فالتحليلي لا يفهم من دون التأويلي حتى في العلوم الطبيعية والتأويلي لا بد له كذلك من التحليلي إلى عند أغبياء حداثيي العرب.والحصيلة التي تفزعني هي أن علماء السنة الذين يظنون أنفسهم يدافعون عن الدينهو أكثر الناس تهشيشا للدين لأنهم ينزعون الأسلحة الوحيدة التي تحمي أي معرفة أعنيالعلوم المساعدة لأنهم يخلطون بين استعمال الجهلة لها وحقيقتها .ما حصل رد فعل على الباطنية يتكرر رد فعل على العلمانية.أبو يعربالمرزوقي 48 الأسماء والبيان
والآن وقد فرغت من بيان أثر الفتنتين على الإسلام أو السنة وموقف رد الفعلوالانكماش الذي يغلق الانفتاح القرآني على كل جهد انساني لتحقيق شروط الاستعمار فيالارض والاستخلاف فيها علما وعملا على علم والاكتفاء بتشويه المرجعية ومطالبتها بعكس حقيقتها فلنبدأ في الكلام على العلوم المساعدة.فإذا كان القرآن يعرف الإنسان بمهمتيه اللتين هما عين كيانه -الاستعمار في الأرضلامتحان اهليته للاستخلاف-وكان الله قد جهزه بما يحقق به هذين الدورين فكيف لأمة أنتنجح إذا هي كما قال ابن خلدون قتلتهما في أبنائها منذ نعومة أظافرهم في تربيتهم ثم في حكمهم كهولا وشيوخا بتحريف المرجعية؟ولما كنت المرجعية تصف نفسها بكونها التذكير الأخير والرسالة الخاتمة فلا يد أن يتحقق فيها شرطان: .1فالأخير ينبغي ألا يبقي لما بعد ممكن ومن ثم فينبغي أن يكون الأتم في جنسه. .2والخاتم إذا لم يكن خاتما للحياة وكانت الحياة دائمة التطور فلا بد أن يتضمن شروط هذا التطور مقوما لمضمون رسالته.لذلك فلا بد أن يكون هم الرسالة منصبا على العلاقة بين المرسل (الله) والمرسل إليه(الإنسان) وأن تكون هذه العلاقة المباشرة هي عين التلازم بين الذاتين الحريتينالمستخلفة والمستخلفة وأن يكون كل منهم يفهم لغة الثاني :والمشكل :كيف يمكن للإنسان أن يفهم لغة الله إن سلمنا بأن الله يفعل.وهنا أريد أن أضع فرضيتي الاساسية في تحديد مفهوم المتشابه :من يقرأ القرآن يفهمقصده في كلامه على ذاته بأنه كله متشابه .ومن ثم فلا بد من فهم العلاقة بين كله متشابهوبعضه متشابه .دلالة العلاقة بين التشابهين هي المحيرة لذي العقل فضلا عن الباحثين عن \"البوز\" من دجالي الحداثيين.ولا أريد أن أعلق على أحد ممن يتكلمون في الدين في تلفزات تونس ومصر وبدأ يلحقبهم بعض المغفلين ممن يسمون أنفسهم ليبراليين وعلمانيين في المعقل الاخير للمحافظةأبو يعربالمرزوقي 49 الأسماء والبيان
على بعض \"الثوابت\" في ثقافة المسلمين حتى وإن غلب عليها الفلكلور أكثر من القيم السامية التي يعرف بها الإسلام.وكثير ما يقال عن الحماقة أنها لا علاج لها .لكني اعتقد أن الأمر لا يتعلق بالحماقة بلبعمى البصيرة .فلو كانت الأديان كلها متماثلة لكانت مراحل المعرفة الإنسانية كلها متماثلة.ألسنا نميز في المعرفة الإنسانية كاسترماز لموضوعاتها بين ما هو علمي وما هو ليس بعلمي بمعايير شبه اجتماعية؟إني أزعم افتراضا واعتقادا أن أهم خاصية في القرآن الكريم أنه النص الديني الوحيدعلى حد علمي وقد درست الكثير من النصوص الدينية الوحيد الذي يميز بين الاديانالتاريخية والديني فيها من حيث هو ديني ويعتبره واحدا لكل البشرية فيحرره من العرقيات والثقافيات والتاريخيات ويعتبره فطريا.كما أنه لا يكتفي بذلك بل يعتبر أن تعدد الأديان بسبب ما تختلف به بعضها عن البعضمن شروط التسابق في الخيرات للوصول إلى الديني فيها محررا مما يحول دون الإنسانوفهم منزلته الوجودية التي هي عين الديني والوعي الإنساني بهذا الديني في الأديان أعني ما في كيانه من العلاقتين المقومتين.ثم هو قد أمد الإنسان بمعايير امتحان آخر تذكير :لم يفرضه عليه بل قدمه له وقالله إذا أنت أردت أن تتبين حقيقتي فانظر فيما سيريكه الله من آياته في الآفاق وفي نفسك. لم يقل له خذ وصدق واقفل فاك .ما هذا؟هل يمكن لمن له إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود كلها مطلقة ثم يضع رسالة للامتحان؟تلك هي معجزة القرآن الكريم .ليس القرآن مدونة علمية في أي من علوم الملة بل هوتذكير بما يترتب على هذه الصفات من سلوك يحقق شروط الاستعمار في الارض بقيمالاستخلاف إذا استعمل الإنسان ما جهز به من أدوات فعل أهمها العلم والعمل على علم في العلاقة بالعالم وفي العلاقة بين الناس.وذلك يعني امرين :الأول هو التذكير الميثاق أو شهادة الإنسان على نفسه في علاقتهالمباشرة بربه (الأعراف )173-172وفي علاقته غير المباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخأبو يعربالمرزوقي 50 الأسماء والبيان
(الآفاق) وبتوسط \"أنفسهم\" بمعنى ذواتهم (لا بمعنى موضوع علم النفس) أي كيانهم الذي هو في آن عضوي وروحي (وعي العضوي بذاته).والأهم في الروحي ليس مجرد وعي العضوي بذاته وهو معنى قولي \"أنا\" بل الوعي بمايحيط به وبما ورائه أي بالآفاق الطبيعية والتاريخية وما ورائهما مما يجعلهما ما هما ويجعلعلاقتهما بالإنسان هي ما هي بحيث إن الإنسان من دونهما لا يمكن لمقومي كيانه أن يتحققا وخاصة ما يتطلب علمه وعمله على علم.بهذا المعنى فالقرآن يضع نفسه تحت الاختبار العلمي دون أن يكون علميا بل هو شرطكل علم :فهو لا يعطيك مضمونا علميا بل يعطيك الموقف العلمي الذي يجعلك بنفسك تصلإلى المضمون العلمي الذي من دون لن تكون سيدا لا على نفسك ولا على محيطك ولا خاصة على تجاوزهما فيحررك من كل سلطان لا ينبع منك.يعتبرك مسؤولا كفرد وحرا من الوسيط (علاقة مباشرة بربك) ومن كل وصي (علاقةمباشرة بأمرك) ويذهب إلى حد اعتبارك حرا في أن تؤمن به أو تكفر ويعتبر حريةضميرك رهن تبينك بنفسك للرشد من الغي وليس ذلك في مجال العقائد فحسب بل وكذلك في مجال تبين حقيقة الرسالة باختبار المباشر بغير المباشر.لكن العلاقة المباشرة فرضية والعلاقة غير المباشرة امتحان تجريبي لهذه الفرضية ولاتصبح الفرضية مقبولة عن قناعة إلا إذا أيدتها التجربة .ولهذه العلة كان الرسول الخاتمكلما عاجزه أحد ممن تعودوا على الأديان السابقة وخاصة على الإسرائيليات رد بأن المعجزات للتخويف وليس لإقناع الأحرار.ما أسميه إعادة البناء لشروط الاستئناف (الاستعمار في الارض والاستخلاف الذي توقفبسبب القوانين الاستثنائية في المعرفة والسياسة) لا يتوجه إلا إلى من تحرر من هذهالمعيقات التي جعلت الأمة تنكمش فتصبح عقيما لا تبدع هذه والشروط ولما يبدعها غيرها يزعم دجالوها أنها موجودة في النص.ولا يدرون ضرر ذلك .فهو أولا كذب على القرآن وهو ثانيا قبول بعدم القيام بالجهدالذي طلبه القرآن نفسه أمرا والبقاء في التخريف الذي نهى عن بدلا من شحذ الأذهانأبو يعربالمرزوقي 51 الأسماء والبيان
لإبداع ما به يتقوم وجود الإنسان بدلا من كسل المستهلكين الذين سماهم ابن خلدون عالة على غيرهم لفساد معاني الإنسانية فيهم.والآن فلأخصص كلمات وجيزة لما كان يمكن أن يكون ل َم ل ْم تصب الأمة في مقتل بحكمتوظيف اعدائها لما هو شرط البقاء ليكون مجرد أداة يحاربونها به وبدلا من تعلمه اعتبرههو بدوه عدوا فقلوه ولم يهتموا به بل اعتبروه هو نفسه عدوا للدين :الفلسفة وعلومها. والأعداء في الفتنتين لم يتجاوزوا أدلجتها.فأقصى ما أنتجته الفتنة الكبرى هو الباطنية وتخريفات اخوان الصفا ودحل الملالي.وأقصى ما انتجته إيديولوجيا الفتنة الصغرى هو الحداثوية القشرية وتخريفات أدعياءالنقد الديني بدل التمكن الحقيقي من العلوم المساعدة أو العلوم الأداة :فليذكر لي أحد اسم عربي واحد أبدع شيئا يعتد به فيها.لما اقرأ من يدعون نقد الأديان من العرب مشارقة ومغاربة-وجلهم من دارسي الآدابالعربية-لا يتجاوز التقريب الجمهوري الذي غالب ما يرجع إليه من مراجع ومصادر ليسفيه لصاحب النقد غير ذكر الإسلام ولست واثقا من أنه فعلا قرا المصدر فضلا عن أن يكون قد فهمه.فأول علم مساعد هو علوم اللسان .وهي أهم علم آلة في فهم النصوص الدينية .ألم تكنالأمة متعددة الأقوام واللغات؟ فلم لم نجد دراسات مقارنة بين اللغات التي هي شرط فهمأن نحو أي لغة ليس علما بل هو مجرد فن لتعليم تلك اللغة وأن العلم يبدأ عندما ندرس اللساني بما هو لساني؟والعلم المساعد الثاني هو التاريخ .والحمد لله فالخطوة الاولى كانت لعلامتنا ابنخلدون .ولهذه العلة أكثر من الإشارة اليه ولا يعني ذلك أني أعتبر كلامه قولا فصلا.فلا أحد من البشر قوله فاصل .وإنما أعني انه طلب شروط نقد علم التاريخ من حيث هو تاريخ ولم يكتف بتدوين تاريخ بعينه.وثالث العلوم المساعدة هو الرياضيات .وهنا لا بد من إشارة مضاعفة .فأولا كل مندرس فلاسفة العرب يجد أنه بعد الكندي والفارابي لا يوجد فيلسوف عربي واحد له الزادأبو يعربالمرزوقي 52 الأسماء والبيان
الرياضي المحترم بحيث إن منحنى العلم في الفنون الفلسفية بعدهما كان متنازلا وليس متصاعدا .الكندي أفضلهم وبعده الفارابي.ولذلك فالعلماء في الرياضيات لم يكونوا من الفلاسفة بل كانوا صنف ثالث بين علماءالدين والفلاسفة وهم فعلا قد أبلوا البلاء الحسن .وعندي أن من يمكن أن يعتبر قد تجاوزالرياضيات التقنيات إلى محاولة التفكير فيها وفهم آليات عملها الاسترمازية هو حفيد ابن قرة في كتابه عن التحليل الرياضي.ومشكلي ليس ما حققه المسلمون في العلوم بل كون هذا التحقيق عصاميا أولا ولم يدخلفي المنظومة التعليمية العامة التي كانت أشبه بما كانت عليه جامعاتنا في لحظة هجومالاستعمار علينا وهو أمر لم يغفله ابن خلدون عندما قارن بين العدوتين الشمالية والجنوبية للأبيض المتوسط في عصره.وأختم هذه المحاولة بالمسألتين الاخيرتين :المنطق وأصل كل العلوم المساعدة أو نظريةالمعرفة والابستمولوجيا في علاقتها بالأنطولوجيا (نظرية المعرفة في علاقتها بنظريةالوجود) .وهنا أجدني مضطرا لنفس الجناية التي أحاكم عليها من بعض \"المفكرين\" ممن ابن تيمية سلوك من ليسوا أكثر منهم بلادة.قرأت مرة لأحد المغاربة تحول إلى بوق ملالي -رأيته مرة في دمشق بزي الملالي يتذلللأسياده-حاول بيان ثقافته المنطقية متوهما أني اهتم كثيرا بالاعتراضات على شروطالتصور والتصديق والحد إلخ ...مما لا يخلو منه كلام سابق على ابن تيمية .لو كان هذا هو المشكل لكن كل غبي مثله فيلسوفا.لم يكن مشكل ابن تيمية شروط التصور ولا التصديق ولا الحد ولا البرهان ما كان الأمرمتعلقا بالمقدرات الذهنية .مشكله هو ما وراء المنطق ليكون علما مساعدا يمكن من\"استرماز\" الوجود الخارجي .مشكلة هل التحليلات الأواخر وليس التحليلات الأوائل ومن ثم فهو نظرية المعرفة وأنطولوجيا المنطق.ولهذه العلة اعتبره الوحيد الذي تجاوز فلسفة النظر اليونانية كلها بمحرد أن تساءلعن هذه العلاقة بين انطولوجيا المنطقي ونظرية المعرفة ومن أنهى خرافة المطابقة .وهوأبو يعربالمرزوقي 53 الأسماء والبيان
بهذا المعنى مؤسس فلسفة حديثة في النظر تأسيس ابن خلدون فلسفة حديثة في العمل. وقد حاولت بيان ذلك في غير موضع.أبو يعربالمرزوقي 54 الأسماء والبيان
-القسم الثالث - أنهينا المجموعة الثانية وبقيت ثلاث: .1مجموعة ثالثة في المؤسسات السياسية. .2ومجموعة رابعة في المؤسسات التربوية لتكون المجموعة الأخيرة. .3في المؤسسات الاجتماعية وهي حصيلة ذلك كله واصله في آن .ذكرت بها حتى يعلم القارئ إلى أين نحن ذاهبون في إعادة البناء للاستئناف.وهدا الترتيب ليس غفلا ولا عفويا بل هو مقصود :فالمؤسسات السياسية هي التياعتبرناها أصل الداء في الفتنتين الكبرى التي أحياها من صارع الإسلام دائما بحلف صريحمع الأعداء والفتنة الصغرى التي يراد زرعها بنفس الحلف بينهم وبين من يحقق التخريب الداخلي في الإسلام من المنتسبين إليه.وإذن ففيها نجد نتائج ما سبق أن درسناه في المجموعتين السابقتين وهي التي ينتج عنهابما فيها مما تقدم عليها ما سنحاول وصفه من ادواء المجموعتين الأخيرتين وبذلك ننهيهذه المحاولة في إعادة البناء آملين ألا يكون ما حاولناه سابقا في الكلام على علوم الملة مجرد كلام بلا ثمرة فعلية.ما أنوي عرضه ليس تاريخا للمؤسسات السياسية بل هو استرماز بنيوي يفهمنا الحدودالبسيطة التي بتواليفها تكونت بنية الصراعات السياسية في الحضارة الإسلامية .وهيطبعا-كما هو موقفي ليست خاصة بالإسلام بل هي بنية كونية لا تخلو منها حضارة-افترضها لبناء نموذج نظري للتحليل شبه البنيوي.سبق أن بينت أن الإسلام من حيث تعريفه لنفسه بكونه رسالة التذكير الأخير والرسالةالخاتمة فهو بالضرورة سيكون متضمنا للكافي والشافي من التذكير مما هو حاصل عندأبو يعربالمرزوقي 55 الأسماء والبيان
الإنسان بمقتضى تعريف الرسالة له والتعليل الصريح لما يعلل الختم بمعنى أن طبيعة المهمة والتجهيز المانع من الاعتذار عن الفشل.وهي إذن رسالة واصلة بين عالمين أحدهما محيط بالثاني يتقدم عليه ويتأخر عنهويراقبه بين البداية والغاية وبون زماني بالنسبة إلى العالم المحاط ولا زماني بالنسبة إلىالعالم المحيط الذي هو سرمدي ما يجعل الرسالة وصلابين الزماني واللازماني ومن ثم فهي رسالة بالضرورة متشابهة الاسترماز كله.وقد أشرت سريعا في آخر فصول المجموعة الثانية إلى العلاقة بين نوعي التشابه فيالقرآن البعضي والكلي .فالقرآن يميز في القرآن ما هو محكم وما هو متشابه لكنه يصفالقرآن كله بأنه متشابه .وهذه ثنائية محيرة لولا هذا الوصل بين العالمين :فالتشابه الكلي يتعلق بإسترماز المحيط بالمحاط.كل كلام الله في الرسالة ترجمة للعالم المحيط برموز من العالم المحاط أو بما يوحيللإنسان بتشابه وتشبيه لولا احتراز ليس كمثله شيء (الله) واحتراز لا عين رأت ولا أذنسمعت ولا خطر على بال بشر (الحياة الاخرى) .ولو لم يكن في كيان الإنسان ثنائية القطبين أو علاقة الذاتين لاستحال التراسل.قد يعجب القارئ من استعمالي 'تراسل\" للظن بأن الله يرسل رسائل للإنسان والإنسان لايرسل رسائل إلى الله .وهذا غير صحيح .الله أيضا يتلقى رسائل من الإنسان بل ومن كلإنسان سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن .ولذلك فهو سميع .الدعاء رسالة الفعل رسالة القصد في الفعل راسلة النوايا :عليم بالسرائر.وفي الحقيقة فكل الموجودات متراسلة لان ما فيها من شروط قيامها متوالجة وعلى هذاالأساس نفيت خرافة المنطق الجدلي :فشرط هذه الخرافة أن يكون الشيء متنافي الكيانفي ذاته سراع بين موجب وسالب وكأنه منفصل عما عداه من الموجودات فضلا عن الصراع بين كائنين سيد وعبد مثلا :الوجود أوتار متناغمة.ولا بد هنا من أن أذكر حقيقة تمر في غفلة منا جميعا :فمن خاصيات البعد الروحي منالإنسان إذا كان حيا وفاعلا أنه يكون بالمرصاد لما لم قد يطرا عليه من جديد في إنصاتهأبو يعربالمرزوقي 56 الأسماء والبيان
للوجود فيجعل ما حصل له سابقا ضمن ما يصبح عادة فيتولاه البدن عملا شبه لاواعي وهو العادة :علة السهو في فعل العادة الآلي.ومن هذا الباب كثرة السهو في الصلوات وفي كل الافعال التي تتكرر حتى تصبح عادةفتصبح وكأن الإنسان ليس حاضرا في عمله المعتاد .وقد عاب القرآن هذه الظاهرة لأنهاشديدة التأثير في تنويم الروح عند الإنسان (عن صلاتهم ساهون تعني كذلك فيها عند القيام بها وليس في عدم القيام بها).ولما كانت الصلاة مراسلة من الإنسان مع ربه فإنها تفقد طابعها بهذا المعنى .لكن البدننفسه متراسل مع العالم كله فهو لا يتنفس إلا لأنه في العالم وقس عليه كل شروط بقائهالتي تجعل العالم وكأنه صدر أم حنون يرضع كل الموجودات التي فيه بكل شروط قيامها ولا يمكن أن يكون ذلك عملا بلا غائية.وهذه الغائية بعضها يتحقق بقانون الطبائع وهو قانون الضرورة وبعضها يتحقق بقانونالشرائع وهو قانون الحرية أي إن الإنسان هو الذي يدير شأنه الروحي والمادي بسلوكهالذي هو سياسة ذاته من حيث سياسة علاقته بالعالم (العلاقة العمودية) وعلاقته بالبشر (العلاقة الافقية) وهذا مفهوم السياسة.وواضح أن علاقة الإنسان بالعالم السياسية لا تكون من دون علم قوانين الطبيعة وأنعلاقته بالآخرين من جنسه السياسية لا تكون من دون علم بسنن التاريخ :علم الضرورةوعلم الحرية شرطان في قيام الإنسان وكلاهما ثمرة سياسة العلاقة العمودية والعلاقة الافقية وهما متشارطتان حتما.فالفرد الإنساني لا يمكنه كفرد أن يقوم من دون الجماعة للحماية والرعاية ومن هناجاءت ضرورة التنظيم السياسي للعلاقات في الجماعة (التاريخ) وتقدمها على التنظيمالسياسي للعلاقات بينها وبين الطبيعة (الطبيعة) .وهذا التنظيم لا يكون إلا عملا على علم وإلا فهو يؤدي إلى كوارث في العلاقتين.وبهذين المعنيين يعلل ابن خلدون الدولة التي هي نظام المؤسسات السياسية التي تقومعلى تنظيم هاتين العلاقتين الافقية بين الناس في جماعتها وبين جماعتها والجماعاتأبو يعربالمرزوقي 57 الأسماء والبيان
الأخرى في المعمورة ثم بينها وبين الطبيعة مصدر حياة الجميع :من هنا الخلافات بين البشر حول القضية السياسية وما يؤسسها عقديا.فكيف تكونت الخلافات التي أدت إلى الفتنة الكبرى والتي ترتبت عليها في الفكرالسياسي الإسلامي حتى نفهم علل وصولها إلى ما سميناه تعطيل الدستور وحالة الطواريالتي دامت أربعة عشر قرنا ونيفا وصارت كل المؤسسات السياسة الإسلامية اسمية لا حقيقة لمسماها وأصيبت السنة بالفصام كلاهما غير فعلها؟والفرق بين بين الشيعة السنة .فالشيعة لم تعطل الدستور بل ألغته نهائيا لأنها أعادتالوساطة الروحية (الكنسية) والحق الإلهي في الحكم (الوصية) .لكن السنة عطلته ولمتلغه في الأقوال لكنه في الأفعال أبقته معطلا تماما وأصبح للامة وسطاء (فقهاء ومتصوفة) وأوصياء بالتغلب وليس بالحق الإلهي.والتفسير السني كان مبدا الضرورات تبيح المحظورات أي إن ضرورة تجنب الفوضىوتقديم دفع الضرر على تحقيق المنفعة هي التي بررت حالة الطوارئ لمدة أربعة عشر قرناحيث صار التغلب الذي أريد به منع الفوضى أساس كل فوضى لأن الحاكم الموجود يستعمل البطش للبقاء والذي يريد أخذ منه يبطش أكثر منه.فتصبح الامة في حرب أهلة دائمة وهو ما حصل في كل تاريخنا منذ الفتنة الكبرى :حكمبالأحكام الاستثنائية وبقاء الدستور حبرا على ورق وهو مصوغ صياغة لا بأس بها فيمصنفات الأحكام السلطانية ولو طبق لكان بداية جيدة جدة لتحقيق أهم شروط الدستور كما حددها القرآن في الشورى 38وفي النساء .58وبذلك يتبين أن الرسالة التي هي التذكير الاخير تتضمن كذلك المشروع الذي يحققالحرية الروحية (لا وساطة) والسياسي (لا وصاية) .مدار الخلاف الاول قسم الامة إلىسنة وشيعة .إما تنفي الوساطة والوصاية أو العودة إلى الوساطة الكنسية ووصاية الحق الإلهي في الانظمة حررنا منها.وهذا الانقسام الأول بدأ جنينيا قبل أن يدفن الرسول الخاتم ثم تطور إلى أن آل إلىالفتنة الكبرى .وكانت الحروب التي تلتها بعضها عنيف جرى في القتال والثاني لطيف جرىأبو يعربالمرزوقي 58 الأسماء والبيان
في الجدال :الخروج في ساحة القتال كان على الإمام علي والخروج في الجدال كان على الحسن البصري.فصارت الرؤى السياسية للنظام الذي يدعى أنه نظام الإسلام صارت أربعة :ما صار مذهباشيعيا والتسنن ما صار مذهبا سنيا وكلاهما يدعي تمثيل الفهم الاصح للإسلام ثم خوارجعلى التشيع في ساحة القتال وخوارج على التسنن في ساحة الجدال .مذهب الوصية الخاصة بآل البيت مذهب الاختيار من قريش.والخوارج على المذهب التشيع يعممون الوصية على العباد الصالحين ولا يقصرونه علىآل البيت والخوارج المذهب السني يعممون الاختيار على العقلاء من المؤمنين .وإذن فقدأصبح لحكم الجماعة أربع رؤى كلها تدعي تمثيل رؤية الإسلام فتكون رؤية الإسلام التي لم تكتشف بعد هي الأصل والباقي تأويلات.أبو يعربالمرزوقي 59 الأسماء والبيان
لكن الصراع السياسي الذي خرب المؤسسات لم يقتصر على هذه الفروع الاربعة التيتدعي تمثيل فهمها للإسلام وكل منها يستثني الباقي ويمرقه من الملة بل إن بقاء عاداتالجاهلية وصمود بيزنطة في كل جاهليات الشعوب التي فتحت أرضها ودخلت للإسلام كل ذلك كان له تأثير على هامش هذا المربع وأصله.وحفظا للتناظر بين العوامل التي يدعي اصحابها أنها هي القراءة الصحيحة للإسلاموالعوامل التي سأسميها عوامل خارجية يتعرف الجميع أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة وليكنأصلها أثر جاهليات متقدمة على الإسلام عند الشعوب التي أصبحت إسلامية وتسترت بأحد هذه الخيارات الاربعة الأصلية.وهذه الخيارات المتنكرة في الاربعة الاول بنفس الذريعة التي تتذرع بها هذه الخياراتيمكن ردها إلى مربع كذلك وأضلعه هي جاهليات الاقليم وأهمها العربية والتركيةوالأمازيغية والسودانية (بمعنى سودان افريقيا كلهم وليس السودان العربي الحالي) ثم الصليبية ثم المغول .التنكر حصل بعد اسلامهم.لكن اسلامهم وتكوين دويلات والبعض صار امبراطوريات في المشرق وفي المغرب وحتى فيالهند وافريقيا ما دون الصحراء كل هؤلاء بقي لتقاليدهم دور في الممارسات السياسية التيهي شديدة البدائية ولعل ازدهار التصوف فيها علته هذه العلاقة بين ميل الأنظمة البدائية للسحر والخرافة وعبادة الأوثان.وأختم بعنصر خامس كان ولا يزال يعتبر منافسا للإسلام ورؤاه بما فيها السياسية أعنيالفكر اليوناني الذي نقل إلى العربية والذي كانت مدرسة اخوان الصفاء وجل الفلاسفةفي الاسلام يعتبرون رؤى أفلاطون (أرسطو لم تكن فلسفته السياسية معروفة بما يكفي لأن السياسة والدساتير لم يترجما إلى العربية).عشرة عناصر لم يخرج عنها الفكر السياسي الذي كان يصاحب الفوضى التي آل إليهاوضع الامبراطورية الإسلامية :الأربعة التي تنسب إلى فاعلية داخلية للمشروع ذاته معأبو يعربالمرزوقي 60 الأسماء والبيان
المشروع ثم أربعة خارجية مما تقدم عليه وسيطرت على بعض داره (ولا يمكن أن الداخلية هي بدورها متأثرة ببقايا الخارجية) ثم الفلسفة.والثمانية الفرعية توجد إذن بين قطبين هما مشروع مرجعية الإسلام قرآنا وسنةومرجعية الفلسفة علم سياسة وممارسة .وكل ما في الثمانية الداخلية والخارجية بالقياسإلى المرجعية الإسلامية فيها من الأصلين ومن أصول مجهولة تعود إلى التفاعل بين الإسلام وما بقي من تراث الشعوب التي اعتنقته.هي إذن شبكة متوالجة شديدة التعقيد ولا يمكن علاجها من دون تجريد يبسط الشبكةدون أن يخل بما هو اساسي فيها والحل هو أن الخارجية كما أسلفت تتدثر بأحد المذاهبالاربعة التي الداخلية حتى تجد لها شرعية في المرجعية التي يدعي الكل تمثيلها لأن الجميع هدفهم الاستحواذ على دار الإسلام كلها.والدليل هو أن كل الباطنيات والثورات على الخلافة كانت تنوي تأسيس خلافة أو إمامةأو دولة خارجية أو وهذا قليل دليل اعتزالية فشل فيها المأمون بفضل صمود احمد بنحنبل وإلا لكانت للمعتزلة دولة .لكنهم سرعان ما أصبحوا في خدمة التشيع .وهذه من المفارقات التي تنفي عنهم العقلانية بإطلاق.فلا يمكن لذي عقل سليم أن يعتقد في 1في المليون من أكاذيب التشيع والباطنية والتصوفخاصة إذا كان بحق يقول بأن مرجعيته هي القرآن .يمكن أن أفهم يهوديا أو مسيحيا يقبلخرافات التشيع .لكن أن يقبل الوساطة والوصاية مسلم قرأ القرآن فهذا لا يمكن أن يكون صاحبه عقلانيا إلا بالمعنى الاعتزالي.ولعل أهم حصيلة لهذا العالم العجيب للفكر الباطني والشيعي والصوفي من الاغراق فيالخيال الجامع الذي يجعل الطبائع والشرائع عديمة القوانين والسنن فلم يبق معنى للعلمولا للعمل على علم وفي المقابل عالم أغرب للفكر السني الذي تحصر فصار فاقدا لأي ذرة من الخيال وتوهم القشور واقعا.وأكاد أبالغ فأقول انقسم عالم المسلمين إلى عالم الظاهر المطلق الذي هو صحراء بلاروح عدى توهم الخبرة والغفلة عن المعرفة وعالم الباطن المطلق الذي هو مرجل وحلأبو يعربالمرزوقي 61 الأسماء والبيان
يغلي بلا توقف بلا عمود فقري عدا التخريف حول معجزات آل البيت وكراماتهم التي صارت من جنس عالم آلهة الميثولوجيا الاغريقية.وليس لكلا الوجهين الظاهر والباطن أدن قبضة على شروط القيام التي هي ما يبدعهالعقل الإنساني من استرماز علمي وذوقي يساعد على علاج معضلات العلاقة العمودية بينالإنسان والطبيعة والعلاقة الافقية بين البشر ولم يبق في الوجود الطبيعي والتاريخي إلى أوهام ما يظن ما بعدا لهما عديم التحديد.وحول هذين القطبين الشيعي والسني أحدهما غلب دوره على المعارضة الدائم والثانيعلى الحكم الدائم أقصد أن التشيع والتسنن كان ما به تتم المعارضة في الغالب والحكم فيالغالب لكن كلا الحزبين يسيطر عليه في سلوكه الفعلي روح الفريق الذي خرج عليه من حيث طرق العلاج العقيم.فعقم العنف المادي سيطر على فنيات المعارضة التي هي الإرهاب لعل ذروته هيالحشاشين وعقم اللطف الرمزي سيطر على فنيات الحكم التي هي النفاق ولعل ذروته ماصار يسمى المدخلية أو فقهاء السلاطين الذين لم يتجاوز العقل عندهم التحيل على الأحكام البينة التي تحدد طبيعة الحكم وأسلوبه.وصار كل من يحاول التحرر من النفاق بالتطبيق الصارم لأخلاق المعرفة في الاجتهادولأخلاق المسلم الذي من فروضه العينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب واللسانيسمى خارجيا فقتلت المعارضة السلمية ولم يبق فيها مجال إلا لأصحاب الإرهاب الفعلي الذي تبناه الحشاشون.وبذلك أصبح الخروج والاعتزال على هامش التاريخ حتى وإن أحدثوا بعض الهرج فيأطراف الدولة وكون بعض الخوارج دويلات أصبحت وديعة واقتربت من التسنن في الكثيرمن سلوكاتها ومن الاعتزال في الكثير من افكارها ربما لأن ممارسة الحكم تضفي عليهما شيئا من البراغماتية.ولما أصبح للشيعة دولة وخاصة منذ نشأة الدولة الصفوية -بفضل نفس مليشيات الجبلأو بقايا الدولة الفاطمية أصبح الصراع ليس بين من يمثل المعارضة والحكم بل بين حكمينأبو يعربالمرزوقي 62 الأسماء والبيان
يتنازعان أرض الإسلام منذئذ إلى الآن .لكن انفراط عقد الخلافة ترك الحبل على الغارب في أرض السنة وصارت اليد الطولى للعملاء.وهؤلاء العملاء صنفان :مليشيات الدولة الشيعية في الأرض السنية قبل الاستعمارالأوروبي وبعد تكونه مليشيات الاستعمار الذين استوردوا الفتنة الصغرى أو الدولةالوطنية ذات التوجه العلماني والتي مثلتها كل الانظمة التي تدير الاستعمار غير المباشر: فاجتمعت الفتنتان الكبرى والصغرى.وهذه هي الخريطة السياسية لدار الإسلام حاليا .وواضح أن نفس الدور الذي يكلفبه الغزاة نكوص بعض من يدعون الإسلام إلى ما قبله هو العامل الاساسي في هذه المعادلة.ولا يظنن أحد أني اقصد التشيع وحده .فكل الانظمة العربية القبلية والعسكرية كلها لم تعد تعتبر الإسلام أساس شرعيتها السياسية.ومن المفارقات أن الأنظمة العربية القبلية التي تدعي هذه الشرعية هي في الحقيقة كلهابلا استثناء \"مبدعات\" انجليزية وشرعيتها هي الحماية الانجليزية التي أصبحت امريكيةبعد أن سقطت الامبراطورية البريطانية .وكل الأنظمة العسكرية التي تدعي القومية العربية خاصة طائفية من الفتنتين.لذلك فجميعها بحثت عن شرعية متقدمة على الإسلام بحيث إنها تحاول أن تجمع بينتفتيت الجغرافيا الذي فرضه الاستعمار (سايكس بيكو) وتشتيت التاريخ فصارت البعثيالعراقي يستمد كل كيانه الرمزي مما قبل الإسلام مفاخرا بتاريخ ما بين النهرين ومثله البعثي السوري فينيقيا والمصري فرعونيا.واليوم أصبحت الانظمة القبلية العربية نفسها تبحث عن جذور ما قبل إسلامية لتحلقبالأنظمة العسكرية في غسل اليد من التاريخ الواحد حتى تعلل الجغرافيا المفتتة .وماحربهم على ثورة الشباب بجنسيه (ألح على كلمة بجنسيه لأن المرأة استعادت دورها السياسي في الميدان دورها الذي تعلمناه من الصدر).ذلك أن هذه الثورة وإن لم يكن الشعب قد بادر إليها بوصفه مسلما عاد إليه الطموحالتاريخي فإن دعوتها إلى الفاعلية الشعبية بمنطق الديموقراطية جعل الغالبية التي كانتأبو يعربالمرزوقي 63 الأسماء والبيان
صامتة تنطق .فكان ما يسمى بالإسلام السياسي صاحب الدور الأول والقاعدة الجارفة في مقاومة الادواء للخروج من حالة الطوارئ.وقد دخل المعادلة عامل ثابت يمثل الفتنة الصغرى أو قاعدة للفتنة الصغرى (إسرائيل)نظير قاعدة احياء الفتنة الكبرى (إيران) فصيغت المعادلة العربية والإقليمية على أنهامؤلفة من ذراعين عاميتين لأهل الإقليم الذي غالبيته عربية بالاسم لأنه لم يعد أحد منهم يعرف نفسه بالعروبة ولا بالإسلام.ودون ان أنفي أن لهذين الذراعين اجندات خاصة بهما لا ينكرها إلا معاند لأنهما ليساذراعين فحسب بل لهما طموح استعادة امبراطورية سابقة عن الاسلام ساسانية وتلموديةفإن دورهما الوظيفي هو الغالب حاليا في ما يحدث في الاقليم رغم أن لتنافسهما علاقة بأجندتهما الذاتية.وليس هذا الذي يعنيني .ما يهمني هو طبيعة ما يزعمه عرب العسكر من حلف مع إيرانضد اسرائيل وما يزعمه عرب القبائل من حلف ما إسرائيل ضد إيران وما تتوزع عليهالنخب من خدمة لهؤلاء أو لأولئك كله كذب في كذب لأن ما يتحالفون جميعا ضده هو عودة الشعوب للفاعلية السياسية.وليس بالصدفة أن كانت هذه العودة رمزها البلدان اللذان جربا الفتنة الصغرى طيلةعقود وتبين أنها لم تفلح في القضاء على لب الحصانة الروحية لهذه الأمة :تركيا وتونس.فهما البلدان المسلمان الوحيدان اللذان علما بالتجربة ما تغني الفتنة الصغرى ورمزها أتاتورك وبورقيبة.ومن حسن حظ لب الحصانة أو ما يتهم بالإسلام السياسي أنه أصبح رمز النجاح في الجمعبين قيم الإسلام الكونية وقيم الحداثة الكونية وتجاوز الكاريكاتورين كاريكاتور التأصيلوكاريكاتور التحديث ليستأنف دور الجماعة الحية التي لم تعد تعتبر الإسلام هو تراث عصره المنحط بل إبداع نشأته الاولى.وهذا هو لب اللحظة الاستراتيجي .حاولت بنظرة خاطفة وشاملة تحديد تكوينيتها ولمأطل الكلام على مراحل الوصول إلى هذا الوعي التاريخي لدى شباب الأمة بجنسيه ودلالةأبو يعربالمرزوقي 64 الأسماء والبيان
البدء من تونس وتركيا وتركيز الاعداء جميعا على ما يتوقعونه من هذا الاستئناف من لحظة ظنهم القضاء على سر حيويته :الإسلام.أبو يعربالمرزوقي 65 الأسماء والبيان
ماذا يعني اجتماع الفتنتين الكبرى والصغرى في الإقليم وتمثيل ذراعي الاستعمارالأمريكي والروسي لهذين الفتنتين حربا على محاولة استئناف الشعوب الإسلامية فيالإقليم وما يتبعه من أرض الإسلام لكونه قلب دار الإسلام تلك هي القضية الاستراتيجية الأساسية في سياستنا الحالية وثورة الشباب.وما كنت لأستعيد التكوينية التي آلت إلى هذه الوضعية الاستراتيجية في سياسة دولةالإسلام منذ النشأة إلى الآن وإن بصورة اجمالية وسريعة لو لم يكن لهذه التكوينية دوراأساسيا فيما يجري حاليا .فليس بالصدفة أن يكون التركيز في النهاية هو على محاولة شل دور العرب والاتراك خاصة.فما يعني من ينافس الإسلام في الإقليم من أجواره هو من شعبه كان له معه صدام تاريخيمرير حتى وإن استفاد منه في عودته إلى التاريخ الفاعل :الغرب الحديث هو حصيلةاستئنافه لتاريخ حي بفضل الصدام مع المسلمين بداية مع قيادته العربية وغاية مع قيادته التركية .وكلاهما كان داميا وشاملا.وطبعا لست غافلا على أن التاريخ لا يحركه مجرد الثأر بل إن لمن يمثل الغرب حالياأعني روسيا وأمريكا مصالح جوهرية في الإقليم يمكن ردها إلى خمسة أنواع اثنان بسببجغرافيته واثنان بسبب تاريخه والأخيرة بسبب ما يمكن أن يولد فيه ذلك من طموح التاريخ اثبت فاعليته في الماضي.فالأمم ذات الدور التاريخي الكوني -وهي قلة في التاريخ-لا يمكن ألا تتنافس على هذاالدور بأسبابه .وأسبابه هي ما ذكرت :فالجغرافيا تعطي السببين الأولين أي الثروة فيالاقليم وطرق الوصول إليها فيه وفيما ورائه من الأقاليم الأخرى .والتاريخ يعطي السببينالثانيين أي التراث بوظيفتيه فالتاريخ يعطي السببين الثانيين أعني التراث المؤسس للدوروالممكن من وسائله والاول تراث روحي والثاني تراث علمي وعملي .والمعلوم أن الاقليمأبو يعربالمرزوقي 66 الأسماء والبيان
الإسلامي يحوز على كلا التراثين الكونيين منذ ما ينيف على ثمانية آلاف سنة من عمر البشرية أي القديم والوسيط وجزء كبير من الحديث روحيه وعلميه وتقنيه.وليس بالصدفة أن اختار الغرب ذراعيه الممثلين لإحياء الفتنة الكبرى ولاستنبات الفتنةالصغرى ممن يعللون عودتهم بتراثه الروحي وأن يكون قد زرع مفهوم الدولة القوميةالتي هي أول سلاح كان هدفه أن يعمل في حضارة الإسلام ما عمله في حضارة المسيحية أعني الحد من دور الوحدة الروحية للجماعة.اختبار التشيع ليس جديدا واستعادة دولة داود ليس مشروعا جديدا فأول من فكر فيهحلا للإطاحة بالخلافة العثمانية كان أحد كبار العباقرة الألمان في العلوم وفي التاريخ وفيالسياسة وفي الدين أقصد لايبنتز الذي وضع خطة غزو مصر وتكوين إسرائيل لأسقاط الخلافة التي كانت على أبوات فينانا.وأول من حاول تحقيق المشروع هو نابليون الذي جعله أغبياء التحديث صاحب مشروعالتحديث المصري أعين ما لم يكن يريده ولعل مشروعه هو ما يحققه السيسي حاليا أعنيعنيف اغبياء حداثة أعشار المثقفين من جنس القمني والمغتاظ من صلاح الدين الايوبي لأنه أسفط دولة الباطنية في مصر.وهذه الحقائق التاريخية يجهلها أعشار المثقفين ويتجاهلها من يعلمها لأنها تغير الرؤيةوتفتح البصيرة لفهم الوضعية الاستراتيجية في السياسات الإقليمية التي تشاجنت فيهاخيوط اللعبة المحلية والقومية والاقليمية والدولية والهدف منها جميعا حل مشكل واحد: كيف نحول دون عودة العرب والأتراك؟وحتى من يعلمها فإنه لا يمكنه أن يتصدى لها باستراتيجية فاعلة لا تقتصر على رد الفعلمن كان بعقل بدائي من جنس حكام العرب ونخبهم وقد يكون الأتراك تقدموا علينا كثيرافي فهم هذه الخطط المعقدة بعد ما يقرب من تسعة عقود من مخالطة الأوروبيين ولعل المخالطة سبقت منذ الحلف بينهم والألمان.وليس لي من طريقة أخرى أفسر بها أن يكون المخطط الأول للإرهاب هم الإيرانيونوالإسرائيليون والمتهم الوحيد به هم العرب الذين يتصورون أنفسهم أبطالا وهم فيه مجردأبو يعربالمرزوقي 67 الأسماء والبيان
أدوات لتشويه العرب والإسلام السني بالذات :والرمز الاول والاخير لهذا الغباء العربي هو داعش .فهي أساسا ثمرة الغباء السني.وأي جماعة انحرفت علومها كما انحرفت علوم السنة إلى حد البلاهة لا يمكن أن ينتظرأقل مما حصل بيد دراويش ما يسمونه بالعلوم الشرعية التي لا علاقة لها بالشرع أصلا بلهي علوم الثرثرة التي لا دور لها لا في تنظيم الحياة الدنيا ولا في تحقيق شروط السعادة في الحياة الأخرى.فلو كانت العبادة مقصورة على العبادات وحفظ المتون التي تعقدها حتى تعطي للكهنوت دورا لما عرف الله الإنسان بكونه مستعمرا في الأرض وخليفة فيها. فالاستعمار في الارض له شرطان: .1العلم بقوانين الطبيعة .2والعلم بسنن التاريخ. والاستخلاف له شرطان: .1أخلاق التعامل معهما .2والعبادات.أما تحويل الأمة إلى ببغاوات يسيرها شرطة عبادات بالعصي فهذا لا علاقة له لا بالدينولا بالدنيا بل بسلطان كهنوتي جاهل لأمة من العبيد .فلا الامة تكونت لتكون افرادهامجتهدين فرض عين ولا لتكون أفرادها مجاهدين فرض عين بل صار أمراء الكلام وأمراء السيف طغاة يقودون الصم البكم والعمي.ومتوهم من يتصور من يدعون الحداثة يختلفون عن ذلك في شيء .فهم أيضا يعاملونالشعوب نفس المعاملة .ما يظنه الاول إسلاما في نسبته إلى الإسلام هو عين ما يظنه الثانيحداثة في بسبته إلى الحداثة .قشور يؤمن بها كاريكاتور الإسلام وكاريكاتور الحداثة ويفرضونها بالعنف على الشعوب التي استعبدوها.وإذ يستعبدون الشعوب فلا يعني ذلك أنهم سادة بل هم عبيد لمن يستعبدهم وينصبهمحيث هم ليكونوا محرد رعاة لمن صيروهم نعاجا يحلبها العدو ويحلب ارضهم وينتهك عرضهمأبو يعربالمرزوقي 68 الأسماء والبيان
بما علل به ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" والتحول إلى أمة مستسلمة للطغاة في التربية والحكم :ذلك ما ثار عليه الشباب بجنسيه.ولهذه العلة بدأت هذه المحاولة بمراجعة علوم الملة -واقصد علوم السنة بطرفيهاالأشعري والحنبلي-التي انحرفت من البداية لأنها تمثل طوارئ المعرفة المناظرة لطوارئالسياسة وكلتاهما سيطرتا على سلوك الامة النظري والعملي العلمي والسياسي فأفسدت التربية والحكم ومعاني الإنسانية (ابن خلدون).و\"معاني الإنسانية\" ليست مفهوما محردا بل هي شروط الاستعمار في الارض والاستخلاففيها أو مقومات كيان الإنسان كما يعرفه القرآن ويجهزه ليحقق هذه المهمة المزدوجة منخلال حل معضلات العلاقة العمودية بالطبيعية لسد الحاجات المادية والأفقية بالتاريخ لسد الحاجات الروحية.وسد الحاجات المادية هو موضوع العمران وسد الحاجات الروحية هو موضوع الاجتماعبلغة ابن خلدون وهما مجموعين يمثلان موضوع البحث في تكوينية العمران البشريوالاجتماع الإنساني والأول أداة والثاني غاية والأول يغلب عليه العمل المادي والثاني العمل الرمزي :هو غاية الاسترماز والعالم الفكري.وقد وصف ابن خلدون المستوى الاول أو العمران البشري بكونه التنازل (المشاركة فيالمنزل أو العيش معا في وطن الجماعة) لسد الحاجات بالتعاون والتبادل والتعاوض ووصفالثاني أو الاجتماع الإنساني بكونه التنازل للأنس بالعشير .وهو معنى الاول أداة والثاني غاية :ما أجمل الأنس بالعشير.وما أجمل الجمع التقابلي بين البشري وصفا للعمران والإنساني وصفا للاجتماع .أربعةمفهومات الأولان يناظران الاستعمار في الارض والثانيان يناظران الاستخلاف فيها.العمران البشري نظير الاستعمار في الارض والاجتماع الإنساني نظير الاستخلاف .ومن يقرأ القرآن يفهم أن المقدمة تفسير فلسفي له.لكنه ليس تفسيرا لنصه بل تطبيق حرفي لفصلت 53أي إن ابن خلدون بحث عما اراهالله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الانفس (مقومات ذات الإنسان العضويةأبو يعربالمرزوقي 69 الأسماء والبيان
والروحية) فتبينت له حقيقة القرآن فيهما ومن ثم فبداية البناء لم تنتظرنا بل هي غاية المدرسة النقدية العربية (ضميمة المثالية الالمانية).وما كان لهذا التطبيق لأمر فصلت 53ينجح لو لم يسبقه تطبيق نهي آل عمران :7فهوبين في فصل الكلام والفلسفة من الباب السادس استحالة علم ما وراء الطبيعة وما وراءالتاريخ ورفض نظرية المعرفة المطابقة لأن الوجود لا يرد إلى الإدراك ولأن المعرفة الإنسانية ليست محيطة ومقصورة على الشاهد.وهذا الفهم الخلدوني هو في آن المدخل المفيد لمن يريد أن يفهم البعد السياسي منالإسلام بوصفه تذكيرا بوظائفها المناسبة لمهمتي الإنسان اللتين هما في آن مقومي وجوده:السياسة تربية ويتبعها العلم وحكم ويتبعها الاخلاق وكلاهما مستحيلان من دون الاسترماز الذي يمكن الإنسان من التعالي.والتعالي شرط لعدم الوقوع في مستنقع مجرى الأحداث والوقائع ليكون الإنسان حرا فيتقييمها :الاسترماز شرط التعالي الذي هو شرط الحرية التي هي شرط التقييم الذي هوشرط الاختيار على علم الذي هو شرط المسؤولية التي هي شرط اختبار أهلية الاستخلاف التي هي شرط الجزاء إيجابا وسلبا.ولا معنى لكلامنا في المؤسسات السياسية إلا باعتبارها ما به يضمن الإنسان فردا وجماعةهذه الشروط التي يمكن بفضلها حماية مقومات الإنسان بوصفه رئيسا بالطبع (ابنخلدون) أي ذا إرادة حرة وعقل مستنير وقدرة مدركة لقيم الأشياء وحياة تذوق الأنس بالعشير وفنونه ورؤية للذات بوصفها حرة وكريمة.تلك هي نظرية الإسلام في السياسة أي في التربية من دون وسطاء روحيين (كنسية) وفيالحكم من دون أوصياء (الحكم بالحق الإلهي أي السلطة الروحية أو بالحق الطبيعي أيالسلطة المادية) وهذه هي الثورة الإسلامية في تنظيم حياة الإنسان الدنيوية بوصفها تحقيقا لشروط حريته وكرامته كخليفة.أبو يعربالمرزوقي 70 الأسماء والبيان
والنظرية السياسية التي تحرر الإنسان من الوساطة والوصاية خطيرة جدا على أصحابهاإذا لم تكن مصحوبة بالبديل من الوساطة والوصاية اللتين تحولان دون الفوضى الروحيةوالفوضى السياسية في أي جماعة لم يرتق فيها الفرد والجماعة إلى مسؤولية المستعمر والمستخلف بوصفه رئيسا بالطبع (ابن خلدون).فمن اليسير جدا أن يصبح مجتمع فاقدا للسلطة الروحية (وصاية نخبة دينية) والسلطةالسياسية (وصاية سياسية) المستقرتين إلى فوضى الجاهلية كما حدث في تاريخ الامةمباشرة بعد أن صار التاريخ كله حربا أهلية داخلية وعجزا شبه تام على رد حاسم على الغزو الخارجي من الشرق والغرب طيلة التاريخ.وليس عندي طريقة أخرى لتفسير سرعة انفراط عقد السياسية الإسلامية التي باشرهاالصدر والعودة إلى ما ينافيها باستعمال ما كان موجودا في الأرض التي فتحها المسلمون منتقاليد سياسية عطلت الدستور وإعادة الكنسية علنا في التشيع وخفية في التسنن مع ما أشرت إليه من جاهليات في الأرض المفتوحة.وإذن فما سميته القوانين الاستثنائية وحالة الطواري بعد الفتنة الكبرى جمعت بينالتقاليد السياسية التي كانت في الاقليم والتي كان الإسلام ثورة عليها جمعت بينها فيالانظمة الحاكمة والتربية التابعة لهم والجاهليات في كل الهمجيات التي جاءت من الداخل أو الغزوات التي جاءت من الخارج.فكان الوضع التاريخي كله حائلا دون الخروج من حالة الطوارئ بعد الفتنة الكبرىوازدادت هذه الحالة بسبب الفتنة الصغرى .والحصيلة هي التفتت القديم (قبلالاستعمار) والتفتت الحديث (بعد الاستعمار) والزلزال الدائم بسبب تنافي ذلك مع فلسفة الإسلام السياسية التي ما تزال فاعلة في ضمير الامة.ويمكن القول إن الفلسفة السياسية المحركة للامة لأنها محركة لما في ضميرها من صورةالخلافة الراشدة رغم طابعها الغائم وغير المحدد إلا في قيم وأحاديث هي بالطبع غيرأبو يعربالمرزوقي 71 الأسماء والبيان
الاحداث قد حققت معجزة :كيف صمدت إلى اليوم رغم أن التاريخ كله كان مناقضا لها وإن وحد فيه بعض الرموز البطولية لهذه المثالية.وهذه الظاهرة العجيبة هي التي اعتبرها معجزة القرآن السياسية .فنفس المعجزة التيوحدت العرب وهم قوم لو اجتمع الجن والأنس لتوحيدهم لاستحال ذلك عليهم هي نفسهاالتي ما تزال محركة للمسلمين لها ولأعدائها عليها منذ النشأة الأولى وخاصة بعد الطموح للاستئناف في هذا العصر الحالي.إنها سانحة مناسبة لشرح دور ما سميته بالاسترماز أو بنقل الوجود من أحداثه العينيةإلى أحاديثه المتعالية عليها لتضاعف مجرى التاريخ في أحداثه وفي أحاديثه سواء تعلقبالماضي تضاعفه بدوام الحديث المحرك للحدث أو في المستقبل بدوام الحدث المحرك للحديث فيكون الحاضر السائل في غليان أبدي.ولا بد أن أقر هنا بأن قرون الطوارئ الأربعة عشر رغم ما سببته من تخلف وانحطاطيذكر لها ويشكر أن منظومة الحكم ومنظومة التربية أبقت على الحديث المثالي حولالحدث المتدني فأبقت على حياة الطموح الدوني في ضمائر المسلمين حتى وإن كان هذا الطموح مجرد إيمان في القلب لم يشفع بعمل يحققه.وذلك هو ما اعتبره معجزة القرآن الذي حافظ على عزة المسلمين في وجدانهم حتى وإنفقدوها في وجودهم .ومعنى ذلك أن كلمة ابن خلدون \"الإنسان رئيس بالطبع\" تمثل حقيقةهذه الظاهرة التي لولاها لامتنع أن نتخيل أمة المسلمين تفلت مما حل بأمة الهنود الحمر بسبب ما حاق بها من مكر أعدائها الشديد.والدليل أن نسبة ذلك إلى معجزة قرآنية لا يكفي فيه قولي بل ما يثبته هو تركيزالأعداء وعملائهم حربهم الرمزية على القرآن وعلى محمد لأنهم أدركوا أن هذينالرمزين النصي والشخصي يمثلان سرا عجيبا في ضمائر الامة لعله هو خط الدفاع الاخير على شروط الاستئناف التي أتكلم عليها.فمن قرأ القرآن وتدبره ومن قرأ سيرة الرسول وتمعنها لا يمكن ألا يكون طموحه أنتكون الارض كلها مصلاه والعالم كله عالم الاخوة الاسلامية وأن يقبل بغير العز والرئاسةأبو يعربالمرزوقي 72 الأسماء والبيان
بالطبع للإنسان من حيث هو إنسان كما يعرفه القرآن بوصفه مستعمرا في الارض ومستخلفا فحرا ومكرما عند رب الجميع.لا يمكن لمسلم أن يقبل بالعبودية لغير الله .تلك هي معضلة أعداء الإسلام مع المسلمين.واليوم المسلمون لم يعودوا مقتصرين على ذلك وكأنه مجرد عقيقة بل صاروا يرونهإمكانية فعلية ما جعل الاعداء يتصورونهم بديلا ممكنا ممن أطاحوا به من أعدائهم معتبرين استراتيجيتهم ضد السوفيات ناجعة ضدنا.وقد بينت سخف هذا التحليل في تعليقي على تقرير رند كوربوريشن لسنة 2007رداعلى اطلاعي عليه من قبل أحد الأصدقاء من الكويت .الخلط بين ايديولوجيا نخبة قليلةوعقدية شعوب عديدها أكثر من خمس البشرية دليل حمق استراتيجي .فحتى لو غيروا عقدية بعض العملاء من العرب فالمفعول سيكون عكسيا. وذلك لعلتين: .1فما فشل فيه الغرب لما كان متفردا بكل أسلحة الفعل السياسي العنيفة واللطيفة لن ينجح فيه بعد أن صار السلاحان في متناول أي شعب. .2وكل من يستعملوه في هذه المهمة يفقد مباشرة كل تأثير وخاصة في حالة انتخاب هؤلاء العملاء من الأغبياء كمراهقي الثورة المضادة والسيسي وأمثاله.وأقصد بالسلاح اللطيف أدوات التواصل عامة .فهذه يمكن بيسر ألغاء مفعولها العدوانيبها :ليس من العسير على الامة أن تكون \"جيشا\" من المقاومين بهذا السلاح في الحرباللطيفة (يسمونها الناعمة) والشباب بجنسيه لا تنقصه الخبرة ولا خاصة الحماسة للقيام بهذا الجهاد الذي هو فرض عين لأنه دفاعي.ما أقصده بالسلاح العنيف أي الغزو العسكري فهو لم يعد ممكنا لأن كلفته الاقتصاديةتجعل الاضعف أقوى :فإذا كان قتل المقاوم الواحد يكف مليار على امريكا فقتل الغازيالواحد لا تتجاوز كلفته عشر دولار أي ثمن خرطوشة واحدة من قناص .هربوا من العراق وافغانستان وسيهربون من كل دار الإسلام.أبو يعربالمرزوقي 73 الأسماء والبيان
وإذا لم يفعل الامريكان فسيسقطون لأن الصين تتفرج على غبائهم وتهتم ببناء قوةالمستقبل التي ستزيحها لأنها تعادي من كان يمكن أن يكونوا حلفاء لها في معركة النظامالعالمي الجديد ظنا أنها يمكن أن تحتل أرضهم وممراتهم لتخنق الصين .احتلال دار الإسلام مستحيل وأمريكا ستنهار إن واصلت ذلك.ما يحيرني ليس حرب الأعداء على الإسلام بل حرب المسلمين فيما بينهم وتناسيهم شروطالسيادة التي هم أول من يقضي عليها عندما تصبح كل قبيلة تدعي انها دولة وهي فيالحقيقة محمية للأعداء وقاعدة ضد الاستئناف :الشرط الضروري والكافي هو حجم الأحياز الخمسة التي هي المقوم الاول لسياسة القرآن.دار الإسلام عامة ولكن قلب دار الإسلام-ويمكن اعتبارها جامعة بين ما يسمى بالوطنالعربي وتركيا-هي الحد الأدنى للحجم الكافي لما يناسب النظام العالمي الحالي والمقبللتحقيق شرطي السيادة أعني الحماية والرعاية الذاتيتين للجماعة .وهو يتحدد بالأحياز الخمسة التي هي القصد الفعلي للأنفال .60فالأنفال 60تتلكم على القوة عامة والقوة العسكرية خاصة برمز رباط الخيل .والقوةعامة هي ما سميته شروط علاج العلاقتين العمودية مع الطبيعة والأفقية بين البشر.والاولى هي مصدر الثروة المادية والثانية هي مصدر الثروة الروحية لأي جماعة. وكلاهما يضيعه تفتت الأحياز.وما يضيعه تفتت الأحياز يسترده توحيدها من جديد وهدا هو الهدف الاستراتيجيالذي ينبغي العمل عليه لأنه شرط الشروط :فوحدة الجغرافيا تمدنا بالحجم الكافي لإنتاجشروط الانتاج المادي أي البحث العلمي والتطبيق التقني المتمعن بالحكم الحالي لأي دولة عربية أو تركية مهما كان حكمها صالحا.ولولا ذلك ما اضطرت ألمانيا وفرنسا العدوتين التاريخيتين أن تقلبا صفحة الماضي وأنتشرعا في توحيد أوروبا :أدركوا أن دولهم على عظمتها بالقياس إلى المحميات العربيةوحتى الدولة التركية أدركوا أن حجمهم لم يعد كافيا لتحقيق شروط السيادة حياة ورعاية وقدرة على التنافس مع العماليق.أبو يعربالمرزوقي 74 الأسماء والبيان
ومن دون الحجم التاريخي لأي جماعة لا يمكن في عصرنا خاصة أن تنافس اميرة بتاريخلم يكد يخرج من البداوة الحضارات التي تضرب بعروقها في مراحل التاريخ منذ ما قبلهالتي وحدها الإسلام بتوحيد شعوب الشرق والغرب الإسلاميين وفرط فيه أغبياء المتبنين للدولة القومية التي هي محمية غربية.ولأن الأعداء يعلمون أن الامم تستمد عظمتها من حجم احيازها أعني جغرافيتهاوثروتها المادية وتاريخيها وتراثها الروحي والعلمي ومرجعيتها التي تقاس بمقدار كونيتهافيفتتون جغرافيتنا ليحولوا دون شروط الانتاج المادي والعلمي والتقني ويشتتون تاريخنا ليحولوا دون شروط الانتاج الرمزي والحضاري.ومن هنا تركيزهم على ضرب المرجعية الروحية الموحدة للجغرافيا والثروة والتاريخوالتراث في الحضارة الإسلامية أعني القرآن الكريم والرسالة الخاتمة .لكن الشباببجنسيه فهم الخطة وهو يتصدى لها بعمل على علم ولم يبق إلا أن تتحد الثورة حتى تنتصر على الثورة المضادة ذراع الاعداء ضد الاستئناف.أبو يعربالمرزوقي 75 الأسماء والبيان
الفصل الأخير من الكلام على المؤسسات السياسية أخصصه لأصل كل العلل التي تفسرالفشل السياسي في كل بلاد العرب :امتناع شروط الطموح الذي يمكن يجعل الشباب بجنسيهينخرط في مشروع من البداية محكوم عليه بالفشل .فلا يمكن لمن كانت نشأة تاريخه كونيه أن يقبل بقيام تابع لأي إنسان آخر.وما لم يفهمه الاغبياء المتعجبون من الفشل تلو الفشل في المحميات العربية هو أنهمينفخون في \"مزود\" كله ثقوب .لم يعد الشباب غافلا لا عن منطق العصر ولا عن منطقتاريخ امته كله .فمنطق تاريخ امته بدأ بالدور العالمي ومنطق العصر أن السيادة شرط المواطنة الحرة لها شرطان يقتضيان الحجم.فلا مواطنة من دون دولة سيدة ولا دولة سيدة من دون شرطين :القدرة على حمايةالذات وعلى رعايتها .وهذان الشرطان ممتنعان على بلد يعيش بالصدقات ويحتميبالأعداء .والشباب بجنسيه يعلم ذلك علم اليقين .وما يراه من كرنفال السياسة-رئيس دولة ورئيس حكومة ووزراء إلخ ..من المسكاراد-قناع للتبعية.لا يوجد شاب من الاقليم-دون تمييز بين القوميات في شعوب الاقليم متحد الثقافةوالمصير في ملتقى القارات الثلاث والتسمية بالإقليم أفضل من التسمية بالإثنية-يقبل بعدمالمشروع الطموح لمستقبل غير تابع للمستعمر يمكنه من استعادة كرامته وحريته والتعامل الندي مع الضفة الشمالية من المتوسط.لكن أجيال الذل الذين اختارهم الاستعمار لينوبوه في مستعمراته بعد انسحابه الشكليهم الذي يريدون مواصلة الوضع السابق وتعميق التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسةورهن الاوطان مقابل بقائهم في وهم السلطان الذي يمكنهم من استعباد الشعوب وسلب حقوقهم في الحرية والكرامة وأفشال ثورتهم.وما يصح على المغرب من المغرب إلى ليبيا يصح على المشرق منها الى العراق :كل بلادناخاضعة لسياسة اليوم بيومه لا مشروع لها إلا بقاء خدم الاستعمار غير المباشر بوصفهمأبو يعربالمرزوقي 76 الأسماء والبيان
حماة الحدود الحديدية التي وضعها يجعل التنمية الاقتصادية والعلمية مستحيلة فيضمن بقاءنا تابعين إلى يوم الدين.فالأجداد الذين بدأوا المقاومة متحدين وبشروا بوحدة بلاد المغرب الإسلامي عملالاستعمار كل ما يستطيع لإبعادهم وترك من اخترقهم به حتى يحققوا له ما عجز عنه طيلةاستعماره المباشر من قتل فرض لغته وتفتيت اللحمة الثقافية وخلق العداوات بين الاجوار ومنع كل تغيير ينبع من الشعب.وما حصل في المغرب حصل في المجموعات الأربع الباقية وآخرتها الخليج الذي دبت فيهالفتنة فصار الجميع يتودد لصاحب الفتنة بينهم كل يريد إرضاءه بما يقدمه له من خدماتتغيض جاره وأخاه وتزيد الضغينة بينهم تماما كما يحدث في المغرب .والأمر بدأ بالاصطفاف مع قطبي العالم الماضي.بدأ الاقتتال بين البعثين ثم بين الناصرية والبعثية ثم بين القذافية وكل الاجوار فصاركل حاكم بأمره من طراطير العرب مجرد ذراع فوضى في بقية الأقطار ما ينفقه في تأجيجالعداوات بين العرب كان يمكن أن يضاهي مشروع مارشال الذي اخرج أوروبا من نكبة الحرب الثانية حتى وصلنا إلى الثورة المضادة.ففتتوا العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر في الطريق ويسعون إلى تفتيت تونس وبعدهاالجزائر التي بلغ بها الجمود مبلغا صرت أخشى من انفجارها الذي لا قدر لو حصل لكاننكبة على المغرب كله .وما بين الأقطار المنتسبة إلى الجامعة ليسوا إلا ورثة عاقين لمن ورثوا عنه هذا الوطن الكبير.وفي خلال هذا التناحر الداخلي فقد العرب كل صديق لأنه إن وجد سرعان ما يعجز عنتحديد سياسية معهم مادام كل ما يفعله مع زيد يغضب عمرو والكل يهدد ببعض المليماتالتي يبقيها فساده من بين زيت الحجر وبعر البقر .هل هؤلاء أحفاد من أسس دولة الإسلام الكونية؟ صدق المتنبي.فأنت إما أمام شيوخ خرفون بلغوا أرذل العمر أو أغرار لا خبرة لهم ولا ثقافة والاولمنهما همه أن ينهي حياته بلا مشاكل والثاني يبدأها بما يمليه عليه طموح الأغرار الذينأبو يعربالمرزوقي 77 الأسماء والبيان
يتصورون سدة الحكم لعبة فتكون الامة بين يأس العجزة عضويا والعجزة عقليا وتكون الأمة بين أجيال كسيحة وأجيال فضيحة.ففي تونس مثلا آل الثورة إلى مآل صارت بداية ما يسمى بالانتقال الديموقراطي منجنس نهاية ما يسمى بالعهد البورقيبي .لا شيء يمكن أن يسمى دولة بل سياقة يومية لاتتجاوز أرنبة أنف السائق الذي يتعلم الحجامة في رؤوس اليتامى .وما يسمونه دولة يلتهم جل ثروة الجماعة في الخلاعة والرقاعة.ففي شعب ثار ثلث طاقته العاملة عاطل عن العمل صراحة والثلث الثاني عاطل خفيةلأنه زائد عن الحاجة في الإدارة وفي الشركات الوطنية والرعاية الاجتماعية لا يمكنالكلام على سياسة أصلا :إنها عملية تفقير نسقية للجماعة التي صار نصف اقتصادها خارج سلطان من \"اختارتهم\" لرعاية شأنها.واستبعد أن يكون وضع بلاد العرب الاخرى أفضل حال وخاصة تلك التي كانت في بحبوحةفائض المداخيل من بيع الطاقة .فأزمة أسعارها ونضوبها القريب قد يظهر ما عليه منوضع أسوأ لأن ما أكاد أجزم صحته مما قرأته هو أن بعض بلاد الخليج بطالة شبابها المتعلم تقرب من 40في المائة ناهيك عن غيره.ونفس الامر يمكن أن يقال عن البلاد المغربية ذات الثروة البترولية .لذلك فمن الواجبالقلق على المستقبل الذي ينتظر اقليمنا إذا لم نتدارك الامر فنعالجه بصورة تحقق شروطالسيادة بجعل العمل المبدع والمنتج يصبح ممكنا عندما نوفر الحجم الضروري جغرافيا وتاريخيا على الأقل مثل اوروبا.والآن فلو سألت أي شاب أو شابه عما يتمنى في علاقات البلاد العربية لكان جوابه يبدومجرد حلم بمماثلة ما تحقق للشباب الأوروبي من حرية التنقل في كامل الوطن الكبير دونعوائق .لكنه هذا الأمر ليس ابدا مجرد محاكاة لما يحدث في أوروبا وإن كان فيه شيء منه لكنه حنين إلى ماض عاشه أجدادنا حقا.الحدود الحديدية لم تكن موجودة حتى في عهد الاستعمار المباشر .إنها من النتائجالحزينة لما يسمى بالدولة الوطنية التي جعلت كل قطعة مجزوءة من الوطن تسمي نفسهاأبو يعربالمرزوقي 78 الأسماء والبيان
دولة ويستبد بها عملاء لا معنى للوطن عندهم إلى كونه حديقة لمافيتهم يفعلون بها وبأهلها ما يرضيهم ويرضي من نصبهم غفراء فيها.ولهذه العلة فالثورة أثبتت أن شعوب الاقليم ذات مصير واحد .عطسة تونس أصابتالجميع بالإنفلونزا الثورية لأن مطالب الأمة واحدة وهي تريد الخروج من الاستثناء عالميامنذ الحداثة ومن حالة الطوارئ إسلاميا منذ الفتنة الكبرى التي قتلت حداثنا السياسية بتعطيل دستور الجمهورية الديموقراطية.فالنظام السياسي كما حدده القرآن صراحة في الآية 38من الشورى طبيعته جمهوريةوأسلوبه ديموقراطي لكأنه كتب باللاتينية واليونانية :أمر الجماعة=جمهورية (راسبوبليكا لاتينيا) شروى بين الجماعة= ديموقراطية (ديمو-قراطيا يونانيا) فكيون النظام جمهورية ديموقراطية ومشكله الإنفاق من الرزق.والإنفاق من الرزق يجمع بين العلاقتين العمودية مع الطبيعة أي الانتاج الاقتصاديللثروة (الرزق) والعلاقة الافقية بين الناس أي الإنفاق في وجوهه الاجتماعية التييحددها القرآن في البقرة .177والتحرر من الاستغلال المباشر للنص بتبين حقيقته من خلال الآفاق والانفس هو شرط علاج العلاقتين.فيكون الحل في بناء المؤسسات السياسية التي تجعل الأمر أمر الجماعة (جمهورية) وتجعلأسلوب إدارته شروى الجماعة (ديموقراطية) وتجعل الرزق ثمرة العلاقة العموديةبالطبيعة في خدمة الجماعة وصلا بين الاقتصادي والاجتماعي فيكون الحل جوهر ما يطلبه الإنسان الحر والكريم دينيا وفلسفيا.وهذه المؤسسات رغم ما فيها عدم التحديد الدقيق سعى إليها فكر الامة متدرجا ويمكناعتبار آخر اشكالها في الاحكام السلطانية قريبا جدا من التنظيم الجمهوري الديموقراطيفي شكله الجنيني حتى في اوروبا :ففه هيئة انتخابية وفيه شروط الترشح وفيه التصويت بالمبايعة حتى وإن حرفت لأنها تفرض.لكن الديموقراطية الغربية هي بدورها تدرجت فمن انتخاب الاغنياء فحسب إلى انتخابالرجال فحسب إلى الانتخاب العام أخيرا مرت مراحل مديدة .ونفس الأمر كان ينبغي أنأبو يعربالمرزوقي 79 الأسماء والبيان
يتحقق في تطور المؤسسات السياسية الإسلامية لو لم يفسد نظام التعليم ونظام الحكم بما وصفنا من العلل.لذلك فينبغي أن ننظر في المؤسسات التي كان لها الدور الكبير في توطيد هذا الفسادالناتج عن الاستبداد السياسي وأن نتخلص من الاحكام العامة التي تجعلنا وكأننا خارجونعن سنن التاريخ .ما حصل يقبل التفسير بما قدمته :حالة الطوارئ وكثرة الحروب الاهلية أدت إلى تعطيل الدستور .فلنستأنف.أبو يعربالمرزوقي 80 الأسماء والبيان
-القسم الرابع -أشرع الآن في علاج المسألة الثانية بعد السياسة ومؤسساتها .وسبق فاعتبرت المؤسساتالاجتماعية هي الاخيرة مقدما عليها مسألة المؤسسات التربية وعلي أن أشرح علة ذلكولماذا أنا مضطر للعدول عنه .صحيح أن المؤسسات الاجتماعية هي الشاملة لكل مؤسسات اي جماعة وهي أصلها المؤسسات جميعا.وهي كذلك من حيث المستوى الأول من وجود الجماعة كأحداث فعلية في الوجود الخارجيالذي يشمل كل الظاهرات الإنسانية التي تنتج عن العلاقتين بين الإنسان والطبيعة وبينالإنسان والإنسان أي إنها جملة الظاهرات التي يتألف منها وجود الجماعة طبائع وشرائع إنها تفاعلات الطبيعة والثقافة كأحداث.وهي إذن ما يمكن أن نعتبره موضوع المؤسسات السياسية والتي تجمع بين الحكم والتربيةوالتي هي عودة الإنسان على هذه الأحداث لفهمها ورعايتها بإدارتها وتنظيمها تنظيماأقرب ما يكون إلى العمل على علم ومن ثم فلكأن الظاهرات الاجتماعية بذلك المعنى هي بدن الجماعة والسياسة عبارة وعيها.وهذه العودة على الذات ليست خارج الظاهرات الاجتماعية بل هي واحدة منها كظاهرةاجتماعية وتقبل الدرس الاجتماعي مثل أي بقية الظاهرات الاجتماعية التي سأتكلم عليهاالآن والتي اضطررت لتقديمها على المؤسسات التربوية لما سأشرح الآن وكان يمكن تأخير السياسية لو طبقت ما ساشرج.في الحقيقة اكتشاف علم الاجتماع بالمعنى التام للكلمة -ابن خلدون اكتشف ما هو أهموقد بينت ذلك-في القرن التاسع عشر كان بالأساس لعلل سياسية :كان الهدف البحث عنشروط الخروج من نتائج الثورة السياسية والتقنية التي حدثت في فرنسا خاصة وفي أوروبا وتحقيق شروط الاستقرار.أبو يعربالمرزوقي 81 الأسماء والبيان
كانت محاولات لعلاج هذين الظاهرتين الاجتماعيتين الناتجتين عن الثورتين السياسيةوالتقنية انتهت على محاولة بناء علم تحت اسم الفيزياء الاجتماعية لتحديد قوانينها فيحالتي الثبات (ستاتيك) والحركة (ديناميك) لكأن المجتمع جهاز آلي يخضع لقوانين الميكانيكا وهو قياس استلهامي لا غير.وبدأت العقبات الإيديولوجية -الماركسية -والابتسمولوجية في الفلسفة الألمانية الجديةالتي حاول أصحابها تأسيس العلوم الإنسانية عامة دون اختزال الإنسان في رده إلى الآليةالميكانيكية سواء بالمعنى الكونتي أو بالمعنى الماركسي وتم التمييز الدقيق بين علوم الطبيعة وعلوم الروح بلغة فلسفتهم.وجوهر المسألة هو أن علم الاجتماع أساس العلوم الإنسانية كلها يتميز بالمفارقة العجيبةالتي يتحد فيها ذات العلم وموضوع العلم في آن :ظاهرة اجتماعية-العلم-تجعل من نظامالظاهرات الاجتماعية -المجتمع-موضوع دراسة علمية فيكون الجزء عائدا على الكل ليفسره بما فيه من عوامل تعليل لكونه ما هو.ولو كان كل ما يجري في حياة البشر عملا على علم لكان ينبغي أن يقدم علم الاجتماععلى كل عمل فتكون المؤسسات السياسة والتربية مبنية على ما يتوصل إليه هذا العلم منشروط تحقيق ما يجعل الإنسان على أفضل حال .لكن الرياح لا تجري بما تشتهي سفن المنطق .فالشرطان ممتنعان.أولا لا يوجد علم اجتماعي حاسم مثل علوم الطبيعة وثانيا العمل لا ينتظر النظر:فالنظر غير ملزم بوقت بل هو بحث لامتناه قد لا يصل إلى نتيجة والعمل فعل عاجل يكتفيبما لديه من علم ويبادر لأن ما يتطلبه العمل لا ينتظر كما أسلفت وخاصة السياسة التي هي حرب دائمة حتى وهي باردة.وهذه الصفات في السياسة كحكم وليس كتربية تصح عليها في علاقات مواطنيها في الداخلوفي علاقات الجماعة مع الجماعات الأخرى المنافسة لها على مصادر الرزق والمنزلة التاريخيةأعني على حيازة الأحياز الخمسة :الجغرافيا وثمرتها والتاريخ وثمرته والمرجعية أو الرؤية الموحدة لها.أبو يعربالمرزوقي 82 الأسماء والبيان
وإذن فعلة اضطراري لتقديم السياسي على الاجتماعي وتأخير التربوي عليه هي نفسالعلة بوجهيها :ففي السياسي العاجل متقدم دائما لأن العمل السياسي لا ينتظر إلا بقدر ماتوفر له من إعداد النظر السابق وهو دور التربية إن كانت قد أعدت القيمين على السياسي وفي التربوي الآجل متقدم دائما.عاجل العمل في السياسة والاقتصاد والحرب وكل ما هو فعل مباشر يستعمل ما لديه مناعداد واستعداد نظري سابق لما يقبل التوقع ويضطر أن يتصرف كـ\"بريكولور\" بالموجودللتصدي لمجرى الأحداث التي لا تنتظر بطء النظر حتى يصل إلى النتيجة العلمية الحاسمة إن وجدت.قائد الحرب وصاحب المؤسسة الاقتصادية ورجل الدولة لا يمكنه أن يتصرف كالعالم الذيليس عنده ما يدعوه للرد السريع لأنه يعمل وكأنه خارج الزمان وأزوف الفعل أو رد الفعلفي الوضعيات العينية المحددة .وقد وقع سجال بين الصديق حسن حنفي أمده الله بالصحة والعافية وبيني حول المسألة.وكان هو يتكلم على تقدم العمل على النظر فحاولت أن أبين أن ذلك يصح بشرط أنيكون النظر قد تقدم .طبعا هذا أسلوب مفارقي استعملته للمزاح معه وكان ذلك ذات ليلةفي لندن سنة .2000فالعمل متقدم كغاية لكنه لا يكون غاية إلا إذا كان عملا على علم ولا علم إلا والنظر متقدم فيه على التطبيق.وبهذا يختلف جنرال عن آخر في قيادة الحروب ورئيس مؤسسة اقتصادية عن آخر فيقيادة التنافس وسياسي عن آخر في قيادة شعب .وطبعا فمن لم يعمل بهذه القاعدة يكونمثل جنرالاتنا ورجال اعمالنا وسياسيينا لا يعرفون إلا رد الفعل الآني والهزائم المتكررة الناتجة عن العمل على غير علم بشروط العمل. هل هذا استطراد؟كلا .ذلك أن التربية هي المقابل التام للسياسة .فهي الفن الذي يعد الأجيال الخالفةلتدارك ما فات الأجيال السالفة .وما فات الأجيال السالفة متعين في الحال الاجتماعيةأبو يعربالمرزوقي 83 الأسماء والبيان
للجماعة ومن ثم فعلم الاجتماع هو الوسيط بين منطق فعل الحكم ومنطق فعل التربية أي إنه هو لب العلاقة بينهما.ومعنى ذلك أن فعل التربية لتكوين الأجيال الخالفة مشروط بمشروع منطلقه العلم بحالالامة في علاج علاقتيها العمودية بالعالم (الطبيعة) والأفقية بالإنسان (التاريخ) لتحديدما أنجزت وما فشلت في إنجازه ليكون مضمون التكوين تجويد المنجز وتدارك الفشل ولا يكون ذلك في الحالتين إلا بالتجاوز.وهذا هو بالذات ما اعتبره فشل التربية في حضارتنا وهو نظري فشل السياسة .ولماحملت علوم الأمة المسؤولية لم أفعل ذلك تجنيا على أصحابها .فالمسألة تعود إلى ما وصفتمن حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي طبقت في الحكم والتربية .ويهمني الآن التربية :جعل المرجعية مدونة علوم مباشرة.فلا خلاف أننا كلنا نؤمن بأن المرجعية صالحة لكل زمان ومكان .لا يهم إن كان ذلك صحيحاأو غير صحيح فموضوعنا ليس هذا بل توهم ما يستخرج منها من تأويلات من جنسها فيظنوكأنه مثلها صالح لكل زمان ومكان وينتج عن ذلك أن التعليم يتمثل في حفظ المتون وكل تجاوز يبدع صاحبه.والنتيجة مضاعفة :أولا عدم احترام ما أمرت به المرجعية التي لم تجعل ذاتها مدونةعلوم بل وجهت إلى حيث ينبغي البعث عن العلوم إيجابا (فصلت )53وسلبا (آل عمران )7لكن ما حصل هو العكس تماما في الإيجاب والسلب وثانيا أصبح التجاوز مقصورا على التحشية اللفظية التي تكدس الثرثرة لا غير.وبذلك فقد العلم فاعليته لأنه لا يعالج العلاقة العمودية مع الطبيعة التي صرنا فيهاأميين بإطلاق ولا يعالج العلاقة الأفقية إلا بخطاب الوعظ والإرشاد وهو كلام لا أثر لهحتى في لحظة التفوه به والدليل أن خطب الجمعة صارت من أضحوكات الجميع بمن فيها أكثر الناس تقوى وإيمان.لم يبق من التربية أدنى جزء لأنها تحولت إلى عملية ترويض خرافي هم معلميه هوتوطيد السلطة الروحية -عبارة لحم العلماء سام من أرذل ما ساد في هذه الرؤية العقيمةأبو يعربالمرزوقي 84 الأسماء والبيان
في الحقيقة السام هو خطابهم-وليس علاج معضلات الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف وشروطهما العلمية والخلقية.والغائب في ذلك كله هو الوسيط بين السياسي والتربوي أو شرط شروط العمل على علمبحال الجماعة من حيث علاقتها العمودية بالطبيعة وعلاقتها الأفقية بالتاريخ وهو جوهرالبحث الاجتماعي الذي نالني شرف تكليفي بتدريس منهجيته للطلبة في أول سنتين من التحاقي بجامعة تونس الاولى.وأختم هذا الفصل الأول من الجزء الثالث من محاولي في إعادة بناء شروط الاستئنافبشرح ما قلته عما أنسبه إلى ابن خلدون واعتبره أهم مما بدأ به كونت وعلم الاجتماعالفرنسي :يكفي أن تقابل تصوره بتصور من يتكلمون على علم الاجتماع العربي .صار العلم يسمى بخصوصية موضوعه بخلاف رأي ابن خلدون.هو سماه \"علم العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنساني\" ولم ينسبه إلى جماعةبعينها .وعندما أقول الفرنسي أعني أن واضعيه فرنسيين وليس العلم .وعندما أقولالألماني أعني واضعيه وليس موضوعه .ما يتميز به ابن خلدون يشبه الألماني أكثر من الفرنسي :لأنه وصله بما يتميز به الإنسان عامة.وذلك هو منطلق التأسيس الفلسفي لعلم الاجتماع الألماني من خلال التمييز بين علومالطبيعة Naturwissenschaftوعلوم الإنسان أو علوم الروح .Geisteswissenschaftوعندما يدخل أهم مؤسس لعلم الاجتماع الألماني البعد الديني في تحولات الرؤى الاقتصادية مثلا فذلك ما أقصده بالأهم عند ابن خلدون.أبو يعربالمرزوقي 85 الأسماء والبيان
عللت عزمي على تقديم المؤسسات الاجتماعية على المؤسسات التربوية ولأمر الآن إلىالمقصود بالمؤسسات الاجتماعية التي ينبغي أن نعيد بناءها حتى يتسنى لنا تحقيق شروطالاستئناف الذي يخلص الامة من حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية والعودة إلى الدستورين المتعلقين بوجهي السياسة حكما وتربية.والآن تبدأ مشكلة المشاكل :كيف نحدد المؤسسات الاجتماعية والظاهرات الاجتماعيةالتي تعنى بها يمكن وصفها بكونها لا تكاد تتناهي فعلاقة البشر العمودية بالطبيعةوعلاقتهم بالتاريخ وفعل الاولى في الثانية والثانية في الاولى وما يوحد بينها جميعا أو مفهوم الإنسان واسترمازه غير قابلة للحصر.وها نحن نلامس ما اعتبرت ابن خلدون قد فاق به الجميع رغم دعاة فهمه بعصره حصرالكأن محاولات فهم الفلسفة اليونانية ما بعد سقراط وما قبله يصح عليها توالي الفهوم فلاتعتبر اندفانا في الماضي كما يوصف كل من يحاول معاملة تراثنا الفلسفي بالمثل واكتشاف ما قد يكون غاب عن أذهان قرائه السابقين.فليراجع أي باحث صادق الباب الاول من المقدمة .وسيكتشف أن المعادلة الخلدونية ليسالبداوة والحضارة والعصبية كما يتوهم الكثير بل هي العلاقة بين الطبيعي والرمزي أوالثقافي من حيث هو عودة على ذاته لعلاج العلاقتين العمودية والافقية عودة مشدودة بالخوف من المستقبل الناتج عن معضلاتهما.أما البداوة والحضارة فهما مرحلتان في علاج هذه المعضلات بمقتضى ما يفرضه ما يسميهابن خلدون \"نحلة العيش\" ولا علاقة لها بنمط الإنتاج وعلاقات الإنتاج بالمعنى الماركسيعند من يبحثون عن السبق الخلدوني حتى يصبح لابن خلدون منزلة عندهم بالقياس إلى ما صار معيار تحديد المنازل في الفكر.صحيح أن بين الامرين وجه شبه .لكن الفرق الجوهري هو صلتهما بالمشكل الأساسي الذيهو ما وصفت والذي يجعل الاسترماز هو الأساس في كل ما هو اجتماعي وإنساني :والاسترمازأبو يعربالمرزوقي 86 الأسماء والبيان
هو أداة العلاج المتنوع لهذه العلاقة بين الطبيعي والتاريخي في حياة الإنسان الذي يصبح كيانه مرجعية التأويل كله.المبدأ الموحد لما يبدو لا متناهيا من الاجتماعي هوما يسميه الفلاسفة الانثروبولوجياالفلسفية (=نظرية الإنسان) التي تجمع بين العلاقتين العمودية (العلاقة بالطبيعة)والأفقية (العلاقة بالتاريخ) أو الطبيعي والرمزي من كيان الإنسان أو الطبيعي والروحي من كيان الإنسان في علاقة بالعالم وبما ورائه.وبهذا المعنى يصبح قلب الرحى في المقدمة نظرية الإنسان وعليها تبنى أرشيتاكتونيكفروع علم الاجتماع أو ما بفضله يمكن حصر المسائل المقومة لعلم العمران البشري (العلاقةالعمودية خاصة) والاجتماع الإنساني (العلاقة الافقية خاصة) وخاصة تعني أن كل موضوع العلم يرى كله من هذه أو من تلك دون رد.\"دون رد\" تعني Without reductionلأن الماركسية هي رد إلى أثر الاول في الثاني ومايرد به عليها هو رد الأول إلى أثر الثاني فيه .وكلاهما غير صحيح لأن اعتبار الأولوالثاني منطلق منظور للكل هو المقصود بالعلاقتين :بمعنى أن العمران والاجتماع لا ينفصلان إلا كمنظارين لموضوع علم الاجتماع.والمنظوران يمثلان وجهين من كيان الإنسان في الانثروبولوجيا الخلدونية والفلسفيةعامة .ومعنى ذلك أن الأول يمثل كيانه الفعلي والثاني كيانه الرمزي أو الاول يمثل كيانهالأداتي والثاني كيانه الغائي :وصف ابن خلدون العمران بكونه لسد الحاجات المادية والثاني لسد الحاجات الروحية (الأنس).وانطلاقا من هذا التعريف يمكن القول إن ابن خلدون قد وصف أول خطة لحصر المسائلالتي يمكن أن تعتبر مجال البحث الاجتماعي بعد تحديد جوهر الإشكال الانثروبولوجي فيالباب الأول أي العلاقتين العمودية (العلاقة بالطبيعة والجغرافيا) والأفقية (بالزمان والتاريخ) :الخوف من المستقبل.البال الأول من المقدمة ينطبق على الأبواب الخمسة الباقية ويؤطرها ويليه علاج هذهالاشكالية بحسب فروعها .ففي الثاني العمران البدوي ونحل العيش فيه والثالث الدولةأبو يعربالمرزوقي 87 الأسماء والبيان
والرابع المدينة والخامس الاقتصاد والأخير العلاج الرمزي لكل ما تقدم أو العلوم والتربية واللسان والفنون :منظومة ذات اتجاهين.والاتجاهان يلتقيان في الباب الرابع .ولما كان الاول يشملها جميعا فإن قراءة البقيةبالانطلاق منه يجعلنا نبدأ من الثاني إلى الرابع ثم نعود من السادس إلى الربع فنجدالمنظورين اللذين تكلمت عليهما .فمن 2إلى 4نلاحظ تناقص دور الطبيعي وتزايد دور الثقافي والعكس من 6إلى .4والمدينة هي نقطة التوازن بين الاتجاهين وفيها كل نحل العيش في مركزها تغلب نحلةالعيش الحضرية وفي محيطها نحلة العيش البدوية بحيث إن كل مدينة فيها كل التكوينيةالعمرانية والاجتماعية وهي ملخص جغرافي تاريخي لكل حضارة .وهو ما يمكن من الانطلاق إلى اعادة بناء المؤسسات الاجتماعية.وأول ملاحظة أبدأ بها هي سخافة كل المعادين للإسلام من العرب وخاصة ممن هم بقاياالصليبيين والباطنيين أو من يوصفون بعرب الشمال الذين وصل الغباء ببعضهم إلى اعتبارالإسلام دين البداوة :ونسوا أنه تأسس في حاضرة سماها بالذات \"مدينة\" بمعنيي الكلمة الفلسفيين.فأما المعنى الاول فهو ما منه اشتق فلاسفة العرب اسم علم السياسة تماما كالحال فياليونانية واللاتينية :فالسياسة هي علم المدنية بمعنى الإنسان الذي اجتمع وتجاوزالاجتماع البدائي إلى الاجتماع العائد على ذاته ليكون صاحب تنظيمها بعمل على علم وهو معنى السياسة حكما وتربية.وأما المعنى الثاني فهو في آن موضوع هذا المعنى الاول وفي نفس الوقت غايته القصوىأي المدنية التي يؤكد عليها القرآن ويقابلها بالبداوة المنافية للمدنية كما يصف بذلك منيسميهم الاعراب وهم غير العرب وهم من يذمهم ابن خلدون حتى وإن استعمل كلمة عرب بمعناها في استعماله :من ليسوا مدنيين.فالعرب في المقدمة يفيد أمرين :معنى انثروبولوجي عام ينطلق كل رعاة الإبل من كلالشعوب وهم العائشون في الصحاري بسبب رعاية الإبل وذكر منهم عدة شعوب وسماهمأبو يعربالمرزوقي 88 الأسماء والبيان
عربا .ومعنى عرقي خاص بالعرب وهم من يتكلم عليهم عندما يؤرخ للحضارات والدول فيقابل بينهم وبين الفرس والبربر مثلا.لكن الحاقدين على العرب كعرق يعتبرون يخلطون بين الدلالتين فيعتبرون كلامه منجنس شهد شاهد من اهلها وهذا دليل جهل وتحامل .ذلك أن مؤسس الحضارة الإسلاميةهم العرب وفي كل العلوم العقلية والنقلية بخلاف شهادة اخرى لابن خلدون يساء تأويلها خلطا بين الكم والكيف.صحيح أنه كميا كان العلماء من غير العرب .لكن كيفيا كان المؤسسون خاصة عربا .ولنأتكلم على الرسول فهو مبلغ وليس صاحب العلم الذي بلغه .ولن أتكلم على العلوم النقليةأو علوم الملة كأصول الفقه واصول الدين وعلوم اللسان فهذه مفروغ من عروبة مؤسسيها. ولا فائدة من ذكر الأسماء.فلأذكر علوم العقل .ففي الفلسفة أولهم الكندي .وفي الرياضيات اولهم وأكبرهم ابنقرة الجد والحفيد .وما عداهما منبن عليهما .لذلك فكفى تقويلا لابن خلدون ما لميقصده .هو تكلم على الكم ولم يتكلم على الكيف .ولأعد على ما هو وسط بين النقلي والعقلي .فمؤسس علوم اللسان على الرياضيات الخليل.فقد بنى معجمها على رياضيات التواليف والتقاليب مطبقا إياها على الحروف وبنىقوانين شعرها على نفس التواليف ولكن ليس للأصواب بل لمدد الحركات بصرف النظر عنالأصوات وهو فرع من الموسيقى أو من علم توزيع الزمان .وما اتصور قوما بدوا يمكن أن يفعلوا ذلك.ولو كانوا قد فعلوه لأنهم كانوا تحت الاستعمار الفارسي لكان ذلك قد حدث قبل الإسلام.ولم ينتظر قرنا نيفا ليحصل .ثم الفرس نفسهم لا أعلم لهم فلاسفة قبل ابن سينا والغزاليوهؤلاء لا فرسية لهم وإلا لكانوا وجدوا قبل الإسلام .فلكأن احدا نسب علماء أمريكا الحاليين إلى أصولهم السابقة.والدليل الدامغ والحاسم :لو كانت الحضارة العربية الاسلامية ترد إلى تأثير من تقدمعليها -ولا أنفي وجود هذا التأثير بل ردها إليه -لكان لما استطاعت الحضارة العربيةأبو يعربالمرزوقي 89 الأسماء والبيان
الإسلامية تصبح الطابع العام لكل من انتسب إليها ممن تقدم عليها في الحضارة :فلسفة ودينا ولغة وأدبا وحتى بحورا شعرية.قد لا يرى القارئ المتسرع علاقة هذا الذي يبدو استطرادا بالغرض من البحث أعينبإعادة بناء شرو ط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف .لكن العلاقة متينة وهي شديدةالعمق :ينبغي للاستئناف أن يكون أولا وقبل كل شيء مبادرة شعب النشأة الأولى .والشرط أن يستعيد ثقته بنفسه.فالعرب اليوم يعاملون باحتقار من الكثير من الشعوب ليس لأنهم يستأهلون ذلك حتىوإن كان وضعهم قد يبرره بل لأنهم أصيبوا في مقتل من أبناء جلدتهم الذين هم بقاياالصليبية وبقايا الباطنية وكل من توخى محاولة التميز باحتقار العرب والرسالة وشرط الاستئناف الكوني :العرب أولا والأتراك ثانيا.أبو يعربالمرزوقي 90 الأسماء والبيان
استعادة هذه الثقة بالنفس شرط ضروري غير كاف .واعتقد أن تركيا استعادتها وأعادتالثقة لشعبها بهويته لكن العرب ما زالوا بعيدين عن هذه الغاية وهو ما سيكون مادة لبحثيالآن .فما الذي جعل قلب الإسلام ومنبع النشأة الأولى ينكص إلى تكوينات اجتماعية بدائية أخرجته تقريبا من التاريخ؟فبعد الدولة الأموية في المشرق ثم خاصة بعد الدولة الأموية في الأندلس لم يبق للعربدور يذكر في تاريخ الإسلام ولولا ولاء شعوب إسلامية غير عربية لكانت دولة الإسلام قدانقرضت بانقراض دور العرب الذي بدأ بعيد هارون الرشيد في المشرق وبعد سقوط الأمويين في الاندلس.والحمد لله أن الشعوب التي تداولت على دولة الإسلام -الموحدة سياسيا أو الموحدةثقافيا على الاقل -لم تقض على وحدة اللسان الشامل للثقافة العلمية فلسفية كانت أودينية وإلا لما لكانت ثقافة الإسلام قد انفرط عقدها مع ضمور دور العرب فيها بتبني هوية عربية لجل القيادات تبركا ساعد على ذلك.لكن دور الوحدة الثقافية ضمر بالتدريج ولم يبق منه إلا البعد الديني أولا لأن العلومذات الصلة بعلوم الطبيعة وأدواتها وحتى بعلوم التاريخ وأدواتها صارت أثرا بعد عينوثانيا لأن الهنود والفرس والاتراك عادوا بالتدريج إلى لغاتهم لكنهم لم يضيفوا أمرا يذكر بعد انفراط عقد الوحدة اللسانية.فالمبدعات العلمية بغير اللغة العربية في الثقافة الإسلامية لا قبلها ولا بعدها لا يعتد بهاوليس فيها ما يمكن أن يضاهي ما تحقق لما أصبحت العربية لسانا رسمية لكل المبدعينالمسلمين أيا كانت اثنيتهم .لذلك فالكلام عن المؤسسات والكيانات الاجتماعية مداره حول نكوص الابداع والاجتماع. والآن ما المقصود بالمؤسسات والكيانات الاجتماعية التي تعنينا في هذا البحث؟أبو يعربالمرزوقي 91 الأسماء والبيان
في فصل سابق تكلمت على أمر كثيرا ما يقع إغفاله :فعندما قلت إن الإسلام ألغى الوساطةالروحية (الكنسية) والوصاية السياسية (الحكم بالحق الإلهي) وأن ذلك حرر الفرد والجماعة لكنه ترك فراغا كبيرا يحتاج إلى بدائل.ذلك أن الحرية الاولى أو العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه تركت فراغا اجتماعيا لكيانكان يؤدي الكثير من الوظائف التي نسميها اليوم وظائف المجتمع الاهلي مثل التربيةوالصحة والانتاج المعرفي وكل ما يتعلق بالمستوى الثاني من الوجود الاجتماعي أي الاسترماز.وهي مهمة تكفل بها تدريجيا ما نسميه بالأوقاف أعني بنوع من تكفل المجتمع الأهليبتمويله وتنظيمه ورعايته وكان يمكن أن يكون ذك بديلا يحقق وظيفة مؤسسة الوساطةدون أن يكون وسيطا بين المؤمن وربه ما يعني أن ما كان مقصودا من إلغاء الكنسية ليس وظائفها المدنية بل وساطتها الروحية.كما أن الغاء وصاية الحكم بالحق الإلهي لتحقيق الحرية السياسية للفرد والجماعة فيالإسلام (وهو باق في التشيع) كان من المفروض أن يعوضه نظام الانتخاب وسيلة لتحقيقالبديل وهو نظام عسير التحقيق وشديد التدرج حتى في اوروبا الحديثة فنشأ منه مسخ هو البيعة المفروضة بعد تشريع التغلب.وكان من المفروض ان ينتج عن هذين النوعين من البدائل عن الوساطة والوصاية كلالمؤسسات الاجتماعية التابعة للسياسي والتربوي وبين بعدي الحكم نجد المؤسساتالاجتماعية التي لها صلة بالاقتصاد (مثل النقابات المهنية والتجمعات المهنية) وبالرعاية الاجتماعية (مثل الصحة والعوز).ويجمع بين كل هذه الكيانات الاجتماعية البديلة من الوساطة والوصاية ما يوحدها فيعللكونها الوصل الدائم بين السياسي والتربوي مثل الوسائط الحادة من الصدام والاحتكاكبين مكونات المجتمع حتى يكون الوجود الجمعي سلميا ما أمكنت السلمية وأعني وسائل تحقيق ما يسميه ابن خلدون الانس بالعشير.أبو يعربالمرزوقي 92 الأسماء والبيان
وهو نوع من المؤسسات الاجتماعية التي هي ليست سياسة وليست تربوية وليست تضامينةوليست نقابية ولا مهنية لكنها أهم من ذلك كله وتتعلق بمجال عام يشغل فراغات بين كلما سبق وهو علة كل ما سبق وسماه ابن خلدون الانس بالعشير أو الذوق والاخلاق العامة: تنظيم الحياة المشتركة في السراء والضراء.ويمكن اعتبار هذا المجال هو جوهر ما يملأ الفضاء العام والخاص في أي جماعة وهو مايضفي على الحياة مسحة الجمال والجلال وفيه تبرز حقائق أي مجتمع الدفينة لأنه هوغاية كل ما سبق الكلام عليه في الجماعة ومن دونه لا تكون الجماعة بحق جماعة إنسانية. وقد سماه ابن خلدون التنازل للأنس بالعشير.ومن اهم ظاهرات اليوم الالعاب والرياضة والحفلات الجماعية والمظاهرات وكل أشكالالتعبير بما فيها أشكال التعبير الديني والمساجد والمقابر والأعراس والمهرجانات والمعارضإلخ ....وكلها قابلة للتوظيف في الانشطة الاقتصادية والسياسية والتربوية ولكنها مطلوبة لذاتها وهي الاجتماعي المطلق.وكلها ينطبق عليها مفهوم الظاهرة الاجتماعية الكلية لمارسال موس ( Phénomène )social totalلتضمنه كل أبعاد الوجود الإنساني ولتمثيله للإنسان من حيث إنساناجتماعي بالجوهر .وهذه آخره المؤسسات التي أريد أن أفهم ضمورها السابق الدال على ضمور الحياة والإبداع في حضارتنا.ولما كانت كل الظاهرات الاجتماعية موضوع للدرس الاجتماعي فإنها كما أسلفنا شبهلامتناهية فمثلا دراسة الظاهرة السياسية اجتماعيا لو أخذنا كل عنصر من مقومات الدولةالخمسة (المرجعية والقوى السياسية والدستور والهيئة الحاكمة-المعارضة ووظائف الدولة العشرة لصارت شبه لامتناهية.ولكل منها دور في تهاوي الجهاز الاسترمازي الذي تستعمله الجماعة لعلاج علاقتيهاالعمودية والافقية حتى تكون جماعة حامية وراعية لذاتها وهو ما علينا إعادة بنائه فيالسياسة والتربية وما بينهما من الظاهرات التي حاولت حصرها في هذه المحاولة .وكل واحدة منها شبه لامتناهية.أبو يعربالمرزوقي 93 الأسماء والبيان
ولا عجب في الامر فالظاهرات الاجتماعية أشد تعقيدا من بعدي الكيان الإنسانيوتفاعلاتهما أعني من الطبيعي والتاريخي أو من المادي والرمزي في كيان الإنسان فرداوجماعة وخاصة عندما ننظر في الصيرورة والسيرورة التي تجري بها الظاهرات وتفاعلاتها لتحدد الحال الاجتماعية في لحظة ما.فلو أردت دراسة الحوافز والمثيرات التي جعلت شباب الأمة بجنسيه الآن يصبح عاملالتحريك الأول للفاعلية الاجتماعية رغم أن ذلك ليس من عادات مجتمعاتنا التي خمدتفيها جذوة الحياة وأصبحت تسير على دبيب شيوخها وعجائزها لوجدت في ذلك بصيص أمل للاستئناف.ذلك أن الامة في نشأتها الأولى لم يكن محركها الشيوخ بل شباب من الجنسين أحاطوابالرسول وآمنوا بالرسالة فكانوا قيادات حققت معجزات لا يوجد من لا يعجب من تحققهافي امة كانت على هامش التاريخ في ذلك العصر أكثر مما هي الآن .ومن المثير أن قادة الفتح كان بعضهم في سن المثالية (دون العشرين).ولهذه العلة فأول شرط للاستئناف أن يحرم على من تجاوز سن الرسول عند ارتقائهللرفيق الأعلى تحمل أي مسؤولية مباشرة في إدارة شؤون الامة مستقبلا .قد يقبل مستشارالمن يتحمل هذه المسؤولية من الشباب بجنسية من الذين أعادوا للامة أمل الاستئناف فتجاوزوا خرافة التعارض بين الإسلام والحداثة.وسنرى في كلامنا على التربية كيف يمكن أن يصبح بوصع نظام الأمة التعليمي معدا لمنيجمع بين شروط المسؤولية الخمسة :قوة الإرادة وقوة العقل وقوة القدرة وقوة الحياة(الذوق) وقوة الرؤية أعني ما كان يمثله شباب الامة بجنسيه من طاقة مبدعة قادت النشأة الأولى لتقود الاستئناف.وأن يكون كل نوع من النخب غلبت عليها إحدى هذه الصفات بقيادة من كان الأبرز فيتلك الصفة حتى تصبح النخب بأصنافها الخمسة تتحرك بأفضل ما هو ممكن لأن ما ينتظرالأمة وما على شبابها تداركه هو ما تخدل في ذمتها مما يجب تداركه لأنه مركون أربعة عشر قرنا من الاستثناء التاريخي الفاعل.أبو يعربالمرزوقي 94 الأسماء والبيان
وإذا بدأ شبابنا بجنسيه وكأنه فاقد للأفق والانطلاق فلأنه لم يجد مشروعا يلهب فيهالطموح للفاعلية الكونية ولأن نظامه السياسي والتربوي والاجتماعي بينهما وما وراءه منصلة بما يشد وجوده إلى منشوده قد فقد القدرة على الإيحاء الإبداعي والتحريك الخلاق لفرط سوء استعماله بعلوم زائفة.وتلك هي علة البدء بالكلام على فساد علوم الملة التي هي العلة الاولى والأساسية لتعطلكل الفعاليات التي تعالج قضايا العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والافقية بينالانسان والتاريخ مع جعلنا غرباء في الطبيعة البكماء لأننا لم نتعلم لسانها وتابعين في التاريخ الذي كدنا نخرج منه.وكل ما أحاوله من شرح لما حصل حتى نصبح ما أصبحنا هو الجواب عن هذه الأسئلةالمحيرة للشباب بجنسيه والتي شلت حركته فجعلته مترددا بين نوعين من الانتحار باسم فهمرديء للحياة الدنيا (الهجرة بالارتماء في البحر) أو باسم فهم أردأ للآخرة (التحول إلى أدوات لمجرمين شوهوا أسمى قيم الإسلام).أبو يعربالمرزوقي 95 الأسماء والبيان
تيسيرا للكلام في المؤسسات والكيانات الاجتماعية العامة حتى لا أقع في اللامتناهي لتجلياتالاجتماعي وتعثراته التي أفسر به تردي حضارتنا وبلوغها غاية الانحطاط الذي يتمثلتأثيره في عدم كفاية قرنين لتجاوز الكبوة سأختار المقومات الخمسة لنظرية الإنسان أصل كل ما هو اجتماعي كوني.لست غافلا عن كون علم الاجتماع الحديث يهتم بالعيني أكثر من اهتمامه بالكوني وربمابالخصوصي أكثر من اهتمامه بالكلي وبالدراسات الميدانية أكثر من اهتمامه بالمشتركالإنساني لكن همي ليس اجتماعيا بالفهم البراجماتي والمعتمد على الاستطلاعات والإحصائيات بل بعلاج العلاقتين اجتماعيا.وقد أكثرت من الإشارة إلى العلاقتين العمودية بالطبيعة والأفقية بالتاريخ أو بالمؤسساتالاجتماعية التي تعتمد عليها السياسة حكما وتربية للتحقيق التوازنات الممكنة من الوجودالسلمي في مؤسسات يغلب عليها الممارسة العرفية أكثر من المؤسسات الشكلية في العمل والتعامل أو التبادل والتواصل.فالاجتماعي هو الارضية التي يجري فيها السياسي والتربوي في التعامل مع هذين العلاقتينالعمودية والافقية اللتين تمثلان مدار كل ما هو علاقات اجتماعية :فالناس يتبادلون ماينتج عنهما ويتواصلون حول ما يتعلق بهما وبما ينتج عنهم في علاقات التنازع بين البشر في الجماعة أو بين الجماعات.وخياري هو التالي :مقومات الإنسان من حيث هو مستعمر في الارض بقيم الاستخلاف أوبدونها خمسة هي الإرادة وكليها السياسي والخلقي والعلم وكليها الإدراك والمعرفةوالقدرة وكليها الثروة والمنزلة والحياة وكليها الذوق والفنون والوجود وكليه الرؤى الدينية والفلسفية .فلندرس ما حل بهذه الوجوه.ولندرس بالترتيب المعكوس فنبدأ بآخرها ونعود إلى أولها في مستويين كسلوك فرديوكسلوك جمعي وما بين السلوكين من تفاعل ومن تأثر وتأثير في السياسي والتربوي لنفهمأبو يعربالمرزوقي 96 الأسماء والبيان
المعنى الخلدوني لفساد معاني الإنسانية الذي يفسر به ليس انحطاط الأمم فسحب بل وكذلك زوالها البطيء من التاريخ.وهذا لا يتنافى مع الدراسات العينية ودراسة الحالات المونوغرافية والاحصائيةوالاستطلاعية لكني كلامي على الماضي وتطور المؤسسات الاجتماعية ودون أن أنفي إمكانيةذلك من خلال الكثير من الوثائق التي تعد ثقافتنا ثرية فيها كثيرا حتى إن لها معاجم خاصة بها ولها فنون تأليف تشملها.فمؤلفات الطبقات ومعاجم الحرف وخاصة دفاتر شهود العدول تمكن من علم اجتماع تاريخيمفيد .لكن ذلك كله ليس مطلوبي بل كما فعلت في كلامي على السياسة سأكتفي باستخراجبنية عامة تشرح كيف الذبول المتدرج للمؤسسات والكيانات الاجتماعية التي كان لها التأثير في الخمول العام للإبداع الحضاري.فوصف الظاهرات الاجتماعية وتشخيص أحوالها ليس مرتبطا بالمباشر والحي منها بل يمكنأيضا وصف ماضيها وتشخيصه من خلال الوثائق التي رصدت مجراها لما كانت في شبه بثحي إما في كلام أصحابها عليها أو في آثارها التي كانت مدار جدالهم وخاصة صراعاتهم الفئوية والطبقية والطائفية إلخ...وفي هذا المضمار اعتبر دراسة الذهنيات وتحولاتها البطيئة من حيث التراكم الكميوالفجئية من حيث الطفرات الكيفية جزءا لا يتجزأ مما يمكن تسميته علم الاجتماعالتاريخي حتى لا يقتصر على الاجتماع على دراسة ما يعاصره الباحث من احداث اجتماعية حية خلال مجراها وليس بعده أو حتى قبله.نعم \"أو حتى قبله\" ذلك أن توقع مآل المسارات الاجتماعية بالإسقاط على التطور المتوقعيمكن اعتباره علم اجتماع الاحداث المقبلة بوصفها مآلات الأحداث الحالية إذ لا فرق بيناعتبار المآلات الحالية حصيلة لحالات ماضية كان توقعها ومقارنة هذا التوقع بما صار حاصلا واعتبار المقبل افقا لحصوله.وهذه مقدمة للبدء في دراسة الرؤى الدينية والفلسفية بوصفهما ظاهرتين اجتماعيتينتحددان آفاق الصيرورة الاجتماعية والحضارية لكل جماعة أو هي الإطار التصوريأبو يعربالمرزوقي 97 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134