أبو يعرب المرزوقيبالصبر والمطاولة ستنتصران الأسماء والبيان
بالصبر والمطاولة ستنتصران
سأعرج لبحث السلطة ،بعد الفراغ من إشكالية ملحة:كيف أفهم النكوص ،الذي تأكد عما أملت منه خيرا ،عندما شرع الملك سلمان في مراجعة سياسة سلفه؟كانت المراجعة بينة من عاصفة الحزم ،ومن التريث في تأييد الحملة على الإخوان وحماس ،والحد من تأييد السيسي في مصر ،فضلا عن الموقف الحازم في سوريا.فما الذي حصل لتتخلى السعودية عن الاتزان والحذر في آن ،خاصة وهي تفيد بداية الاعتماد على النفس ،وهو ما يمكن اعتباره ثمرة طيبة لتقاعس أوباما؟كيف يصدق المرء أنهم مقتنعون بعنتريات ترامب ،ويتوهمونها كافية لصد إيران، فاطمأنوا إلى التحرر من وجع رأس الاعتماد على النفس والتعاون مع تركيا؟ أم هل مشكل الخلافة في الأسرة الحاكمة ،هو العلة؟لأن جل الأنظمة العربية ليست شعوبها ،ولا حتى دساتيرها ،هي التي تحدد الوريث ،بل الحامي هو المحدد.وهل يوجد من يمكن أن يعتقد أن إسرائيل صارت ملاكا على وجه الأرض ،غايته العيش بسلام؟ أو حماية من يعتبر أرضهم حقا له يسترده ،عندما تحين الفرصة؟ عندي فرضية للجواب على هذه الأسئلة.فما يبدو أقل الأمور وزنا في المعادلة ،هو في الحقيقة سر كل ما يجري :الخوف من غزو افكار الثورة لقلوب الشعوب.وهذا الخوف هو القطرة التي افاضت الكأس ،أو القشة التي قصمت ظهر البعير ،فتحالف الجميع للتصدي لـ \"فزّة\" الشعوب التي توالت أمواجها وتنامت بلا حد. 41
فصمود الثورة في سوريا وفي ليبيا ،وحتى في مصر وتونس رغم الكلفة ،دليل على أن كل ما حاولته إيران وميليشياتها بصنفيها (السيف والقلم) باء بالفشل.وحتى اللجوء إلى روسيا وأمريكا ،فإنه لم يحسم الأمر ،بل إن أهم ما يخشونه حصل بعد :فالحدود التي رسمها الاستعمار في بداية القرن لم تعد قائمة.رغم خطر إيران وميليشياتها ،وإسرائيل وعملائها ،فإن المعركة لم تعد محلية ولا حتى إقليمية ،بل هي صارت عالمية ضد أمر واحد :استئناف الإسلام دوره.صحيح أن المخاض بطيء وعسير ومخترق ،وقد لا يصل إلى الوضع ،لكن الاعتمال بلغ درجة لم يعد في الإمكان أن يكون المستقبل أسوأ من الماضي والحاضر. فبالمطاولة ،خطوط دفاع أعداء الاستئناف الـخمسة تنهار: .1الانظمة .2ونخبها العميلة .3والذراعان بميليشياتهما .4والحاميان بطيرانها .5واعلامهما وقانونهما الدوليوهذه المستويات الخمسة ،هي مستويات الخوف الذي يحرك أعداء الاستئناف الإسلامي، رغم تعثره ورغم اختراق الكثير من حركاته ،ورغم فقدانه للاستراتيجيا.فالأنظمة خائفة من شعوبها ،والذراعان خائفان من تفشي أفكار الثورة في الإقليم، والحماة خائفان من عودة العملاق الإسلامي لدوره :السر هذا الخوف. وبخلاف تشاؤم الكثير ،فإني شديد التفاؤل. فبدايات النصر أطلت براسها. فما حصل مع الذراع الأولى ،سيحصل مع الثانية .ما ربحت به إيران القلوب ولّى.وإسرائيل لا يمكن أن تربح القلوب بدعوى الحماية من إيران ،كما فعلت هذه بدعوى الحماية من إسرائيل ،بل هي ستقوي احتقار الشعوب للأنظمة العميلة. 42
وأما الحامي الشرقي (بوتين) فهو قد هزم بعد ،وأما الحامي الغربي (أمريكا) ،فهي قد خسرت المعركة بمجرد أن فرضت على تركيا كونها قضية حياة أو موت. ومن ث ّم ،فتوقعي أن المؤامرة ضد قطر تكملة للمؤامرة ضد تركيا.فمن بين الانظمة العربية ،يمكن القول إن قطر قد أدركت كتركيا الخطر ،فاختارت المستقبل،وشعوب الخليج ليست كما يتوهم الكثير ،فاقدة للشعور المتجاوز للأنانية ،التي تنسب عادة للأغنياء ،فعلماؤهم وشبابهم تواقون لعزة الإسلام ومجد الأمة.لذلك فلا خوف على قطر من أنظمة الخليج ،الذين قد يتآمرون عليها :فلن يستطيعوا الذهاب إلى الغاية .الخوف من إيران وإسرائيل ،فـجزيرتها تقض مضجعهما.السر هو سلسلة الخوف المتراكبة :اسرائيل تعد الأنظمة بالتصدي لإيران ،كما كانت إيران تعد الشعوب بالتصدي لإسرائيل ،مع خوف متبادل بين الشعوب والأنظمة.وهذا كله تبخر بفضل ثورة الشباب التي أزاحت خوف الشعوب من الأنظمة ،فقوت خوف الأنظمة من السقوط ،فتعلقت بإسرائيل وبعنتريات ترامب ذي السلطان الهش.والشباب المسلم صبور وقادر على حرب المطاولة ،ولن يخرج أي من أعداء الإسلام ،سواء من داخله أو من خارجه ،سالما من هذه المعركة التاريخية الحاسمة. لست أدري لماذا .لكني مطمئن.واطمئناني ليس لمجرد إيماني بأن الإسلام لن يهزم أبدا ،بل كذلك لأن الذراعين فشلا، وحماتهما فشلوا ،والأنظمة اهتزت حقا.وهي ذهبت إلى حلول كلها تقربها من النهاية :كان يمكن أن تختار صف شعبها ،فيطوي صفحة الماضي ويقبل بها ،فيعتبرها من الطلقاء.لكنهم يعاندون لحتفهم ،ولن ينجو منهم إلا النظامان اللذان فضلا صف الشعب ،تماما كماحصل لمحمد الخامس عندما فضل شعبه ،فلم يتنكر له شعبه وحافظ على سلطانه بعد الاستقلال. 43
آخر كلمة أقولها لأنظمة العرب التي لم تسقط بعد في الخليج وفي المغرب (أنظمة الهلال سقطت) ،ألا يتركوا الفرصة تفرط بين أيديهم. تصالحوا مع شعوبكم.فالاعتماد بعد الله عليها وليس على إيران ولا على إسرائيل ولا على بوتين ولا على ترامب .فكل هؤلاء سيميلون مع الريح ،فالثورة تتهددهم في بلادهم.فليست إيران ولا إسرائيل ولا بوتين ولا ترامب بمنأى عما يحدث عندنا :كل شباب العالم لم يعد يقبل بأن تحكمه المافيات .ثورتنا كونية وهي ستعم أوروبا.ظاهرة اليمين المتطرف في الغرب هي رقصة الديك المذبوح ،وهي بنت الخوف ،مثل ما يحدث عندنا .المستقبل لمن يجانس ماكرون ومن يليه من أجيال الغرب الشابة.تلك هي علل اطمئناني واعتباري قطر وتركيا ،رغم الضغط القوي عليهما ،قادرين على تجاوز الخطر بشيء من الصبر والمناورة ،ودعم المطاولة. فالنصر آت لاريب. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages:
