Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الرابع - ابو يعرب المرزوقي

ثورة الاسلام وادعياء الحداثة الكاريكاتورية - الفصل الرابع - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-05-06 06:20:06

Description: ما القصد بكاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث؟
بينا معنى الكاريكاتور بنسبته التشويهية في فن الرسم، فماذا يرسم كلاهما؟
وما التشويه المشترك؟
في الحقيقة كلاهما تأصيلي وتحديثي: يدعيان تمثيل الأصل من الإسلام والأصل من الحداثة، بعودة تحققه من جديد، ومن ثم، فلهما كلاهما أصل يعودان إليه.
ومن ثم، فالتشويه مضاعف: تحديد الأصل ما هو، سواء كان الإسلام أو الحداثة، وتصور العودة إليه كيف تكون.
وبهذا سأبدأ دراسة كاريكاتور التأصيل.

Search

Read the Text Version

‫ثورة الإسلام‬‫وادعياء الحداثة الكاريكاتورية‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪-‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫وأدعياء الحداثة الكاريكاتورية‬



‫ما القصد بكاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث؟‬ ‫بينا معنى الكاريكاتور بنسبته التشويهية في فن الرسم‪ ،‬فماذا يرسم كلاهما؟‬ ‫وما التشويه المشترك؟‬‫في الحقيقة كلاهما تأصيلي وتحديثي‪ :‬يدعيان تمثيل الأصل من الإسلام والأصل من‬ ‫الحداثة‪ ،‬بعودة تحققه من جديد‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فلهما كلاهما أصل يعودان إليه‪.‬‬‫ومن ثم‪ ،‬فالتشويه مضاعف‪ :‬تحديد الأصل ما هو‪ ،‬سواء كان الإسلام أو الحداثة‪ ،‬وتصور‬ ‫العودة إليه كيف تكون‪.‬‬ ‫وبهذا سأبدأ دراسة كاريكاتور التأصيل‪.‬‬‫وأول سؤال هو‪ :‬هل يعلم صاحب كاريكاتور التحديث‪ ،‬أن القرآن يعرف الإسلام بكونه‬ ‫الديني في كل الأديان‪ ،‬بمعنى الخلقي والقانوني؟ أم جعله أحد الأديان؟‬‫ألم يجعله مجرد محاكات‪ ،‬ولو بالضد‪ ،‬لخاصيات الأديان التي نقد الإسلام تحريفها‪ ،‬بحيث‬ ‫غابت صفته الجوهرية المتمثلة في كونه دولة الأخلاق والقانون؟‬‫وبذلك‪ ،‬فهو لم يبق منه إلا الممارسات التوثينية‪ ،‬التي تحاكي لحظة من تعين الأخلاق‬ ‫والقانون‪ ،‬وكأن لها ثبات العبادات‪ ،‬فقدس الأعيان بدل المثال؟‬‫ولأنه لم يجد في الإسلام أهم صفتين تتميز بها الأديان‪ ،‬التي يعتبرها القرآن محرفة‪ ،‬فقد‬ ‫استعارها منها‪ :‬وهي اسرائيليات ونصرانيات وحتى جاهليات‪.‬‬‫ومن هنا جاءت كل الأساطير التي تتعلق بمعجزات‪ ،‬القرآن ينفي صراحة أن النبي يمكن‬‫أن يقدم منها شيئا‪ ،‬بل ويعتبرها للتخويف ولا علاقة لها بالديني‪ ،‬ومن ثم اعادة الكنسية‪،‬‬‫أو الوساطة الروحية‪ ،‬في شكل مؤسسة الإفتاء‪ ،‬وخاصة في شكل الأولياء والكرامات وكل ما‬ ‫يلغي القانون والأخلاق‪ ،‬أي دور الحريتين‪.‬‬ ‫‪81‬‬

‫وفي الجملة‪ ،‬فإن كاريكاتور التأصيل‪ ،‬بوصفه عودة إلى هذا الفهم‪ ،‬لا يعود إلى الإسلام‬‫والقرآن‪ ،‬بل إلى أوثان جعلت الإسلام مثل الأديان التي ينقدها‪ ،‬فهيمنت استعادة المظاهر‬‫أكثر من الحقائق التي يمثلها الإسلام‪ ،‬بوصفه ثورة روحية وسياسية‪ ،‬تحرر من وساطة‬ ‫روحية والحق الإلهي أو الطبيعي في الحكم‪.‬‬‫وهذا الفهم‪ ،‬حرف كل علوم الملة بقلب ما حددته الآية ‪ 53‬من سورة فصلت‪ ،‬ما جعل النظر‬ ‫والعمل يصبحان عقيمين‪ ،‬والأخلاق والقانون يفقدان سلطانهما لصالح قشور التدين‪.‬‬‫ومؤسسة الإفتاء ليست استشارة علمية‪ ،‬بل هي من جنس المرشدية العامة‪ ،‬أو من جنس‬ ‫المرجعية الشيعية‪ ،‬وهي كنسية دون اسمها‪ ،‬وصرحت في المشيخة الصوفية‪.‬‬‫ذلك أن من يستفتي لا يريد معرفة‪ ،‬بل يريد التخلص من ثقل المسؤولية في أخذ قرار‬ ‫متعلق بخصومة مع ذاته‪ ،‬وغالبا ما يكون الداعي الهروب من البينات‪.‬‬‫وأقصد بالهروب من البينات‪ ،‬عدم اتباع ما لا يحتاج إلى علم كبير للقرار فيه إلا بمعنى‬‫البحث عن مهرب وحيلة‪ ،‬تحلل ما ليس حلالا أو تحرم ما ليس حراما‪ ،‬وخاصة إذا كان طالب‬‫الفتوى ذا سلطان أو جاه‪ .‬وبهذا المعنى فالحاجة إلى الإفتاء ‪-‬باستثناء ما لم يكن ذا رهان‬ ‫مهم منه‪-‬هي الحاجة للوساطة الروحية‪.‬‬‫لن أطيل في هذا الوجه من كاريكاتور التحديث‪ ،‬لأن ما يعنيني هو ما ينتج عنه من اعاقة‬ ‫لمسعى تحقيق شروط الاستعمار في الارض بدعوى الاستخلاف المباشر‪.‬‬‫وقد بينت أن الاستخلاف المباشر مستحيل أولا‪ ،‬وأنه مناف للعلاقة الجوهرية بين الدين‬ ‫والحياة‪ :‬تصور الاستخلاف ممكنا‪ ،‬دون تعمير الأرض‪ ،‬مناقض للإسلام‪.‬‬‫وقد بينت أن جوهر التعبد‪ ،‬أي الفروض الخمسة‪ ،‬جعلها الإسلام مشروطة بعلامة تعمير‬ ‫الأرض‪ ،‬أي سد الحاجات الممتنع من دون تنمية مادية كافية لحياة كريمة‪.‬‬ ‫ففي الزكاة والحج الأمر بين‪.‬‬‫وفي الصوم والصلاة أبين رغم خفائه‪ :‬فلا يمكن أن يصوم من لا يتوفر له شروط الصحة‪،‬‬ ‫ولا يمكن أن يصلي من دون شروط النظافة‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫وإذن‪ ،‬فأربعة من الفروض الخمسة مشروطة صراحة بالنجاح في تعمير الأرض‪ ،‬والشهادة‬ ‫هي الحد الأدنى من فروض العبادة‪ ،‬مدخلا للعبادات بشروطها التعميرية‪.‬‬‫وإذن‪ ،‬فالتعمير صار جزءا من العبادات‪ ،‬وليس مقصورا على المعاملات‪ ،‬وشرطهما الأخلاق‬ ‫والقانون‪ ،‬والأولى وازع ذاتي‪ ،‬والثاني وازع أجنبي (ابن خلدون)‪.‬‬‫والتعمير لم يعد مجرد ضرب في الأرض للاسترزاق‪ ،‬بل هو ما نتج عن الديني في كل دين‪،‬‬ ‫الملازم للفلسفي في كل فلسفة‪ :‬الإبداعات الاربعة التي حددت‪.‬‬‫فلا بد لتعمير الأرض شرطا في الاستخلاف من الإبداع التاريخي‪ ،‬أصلا لأربعة فروع هي‪:‬‬ ‫الإبداع الذوقي‪:‬‬ ‫‪ -‬الوجداني‬ ‫‪ -‬والوجودي أصل الوعي الديني‪.‬‬ ‫ولا بد من الإبداع‪:‬‬ ‫‪ -‬النظري‬ ‫‪ -‬والعملي أصل الوعي الفلسفي‪.‬‬‫فيكون الوعي الديني أصلا للوعي الفلسفي‪ ،‬إذا كان الدين خاتما بوصفه الديني في كل‬ ‫دين‪.‬‬‫وإذن‪ ،‬فالإسلام الدين الخاتم‪ ،‬هو هذه الرؤية التي تعتبر الديني في كل دين‪ ،‬والفلسفي‬ ‫في كل فلسفة‪ ،‬أو الابداع التاريخي متقوما بالإبداعات الأربعة‪.‬‬‫واقتضى ذلك أن يكون كتابه إعادة النظر الثورية في مفهوم الوحي‪ ،‬وفي مفهوم العقل‪،‬‬ ‫بصورة تحرر الاول مما علق به من خرافة‪ ،‬والثاني مما علق به من وهم‪.‬‬‫والخرافة هي ما تحرر منه الإسلام الدين‪ ،‬لقوله بانتظام العادات وليس بخرقها‪ ،‬والوهم‬ ‫هو ما حرر منه الإسلام العقل لقوله بأن للعلم حدا‪ ،‬هو الغيب‪.‬‬‫وذلك هو مفهوم الرشد الإسلامي في الوحي والعقل‪ :‬الاول من جنس التعبير الوجداني‬ ‫والوجودي‪ ،‬والثاني من جنس العلم النظري والعملي‪.‬‬ ‫وكلاهما محدود‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫فلا النبي يعلم الغيب (الخرافة)‪ ،‬ولا الفيلسوف يعلم المطلق (الوهم)‪ :‬أسلوبان متكاملان‬ ‫لقيام الإنسان بالمعادلة الوجودية في الدنيا وما بعدها‪.‬‬‫والآن سأصدع بأعظم معجزة‪ ،‬هي جوهر الإسلام‪ :‬معجزة القرآن التي حررت الوحي من‬ ‫خرافة خرق العادات بانتظامها‪ ،‬والعقل من خرافة العلم المطلق بالغيب‪.‬‬‫أساس الحريتين‪ :‬الحرية الروحية تغني عن الوسطاء بين الله والإنسان بوجدانه‪ ،‬والحرية‬ ‫السياسية تغني عن الوسطاء بين المؤمن والشأن العام بعقله‪.‬‬‫والوجدان في الخلقي والقانوني وحي كوني‪-‬الفطرة الخلقية‪-‬والعقل في النظري والعملي‬ ‫إدراك كوني ‪-‬الفطرة العقلية‪ :‬الإسلام يساوي الديني والفلسفي الخاتمين‪.‬‬‫والسؤال الآن هو‪ :‬ما الذي حال دون علماء الملة وفهم هذه الحقائق‪ ،‬التي ينضح بها القرآن‬ ‫والسنة‪ ،‬ولا يمكن أن يغفل عنها عاقل ينظر بهدي الاسلام؟‬‫وعودة للمفارقة الكبرى ‪-‬البارادوكس الأعظم‪ -‬وهو أن المعجزة المحمدية‪ ،‬دينيا‪ ،‬هي نفي‬‫خرافة خرق العادات ببيان انتظامها في الطبيعة والتاريخ‪ ،‬وهي فلسفيا نفي وهم العلم‬‫المطلق بنظرية الغيب المحجوب حتى على الأنبياء‪ ،‬ومن ثم فجواب سؤالي هو غفلة علماء‬ ‫الملة عن وجهي الاعجاز المحمدي‪.‬‬‫والعجب من الغفلة عنهما‪ :‬فالرسول لم يعتمد في تحقيق شروط الرسالة على المعجزات‪ ،‬بل‬ ‫كان عمله السياسي والعسكري اجتهادا وجهادا عملا بالأسباب‪.‬‬‫وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين قص القرآن للرسالات‪ ،‬ومعجزات الأنبياء‬ ‫قبله‪ ،‬وبين نظرية الإسلام في عمل الرسول الاجتهادي والجهادي‪.‬‬ ‫فالقرآن نقد التطور الروحي للبشرية‪ ،‬نوعين من النقد‪:‬‬ ‫‪ -‬نصي‪.‬‬ ‫‪ -‬وفعلي‪.‬‬‫والنصي تعلق بالتحريف العقيدة (مضمون المعادلة الوجودية)‪ ،‬والفعلي بما أقره منه‪ ،‬وهو‬‫لم يقر خرافة خرق العادات ولا وهم العلم المطلق‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالإسلام نفسه من حيث هو‬ ‫هيمنة وتصديق‪ ،‬يفهمنا الفرق بين قص المعجزات وعدم اعتمادها‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫وهذا لا يعني أني أكذب بالمعجزات‪ .‬فالقرآن لم يكذب بها‪ ،‬إذ أوردها كما هي في معتقدات‬ ‫أصحابها‪ ،‬لكنه لم يعتمدها في الإسلام‪ ،‬اي في الديني في كل دين‪.‬‬ ‫وهي إذن من عرضيات الدين‪ ،‬وليس من الديني فيه‪.‬‬‫ولما كان الإسلام هو الديني في كل دين‪ ،‬فهو يحرر الرسالة الخاتمة مما ليس جوهريا في دينية‬ ‫الدين‪.‬‬‫لكن الخرافة عادت لدى المتصوفة خاصة‪ ،‬لكأنهم ظنوا عدم وجود خرق العادات في الإسلام‬ ‫نقصا‪ ،‬فلم يفهموا طبيعة الأعجاز القرآني‪ :‬النظام بدل خرقه‪.‬‬‫لكن الأخطر من ذلك كله هو قلب دلالة الآية ‪ 53‬من سورة فصلت‪ ،‬وبالكلام في هذا يتبين‬ ‫أصل كل العلوم الزائفة‪ ،‬التي قضت على ثورتي الإسلام طيلة عصر الانحطاط‪.‬‬‫وكان يمكن أن أسكت عن ذلك بعد شروعنا في الخروج منه لو لم يكن كاريكاتور التحديث‬ ‫يريد العودة إلى هذه العلوم الزائفة‪ ،‬متصورا أنها بعث لعزتنا‪.‬‬‫ولعل ذلك هو السر في اعجابي بابن خلدون غاية‪ ،‬وبابن تيمية وسطا‪ ،‬وبالغزالي بداية‪،‬‬‫باعتبارهم قد أدركوا خطر الأوهام التي حصلت عن هذا القلب العجيب‪ ،‬وهم ثلاثتهم‬‫أدركوا أن العلة كامنة في التأثر بالكلام والفلسفة‪ ،‬السائدين في المجال الحضاري الذي‬ ‫أصبح أرض الإسلام دون أن يبدع فكرا يلائم رؤاه‪.‬‬‫صحيح أن السلف كانوا بمنأى عن التأثر بهذا التراث السابق على الإسلام‪ ،‬وصحيح أنهم‬ ‫حاولوا مقاومة التأثر‪ ،‬لكنهم لم يكونوا مجهزين فكريا للتصدي‪.‬‬‫فمجرد الرفض والتحريم لا يحول دون التأثير‪ ،‬بل لعله يضاعفه‪ ،‬والتصدي بالتجهيز‬ ‫الفكري المناسب لم يبدأ حقا إ ّلا مع الغزال‪ ،‬ي واكتمل مع ابن خلدون‪.‬‬‫لذلك فعودتي المستمرة للغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪ ،‬ليس عودة إلى الماضي‪ ،‬بل عودة‬ ‫إلى ما في الماضي من سبل لتجاوز ما أعاق استكمال ثورة الإسلام‪.‬‬‫فكون الغزالي نقد الفلسفة النظرية (التهافت)‪ ،‬والفلسفة العملية (الفضائح)‪ ،‬يمثل‬ ‫عندي أكبر ثورة فكرية عرفتها البشرية‪ ،‬وهي صوغ صريح لثورة الإسلام‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫ثم عمق ابن تيمية هذا النقد‪ ،‬فأعاد النظر في أسس النظر‪ ،‬ولم يقتصر على ما بعد‬ ‫الطبيعة‪ ،‬بل أنهى الأبستمولوجيا القديمة بنقد نوعي التحليلات الارسطية‪.‬‬‫ثم تجاوز ابن خلدون الغزالي والفضائح‪ ،‬ونقد الفلسفة العملية اليونانية‪ ،‬واسس لفلسفة‬ ‫التاريخ الكوني وشروط الاستعمار في الأرض بقيم الخلافة‪.‬‬‫تلك هي المدرسة النقدية التي استثنيها من كلامي على فشل علوم الملة‪ ،‬الذي سأحاول وصفه‬ ‫الآن‪ ،‬والذي هو مصدر عقم الإبداع المحقق للتعمير والاستخلاف‪.‬‬‫فما العلوم الزائفة التي قتلت الإبداع بأصنافه الأربعة (الجمالي‪ ،‬والجلالي‪ ،‬والنظري‪،‬‬ ‫والعملي) لأنها قلبت فصلت ‪ 53‬وجعلت الغيب موضوعها بدل الشاهد؟‬‫ويمكن صوغ السؤال بصورة أوضح‪ :‬ما العلوم الزائفة التي حالت دون فهم الديني في‬ ‫الأديان‪ ،‬والفلسفي في الفلسفات‪ ،‬بوصفهما ثمرة الثورة الإسلامية؟‬‫إنها العلوم الزائفة التي افسدت علاقة الأخلاق بالقانون‪ ،‬والإيمان بالعلم‪ ،‬أو افسدت حل‬ ‫القرآن لمشكل الوجدان والوجود دينيا‪ ،‬والنظر والعمل فلسفيا‪.‬‬‫ففصلت ‪ 53‬تقول إن حقيقة القرآن يرينها الله في آيات الآفاق والأنفس‪ ،‬لافي ذات الله‬ ‫وصفاته‪ ،‬أو في اسرار البعث‪ ،‬أو الأرواح‪ ،‬وكلها من الغيب المحجوب‪.‬‬‫ولما كان القرآن يعرف ذاته بكونه الحق الذي أنزله الحق بالحق‪ ،‬فهو بذلك قد اعتبر ذاته‬ ‫الدستور الذي يحدد شروط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف‪.‬‬‫ولا يكون القرآن كذلك إلا إذا كان القصد بآيات الآفاق والأنفس ما يتجلى فيها من قوانين‪،‬‬ ‫تمكن من تحقيق شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف‪.‬‬‫وذلك هو مضمون الرسالة التي تصل قطبي المعادلة نزولا‪ ،‬ويقابلها مضمون الرد عليها بعلم‬ ‫قوانين الآفاق والأنفس لتحقيق أعمال الإنسان المكلف بهما‪.‬‬‫فيكون الديني في الأديان هو الخلقي والإيماني‪ ،‬ويكون الفلسفي في الفلسفات هو القانوني‬ ‫والعلمي‪.‬‬ ‫وهذه الأبعاد الأربعة هي شروط التعمير الاستخلافي‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫أما العلوم الزائفة‪ ،‬فهي التي تجعل الأخلاق في صراع مع القانون‪ ،‬والإيمان مع العلم‪،‬‬ ‫فتفسد الديني والفلسفي الخاتمين‪ ،‬وبذلك انحطت ثورة الإسلام‪.‬‬‫وهي بالذات‪ ،‬العلوم التي الغت الفرق بين الوجدان والوجود‪ ،‬والتعبير عنهما‪ ،‬والفرق بين‬ ‫النظر والعمل والعلم بهما‪ ،‬فأزالت الابداعات الأربعة من أصلها‪.‬‬‫فلا يمكن تحقيق التلاؤم بين الاخلاق والقانون من دون التمييز بين الوجدان والتعبير عنه‪،‬‬ ‫فالأول لامتناهي ولا يقال كله‪ ،‬والثاني متناه وينبغي قوله‪.‬‬‫والنسبة بينهما هي النسبة بين المثال والعين منه‪ ،‬التي هي في تطور دائم‪ ،‬سعيا إلى‬‫الاقتراب منه دون لمسه مثل منحنى \"اسمبتوت\" المقطوع المخروطي‪ ،‬ونفس هذه النسبة‬‫توجد بين الإيمان والعلم‪ ،‬فلا يمكن للعلم المتناهي بالطبع أن يطابق الإيمان اللامتناهي‬ ‫بالطبع‪ ،‬بنفس علاقة منحنى الاسمبتوت‪.‬‬‫والعلاقة بين المتناهي واللامتناهي في الابداعين الجمالي والجلالي أولا‪ ،‬وفي الإبداعين‬‫النظري والعملي‪ ،‬هي سر الثورتين الإسلاميتين أو الحريتين‪ ،‬فالإنسان المكلف والمكرم حر‬‫روحيا (علاقة مباشرة بالله‪ :‬رزقه الروحي)‪ ،‬وحر سياسيا (علاقة مباشرة بالشأن العام)‪،‬‬ ‫وهو أحد قطبي المعادلة الوجودية‪.‬‬ ‫والمعادلة الوجودية صيغت بها هذه العلاقة فهي مساوية لمضمون فصلت ‪:53‬‬ ‫‪-‬القطبان‪ :‬الله يري الإنسان‪،‬‬ ‫‪ -‬والوسطيان (الآفاق والانفس)‬ ‫‪ -‬والوصل هو رؤية ما يرينا الله‪.‬‬‫ورؤية ما يرينا الله هي علم حقيقة القرآن والعمل بها‪ :‬فيكون الوجدان والعلم مقصورين‬ ‫على الشاهد‪ ،‬ومحجوبين عن الغيب‪.‬‬ ‫لكن علوم الملة عكست فانحطت‪.‬‬‫وهذه العلوم التي عكست‪ ،‬هي علم الكلام والفلسفة بمعناهما الذي يلغي الغيب‪ ،‬متوهما‬‫أن العلم يمكن أن يكون مطلقا‪ ،‬يقاس به بعدا الروح‪ ،‬الوجدان والعقل‪ ،‬وهي الفقه‬ ‫‪87‬‬

‫والتصوف في العمل والشرائع‪ ،‬كالكلام والفلسفة في النظر والعقائد اللذين انتهيا إلى صراع‬ ‫الأخلاق والقانون‪ ،‬بنفس الوهم الكلامي والفلسفي‪.‬‬‫وتلك موضوعات الجدل العقيم الذي أنهى كل ابداع‪ ،‬ولم ينتج عنه إلا ما اشارت إليه‬ ‫الآية السابعة من آل عمران‪ :‬زيغ القلوب وابتغاء الفتنة الدائمين‪.‬‬‫فكانت النتيجة الجامعة‪ ،‬العقم الإبداعي الحائل دون تعمير الأرض بوهم الاستخلاف‬ ‫التعبدي‪ ،‬الذي كما بينا‪ ،‬يكون وهميا من دون تحقيق ما كُلف به الإنسان‪.‬‬ ‫‪88‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬