو من التعبير الرمزي عنهما أو عما يوصل إليهما تحتاج إلى علم وخبرة وإلى قدرة وثروة .تلك هي المعادلة.وتلك هي شروط الاستئناف التي علينا استردادها بعد أن فقدناها بسبب ما أصاب معانالإنسانية عندنا من فساد وهي غاية كل نظام تربية هدفه تكوين الأجيال الخالفة لتجاوزالأجيال السالفة تجويدا لما حققته وتداركا لما أغفلته إذا اعتبرنا المنظومة التربوية مخبر المستقبل في الجماعة.أبو يعربالمرزوقي 108 الأسماء والبيان
ولا بد هنا من التذكير بطبيعة هذه العلاقة بين السالف والخالف .فهذان المفهومان قلباكما قلب الدستوران السياسي حكما وتربية والمعرفة مطلوبا ومنهجا .فالسالف في العربيةيعني المتقدم ليس في الزمان فحسب بل وكذلك في تحقيق مهمتي الإنسان أي الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها :ريادة.ولما كان كل جيل سالف قد كان خالفا فمعنى ذلك أن ريادته هي كونه سالف الخالف المقبلفيكون خالفا لما سبقه وسالفا لمن يليه ومن ثم فهو ينطبق عليه ما ينطبق على مفهوم التربية:أي إنه مجهود عمل من سبقه ومتدارك لما غفل عنه حتى يكون دائما رائدا :فما يقلد منه هو فعل الريادة لما مفعولها.فتكون السنة هي ريادة السن وليست تقليد المسنون .وهذا هو القلب الذي نتج عن قلبالدستور السياسي حكما وتربية والدستور المعرفي علما ومنهجا فأصبحت الأمة لا تكون روادابل ببغاوات يحفظون المسنون وليس لهم قدرة السن .فلا يتم تجويد الحاصل ولا تدارك الفاشل فيتركم الفشل والقعود الدائم.وقد يظن الكثير أن ذلك لا ينطبق إلا على علوم الملة بمعنى أن هذه النظرة كانتمقصورة على المعرفة الدينية وهذا خطأ فادح علته أكاذيب كاريكاتور الحداثة .فأكبرفلاسفة العرب من حيث العلاقة بالعلم هو الفارابي بعد الكندي :إنه يقول في الحروف العلم تم مع أرسطو ولم يبق إلا أن يتعلم ويعلم.وإذن فهذا القلب والذهنية المقلوبة لم يكن خاصية يتفرد بها علماء الدين بل هي خاصيةعامة في ثقافة نجدها حتى عند أفلاطون الذي يعتبر الزمان التاريخي محكوما بما يمكن أننسميه أن الزمان التاريخي مثل الزمان البايولوجي له أعمار تنتهي بأرذل العمر وهو إذن متنازل وليس متصاعدا.وحتى ابن خلدون فهو متأثر بهذه الفكرة وهي أن الكائنات الحضارية مثل الكائناتالعضوية مآلها الفساد وأن ذلك شبه حتمية تاريخية جنيسة للحتمية البايولوجية .وهو غيرصحيح حتى في البايولوجيا عندما نفصل بين الفرد الحي والنوع .فتوالي الأجيال العضوي لا يخضع لهذا القانون ناهيك عن الحضارة.أبو يعربالمرزوقي 109 الأسماء والبيان
وطبعا فسأجد من يلجأ إلى اعتبار كلامي هذا فيه تكذيب لما ينسب إلى الرسول فيمفاضلته بين الاجيال فضلا عما حصل فعلا بعد حصول الفتنة والانقلابين السياسيوالمعرفي .لكن ذلك ليس فيه تكذيب بل فيه وصف للتجربة الأولى لحال الامة وهو إن صح التعبير جزء من التحذير من عدم العمل بالتذكير.فكما بينت في محاولة سابقة بعض الخبر هو إنشاء :فعندما يخبر الرسول بما سيحصل ففيخبره إنشاء بمعنى أن ذلك سيكون كذلك إذا لم تعملوا بالتذكير الاخير .هو خبر شرطي.وبهذا المعنى ينبغي أن يفهم كل حديث صحيح لأن الرسول منزه عن الكذب ومن ثم فخبره فيه شرط :يكون كذا إن خالفتم التذكير الأخير.فيكون مكذب الرسول ليس كلامي بل من غفلوا عن الشرط .ومعنى ذلك أن الفتنةالكبرى ما كانت لتحصل رغم أن الرسول أخبر بحصولها لو عمل المسلمون بما جاء في التذكيرالاخير .وإذن فكل خبر أخبر به الرسول معناه أنه خبر مشروط بسلوك المسلمين الذي أوصى به القرآن.فلا يكون معيار تصحيح الحديث المطابقة بين القرآن والحديث بل المطابقة بين العملبالقرآن واخبار الحديث .إذا عمل المسلمون بالقرآن حققوا الشرط الذي يجعل حديثالرسول تحذيرا ضميره سيكون كذا إذا لم تعملوا بما أوصاكم به القرآن الكريم من شروط الاستعمار والاستخلاف.لا شك عندي أن الكثير من أصحاب كاريكاتور التأصيل قد يذهب إلى اعتباري بهذا قدمرقت .وقد سبقهم إلى ذلك المرحوم البوطي عندم حاورته في مسألة أزمة أصول الفقه.عدم قدرته على فهم ما عرضته لاعتقاده أن أصول الفقه يكفي فيه معرفة قوانين العربية .ومنها المقابلة الفجة بين الخبر والإنشاء.أبو يعربالمرزوقي 110 الأسماء والبيان
ولا يدري من يكفرني بما قلت عن التلازم بين الخبر والإنشاء الشرطي في حديث الرسولبأنه يكذب الرسول فيتوهم أنه يعلم غيب المستقبل .ما يعلمه الرسول كمجتهد هو ما يعلمهأي مجتهد :يعلم العلاقة الشرطية بين الشرط والمشروط .فكل ما يخبر به عن المستقبل يضمر :سيحصل كذا إذا فعلتم أو لم تفعلوا كذا.ما يمكن أن يكفرني به كاريكاتور التأصيل هو تسليمي بأن الرسول لا يعلم الغيب عامةوغيب المستقبل خاصة .ولا يدري أنه يحمل الرسول نتائج هذا الكذب عليه فيصبح حديثهجله عرضة للتكذيب من قبل كاريكاتور التحديث .المسؤول عن الحرب على الحديث هو نسيان الشرط وانتظار المشروط كأنه قضاء وقدر.والشرط في كل حديث الرسول هو العمل بما جاء في التذكير الاخير أو الرسالة الخاتمة.وما جاء فيها هو ما حصل قلبه رأسا على عقب بسبب الفتنة الكبرى وما تلاها من حروبأهلية أدت إلى حالة الطوارئ التي حكمت القوانين الاستئنافية فعطلت الدستور السياسي حكما وتربية والدستور المعرفي علما ومنهجا.وهذا الكلام يصح على علاقة كل ناصح بمنصوح :فلو قال أب لابنه رأى فيه شيئا منالابتعاد عن تطبيق قواعد السياقة مثلا سيقع لك كذا مضمرا إذا لم تصلح علاقتك بقوانينالسياقة فإنه لم يخبره بما سيقع بل أخبره بشرط تجنبه .ومن لم يفهم ذلك فهو جاهل بفن العربية وبفن الكلام الشرطي على المستقبل.وهذا من المبادئ الاساسية في التربية :بل إن وجود الكلام على الماضي في إعداد أجيالالمستقبل هدفه هو الاعتبار بما فيه من هذه العلاقة بين الشرط والمشروط في الفعل الحر.فنحن نتكلم بالشرطية الممتنعة على الماضي فنقول لو تجنب فلان كذا لما حصل له كذا ونعلم أن السيف قد سبق العذل.ولو كان التاريخ -الفعل الحر إلى حد -مثل الطبيعة لامتنع أن نتكلم على الماضيبالشرطية الممتنعة :لو تجنب فلان كذا لما حصل له كذا أو لو عمل فلان كذا لتحقق له كذا.أبو يعربالمرزوقي 111 الأسماء والبيان
هذا مستحيل في الكلام على الماضي حتى في الفعل الحر لكن الكلام عليه يدل على أن الفعل حر :جوهر المطلوب في التكوين للمستقبل.والأهم أن ذلك يصح حتى على الطبيعة :فحرية الإنسان المشروط بالعلم تجعله قادراعلى التدخل في مجراها بتغيير الشروط للحصول على المشروط الذي يريده إذا علم قوانينفعلها رغم أن فعلها ضروري .لكن الضروري في فعلها هو العلاقة بين الشرط والمشروط وليس المشروط بمفرده :ذلك سر قوة العلم.وذلك هو معنى قولي إن العلم أداة الإرادة أي إن حرية الفعل الإنساني لا تعني إلغاءقوانين الطبيعة الضرورية وسنن التاريخ التي لا تتبدل ولا تتحول بل هي تعني أن العلمبالعلاقة بين الشرط والمشروط وبين العلة والمعلول تمكن من تغيير النتيجة في المعلول بتغيير الشرط او العلة :اساس التعمير.فيكون الاستعمار في الأرض مشروطا بالعلم بالعلاقة بين الشرط والمشروط وبين العلةوالمعلول وهو جوهر علوم الطبيعة وعلوم الإنسان بمعنى أن الله جهز الإنسان بأدواتتحقيق الاستعمار في الارض والأمة لما انحطت قتلت هذه الاجهزة ومن ثم فكلامي على العلوم الزائفة قصده قتلها لهذا التجهيز.وقد بين ابن خلدون أن فساد معاني الإنسانية يعني يؤول إلى فساد مقومات الإنسانالسوي أعني إرادته وعلمه وقدرته وحياته ورؤيته للوجود كما بينت وطبق نفس الامر فيالتربية وفي الحكم أي في بعدي السياسة كما يعرفها القرآن والفلسفة (افلاطون وارسطو). فالسياسة تشمل التربية والاخلاق حتما.وكل من يخرف عن الأخلاق خارج السياسة -ولا أعني بالسياسة التخابث في الفعل الآزفالذي يوجد في كل علم عاجل حتى في الأخلاق والفقه-لا يفقه أيا منهما فهي استراتيجيةتكوين الإنسان ليحمي نفسه ويرعاها كعضو في جماعة تعالج العلاقتين العمودية والافقية أي ما به يعمر الإنسان الارض بقيم ما.الاخلاق ليست احكاما ذهنية على الأفعال والاقوال والاشياء بل هي قيم متعينة في أفعالهي بالجوهر علاقات بالذات وبالغير حول رهانات التبادل والتواصل بين البشر .ومنأبو يعربالمرزوقي 112 الأسماء والبيان
يتصورها ممكنة بمعزل عن الغير لا يفهم أن الفرد لا قيام له كفرد إلى بوصفه عضوا في جماعة على الاقل العلاقة بين الجنسين.وغالبا ما يكون المتكلمون على الاخلاق بمعزل عن السياسة بمعنى فن التعامل مع الغيروهو ليس مقصورا على العلاقة السلطوية هم في الغالب مصابون بكراهية عميقة للغيروحساسية مرضية في التعامل والتواصل وهو مرض الانطواء الناتج عن عدم الثقة في الذات .إنه التوحد المستفيد من الجماعة دون خدمتها.مشكلة هذا الفهم العقيم هو تصور السياسة مقصورة على ما له صلة بالحكم والسلطة.وهم الابتعاد عن السياسة سوء فهم لمعنى السياسة :مجرد الوجود الإنساني سياسي بمعنىأنه عمل ضمن مشروع شامل لحياته سواء كان ذا صلة مباشرة بالسلطة فعلا أو بصورة غير مباشرة انفعالا.فالقول إن من يقتل نفسا بحق حق أو يحييها بحق فكأنما يقتل الناس جميعا أو يحييهمجميعا يعبر عن هذه العلاقة التي تمثلها السياسة بمعناها الذي هو جوهر الوجود الإنسانيبما فيه من خلقي موجب او سالب بما فيه من المقومات الخمسة الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود :الكل مسؤول.وعندي أن كل دعوة لتجنب هذه المسؤولية الجماعية في رعاية الشأن العام من علاماتالانحطاط الذي آلت إليه حال الامة .ففضلا عن كون ذلك لا يجنب المرء عواقب ما يحصلحتى لو دس نفسه في مغارة فإنه دليل تفكك أواصر العمل الذي لا يكون أبدا فرديا حتى في حالة التوحد :كل أدوات الفرد جماعية.فلا بد للمتوحد من اللغة ومن التراث الرمزي والمادي ومن العناية بذاته غذاء ودواءوكل ذلك يصبح عند المتوحد كذبا على النفس فضلا عن كونه \"عدم\" اخلاق لأنه دليلاستفادة بجهد الآخرين من دون مقابل .لذلك فالنظام الديموقراطي أكثر اخلاقية من أي نظام لأنه يلزم الجميع بدوره في الخيارات الكبرى.وأخيرا فالمتوحد دكتاتور عاجز .كان يتمنى أن يكون الواحد الحاكم بأمره .فشله يجعلهيدعي أنه صار غنيا عن الجماعة فيتوحد .لكنه في الحقيقة لا قيام له إلا بما ينتظره منأبو يعربالمرزوقي 113 الأسماء والبيان
اعجاب بهذا الموقف الذي يترجم على أنه عزوف عن الدنيا وهو في الحقيقة ليس عزوفا بل سوء فهم لتوالج العالمين.فلا فرق عندي بين من يتصور الاستخلاف ممكنا من دون الاستعمار في الارض وهو الموقفالديني التوحدي أو الخلقي التوحدي وهو مناف تمام المنافاة للرسالة الخاتمة أو التذكيرالاخير وبين من يعكس فيتصور الاستعمار في الارض كافيا ومغنيا عن القيم الاستخلافية التي تضفي عليه معناه الروحي.وكلامي على هذا التوالج ليس منطلقه الإيمان بالإسلام وحده بل ما رأيت فيلسوفا كبيرافي تاريخ الفلسفة بعصوره الاربعة :اليوناني والعربي واللاتيني والحديث خلت فلسفته منهذا الجمع بين الطبيعة والتاريخ وما ورائهما الذي يضفي عليهما معنى ويمكن الإنسان من السكن فيهما.وقد يعجب الكثير من المؤمنين أني لا أستثني حتى ماركس ونيتشة من هذا الحكم .لكنماركس يجعل الماوراء الذي يضفي المعنى محايثا للتاريخ السياسي والاجتماعي ونيتشهيجعله محايثا للفن وللحياة .ومعنى ذلك أن العالمين متلازمان دائما حتى بالنسبة إلى من لا يؤمن بالأديان :الدنيا تضيق بالإنسان.وتوكيدي على هذا التلازم مدخلا لما سأقوله عن المؤسسات التربوية هدفه التحرر منالكاريكاتورين الناتجين عن وهم التضاد بين الديني في كل دين (الإسلام الذي يصف نفسهبكونه الدين عند الله) والفلسفي في كل فلسفة (طلب الحقيقة لذاتها) حتى نستأنف باسترداد ما بفقدانه فسدت معاني الإنسانية.أطلت التمهيد للكلام في مؤسسات التربية المشروطة في إعادة البناء للاستئناف أعنياستئناف دور الأمة في استعمار الارض بقيم الاستخلاف حتى تستعيد دورها في نظام العالمالذي نراه يتشكل والأهم فيه أنه قلب العالم ومنطلق الرسالة يتشكل على حسابها وخاصة حساب اغلبيتها السنية عربا وأتراكا.وكان لا بد من توضيح العلاقة بالانقلابين الدستوريين السياسي حكما وتربية والمعرفيعلما ومنهجا والأول ينظم العلاقة الافقية بالإنسان والتاريخ خاصة والثاني ينظم العلاقةأبو يعربالمرزوقي 114 الأسماء والبيان
العمودية بالعالم والطبيعة خاصة والتداخل بين الامرين يجعل كلا الدستورين ذا دور فيهما بتقديم وتأخير وبأقدار مختلفة.وكان لا بد في ذلك من تحرير الدستورين من الانقلابين ومن حالة الطواري والقوانينالاستثنائية التي تحول دون السياسة والمعرفة وأداء دورهما في علاج معضلات العلاقةالعمودية بالطبيعة والعلاقة الافقية بالتاريخ تحريرهما من دروشة الدراويش للإسلام وفصل الاستخلاف عن الاستعمار في الارض.كل التخلف والانحطاط مصدره هذه الدروشات التي جعلت الامة عزلاء عاجزة عنحماية نفسها داخليا وخارجيا والسقوط في حروب أهلية لا نهاية لها أدت إلى تفتيتالجغرافيا شرط القدرة المادية وتشتيت التاريخ شرط القدرة الروحية وقلب كل قيم المرجعية فصار فهم الرسالة الخاتمة بعكس قيمها.أبو يعربالمرزوقي 115 الأسماء والبيان
مؤسسات التربية نوعان: .1مؤسسات التربية النظامية وهي نظام التعليم في المؤسسات الخاصة بالتعليموالتكوين في شروط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف أو بدونها وهي جزء من المجتمع مثلها مثل أي مؤسسات مختصة في أداء دور جزئي في حياة الجماعة. .2والمجتمع ككل بما فيه من مساوق ومتوالي.وهذا النوع الثاني من مؤسسات التربية لا نظامي أي إنه يفعل بوصفه المناخ العام الذييعيش فيه كل جيل ويتشرب ما فيه من حاضره وماضيه ومستقبله بمستوياته الحدثيةوالحديثية أو الفعلية والرمزية كمناخ جمعي حي بل كحامل لكل التراث الإنساني المتفاعل في حضارته بمقتضى دورها ومنزلتها فيه.مثال ذلك أن أي شاب مسلم وهو خارج المدرسة يتشرب كل التراث الإنساني مثل مقولاتالفلسفة اليونانية والاديان التي يتكلم عليها القرآن والممارسات التي ورثتها حضارةالإسلام من حضارات كل الشعوب التي أسلمت أو التي كان في علاقة مع المسلمين سلمية كانت هذه العلاقة أو حربية.وهذا المناخ المزيج يتزايد ولا يتناقص كلما ضاقت الدنيا بساكنيها للتكاثر أولا ولتقدموسائل الاتصال والتواصل في المكان وفي الزمان (بتقدم وسائل المحافظة على التراث) ومنثم فالجماعة بمجرد وجودها تمثل الركن الاول للتربية اللانظامية بوصفها \"محل\" كل أصناف المؤسسات دون حاجة لملامستها.وهذا المناخ العام يتعين فيما يمكن أن نسميه الأخلاق الموضوعية -الاثيقا الأعم منالمورال-والتي هي المحدد الحقيقي لشخصية الافراد في الجماعة لأن فساد معاني الإنسانيةالذي يتكلم عليه ابن خلدون ليس مقصورا على ما يحصل في التربية النظامية فهي صورة مصغرة من نظام التربية غير النظامي هذا.ففي مناخ اجتماعي يسيطر عليه النفاق والكذب والغش والخداع والكسل واللامبالاةبالشأن العام لا يمكن أن تكون أفرادا لهم أخلاق سامية يمكن أن يعتبروا مواطنين يعملونأبو يعربالمرزوقي 116 الأسماء والبيان
بما توصي به سورة العسر :أن يؤمن بشيء وأن يعمل صالحا وأن يتواصى بالحق وأن يتواصى بالصبر :افعال تعكس الامر والنهي في الأقوال.وهذا هو معنى فساد معاني الإنسانية .لا يمكن أن تعزل المدرسة عن هذا المناخ إلا فيالأقوال .لكن الشاب يميز بين الاقوال والافعال من الأسرة فصاعدا .ولهذه العلة فالتربيةحتى النظامية مرتهنة بالأخلاق الموضوعية العامة التي هي أصل كل تربية غير نظامية تحدد نوع التلقي للتربية النظامية.وقد ينتج عن هذا الوصف شيء من التشاؤم واليأس من الإصلاح لأننا نقع في الدوروالتسلسل :بماذا سنبدأ .والمشكل ليس خاصا بنا .فالمعلوم أن افلاطون حيرته هذه المعضلةفاضطر إلى الحل الأقصى والأشد هو جعل شرط اليتوبيا فعليا فقال لا بد من نهاية الموجود لتحقيق المنشود خارجه الجماعة.فجعل التربية النظامية تجري خارج الجماعة التي تكون قد انتهت أو قد أفنيت أو قدعزل عنها الجيل الذي يريد تكوينه من دون تأثير التربية التي تجري في مناخ يسيطرعليه-فساد معاني الإنسانية بمعنى مقابل لمعناه عند ابن خلدون-هو مجتمع الاخلاق السوفسطائية أو سلطان القوة والقانون الطبيعي.ويمكن اعتبار القضية الأفلاطونية في المضمار (المقابلة سقراط والقانون الخلقي -كاليكلاس والقانون الطبيعي) أو بلغة رمزية دينية الإسلام ودين العجل .لكننا في هذهالمحاولة نتجنب اليتوبيا الرمزية والفعلية ونبحث عن شروط قطع التسلسل ورفض الدور من خلال استراتيجية سياسية للاستئناف.وليس الحل سرا أو إبداعا شخصيا :فالتجربة المحمدية مبنية على أساسين يحرراننا منالمعضلة الافلاطونية :مهما تردت الإنسانية فهي لا تعدم بعض من يكون واعيا بهذا الترديومن ثم فخلافا لما يعبر عنه تشاؤم ابن خلدون من أن فساد معاني الإنساني مؤذن بأكثر من خراب العمران :فناء حضارة أصحابه.وهذا المبدأ هو مضمون سورة العصر فمن خلق في أحسن تقويم ثم رد أسفل سافلين يصبحفي الخسر .لكن الاستثناء منه بالوعي به وبما يتفرع عنه من علاج مربع هو الإيمان والعملأبو يعربالمرزوقي 117 الأسماء والبيان
الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يقطع التسلسل ويحرر من الدور فنعلم من أين تكون البداية.وهذا هو المبدأ الثاني :فالديني في الأديان أو الدين عند الله أو الرسالة الخاتمة أوالتذكير الاخير وكلها مترادفات وتعني الدين الفطري يجعل البداية تكون دائما بتربيةالشباب حيث ما تزال الفطرة أميل إلى مثال المنشود منها إلى الخضوع إلى الأمر الواقع الموجود عند عبيد القعود.وتلك هي سياسة الرسول الخاتم :ربى شبابا من الجنسين كانوا جنود النشأة الأولى.المطلوب تربية شباب من الجنسين لتحقيق الاستئناف .لكن بين النشأة الأولى والاستئنافمرت قرونا من تكوينية معكوسة نكصت عن شروط الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها بما وصفنا من الانقلابين.وأخطر ما في الظرفية الحالية هو أن متزعمي العلاج هما الكاريكاتوران الداعي إلىالتأصيل بتكرار الماضي الاهلي ولا يدري أنه ليس فيه من قيم الاسلام إلى الاسم والداعيإلى التحديث بتكرار تجربة الاستعمار الغربي ولا يدري انها ليس فيها من قيم الحداثة إلا الاسم :حرب الكاريكاتورين.وتلك علة بياننا ما حصل من فساد لمعاني الإنسانية في وضعية الانفعال عند المسلمين وماحصل من فساد لمعاني الإنسانية في وضعية الفعل عند الغربيين :الأولون ظنوا أنالاستخلاف ممكن من دون الاستعمار في الارض والثانون ظنوا أن الاستعمار في الأرض الممكن من دون الاستخلاف مغن عنه.فمن ظن الاستخلاف ممكنا من دون الاستعمار لم يحصل على أي منهما لأنه صار تابعا لمناكتفي بالاستعمار في الارض فجعله عبدا له لأن من خلا من شروط الاستعمار أصبح عالةعلى من حققها ولم يبق له إلا الكلام على القيم لكن أفعاله كلها متنافية مع أدناها فضلا عن اسماها :المسلم فاقد للكثافة القيمية.فلا معنى لمن لم يملك الدنيا أن يدعي التخلي عنها ويسمي ذلك تساميا دينيا .فهذا كذبمضاعف :هو يتخلى عما لا يملك فلا يسمى ذلك زهدا في الدنيا بل عجز عن التمكن منأبو يعربالمرزوقي 118 الأسماء والبيان
شروط ملكيتها والتعالي عنها بعد ذلك دليل تقديم الأسمى على الادنى .فيصبح عبدا لمن ساد الدنيا حتى ولم تخلى عن الآخرة.وهو ما يعنيه ابن خلدون بالعالة .وقد ذكر أن صيرورة من فسدت فيه معاني الإنسانيةعالة بمعيين :فقدان كل سعي للفضائل والعجز عن الدفاع عن ذاته وأهله وماله .وما رأيتأحدا أجاد وصف وضع الامة لكأنه بيننا اليوم مثل ابن خلدون في وصفه للعلاقة بين معاني الإنسانية وبعدي الحرية :الاخلاق والقوة.فليس لفاقد القوة أخلاق إيجابية بل هو مضطر للنفاق والتذلل والتبعية والاحتماءبالأقوياء فيصبح كلامه على عبادة الله كذبا صراحا :هو يعبد حاكم الارض وينافق فيدعوى عبادة حاكم الحاكمين .لذلك فعندي أن المسلمين جلهم ليس لهم علاقة أصلا بالقرآن وخاصة علماؤهم من خدم سلطانا عبدا لسيد يحميه.وهذه حال كل \"طراطير\" العرب والمسلمين :كلهم يخدمون حاميا لأنظمتهم واستبدادهموفسادهم ومن ثم فكل عالم يخدم هؤلاء هو في الحقيقة خادم لأعداء الامة والإسلام .ومايصح على جل علماء الدين يصح على الغالبية الساحقة ممن يدعون الحداثة :فهم يعبدون أوثان لخلطهم بين العقل والتخريف الإيديولوجي.ولحسن الحظ فإن الشعوب بمعزل عن هذه المعارك بين الكاريكاتورين والشباب بجنسيهفهم اللعبة وإلا لما ثار .وعلاجي للمشكل لا يعني أني اعتبر الوظيفية من جنس وضعيةأفلاطون أو حتى ابن خلدون بل إني متفائل وكل ما أسعى إليه هو جعل العلاج ذا أسس واعية بنفسها ذات أصول فكرية نسقية.ذلك أن الاستئناف في تاريخ امة عظيمة مثل الأمة الإسلامية لا يمكن أن يكون مجرد فزةبدوية بل لا بد له من اساس مستمد من مرجعيته خاصة وهي بخلاف أوهام الكاريكاتورينلا تقابل بين الديني من حيث هو ديني متخلص من تحريفه والفلسفي من حيث هو فلسفي متخلص من تحريفه.فأما تخلص الاسلام من تحريف الديني فهو موضع أكثر من نصف القرآن الذي هو نقدوتفكيك لتحريف الديني وعلاقة ذلك بالحلف الصريح بين مؤسسة الوساطة الروحيةأبو يعربالمرزوقي 119 الأسماء والبيان
ومؤسسة الوصاية السياسية (آل عمران) هذا سلبا أو إيجابا إذ يبين أن الحقيقة فيما يحيل عليه نصه (فصلت )53وليس فيه.وهو يحذر من سر كل تحريف يدعي العلم فيزيف المعرفة (آل عمران )7لأنه ينتج عنمرض في قلب المقبل عليه وابتغاء الفتنة بمعنى البحث عن سلطان عن طريق علم مزعوميكون المآل فيه إلى الحروب الأهلية التي يعلمها الجميع بين الطوائف حتى إنها صارت أحزاب متقاتلة لا تحصى ولا تعد.وأما تحرير الفلسفة من تحريفها فهو أهم ما حصل في الفلسفة النقدية العربية وفيالفلسفة الغربية الحديثة عندما تم التخلص من وهم نظرية المعرفة المطابقة التي تجعلالإنسان مقياس الوجود .فالتمييز بين العلم المحيط الممتنع على الإنسان والعلم النسبي الوحيد الممكن هو أكبر ثورة فلسفية حديثة.وهذه الثورة حررت الفلسفة من دعاوى العقل المغني عما يتجاوزه ليس بتقديم علميكون مدركا للغيب فهذا منفي حتى على مبلغي الوحي بل ببيان هذا الحد الذي يجعلالمعرفة الإنسانية ثمرة \"التواصي بالحق\" والعمل الإنساني على علم ثمرة \"التواصي بالصبر\" وهما مشروطان بالإيمان والعمل الصالح.أبو يعربالمرزوقي 120 الأسماء والبيان
ويصح على الاستئناف ما قاله نيتشة على دلالة التاريخ ( Unzeitgemässe )Bertrchtungenمع ما بينته من تحفظ على مثله بإضافة الوسيطين بين اولاها وثانيتهاثم بين ثانيتها وثالثتها .فالتاريخ المعلمي والتاريخ المتحفي والتاريخ النقدي ثلاثتها ضرورية في كل استئناف بشرط الوسيطين.فالمعلمية هي قيام الروح في الجماعة وهي آثار وتراث وشخصيات ورموز لكنها تموت إذالم يوجد ما يحول دونها والتحول إلى متحفية .فالمتاحف مثل المقابر هي حفظ الآثار التيلم يعد لها من الحياة إلا الذكريات .فقدت التحريك المشدود إلى المستقبل .وهذا هو دور حرية إبداع المعالم اللامتناهية.وهذا هو الفرق بينه وبين النقد الذي يقاس على توالي الاجيال الحية بحيث إن الجيلالسالف يدفن من الجيل الخالف ولا يبقى حيا فيه ومحييا له لأن المعلمية ليست معلمية إلابقدر ما تمثل معيار القدرة الإبداعية ليس النهائي بل الدال على أن الممكن يبقى دائما ممكنا فلا يحصر في الماضي :فاعلية الرموز.وإذن فالمتحفية ليست نوعا من التاريخ بل نوع من جموده ومن ثم فهي تنتج عن عدمالوسيط بين المعلمية والمتحفية والوسيط ليس النقد الهدام الذي يقيسه نيتشه على لامبالاةالحياة أو الفنان الذي يبدع بمعزل عن الخير والشر بل هو فعل التربية الذي يجعل المعالم تواصل الحياة فلا يكون التاريخ مقبرة.وهنا يأتي الوسيط الثاني بين المتحفي والنقدي .فالنقدي ليس للمتحفي بل لما يجعله ذادلالة مقابرية .إنه علاقة بالمعلمي رعاية له وتقريبا من ذوق الشباب بجنسيه حتى يبقيفيه على الحي فإن المثلث يصبح بالوسطين عين حياة الحضارة التي تحيا بالوساطتين المعبرتين عن فاعلية الفكر الاسترمازية.الاحتذاء النقدي هو عين ما عرفت به مفهوم السن بديلا من مفهوم السنة .فما يتعلمهالخالف من السالف ليصبح سالفا هو بدروه لخالف يليه هو أن حفظ الماضي ليس القصد منهأبو يعربالمرزوقي 121 الأسماء والبيان
المسنون بل القدرة على السن :فأبطال الامة مثلا قد لا تكون بطولاتهم مثلا عليا للمستقبل لكن فعل البطولة في حد ذاته هو المعلم.بقي فصلان في هذا الجزء سأخصص الحالي لأشكال المؤسسات التربوية والموالي لمضموناتالتربية وبذلك أكون قد فرغت من المحاولة كلها بأقسامها الخمسة ولكل منها خمسة فصولفتكون مؤلفة من خمس وعشرين فصلا لبناء شروط الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها تداركا لما فقدناه من علاج العلاقتين.وسؤال المؤسسات إذا وضع بالالتفات إلى الماضي فجوابه ينبغي أن يحفظ المعلمي فيماحقته تجربة الامة وأن يحرره المحتفي من المقبرية فيكون في آن جامعا بين المحافظةوالتجاوز .والقصد من الجمع جعل المؤسسات التربوية ما نتصور عليه المستقبل الذي يحفظ ويتجاوز بمنطق علاقة المنشود بالموجود.وأهم مشكل في المؤسسات التعليمية هو تمويلها وتحقيق أفضل الشروط لجعلها نسخةمصغرة من المجتمع المنشود في كل ما تحتاج الجماعة لسد الحاجات المادية والروحية بحيثيكون نظام التربية صانعا لمن سيصنع كل أدوات علاج العلاقتين العمودية والأفقية بصنفي الاداة الشارطة للنظر وللعمل ولغاياتهما.ولما كانت هذه الحاجات التي على نظام التربية سدها لا تعالج قضية داخلية فحسب بلهي بالجوهر في تناسب مع حال الحاجات في العالم وكانت هده مردودة إلى شروط الحمايةوشروط الرعاية الذاتيتين بوصفهما شرطي الحرية للفرد والسيادة للجماعة فإن نظام التربية يصبح من أغلى الأمور كلفة.وقد ورثنا نظامين في سد هذه الكلفة :نظام تمويل الأوقاف ونظام تمويل الدولة ولمنصل إلى نظام تمويل المستفيد من ثمرات البحث العلمي أعني الشركات والمؤسساتالاقتصادية التي تستعمل براءات الاختراع في منتجاتها التي هي بضاعة أو خدمات تمثل أهم مصدر لربحها فتمول البحث وتتسابق فيه.وهذا يعني أن التربية لم تصبح بعد مسألة اقتصادية وما تزال عندنا وكأنها مسألة محوامية وليست تكوينا لكفاءات انتاجية إما للثروة المادية أو للثروة الرمزية ما يجعل المشكلأبو يعربالمرزوقي 122 الأسماء والبيان
الجوهري غائبا عن الاذهان وهو التالي :هل الدول العربية التي هي محميات لها القدرة على تمويل بحث علمي بمنطق عصرنا؟لم يعد البحث العلمي الأساسي عملية ورقة وقلم بل هو يتطلب تجهيزات تقنية غير ممكنلحجم معين من الثروة والسوق التي تمكن من استرجاع كلفة البحث العلمي المنتج لتموينالمتعلمين بالمادة العملية الإبداعية ولذلك فهو من أهم علل تكون المجموعات الكبرى. ومحركاه هما الحماية والرعاية.صحيح أن البحث العلمي الأساسي هدفه المعرفة للمعرفة بصورة عامة لكنه في الحقيقةمدفوع فعلا وفي الغاية بضرورات الدفاع وضرورات الاقتصاد .وفي ذلك حتى لو فرضناتونس قد وضعت كل منتجها الخام في خدمة العلم فإن ذلك لا يكفي لبحث قابل لمنافسة حتى الهند فضلا عن امريكا.وبذلك تصبح مؤسسات التربية في مجتمعاتنا في الحقيقة مؤدية لعكس الغرض منها :فهيتكون الكسالى والعاطلين وأنصاف المثقفين والإيدلوجيين ولا تكون قوى عقلية تقنية لعلاجلعلاقتين بالطبيعة وبالتاريخ لأن المجتمعات التابعة والقزمية لا نصيب لها في علاجهما بل بسبب التبعية والحجم.فيصبح نظام التربية والتعليم حائلا دون الانتاجين المادي والرمزي بدلا من أن يكون\"مصنعا\" لأصحابهما الذين يصنعوهما فيكون المجتمع صانعا للإنسان الصانع والإنسان يكونإنسانا بقدر ما يكون صانعا لأن صنعه لما به يحقق العلاقتين هو صنع لذاته التي هي ثمرة العلاقتين عضويا وروحيا.ولا شك أنه يمكن لنظام تربية متخلف ان يبرز فيه بعض الموهوبين .لكنهم سرعان ماتنطفئ فيهم الموهبة إن لم يرحمهم الله بالهجرة إلى بلاد فيها شروط البحث العلمي الماديةوالخلقية .ذلك أن مجتمعاتنا لا يكفي ما تعانيه من عوائق مادية فإن العوائق الخلقية تقتل كل إمكانية لبروز الموهوبين.ومن ثم تجتمع المعوقات الثلاث بأصنافها اللامتناهية :المعوقات السياسية والمعوقاتالاجتماعية والمعوقات التربوية النظامية التي هي كلها خاضعة لمنطق المحسوبية واستبعادأبو يعربالمرزوقي 123 الأسماء والبيان
الكفاءات وترقية كل القابلين لما وصفت خاصة في المعيقات الاجتماعية التي تتمثل في فساد معاني الإنسانية :أدواء للعلاج.والعلاج الأول والأساسي والذي لا شيء يمكن أن يتحقق من دونه هو مشكلة الحجم:فعندما تدعي كل قبيلة عربية أنها دولة والكل يعلم أنها محمية فلا أمل لتحقيق شروطنظام تربوي يمكن أن يبدع ما به تعالج الجماعة العلاقتين علاجا يوفر لها شرط الحرية والسيادة :الحماية والرعاية الذاتيتين.ستبقى كل الدول العربية وبصورة أدق المحميات العربية بلادا تستورد ما تأكل وتبيع ماورثت عن الأجداد ثرواتها الطبيعية وعندما تنضب ستبيع الارض ثم العرض ونحن نرىذلك قد بدأ ولست بحاجة لرفع السبابة فأشير إلى ما يفهمه الجميع .ما بقينا على هذا النحو فنحن إلى انقراض.وسأفترض أن هذا الشرط قد تحقق فأصبح لنا الحجم الكافي للبحث المحقق لشروطالحماية والرعاية سيكون الشرط الثاني أن تصبح العربية لغة كل العلوم والشرط الثالثأن تصبح المنظومة التربية وثيقة الصلة الفوقية والتحتية بعلاج العلاقتين :العلوم الأساسية للعلاج النظري والتطبيقية للعملي.والعلاج النظري هو علاج الاسترماز أو مجال البحوث الأساسية وهي باهظة الكلفة إذمنها البحث في أسرار الطبيعة والتاريخ وفي غزو الفضاء وفي انتاج شروط الدفاع وشروطالرعاية (المنتجات الاقتصادية التي تتجاوز مجرد جني ما تنتجه الطبيعة .وهذا هو مستقبل القوة في العالم :الغذاء والدواء.والعلاج العلمي هو كل المهن التي تحتاج إليها الجماعة لسد حاجاتها أولا وللتجارة فيالعالم شرطا في التبادل الذي يمكن من سدا بالحاجات بما ينتجه الغير مقابل ما تنجهالجماعة .وهذا شرط التوازن في علاقات التبادل لأن العرب لا ينتجون شيئا يمكن أن يبادلوه غيرهم عدا الخامات.وآخر كلامي على المؤسسات هو أسلوب تسيير المؤسسات التربوية ودور الأطراف المتدخلةفيها :ففي القلب المتعلم والمعلم وعلى الطرفين أهل المتعلم المحتاج لإنتاج التعليم (رجالأبو يعربالمرزوقي 124 الأسماء والبيان
الأعمال إن وجدوا والدولة إن كانت دولة ذات مشروعات تحتاج للعلم) والموحد لهذا المربع هو سلطة شرعية تخطط للمستقبل.فإذا تم تسيير المؤسسة التربوية ديموقراطيا وكان للمتعلم والمعلم فيها حرية التصرف فيإدارتها باعتباره معمل بحث علمي وعملي وباعتبارهما مسؤولين على كل ما يتعلق بها وخاصةنظامها ونظافتها وامنها واخلاق التعامل فيه ورفعت يد السلطة السياسية عليها أمكن الكلام على نظام تربية حقيقي. وشرط ذلك هو أن تصبح المؤسسة التربوية بمستوياتها الخمسة ( .1ما قبل الابتدائي .2الابتدائي .3الثانوي .4الجماعي .5وأخيرا ما بعد الجامعي أو التكوين المستمر) نظاما مستقلا عن تسلط السياسيوالنقابي فإنها سيتوالى إدبارها إلى مجرد محو امية لا دور له يذكر في الإنتاج العلمي والاقتصادي.أبو يعربالمرزوقي 125 الأسماء والبيان
بعد كلامنا على الشكل حان الآن أوان الكلام على المضامين .وبه نختم المحاولة كلها إذهذه هي غاية الفصل الاخير من الجزء الأخير .وللكلام في المضامين إذا كان لعلاجالعلاقتين نجد خاصية كونية تدرجت إليها الإنسانية حتى صارت الآن شبه كونية لوحدة أهدافهما بالنسبة إلى الإنسان كإنسان.لا شك أن للتربية غايات مختلفة عند النظر إلى مستويات النضوج الحضاري المختلف بينالجماعات وما يترتب عليه من تحديد للأوليات المناسبة لظروفها لكنها تمر في الغالب بنفسالظرفيات بحسب مراحل النضوج الحضاري بمستوييه المادي والرمزي رغم اختلاف الأساليب الثقافية الخصوصية. فللتربية مقومان: .1يتعلق بالتربية التي الخاصة باكتشاف كيان الإنسان البدني والروحي أي الذوقيوالفكري وتنميتهما وهي لا تختلف إلا بمقتضى مسألة النضوج الحضاري والعلم بطبيعة الحاجات البدنية والروحية. .2تأهيل الإنسان إلى حياة سوية وإلى وظائفه في تقسيم عمل الجماعة بحسب ميوله وقدراته.وغالبا ما يكون الاختلاف بين الامرين بحسب الجماعات ناتجا إما عن ايديولوجياالخصوصية فتصبح الانظمة التربوية تتمايز بمقادير المضامين وتراتبها لكن المضامين تتجهإلى الوحدة فيهما معا بقدر تقدم العلم بعلم الحياة علم النفس والتأهيل او التنشئة الاجتماعية للإنسان وهي كلها كونية في الجملة.ولكن على أرضية هذا الكلية في التكوين البدني والنفسي والتنشئة الاجتماعية لكيانالفرد ولأعداده لدور في نظام توزيع العمل في الجماعة وكلاهما يقتربان من الوحدةوخاصة بعد تحقق شبه الوحدة في الحاجات وفي سوقها العالمية تتحدد خطط التمكين مما به تتم السيطرة على المضامين المختصة.أبو يعربالمرزوقي 126 الأسماء والبيان
وهي حسب رأيي تعود إلى ما يمكن أن نسميه العلوم المساعدة لكل ما عداها من العلوم أو علوم الآلة باللغة التقليدية في ثقافتنا :وهي: .1اللسان (أو الالسن) .2والتاريخ أو ما به ترتب الموضوعات المعرفية كتكوينيات منتظمة بحسب توال منتظم .3المنطق .4الرياضيات .5نظرية المعرفة أو الإدراك العلميوفي الحقيقة يبدو الكلام على الإدراك العلمي او نظرية المعرفة وكأنه أمر فلسفي شديدالتعقيد وهو غاية وليس بداية .لكنه في الحقيقة هو موجود ضمنا في الاربعة المتقدمة عليهلأنها ليست ممكنة من دونه بل هي سره كونها مشروطة فيما عداها من العلوم :أربعتها أنظمة تلق وبث معرفي شرطها رؤية لهما.ويمكن القول إنها بالنسبة إلى الفكر مثل نظام الحركة المنتظمة التي بها يسيطر الإنسانعلى ذاته وعلى ما تتعامل معه ذاته من أشياء العالم الخارجي بالنسبة إلى أعضاء البدن.إنها أعضاء الفكر التي يتعامل بها مع رموز أشياء العالم المسترمزة أو المصوغة باللسان والتاريخ والمنطق والرياضيات معرفيا.ومثلما أن البدن لا يستطيع الحركة في العالم المادي من دون أن يربى على الحركةالمنتظمة في عالم الأشياء وأن يكون له خارطة للمكان والزمان فإن الفكر لا يستطع الحركةفي العالم الرمزي من دون أن يربى على الحركة المنتظمة في عالم الرموز وغالبا ما يكون العالم الثاني شرط العالم الأول.ورغم أنه لا أحد يجهل أن للبدن قوانينه وأحكامه الخاصة لكن الإنسان له خاصيةاستمداد سلطانه الفعلي على البدن من الإرادة والفكر ما كان سليما -طبعا في حالة المرضيختلف الامر-وذلك بفضل التمرين والتدريب والتعويد لأن الانضباط البدني هو ثمرة التربية ومنها آداب السلطان على أفعال البدن.أبو يعربالمرزوقي 127 الأسماء والبيان
فالبدن هو نفسه جزء من التعبير بل هو بحركاته وردود افعال جزء مقوم من لغةالتواصل ومن ثم فالتحكم فيه وفي أدوات التواصل والترجمة الرمزية للمعرفة بالعالمالمحيط أو العلوم المساعدة هي البداية المضطرة لكل تربية في كل حضارة ومن أشهر الأنظمة التربوية فيها أساليب حضارات الشرق الاقصى.فيكون الهم الاول هو التناغم بين البدن والروح وهو المرحلة الاولى من كل تربية وليسمشروطا فيها أن يكون المضمون مادة تحفظ بل روح وموقف من الأشياء تتعلم من هذهالفنون التي تشحذ الفكر والبدن وتحقق التناغم بنيهما ليصبح الإنسان سيدا إلى \"تجهيزه الفني\" للتعامل مع الأشياء ورموزها ومع غيره.وخلال التمكن من هذه الفنون الخمسة ومعها التمكن من التحكم في فعل البدن ورد فعلهيحصل تصنيف أول للمواهب والميول عند الأطفال لأن هذه العملية هي جوهر المرحلةالابتدائية وما قبلها .ثم تبدأ مرحلة المراقبة للمواهب والميول حتى يتم التوجيه بحسب المؤهلات في مقومات الذات وبها يكون التصنيف.ومرحلة المراقبة هذه المعدة للتوجيه تدوم ثلاث سنوات يتلقى فيها الجميع تكوينا فيالمقومات الخمسة أي في تنمية الإرادة (وهي لانتخاب القيادات عامة) وفي تكوين العلم(وهي لانتخاب المبدعين في المعرفة) وفي تكوين القدرة (وهي لانتخاب المبدعين في القدرةالمادية الاقتصاد) ..ثم في تكوين الحياة (وهي لانتخاب الذواقين في الإبداع الجمالي بكلاصنافه) ثم في تكوين الرؤى الوجودية (وهي لانتخاب أصحاب القدرة على صوغ الرؤىالوجودي الدينية والفلسفية) .وهي القسم الاول من المرحلة الثانوية تنتهي بالتوجيه في واحد من هذه المواهب والمؤهلات بكل اختصاصاتها.فتكون المرحلة الثانوية مؤلفة من جزئين (ما قبل الثانوي والثانوي) مثل الابتدائيةمؤلفة من جزئين (ما قبل الابتدائي والابتدائي) :والثانوي هو للتخلص المعد للدراساتالجامعية التي هي بحث علمي من البداية بمعنى أن الطالب يدخل للجامعة في اختصاص تابع لأحد المجالات الخمسة المذكورة.أبو يعربالمرزوقي 128 الأسماء والبيان
وهي كثيرة :فلو أخذنا مثلا مجال العلم لكانت الاختصاصات بحسب أحد العلوم الطبيعيةأو الإنسانية التي هي معلومة في تصنيف العلوم وتكاملها لأنها كلها مثلا لا بد فيها من العلومالمساعدة لها .والتعليم فيها جميعا ليس همه كم المضمون بل روح العلاج التي تمكنه من حيازة كمه في تعلمه الذاتي.وهذا يعني أن المؤسسة التربوية ينبغي ان تكون مجهزة بالمخابر والمكتبات والمتاحفالطبيعية للنبات والحيوان والتاريخية للإنسان والحضارات بحيث تكون مقومات العالمينالطبيعي والتاريخي بين يدي المتعلم الذي هو باحث مثل معلمه فتكون طريقة التعليم ليست تلقينية بل حوارية في النظرية والخبرة.كما أن المؤسسة التربوية ينبغي أن تكون لها مجالس وسلط وكأنها دويلة صغيرة وفيهايتعلم الطلبة إدارتها بالطريقة الديموقراطية وتداول السلطة في إدارتها وفيها كل شروطالحياة وخاصة الملاعب والمساجد وكل الممارسات الفنية والجمالية التي تجعل الجيل يتخرج وهو مواطن تام التهيئة ليؤدي وظائفه.وهذه الوظائف يجمعها مبدأ الإنسان السوي من أي جنس كان بمعنى أنه كائن اجتماعيحاصل على شروط المشاركة في النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بعد أن تكون فيدور معين اختاره بنفسه للانضواء في الجماعة بوصفه مشاركا فيها كامل الحقوق والواجبات. بذلك نعد جيل المستقبل لمواصلة البناء.وينبغي ألا يكون الوقت المخصص للعمل الذهني معادلا للوقت المخصص للعمل اليدويوكلاهما لا يتجاوز خمس ساعات اليوم لأن الأقسام الاربعة الاخرى تتعلق بعمل الطالبالشخصي فيكون الخمسان لتكوينه وبالباقي لاهتماماته الخاصة غير الدراسية خمسان للنوم وخمس للراحة والأمور الخاصة.وينبغي أن يكون الأسبوع الدراسي مؤلفا من خمسة أيام لأن يوما يكون لمن يمارسالعبادات والحياة الدينية يوم الجمعة لأن الغالبية مسلمة ويوم في وسط الأسبوع لقضاءالشؤون الخاصة والراحة الأسبوعية فيكون العمل السبت والاحد والاثنين ثم الراحة يوم الثلاثاء والعمل يوم الأربعاء والخميس.أبو يعربالمرزوقي 129 الأسماء والبيان
وليس في ذلك تكلف بل هو شرط الانضباط والديسيبلين :فنظام التعليم نوع من الخدمةالعسكرية رغم أنها ذات تسيير ديموقراطي بخلاف الخدمة العسكرية .هي تعملبالانضباط العسكري للوصل بين البدني والذهني من أجل تحقيق التناغم ومن هنا يكون دور الرياضة مهما ولا بد أيضا من تعلم فنون الدفاع.ولا تقتصر فنون الدفاع على نوعه الرياضي كما في مدارس الشرق الاقصى القديمة بللا بد من أن يكون في خلال الدراسة التكوين العسكري للجنسين لأن من شروط حريةالشعوب أن يكون الشعب كله قادر على حماية الجماعة وهو معنى الجهاد فرض عين في حالة الدفاع .والدفاع ممارسة على علم.وما من أمة بقيت حرة بحق من دون أن تكون كلها مشاركة في الاجتهاد (التواصي بالحق)ومشاركة في الجهاد (التواصي بالصبر) وبذلك تكون قد أعدت للإيمان بما تؤمن به وللعملالصالح فتحقق الوعي بشروط عدم الوقوع في الخسر أو عدم فساد معاني الإنسانية فيها فتستأنف دورها الكوني. انتهى.أبو يعربالمرزوقي 130 الأسماء والبيان
أبو يعربالمرزوقي 131 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134