Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الفرائض ومنزلة الانسان الوجودية – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي

الفرائض ومنزلة الانسان الوجودية – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-08-17 17:25:51

Description: وهنا نصل إلى بيت القصيد في النظام التشريعي الإسلامي بعيد الغور النظام الذي يتجرأ عليه بعض المتفلسفين بأفقر أدوات الفكر لو كانوا يعلمون. وحتى نفهم بعد الغور فيه فلنطرح سؤالين جوهريين لكل عمران سوي:

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات‬‫‪1‬‬ ‫تمهيد‪:‬‬ ‫النص‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المسألة الثالثة‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المسألة الرابعة‪:‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪10‬‬

‫نشر هذا النص بتاريخ ‪ 2007 - 03 - 31‬ونعيد نشره اليوم لأن الأستاذ أشار إليه في تعليقه على‬‫مناورة الرئيس حول المساواة في الإرث‪ .‬وهو يعالج القضية فلسفيا ردا على إحدى زعيمات هذا‬‫التيار الذي يقود حملة المهمة التحضيرية بالتحديث المستبد للنخب الوصية للشعوب‪ .‬وفيه ثلاثة‬ ‫فصول‪.‬‬‫وهنا نصل إلى بيت القصيد في النظام التشريعي الإسلامي بعيد الغور النظام الذي يتجرأ عليه‬‫بعض المتفلسفين بأفقر أدوات الفكر لو كانوا يعلمون‪ .‬وحتى نفهم بعد الغور فيه فلنطرح سؤالين‬ ‫جوهريين لكل عمران سوي‪:‬‬‫‪- 1‬ما النظام الاقتصادي الذي نريده؟ هل نريد مجتمع الشركات العامة التي تجعل الناس أرقاما‬‫فاقدين للذوق هدف الحياة الأول أم مجتمع الوحدات التآنسية التي يتحرر فيها الذوق قدر المستطاع‬ ‫من سلطان أسباب الحياة القاهر؟‬‫‪- 2‬وما طبيعة الحياة العاطفية المحددة للانتخاب العضوي بمعاييره السوية طبيعتها التي نريد؟‬‫فالتزاوج الداخلي الذي يصبح القاعدة بمؤثرات العامل الاقتصادي يؤدي إلى الأمراض‬ ‫البايولوجية لفرط تأثير دافع الحفاظ على الملكية الدافع الذي لا ينكره إلى متعام‪.‬‬‫فالتزاوج الخارجي الذي يمكن من تحقيق شروط الصحة العضوية هو التزاوج الذي يكون المحدد‬‫الأول فيه الذوق لا الرزق‪ .‬ولا يتحقق ذلك إذا كان الطمع في إرث المرأة حائلا دون تحريرها من‬‫التزاوج الداخلي من أجل الحفاظ على الملكية ومن ثم مانعا لطلبها من الخارج لقوة الدافع المالي فلا‬‫يبقى إلا طلبها الداخلي‪ .‬ولو انتبهت النخب العجلى إلى هذه البعائد لترددت كثيرا في الجرأة على‬‫كل شيء مع الجهل بأدنى شروط الفهم العميق لمقاصد الشرائع في حياة العمران‪ .‬فحتى لو سلمنا لهم‬‫بأن الشرائع كلها من جنس الشرائع الوضعية فإن الأوضاع ليست متساوية للتمايز بين عقول‬ ‫‪12 1‬‬

‫الواضعين‪ .‬فمنهم من يرى البعائد ويسميهم اليونان حكماء‪ .‬ومنهم من لا يرى أبعد من ذبابة أنفه‬‫ويسميهم العرب سفهاء‪ .‬فما أشقى المرأة التي يختارها المغازلون لمالها! ولعل الباحثة بمقتضى الجنس‬‫والخبرة أدرى مني بالمفاضلة بين المرأة تُختار حبا لذاتها وجمالها أو ُتصطاد طمعا فيما عندها ومالها!‬‫والسؤال الآن هو لم كان الحد القرآني من حرية تصرف المالك في الوصية بهذه الصورة التي‬‫جعلت بعض المعاملات من العبادات دون أن تحافظ على مبدأ العبادات الأساسي أعني المساواة بين‬‫البشر من حيث منزلتهم عند الله إلا بالتقوى أو العمل الخلقي في التعارف كما حددت ذلك آية‬‫التعارف؟ أي لماذا لم يفرض الله الحد بصورة تجعله يساوي بين الذكور والإناث في هذه الفريضة‬‫رغم كونها فريضة أي عبادة وليست معاملة؟ وهذا السؤال كان يمكن أن يكون مفهوما لو طرحته‬‫الباحثة بعد أن تكون قد برهنت على فهم معنى الآية بالقصد الأول‪ .‬ذلك أن تحديد مقادير الإرث‬‫هو معناها بالقصد الثاني‪ .‬وهذا القصد الثاني لا يمكن أن يفهمه من غاب عنه القصد الأول‪ .‬فإذا‬‫كان الشارح لم يفهم أن الآية تتعلق بالحد من حرية المالك في التوريث بحسب ظنونه فإنه لا يمكنه‬‫أن يفهم القصد من المقادير التي اختيرت حدا بمعنى ما لا يمكن النزول دونه‪ .‬ذلك أن ما فوقه‬‫يبقى ممكنا بعدة طرق لم يتأخر بعض المالكين والفقهاء عن تصورها وتطبيقها بل هم تحيلوا في‬‫الاتجاه المقابل للهبوط دون هذا الحد الأدنى وحتى لحرمان المرأة من الإرث أصلا اتباعا لما نبهت‬‫إليه الآية وحذرت منه لعلم الله بأن الغالب على البشر بالجبلة تفضيل الذكور على الإناث‪ :‬لا‬ ‫تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ‪.‬‬ ‫والجواب هنا مضاعف ويفهم بفرضيتين‪:‬‬‫‪- 1‬فلو فعل نص الآية فحقق المساواة في توزيع الإرث لكان ذلك معارضة مطلقة لحرية المالك في‬‫التفضيل أعني في حرية الوصية‪ .‬والحد من حرية المالك في الوصية يفقد معناه إذا لم يكن مشروطا‬‫بدواعي الحاجة إلى الحد منها‪ :‬إنها في النص القرآني المعيار المتحكم في إرادة المالك إرادته التي‬‫تعبر عنها وصيته والتي يفهم منها قيس المالك لمقدار الموصى به بنفع الموصى إليه له‪ .‬ومن هذا‬‫القاعدة العامة التي تكاد تكون كلية تنتج قاعدة تفضيل الذكور على الإناث فهي أمر شبه كوني في‬‫المجتمعات البشرية‪ .‬لكن الحد القرآني الذي يعترف بهذه الظاهرة اقتصر على وضع مبدأ الحد‬‫الأدنى (حظ الذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يمنع حق الهبة للبنات لمن كان من الآباء لا يقول بهذا‬‫الأمر شبه الكوني‪ .‬والهبة غير الوصية لأنها تتم في حياة المالك وليست بعد وفاته‪ :‬والهبات يمكن‬ ‫أن تأخذ شكل البيع بسعر تفضيلي ورمزي تجنبا للمماحكات القانونية بعد الوفاة‪.‬‬ ‫‪12 2‬‬

‫لكن هذا الفهم رغم اختلافه عن تعليل إخوان الصفاء الذي هزأت منه الباحثة دون عميق فهم‬‫لا يقدم من المسألة إلا علتها السطحية وهي علة رغم وجاهتها أقل أهمية من العلة العميقة ذات‬‫الغور البعيد والتي لا يدركها من يسارع لطلب المسكوت عنه ويهمل المنطوق به أعني بعائد المعرفة‬‫العلمية بقوانين العمران‪ .‬وهزء الباحثة من تعليل إخوان الصفاء لا يستحق الذكر لو لم يكن‬‫مشفوعا ببشاعة لا يقبلها حتى الحداثي لأنها مناقضة لما يعتمد عليه من حجج‪ :‬فإذا كان الصداق‬‫أجرا للاستمتاع يعني المتعة الجنسية كما فهمت الأستاذة فهو أذن أجر لما لا يستحق الأجر إذ الاستمتاع‬‫بهذا المعنى متبادل فلم ينبغي أن يدفع الرجل أجرا وكلا الجنسين يستمتع بالعلاقة الجنسية؟ لكن‬‫القرآن لم يقصد بالاستمتاع ما فهمت الباحثة‪ .‬فلو كان ذلك هو القصد لما وجد فرق بين الزواج‬‫وزواج المتعة‪ .‬أفتكون منازل الأسر مجرد مواخير خاصة عند الباحثة والصداق بمقدمه دفعة أولى‬‫مقابل جملة عمليات الجماع ثم يصفى الحساب بالمؤخر منه؟! وهل يستغرب مثل هذا التصور ممن‬ ‫يقيس المنزلة الوجودية بمقدار الإرث؟‬‫‪- 2‬ولو فعل نص الآية ما تطلبه الشاكيات مما سمينه بجرح التفضيل الإلهي لفقدت الملكية دوريها‬‫المقومين لتوازن القوى بين وحدات العمران الإنساني الدنيا اقتصاديا وبايولوجيا‪ .‬فالمعلوم أن‬‫العمران البشري كله يدور مباشرة حول موضوعين وردا في سورة النساء ويدور بصورة غير مباشرة‬‫حول نوعي السلطان الناتجين عنهما في العمران‪ .‬ويعبر عن الأمرين المباشرين في الأنثروبولوجيا‬‫بمادتي التبادل الأساسيتين وموضوعي التواصلين المصاحبين لهما موضوعيه الجوهريين إما لعلمه‬ ‫(مصدر السلطان الرمزي) أو للعمل به (مصدر السلطان الفعلي)‪.‬‬‫فالعمران كما يمكن أن يستنتج من نظرية ابن خلدون ومن تفسير سورة يوسف عليه السلام ليس‬‫هو إلا الحل الذي تمكن الإنسان من وضعه خلال تاريخه المتعثر لعلاج هذين التبادلين والسلطانين‬‫المترتبين عليهما من أجل تحقيق الوحدة المتعالية عليها أربعتها بوصفها الوجود المادي والروحي‬ ‫للجماعة البشرية‪:‬‬ ‫فالتبادلان المقومان للعمران هما‪:‬‬‫‪- 1‬التساكن للتآنس ويدور حول معنى الذوق وأصله الحب عامة والحب المؤسس للوحدة الدنيا‬ ‫للقيام الإنساني أو الأسرة ‪ -2‬والتعاون للتعايش ويدور حول معنى الرزق‪.‬‬‫وكلا التبادلين مصحوب بتواصلين هما بالجوهر علم وعمل لما يقتضيانه من نظام يزع المتبادلين‬ ‫ويضبط الحقوق والواجبات‪:‬‬ ‫‪12 3‬‬

‫‪- 3‬فالأول نظامه ووازعه خلقي روحي ومهمته الوزع الداخلي والأمن الخارجي في المستوى‬‫الرمزي من وجود الإنسان ‪ -4‬والثاني نظامه ووازعه سياسي زماني ومهمته الوزع الداخلي والأمن‬ ‫الخارجي في المستوى الفعلي من وجود الإنسان‪.‬‬ ‫ولا يتحقق التلاحم بين المستويين المضاعفين من العمران من دون مبدأ موحد‪:‬‬‫‪- 5‬ثم مبدأ عام يوحد الكل في الجماعة ذات الهوية شبه الواعية بكونها ذات منفصلة عما عداها‬ ‫من الجماعات بكيان جغرافي تاريخي معين يمكن أن نسميه أمة‪.‬‬‫فأما التبادل الأول فهو التبادل الذوقي عامة وأهم شيء فيه هو الحب والتواصل العاطفي الذي‬‫تنبني عليه الحياة التآنسية والتواصل بين وحدات إنتاج الإنسان نفسه في المجتمع‪ :‬الأسر سواء في‬ ‫أضيق مستوياتها (الخلية الأسرية الدنيا) أو في أوسعها (القبيلة)‪.‬‬‫وأما التبادل الثاني فهو التبادل الرزقي عامة وأهم شيء فيه هو الملكية والتواصل المصلحي الذي‬ ‫تبني عليه الحياة الاقتصادية والتواصل بين وحدات إنتاج أسباب عيش الإنسان في المجتمع‪.‬‬‫والمعلوم أن السلطان على محددات التواصل الأول والسلطان على محددات التواصل الثاني‬‫ينسحب كل منهما على الآخر‪ .‬وغالبا ما يصبح العامل الثاني المحدد الأساسي للعامل الأول‪ :‬أي إن‬‫الزيجات تكون في الأغلب مصلحية فلا يكون الذوق هو المحدد بل الرزق هو الذي يعود إليه التحديد‬‫في المقام الأول إذ يدخل في الاعتبار عامل الملكية والإرث المتوقع قبل عامل الذوق وخاصة في‬‫المستويات التي تصبح فيها الملكية ذات دلالة سلطانية أي تمكن من سلطان ما يقاس بالمنزلة في السلم‬ ‫الاجتماعي إلخ‪..‬‬‫لذلك فإن تحرير المبدأ الأول (سلطان الذوق) من المبدأ الثاني (سلطان الرزق) ييسر التبادل‬‫الذوقي أو بلغة سطحية يجعل تبادل النساء متحررا ما أمكن التحرر من تأثير تبادل الرزق‪ .‬وذلك‬‫هو الشرط الضروري ولعله الكافي كذلك لتشجيع التزاوج الخارجي والعزوف عن التزاوج الداخلي‬‫فيحصل التبادلان بأفضل طريقة للفصل بينهما ما أمكن أعني بالحد من تأثير الثاني في الأول‪:‬‬‫التبادل الذوقي والتبادل الرزقي‪ .‬ثم إن هذا الشرط لا يقتصر على تشجيع التزاوج الخارجي بل‬‫هو أيضا يحافظ على معنى التقابل بين الداخل والخارج بمعيار موضوعي فيمكن من تمتين التلاحم‬‫الداخلي في الوحدات الدنيا ومن توطيد التواصل الخارجي بينها‪ :‬فالثبات النسبي لملكية الأرض أو‬‫رأس المال مثلا في الأسرة يجعل الملكية تنمو ويقلل من انفراط الوحدات الدنيا للعمران أعني‬ ‫وحدات التساكن للتآنس‪.‬‬ ‫‪12 4‬‬

‫ومن له دراية بعلم الاقتصاد يدرك أن الاقتصاد العالمي اليوم يقوم على أساسين ليس منهما بد‪:‬‬‫احداهما محررة للإنسان والثانية مستعبدة له‪ .‬فالوحدات الاقتصادية ذوات الاسم الخفي تزيل‬‫الحدود بين الوحدات الدنيا (الأسر والشركات الأسرية) بل وحتى بين الوحدات القصوى (مثل‬‫الأمم والدول) فتزيل النسيج الاجتماعي عامة سواء كان وطنيا أو دوليا ويصبح الجميع أرقاما في‬‫آلة جهنمية هي بالذات مجتمع الحداثة التي يكون فيها الإنسان لولبا من لوالب السوق أو برغيا من‬‫براغيه‪ .‬والشركات المتوسطة والصغرى‪-‬وهي في الأغلب أسرية‪-‬لا تقتصر على المحافظة على الملكية‬‫وحدها بل هي تحافظ في نفس الوقت على النسيج الإنساني الذي هو المطلوب الأول والأخير للحياة‬‫البشرية إلا عند من يفضل الأرقام على البشر‪ .‬ثم إن دورها التنموي لا يقل عن دور الأولى بل‬‫إن دورها التنموي أهم بكثير لأنها هي التي تمثل أهم مغذ لسوق الشغل إذ إن الشركات الكبرى‬‫تستعيض بالآلة عن العمال والشركات الصغرى ليس لها القدرة على كلفة الآلات فتبقى مصدرا مهما‬ ‫للعمل الإنساني‪.‬‬‫بل إن الشركات ذات الاسم الخفي بخلاف ما يظن من ليس له علم بالاقتصاد الحديث لا تستمد‬‫قوتها الاقتصادية إلا من هذه الشركات ذات الاسم العلني الذي هو في الغالب اسم أسرة‪ :‬إنها في‬‫الحقيقة ليست وحدات إنتاج بل هي وحدات تسيير للإنتاج الذي لا يتحقق حقا إلى في الشرطات‬‫الصغرى والمتوسطة وهي إذن من جنس تغول السلطان الرزقي الذي يلغي الذوق لكي لا يبقي إلا‬‫على سلطان السوق‪ .‬وذلك هو المعنى الحقيقي لمصطلح الاستمداد الخارجي الانجليزي‬‫‪Outsourcing‬الذي لجأ له الاقتصاد الحديث للجمع بين الشكلين من عمل الملكية من حيث هي أداة‬‫إنتاج اقتصادي ويماثله انتقال وحدات الإنتاج إلى البلاد النامية بالمصطلح الفرنسي‬‫‪Délocalisation‬حيث لا يزال العمل جاريا في وحدات صغرى تحافظ على التساكن من أجل التآنس‬‫حيث لا يزال لهاتين الكلمتين معنى عند أهل البلاد التي تنتقل إليها الصناعات الفرعية المغذية‬‫للشركات الأم‪ :‬وهنا ينبغي التذكير بمعنى الاستمتاع القرآني الذي ظنته الأستاذة تحويلا للأسر إلى‬‫مواخير في حين أن القصد هو التآنس والتساكن حيث يكون للمرأة الدور الأكبر في كل المجتمعات أيا‬ ‫كانت مزاعم التقدميين‪.‬‬‫وحاصل القول مما سبق أن النخب العربية التي تدعي التفلسف بقراءة كتاب أو بلغة تونسية‬‫خالصة النخب التي \"من زبيبة تسكر\" لا يمكن الاعتماد عليها في اكتشاف المسكوت عنه من النصوص‬‫الدينية وأولى خطاهم القفز على المنطوق به فيها حتى لو سلمنا لهم بحق معاملتها معاملة النصوص‬ ‫‪12 5‬‬

‫الأدبية‪ .‬فمن شروط فهم أي نص العلم بالظاهرة التي يعالجها في ذاتها وبالقصد الأول‪ .‬وهي هنا‬ ‫ظاهرة مضاعفة‪:‬‬‫‪- 1‬اقتصادية في علاقتها بقانون الملكية وحق التصرف فيها بالوصية والتوريث تحديدا لدوري‬‫الملكية المقومين لجوهرها‪ :‬دورها الدال على القدرة المحققة للإرادة عند الشخص الإنساني من حيث‬‫هو ذات مدنية لها حقوق وعليها واجبات ودورها الدال على النسيج الرزقي المحقق للتعاون من أجل‬ ‫القيام المادي لحياة الفرد والجماعة‪.‬‬‫‪- 2‬وبايولوجية في علاقتها بما يترتب عليها في تبادل النساء في العمران تبادلهن الذي ينبغي‬‫تحريره من تأثير العامل الاقتصادي حتى لا يلغي كل إمكانية للتزاوج الخارجي إذا كان خروج المرأة‬ ‫سيؤدي إلى تهديم الرصيد الرزقي‪.‬‬‫وهكذا فهذا النص القرآني لا يعالج قضية المساواة بين المرأة والرجل ولا مسألة المنزلة الوجودية‬‫للإنسان ذكرا كان أو أنثى بل هو يعالج مسألتين ليس من علاجهما بد لتحقيق أفضل شروط القيام‬ ‫الاقتصادي والبايولوجي للجماعة‪:‬‬‫الحد من حرية المالك في التصرف في ملكه بصورة تحول دونه والتحول إلى طاغية فيكون في تصرفه‬‫وكأنه رب وينسى أن علمه بعلاقة غيره به محدود فضلا عن علمه بأثر الملكية والعواطف في السلطان‬ ‫المستمد منهما على الحياة البشرية الجماعية‪.‬‬‫الحد من دور الرزق في الذوق لتحرير تبادل النساء من سلطان المال فلا يكون ما يعود إليها من‬‫مال الأسرة حائلا دونها والخروج منها إلى أسرة أخرى فيمتنع التبادل الخارجي ويصبح المجتمع أسرا‬‫منفصلة تمام الانفصال ويصبح المجتمع ارخبيل قبائل فضلا عما يؤدي إليه ذلك من فساد بايولوجي‬‫بسبب التزاوج الداخلي إذ إن ما حصل من فصل بين القبائل سيحصل بين أفخاذ القبيلة الواحدة‬‫وهكذا إلى أن نعود إلى زواج الأخ من أخته أو إلى حرمانها من الإرث أصلا وفرض العنوسة عليها‪.‬‬‫وتلك هي وظيفة القانون‪ :‬التوفيق بين عدة عوامل لتحقق التوازنات الأساسية لقيام العمران‬‫ذوقا ورزقا وسلطان ذوق (السلطان الروحي) وسلطان رزق (السلطان الزماني) ووحدة الكل في‬‫الجماعة المتجانسة في حياة لا تقتصر على تحديد المنازل بالرزق بل يكون فيها للذوق المنزلة الأولى‪.‬‬‫ليست وظيفة القانون تحديد المنازل الوجودية بل حمايتها بهذا التوازن الذي ذكرنا‪ .‬أما تحديدها‬ ‫فهو مادة لضرب آخر من النصوص كما سنرى في هذه المسألة الثالثة‪.‬‬‫بينا أن الملكية لا تحدد المنزلة الوجودية لا بذاتها ولا بمقدارها إلا عند من لا يدرك المقصود‬‫بالمنزلة الوجودية حصرا إياها في الأمر الواقع لعلاقات القوة الاقتصادية وبينا مقومات المنزلة‬ ‫‪12 6‬‬

‫الوجودية وبقي أن نسأل عن مدلول التفضيل الإلهي وهل هو لصالح الرجل أم لصالح المرأة في‬‫القرآن الكريم‪ .‬ولن يفهم هذا التحليل إلا من كان متحررا ما أمكن مما ربي عليه من أحكام مسبقة‬‫استبدلت الصور المشوهة لما انحط من حضارة المسلمين بالمعاني العميقة للقرآن الكريم سواء كانت‬ ‫هذه الصور المشوهة موجودة فعلا أو من وقع الأدبيات الاستشراقية بكل أجيالها‪.‬‬‫ولنبدأ بمدلول التفضيل الإلهي‪ :‬فهو قضية أساسية في نظرية العدل أو التنزيه ويشار إليها عادة‬‫بمصطلح مركب من كلمتين يونانيتين تفيدان العدل الإلهي ‪ Théodicée.‬لو كان التفضيل الإلهي‬‫تفضيلا بمعنى الاجتباء التحكمي غير المعلل لكان ظلما إلهيا‪ .‬وهذا هو قصد الجرح الذي تتكلم عليه‬‫الأستاذة‪ .‬وكلامها يكون صحيحا سواء صح التفضيل لصالح الرجل أو المرأة أو أي كائن آخر لو كان‬ ‫القصد به هذا الفهم من التحكم الإلهي‪ .‬فالتفضيل الوارد في القرآن له خمسة معان‪:‬‬ ‫‪ -1‬تفضيل آدم وبنيه على الملائكة باستخلافهم‬ ‫‪ -2‬وتفضيل بني إسرائيل على العالمين باصطفاء الكثير من الأنبياء منهم قبل نقض العهد‬‫‪ -3‬وتفضيل المؤمنين على الكفار بتوريثهم الأرض‪ .‬وقبل هذه الثلاثة الصريحة نجد تفضيلين‬ ‫مضمرين هما‪:‬‬ ‫‪ -4‬تفضيل الوجود على العدم قبل النشأة الأولى‬ ‫‪ -5‬ونجد بعدها تفضيل البعث على العدم بعد النشأة الثانية‪.‬‬‫وكل هذه الضروب من التفضيل معللة‪ .‬ولا أعلم تفضيلا آخر ورد في القرآن بهذا الوضوح‪ .‬لذلك‬‫فالكلام على تفضيل الرجال على النساء في آيات الإرث والنشاز ليست بالأمر البين كما يتصور‬‫العجلون‪ .‬لأن الآية الوحيدة التي ورد فيها ذكر التفضيل عند الكلام على العلاقة بين الرجل والمرأة‬‫لم يعين الفاضل فيها ولا المفضول‪ .‬ذلك أنها نسبت ما يتصوره البعض علة القوامة الأولى أو الإنفاق‬‫إلى الرجال لكنها لم تنسب الفضل إليهم بل بقي الضمير والتبعيض (فضل بعضهم على بعض)‬‫شاملا لكلا الجنسين عند من يحسن القراءة‪ .‬فإذا لم تفهم القوامة بمعنى السلطان‪-‬وهو أحد الفهوم‬‫لكنه هو الذي طغى‪ -‬بل فهمت بمعنى الرعاية بات المفضل في هذه الحالة هم النساء لأن القيم يكون‬‫في خدمة ما هو قيم عليه‪ .‬فيكون الرجال قيمين على النساء لأنهن أفضل ومن هذه القوامة الإنفاق‪.‬‬‫وتعليل هذا الفهم هو بالذات المنزلة الوجودية التي أكثرت الباحثة الكلام عليها دون فهم معناها‬‫للجهل بالفرق بين المقوم والعرضي‪ .‬فإذا قيست المنزلة الوجودية بما تقاس به في الفكر القديم‬‫والوسيط (بمنطق القائلين بتاريخية النصوص والباحثة منهم) كان المعيار في تحديد المنزلة الوجودية‬‫هو معيار التراتب بين المادة والصورة الذي هو غير الترتيب بينهما‪ .‬ومعنى ذلك أن السابق شرط‬ ‫‪12 7‬‬

‫اللاحق ماديا واللاحق شرط السابق غائيا‪ :‬فما صنع من شيء يكون وجوديا أسمى منه وجوديا لأنه‬‫يكون صورة بالقياس إليه مادة‪ .‬ولما كان المعتقد السائد عندئذ أن المرأة خلقت بعد الرجل وهي منه‬‫حتى لو صدقنا أنها من ضلع فقط فإن معنى كون الرجل مادة صنعت منه المرأة يجعله في نسبة المادة‬‫إلى الصورة فيكون بالقياس إليها أقل تطور في سلم التصوير الوجودي أعني دونها منزلة وجودية‪.‬‬‫ذلك أنه لو كان الرجل أرقى وجوديا لكانت المرأة مادة وجوده لا العكس ولكان هو الصورة والغاية‬‫وهي المادة والبداية‪ .‬الرجل هو الشرط المادي لوجود المرأة وهي الشرط الغائي لوجوده لها ما عنده‬‫مع ما أضيف إليها لتكون غيره ولا يختلف عنها إلا ما ينقصه بالقياس إليها‪ .‬لذلك فهو يكون قائما‬‫بها وليس قائما عليها فحسب‪ :‬قيامه عليها سببه قيامه بها لأن المرء لا يحفظ إلا ما يعز وقد يفسد‬‫إدراك ذلك في التعامل المرضي‪ .‬لكنه يبقى لا يتحول في التعامل السوي‪ :‬فالسلطان الفعلي بيدها‬‫حتى وإن بدا السلطان الوهمي بيده بل هو لا يجد في سلطانه معنى إلا بما تلاعبه به من قبول هذا‬ ‫السلطان القبول الطوعي‪.‬‬‫وهذا قانون كلي‪ :‬فهو يشمل كل الكائنات الحية ويدركه كل ذي بصيرة‪ .‬وبهذا المعنى فإن الرجل‬‫مقدم في السلطان على الرزق أعني السلطان الزماني أي سلطان الأدوات والمرأة مقدمة في السلطان‬‫على الذوق أعني السلطان الروحاني أي سلطان الغايات‪ :‬والسلطان الروحاني يبدو تابعا للسلطان‬‫الزماني لكن التبعية في العمق هي للروحاني على الزماني دائما‪ .‬فالذوق هو الحكم في الغاية لذلك‬‫كان صاحب السلطان الزماني تابعا دائما لصاحب السلطان الروحاني‪ .‬وفي الحقيقة فإن التبعيتين‬‫موجودتان‪ .‬لكن تبعية الروحاني للزماني هي تبعية المبدأ الصوري للمبدأ المادي أي إنه يحتاج إليه‬‫حاجة طالب المبنى للمبنى وتبعية الزماني للروحاني هي تبعية المبدأ المادي للمبدأ الصوري أي إنه‬‫يصبو إليه صبو طالب المعنى للمعنى لكأن المرأة هي المدلول والرجل هو الدال ووحدتهما هي عين‬‫الدلالة في ما يسمى سلطانا من حيث هو عبارة المنزلة الوجودية التي يسميها ابن خلدون‪ :‬حب التأله‬ ‫أي الحرية المطلقة‪.‬‬‫ولما كان الرجل ممثلا للعلة المادية بالنسبة إلى المرأة فإن ما يعني المرأة منه هو ما فيه مما يهم‬‫الصورة في فعل التصوير‪ :‬أن يكون أمرا بحاجة إلى صقل هو عين عمل التصوير‪ .‬وما يحتاج إلى‬‫الصقل هو هذا العصيان المادي والصبو إلى الغلبة خلال التعبير عن الانغلاب‪ :‬لذلك كان الحب‬‫لطيفا بما فيه من بقايا الوحشية التي لو خلا منها لفضل عليه الجنسان العلاقة المثلية دون سواها‪.‬‬‫وهو ما بدأ يغلب في العمران الذي خلا مما وصفنا‪ .‬لكن الدليل الموجب على ما نقول هو ما يحصل‬‫فعلا وليس بمجرد الفرض‪ :‬فالمرأة التي تدعي رفض هذا التشخيص لا ترفضه إلا في العلاقة‬ ‫‪12 8‬‬

‫الزوجية لكنها تطبقه في العلاقة الغرامية‪ :‬فهي فيها تطلب الذكر الأقوى فتخضع خضوعا ليس له‬‫مثيل إلا ما نراه عند الأنثى في جميع الكائنات الحية بعد لعبة الإغراء لاختيار الذكر المناسب‪.‬‬‫وكذلك يفعل الرجل‪ :‬فهو يقبل كل التضحيات لكأنه من فوارس الجاهلية العربية في مثل هذه‬ ‫العلاقة دون أي شعور بأن رجولته في الميزان مهما كان هشا وبشا‪.‬‬‫فيكون غرض الشارع أن يجعل ذلك ممكنا في العلاقة الشرعية بين الزوجين إذ يصبح من بنود‬‫عقد الزواج‪ :‬أن يتصرف الزوجان وكأنهما عشيقان وهو المقصود بأن العلاقة تكاد تكون علاقة عبادة‬‫من المرأة للرجل وعلاقة تقديس من الرجل للمرأة دون أن يكون في ذلك حاجة لتطبيق الآية التي‬‫سخرت منها أعني آية التدرج في حفظ العلاقة الغرامية بين الرجل والمرأة (بشرط أن يكونا مسلمين‬‫أي يطبقان على أنفسهما ما يطالبان به غيرهما‪ :‬إذ لا يحق لمن لا تتوفر فيه شروط الإيمان بأصل‬‫الحكم أن يطبق ما له ويتنكر لما عليه منه) حفظا قد يؤدي إلى مراحل العقاب الثلاث عند حصول‬‫النشاز (من قبل المرأة لأن للنشار من قبل الرجل له حكمه المناظر المحدد لطبيعة المسألة في الحالتين‬‫لكن الناس لا ينتبهون إليه لفساد طرقهم في القراءة والفهم) مع عدم التسريح بالمعروف بسبب‬‫صمود العلاقة الغرامية بين الزوجين‪ .‬ذلك أنه لو لم تكن الآية تتعلق بهذا النوع من العلاقة لما كان‬‫الحكم بحاجة إلى هذا التدرج ولكان الحل البديل المغني عن جميع الدرجات هو حل التسريح‬ ‫بالمعروف‪.‬‬‫لكن السلطانين الزماني (الذي يغلب عليه دور الرزق) والروحاني (الذي غلب عليه دور الذوق)‬‫أصبحا لا اسميين في العمران الذي باتت فيه المنزلة الوجودية تقدر بالمنزلة الاقتصادية أعني أنهما‬‫أصبحا فكرتين مجردتين فاقدتين لكل تعيين رغم أنهما في الحياة غير الشرعية الموازية للحياة‬‫الشرعية هما الفاعلان حقا بل هما المهربان من هذه الآلية الجهنمية كما بينا في العلاقات الغرامية‬‫غير الشرعية التي صارت بديلا من الزواج الذي بات مجرد شركة اقتصادية لا غير‪ :‬ولسوء الحظ‬‫فالعلاقات الغرامية نفسها قد يكون أفسدها استغلال السلطان الأكاديمي في توزيعه العناوين‬‫الجامعية! إن الآلية العمياء لفكر التحديثيين الذين فقدوا كل ذوق جعلت المساواة الرياضية‬‫العمياء أو الرقمية التامة مثال المنزلة الوجودية مثالها الأعلى‪ .‬وكان ينبغي عندئذ أن يعترفوا‬‫بأنهم لا يعترفون إلا بنوع واحد من المنازل‪ :‬منازل الأرقام اللااسمية في سوق السوقة أعني البضاعة‬ ‫التي يحدد منزلتها السوقية عرض المتسوقة وطلبهم‪.‬‬ ‫‪12 9‬‬

‫لم أفهم لجوء الاستاذة إلى قياس الإرث المخول للمرأة في الشرع الإسلامي بالإرث المخول لابن‬‫الزنى في القانون الفرنسي‪ .‬فهل وحدة المقدار بمجردها كافية لتكون مبررا للقياس؟ ومع ذلك فلست‬‫ممن ينفي حرية الباحثة في اختيار نموذج الصوغ النظري الذي ترتئيه‪ :‬فلها كامل الحق في ذلك‪.‬‬‫اختارت الباحثة إذن أن تقيس هذين الأمرين ربما بسبب ما فيه من التبشيع المقصود إذ قد بينا ما‬‫يجعل القياس خاليا من الدور المأمول في عملية معرفية تعتمد على ترجمة من هذا الجنس وهو فيها‬‫لا يكون مطلوبا إلا لهذه الغاية‪ .‬فأصبحت الترجمة مجرد حيلة خطابية توحي للقارئ بسؤال‬‫استنكاري قد يكون نصه قريبا من‪ :‬كيف يمكن لشريعة يزعمها أصحابها سماوية أن تكون نظرتها‬ ‫إلى المرأة دون نظرة شريعة وضعية لابن الزنا ثم يواصل المؤمنون بها اعتبارها مقدسة؟!‬‫وهذا أيضا مما لا أناقش فيه‪ .‬فهو أمر مشروع عند من يميل إلى الكتابة الخطابية رغم بدائيته‬‫لخلوه‪-‬ليس بالذات‪-‬بل عند الباحثة من حذق الخداع الذي يرغب فيه الخطباء‪ :‬فالاستبشاع من‬‫أدوات التأثير في الإقناع الخطابي بشرط أن يكون خفي الخيوط وبارع الحياكة فلا تبرز مخارزه‬‫للعين المجردة فيفتضح صاحبه ويحصل الوقع المقابل‪ .‬أما منطقيا فقياس الباحثة بين الحالتين المقيسة‬‫والمقيس عليها لا يستقيم إلا إذا سلمنا لها بما بنت عليه علاجها‪ :‬سلمت أن العلاقة بين مقدار الإرث‬‫دالة المنزلة الوجودية للوارث دالة بالمعنى الرياضي للكلمة ‪function (in a mathematical‬‬‫)‪meaning‬ومن ثم فالتساوي في مقداره دليل على التساوي في مقدارها (بل هي ذهبت إلى أكثر‬‫من ذلك إذ الحل الإسلامي بات عندها مفضولا والحل الفرنسي فاضلا لأن ابن زنا في هذا أكبر حظا‬‫من البنت في ذاك)‪ .‬وقد عالجنا مسألة العلاقة بين المنزلة الوجودية والملكية والإرث عالجناها آنفا‬‫في ثانية المسائل الموضوعية فبينا سخف هذا الحكم فضلا عن كونها تسلمته ولم تعتبره بحاجة إلى‬ ‫دليل‪.‬‬‫لكن إذا كانت الباحثة قد اعتمدت طريقة الترجمة فمعنى ذلك أن الظاهرة المترجم إليها تبدو‬‫لها ذات شفيف كاشف للبنية النظرية التي أرادت استخراجها لشرح سطح الظاهرة بعمقها أعني‬‫بالنموذج المحدد لقوانينها بالمعنى الرياضي للكلمة‪ .‬وليس بعزيز أن تجد في حديث المتحدثات عن‬‫الحداثة من يفهمن هذه الأحداث البديهية لأن حظهن من العلم ينبغي ألا يقل عن حظ ابن الزنا‬‫حتى في القانون الفرنسي قبل تعديله الأخير إرثا عن أصحاب الحداثة قيسا لقيمها على قيم الملكية‬‫في مثالنا‪ .‬فعندما نترجم معطيات مشكل رياضي بلغة الجبر لحله فنصوغ معطياته بمعادلة جبرية‬‫يكون المقصود بالترجمة الانتقال من الصوغ الذي ينطق بمعجم اللغة الطبيعية ونحوها إلى الصوغ‬ ‫‪12 10‬‬

‫الذي ينطق بمفردات الجبر وقوانينه‪ .‬عندئذ تصح الترجمة الصوغية‪ :‬إذ النقلة تغير مستوى‬‫الصوغ فتيسر إجراءات العلاج لكونها تبين الخفي من البنية الباطنة للظاهرة المدروسة‪ .‬وهي لا‬ ‫تكون كذلك إلا بافتراض شرطين يصعب أن يتوفرا في مثال الأستاذة متراتبين على النحو التالي‪:‬‬‫فالشرط الأول هو أن يكون الانتقال ضروريا للعلاج علما وأن فعل الانتقال من الصوغ الذي لا‬‫يقبل العلاج العلمي (إرث البنت في الإسلام) إلى الصوغ الثاني (إرث ابن الزنا) الذي يقبله ذا‬‫قواعد معلومة لأهل الاختصاص ومتفق عليها‪ :‬شرط وحدة السياق بين الظاهرتين أعني عدم‬ ‫أخذهما بمعزل عنه وهو هنا روح القانون العامة‪.‬‬‫والشرط الثاني هو شرط الشرط الأول وهو أن يكون بين الصوغين تشاكل بنيوي يبرزه الصوغ‬‫الثاني ويخفيه الصوغ الأول وهو عينه ما يمكن من العلاج‪ .‬فالصوغ الثاني ليس هو العلاج بل هو‬‫كما في مثال الصوغ الجبري يمثل منطلق العلاج المؤدي إلى الحل تحليلا أو تركيبا‪ :‬شرط التشاكل‬ ‫البنيوي بين نظامي الملكية والوصية‪.‬‬‫فهل الحكم القانوني الذي يحدد الإرث عند ابن الزنا في القانون الفرنسي الذي تشير إليه‬‫الباحثة يشترك مع النظام الذي يحدد الإرث عند البنت في الشرع الإسلامي في غير المقدار؟ وهل‬‫اعتبار انتقال الملكية بالإرث حقا للوارث يقتضي المساواة بين الورثة يبقي لمفهوم الحرية في التصرف‬‫في الملكية معنى خاصة إذا لم نجد أدنى مبرر لحصر هذا المبدأ في الأخوة؟ وهل الاشتراك في المقدار‬‫وحده كاف للقول بالتشاكل البنيوي بين الظاهرتين الموصوفتين أم إنه يستوجب الاشتراك في العلة‬‫العميقة التي بموجبها يحدد المقدار أيا كان كما علل القرآن سبب نهي المالك من تفضيل من سيوصي‬‫له بما يظنه علما بمن هو أكثر نفعا له من بينهم؟ والعلة إن وجدت ألا ينبغي أن تكون هي عينها‬‫جوهر المبدأ الوجودي الذي يستند إليه التشاكل البنيوي العميق تحت سطح الظاهرتين؟ والتشاكل‬‫المبني على المقدار حتى عند التسليم بقابليته للاستعمال في الكلام على الإرث معدوم في هذه الحالة‬‫بسبب الخلل في حدود المعادلة‪ .‬فالمقارنة كان يمكن أن تكون مفيدة لو لم يكن أحد الحدود الأربعة‬‫مختلفا‪ :‬فمقدارا الإرث متجانسان (النصف في الحالتين) لكن الوارثين من جنسين مختلفين (ذكر‬‫وأنثى) إلا إذا كان مدلول ابن الزنا يعني الجنسين عند الباحثة‪ .‬لذلك فالتشاكل حتى لو قبلناه لن‬‫يكون وجوديا بل رياضي لا غير بمعنى انتسابه إلى طبيعة طريقنا إلى علمه وليس إلى طبيعته هو‬‫طبيعته التي لا ندري ما هي دراية تمكننا من زعم الكلام على المنزلة الوجودية لمن تنسب إليهم‬ ‫الحقوق‪.‬‬ ‫‪12 11‬‬

‫فعلاقة الطبيعتين إحداهما بالأخرى منعدمة أعني أن الوجود (معين المنازل الوجودية) والمال‬ ‫(معين مقادير الملكية الموروثة) ليس بينهما علاقة مباشرة‪.‬‬ ‫‪12 12‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook