أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
لا بد من الاعتراف بأمرين جوهريين يحسبان لهيجل .فهو يسلم للإسلام بكونه دينا كونيا ويسلمله بكونه قد حقق المصالحة بين قيم الروح المتعالية وتعيينها الفعلي في الوجود الدنيوي (بين الدينوالسياسة بتكوين دولة ذات شرع يستند إلى القيم الدينية) .لكنه يعتبر الأمرين مقصورين علىالوجه السالب منهما كما تعينا في الثورة الروحية الحقيقية (=التي هي عنده الاصلاحالبروتسنتي) .وهذه المقدمة ضرورية حتى يستطيع أن ينسب سوالب واقع المسلمين إلى الاسلامالنسبة التي باتت ملزومة الفكر الغربي كله وخاصة لما تأثر به المصلحون سلبا أو إيجابا منذئذ إلى الآن :فكر أحد تلامذة هيجل الصغار قصدت صاحب الرشدية اللاتينية.فالمسيحية هي التي حققت حسب هيجل المصالحة الحقيقية في مرحلة الاصلاح بعد أن قضت الوقتاللازم فأصبحت بفضله التجربة الناجحة فيما كان فيه الاسلام تجربة الاصلاح الفاشلة أو وجهه السالب .وبعد تأسيس امكانية نسبة أدواء واقع المسلمين لدينهم يستدل هيجل بهذا الواقع على تنافيالاسلام مع بناء الدولة العضوية معللا ذلك بما ينسبه إلى الاسلام من قول بالمساواة المطلقة التي لاتراعي المنازل ومن ثم من نفي للتعيين تبعا لنفي الوحدة العضوية عن الذات الالهية كما يزعمهيجل \":يختلف كل دين (عن غيره من الأديان) اختلافا جوهريا إذا كان مبدؤه على حال تجعل ماينتسب إلى تصور الروح المتحقق بتوازن فيه محققا مبدأه الذاتي المعين (في كل جوانب حياة الامة المؤمنة به) .أما عندما لا يبلغ تصور الروح (في أحد الأديان) إلى عمقه الحقيقي فإنه ستوجد كما أشرنا سابقاوجوه من حياة الشعب (المؤمن بذلك الدين) لا يكون فيها مبدأ الدين عقليا بل هو سيتنازل أمامنزوات التحكم أو هو يتصرف بصورة من الصور تصرفا غير حر ...كذلك هو الشأن في الاسلام. 81
فتعصبه جعل المؤمنين به مندفعين إلى تملك العالم إلا أنه دين عاجز عن بناء دولة متخلقة الاعضاء تكون فيها الدولة ذات وحدة عضوية فلا يستطيع بناء نظام قانوني للحرية\".1لم يبق هيجل لبوش وجوق حملته الدعائية-وفي مقدمتهم علمانيونا وليبراليونا الجدد -شيئايقولونه :يكفي أن يقرأوا هيجل! وكلهم لا يخفون أنهم من المنتسبين جميعا إلى الهيجلية المحدثة.لكن بوش وجماعته من اليمين المسيحي المتصهين لا يكتفون بالقول بنهاية التاريخ مثله بل هميحاولون انهاءه بالقوة ليكون الشكل العمراني الذي هم عليه الغاية التي يتوقف عندها التاريخ.وبذلك يقول كل المصلحين منا سواء انتسبوا إلى الأصلانية الدينية أو إلى الأصلانية العلمانية.فانظر ما يقول هيجل حول نهاية الاسلام وحال المسلمين وقارن الاوصاف الواردة في كلامه بالأوصافالتي تجدها في دعاية المسيحية الصهيونية .لكن لا تنس حكمة تكذيب التاريخ له تكذيبه الذي هوسبب فشلهم التاريخي المؤدي إلى نقمتهم التهديمية علة المراجعة الواجبة لكل الأحكام السخيفة حولالاسلام وحول كيفية اصلاح شأن المسلمين\" :وفي الوقت الراهن فإن الاسلام الذي فرض عليه الادبارإلى آسيا وافريقيا ولم يبق وجوده متسامحا معه إلا في زاوية محدودة من أوروبا بسبب التحاسد بين القوى المسيحية امحى منذ زمن بعد من تاريخ العالم وعاد إلى التسيب والسكون الشرقيين\"2وطبعا فليس هذا عيب هيجل وحده .فمنا من هم أكثر منه تحاملا على أديان غيرهم من خلالنسبة عيوب الواقع إلى تأثيرها .فكل من يتكلم في الظاهرة الدينية منا أو منهم ليقارن واقع الخصمبواجب نصه هو لا بواقعه ينتهي إلى مثل هذه النتائج .ذلك أن هيجل لو كان فعلا يقارن نص الاسلامبنص المسيحية لاختلف الأمر :هو يقارن واقع الدولة العثمانية بقيم المسيحية لا بواقع الدولة الالمانية في عصره التي كانت أشبه بحال العرب اليوم .فقد كان الالمان في القرن الثامن عشر والقرن التاسع قبل حرب 1870كرة تتقاذفها قوى العصر.ثم هي قد انتهت إلى ما يحلم به هيجل أعني \"الدولة العقل\" في الرايش الثالث الذي حول الشعبالألماني إلى جسد ميت يتحرك كالدمى بالنحيب الهتلري .ولو قارن واقع ملة بواقع ملة لاختلف 1أنظر هيجل :\" G.W.F. Hegel, Vorlesungen ueber die Philosophie der Weltgeschichte, G.Lasson, PB, Leipzig Verlag von Felix Meiner,1920, s.112:“ Die Religion unterscheidet sich danach wesentlich, ob ihr Prinzip so ist, dass alles, was zum Begriff des Geistes gehoert,im religioesen Prinzip ausgeglichen ist, sein eigenes bestimmtes Prinzip erlangt hat. Wird der Geist nicht in seiner wahrhaften Tiefegefasst, so gibt es, wie erwaehnt, Seiten im Leben eines Volkes, wo es unvernuenftig, seiner Willkuer preisgegeben ist oder auf irgendeine Weise sich unfrei verhaelt....So auch bei der Mohammedanischen Religion. Der Fanatismus derselben hat ihre Bekenner getrieben,die Welt zu erobern, ist aber dazu unfaehig, dass ein Staat sich zu einem gegliederten, organischen Statsleben, einer gesetzlichen Ordnung fuer die Freiheit bilde“. 2انظر هيجل : G.W.F. Hegel, Vorlesungen überr die Philosophie der Geschichte, Werke, 12 stw, n°612, s.434:“ Gegenwärtig nach Asienund Afrika zurückgedrängt und nur in einem Winkel Europas durch die Eifersucht der christlichen Mächte geduldet, ist der Islam schon “lägnst von dem Boden der Weltgeschichte verschwunden und in orientalische Gemächlichkeit und Ruhe zurückgetreten. 82
الامر .فواقع الالمان والمسيحيين في عصر هيجل لم يكن أفضل حال من واقع المسلمين إذا قبلنا المعاييرالتي يقدمها لقيس التفاضل بين الامم وهو بات أسوأ لو استعملنا معايير كونية يحددها منظار التاريخالطويل لا التاريخ القصير .فعقلانية تصرف الدولة وعدالة القانون والتوازن والتخلق العضوي للدولة إلخ ..ليست حقائق في الغرب حتى وإن بدا الامر كذلك في السطح.لو لم يجدوا من يستعبدون خارج بلدانهم لفعلوا ما يفعل مستعبدونا داخل بلداننا .الدولةالحديثة ليست عقلانية ولا قانونها عادل ولا هي متوازنة التخلق إلا إذ قصرنا القيم في حدودهاوفي الحدود التي تمكنها من ادعاء هذه الشبائه واعتبرنا نفيها خارج ذينك النوعين من الحدودمشروعا .لذلك كان هيجل أكثر الفلاسفة تبريرا للاستعمار أي لاستعباد القدر الاكبر من البشر منأجل القدر الأصغر فلم يتغير شيء من بداية التاريخ إلى نهايته :كل ما في الامر أن القبيلة البدائيةصارت دولة تدعي العقلانية! ومثله كل الايديولوجيات الغربية التي تولدت عن المثالية الالمانيةوالرومانسية :تسمي فرض تصورات الغرب رسالة تحضيرية رسالة تمكنت بتوسطها من تبرير جرائملا يمكن للخيال أن يتصورها .كل ذلك هو ما كلفنا الله بالجهاد ضده :منع الحرية العقدية واستحلال المستضعفين في الارض .تلك هي رسالة الاسلام لو كان يحق لنا أن نقارن نصا بنص!فالمثل التي يتكلم عليها هيجل هي عينها المثل التي يحلم بها كل إنسان منذ فجر التاريخ حتى وإنكانت بعض الاديان والايديولوجيات مبنية على نفي كونيتها .ذلك أن هيجل نفسه بنظرية العقلالمتعين في الدولة التي هي في نفس الوقت دولة شعب معين ومن ثم روح شعب بعينه لا بد أن ينتهيإلى قيم غير كونية تفرز بين من هو أهل لهذه القيم أي السادة ومن لا يستأهلونها أي العبيد الذينينبغي تحريرهم كما تحرر أمريكا العراقيين حاليا وكما حرر الاستعمار قبل ذلك شعوب الارض في حملة الرسالة التحضيرية .وما من أحد قرأ القرآن والسنة لم يسلم بأنهما يدعوان إلى تحقيق القيم بصورة كونية لتعم كلالبشر لان الإسلام لم يأت للعرب أو المسلمين وحدهم .فكيف انتهى هيجل إلى أن المشكل متأت مننص الاسلام في مفهوم الله ومن تأثيرها المزعوم :هل توجد في التاريخ دولة وصل بها التنوع والتعددوهما شرطا التعضي الحقيقي إلى ما حصل في الدولة الاسلامية التي لم تطبق التعدد المذهبي فينفس الملة فحسب بل طبقت التعدد الملي في نفس الحضارة فكان لكل الاديان المعترف بها في القرآنأن تمارس شعائرها وشرائعها وكان المسلم حرا في أن يختار مذهبه الشرعي والعقدي؟ وهل يوجد فيالتاريخ عكس ما وصفنا بإطلاق في غير التاريخ المسيحي الذي لا يزال إلى الآن حتى بعد أن خفت 83
دور الكنسية قادرا على أن يقيم أوروبا كلها قومة رجل وحد لمنع تركيا من دخول النادي الاوروبي لمجرد كون غالبية سكانها من المسلمين؟يكفي أن تنظر في التعدد الثقافي واللساني والعرقي والعرفي في أي دولة اسلامية والوحدة القاتلةفي أي دولة أوروبية حيث تفرض لغة واحدة ونمط قانوني واحد وثقافة واحدة ونمط عيش واحد:أليست هذه هي الوحدة التصحيرية التي قتلت الانواع النباتية الحيوانية والتنوع الثقافي؟ كم من شعب ولغة وثقافة أفناها الغزو الغربي ولم يمسسها الفتح الاسلامي؟لذلك فالسؤال الحقيقي هو :هل هذه القيم موجودة في واقع المسيحيين أولا؟ وهل هي موجودةعندهم لأنهم مسيحيون بتأثير من دينهم؟ ثم هل عدم هذه القيم في واقعنا أكبر من عدمها فيواقعهم حقا؟ وهل هذا العدم لأننا مسلمون وبتأثير من ديننا؟ أليس من المفروض أن تقع المقارنة بين نص ونص أو بين واقع وواقع أو بين نص وواقعه لا غير لا بين مثل نصنا وواقع الغير؟وكان ابن خلدون قد حاول تخليص الباحثين من مثل هذه الاوهام عندما بين أنه لا يمكن للدعوةالدينية بذاتها أن تكون مؤثرة رغم أنها عند مصاحبتها للعامل المؤثر في الحدث التاريخي تزيده قوة(وسنرى العامل المؤثر ما هو إذ هو ليس العصبية كما يتصور من يقرأ ابن خلدون بسطحية المسارعينلعرض المشاريع لنيل مرتبة النجومية ومن ثم للانتساب إلى السلطة الروحية المستبدة بتقاسم النفوذمع السلطة الزمانية المستبدة) .كما بين أن العامل المؤثر من دون العامل العقدي لا يمكن أن يدوم تأثيره .فيكون المؤثر العقدي مؤديا دورين:- 1الأول هو دور عامل تعميق الاثر وتقويته لأنه يجعل فعل العامل المؤثر جامعا بين قوته الذاتية وقوة قناعة مستعمله في فعله فينقلب الوزع من الوزع الاجنبي إلى الوزع الذاتي.- 2والثاني وهو أهم هو دور المثبت للأثر والمحقق لشروط بقائه من خلال اخضاعه إلى احكام تحد من انقلابه إلى ضده افراطا أو تفريطا .فيكون الوزع الذاتي ذاتي التعديل الدائم.ولما كان التاريخ من أصله عالميا (هكذا كان وهو كذلك سيبقى والفرق الوحيد بين حقبه شكلي ولامعنى له لأن اتساع حدود العالم مكانا ناظرها ضيقها زمانا بحكم تسارع الاتصال .فما كان صراعقبائل على الكلا والماء صار صراع دول ومجموعات على البترول والغذاء .وقد يعود إلى ما كان بحكم تزايد السكان وتناقص الموارد) فإن كل واحد من هذه العوامل يصبح ذا وجهين:- 1عامل التعميق الاضافي أي حاصل الصراع بين عوامل التعميق العقدية داخل نفس الامة في عامل التعميق الاضافي بين الامم المتصارعة في التاريخ - 2ثم عامل التثبيت الاضافي بنفس الشروط. 84
- 3وأثر الحاصل الأول في الحاصل الثاني - 4وأثر الحاصل الثاني في الحاصل الاول فتكون أدوار العامل العقدي بذلك أربعة- 5ويجمعها أصل واحد تتفرع عنها أربعتها .وهذا الأصل الواحد هو صراع البقاء الخاص بالنوعالانساني من حيث هو حيوان داخليا وخارجيا مع من يشاركه بيئته من الكائنات أو الظاهرات الاخرى .وتلك هي علة الحاجة إلى الدين من المنظور الاسلامي :فهو الذي يسعى إلى تحرير الانسان منهذه الدوامة الجهنمية بتعويض الصراع الحيواني من أجل البقاء إلى علاقة تعارف بين القبائلوالشعوب .لكن الدين يمكن أن يتحول بتحالف السلط التي تستحوذ عليه إلى أداة ايديولوجية فينفس هذا الصراع :وذلك ما يسميه القرآن طاغوتا ناتجا عن تحريف هدف الرسالات السماوية.وذلك هو جوهر ما حققه التحريف الثاني أعنى ما يسمى بالإصلاح البروتستانتي .ذلك على الاقلما يقدمه القرآن لتفسير الظاهرة الدينية في علاقتها بالعوامل المؤثرة في التاريخ .أما ما أضافهابن خلدون فهو القول إن التاريخ الفعلي هو بدوره يجري بحسب هذا الفهم :أي إن العامل العقديإذا كان حقيقيا فإنه سيكون غاية ما يصل إليه العقل من قوانين من دونها يؤول تاريخ الأمم إلى التخريب الذاتي .وذلك هو مضمون المقدمة .ومعنى ذلك أن ابن خلدون يعتبر قيم الرسالة الخاتمة غاية ما يمكن للعقل أن يكتشفه من قوانينللتاريخ إذا تدرج في التعديل الذاتي الذي يضفي عليه المعقولية الكونية لا معقولية حضارة دونحضارة .وقد رمزت سورة العصر للواقع الانساني في علاقته بمنظوره لمنزلة الانسان الوجوديةوالقيمية تحريفا أو تصحيحا فحددت الوقوع في الخسر بالإشارة إلى شروط الاستثناء منه بصورةتلغي كل محاولات الادعياء من أصحاب المشروعات الذين يبنون الكون بأمانيهم .فثلاثة منالشروط الخمسة التي وضعتها لا يكون فيها الفرد قادرا على الفعل بمفرده .لذلك فكل المشروعات أماني. 85
فبهذا الشرط لا بد أن يتطابق مع جوهر المنظور الوجودي والقيمي الاسلاميين المنظور الذييرفض التحريف الوجودي (تأليه الانسان وجوديا أي العقيدة الاساسية في الاديان المحرفة)والتحريف القيمي (تأليه الانسان قيميا أي الشريعة الاساسية في الاديان المحرفة) :فسواء صدقنابالقسم الوارد في بدء السورة أو لم نصدق (سواء كنا متدينين أو غير متدينين) فإن فهم معناهيجعلك تسلم بأن الإنسان يكون في خسر بغير هذه الشروط ولا يخرج منه إلا بها .لكن صاحب القسممن المنظور الاسلامي هنا هو الله وليس محمد كما يمكن أن يذهب إليه من يحتكم إلى العقل وحده.والمقسوم به هو العصر .وهو من المنظور الاسلامي وقت الصلاة المفضلة في العقيدة الاسلامية أعني الصلاة الوسطي (قبلها اثنتان وبعدها اثنتان).أما من المنظور العقلي البحت فهو الوقت المفضل في مراحل عمر الانسان .فبعد الطفولة والشبابتأتي الكهولة وسطا بينهما وبين الشيخوخة وأرذل العمر .ومعنى ذلك أن السورة تتحدث عن المستقبل منذئذ .لكأنها تقول إن الانسان مقبل على الوقوع في الخسر الذي ترمز إليه الشيخوخة وأرذل العمر إذابقي التحريفان مسيطرين وهي تشترط للخروج من هذا المآل العودة إلى الطفولة والشباب بعمليةالاصلاح عودة إلى رمزي الحياة المبدعة والفطرية بفضل سؤال الكهولة الذي تريد اعادة طرحهوتحقيق شروطه بتحرير الطفولة والشباب من التحريفين أو من عقدة الخطيئة وعقدة الكبرياء.ولما كان القسم بها رمزا للنظرية التي تحدد شروط الخروج من الخسر بوجودها وشروط البقاءفيه بعدمها كان ذلك رمزا بإشارة الوسط إلى التوسط الذي هو منزلة الأمة الاسلامية في التاريخالكوني وفي منظورها لمنزلتي الإنسان الوجودية والقيمية :وذلك هو مضمون الرسالة الخاتمة العقديوالشرعي .فهي تحدد نفسها بكونها اصلاحا لتحريف الرسالتين المتقدمتين عليها مباشرة والفاعلتينفي المسرح التاريخي (المسيحية واليهودية) بتحريفهما للرسالتين المؤسستين اللتين تقدمتا عليهما أعني الآدمية والنوحية .فالمسيحية حرفت الآدمية بإعادة عقيدة الخطيئة الموروثة بعد أن جبتها توبة آدم كما ورد في القرآن الكريم اصلاحا لهذا التحريف .واليهودية حرفت النوحية بحصر النجاة في شعب مختار واغراق البقية بعد أن تخلص منها نوح لما أنقذ من كل زوجين اثنين كما ورد في القرآن اصلاحا لهذا التحريف .وهي تعتبر نفسها مصلحة بفضل احياء السؤال الوجودي المطلق عن الذات الالهية كما صاغةابراهيم عليه السلام :البحث عن الذات المطلة والتعالي عن الطاغوت أو تأليه غيره من الموجودات. 86
وبهده العودة إلى الدينين الاصليين بعد تخليصهما من التحريفين يصبح الانسان مقبلا على تحقيقهما جوابا عن السؤال الوجودي المطلق:- 1نظرية البراءة الأصلية بديلا من نظرية الخطيئة الموروثة :تحرير البشرية من عقدةالخطيئة ومن اعتباره بحاجة إلى منج يحل فيه الرب فيصبح أصحاب هذه العقيدة مستعبدين لكل من عداهم لأنهم أبناء الله والمكلفون بتحضير غيرهم حيث يتصاحب الغزو والتبشير.- 2نظرية الأخوة البشرية بديلا من نظرية الشعب المختار :تحرير البشرية من الاقتتال ومنالاغراق المتبادل ليكون الخطاب للبشرية كلها وليس مقصورا على شعب مختار يستعبد المستعبدينليستعبد بها باقي البشرية :إذ يتحول المسيحيون إلى أداة دولة اليهود تماما كما يصور ذلك لوثر .لذلك فمضمون الرسالة الخاتمة هو مضمون سورة العصر ولا شيء غيره :فالتشريع من المنظورالفردي مبني على الايمان والعمل الصالح .وهو من المنظور الجمعي مبني على معيارين كلاهمابصيغة الاشتراك .فالاشتراك في الاجتهاد يكون معيار الحقيقة فيه هو الاجماع الناتج عن التواصيبالحق .والاشتراك في الجهاد يكون معيار الحق فيه هو الاجماع الناتج عن التواصي بالصبر .وهذا يغني عن عقيدة أو تشريع سماويين بعد القرآن .لذلك كانت الرسالة خاتمة.ولا تقتصر صحة هذا الكلام على دور العقائد الدينية وحدها في صلتها بالمؤثر في التاريخ بل هويصح على كل نسق رمزي قابل للاستعمال النافع أو الضار بما في ذلك النظريات العلمية في علاقتهاباستعمالاتها .والأمر هنا قابل للمقارنة حتى باستعمال الأدوات المادية .فنفس الأداة يمكن أن تستعمل للضر ويمكن أن تستعمل للنفع .ثم يأتي بعد ذلك ما يمكن أن ينسب إلى النسق العقدي أو إلى النسق العلمي أو إلى الأداة الماديةمن نفع أو ضر ذاتي لها بحسب معايير أخرى لا يكتفى فيها بالاحتكام إلى التاريخ القصير كما يفعلهيجل عندما ظن الاسلام قد غادر ركح التاريخ وظن التاريخ سينتهي في الولايات المتحدة الأمريكيةفي نظرية الدائرة بحسب تكوير الارض واعتقد أن الدولة المركزية تعين الروح الكلي في العالم أيالعقيدة المسيحية التي نجحت فيما فشل فيه الاسلام .لم يكن يدري أن التاريخ يمكن أن يستأنفدورة جديدة وأن الشرق يعود من جديد فضلا عن الاسلام الذي اعتبره قد طرد إليه وإلى افريقيا من بلاد الحضارة الاوروبية!وما يمكن ان ينسب إلى العقائد الدينية من ضرر بذاتها هو ما يطلق عليه القرآن ثمرة ما حل بهامن تحريف يجعل استعمالها الضار هو الاستعمال الوحيد الممكن لأنه جزء من تعاليم العقيدة نفسهاوليس ناتجا عن استعمالها استعمالا منافيا لتعاليمها .ومعنى ذلك أن العقيدة السوية يمكن أن 87
تستعمل للضر والنفع على حد سواء .وتلك حال الاسلام .لكن العقائد المحرفة لا يمكن أن تستعملالا للضر لأنها لذلك جعلت حتى وإن بدا أن حال أصحابها أفضل من حال المسلمين .وذلك ما نحاولبيانه في العنوان الاخير من هذه المحاولة :فلسفة الدين الاسلامية وكيف حددت أصل التحريف في علاقته بنظرية الانسان الاله وأصل الطاغوت في علاقته بعقيدة كلمة الله. 88
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 14
Pages: