Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كيف تفسد التجربتان الفنية والروحية – أبو يعرب المرزوقي

كيف تفسد التجربتان الفنية والروحية – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-07-06 16:52:53

Description: نشر هذا النص بتاريخ 2008.01.18 في موقع ألف لسواح نعيد نشره لعلاقته بقضية الإبداع الفني وتوظيفاته التي هي مصدر الصراع الكاريكاتوري بين التأصيل والتحديث الزائفين.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫نشر هذا النص بتاريخ ‪ 2008.01.18‬في موقع ألف لسواح نعيد نشره لعلاقته بقضية‬‫الإبداع الفني وتوظيفاته التي هي مصدر الصراع الكاريكاتوري بين التأصيل والتحديث‬ ‫الزائفين‪.‬‬‫سبق لي أن علقت على مواقف الفقهاء من الإبداع بمناسبة ما دار من جدل أجوف حول‬‫أعشاب البحر‪ .‬فميزت حينها بين الإبداع الذي لا يجادل في حرية التعبير فيه إلا سخيف‬‫الرأي وقليل الذوق وبين توظيفه لجعله أداة نضال إيديولوجي ضد عقائد الآخرين كما‬‫يحصل عند من لا يقل سخافة عن معارض الإبداع باسم الدفاع عن الدين‪ .‬ولعل المعركة‬‫الدائرة حول تكفير الروائية الليبية البوعيسي بسبب روايتها \"للجوع وجوه أخرى\" (راجع‬‫في ذلك عرض المسألة بإسهاب في موقع ألف نقلا عن العربية نت بقلم فراج إسماعيل في يوم‬‫السبت ‪ 12‬كانون الثاني ‪ )2008‬يساعد على فهم طبيعة الظاهرة المرضية التي تخفي أعماق‬ ‫حقيقة تفسد على الإبداع والدين معا منزلتهما الرفيعة ودورهما في الثقافة‬‫فالبدائل الزائفة من الفن والدين عند موظفيهما وتبلد الذهن النقدي عند الحزبين من‬‫الأصوليتين الدينية والعلمانية لا يمكن إلا أن يؤولا إلى قتلهما فضلا عما يسببانه من فوضى‬‫روحية قد تؤول إلى حرب أهلية تبدأ رمزية وتنتهي عسكرية‪ .‬فكلا الصفين يترك معايير‬‫التجربة الفنية والتجربة الروحية ليكتفي بمعايير الإيديولوجية يحاكم بها صاحبه‪ :‬وهذا‬‫الداء هو مرض الروحانية العربية الحالية في مجال التجربتين الفنية والروحية مرضها‬‫الذي يعاني منه الحزبان الديني والعلماني وعلة الداء هي المعركة الدنكيخوتية بين‬ ‫الأصوليتين الدينية والعلمانية‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫وسأبدأ بالوجه الدنكيخوتي عند الأصولية الدينية التي تبدو أصل الداء لبيان سخفه‬‫ثم أنتقل إلى نفس الوجه عند الأصولية العلمانية التي هي أيضا مسهمة في تأجيج أعراض‬‫الداء‪ .‬ذلك أننا سنلحظ تناظرا وتوازيا مطلقا بين الموقفين بمجرد أن نستبدل التجربة‬‫التي يتكلم باسهما الصفان‪ :‬فما يمثله إفساد التجربة الروحية عند الأصولية الدينية‬‫يناظره إفساد التجربة الفنية عند الأصولية العلمانية لمجرد أن الصفين لم يفهما بعد أن‬ ‫التجربتين لا تنفصلان عندما تكونان صادقتين‪.‬‬‫وبخلاف ما يتصور الكثير فإن من يقدمون أنفسهم بصفة التنويريين لا يختلفون عن‬‫خصومهم‪ :‬فهم أعداء ما يزعمون الدفاع عنه أعني الإبداع لمجرد توظيفهم إياه في حرب‬‫علتها الخلط بين إفراط المتكلمين باسم الدين والدين مثل الصف الثاني الذي هو عدو ما‬‫يزعم الدفاع عنه لمجرد توظيفه في حرب علتها الخلط بين إفراط المتكلمين باسم الفن‬‫والفن‪ .‬ونفس الأمر حصل في كل مؤسسات البحث العلمي في جامعاتنا التي تحولت إلى هندام‬‫في الصراع الإيديولوجي فتخلت نهائيا عن الوظيفة الإبداعية في المعرفة العلمية وصار جل‬‫الأساتذة إما في خدمة الأحزاب الحاكمة أو في خدمة الأحزاب المعارضة فضلا عن المصالح‬ ‫الأجنبية التي توظف الجميع بوعي منهم أو بغير وعي‪.‬‬‫وقصدي في هذه الملاحظات السريعة أن أبين أن الموقفين يدلان على درجة كبيرة من‬‫السخف العقلي والتبلد الذوقي في الساحة الثقافية العربية مكتفيا بالإحالة إلى كلامي على‬‫طبيعة الظاهرة عندما تنتسب حقا إلى الإبداع وعلى إيماني بأنها بشروطها التي تجعل‬‫السجال محفزا للإبداع يمكن أن تكون ظاهرة صحية أحيل إلى كتابي في الشعر المطلق‬‫والإعجاز القرآني (دار الطليعة بيروت) أو كتابي وحدة الفكرين الديني والفلسفي (دار‬ ‫الفكر بيروت ودمشق)‪.‬‬ ‫• كيف تفسد الأصولية الدينية الإبداع الروحي‬‫هبنا جارينا الأصولية الدينية فاعتبرنا أقوال الأبطال في العمل الإبداعي معبرة عن‬‫رأي صاحب العمل أفلا يكون المبدع عندئذ معبرا بصدق عن أزمة حقيقية في الوجدان‬‫الجمعي الذي ليس هو منه إلا إحدى العينات؟ فهل يمكن عندئذ محاكمته على صراحته في‬ ‫‪92‬‬

‫التعبير عما يعاني منه من شكوك ووصف لحاله الروحية التي تحتاج إلى فهم بدل الحرب‬ ‫عليها؟‬‫أليس الأولى بمن يزعم الكلام باسم الدين والدفاع عن القيم أن يحاول فهم الأمر‬‫ليستفيد من التعبير الأدبي الذي يمثل محرار حال الأمة الروحية وما يتهدد حصانتها‬‫فيكون العلاج بطلب أصل الداء بدل الاقتصار على تكفير الصادق من المعبرين بصراحة‬ ‫عما يختلج في سرائرهم؟‬‫يكفي لفهم سخف هذا الموقف الذي يحارب التعبير الحر عن الشكوك الدينية والحيرة‬‫الروحية بيان عقم مستويات هذه الحرب الغبية على الإبداع لكأن الإيمان ليس طريقا‬ ‫طويلة يقطعها المرء بين حدين تكاد المسافة الفاصلة بينهما أن تكون لامتناهية‪:‬‬‫‪ .1‬في المستوى الأول‪ :‬فهذا الموقف سيدفع كل أديب حقيقي يريد أن يعبر عن تجربته‬‫الوجدانية بصدق أو متأدب خاصة يتظاهر بذلك إلى البحث عن حام داخلي أو خارجي ضد‬‫البوليس الديني الذي انحطت إليه وظيفة الفقيه‪ .‬وبذلك يكثر الجنود الذين يوظفهم‬‫الحامي في حربه النفسية على الحضارة العربية الإسلامية‪ .‬فيكون من يزعمون حماية الأمة‬ ‫أكبر مخربيها‪.‬‬‫ذلك أن هذا الموقف يؤدي المبدعين سواء من كان منهم في مرحلة التجريب أو من تأكدت‬‫قدراته الإبداعية ‪-‬على الأقل من باب الدفاع عن النفس ضد المتكلمين باسم الدين ‪-‬إلى‬ ‫الكفر بالثقافة الوطنية‪.‬‬‫وبدل من أن يكونوا مجرد ساعين إلى التعبير عن معاناة شخصية في تجربتهم الروحية‬‫دون معاداة للدين الصادق يتحولون إلى مناضلين من أجل أمور ليست مشروطة في الإبداع‬‫بل لعل عكسها هو الأصح كما سنرى‪ .‬وينبغي أن يعلم من يزعمون الخوف على الدين أنه‬‫ليس مما يخاف عليه إلا عند من لا يصدق بقيمته في ذاته‪ .‬ذلك أن كل من كان صادقا في‬‫تعبيره عن تجربة فنية فعلية فإنه بالضرورة سيكون ذا وجدان روحي أعمق من وجدان‬‫من يمارس الشعائر دون إيمان قلبي حقيقي ككل الذي يتدينون بالعادة ومن دون تجربة‬ ‫‪93‬‬

‫روحية حقيقية‪ :‬التجربة الفنية والتجربة الروحية وبخلاف الظاهر أختان لا تفترقان ما‬ ‫كانتا صادقتين‪.‬‬‫‪ .2‬في المستوى الثاني‪ :‬وهذا الموقف سيدفع كل يريد أن يعبر بصدق دون أن يجد من‬‫يحميه من البوليس الديني رغم كونه يعاني من نفس الداء إلى أن يصبح منافقا ومن ثم‬‫فهو دون شك أخطر على الدين وعلى أهله من الصنف الأول الذي أعلن الحرب صراحة‬‫فضلا عن انحطاط الأخلاق العامة عندما يصبح جل المواطنين يتعبدون خوفا من البوليس‬‫لا حبا في ما يتظاهرون بالإيمان به‪ .‬وبدلا من العمل على جعل الدين محبوبا لذاته يجعله‬‫هذا السلوك المنفر مكروها فيكون هذا الموقف الذي يتصوره أصحابه دفاعا عن الدين هو‬‫الحرب الحقيقية على الدين وليس المعبر بصدق عن تجربته الروحية خاصة إذا لم يصحبها‬ ‫توظيف من حماة من علمانيي الداخل أو من الأجانب‪.‬‬‫‪ .3‬في المستوى الثالث‪ :‬وبسبب المستويين الأولين يصبح باب الاجتهاد الفني والروحي‬‫في الأمة ممتنعا فيصبح الإنسان مضطرا أن يتبع بصورة نهائية أحد نهجين حديين لا وسيط‬‫بينهما فتكون البذرة المؤدية إلى الحرب الأهلية التي تبدأ جدالية رمزية وتنتهي عسكرية‬‫مادية‪ .‬فإذا حصرنا المجتهدين في خيار بين أن يكون إما كافرا بإطلاق أو مؤمنا بإطلاق نلغي‬‫مفهوم الإيمان من أصله لأنه ليس غاية العقد بل مسار العقد الذي يزيد وينقص ومن ثم‬‫فهو طريق لامتناهية‪ .‬لذلك فالمرء الصادق في إيمانه ولمجرد كونه صادقا وحيا لا يمكن إلا‬‫أن يكون ممن يعانون تجربة الشك والتردد والبحث الذي لا يتوقف لأن أحوال الوجدان‬‫ليست خاضعة لمنطق عدم التناقض والثالث المرفوع‪ :‬التجربة الفنية والتجربة الروحية لا‬ ‫تعيران بالغاية بل بالمسار الناقل من البداية إلى الغاية‪.‬‬‫‪ .4‬والمستوى الرابع‪ :‬واجتماع المستويات الثلاثة السابقة لا يقتل التعبير الفني الحر‬‫عن الحالات الروحية والوجدانية فحسب بل هو يقتل كل حياة فنية كانت أو دينية أو‬‫علمية فيكون حائلا دون أهم علاج روحي ونفسي للأمم أو ما يسميه أرسطو علاج التطهير‬‫فيعم الجفاف والتصحر الروحي وتعود الأمة إلى بربرية البداية التي يعلم الجميع موقف‬ ‫القرآن الكريم منها‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫اجتماع المستويات الثلاثة السابقة هو عودة الثقافة إلى بربرية البداية بمعنى حصر‬‫الوجود الإنساني في الأكل كما تأكل الأنعام التي يعيبها القرآن على كل من لا يتدبر الآفاق‬‫والأنفس‪ :‬ولا يمكن تدبرهما من دون شك وحيرة خلال المسار الموصل عند الصدق إلى‬‫الطمأنينة‪ .‬ووظيفة أسمى أجناس الآداب والفنون هو التعبير عن معاناة المسار وليس من‬‫دوره أن يكون داعية لا بالإيجاب (كما يريده غلاة الفقهاء من الدينين) ولا بالسلب (كما‬ ‫يريده غلاة الفقهاء العلمانيين)‪.‬‬‫‪ .5‬والمستوى الأخير‪ :‬يفيد بأن أصحاب هذه المواقف السخيفة تجعلهم يزعمون الغيرة‬‫على الإسلام والدفاع عن الدين وهم بهذا السلوك أول الكافرين بثورة كتابه الروحية‪.‬‬‫فلا أحد يجهل أن سبب نزول أهم آية تتعلق بحرية المعتقد والإيمان هو أن أحد الآباء‬‫الذين أسلموا حديثا أراد أن يفرض الإسلام على ابنيه اللذين اختارا المسيحية ولم يتبعاه‬‫في إسلامه فأراد أن يكرهما عليه فنهاه النبي عن ذلك ونزلت الآية ‪ 256‬من البقرة مباشرة‬‫الآية التي ظنها البابا محكومة بظرف الضعف الذي كان النبي عليه وليست قضية مبدئية‬‫في القرآن الكريم‪\" :‬لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن‬ ‫بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم\"‪.‬‬‫أفيكون هؤلاء المدافعون المزعومون أكثر غيرة على الإسلام من رب الأنام؟ ومن نبي‬‫الإسلام؟ أم إنهم من حيث لا يعلمون يعملون كل ما في وسعهم لإخراج الناس من الإسلام‬‫بسبب ما ينتج عن هذه العلل التي ذكرت والتي تعبر عن تخلف في المعرفة بأسرار الروح‬‫البشرية والآليات النفسية في مسائل العقائد التي كل عنف أو إكراه ينفر منها ولا يساعد‬‫على انتشارها؟ وهب هذه السيدة خرجت من الإسلام فهل يعني ذلك أن الأرض أخرجت‬ ‫زلزالها؟ كم من غير المسلمين دخل الإسلام في مقابل ذلك؟‬‫ثم لماذا لا نلحظ ما يثلج الصدور ونهتم بالقشور‪ :‬فغالب الذين يسلمون من الغربيين‬‫يسلمون لعلمهم وعدم الحاجة المادية وغالب الذين يخرجون من الإسلام يخرجون منه‬ ‫لجهلهم وبسبب الحاجة المادية‪ .‬ألا يكفي ذلك!؟‬ ‫‪95‬‬

‫لماذا لا يفهم هؤلاء الذين قال فيهم حجة الإسلام إنهم أخطر على الإسلام من كل أعدائه‬‫أن هذه السيدة إذا كانت جائعة حقا‪-‬سواء كان جوعها عضويا أو روحيا‪ -‬ستشبع يوما وأنها‬‫إذا كانت صادقة في طلب الحقيقة ستهتدي حتما إلى ما يريده لها الله ‪-‬هذا على الأقل عند‬‫من يؤمن بأن للبيت رب يحميه‪ -‬أعني إلى ما يرضاه لها منزلة بين العالمين‪ .‬أفيعقل أن ينهى‬‫الله نبيه عن إكراه الناس على الإيمان وأن يذكره بأنه ليس عليهم بمسيطر ثم يحق لفقيه‬ ‫أو مفت مهما كان علمه أن يدعي لنفسه ما حرمه الله على النبي؟‬ ‫• كيف تفسد الأصولية العلمانية الإبداع العقلي‬‫ما لم أفهمه هو الفرح الصبياني وشبه الشماتة بحال المسلمين كلما حدثت حادثة تافهة‬‫من هذا النوع‪-‬والمعلوم أن حال المسلمين في مجالات أخرى اخطر لا تسر الصديق وكنا نأمل‬‫أن يتألم منها العلماني وأن ينشغل بها في ما يزعمه من ثورة قيمية إذا كان حقا صادقا في‬‫سعيه للتحديث وليس جاعلا منه نقمة على كل شيء‪-‬كلما ظهرت مثل هذه الظاهرات التي‬‫يطبلون لها ويزمرون ثم يحولونها إلى منجنيق يتوالى منه رمي الإسلام والمسلمين فينضمون‬‫إلى صف أعدائه بدلا من العمل الجدي على تدبرها والبحث عن علاجها مثل أي إنسان‬ ‫نزيه يريد مناخا منفتحا للحياة الفنية والروحية على حد سواء‪.‬‬‫ذلك أنه إذا كان يمكن للمبدعين أن يكونوا صادقين في التعبير عن مثبطات تجاربهم‬‫الروحية بشكل إبداعي إما على لسانهم مباشرة أو على لسان أبطالهم بصورة غير مباشرة‬‫فإني لا أفهم كيف يمكن أن يتحول ذلك‪-‬على أهميته التي لا ينكرها إلا معاند‪-‬إلى حجة‬‫على الإسلام أو على المسلمين كما يفعل جل الأصوليين من غلاة العلمانية بدلا من أن يكون‬‫وصفا لحال المسلمون هم أنفسهم أول من يعتبره من بقايا الانحطاط وليس من جوهر‬ ‫عقيدتهم‪.‬‬‫أليس ذلك مما يمكن أن يجعل مغالاة بعض العلمانيين‪-‬كأمثال وفاء سلطان ونضال نعيسة‬‫وغيرهما من رسامي الكاريكاتور لحال المسلمين والإسلام‪ -‬تيارا سيؤدي إلى نفي الحكمة‬‫والروية على الفكرة نفسها فيؤدي إلى تعطيلها بدل المساعدة على تحقيق الممكن منها وفي‬ ‫الحدود المعقولة بحسب نضوج الشروط وتنوع التجارب الحضارية؟‬ ‫‪96‬‬

‫ترى هل منهم من يمكن أن يكون له نصيب من العقل والاتزان فلا ينساق أمام الدعاية‬‫الكاريكاتورية التي لا ترى من المسلمين إلى غبي الفتاوى ومتزمت المواقف وتنسى أن جل‬‫القادة في ثورة التحرير العالمية منهم حتى وإن كان ذلك رغما عنهم بسبب التكالب على‬ ‫أرضهم وعرضهم وربما بسبب إدبار اليسار عن أداء دوره في معركة التحرير؟‬‫أليس من المفروض أن يكون العلماني محايدا في أمر العقائد فلا يحول الأدب إلى مجرد‬‫سلاح عقدي بحيث بات ينظر إلى الأديان بعين لم تعد ترى مسائل الإيمان والكفران‬‫والعقائد من أسرار الضمائر؟ أليس في ذلك منافاة للموقف العلماني المزعوم أم إن للعلماني‬‫الحق في الحرب على الدين فيحول معركة حرية التعبير والإبداع إلى مجرد قوس يرمي بها‬ ‫المسلمين انسياقا مع الباحثين عن بديل من العدو الاشتراكي فوجدوه في المسلمين؟‬‫هل يعقل أن يصبح من شروط الموقف العلماني والحداثي تحويل الفن إلى مدفع لدك‬‫الحصون والحرب على مقدسات الشعب لاستفزازه دون داع بدلا من أن يكون موقفا ذا فكر‬‫بناء يساعد الأمة على التطور الرصين الذي يحيي القيم بدل العمل على تعميم الفوضى‬ ‫الروحية التي لن تزيد الثقافة إلى عنفا رمزيا وماديا؟‬‫ومثلما ميزنا مستويات موقف الصف الديني في حالة الدنكيخوتية الأصولية الدينية فإننا‬‫نستطيع أن نحدد بالتناظر العكسي نفس المستويات في الصف العلماني الذي يعاني من‬‫الدنكيخوتية الأصولية هو أيضا‪ .‬ذلك أننا لو جاريناهم فحولنا أقوال الشخوص ومواقفهم‬‫في العمل الإبداعي إلى بيانات ذات التزام نضالي مع العلمانية وضد الدين فإن الفن‬‫سيفقد طبيعته الإبداعية التي تترجم عما يعاني منه صاحبه من شكوك وتعبر عن وصف‬ ‫لحاله الروحية التي تحتاج إلى فهم بدل توظيفها في النضال العلماني‪.‬‬‫لو جاريناهم في هذا التصور هل يبقى للفن والإبداع طابعة الفني المخلص للقيم الجمالية‬‫أم تراه يتحول إلى دعاية مذهبية؟ ألسنا نرى أن النقد الأدبي عند الحداثيين لا يكاد‬‫يتجاوز النقد الثقافي الذي هو في الحقيقة نقد إيديولوجي لمضمون إيديولوجي ليس لهما‬ ‫من الإبداع الفني أدنى ذرة‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫ويكفي لفهم سخف هذا الموقف الذي يوظف التعبير الفني الحر فيجعله أداة نضال‬‫إيديولوجي ضد الدين أو مع العلمانية بدل من أن يكون تعبيرا عن شكوك وجدانية‬‫وحيرة روحية أن نظهر عقم مستويات الحرب بالإبداع على الدين عند الأصولية العلمانية‬ ‫المناظرة للحرب عليه بالدين عند الأصولية الدينية‪:‬‬‫‪-1‬في المستوى الأول‪ :‬هذا الموقف سيجعل كل من يطلب الحظوة عند أصحاب‬‫الإيديولوجيا السائدة يدعي أنه مبدع في حين أنه بروباجندي في خدمة بوليس الثقافة‬‫العلمانية التي انحطت إليها وظيفة المثقف الحداثي فيجف معين الإبداع ويقتل أصحاب‬‫التجارب الصادقة من العلمانيين‪ .‬فالتوظيف الإيديولوجي باسم الالتزام الإيديولوجي‪-‬‬‫كما حصل للأدب المزعوم واقعيا‪-‬سيحول منتوجهم إلى ريبورتاجات صحفية وبيانات حزبية‬ ‫من جنس مانيفاستو العقلانيين‪.‬‬‫ولعل الدرك الأسفل هو ما يعرض من أفلام نضالية ضد ما يسمونه الإرهاب ويزعمونها‬‫إبداعا في حين أنها لا تتجاوز البروباجندا المبتذلة ضد من يزعمونهم ظلاميين‪ .‬فهل يمكن‬‫أن يعد إبداعا فنيا مجرد ترديد الكاريكاتورات التي تعمل بها الاستعلامات الغربية في‬ ‫حربها النفسية؟‬‫كيف ينسى هؤلاء المزعومون مبدعين لو كانوا حقا صادقين أن النضال التحريري سواء‬‫ضد الاستبداد الداخلي أو الدولي ليس له من جنود إلا هؤلاء المزعومين ظلاميين بعد تخلي‬‫اليسار عن واجباته وارتداده تحت راية الليبرالية الجديدة وبالذات بهذا الفن المنحط‬‫الذي يختزل الثورة العالمية في اللحى والتعاويذ وينسى أن هؤلاء الثوار ليسوا من فقراء‬‫العالم الإسلامي بل هم من أكبر أثريائه فضلا عن كونهم ليسوا من أقل الناس اطلاعا على‬ ‫الحضارة الغربية التي يحاكيها من لا يعلم منها إلا القشور؟‬‫ولنكتف بمثال الكلام عن الصلاة عند هذه الآنسة‪ .‬فهي لم تقل شيئا يخالف ما قالته‬‫وفاء سلطان فيها تفضيلا لمفهوم الصلاة المسيحية عن مفهومها المسيحي‪ .‬هل في هذا تعبير‬‫عن الإبداع أم عن الجهل بالمعاني؟ فليس من شك أن الكسالى يفضلون تخيلات من يهذي‬‫وهو ساكن في السرير على حركية الرياضي الذي يعانق السماء بما يشبه الرقص الوجودي‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫فصلاة تكتفي بالتمتمة الكسلى وصلاة تشبه الرياضة البدنية سواء كانت فردية أو جماعية‬‫لا تقبلان المقارنة‪ .‬الأولى دعاء قولي والثاني دعاء فعلي‪ .‬والأول تمتمة لتابع سلطة كنسية‬ ‫كما يحصل في الكنائس والثانية علاقة مباشرة بين المؤمن وربه‪ .‬شتان بين الامرين‪.‬‬ ‫‪99‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook