Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore التراث، معرفته وتحديد دوره التاريخي - القسم الثاني - الفصل الرابع - أبو يعرب المرزوقي

التراث، معرفته وتحديد دوره التاريخي - القسم الثاني - الفصل الرابع - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-06-21 05:19:18

Description: وقبل أن أصل إلى انتخاب أمثلة من الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي، لا بد من الكلام في هبل الثاني في فكر من يسمون بالعقلانيين، قديمهم وحديثهم.
في القسم الأول، قدمت بحثا قديما كتبته في "الواقع" الذي هو وثن الحداثيين والتأصيليين من النخبة العربية.
وأمر الآن إلى وثنهم الثاني "العقل".
وسأبدأ بمفهومه القرآني الذي هو أسمى تصور للعقل عرفته البشرية. لأنه يجمع بين دلالتي الفهم بمعنى ملكة الفهم المعرفية، وملكة التقويم الخلقية.

Search

Read the Text Version

‫القسم الثاني‪ /‬الفصل الرابع‬





‫وقبل أن أصل إلى انتخاب أمثلة من الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي‪ ،‬لا بد من‬ ‫الكلام في هبل الثاني في فكر من يسمون بالعقلانيين‪ ،‬قديمهم وحديثهم‪.‬‬‫في القسم الأول‪ ،‬قدمت بحثا قديما كتبته في \"الواقع\" الذي هو وثن الحداثيين‬ ‫والتأصيليين من النخبة العربية‪.‬‬ ‫وأمر الآن إلى وثنهم الثاني \"العقل\"‪.‬‬‫وسأبدأ بمفهومه القرآني الذي هو أسمى تصور للعقل عرفته البشرية‪ .‬لأنه يجمع بين‬ ‫دلالتي الفهم بمعنى ملكة الفهم المعرفية‪ ،‬وملكة التقويم الخلقية‪.‬‬‫لست صاحب هذا الفهم‪ .‬فالمحاسبي بين ذلك أفضل مني‪ .‬وابن خلدون عمق المعنى‪،‬‬ ‫فأضاف وسطا بينهما‪ :‬فبين التمييزي والتجريبي‪ ،‬أو الخلقي وضع النظري‪.‬‬‫ولتيسير نظرية ابن خلدون‪ ،‬فالتمييزي للتصور والنظري للتصديق بلغة أرسطو‬ ‫المنطقية‪ .‬أي الأول للباب الثاني‪ ،‬والثاني للباب الأول من التحليلات الأواخر‪.‬‬‫أما التجريبي في وصف ابن خلدون‪ ،‬فيعني ما نعنيه الآن بالعقل العملي الذي ينتج عن‬ ‫التجربة في الجماعة‪ ،‬لاستبطان أخلاقها الموضوعية تصورا وسلوكا‪.‬‬‫والنظري في الفكر القديم والوسيط‪ ،‬فهو ذو الوسط الواصل بين تال ومقدم‪ .‬أو هو‬ ‫المعرفة غير المباشرة لاعتمادها على علاقة منطقية بين مقدمة ونتيجة‪.‬‬‫ويقابلونه عادة بالضروري أو المعرفة المباشرة التي تتعلق بمدارك التصورات البسيطة‪،‬‬ ‫والتي منها يتركب النظري بحد أوسط بين حدين معرفة غير مباشرة‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫هذه التعريفات ضرورية لفهم الاخطاء السائدة في تصور العقل وقدراته المعرفية المبالغ‬ ‫فيها‪ ،‬للظن بأن \"الواقع\" ينعكس عليه انعكاس الصور على المرآة‪.‬‬‫فحتى أرسطو‪ ،‬وهو من هو‪ ،‬كان يعتقد أن العلم يحصل بهذا الانعكاس الذي لا يشوبه‬ ‫إلا عدم التدقيق الاصطلاحي للحدود وعدم السلامة المنطقية للاستنباط‪.‬‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬فهو لا ينكر الأمرين اللذين كان ينبغي أن يحدا من هذين الوهمين‪:‬‬ ‫‪ -‬الأول أن اثباته لما يسمى مبادئ العقل كان جدليا في الميتافيزيقا‪.‬‬‫‪ -‬والثاني هو الظن بأن الحاجة إلى قطع التسلسل وإيقاف الدور في المبادئ الاولية‬ ‫للمعرفة‪ ،‬حجة كافية للتسليم بأن سدها يتجاوز فرضية الانطلاق العملية‪.‬‬‫فلا شيء يثبت أن ما يثبت جدليا وما يسلم لحاجة الانطلاق في الاستدلال‪ ،‬كافيان لجعله‬ ‫من الحقائق الضرورية وليس من الفرضيات العلمية لكل صناعة‪.‬‬‫ومجرد فهم ذلك‪ ،‬يجعل هذه المسلمات التي صارت تعد حقائق مطلقة ليست إ ّلا أدوات‬ ‫عمل تتغير بحسب العمل والغاية منه‪ ،‬ومستوى تعقده وطابعه غير المباشر‪.‬‬‫والتصريح بهذه الحقيقة العميقة‪ ،‬هي التي حببتني في ابن تيمية‪ :‬فهو أول من نفى‬ ‫إطلاق مقدمات المعرفة وبيّن أنها إضافية مرتين‪ :‬للمخاطب وللغاية‪.‬‬‫ومعنى ذلك‪ ،‬أنه يعتبر تأسيس المعرفة الإنسانية لا يتجاوز التأسيس الجدلي‬ ‫البراجماتي‪ ،‬ولا يحتاج لما يظن حقائق أولية لا جدال في حقيقتها المطلقة‪.‬‬‫بعبارة أوجز‪ ،‬يعتبر ابن تيمية ما يسمى بالأوليات أو بالمعرفة الضرورية الغنية عن‬ ‫الدليل‪ ،‬فرضيات إضافية للمخاطب بها وللغاية المعرفية منها لا غير‪.‬‬‫وحجته لا تقبل الدحض‪ :‬فهو يرى أن كل تصور قابل للتجويد بلا حد‪ ،‬وأن كل نتيجة‬ ‫علمية تقتضي وجود مقدمة كلية‪ .‬ولا كلية في اي علم ذي موضوع وجودي‪.‬‬ ‫فالكليات العلمية عنده مقصورة على نوعين من المعرفة‪:‬‬‫‪ -‬الأولى هي معرفة المقدرات الذهنية وهي ليست علما لموضوع موجود بل مصفوفة رمزية‬ ‫خاوية‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -‬والثانية هو الكليات الاعتقادية في الأديان وهي إيمانية لا علمية وهي أحكام تشريعية‬ ‫تتعلق بالمنشود وليست حقائق للموجود‪.‬‬‫وهذه المصفوفة الرمزية الخاوية‪-‬رياضية ومنطقية‪-‬تصبح علما لموضوع معين عندما تملأ‬ ‫خاناتها الخاوية بمضمون معين مستعد من التجربة وهي إحصائية‪.‬‬‫ذلك أن أي موضوع موجود في الأعيان‪ ،‬لا متناهي الصفات والتنوع‪ .‬ولا يمكن لأي‬ ‫استقراء أن يكون تاما في الوجود الفعلي‪ .‬بل يقتصر على المقدرات الذهنية‪.‬‬‫وإذن‪ ،‬فالمباشر من المعرفة لا متناه على الأقل كإمكان عقلي‪ ،‬لأن التصور قابل للتجويد‬ ‫اللامتناهي وغير المباشر بملء المصفوفة الذهنية استقراء ناقص‪.‬‬‫لذلك فإني اعترف بأني لا ارى سبيلا ممكنة لوصف الحداثيين العرب فلاسفة الإسلام‬ ‫التقليديين والمتكلمين عامة‪ ،‬والمعتزلة خاصة‪ ،‬بكونهم عقلانيين‪.‬‬‫وإذا كنت أنفي عقلانية الفلاسفة والمتكلمين التي يدعيها لهم التحديثيون العرب‪ ،‬فمن‬ ‫باب أولى أن أنفي كلام التأصيليين على المعلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬‫لن أجادل تأصيليا يقول لي إني أومن بأن المعتقد كذا أو كذا ضروريا في منظومتي‬ ‫المرجعية‪ ،‬بمعنى أني لا أستطيع التسليم بما يبنى عليه من دونه‪.‬‬‫لكني لا أفهم \"المعلوم من الديني بالضرورة\"‪ ،‬فهو بهذا يتسلم مفهوم العقل الفلسفي‬ ‫والكلامي القائل بما بينا أنه ليس ضروريا‪ ،‬بل حاجيا في معرفة ساذجة‪.‬‬‫واسمي معرفة ساذجة كل معرفة تتصور الوجود شفافا والعقل نفاذا لحقيقته‪ ،‬بصورة‬ ‫تجعله مرآة تنعكس عليها الحقائق ناصعة كما تصورها خالقها أو طبيعتها‪.‬‬‫المعرفة \"العقلية\" نسبية جدا‪ .‬وهي أداة عملية تطبق مقدرات ذهنية صيغت في بنية‬ ‫رمزية بخانات خاوية نملؤها عند التطبيق بتصورات نسبية لموضوع معين‪.‬‬‫فتطبيق الرياضيات في الفيزياء أوفي الاقتصاد‪ ،‬يكون بملء خانات منظومة المقدرات‬ ‫الذهنية التي تمثلها حروف بينها وصلات منطقية بقيم الموضوع العيني‪.‬‬‫ولما كانت القيم التي تعبر عن الموضوع المدروس تجريبية أو فرضية‪ ،‬وبها تشحن خانات‬ ‫البنية الرمزية التي هي مقدرات ذهنية‪ ،‬فإن العلم احصائي دائما‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫وذلك دليل قاطع على أن العقل العلمي واع بحدوده ولا يدعي العلم المطلق الذي‬ ‫يتطابق فيه ما في الأذهان من تقديرات مع ما في الأعيان من موجودات‪.‬‬‫بوسعي الآن أن أتكلم على ما وصفته بالعلوم الزائفة‪ ،‬أعني كل ما بني على \"وثن\" العقل‬ ‫في علم الكلام والفلسفة(النظر) وعلى الفقه والتصوف (العمل)‪.‬‬‫فهذه \"العلوم\" بنيت على تصور غفل للمعرفة العلمية‪ ،‬أساسها القول بنظرية المعرفة‬ ‫المطابقة التي تعتبر العقل مرآة عاكسة \"للواقع\" الشفاف لنفاذه‪.‬‬‫والدين بريء من هذا الوهم‪ .‬لأنه يعتبر كل موجود فيه وجه شاهد ووجه غيبي‪ .‬ومن‬ ‫ثمّ‪ ،‬فحقيقة الوجود في الأعيان لا يمكن أن ترد إلى تصورها في الأذهان‪.‬‬‫وهذا التصور الديني للمعرفة‪ ،‬متقدم جدا على أوهام المتكلمين والفلاسفة والفقهاء‬ ‫والمتصوفة‪ .‬وهوما يقول به ثالوث المدرسة النقدية المذكور في بحوثي‪.‬‬‫فالغزالي وابن تيمية وابن خلدون ثلاثتهم ينفي أن يرد الوجود إلى الإدراك حتى وإن‬ ‫بقي عندهم وهم إدراك ذوقي يتجاوز المعرفي كما في وجدان الزهاد‪.‬‬‫وإذا كان الغزالي قد لجأ اليه ظنا أنه يشفي غليله المعرفي‪ ،‬فإن ابن خلدون نفى كل‬ ‫إمكانية لقول ما يدركه الوجدان‪ .‬وإذن فهو لا يمكن أن يكون معرفيا‪.‬‬‫وابن تيمية متردد في ذلك‪ .‬فإذا أبقى على القول بلا تناهي تجويد التصور وامتناع‬ ‫المعرفة الكلية للموجود الفعلي‪ ،‬فإنه لا يمكن أن يغامر كالغزالي‪.‬‬‫ولعله يقصر هذا الذوق المتجاوز للعقلي على الأنبياء الذين يتلقون الوحي‪ .‬ومثله ابن‬ ‫خلدون الذي استثني الأنبياء من عدم القدرة على قول الوجداني‪.‬‬‫وبهذا المعنى‪ ،‬فالكلام على عقلانية المعتزلة وابن رشد غايتين لعقلانية كاريكاتور‬ ‫التحديث لدى النخب العربية من مهازل الأمية الفلسفية المسيطرة‪.‬‬‫لذلك‪ ،‬فنقدة التراث كلهم من هذا الرهط أو من الكاريكاتور الثاني الذي استبطن‬ ‫أوهام الحداثيين في ردوده عليهم‪ ،‬ردودا سندها الفلسفي من نفس الجنس‪.‬‬‫وأختم الفصل بالكلام على أصل هذه العلوم الزائفة‪ ،‬لكونه يظن علما بمرجعياته‪ .‬اي‬‫القرآن والسنة‪ :‬أعني التفسير‪ .‬فالتفسير كله مبني على هذه الأوهام‪ ،‬وخاصة التفاسير‬ ‫‪54‬‬

‫التي تدعي العقلانية‪ ،‬أعني الاعتزالية وحتى الأشعرية المتأخرة (ورمزها الرازي)‪ .‬هي‬ ‫تفاسير مبينة على نظرية المعرفة الساذجة كما وصفت‪.‬‬‫وقد يعجب الكثير لو قلت إن هذه التفاسير المزعومة عقلانية دون التفسير بالأثر‬ ‫وبالحديث‪ .‬لأن هذه على الأقل متواضعة ولا تدعي يتجاوز الفهم النصي‪.‬‬‫والفهم النصي مع التاريخ‪ ،‬هما التعليم السوي للعقائد الإيمانية دون زعم تجربة علمية‬ ‫تنفي شرط الإيمان والتجربة الروحية بعقلانية ضميرها نفي الغيب‪.‬‬ ‫‪55‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬