Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore التراث معرفته وتحديد دوره التاريخي - الفصل السادس - ابو يعرب المرزوقي

التراث معرفته وتحديد دوره التاريخي - الفصل السادس - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-06-13 05:45:36

Description: أعلم أن الفصل الخامس من كلامي على التراث، وخاصة القسم الذي تعلق بمفهوم الواقع، عسير الفهم. وقد كتبته منذ عقد لبيان وهاء فكر نقدة التراث باسمه.
لكني ذكرت من البداية أن الكلام في التراث بحاجة إلى تحريره من الابتذال الذي سيطر عليه سواء للدفاع عنه، أو للهجوم عليه في مدرستي الكاريكاتورين.
وقبل التقدم في البحث، لا بد من تلخيص يبين مقومات التراث ما هي، لتجاوز العقبات التي نتجت عن التبسيط والابتذال الحائلين دون إحياء فاعليته.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫أعلم أن الفصل الخامس من كلامي على التراث‪ ،‬وخاصة القسم الذي تعلق بمفهوم‬ ‫الواقع‪ ،‬عسير الفهم‪ .‬وقد كتبته منذ عقد لبيان وهاء فكر نقدة التراث باسمه‪.‬‬‫لكني ذكرت من البداية أن الكلام في التراث بحاجة إلى تحريره من الابتذال الذي سيطر‬ ‫عليه سواء للدفاع عنه‪ ،‬أو للهجوم عليه في مدرستي الكاريكاتورين‪.‬‬‫وقبل التقدم في البحث‪ ،‬لا بد من تلخيص يبين مقومات التراث ما هي‪ ،‬لتجاوز العقبات‬ ‫التي نتجت عن التبسيط والابتذال الحائلين دون إحياء فاعليته‪.‬‬‫فهبنا اعتبرنا التراث ذا قيامين كلاهما مضاعف‪ ،‬وأصل يوحد هذه العناصر الأربعة‪:‬‬ ‫فوجوده في الأعيان مضاعف‪ ،‬لأنه إما قيام الأشياء ذاتها أو رموزها‪.‬‬ ‫مثال‪ :‬النوازل والنصوص المتعلقة بها‪.‬‬‫فهذان أمران موجودان في الأعيان وجودين مختلفين‪ ،‬لأن الأول هو خصومات بين‬ ‫أطراف‪ ،‬والثاني نصوص تصفها قانونيا‪.‬‬‫والوجود في الأذهان مضاعف كذلك‪ :‬فأطراف النزاع والمحامين والقضاة لهم إدراكان‬ ‫مختلفان‪ :‬لوجود النوازل الحسي‪ ،‬ولوجودها النصي في وصفها القانوني‪.‬‬‫فهذه أربعة أصناف من الوجود مختلفة لما يوضع على أنه أنواع وجود لشيء واحد‪.‬‬ ‫والسؤال يتعلق بهذا الأصل الذي يجعلنا نعتبرها واحدة رغم اختلافها؟‬‫هذا الأمر الواحد الذي ليس هو الوجودين في الأعيان‪ ،‬ولا الوجودين في الأذهان‪ .‬بل‬ ‫ما به تكون هذه الأصناف الاربعة واحدة‪ ،‬هو ما يمكن تسميته بالواقع‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫لكن الكاريكاتورين الاصلاني والعلماني يقابلان بين ما يسمونه واقعا والنص في نقد‬ ‫التراث‪ ،‬فيغفلون عن الازدواج في العيني وفي الذهني ومشكل الوحدة‪.‬‬‫الفلسفة القديمة تعتبر الاصل الموحد عالما مثاليا قائما بذاته وراء وجهي العيني (الشيء‬‫والرمز) ووجهي الذهني (إدراك الشيء وإدراك الرمز)‪ .‬والدين يضع وراء هذه‬‫العناصر الأربعة‪ ،‬أمرا شبيها بعالم المثل الأفلاطوني‪ ،‬ويسميه لوحا محفوظا‪ ،‬رمزا إلى علم‬ ‫إلهي مطلق منه تنبع وبه تتحد وتفهم‪.‬‬‫والفلسفة الحديثة‪ ،‬وخاصة في رؤية الرياضيين والمناطقة‪ ،‬تفترض عالما ثالثا ليس هو‬ ‫عالم الأعيان ولا هو عالم الأذهان‪ ،‬يمكن من فهم علاقتهما المعرفية‪.‬‬‫والمنهج الفينومينولوجي مطلبه الأساسي هذا العالم الذي يمثل الماهيات المجردة‪ ،‬التي‬ ‫بها تتحدد حقيقة المعاني أو القصديات في عملية الإدراك‪.‬‬‫والفينومينولوجيا في دلالتها الفلسفية المعرفية (هوسرل) لا الوجودية (هيدجر)‪ ،‬تعتبر‬ ‫الكاريكاتورين (الماركسية خاصة) معبرين عن السذاجة الفلسفية‪.‬‬‫خلاصة ما حاولنا بيانه في كلامنا على التراث‪ ،‬هو أن عوائق دراسته تعود إلى هذه‪:‬‬ ‫سذاجة الفكر العامي‪ .‬إذ يدعي النقد الاحيائي أو التحديثي للتراث‪.‬‬‫واعترافا بالفضل لأصحابه‪ ،‬فإن الغزالي لما وضع قانون التأويل‪ ،‬اقترب من هذه المعاني‬ ‫الخمسة التي جعلها كافية للتسامح العقدي بين المذاهب الكلامية‪.‬‬‫ويكفي لرؤية العلاقة تعويض \"واقع\" بـ\"حقيقة عقدية في ذاتها\" عند الغزالي‪ .‬وحينها‬ ‫نفهم علل اعتباري الغزالي بداية جديدة للفكر الفلسفي في تاريخنا‪.‬‬‫فهذا الحل يفترض أن الأصل الموحد أو المعنى الخامس‪ ،‬ليس في متناول أي إنسان‪ .‬لأنه‬ ‫هو الحقيقة المطلقة التي بالإضافة إليها في المثال تقاس المدارك‪.‬‬‫ودون أن تتساوى المدارك المختلفة‪ ،‬فإنها تبقى كلها نسبية قياسا إلى معيار مثالي لا يحيط‬ ‫به العقل الإنساني‪ ،‬لكنه يفترضه في كل أفعاله الإدراكية‪.‬‬‫وقد تمكن الغزالي بهذا الحل من تجاوز الصراع بين التأويلات الكلامية للعقدية‪ ،‬على‬ ‫الأقل نظريا‪ ،‬وحاول الاستفادة منه حتى مع الباطنية في الفضائح‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫حل الغزالي عالج إشكالية التراث الديني عامة والكلامي خاصة بنظرية معرفة نسبية‬ ‫تحرر الخلافات الفكرية من تحولها إلى علل لحرب أهلية دائمة‪.‬‬‫بيان تفاهات دارسي التراث‪ ،‬قصده في نفس الاتجاه الذي يهدف إلى جعل البحث الفلسفي‬‫وحتى الكلامي اجتهادين بمعنى عدم التأثيم الخلدوني الذي عرضت‪ .‬وحل الغزالي على‬‫أهميته‪ ،‬لم يصل إلى تأسيس نظري يعلل مستويات التأويل بصورة تتحرر من وهم القول‬ ‫بتأويل مطابق للحقيقة في ذاتها‪ ،‬بمعنى الاجتهاد‪.‬‬ ‫فذلك لم يتحقق بصورة ضمنية إلا عند ابن تيمية‪ ،‬وصريحة إلا عند ابن خلدون‪.‬‬ ‫فالأول يقول بأن التصور‪ ،‬وهو اساس التصديق‪ ،‬لا يكون مطابقا أبدا‪ :‬إذن نسبي‪.‬‬‫اما الثاني‪ ،‬فيقولها صراحة‪ :‬الوجود أوسع من الإدراك‪ .‬ومن ثمّ‪ ،‬فلا وجود لمعرفة‬ ‫مطابقة‪ ،‬بل هي إدراك نسبي للموضوع لا يمكن أن تحيط به= إنها اجتهاد‪.‬‬‫وعليه‪ ،‬أسس فلسفيا مفهوم \"عدم التأثيم\" وخاصة في الاجتهاد السياسي‪ ،‬حتى يطوي‬ ‫صفحة الحرب الأهلية التي ولت الفتنة الكبرى (المقدمة ااا‪ .‬ولاية العهد)‬‫والمأساة‪ ،‬هي أن دراسي التراث من كان له ومن كان عليه‪ ،‬كلاهما عاد إلى وهم نظرية‬ ‫الحقيقة المطابقة‪ ،‬فعادوا إلى ما قبل الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪.‬‬‫أعادوا الأمة إلى صراع الكلام (دعوى علم العقائد المطلق) والفلسفة (دعوى علم‬‫الحقائق المطلق) حول علاقة الإيمان والعلم بدغمائية الحرب الأهلية‪ ،‬كما أعادوها إلى‬‫صراع الفقه والتصوف بنفس المنطق‪ ،‬صراعا بين القانون والأخلاق ودعوى قول الحقيقة‬ ‫المطلقة‪ .‬فصار درس التراث اساس الحرب الأهلية‪.‬‬‫فصار الفكر النظري في العقيدة‪ ،‬والحقيقة النظرية والفكر العملي في الشريعة‬ ‫والحقيقة العملية‪ ،‬ليس فكرا يعالج القضايا بالاجتهاد‪ ،‬بل تحريفا للجهاد‪.‬‬‫درس التراث له أو عليه‪ ،‬أصبح مرضا حضاريا وحربا أهلية‪ ،‬إما باسم الفتنة الكبرى بين‬ ‫السني والشيعي‪ ،‬أو باسم الفتنة الصغرى بين الإسلامي والعلماني‪.‬‬‫لهذا أد ّرس دارسة التراث لبيان الانحراف الابستيمولوجي (طبيعة نظرية المعرفة)‬ ‫والأكسيولوجي (طبيعة نظرية القيمة) لدى صفيه الأصلاني والعلماني‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫ذلك أن هذا التحريف لم يكفه ما نتج عنه من حروب اهلية بسبب حرب الكلام والفلسفة‬ ‫حول الإيمان والعلم وحرب الفقه والتصوف حول القانون والأخلاق‪.‬‬‫بل الصراعان النظري العقدي والعملي الشرعي‪ ،‬آل إلى قتل كل إبداع لشروط‬ ‫الاستعمار في الارض وشروط الاستخلاف فيها‪ ،‬وتحول الفكر إلى جدل عقيم‪.‬‬‫صار التراث نفسه‪ ،‬وخاصة لدى من هم له ومن هم عليه في مدرستي دراسته الحاليتين‪،‬‬ ‫ليس فكرا‪ ،‬بل إحياء للفتنة الكبرى وتعميق للفتنة الصغرى وقتل الإبداع‪.‬‬‫وفي الحقيقة‪ ،‬فكلا الحزبين أو الكاريكاتورين ممن يتكلمون باسمه‪ ،‬يقول بنظرية‬ ‫الحقيقة المطابقة والمطلقة وليس بنظرية الحقيقة الاجتهادية والنسبية‪.‬‬‫ولعل هذا الداء أكثر وضوحا عند أدعياء الكلام والفلسفة والفقه والتصوف المتكلمين‬ ‫على التراث‪ ،‬له أو عليه‪ ،‬إحياء لأمراض الماضي الذاتي والغربي‪.‬‬‫فالماركسي‪-‬وليكن أبا زيد‪-‬يدعي محاكمة التراث (النص) بالواقع بالمعنى الماركسي‬ ‫البدائي‪ ،‬معتقدا النفاذ إلى ما يسميه واقعا معيارا لنقد نص القرآن‪.‬‬‫ولا يدري أنه لا يتكلم على الواقع‪ ،‬بل على تصور ماركس للواقع‪ .‬وهو نص في الواقع‬ ‫وليس الواقع‪ .‬لأن الواقع كما بينت‪ ،‬هو هذا الواحد المثالي المحجوب‪.‬‬‫أبو زيد لا يختلف عن أي أصلاني‪ :‬الفرق الوحيد أن هذا يطلق علمه بالقرآن‪ ،‬ويعتبره‬ ‫هو الواقع‪ ،‬وذاك يطلق علمه بخرافات ماركس‪ ،‬ويعتبرها هي الواقع‪.‬‬ ‫‪44‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook