أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات1 تمهيد: النص: 1 المسألة الثالثة: 1 المسألة الرابعة: 5 10
نشر هذا النص بتاريخ 2007 - 03 - 31ونعيد نشره اليوم لأن الأستاذ أشار إليه في تعليقه علىمناورة الرئيس حول المساواة في الإرث .وهو يعالج القضية فلسفيا ردا على إحدى زعيمات هذاالتيار الذي يقود حملة المهمة التحضيرية بالتحديث المستبد للنخب الوصية للشعوب .وفيه ثلاثة فصول.وهنا نصل إلى بيت القصيد في النظام التشريعي الإسلامي بعيد الغور النظام الذي يتجرأ عليهبعض المتفلسفين بأفقر أدوات الفكر لو كانوا يعلمون .وحتى نفهم بعد الغور فيه فلنطرح سؤالين جوهريين لكل عمران سوي:- 1ما النظام الاقتصادي الذي نريده؟ هل نريد مجتمع الشركات العامة التي تجعل الناس أرقامافاقدين للذوق هدف الحياة الأول أم مجتمع الوحدات التآنسية التي يتحرر فيها الذوق قدر المستطاع من سلطان أسباب الحياة القاهر؟- 2وما طبيعة الحياة العاطفية المحددة للانتخاب العضوي بمعاييره السوية طبيعتها التي نريد؟فالتزاوج الداخلي الذي يصبح القاعدة بمؤثرات العامل الاقتصادي يؤدي إلى الأمراض البايولوجية لفرط تأثير دافع الحفاظ على الملكية الدافع الذي لا ينكره إلى متعام.فالتزاوج الخارجي الذي يمكن من تحقيق شروط الصحة العضوية هو التزاوج الذي يكون المحددالأول فيه الذوق لا الرزق .ولا يتحقق ذلك إذا كان الطمع في إرث المرأة حائلا دون تحريرها منالتزاوج الداخلي من أجل الحفاظ على الملكية ومن ثم مانعا لطلبها من الخارج لقوة الدافع المالي فلايبقى إلا طلبها الداخلي .ولو انتبهت النخب العجلى إلى هذه البعائد لترددت كثيرا في الجرأة علىكل شيء مع الجهل بأدنى شروط الفهم العميق لمقاصد الشرائع في حياة العمران .فحتى لو سلمنا لهمبأن الشرائع كلها من جنس الشرائع الوضعية فإن الأوضاع ليست متساوية للتمايز بين عقول 12 1
الواضعين .فمنهم من يرى البعائد ويسميهم اليونان حكماء .ومنهم من لا يرى أبعد من ذبابة أنفهويسميهم العرب سفهاء .فما أشقى المرأة التي يختارها المغازلون لمالها! ولعل الباحثة بمقتضى الجنسوالخبرة أدرى مني بالمفاضلة بين المرأة تُختار حبا لذاتها وجمالها أو ُتصطاد طمعا فيما عندها ومالها!والسؤال الآن هو لم كان الحد القرآني من حرية تصرف المالك في الوصية بهذه الصورة التيجعلت بعض المعاملات من العبادات دون أن تحافظ على مبدأ العبادات الأساسي أعني المساواة بينالبشر من حيث منزلتهم عند الله إلا بالتقوى أو العمل الخلقي في التعارف كما حددت ذلك آيةالتعارف؟ أي لماذا لم يفرض الله الحد بصورة تجعله يساوي بين الذكور والإناث في هذه الفريضةرغم كونها فريضة أي عبادة وليست معاملة؟ وهذا السؤال كان يمكن أن يكون مفهوما لو طرحتهالباحثة بعد أن تكون قد برهنت على فهم معنى الآية بالقصد الأول .ذلك أن تحديد مقادير الإرثهو معناها بالقصد الثاني .وهذا القصد الثاني لا يمكن أن يفهمه من غاب عنه القصد الأول .فإذاكان الشارح لم يفهم أن الآية تتعلق بالحد من حرية المالك في التوريث بحسب ظنونه فإنه لا يمكنهأن يفهم القصد من المقادير التي اختيرت حدا بمعنى ما لا يمكن النزول دونه .ذلك أن ما فوقهيبقى ممكنا بعدة طرق لم يتأخر بعض المالكين والفقهاء عن تصورها وتطبيقها بل هم تحيلوا فيالاتجاه المقابل للهبوط دون هذا الحد الأدنى وحتى لحرمان المرأة من الإرث أصلا اتباعا لما نبهتإليه الآية وحذرت منه لعلم الله بأن الغالب على البشر بالجبلة تفضيل الذكور على الإناث :لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . والجواب هنا مضاعف ويفهم بفرضيتين:- 1فلو فعل نص الآية فحقق المساواة في توزيع الإرث لكان ذلك معارضة مطلقة لحرية المالك فيالتفضيل أعني في حرية الوصية .والحد من حرية المالك في الوصية يفقد معناه إذا لم يكن مشروطابدواعي الحاجة إلى الحد منها :إنها في النص القرآني المعيار المتحكم في إرادة المالك إرادته التيتعبر عنها وصيته والتي يفهم منها قيس المالك لمقدار الموصى به بنفع الموصى إليه له .ومن هذاالقاعدة العامة التي تكاد تكون كلية تنتج قاعدة تفضيل الذكور على الإناث فهي أمر شبه كوني فيالمجتمعات البشرية .لكن الحد القرآني الذي يعترف بهذه الظاهرة اقتصر على وضع مبدأ الحدالأدنى (حظ الذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يمنع حق الهبة للبنات لمن كان من الآباء لا يقول بهذاالأمر شبه الكوني .والهبة غير الوصية لأنها تتم في حياة المالك وليست بعد وفاته :والهبات يمكن أن تأخذ شكل البيع بسعر تفضيلي ورمزي تجنبا للمماحكات القانونية بعد الوفاة. 12 2
لكن هذا الفهم رغم اختلافه عن تعليل إخوان الصفاء الذي هزأت منه الباحثة دون عميق فهملا يقدم من المسألة إلا علتها السطحية وهي علة رغم وجاهتها أقل أهمية من العلة العميقة ذاتالغور البعيد والتي لا يدركها من يسارع لطلب المسكوت عنه ويهمل المنطوق به أعني بعائد المعرفةالعلمية بقوانين العمران .وهزء الباحثة من تعليل إخوان الصفاء لا يستحق الذكر لو لم يكنمشفوعا ببشاعة لا يقبلها حتى الحداثي لأنها مناقضة لما يعتمد عليه من حجج :فإذا كان الصداقأجرا للاستمتاع يعني المتعة الجنسية كما فهمت الأستاذة فهو أذن أجر لما لا يستحق الأجر إذ الاستمتاعبهذا المعنى متبادل فلم ينبغي أن يدفع الرجل أجرا وكلا الجنسين يستمتع بالعلاقة الجنسية؟ لكنالقرآن لم يقصد بالاستمتاع ما فهمت الباحثة .فلو كان ذلك هو القصد لما وجد فرق بين الزواجوزواج المتعة .أفتكون منازل الأسر مجرد مواخير خاصة عند الباحثة والصداق بمقدمه دفعة أولىمقابل جملة عمليات الجماع ثم يصفى الحساب بالمؤخر منه؟! وهل يستغرب مثل هذا التصور ممن يقيس المنزلة الوجودية بمقدار الإرث؟- 2ولو فعل نص الآية ما تطلبه الشاكيات مما سمينه بجرح التفضيل الإلهي لفقدت الملكية دوريهاالمقومين لتوازن القوى بين وحدات العمران الإنساني الدنيا اقتصاديا وبايولوجيا .فالمعلوم أنالعمران البشري كله يدور مباشرة حول موضوعين وردا في سورة النساء ويدور بصورة غير مباشرةحول نوعي السلطان الناتجين عنهما في العمران .ويعبر عن الأمرين المباشرين في الأنثروبولوجيابمادتي التبادل الأساسيتين وموضوعي التواصلين المصاحبين لهما موضوعيه الجوهريين إما لعلمه (مصدر السلطان الرمزي) أو للعمل به (مصدر السلطان الفعلي).فالعمران كما يمكن أن يستنتج من نظرية ابن خلدون ومن تفسير سورة يوسف عليه السلام ليسهو إلا الحل الذي تمكن الإنسان من وضعه خلال تاريخه المتعثر لعلاج هذين التبادلين والسلطانينالمترتبين عليهما من أجل تحقيق الوحدة المتعالية عليها أربعتها بوصفها الوجود المادي والروحي للجماعة البشرية: فالتبادلان المقومان للعمران هما:- 1التساكن للتآنس ويدور حول معنى الذوق وأصله الحب عامة والحب المؤسس للوحدة الدنيا للقيام الإنساني أو الأسرة -2والتعاون للتعايش ويدور حول معنى الرزق.وكلا التبادلين مصحوب بتواصلين هما بالجوهر علم وعمل لما يقتضيانه من نظام يزع المتبادلين ويضبط الحقوق والواجبات: 12 3
- 3فالأول نظامه ووازعه خلقي روحي ومهمته الوزع الداخلي والأمن الخارجي في المستوىالرمزي من وجود الإنسان -4والثاني نظامه ووازعه سياسي زماني ومهمته الوزع الداخلي والأمن الخارجي في المستوى الفعلي من وجود الإنسان. ولا يتحقق التلاحم بين المستويين المضاعفين من العمران من دون مبدأ موحد:- 5ثم مبدأ عام يوحد الكل في الجماعة ذات الهوية شبه الواعية بكونها ذات منفصلة عما عداها من الجماعات بكيان جغرافي تاريخي معين يمكن أن نسميه أمة.فأما التبادل الأول فهو التبادل الذوقي عامة وأهم شيء فيه هو الحب والتواصل العاطفي الذيتنبني عليه الحياة التآنسية والتواصل بين وحدات إنتاج الإنسان نفسه في المجتمع :الأسر سواء في أضيق مستوياتها (الخلية الأسرية الدنيا) أو في أوسعها (القبيلة).وأما التبادل الثاني فهو التبادل الرزقي عامة وأهم شيء فيه هو الملكية والتواصل المصلحي الذي تبني عليه الحياة الاقتصادية والتواصل بين وحدات إنتاج أسباب عيش الإنسان في المجتمع.والمعلوم أن السلطان على محددات التواصل الأول والسلطان على محددات التواصل الثانيينسحب كل منهما على الآخر .وغالبا ما يصبح العامل الثاني المحدد الأساسي للعامل الأول :أي إنالزيجات تكون في الأغلب مصلحية فلا يكون الذوق هو المحدد بل الرزق هو الذي يعود إليه التحديدفي المقام الأول إذ يدخل في الاعتبار عامل الملكية والإرث المتوقع قبل عامل الذوق وخاصة فيالمستويات التي تصبح فيها الملكية ذات دلالة سلطانية أي تمكن من سلطان ما يقاس بالمنزلة في السلم الاجتماعي إلخ..لذلك فإن تحرير المبدأ الأول (سلطان الذوق) من المبدأ الثاني (سلطان الرزق) ييسر التبادلالذوقي أو بلغة سطحية يجعل تبادل النساء متحررا ما أمكن التحرر من تأثير تبادل الرزق .وذلكهو الشرط الضروري ولعله الكافي كذلك لتشجيع التزاوج الخارجي والعزوف عن التزاوج الداخليفيحصل التبادلان بأفضل طريقة للفصل بينهما ما أمكن أعني بالحد من تأثير الثاني في الأول:التبادل الذوقي والتبادل الرزقي .ثم إن هذا الشرط لا يقتصر على تشجيع التزاوج الخارجي بلهو أيضا يحافظ على معنى التقابل بين الداخل والخارج بمعيار موضوعي فيمكن من تمتين التلاحمالداخلي في الوحدات الدنيا ومن توطيد التواصل الخارجي بينها :فالثبات النسبي لملكية الأرض أورأس المال مثلا في الأسرة يجعل الملكية تنمو ويقلل من انفراط الوحدات الدنيا للعمران أعني وحدات التساكن للتآنس. 12 4
ومن له دراية بعلم الاقتصاد يدرك أن الاقتصاد العالمي اليوم يقوم على أساسين ليس منهما بد:احداهما محررة للإنسان والثانية مستعبدة له .فالوحدات الاقتصادية ذوات الاسم الخفي تزيلالحدود بين الوحدات الدنيا (الأسر والشركات الأسرية) بل وحتى بين الوحدات القصوى (مثلالأمم والدول) فتزيل النسيج الاجتماعي عامة سواء كان وطنيا أو دوليا ويصبح الجميع أرقاما فيآلة جهنمية هي بالذات مجتمع الحداثة التي يكون فيها الإنسان لولبا من لوالب السوق أو برغيا منبراغيه .والشركات المتوسطة والصغرى-وهي في الأغلب أسرية-لا تقتصر على المحافظة على الملكيةوحدها بل هي تحافظ في نفس الوقت على النسيج الإنساني الذي هو المطلوب الأول والأخير للحياةالبشرية إلا عند من يفضل الأرقام على البشر .ثم إن دورها التنموي لا يقل عن دور الأولى بلإن دورها التنموي أهم بكثير لأنها هي التي تمثل أهم مغذ لسوق الشغل إذ إن الشركات الكبرىتستعيض بالآلة عن العمال والشركات الصغرى ليس لها القدرة على كلفة الآلات فتبقى مصدرا مهما للعمل الإنساني.بل إن الشركات ذات الاسم الخفي بخلاف ما يظن من ليس له علم بالاقتصاد الحديث لا تستمدقوتها الاقتصادية إلا من هذه الشركات ذات الاسم العلني الذي هو في الغالب اسم أسرة :إنها فيالحقيقة ليست وحدات إنتاج بل هي وحدات تسيير للإنتاج الذي لا يتحقق حقا إلى في الشرطاتالصغرى والمتوسطة وهي إذن من جنس تغول السلطان الرزقي الذي يلغي الذوق لكي لا يبقي إلاعلى سلطان السوق .وذلك هو المعنى الحقيقي لمصطلح الاستمداد الخارجي الانجليزيOutsourcingالذي لجأ له الاقتصاد الحديث للجمع بين الشكلين من عمل الملكية من حيث هي أداةإنتاج اقتصادي ويماثله انتقال وحدات الإنتاج إلى البلاد النامية بالمصطلح الفرنسيDélocalisationحيث لا يزال العمل جاريا في وحدات صغرى تحافظ على التساكن من أجل التآنسحيث لا يزال لهاتين الكلمتين معنى عند أهل البلاد التي تنتقل إليها الصناعات الفرعية المغذيةللشركات الأم :وهنا ينبغي التذكير بمعنى الاستمتاع القرآني الذي ظنته الأستاذة تحويلا للأسر إلىمواخير في حين أن القصد هو التآنس والتساكن حيث يكون للمرأة الدور الأكبر في كل المجتمعات أيا كانت مزاعم التقدميين.وحاصل القول مما سبق أن النخب العربية التي تدعي التفلسف بقراءة كتاب أو بلغة تونسيةخالصة النخب التي \"من زبيبة تسكر\" لا يمكن الاعتماد عليها في اكتشاف المسكوت عنه من النصوصالدينية وأولى خطاهم القفز على المنطوق به فيها حتى لو سلمنا لهم بحق معاملتها معاملة النصوص 12 5
الأدبية .فمن شروط فهم أي نص العلم بالظاهرة التي يعالجها في ذاتها وبالقصد الأول .وهي هنا ظاهرة مضاعفة:- 1اقتصادية في علاقتها بقانون الملكية وحق التصرف فيها بالوصية والتوريث تحديدا لدوريالملكية المقومين لجوهرها :دورها الدال على القدرة المحققة للإرادة عند الشخص الإنساني من حيثهو ذات مدنية لها حقوق وعليها واجبات ودورها الدال على النسيج الرزقي المحقق للتعاون من أجل القيام المادي لحياة الفرد والجماعة.- 2وبايولوجية في علاقتها بما يترتب عليها في تبادل النساء في العمران تبادلهن الذي ينبغيتحريره من تأثير العامل الاقتصادي حتى لا يلغي كل إمكانية للتزاوج الخارجي إذا كان خروج المرأة سيؤدي إلى تهديم الرصيد الرزقي.وهكذا فهذا النص القرآني لا يعالج قضية المساواة بين المرأة والرجل ولا مسألة المنزلة الوجوديةللإنسان ذكرا كان أو أنثى بل هو يعالج مسألتين ليس من علاجهما بد لتحقيق أفضل شروط القيام الاقتصادي والبايولوجي للجماعة:الحد من حرية المالك في التصرف في ملكه بصورة تحول دونه والتحول إلى طاغية فيكون في تصرفهوكأنه رب وينسى أن علمه بعلاقة غيره به محدود فضلا عن علمه بأثر الملكية والعواطف في السلطان المستمد منهما على الحياة البشرية الجماعية.الحد من دور الرزق في الذوق لتحرير تبادل النساء من سلطان المال فلا يكون ما يعود إليها منمال الأسرة حائلا دونها والخروج منها إلى أسرة أخرى فيمتنع التبادل الخارجي ويصبح المجتمع أسرامنفصلة تمام الانفصال ويصبح المجتمع ارخبيل قبائل فضلا عما يؤدي إليه ذلك من فساد بايولوجيبسبب التزاوج الداخلي إذ إن ما حصل من فصل بين القبائل سيحصل بين أفخاذ القبيلة الواحدةوهكذا إلى أن نعود إلى زواج الأخ من أخته أو إلى حرمانها من الإرث أصلا وفرض العنوسة عليها.وتلك هي وظيفة القانون :التوفيق بين عدة عوامل لتحقق التوازنات الأساسية لقيام العمرانذوقا ورزقا وسلطان ذوق (السلطان الروحي) وسلطان رزق (السلطان الزماني) ووحدة الكل فيالجماعة المتجانسة في حياة لا تقتصر على تحديد المنازل بالرزق بل يكون فيها للذوق المنزلة الأولى.ليست وظيفة القانون تحديد المنازل الوجودية بل حمايتها بهذا التوازن الذي ذكرنا .أما تحديدها فهو مادة لضرب آخر من النصوص كما سنرى في هذه المسألة الثالثة.بينا أن الملكية لا تحدد المنزلة الوجودية لا بذاتها ولا بمقدارها إلا عند من لا يدرك المقصودبالمنزلة الوجودية حصرا إياها في الأمر الواقع لعلاقات القوة الاقتصادية وبينا مقومات المنزلة 12 6
الوجودية وبقي أن نسأل عن مدلول التفضيل الإلهي وهل هو لصالح الرجل أم لصالح المرأة فيالقرآن الكريم .ولن يفهم هذا التحليل إلا من كان متحررا ما أمكن مما ربي عليه من أحكام مسبقةاستبدلت الصور المشوهة لما انحط من حضارة المسلمين بالمعاني العميقة للقرآن الكريم سواء كانت هذه الصور المشوهة موجودة فعلا أو من وقع الأدبيات الاستشراقية بكل أجيالها.ولنبدأ بمدلول التفضيل الإلهي :فهو قضية أساسية في نظرية العدل أو التنزيه ويشار إليها عادةبمصطلح مركب من كلمتين يونانيتين تفيدان العدل الإلهي Théodicée.لو كان التفضيل الإلهيتفضيلا بمعنى الاجتباء التحكمي غير المعلل لكان ظلما إلهيا .وهذا هو قصد الجرح الذي تتكلم عليهالأستاذة .وكلامها يكون صحيحا سواء صح التفضيل لصالح الرجل أو المرأة أو أي كائن آخر لو كان القصد به هذا الفهم من التحكم الإلهي .فالتفضيل الوارد في القرآن له خمسة معان: -1تفضيل آدم وبنيه على الملائكة باستخلافهم -2وتفضيل بني إسرائيل على العالمين باصطفاء الكثير من الأنبياء منهم قبل نقض العهد -3وتفضيل المؤمنين على الكفار بتوريثهم الأرض .وقبل هذه الثلاثة الصريحة نجد تفضيلين مضمرين هما: -4تفضيل الوجود على العدم قبل النشأة الأولى -5ونجد بعدها تفضيل البعث على العدم بعد النشأة الثانية.وكل هذه الضروب من التفضيل معللة .ولا أعلم تفضيلا آخر ورد في القرآن بهذا الوضوح .لذلكفالكلام على تفضيل الرجال على النساء في آيات الإرث والنشاز ليست بالأمر البين كما يتصورالعجلون .لأن الآية الوحيدة التي ورد فيها ذكر التفضيل عند الكلام على العلاقة بين الرجل والمرأةلم يعين الفاضل فيها ولا المفضول .ذلك أنها نسبت ما يتصوره البعض علة القوامة الأولى أو الإنفاقإلى الرجال لكنها لم تنسب الفضل إليهم بل بقي الضمير والتبعيض (فضل بعضهم على بعض)شاملا لكلا الجنسين عند من يحسن القراءة .فإذا لم تفهم القوامة بمعنى السلطان-وهو أحد الفهوملكنه هو الذي طغى -بل فهمت بمعنى الرعاية بات المفضل في هذه الحالة هم النساء لأن القيم يكونفي خدمة ما هو قيم عليه .فيكون الرجال قيمين على النساء لأنهن أفضل ومن هذه القوامة الإنفاق.وتعليل هذا الفهم هو بالذات المنزلة الوجودية التي أكثرت الباحثة الكلام عليها دون فهم معناهاللجهل بالفرق بين المقوم والعرضي .فإذا قيست المنزلة الوجودية بما تقاس به في الفكر القديموالوسيط (بمنطق القائلين بتاريخية النصوص والباحثة منهم) كان المعيار في تحديد المنزلة الوجوديةهو معيار التراتب بين المادة والصورة الذي هو غير الترتيب بينهما .ومعنى ذلك أن السابق شرط 12 7
اللاحق ماديا واللاحق شرط السابق غائيا :فما صنع من شيء يكون وجوديا أسمى منه وجوديا لأنهيكون صورة بالقياس إليه مادة .ولما كان المعتقد السائد عندئذ أن المرأة خلقت بعد الرجل وهي منهحتى لو صدقنا أنها من ضلع فقط فإن معنى كون الرجل مادة صنعت منه المرأة يجعله في نسبة المادةإلى الصورة فيكون بالقياس إليها أقل تطور في سلم التصوير الوجودي أعني دونها منزلة وجودية.ذلك أنه لو كان الرجل أرقى وجوديا لكانت المرأة مادة وجوده لا العكس ولكان هو الصورة والغايةوهي المادة والبداية .الرجل هو الشرط المادي لوجود المرأة وهي الشرط الغائي لوجوده لها ما عندهمع ما أضيف إليها لتكون غيره ولا يختلف عنها إلا ما ينقصه بالقياس إليها .لذلك فهو يكون قائمابها وليس قائما عليها فحسب :قيامه عليها سببه قيامه بها لأن المرء لا يحفظ إلا ما يعز وقد يفسدإدراك ذلك في التعامل المرضي .لكنه يبقى لا يتحول في التعامل السوي :فالسلطان الفعلي بيدهاحتى وإن بدا السلطان الوهمي بيده بل هو لا يجد في سلطانه معنى إلا بما تلاعبه به من قبول هذا السلطان القبول الطوعي.وهذا قانون كلي :فهو يشمل كل الكائنات الحية ويدركه كل ذي بصيرة .وبهذا المعنى فإن الرجلمقدم في السلطان على الرزق أعني السلطان الزماني أي سلطان الأدوات والمرأة مقدمة في السلطانعلى الذوق أعني السلطان الروحاني أي سلطان الغايات :والسلطان الروحاني يبدو تابعا للسلطانالزماني لكن التبعية في العمق هي للروحاني على الزماني دائما .فالذوق هو الحكم في الغاية لذلككان صاحب السلطان الزماني تابعا دائما لصاحب السلطان الروحاني .وفي الحقيقة فإن التبعيتينموجودتان .لكن تبعية الروحاني للزماني هي تبعية المبدأ الصوري للمبدأ المادي أي إنه يحتاج إليهحاجة طالب المبنى للمبنى وتبعية الزماني للروحاني هي تبعية المبدأ المادي للمبدأ الصوري أي إنهيصبو إليه صبو طالب المعنى للمعنى لكأن المرأة هي المدلول والرجل هو الدال ووحدتهما هي عينالدلالة في ما يسمى سلطانا من حيث هو عبارة المنزلة الوجودية التي يسميها ابن خلدون :حب التأله أي الحرية المطلقة.ولما كان الرجل ممثلا للعلة المادية بالنسبة إلى المرأة فإن ما يعني المرأة منه هو ما فيه مما يهمالصورة في فعل التصوير :أن يكون أمرا بحاجة إلى صقل هو عين عمل التصوير .وما يحتاج إلىالصقل هو هذا العصيان المادي والصبو إلى الغلبة خلال التعبير عن الانغلاب :لذلك كان الحبلطيفا بما فيه من بقايا الوحشية التي لو خلا منها لفضل عليه الجنسان العلاقة المثلية دون سواها.وهو ما بدأ يغلب في العمران الذي خلا مما وصفنا .لكن الدليل الموجب على ما نقول هو ما يحصلفعلا وليس بمجرد الفرض :فالمرأة التي تدعي رفض هذا التشخيص لا ترفضه إلا في العلاقة 12 8
الزوجية لكنها تطبقه في العلاقة الغرامية :فهي فيها تطلب الذكر الأقوى فتخضع خضوعا ليس لهمثيل إلا ما نراه عند الأنثى في جميع الكائنات الحية بعد لعبة الإغراء لاختيار الذكر المناسب.وكذلك يفعل الرجل :فهو يقبل كل التضحيات لكأنه من فوارس الجاهلية العربية في مثل هذه العلاقة دون أي شعور بأن رجولته في الميزان مهما كان هشا وبشا.فيكون غرض الشارع أن يجعل ذلك ممكنا في العلاقة الشرعية بين الزوجين إذ يصبح من بنودعقد الزواج :أن يتصرف الزوجان وكأنهما عشيقان وهو المقصود بأن العلاقة تكاد تكون علاقة عبادةمن المرأة للرجل وعلاقة تقديس من الرجل للمرأة دون أن يكون في ذلك حاجة لتطبيق الآية التيسخرت منها أعني آية التدرج في حفظ العلاقة الغرامية بين الرجل والمرأة (بشرط أن يكونا مسلمينأي يطبقان على أنفسهما ما يطالبان به غيرهما :إذ لا يحق لمن لا تتوفر فيه شروط الإيمان بأصلالحكم أن يطبق ما له ويتنكر لما عليه منه) حفظا قد يؤدي إلى مراحل العقاب الثلاث عند حصولالنشاز (من قبل المرأة لأن للنشار من قبل الرجل له حكمه المناظر المحدد لطبيعة المسألة في الحالتينلكن الناس لا ينتبهون إليه لفساد طرقهم في القراءة والفهم) مع عدم التسريح بالمعروف بسببصمود العلاقة الغرامية بين الزوجين .ذلك أنه لو لم تكن الآية تتعلق بهذا النوع من العلاقة لما كانالحكم بحاجة إلى هذا التدرج ولكان الحل البديل المغني عن جميع الدرجات هو حل التسريح بالمعروف.لكن السلطانين الزماني (الذي يغلب عليه دور الرزق) والروحاني (الذي غلب عليه دور الذوق)أصبحا لا اسميين في العمران الذي باتت فيه المنزلة الوجودية تقدر بالمنزلة الاقتصادية أعني أنهماأصبحا فكرتين مجردتين فاقدتين لكل تعيين رغم أنهما في الحياة غير الشرعية الموازية للحياةالشرعية هما الفاعلان حقا بل هما المهربان من هذه الآلية الجهنمية كما بينا في العلاقات الغراميةغير الشرعية التي صارت بديلا من الزواج الذي بات مجرد شركة اقتصادية لا غير :ولسوء الحظفالعلاقات الغرامية نفسها قد يكون أفسدها استغلال السلطان الأكاديمي في توزيعه العناوينالجامعية! إن الآلية العمياء لفكر التحديثيين الذين فقدوا كل ذوق جعلت المساواة الرياضيةالعمياء أو الرقمية التامة مثال المنزلة الوجودية مثالها الأعلى .وكان ينبغي عندئذ أن يعترفوابأنهم لا يعترفون إلا بنوع واحد من المنازل :منازل الأرقام اللااسمية في سوق السوقة أعني البضاعة التي يحدد منزلتها السوقية عرض المتسوقة وطلبهم. 12 9
لم أفهم لجوء الاستاذة إلى قياس الإرث المخول للمرأة في الشرع الإسلامي بالإرث المخول لابنالزنى في القانون الفرنسي .فهل وحدة المقدار بمجردها كافية لتكون مبررا للقياس؟ ومع ذلك فلستممن ينفي حرية الباحثة في اختيار نموذج الصوغ النظري الذي ترتئيه :فلها كامل الحق في ذلك.اختارت الباحثة إذن أن تقيس هذين الأمرين ربما بسبب ما فيه من التبشيع المقصود إذ قد بينا مايجعل القياس خاليا من الدور المأمول في عملية معرفية تعتمد على ترجمة من هذا الجنس وهو فيهالا يكون مطلوبا إلا لهذه الغاية .فأصبحت الترجمة مجرد حيلة خطابية توحي للقارئ بسؤالاستنكاري قد يكون نصه قريبا من :كيف يمكن لشريعة يزعمها أصحابها سماوية أن تكون نظرتها إلى المرأة دون نظرة شريعة وضعية لابن الزنا ثم يواصل المؤمنون بها اعتبارها مقدسة؟!وهذا أيضا مما لا أناقش فيه .فهو أمر مشروع عند من يميل إلى الكتابة الخطابية رغم بدائيتهلخلوه-ليس بالذات-بل عند الباحثة من حذق الخداع الذي يرغب فيه الخطباء :فالاستبشاع منأدوات التأثير في الإقناع الخطابي بشرط أن يكون خفي الخيوط وبارع الحياكة فلا تبرز مخارزهللعين المجردة فيفتضح صاحبه ويحصل الوقع المقابل .أما منطقيا فقياس الباحثة بين الحالتين المقيسةوالمقيس عليها لا يستقيم إلا إذا سلمنا لها بما بنت عليه علاجها :سلمت أن العلاقة بين مقدار الإرثدالة المنزلة الوجودية للوارث دالة بالمعنى الرياضي للكلمة function (in a mathematical)meaningومن ثم فالتساوي في مقداره دليل على التساوي في مقدارها (بل هي ذهبت إلى أكثرمن ذلك إذ الحل الإسلامي بات عندها مفضولا والحل الفرنسي فاضلا لأن ابن زنا في هذا أكبر حظامن البنت في ذاك) .وقد عالجنا مسألة العلاقة بين المنزلة الوجودية والملكية والإرث عالجناها آنفافي ثانية المسائل الموضوعية فبينا سخف هذا الحكم فضلا عن كونها تسلمته ولم تعتبره بحاجة إلى دليل.لكن إذا كانت الباحثة قد اعتمدت طريقة الترجمة فمعنى ذلك أن الظاهرة المترجم إليها تبدولها ذات شفيف كاشف للبنية النظرية التي أرادت استخراجها لشرح سطح الظاهرة بعمقها أعنيبالنموذج المحدد لقوانينها بالمعنى الرياضي للكلمة .وليس بعزيز أن تجد في حديث المتحدثات عنالحداثة من يفهمن هذه الأحداث البديهية لأن حظهن من العلم ينبغي ألا يقل عن حظ ابن الزناحتى في القانون الفرنسي قبل تعديله الأخير إرثا عن أصحاب الحداثة قيسا لقيمها على قيم الملكيةفي مثالنا .فعندما نترجم معطيات مشكل رياضي بلغة الجبر لحله فنصوغ معطياته بمعادلة جبريةيكون المقصود بالترجمة الانتقال من الصوغ الذي ينطق بمعجم اللغة الطبيعية ونحوها إلى الصوغ 12 10
الذي ينطق بمفردات الجبر وقوانينه .عندئذ تصح الترجمة الصوغية :إذ النقلة تغير مستوىالصوغ فتيسر إجراءات العلاج لكونها تبين الخفي من البنية الباطنة للظاهرة المدروسة .وهي لا تكون كذلك إلا بافتراض شرطين يصعب أن يتوفرا في مثال الأستاذة متراتبين على النحو التالي:فالشرط الأول هو أن يكون الانتقال ضروريا للعلاج علما وأن فعل الانتقال من الصوغ الذي لايقبل العلاج العلمي (إرث البنت في الإسلام) إلى الصوغ الثاني (إرث ابن الزنا) الذي يقبله ذاقواعد معلومة لأهل الاختصاص ومتفق عليها :شرط وحدة السياق بين الظاهرتين أعني عدم أخذهما بمعزل عنه وهو هنا روح القانون العامة.والشرط الثاني هو شرط الشرط الأول وهو أن يكون بين الصوغين تشاكل بنيوي يبرزه الصوغالثاني ويخفيه الصوغ الأول وهو عينه ما يمكن من العلاج .فالصوغ الثاني ليس هو العلاج بل هوكما في مثال الصوغ الجبري يمثل منطلق العلاج المؤدي إلى الحل تحليلا أو تركيبا :شرط التشاكل البنيوي بين نظامي الملكية والوصية.فهل الحكم القانوني الذي يحدد الإرث عند ابن الزنا في القانون الفرنسي الذي تشير إليهالباحثة يشترك مع النظام الذي يحدد الإرث عند البنت في الشرع الإسلامي في غير المقدار؟ وهلاعتبار انتقال الملكية بالإرث حقا للوارث يقتضي المساواة بين الورثة يبقي لمفهوم الحرية في التصرففي الملكية معنى خاصة إذا لم نجد أدنى مبرر لحصر هذا المبدأ في الأخوة؟ وهل الاشتراك في المقداروحده كاف للقول بالتشاكل البنيوي بين الظاهرتين الموصوفتين أم إنه يستوجب الاشتراك في العلةالعميقة التي بموجبها يحدد المقدار أيا كان كما علل القرآن سبب نهي المالك من تفضيل من سيوصيله بما يظنه علما بمن هو أكثر نفعا له من بينهم؟ والعلة إن وجدت ألا ينبغي أن تكون هي عينهاجوهر المبدأ الوجودي الذي يستند إليه التشاكل البنيوي العميق تحت سطح الظاهرتين؟ والتشاكلالمبني على المقدار حتى عند التسليم بقابليته للاستعمال في الكلام على الإرث معدوم في هذه الحالةبسبب الخلل في حدود المعادلة .فالمقارنة كان يمكن أن تكون مفيدة لو لم يكن أحد الحدود الأربعةمختلفا :فمقدارا الإرث متجانسان (النصف في الحالتين) لكن الوارثين من جنسين مختلفين (ذكروأنثى) إلا إذا كان مدلول ابن الزنا يعني الجنسين عند الباحثة .لذلك فالتشاكل حتى لو قبلناه لنيكون وجوديا بل رياضي لا غير بمعنى انتسابه إلى طبيعة طريقنا إلى علمه وليس إلى طبيعته هوطبيعته التي لا ندري ما هي دراية تمكننا من زعم الكلام على المنزلة الوجودية لمن تنسب إليهم الحقوق. 12 11
فعلاقة الطبيعتين إحداهما بالأخرى منعدمة أعني أن الوجود (معين المنازل الوجودية) والمال (معين مقادير الملكية الموروثة) ليس بينهما علاقة مباشرة. 12 12
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 18
Pages: