Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore إشكالية فاعلية العلوم الإجتماعية- والحل الظاهراتي - محمد عبد النور

إشكالية فاعلية العلوم الإجتماعية- والحل الظاهراتي - محمد عبد النور

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-01-30 13:13:22

Description: في زمن بلغت فيه العلوم الاجتماعية كونيا مبلغا يكشف عن مآلاتها النظرية التي ستحدد مصير الإنسان المعاصر ومستقبله، ما تزال ترواح في مجالنا الحضاري مرحلة الشك في فاعليتها وأهميتها بما يجعلنا نعاود مساءلة أسس العلم الاجتماعي لذاته لعلنا نكتشف في خضم هذا الانسداد الحاصل منافذ تكون ليس فقط لعلاج أزمته الوجودية في عالمنا لكنها أيضا تصطحب معها الإشكال الكوني للعلوم الاجتماعية لعلها تسهم بعطاءات في الخروج من الانسدادات الحاصلة داخلها.
هذا ما سنحاوله في هذه الورقة البحثية التي تتكون من مدخلين لعلاج الإشكال:
• الأول نظري متعلق بسؤال النفعية والدافعية والفاعلية .
• والثاني تاريخي مرتبط بلحظة المنعرج الظاهراتي الذي أعاد للعلوم الاجتماعية أصالتها الابستيمولوجية انطلاقا من الثورة الرومانسية في الأدب وتسرّب القضية التأملية إلى العلوم الاجتماعية.

Search

Read the Text Version

‫الأسماء والبيان‬

‫إشكالية فعالية العلوم الاجتماعية‬ ‫والحل الظاهراتي‬‫الأسماء والبيان‬ ‫‪2017-01-24/1438-04-25‬‬

‫المحتويات‬‫‪1‬‬‫‪1‬‬‫‪3‬‬‫‪3‬‬‫‪4‬‬‫‪6‬‬

‫ويستتبع فقدان معاني الموجودات فقدان قيمة ‪30‬‬ ‫في زمن بلغت فيه العلوم الاجتماعية كونيا‬ ‫الاشتغال على تلك الموجودات‪.‬‬ ‫مبلغا يكشف عن مآلاتها النظرية التي ستحدد‬ ‫مصير الإنسان المعاصر ومستقبله‪ ،‬ما تزال‬ ‫على أن مجرد فقد معنى الشيء يوجب‬ ‫ترواح في مجالنا الحضاري مرحلة الشك في ‪5‬‬ ‫إحالته إلى العدم‪ ،‬إذ المفارقة أن ينعدم معنى‬ ‫فاعليتها وأهميتها بما يجعلنا نعاود مساءلة‬ ‫الشيء ويبقى الشيء موجودا‪ ،‬وحصول هذه‬ ‫أسس العلم الاجتماعي لذاته لعلنا نكتشف في‬‫المفارقة تدل على أمرين‪35 :‬‬ ‫خضم هذا الانسداد الحاصل منافذ تكون ليس‬ ‫فقط لعلاج أزمته الوجودية في عالمنا لكنها‬ ‫أ‪ .‬إما أن معنى الشيء مفقود وتسعى‬ ‫أيضا تصطحب معها الإشكال الكوني للعلوم ‪10‬‬ ‫قوة خارجية إلى تقريره بالقهر الذي‬ ‫الاجتماعية لعلها تسهم بعطاءات في الخروج‬ ‫تحوزه‬ ‫من الانسدادات الحاصلة داخلها‪.‬‬ ‫هذا ما سنحاوله في هذه الورقة البحثية‬ ‫ب‪ .‬وإما أن المعنى متحسس لكن شكله‬‫غائب عن الوعي‪40 .‬‬ ‫التي تتكون من مدخلين لعلاج الإشكال‪:‬‬ ‫فالأول يشير إلى أن المعنى إلى زوال مهما بدى‬ ‫‪ ‬الأول نظري متعلق بسؤال النفعية ‪15‬‬ ‫أن القوة الخارجية ناجحة في ترسيخ المعنى‬ ‫والدافعية والفاعلية ‪.‬‬ ‫الزائل‪ ،‬والثاني إلى ظهور وانبجاس مهما كان‬ ‫‪ ‬والثاني تاريخي مرتبط بلحظة المنعرج‬ ‫الشعور به غامضا‪.‬‬ ‫الظاهراتي الذي أعاد للعلوم الاجتماعية‬ ‫أصالتها الابستيمولوجية انطلاقا من‬‫من هنا نأتي بالعلوم الاجتماعية لنسائل ‪45‬‬ ‫الثورة الرومانسية في الأدب وتسرّب ‪20‬‬ ‫مكانتها ضمن إطار المعنى وشرعية الوجود التي‬ ‫القضية التأملية إلى العلوم الاجتماعية‪.‬‬ ‫ترتبط بالمنفعة التي تقدّمها تلك العلوم‪ ،‬وهل‬ ‫أن الأمر متعلّق بمجرد الشعور بانعدام المعنى‬ ‫من طبيعة الإنسان أنه يبحث عن الأثر‬ ‫أم بانعدام حقيقي للمعنى؟‬ ‫المباشر للأشياء التي يصادفها في الوجود‪ ،‬أي ‪25‬‬‫الفرضية التي نفترضها هنا هي أن المعنى ‪50‬‬ ‫المنفعة التي تتحقق منها‪ ،‬ذلك أن المنفعة الآنية‬ ‫هو ملك الإنسان‪ ،‬إن شاء أعطاه للشيء وإن‬ ‫المباشرة هي \"مصدر شرعية\" الأشياء في‬ ‫شاء منعه‪ ،‬وأن الأشياء في أصلها محايدة‪ ،‬وأن‬ ‫الوجود‪ ،‬ومن ثم فإن غياب \"الشعور\" بالمنفعة‬ ‫الإنسان يقرّ من حيث المبدأ بوجود معنى أولي‬ ‫المباشرة يجعل من الأشياء فاقدة للمعنى‪،‬‬ ‫غامض في الوجود كله {ر ّبنا ما خلقت هذا‬‫باطلا سبحانك} آل عمران ‪ ،191‬وأن بين ‪55‬‬

‫ومن ثم فإن الإجابة المبدئية عن مشكلة‬ ‫التسليم البدئي‪ 1‬بوجود المعنى في كل شيء في‬ ‫فقدان الشعور بأهمية العلوم الاجتماعية يعود‬ ‫الوجود وبين إدراك المعنى المحدد للموجودات‬ ‫إلى التفاصل بين الوجودي والسببي‪ ،‬أعني‬ ‫عملية بحث تنتهي في النهاية بلحظة \"خفقان‬ ‫غلبة الهم السببي على الهم الوجودي الذي‬ ‫القلب\" الذي يذكي الحماس والإقبال على‬‫يضفي المعنى كل مرّة على الدراسات والبحوث ‪20‬‬ ‫استهلاك المعنى الذي يتخفى بين ط ّيات الشيء ‪5‬‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬فالقليل من الباحثين ممن‬ ‫الموجود بوصفه اتصالا بحقيقة غامضة كانت‬ ‫ينطلقون في بحوثهم من حماس داخلي فيهم‪،‬‬ ‫في لاشعور الإنسان‪ ،‬على أن لحظة الخفقان‬ ‫نابع من خفقان قلب اتجاه حقيقة إنسانية ما‪،‬‬ ‫تشير فقط إلى اكتشاف المعنى الوجودي للشيء‬ ‫والقلة القليلة من هؤلاء أيضا من يحافظ خلال‬‫بحثه ليس على روح الخفقان بل على أسبابه ‪25‬‬ ‫وليس إلى اكتشاف تفاصيله السببية‪.‬‬ ‫التي تضمن استمرار الخفقان‪ ،‬لأن الخفقان‬ ‫ببساطة هو أصل الإبداع والاتصال وهو ناتج‬ ‫بل إن اكتشاف التفاصيل السببية لا يكون إلا ‪10‬‬ ‫بالضرورة عن لحظة تأمّل تصل المتأمل بما‬ ‫بدافع وجودي‪ ،‬من مستوى إلى آخر وهكذا في‬ ‫يسميه هيغل بالمدد القيامي الذي منه يستمد‬ ‫سيرورة تبادلية ضرورية (جدلية) بين‬ ‫الوجودي العاطفي والسببي العقلاني‪ ،‬فكان‬ ‫لابدّ من الاحتفاظ بالدافع الوجودي كل مرة‬ ‫للإيغال أكثر في تذوّق {ما خلقت هذا باطلا}‪15 .‬‬‫متعذر لكونه جمعا بين معاني كثيرة في لحظة واحدة‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫‪ 1‬فهو تسليم قائم على تفكير كلي‪ ،‬أي استحضار جميع المعاني التي‬ ‫يمكن أن تلقي بها الموجودات في ذهن الإنسان وشعوره‪ ،‬والانتهاء‬‫يشير إلى الاختزال الذي يحصل لتلك المعاني في معنى واحد بوصفه‬ ‫إلى حالة من التيه والحيرة ثم في النهاية التسليم بأن لكل ش يء‬ ‫معنى‪ ،‬والمعنى هنا ضديد الباطل الذي هو العبث واللامعنى‪،‬‬ ‫القاسما المشترك بينها‪.‬‬ ‫وتشكل المعنى يحصل في لحظة الذروة من لحظات تفاعل الوعي‬ ‫بالعالم الخارجي‪ ،‬لحظة تملأ الوجدان بشعور من الرض ى‬‫‪ -‬وهنا نقترح أن تكون الأولى تسم مجال المحاضرات العامة إذ‬ ‫والسعادة وكأنها لحظة وصول المسافر إلى بلده الأصلي‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫أن الإنسان يبحث هي معاني كان يتحسسها من قبل وكأنها مألوفة‬‫وعوضا عن اعتماد الإلقاء والتلقين التعريفي بالمفاهيم‬ ‫لديه وتلك هي الفطرة التي هي الوطن الوجداني الأول للإنسان‪،‬‬ ‫وهو نفس التحسس الذي كان لدى إبراهيم عليه السلام‪{ :‬قال‬‫والاصطلاحات والمدلولات يمكن أن يحصل تبني أهم النصوص‬ ‫ياقوم إني بريء مما تشركون} الأنعام ‪ 78‬فهو قد س ّلم بوجود إله‬ ‫يفارق الآلهة الموجودة حتى قبل أن يتوصل إلى حقيقته‪ ،‬لكنه جعل‬‫حالة تواصل‬ ‫الوهذويماسييتحع ّدلمث‬ ‫عن طريق الشرح‬ ‫موابلاأعشمراةلبيوتندالرمنس َتيهاج‬ ‫معيارا لذلك هو عدم الأفول‪ ،‬ولعل ذلك ما تشير إليه آية الميثاق‬‫المنهج في حد‬ ‫العلمي والطالب‬ ‫{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على‬‫ذاته‪ ،‬بينما الأعمال الموجهة أيضا من المفيد أن تكون سعيا لمحاكاة‬ ‫أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} الأعراف ‪ ،172‬فهي‬‫النصوص المهمة في الوحدات والمقاييس المد ّرسة وإنشاء بحوث‬ ‫تتحدث عن كائن عاقل ما يزال في ظهر الأب وكأنها إشارة إلى أن‬‫تشاركية تحوم حول المعاني والأفكار التي ترد في النصوص ومن ثم‬ ‫حياة الإنسان تمتد إلى ما قبل نفخ الحياة فيه‪ ،‬أما معنى‬ ‫استحضار جميع المعاني في لحظة واحدة فهو من حيث المبدأ‬‫التعرف ولو عن غير وعي على المنهج المعتمد في إنجاز النصوص من‬‫قبل أهم الرواد الذين ق ّدموا أعمال في مجال الوحدات والمقاييس‪،‬‬‫وذلك كله تد ّربا من طرف الأستاذ وتدريبا للطلبة على بلوغ مرحلة‬‫من الابداع يصبح فيها الأستاذ والطالب مبدعان للنصوص وتلك‬‫الفاعلية القصوى المطلوبة في التدريس الأكاديمي‪ ،‬وطبعا لا يعني‬‫ذلك تخطئة التقنيات القياسية بقدر ما يعني الحاجة إلى مناهج‬ ‫ومفاهيم تكفل التعمق أكثر في الأبحاث الاجتماعية‪.‬‬

‫هوسرل عن الاختزال الظواهري والإبوخي‪ ،‬أو ‪30‬‬ ‫إشعاع الحقائق الجديدة في كل مرة ومنه‬ ‫فيبر عن الإمكانية الموضوعية والحياد‬ ‫ُيتَنَ َسّم الإبداع‪.‬‬ ‫النسقي‪ ،‬فهذه آليات إجرائية تتم في خضمّ‬ ‫المسار البحثي بشكل عفوي فهي غير متكلّفة‬ ‫فما المدد القيامي؟‬ ‫ذلك أنها ستحضر في الذهن بشكل طبيعي‬ ‫قبل الدخول في تفاصيل الإجابة لابد من ‪5‬‬‫عندما يتحلى الباحث بالروح العلمية في ‪35‬‬ ‫الإشارة إلى أن الحلول التي يتخذها‬ ‫بحوثه‪ ،‬فهي في العمق ليست إلا تعبيرا عن‬ ‫المتخصصون حيال هذا الشعور بعدم جدوى‬ ‫ضمير علمي‪ ،‬ومن ثم كان التفصيل الممل في‬ ‫العلوم الاجتماعية‪ ،‬هي حلول هروبية لا تحاول‬ ‫كيفية استعمال تلك الاجراءات مج ّرد نزعة‬ ‫فك اللغز الذي تق ّدم تحليله هنا‪ ،‬فهم إما‬ ‫تدخّلية غير مب َّررة‪ ،‬والضرورة البيداغوجية‬ ‫يتحلّون بصفة الخبراء الذين يكونون في خدمة ‪10‬‬‫التعليمية يجب أن تعتني إما بعرض المنجزات ‪40‬‬ ‫الأمة بفضل خبرتهم البحثية التراكمية لا‬ ‫البحثية النوعية وشرحها‪ ،‬أو أن تعمل على‬ ‫بصفتهم الاستكشافية أو الإبداعية‪ ،‬أو بصفة‬ ‫إنجاز أبحاث تشاركية فيها يحصل التلاقح‬ ‫الأكاديمي المنكب على بحوثه المكتبية في نشر‬ ‫والانقداح ‪.‬‬ ‫رسالة العلوم الاجتماعية وكأنها رسالة قد تم‬‫‪45‬‬ ‫إنجازها مق ّدما‪ ،‬وطبعا لا نعني هنا القدح في ‪15‬‬ ‫الطموح الذي هو مشروع ولكن لابد من تخليصه‬ ‫في غمرة انتصار العلم الكلاسيكي على‬ ‫من متعلقاته‪ ،‬فالخبرة الحقيقية هي خبرة‬ ‫الفلسفة المدرسية والانزياح الذي عرفته‬ ‫استكشاف ناتجة عن لحظات الخفقان‬ ‫المجتمعات الأوروبية من الدين إلى العلم الذي‬ ‫المستمرة‪ ،‬وكذا أن الرسالة الفعلية للعلوم‬‫كان صنوا للحياة المدنية الحرة والعقلانية‪ ،‬وفي ‪50‬‬ ‫زمن ارتفعت فيه مقولة \"فك السحر عن العالم\"‬ ‫الاجتماعية هي رسالة منهج استكشافي بعيد ‪20‬‬ ‫وأن العالم كله يسير من خلال قوانين يدركها‬ ‫عن مجرد توظيف لأدوات ب ّرانية عن ذات‬ ‫العقل‪ ،‬ظهرت الحركة الرومانسية في الأدب‬ ‫الباحث‪ ،‬أعني تقنيات مع ّدة سلفا‪ ،‬بينما الأمر‬ ‫باعتبارها ثورة موجهة في الأصل إلى التخلص‬ ‫متعلّق بإجراءات ذهنية يلتزمها الباحث وتتجلى‬‫من سيطرت الآداب اليونانية والرومانية‪55 ،‬‬ ‫في ثمرات بحوثه النهائية‪ ،‬فلا يكون البحث‬ ‫جاءت نتيجة الاستقلال اللغوي والأدبي للشعوب‬ ‫الأوروبية بفعل ظهور نمط الدولة القومية‪،‬‬ ‫مج ّرد ادّعاء باستعمال تقنيات معدّة سلفا‪25 .‬‬ ‫وثورة في الوقت ذاته على القيود المتوارثة في‬ ‫وطبعا حتى الإجراءات الذهنية هي حقائق‬ ‫مجال الآداب والفنون ومحاولة التمرّد عليها‪.‬‬ ‫ممكنة التحديد والتنفيذ وقد تحتاج إلى تدريب‬ ‫عليها‪ ،‬من قبيل المفاهيم التي صاغها دلثاي‬ ‫مثلا حول التجربة المعيشة ورؤية العالم‪ ،‬أو‬

‫‪ ‬الاهتمام بالآداب الشعبية والطابع المحلي‬ ‫إذ وبالقدر الذي توجّه فيه العلم إلى صياغة‬ ‫في الأعمال القصصية والمسرحية‪.‬‬ ‫قوانين كونية عن الوجود يسندها المنطق والعقل‬ ‫الإنسانيين نَحَتْ الرومانسية إلى نوع من‬ ‫لقد ُق ّدر لهذا الاتجاه الأدبي أن يؤثر في أكبر‬ ‫الانطباعية والانسجام مع الذات الفردية للفنان‬ ‫فيلسوف في العصر الحديث هيغل صاحب أهم‬ ‫والأديب دون قيود سعيا منها لإطلاق العبقرية ‪5‬‬‫كتابين مهمين ج ّدا‪\" ،‬ظاهريات الروح\" ‪35‬‬ ‫البشرية على سجيتها‪ ،‬يقول الرسام كاسبر‬ ‫و\"المنطق\"‪ ،‬ولنا أن نتصور أن يتأثر فيلسوف ذو‬ ‫ديفيد‪\" :‬إن مشاعر الفنان هي قوانينه‬ ‫عقل جبار ليس بمجرد نزعة أدبية بل باتجاه‬ ‫الخاصة\"‪ ،‬فجاءت الرومانسية نقيضا للآداب‬ ‫أدبي ثائر عن القيود والحدود‪ ،‬كيف يمكن أن‬ ‫والفنون الكلاسيكية‪ ،‬ولتُش ِّيد أدبا وفنا يقوم‬ ‫يتفاعل مفكر سليل العقل الديكارتي والكانطي‬ ‫أساسا على التعبير عن الوجدان الإنساني وما ‪10‬‬‫مع تيار أدبي مغرق في الذاتية‪ ،‬وقبل ذلك أن ‪40‬‬ ‫يحمله من المشاعر والعواطف وحتى التمرد‬ ‫يكون حاملا للأهلية اللاهوتية من معهد‬ ‫توبنغن الديني لتخريج القساوسة‪ ،‬بعد تكوين‬ ‫والفرار من الواقع‪.‬‬ ‫دام خمس سنوات في المعهد على يد أفضل‬ ‫الأساتذة في تخصصهم‪ ،‬وقد صادق خلال‬ ‫فاتسمت الرومانسية بجملة من الخصائص‬‫تكونه في المعهد الديني الشاعر الرومانسي ‪45‬‬ ‫المشتركة تمثلت في‪:‬‬ ‫\"هولدرلين\"‪.‬‬ ‫‪ ‬الذاتية‪:‬العواطف والتحليق في رحاب ‪15‬‬ ‫لو بدأنا بكتاب المنطق فإن هيغل أنجز ثورة‬ ‫الخيال والصور والأحلام‪.‬‬ ‫في المنطق السائد منذ عهد أرسطو‪ ،‬وهذه‬ ‫الثورة تتمثل في إضافة البعد التأمّلي الذي‬ ‫‪ ‬التلقائية والعفوية دونما تأنق في‬‫يحرر المنطق التقليدي من الجمود ويجعله لأول ‪50‬‬ ‫الأسلوب‪.‬‬ ‫مرّة منطقا متح ّركا‪ ،‬ويحيل الفكر كلّه إلى فكر‬ ‫‪ ‬الثورية والتعلق بالمطلق واللامحدود‪،‬‬ ‫حركي‬ ‫‪ ‬قدسية الحرية الفردية ‪20‬‬ ‫فما معنى القضية التأملية؟‬ ‫‪ ‬الرجوع إلى الطبيعة حيث الصفاء‬‫معلوم أن التأ ّمل بوصفه حالة وجدانية ‪55‬‬ ‫والفطرة السليمة‪،‬‬ ‫يتفاعل فيها القلب مع العقل‪ ،‬وأهم ما فيه هو‬ ‫أنه يربط بشكل مباشر بين الظرف الآني التي‬ ‫‪ ‬فصل الأدب والفن عن الأخلاق أي عن‬ ‫هي لحظة التأمل وبين المطلق الذي يتجسد في‬ ‫قيم عامة مشتركة والقيمة الوحيدة هي‬ ‫الكفاءة في الخبرة والتقنية‪25 ،‬‬ ‫‪ ‬الابداع والخروج عن المألوف بإظهار‬ ‫الأسرار الخفية في الحياة عكس نظرية‬ ‫المحاكاة الأرسطية‪،‬‬ ‫‪ ‬العناية بالمسرح والفنون التي تسهم في‬ ‫إطلاق الخيال المثير وجيشان العاطفة‪30 ،‬‬

‫مُد َركة ولا يمكن التعرف إليها إلا بفضل ‪30‬‬ ‫العقل والوجود والذات الإلهية مع اعتبار‬ ‫ثمارها‪ ،‬فليس لها مؤشرات لأنها حالة داخلية‬ ‫الفوارق بينها‪.‬‬ ‫تحصل في الوعي‪ ،‬وفي هذا استدراك صريح‬ ‫على الاعتقاد السائد بأن الحقيقة إنما تقتصر‬ ‫فالتأ ّمل في النهاية هو انصهار للكينونة‬ ‫على البعد المادي فقط‪ ،‬وذلك المعنى الجوهري‬ ‫الذاتية في الوجود بحيث تتهاوى كل الحدود بين‬ ‫الذات والوجود‪ ،‬فالانغماس في التأمل يزيل ‪5‬‬‫للمثالية‪ ،‬بل وتصير المعرفة السببية الناتجة ‪35‬‬ ‫بشكل ظرفي الإحساس بالعالم بما فيه الكيان‬ ‫عن الفصل بين العقل والطبيعة معرفة خاضعة‬ ‫الجسدي الذي تتلبسه حالة شبه صوفية يخرج‬ ‫للمعرفة التأملية وناتجة عنها‪.‬‬ ‫وعي الإنسان فيها بشكل لحظي من القيام‬ ‫الطبيعي إلى المدد القيامي‪ ،‬أعني الخروج من‬ ‫بذلك يصبح للوعي في الفلسفة الهيغلية‬ ‫الحدود الطبيعية للإدراك إلى حالة من زوال ‪10‬‬ ‫أهمية مركزية عليها سيبني كل تصوره عن‬ ‫الحُجُب الطبيعية لإدراك المطلق في لحظات‬‫ظاهريات الروح‪ ،‬فالمعرفة التأملية تسلّم ‪40‬‬ ‫بالضرورة بوجود عالم مفارق لعالم الطبيعة هو‬ ‫صلة خاطفة حسب هيغل‪.‬‬ ‫عالم الروح وأن الوعي هو الواسطة بين‬ ‫العالمين‪ ،‬أو بعبارة أخرى أن الوعي هو الوعاء‬ ‫هكذا فإذا كان المنطق الأرسطي جامدا‬ ‫الذي تتحيز فيه الروح بعد أن كانت مطلقة‬ ‫لاعتماده فقط على العقل في تفاعله مع الطبيعة‬‫غامضة وغير معروفة‪ ،‬وهنا يتعرف عالَم ‪45‬‬ ‫بطريقة تقابلية بينهما‪ ،‬فإن هيغل جعله حركيا ‪15‬‬ ‫الروح بأنه المح ّل الذي يحوي المدد اللامتناهي‬ ‫بإضافة البعد التأملي المح ِّرر للعقل من العالم‬ ‫للمعاني التي تتكشّف عبر الزمن‪ ،‬والسؤال هنا‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وهذا التحرير كما تقدم تنشأ عنه‬ ‫كيف تسرّبت القضية التأملية إلى العلوم‬ ‫حالة انصهار تزيل الفارق بين الذات والعالم‪،‬‬ ‫وأهم شيء في هذا البعد هو لا انتظامه وعدم‬ ‫الاجتماعية؟‬ ‫خضوعه لقاعدة محددة لكنها في النهاية ‪20‬‬ ‫حقيقة فعلية ممكنة التحقق في الذات‬‫بعد الاكتشاف الهيغلي‪ ،‬أسس وليم دلثاي ‪50‬‬ ‫الإنسانية‪ ،‬وأن ذلك يتجلى خاصة في‬ ‫العلوم الاجتماعية على قطيعة أنطولوجية‬ ‫الخاطرات الخيالية والأحلام والتصورات التي‬ ‫وابستيمولوجية بين عالمي الطبيعة والإنسان‪،‬‬ ‫تتلبس الإنسان أحيانا رغم أن تحققها الفعلي‬ ‫وق ّرر بأن منهج العلوم الاجتماعية خاضع‬ ‫أمر متعذّر على الأقل في تلك اللحظة‪25 .‬‬ ‫لمنهجية مفارقة تماما لمنهج العلوم الطبيعية‬ ‫ويمكن عد التحرير الهيغلي للقضية التأملية‬‫وذلك انطلاقا من مقولة أن الإنسان متصل ‪55‬‬ ‫بمثابة شرعنة أو تشريع فلسفي بأن المعرفة لا‬ ‫بعالم الروح على خلاف العالم الطبيعي‪ ،‬وأن‬ ‫تحصل أو تتحقق بالتقابل بين العقل والطبيعة‬ ‫دراسة العالم الاجتماعي يجب أن تتم إجرائيا‬ ‫وإنما تحصل بالانصهار بينهما في لحظات غير‬ ‫بواسطة المفاهيم من قبيل التجربة المعيشة‬ ‫للذات ورؤية العالم من طرف الذات‪ ،‬وعلى‬

‫البشرية‪ ،‬وأن العالم لا يزال يكتنفه الغموض‪30 ،‬‬ ‫أساس من تأثير دلثاي شكلت الذات لدى فيبر‬ ‫ذلك أن سبب مراوحة العلوم مكانها كان‬ ‫الشطر الثاني المك ّون للمنهج السوسيولوجي‬ ‫التصور التنويري الذي يرى بأن الله هو مصمم‬ ‫الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الدراسات‬ ‫هذا العالم بطريقة ميكانيكية (نظرية الدفعة‬ ‫الأولى)‪ ،‬إلا أن التصور الرومانسي يرى بأن‬ ‫والأبحاث‪.‬‬‫الله هو روح هذا العالم وهو يوجد في كل مكان ‪35‬‬ ‫ومن هذا التمثل الفيبري لخصوصية العلوم ‪5‬‬ ‫داخله‪.‬‬ ‫الاجتماعية أنتج فيبر مفاهيم خاصة بحقل‬ ‫الدراسات الاجتماعية بوصفها إجراءات‬ ‫كما أن زمن هيغل اشتهر بهيمنة ثلاث‬ ‫منهجية صورية وليست تقنية مثل النموذج‬ ‫فلسفات هي‪ :‬العقلانية الفرنسية كما أسسها‬ ‫المثالي أو الإمكانية الموضوعية‪ ،‬فهو وإن لم‬ ‫ديكارت‪ ،‬والفلسفة التجريبية كما أسسها‬‫هيوم‪ ،‬وأخيرا الفلسفة المثالية كما أسسها ‪40‬‬ ‫يتخ ّل عن السببية إلا أنه منحها توصيفا خاصا ‪10‬‬ ‫كانط‪ ،‬بينما كان هيغل يبحث فلسفة غير‬ ‫بنطاق العلوم الاجتماعية‪.‬‬ ‫مقيدة بحدود وتشمل كل تجارب الإنسان‬ ‫وخبرته‪ ،‬كما وتعمل على دمج كل المعارف في‬ ‫وعلى منوال دلثاي قرر هوسرل بأن الحقيقة‬ ‫نظام فلسفي واحد وتحاول وضعها في إطار‬ ‫النفسية خاضعة دائما للظروف النفسية‪ ،‬ومن‬‫منطقي جديد دون تعارض بتوظيف مفهوم ‪45‬‬ ‫ثم فإن إدراك العالم الخارجي لا يكون دائم‬ ‫الروح والكشف عن علاقته المتداخلة مع‬ ‫الثبات بل متغيرا حسب الحالة النفسية‪ ،‬وأن ‪15‬‬ ‫الوعي في النهاية هو الذي يوجه الإدراك لأن‬ ‫الطبيعة ضمن إطار جدلي‪.‬‬ ‫الأشياء التي لا تؤثر في النفس تبقى خارجة عن‬ ‫الإدراك‪ ،‬ومن ثم فالوعي ورغم أنه حقيقة غير‬ ‫لو قمنا بتحميص ما نتج من المدخلين الأول‬ ‫ظاهرة ولا تخضع للسببية إلا أنه يعد خاصية‬‫والثاني لهذا المقال وجدنا أن المطلوب من ‪50‬‬ ‫أساسية في فهم الحقائق النفسية‪ ،‬وهكذا ‪20‬‬ ‫انتهى ميرلوبونتي إلى القول بأن العالم‬ ‫المشتغلين على العلوم الاجتماعية هو تل ّبس‬ ‫الخارجي ليس موضوع إحساس أو تع ّقل وإنما‬ ‫الحقيقة الإنسانية وتمثلها ومعايشتها من جهة‬ ‫هو موضوع للشعور‪ ،‬فكيفما كان شعورنا بالعالم‬ ‫ومن جهة أخرى توظيف الخبرات الحياتية‬ ‫تص ّورناه على ذات النحو بالتدقيق‪ ،‬وهذا‬ ‫والمعرفية لتفسير الحقائق نفسية كانت أو‬ ‫ينتهي بنا في الأخير إلى الفصل بين التصور بما ‪25‬‬‫اجتماعية‪ ،‬ومن ثم فديدن الظاهراتية هو رأب ‪55‬‬ ‫هو حقيقة نفسية والتصور بما هو حقيقة‬ ‫الهوة بين الفكر والواقع بفضل فكرة التأمل‬ ‫اللاسببي‪ ،‬أما لماذا هي تقرب من الواقع فمن‬ ‫وجودية‪.‬‬ ‫جهتين‪:‬‬ ‫ولقد جاءت المساهمة الهيغلية انطلاقا من‬ ‫إخفاق العلوم الحديثة في كشف خبايا النفس‬

‫ومن ثم وجب التعامل معها على أنها \"شيء\"‬ ‫الأولى‪:‬‬‫موضوعي خارجي عن الذات‪30 .‬‬ ‫أنها تقول بفرادة الوقائع الاجتماعية وتزيل‬ ‫عنها التصور الكوني الذي ينطلق من السببية‬ ‫الصارمة‪ ،‬وهذا ما يكفل القرب من الحقيقة‬ ‫المحلية (الصغرى) لأن الاعتقاد بوجود حقائق ‪5‬‬ ‫تفريدية خاصة يح ّتم النظر إليها على أنها‬ ‫ستخفي أشياء لا يمكن اكتشافها إلا عن طريق‬ ‫بحث متحرر من فكرة الكونية السببية‪.‬‬ ‫الثانية‪:‬‬ ‫إن قولها بأن الوعي هو الذي يصنع المعنى ‪10‬‬ ‫فيلقيه على الحقائق يجعل من المبدأ التأملي هو‬ ‫المرجعية الأولية للحقيقة الاجتماعية وأن المبدأ‬ ‫السببي سيكون ثانويا بعد ذلك‪ ،‬وما دامت‬ ‫الأفعال والسلوكات الإنسانية غير خاصة من‬ ‫حيث الظاهر لسيرورة ميكانيكية فإن التناول ‪15‬‬ ‫الظواهري الذي يعتبر الفعل الإنساني تجليا‬ ‫للروح والوعي سيكون أقرب إلى تمحيص‬ ‫الوقائع‪.‬‬ ‫أخيرا يبقى الفصل في الدلالة المفهومية‬ ‫للظاهراتية التي تشير إلى أن \"الأفعال ‪20‬‬ ‫الاجتماعية\" الحاصلة في المجال الإنساني ليست‬ ‫إلا تجل من تجليات الروح المطلق والوعي‬ ‫الإنساني‪ ،‬ومن ثم فلا شيء في الوجود منفصل‬ ‫عن الرحم الوجودية التي هي الروح المطلق‬ ‫التي تجد فقط في الوعي الإنساني الحيز الذي ‪25‬‬ ‫يحويها ويعبر عنها‪ ،‬وذلك على عكس التصور‬ ‫الوضعي الذي يرى إلى \"الظاهرة الاجتماعية\"‬ ‫بوصفها حادثة حصلت خارج الذات الإنسانية‬



‫‪1982‬‬‫‪2014‬‬ ‫‪hg‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook